تصنیف نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تصنیف نهج البلاغه - نسخه متنی

لبیب بیضون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

أمواجه، ساجيا مقهورا، و في حكمة الذّلّ منقادا أسيرا، و سكنت الأرض مدحوّة في لجّة تيّاره، و ردّت من نخوة بأوه و اعتلائه "البأو: الزهو" و شموخ أنفه و سموّ غلوائه،

و كعمته "كعم البعير: شدّ فاه لئلا يعض" على كظّة جريته، فهمد بعد نزقاته، و لبد بعد زيفان "التبختر في المشية" و ثباته. فلمّا سكن هيج الماء من تحت أكنافها، و حمل شواهق الجبال الشّمّخ البذّخ على أكتافها، فجّرّ ينابيع العيون من عرانين أنوفها،

و فرّقها في سهوب بيدها و أخاديدها، و عدّل حركاتها بالرّاسيات من جلاميدها، و ذوات الشّناخيب "جمع شنخوب و هو رأس الجبل" الشّمّ من صياخيدها "جمع صيخود و هي الصخرة الشديدة". فسكنت من الميدان "أي الاضطراب" لرسوب الجبال في قطع أديمها، و تغلغلها متسرّبة في جوبات خياشيمها، و ركوبها أعناق سهول الأرضين و جراثيمها. و فسح بين الجوّ و بينها، و أعدّ الهواء متنسّما لساكنها، و أخرج إليها أهلها على تمام مرافقها. ثمّ لم يدع جرز الأرض "أي الأرض التي تنبت عند مرور مياه العيون عليها" الّتي تقصر مياه العيون عن روابيها، و لا تجد جداول الأنهار ذريعة إلى بلوغها، حتّى أنشأ لها ناشئة سحاب تحيي مواتها، و تستخرج نباتها.

ألّف غمامها بعد افتراق لمعه، و تباين قزعه. حتّى إذا تمخّضت لجّة المزن فيه،

و التمع برقه في كففه، و لم ينم و ميضه في كنهور "القطع العظيمة من السحاب أو المتراكم منه" ربابه "الأبيض المتلاحق من السحاب"، و متراكم سحابه، أرسله سحّا متداركا، قد أسفّ هيدبه "أي دنا سحابه المتدلي كالذيل"، تمريه الجنوب درر أهاضيبه "أي تستدر ريح الجنوب الماء من السحاب كما يستدر الحالب لبن الناقة" و دفع شآبيبه "جمع شؤبوب و هو المطر الشديد". فلمّا ألقت السّحاب برك بوانيها "تشبيه السحاب بالناقة اذا بركت و ضربت بعنقها على الأرض و لاطمتها بأضلاع زورها"، و بعاع "ألقى السحاب بعاعه: أمطر كل ما فيه" ما استقلّت به من العب ء المحمول عليها، أخرج به من هوامد الأرض النّبات، و من زعر الجبال الأعشاب، فهي تبهج بزينة رياضها، و تزدهي بما ألبسته من ريط "جمع ريطة و هي كل ثوب رقيق لين" أزاهيرها، و حلية ما سمطت به من ناضر أنوارها "جمع نور و هو الزهر" و جعل

ذلك بلاغا للأنام، و رزقا للأنعام. و خرق الفجاج في آفاقها، و أقام المنار للسّالكين على جوادّ طرقها. "الخطبة 89، 3، 171"

و قذفت إليه السّموات و الأرضون مقاليدها، و سجدت له بالغدوّ و الآصال الأشجار النّاضرة، و قدحت له من قضبانها النّيران المضيئة، و آتت أكلها بكلماته الثّمار اليانعة. "الخطبة 131، 244"

و ربّ هذه الأرض الّتي جعلتها قرارا للأنام، و مدرجا للهوامّ و الأنعام، و ما لا يحصى ممّا يرى و ما لا يرى. و ربّ الجبال الرّواسي الّتي جعلتها للأرض أوتادا، و للخلق اعتمادا. "الخطبة 169، 305"

فسبحان من لا يخفى عليه سواد غسق داج، و لا ليل ساج، في بقاع الأرضين المتطأطئات، و لا في يفاع السّفع المتجاورات "اليفاع التل، و السفع الجبال السود".

و ما يتجلجل به الرّعد في أفق السّماء، و ما تلاشت عنه بروق الغمام. و ما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها عواصف الأنواء و انهطال السّماء و يعلم مسقط القطرة و مقرّها، و مسحب الذّرّة و مجرّها، و ما يكفي البعوضة من قوتها، و ما تحمل الأنثى في بطنها. "الخطبة 180، 325"

و كذلك السّماء و الهواء و الرّياح و الماء. فانظر إلى الشّمس و القمر و النّبات و الشّجر و الماء و الحجر، و اختلاف هذا اللّيل و النّهار، و تفجّر هذه البحار، و كثرة هذه الجبال،

و طول هذه القلال "القلة: رأس الجبل"، و تفرّق هذه اللّغات و الألسن المختلفات.

فالويل لمن أنكر المقدّر، و جحد المدبّر... 'تراجع تتمة الكلام في المبحث "1" معرفة اللّه'. "الخطبة 183، 336"

و أنشأ السّحاب الثّقال فأهطل ديمها، و عدّد قسمها، قبل الأرض بعد جفوفها، و أخرج نبتها بعد جذوبها. "الخطبة 183، 337"

و أنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال، و أرساها على غير قرار. و أقامها بغير قوائم، و رفعها بغير دعائم. و حصّنها من الأود و الإعوجاج، و منعها من التهافت و الإنفراج.

أرسى أوتادها، و ضرب أسدادها. و استفاض عيونها، و خدّ أوديتها. فلم يهن ما بناه،

و لا ضعف ما قوّاه. "الخطبة 184، 344"

ثمّ أداء الأمانة، فقد خاب من ليس من أهلها. إنّها عرضت على السّموات المبنيّة و الأرضين المدحوّة "أي المبسوطة" و الجبال ذات الطّول المنصوبة، فلا أطول و لا أعرض، و لا أعلى و لا أعظم منها. و لو امتنع شي ء بطول أو عرض أو قوّة أو عزّ، لامتنعن، و لكن أشفقن من العقوبة، و عقلن ما جهل من هو أضعف منهنّ، و هو الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً. "الخطبة 197، 393"...

و أرسى أرضا يحملها الأخضر المثعنجر "أي معظم البحر" و القمقام "البحر أيضا" المسخّر. قد ذلّ لأمره و أذعن لهيبته. و وقف الجاري منه لخشيته. و جبل جلاميدها،

و نشوز متونها و أطوادها، فأرساها في مراسيها، و ألزمها قراراتها. فمضت رؤوسها في الهواء، و رست أصولها في الماء. فأنهد جبالها عن سهولها، و أساخ قواعدها في متون أقطارها و مواضع أنصابها. فأشهق قلالها، و أطال أنشازها "متونها المرتفعة في جوانب الأرض"، و جعلها للأرض عمادا. و أرّزها فيها "أي ثبتها" أوتادا. فسكنت على حركتها من أن تميد بأهلها، أو تسيخ بحملها، أو تزول عن مواضعها. فسبحان من أمسكها بعد موجان مياهها، و أجمدها بعد رطوبة أكنافها. فجعلها لخلقه مهادا،

و بسطها لهم فراشا. فوق بحر لجّيّ راكد لا يجري و قائم لا يسري. تكركره الرّياح العواصف "أي أن الرياح تذهب بماء البحر و تعود" و تمخضه الغمام الذّوارف "أي أن السحاب يستخلص من ماء البحر خلاصته و هو البخار، كما تستخلص الزبدة من الحليب بمخضه"، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةٌ لِمَنْ يَخْشَى . "الخطبة 209، 404"

الملائكة و صفاتهم


يراجع المبحث "26" خلق آدم و السجود له.

قال الامام علي "ع":

عن خلق الملائكة: ثمّ فتق ما بين السّموات العلا، فملأهنّ أطوارا من ملائكته. منهم

سجود لا يركعون، و ركوع لا ينتصبون، و صافّون لا يتزايلون، و مسبّحون لا يسأمون لا يغشاهم نوم العين، و لا سهو العقول، و لا فترة الأبدان، و لا غفلة النّسيان. و منهم أمناء على وحيه، و ألسنة إلى رسله، و مختلفون بقضائه و أمره. و منهم الحفظة لعباده، و السّدنة لأبواب جنانه. و منهم الثّابتة في الأرضين السّفلى أقدامهم، و المارقة من السّماء العليا أعناقهم، و الخارجة من الأقطار أركانهم، و المناسبة لقوائم العرش أكتافهم. ناكسة دونه أبصارهم، متلفّعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم و بين من دونهم حجب العزّة، و أستار القدرة. لا يتوهّمون ربّهم بالتّصوير، و لا يجرون عليه صفات المصنوعين، و لا يحدّونه بالأماكن، و لا يشيرون إليه بالنّظائر. "الخطبة 1، 27"

و استأدى اللّه سبحانه الملائكة وديعته لديهم "أي آدم" و عهد وصيّته إليهم، في الإذعان بالسّجود له، و الخشوع لتكرمته، فقال سبحانه اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجدُوا، إِلاَّ إِبْلِيسَ. "الخطبة 1، 30"

و وصف "ع" الطائفين بالبيت الحرام: و تشبّهوا بملائكته المطيفين بعرشه. "الخطبة 1، 35"

و من خطبة الأشباح في صفة الملائكة: ثمّ خلق سبحانه لإسكان سمواته، و عمارة الصّفيح الأعلى من ملكوته، خلقا بديعا من ملائكته. و ملأ بهم فروج فجاجها، و حشا بهم فتوق أجوائها، و بين فجوات تلك الفروج زجل المسبّحين منهم في حظائر القدس، و سترات الحجب، و سرادقات المجد. و وراء ذلك الرّجيح الّذي تستكّ منه الأسماع، سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها، فتقف خاسئة على حدودها.

و أنشأهم على صور مختلفات، و أقدار متفاوتات، أولي أجنحة تسبّح جلال عزّته، لا ينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعه، و لا يدّعون أنّهم يخلقون شيئا معه ممّا انفرد به، بل عباد مكرمون لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. جعلهم اللّه فيما هنالك أهل الأمانة على وحيه، و حمّلهم إلى المرسلين ودائع أمره و نهيه، و عصمهم من ريب الشّبهات. فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته. و أمدّهم بفوائد المعونة، و أشعر قلوبهم تواضع إخبات السّكينة، و فتح لهم أبوابا ذللا إلى تماجيده، و نصب لهم منارا واضحة على أعلام توحيده. لم تثقلهم موصرات الآثام و لم ترتحلهم عقب اللّيالي و الأيّام.

و لم ترم الشّكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم، و لم تعترك الظّنون على معاقد يقينهم.

و لا قدحت قادحة الإحن "أي الحقد" فيما بينهم، و لا سلبتهم الحيرة ما لاق "أي لصق" من معرفته بضمائرهم، و ما سكن من عظمته و هيبة جلالته في أثناء صدورهم، و لم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها على فكرهم. و منهم من هو في خلق الغمام الدّلّح "السحاب الثقيل بالماء" و في عظم الجبال الشّمّخ، و في قترة الظّلام الأبهم، و منهم من خرقت أقدامهم تخوم الأرض السّفلى، فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء، و تحتها ريح هفّافة تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية، قد استفرغتهم أشغال عبادته، و وصلت حقائق الإيمان بينهم و بين معرفته، و قطعهم الإيقان به إلى الوله إليه، و لم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره قد ذاقوا حلاوة معرفته، و شربوا بالكأس الرّويّة من محبّته، و تمكّنت من سويداء قلوبهم و شيجة خيفته، فحنوا بطول الطّاعة اعتدال طهورهم، و لم ينفذ طول الرّغبة إليه مادّة تضرّعهم، و لا أطلق عنهم عظيم الزّلفة ربق خشوعهم، و لم يتولّهم الإعجاب فيستكثروا ما سلف منهم، و لا تركت لهم استكانة الإجلال نصيبا في تعظيم حسناتهم، و لم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم، و لم تغض رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربّهم، و لم تجفّ لطول المناجاة أسلات "أي أطراف" ألسنتهم، و لا ملكتهم الأشغال فتنقطع بهمس الجؤار "أي رفع الصوت بالتضرع" إليه أصواتهم، و لم تختلف في مقاوم الطّاعة مناكبهم، و لم يثنوا إلى راحة التّقصير في أمره رقابهم. و لا تعدو على عزيمة جدّهم بلادة الغفلات، و لا تنتضل في هممهم خدائع الشّهوات. قد اتّخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم، و يمّموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم، لا يقطعون أمد غاية عبادته، و لا يرجع بهم الإستهتار بلزوم طاعته، إلاّ إلى موادّ من قلوبهم غير منقطعة من رجائه و مخافته، لم تنقطع أسباب الشّفقة منهم فينوا في جدّهم، و لم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك السّعي على اجتهادهم. لم يستعظموا ما مضى من أعمالهم، و لو استعظموا ذلك لنسخ الرّجاء منهم شفقات وجلهم. و لم يختلفوا في ربّهم باستحواذ الشّيطان عليهم. و لم يفرّقهم سوء التّقاطع، و لا تولاّهم غلّ التّحاسد. و لا تشعّبتهم

مصارف الرّيب، و لا اقتسمتهم أخياف الهمم "جمع خيف و هو في الأصل ما انحدر عن سفح الجبل، و المراد هنا سواقط الهمم". فهم أسراء إيمان لم يفكّهم من ربقته زيغ و لا عدول و لا ونّى و لا فتور، و ليس في أطباق السّماء موضع إهاب "أي جلد الحيوان"، إلاّ و عليه ملك ساجد، أو ساع حافد "أي سريع"، يزدادون على طول الطّاعة بربّهم علما، و تزداد عزّة ربّهم في قلوبهم عظما. "الخطبة 89، 2، 167"

من ملائكة أسكنتهم سمواتك، و رفعتهم عن أرضك. هم أعلم خلقك بك، و أخوفهم لك، و أقربهم منك. لم يسكنوا الأصلاب، و لم يضمّنوا الأرحام، و لم يخلقوا من ماء مهين، و لم يتشعبهم ريب المنون، و إنّهم على مكانهم منك، و منزلتهم عندك، و استجماع أهوائهم فيك، و كثرة طاعتهم لك، و قلّة غفلتهم عن أمرك، لو عاينوا كنه ما خفي عليهم منك، لحقّروا أعمالهم، و لزروا "أي عابوا" على أنفسهم، و لعرفوا أنّهم لم يعبدوك حقّ عبادتك، و لم يطيعوك حقّ طاعتك. "الخطبة 107، 209"

و قال "ع" عن ملك الموت: هل تحسّ به إذا دخل منزلا؟ أم هل تراه إذا توفّى أحدا؟ بل كيف يتوفّى الجنين في بطن أمّه؟ أيلج عليه من بعض جوارحها؟ أم الرّوح أجابته بإذن ربّها؟ أم هو ساكن معه في أحشائها؟ "الخطبة 110، 217"

اعلموا عباد اللّه أنّ عليكم رصدا من أنفسكم، و عيونا من جوارحكم، و حفّاظ صدق يحفطون أعمالكم و عدد أنفاسكم. لا تستركم منهم ظلمة ليل داج، و لا يكنّكم منهم باب ذو رتاج. و إنّ غدا من اليوم قريب. "الخطبة 155، 278"

اللهمّ ربّ السّقف المرفوع، و الجوّ المكفوف، الّذي جعلته مغيضا للّيل و النّهار، و مجرى للشّمس و القمر، و مختلفا للنّجوم السّيّارة. و جعلت سكّانه سبطا من ملائكتك، لا يسأمون من عبادتك. "الخطبة 169، 305"

فمن شواهد خلقه خلق السّموات، موطّدات بلا عمد، قائمات بلا سند. دعاهنّ فأجبن طائعات مذعنات، غير متلكّئات و لا مبطئات. و لو لا إقرارهنّ له بالرّبوبيّة و إذعانهنّ بالطّواعية، لما جعلهنّ موضعا لعرشه، و لا مسكنا لملائكته، و لا مصعدا للكلم الطّيّب و العمل الصّالح من خلقه. "الخطبة 180، 324"

بل إن كنت صادقا أيّها المتكلّف لوصف ربّك، فصف جبرائيل و ميكائيل و جنود الملائكة المقرّبين، في حجرات القدس مرجحنّين "أي يتمايلن بانحناء لعظمة اللّه"، متولّهة عقولهم أن يحدّوا أحسن الخالقين. "الخطبة 180، 326"

إن أسررتم علمه، و إن أعلنتم كتبه. قد وكّل بذلك حفظة كراما، لا يسقطون حقّا، و لا يثبتون باطلا... في دار اصطنعها لنفسه، ظلّها عرشه، و نورها بهجته، و زوّارها ملائكته، و رفقاؤها رسله. "الخطبة 181، 331"

فبادروا بأعمالكم تكونوا مع جيران اللّه في داره. رافق بهم رسله، و أزارهم ملائكته. "الخطبة 181، 333"

ثمّ اختبر بذلك ملائكته المقرّبين، ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين، فقال سبحانه و هو العالم بمضمرات القلوب، و محجوبات الغيوب إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طين فَإذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ اعترضته الحميّة، فافتخر على آدم بخلقه، و تعصّب عليه لأصله. "الخطبة 190، 1 357"

و لخفّت البلوى فيه على الملائكة. "الخطبة 190، 1، 357"

و لقد قرن اللّه به صلّى اللّه عليه و آله من لدن أن كان فطيما، أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، و محاسن أخلاق العالم، ليله و نهاره. "الخطبة 190، 4، 373"

و قال "ع" عمّا حصل عند احتضار النبي "ص" في حجره: و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إنّ رأسه لعلى صدري. و لقد سالت نفسه في كفّي، فأمررتها على وجهي. و لقد ولّيت غسله صلّى اللّه عليه و آله و الملائكة أعواني، فضجّت الدّار و الأفنية: ملاء يهبط، و ملاء يعرج. و ما فارقت سمعي هينمة منهم، يصلّون عليه حتّى واريناه في ضريحه. "الخطبة 195، 386"

إنّ المرء إذا هلك، قال النّاس: ما ترك؟ و قالت الملائكة: ما قدّم؟. "الخطبة 201، 396"

و قال "ع" عن أهل الذكر: قد حفّت بهم الملائكة، و تنزّلت عليهم السّكينة. "الخطبة 220، 422"

فاعملوا... قبل أن يخمد العمل، و ينقطع المهل، و ينقضي الأجل، و يسدّ باب التّوبة، و تصعد الملائكة. "الخطبة 235، 437"

و قال "ع" عن الدنيا: مسجد أحبّاء اللّه، و مصلّى ملائكة اللّه، و مهبط وحي اللّه، و متجر أولياء اللّه. "131 ح، 591"

إنّ للّه ملكا ينادي في كلّ يوم: لدوا للموت، و اجمعوا للفناء، و ابنوا للخراب. "132 ح، 591"

إنّ مع كلّ إنسان ملكين يحفظانه، فإذا جاء القدر خلّيا بينه و بينه. و إنّ الأجل جنّة حصينة. "201 ح، 603"

ما المجاهد الشّهيد في سبيل اللّه، بأعظم أجرا ممّن قدر فعفّ: لكاد العفيف أن يكون ملكا من الملائكة. "474 ح، 662"

إنّ اللّه ركّب في الملائكة عقلا بلا شهوة، و ركّب في البهائم شهوة بلا عقل، و ركّب في بني آدم كليهما. فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، و من غلبت شهوته عقله فهو شرّ من البهائم. "مستدرك 172"

خلق آدم و السجود له آدم و ابليس جنة آدم و هبوطه منها


قال الامام علي "ع":

ثمّ جمع سبحانه من حزن الأرض "أي وعرها" و سهلها، و عذبها و سبخها، تربة سنّها "أي صبّها" بالماء حتّى خلصت، و لاطها "أي خلطها و عجنها" بالبلّة حتّى لزبت "أي اشتدت". فجبل منها صورة ذات أحناء و وصول، و أعضاء و فصول. أجمدها حتّى استمسكت، و أصلدها حتّى صلصلت. لوقت معدود، و أمد معلوم. ثمّ نفخ فيها من روحه، فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها، و فكر يتصرّف بها. و جوارح يختدمها، و أدوات يقلّبها، و معرفة يفرق بها بين الحقّ و الباطل، و الأذواق و المشامّ، و الألوان و الأجناس. معجونا بطينة الألوان المختلفة، و الأشباه المؤتلفة، و الأضداد المتعادية،

و الأخلاط المتباينة، من الحرّ و البرد، و البلّة و الجمود.

و استأدى اللّه سبحانه الملائكة وديعته لديهم، و عهد وصيّته إليهم، في الإذعان بالسّجود له، و الخشوع لتكرمته، فقال سبحانه اسْجُدُوا لآدَمَ فسجدوا إلاّ إبليس،

اعترته الحميّة، و غلبت عليه الشّقوة، و تعزّز بخلقة النّار، و استهون خلق الصّلصال، فأعطاه اللّه النّظرة استحقاقا للسّخطة، و استتماما للبليّة، و إنجازا للعدة. فقال إِنَّكَ مِنْ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ. ثمّ أسكن سبحانه آدم دارا أرغد فيها عيشه، و آمن فيها محلّته، و حذّره إبليس و عداوته، فاغترّه عدوّه نفاسة عليه بدار المقام، و مرافقة الأبرار. فباع اليقين بشكّه، و العزيمة بوهنه، و استبدل بالجذل وجلا، و بالإغترار ندما. ثمّ بسط اللّه سبحانه له في توبته، و لقّاه كلمة رحمته، و وعده المردّ إلى جنّته، و أهبطه إلى دار البليّة، و تناسل الذّرّيّة. "الخطبة 1، 28"...

فلمّا مهد أرضه، و أنفذ أمره، اختار آدم عليه السّلام، خيرة من خلقه. و جعله أوّل جبلّته، و أسكنه جنّته، و أرغد فيها أكله، و أوعز إليه فيما نهاه عنه، و أعلمه أنّ في الإقدام عليه التّعرّض لمعصيته، و المخاطرة بمنزلته فأقدم على ما نهاه عنه موافاة لسابق علمه فأهبطه بعد التّوبة ليعمر أرضه بنسله، و ليقيم الحجّة به على عباده. "الخطبة 89، 3، 174"

و قال علي "ع" في الخطبة القاصعة: الحمد للّه الّذي لبس العزّ و الكبرياء، و اختارهما لنفسه دون خلقه، و جعلهما حمى و حرما على غيره، و اصطفاهما لجلاله، و جعل اللّعنة على من نازعه فيهما من عباده. ثمّ اختبر بذلك ملائكته المقرّبين، ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين. فقال سبحانه، و هو العالم بمضمرات القلوب و محجوبات الغيوب إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ. فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ اعترضته الحميّة، فافتخر على آدم بخلقه، و تعصّب عليه لأصله. فعدوّ اللّه "أي إبليس" إمام المتعصّبين، و سلف المستكبرين. الّذي وضع أساس العصبيّة، و نازع اللّه رداء الجبريّة. و ادّرع لباس التّعزّز، و خلع قناع التّذلّل. ألا ترون كيف صغّره اللّه بتكبّره، و وضّعه بترفعّه. فجعله

في الدّنيا مدحورا، و أعدّ له في الآخرة سعيرا؟ و لو أراد اللّه أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه، و يبهر العقول رواؤه "أي منظره"، و طيب يأخذ الأنفاس عرفه، لفعل. و لو فعل لظلّت له الأعناق خاضعة، و لخفّت البلوى فيه على الملائكة. و لكنّ اللّه سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزا بالإختبار لهم، و نفيا للإستكبار عنهم، و إبعادا للخيلاء منهم.

فاعتبروا بما كان من فعل اللّه بإبليس، إذ أحبط عمله الطّويل و جهده الجهيد، و كان قد عبد اللّه ستّة آلاف سنة، لا يدرى أمن سنيّ الدّنيا أم من سنيّ الآخرة، عن كبر ساعة واحدة. "الخطبة 190، 1، 356"

ألا ترون أنّ اللّه سبحانه، اختبر الأوّلين من لدن آدم صلوات اللّه عليه، إلى الآخرين من هذا العالم، بأحجار لا تضرّ و لا تنفع، و لا تبصر و لا تسمع، فجعلها بيته الحرام، الّذي جعله للنّاس قياما.... ثمّ أمر آدم عليه السّلام و ولده أن يثنوا أعطافهم نحوه. "الخطبة 190، 2، 364"

أمّا إبليس فتعصّب على آدم لأصله، و طعن عليه في خلقته، فقال: أنا ناريّ و أنت طينيّ. "الخطبة 190، 2، 367"

الخفاش


قال الامام علي "ع"

عن خلقة الخفاش: و من لطائف صنعته و عجائب خلقته، ما أرانا من غوامض الحكمة في هذه الخفافيش، الّتي يقبضها الضّياء الباسط لكلّ شي ء، و يبسطها الظّلام القابض لكلّ حيّ، و كيف عشيت أعينها "أي ضعفت عن الرؤية" عن أن تستمدّ من الشّمس المضيئة نورا تهتدي به في مذاهبها، و تتّصل بعلانيّة برهان الشّمس إلى

/ 86