تصنیف نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تصنیف نهج البلاغه - نسخه متنی

لبیب بیضون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه، فإنّها الزّمام و القوام. فتمسّكوا بوثائقها و اعتصموا بحقائقها. تؤل بكم إلى أكنان الدّعة و أوطان السّعة. و معاقل الحرز و منازل العزّ. في يوم تشخص فيه الأبصار... "الخطبة 193، 384"

أمّا بعد فإنّي أوصيكم بتقوى اللّه الّذي ابتدأ خلقكم، و إليه يكون معادكم. و به نجاح طلبتكم، و إليه منتهى رغبتكم. و نحوه قصد سبيلكم، و إليه مرامي مفزعكم. فإنّ تقوى اللّه دواء داء قلوبكم، و بصر عمى أفئدتكم. و شفاء مرض أجسادكم، و صلاح فساد صدوركم. و طهور دنس أنفسكم، و جلاء عشا أبصاركم. و أمن فزع جأشكم، و ضياء سواد ظلمتكم. فاجعلوا طاعة اللّه شعارا دون دثاركم، و دخيلا دون شعاركم،

و لطيفا بين أضلاعكم، و أميرا فوق أموركم، و منهلا لحين ورودكم، و شفيعا لدرك طلبتكم، و جنّة ليوم فزعكم، و مصابيح لبطون قبوركم، و سكنا لطول وحشتكم، و نفسا لكرب مواطنكم. فإنّ طاعة اللّه حرز من متالف مكتنفة، و مخاوف متوقّعة، و أوار نيران موقدة. فمن أخذ بالتّقوى عزبت "أي بعدت" عنه الشّدائد بعد دنوّها، و احلولت له الأمور بعد مرارتها، و انفرجت عنه الأمواج بعد تراكمها، و أسهلت له الصّعاب بعد إنصابها، و هطلت عليه الكرامة بعد قحوطها و تحدّبت عليه الرّحمة بعد نفورها،

و تفجّرت عليه النّعم بعد نضوبها، و وبلت عليه البركة بعد إرذاذها "أي أمطرت عليه البركة بعد ان كانت تنزل رذاذا".

فاتّقوا اللّه الّذي نفعكم بموعظته، و وعظكم برسالته، و امتنّ عليكم بنعمته. فعبّدوا أنفسكم لعبادته، و اخرجوا إليه من حقّ طاعته. "الخطبة 196، 387"

فإنّ تقوى اللّه مفتاح سداد، و ذخيرة معاد. و عتق من كلّ ملكة "أي عتق من رق الشهوات"، و نجاة من كلّ هلكة. بها ينجح الطّالب، و ينجو الهارب، و تنال الرّغائب. "الخطبة 228، 431"

أمره بتقوى اللّه في سرائر أمره و خفيّات عمله. حيث لا شهيد غيره، و لا وكيل دونه. و أمره ألاّ يعمل بشي ء من طاعة اللّه فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسرّ، و من لم يختلف سرّه و علانيته، و فعله و مقالته، فقد أدّى الأمانة و أخلص العبادة. "الخطبة 265، 463"

و قال "ع" في وصيته لابنه الحسن "ع": فإنّي أوصيك بتقوى اللّه أي بنيّ و لزوم أمره،

و عمارة قلبك بذكره، و الاعتصام بحبله. و أيّ سبب أوثق من سبب بينك و بين اللّه إن أنت أخذت به. "الخطبة 270، 1، 474"

و اعلم يا بنيّ أنّ أحبّ ما أنت آخذ به إليّ من وصيّتي تقوى اللّه، و الاقتصار على ما فرضه اللّه عليك. "الخطبة 270، 1، 477"

فاتّق اللّه يا معاوية في نفسك، و جاذب الشّيطان قيادك، فإنّ الدّنيا منقطعة عنك، و الآخرة قريبة منك، و السّلام. "الخطبة 271، 491"

فاتّق اللّه و اردد إلى هؤلاء القوم أموالهم. "الخطبة 280، 499"

و من عهده "ع" لمالك الاشتر لما ولاه على مصر و أعمالها: أمره بتقوى اللّه و إيثار طاعته، و اتّباع ما أمر به في كتابه: من فرائضه و سننه، الّتي لا يسعد أحد إلاّ باتّباعها، و لا يشقى إلاّ مع جحودها و إضاعتها، و أن ينصر اللّه سبحانه بقلبه و يده و لسانه. فإنّه جلّ اسمه قد تكفّل بنصر من نصره، و إعزاز من أعزّه.

و أمره أن يكسر نفسه من الشّهوات، و يزعها "أي يكفّها" عند الجمحات. فإنّ النّفس أمّارة بالسّوء، إلاّ ما رحم اللّه. "الخطبة 292، 1، 517"

و الورع جنّة "3 ح، 565" لا يقلّ عمل مع التّقوى، و كيف يقلّ ما يتقبّل؟ "95 ح، 581" و لا كرم كالتّقوى... و لا ورع كالوقوف عند الشّبهة. "113 ح، 586" عظم الخالق عندك يصغّر المخلوق في عينك. "129 ح، 589" و خاطب الامام "ع" الموتى و قد مر بقبور الكوفة، ثم التفت الى أصحابه فقال: أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أنّ خير الزّاد التّقوى. "130 ح، 589" أيّها النّاس، اتّقوا اللّه الّذي إن قلتم سمع، و إن أضمرتم علم... "203 ح، 603" اتّقوا اللّه تقيّة من شمّر تجريدا و جدّ تشميرا، و كمّش في مهل، و بادر عن وحل، و نظر في كرّة الموئل و عاقبة المصدر و مغبّة المرجع. "210 ح، 604" اتّق اللّه بعض التّقى و إن قلّ، و اجعل بينك و بين اللّه سترا و إن رقّ. "242 ح، 610"

من بالغ في الخصومة أثم، و من قصّر فيها ظلم، و لا يستطيع أن يتّقي اللّه من خاصم. "298 ح، 626" معاشر النّاس، اتّقوا اللّه فكم من مؤمّل ما لا يبلغه، و بان ما لا يسكنه، و جامع ما سوف يتركه، و لعلّه من باطل جمعه، و من حقّ منعه: أصابه حراما، و احتمل به آثاما. فباء بوزره، و قدم على ربّه آسفا لاهفا. قد خسر الدّنيا و الآخرة، ذلك هو الخسران المبين.

"344 ح، 635" و من كثر كلامه كثر خطؤه، و من كثر خطؤه قلّ حياؤه، و من قلّ حياؤه قلّ ورعه، و من قلّ ورعه مات قلبه، و من مات قلبه دخل النّار. "349 ح، 636" أيّها النّاس، اتّقوا اللّه، فما خلق امرؤ عبثا فيلهو، و لا ترك سدى فيلغو. "370 ح، 640" لا شرف أعلى من الإسلام، و لا عزّ أعزّ من التّقوى، و لا معقل أحسن من الورع.

"371 ح، 641" ألا و إنّ من البلاء الفاقة، و أشدّ من الفاقة مرض البدن، و أشدّ من مرض البدن مرض القلب. ألا و إنّ من النّعم سعة المال. و أفضل من سعة المال صحّة البدن، و أفضل من صحّة البدن تقوى القلب. "388 ح، 645" التّقى رئيس الأخلاق. "410 ح، 649" الإيمان أن تؤثر الصّدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك، و أن لا يكون في حديثك فضل عن عملك، و أن تتّقي اللّه في حديث غيرك. "458 ح، 658"

التقوى حرية لا قيد


قال الامام علي "ع":

اعلموا عباد اللّه، إنّ التّقوى دار حصن عزيز، و الفجور دار حصن ذليل، لا يمنع أهله و لا يحرز من لجأ إليه. ألا و بالتّقوى تقطع حمة الخطايا، و باليقين تدرك الغاية القصوى. "الخطبة 155، 277"

فإنّ تقوى اللّه مفتاح سداد، و ذخيرة معاد، و عتق من كلّ ملكة، و نجاة من كلّ هلكة. "الخطبة 228، 431"

اقطعوا عن أنفسكم لسعة هذه العقارب بالتّقوى. "قول مشهور"

حافظوا على التقوى تحفظكم


قال الامام علي "ع":

عباد اللّه، أوصيكم بتقوى اللّه، فإنّها حقّ اللّه عليكم، و الموجبة على اللّه حقّكم. و أن تستعينوا عليها باللّه، و تستعينوا بها على اللّه.... أيقظوا بها نومكم، و اقطعوا بها يومكم، و أشعروها قلوبكم... ألا فصونوها و تصوّنوا بها. "الخطبة 189، 354"

صفات المتقين و الفاسقين


"رجال اللّه و أولياؤه العارفون باللّه السالكون الطريق الى اللّه"

يراجع المبحث "360" التقوى و الفسوق.

قال الامام علي "ع":

في أصناف المسيئين: و النّاس على أربعة أصناف: منهم من لا يمنعه الفساد في الأرض إلاّ مهانة نفسه، و كلالة حدّه، و نضيض وفره "أي قلة ماله". و منهم المصلت لسيفه، و المعلن بشرّه، و المجلب بخيله و رجله. قد أشرط نفسه، و أوبق دينه، لحطام ينتهزه، أو مقنب "طائفة من الخيل" يقوده، أو منبر يفرعه "أي يعلوه". و لبئس المتجر أن ترى الدّنيا لنفسك ثمنا، و ممّا لك عند اللّه عوضا و منهم من يطلب الدّنيا بعمل الآخرة، و لا يطلب الآخرة بعمل الدّنيا. قد طامن من شخصه، و قارب من خطوه،

و شمّر من ثوبه، و زخرف من نفسه للأمانة، و اتّخذ ستر اللّه ذريعة إلى المعصية.

و منهم من أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه، و انقطاع سببه، فقصرته الحال على

حاله، فتحلّى باسم القناعة، و تزيّن بلباس أهل الزّهادة، و ليس من ذلك في مراح و لا مغدى..

و بقي رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع، و أراق دموعهم خوف المحشر. فهم بين شريد نادّ "أي هارب من الجماعة الى الوحدة"، و خائف مقموع، و ساكت مكعوم،

وداع مخلص، و ثكلان موجع. قد أخملتهم التّقيّة، و شملتهم الذّلّة. فهم في بحر أجاج، أفواههم ضامزة "أي ساكنة"، و قلوبهم قرحة. قد وعظوا حتّى ملّوا، و قهروا حتّى ذلّوا، و قتلوا حتّى قلّوا. "الخطبة 32، 86"

و إنّما سمّيت الشّبهة شبهة لأنّها تشبه الحقّ. فأمّا أولياء اللّه فضياؤهم فيها اليقين، و دليلهم سمت الهدى. "الخطبة 38، 97"

أمّا الإمرة البرّة فيعمل فيها التّقيّ، و أمّا الإمرة الفاجرة فيتمتّع فيها الشّقيّ، إلى أن تنقطع مدّته، و تدركه منيّته. "الخطبة 40، 99"

رحم اللّه امرءا سمع حكما فوعى، و دعي إلى رشاد فدنا، و أخذ بحجزة هاد فنجا.

راقب ربّه، و خاف ذنبه. قدّم خالصا، و عمل صالحا. اكتسب مذخورا، و اجتنب محذورا، و رمى غرضا، و أحرز عوضا. كابر هواه، و كذّب مناه. جعل الصّبر مطيّة نجاته، و التّقوى عدّة وفاته. ركب الطّريقة الغرّاء، و لزم المحجّة البيضاء. اغتنم المهل، و بادر الأجل، و تزوّد من العمل. "الخطبة 74، 130"

فاتّقوا اللّه تقيّة من سمع فخشع، و اقترف فاعترف، و وجل فعمل، و حاذر فبادر، و أيقن فأحسن، و عبّر فاعتبر، و حذّر فحذر، و زجر فازدجر، و أجاب فأناب، و راجع فتاب،

و اقتدى فاحتذى، و أري فرأى. فأسرع طالبا، و نجا هاربا، فأفاد ذخيرة، و أطاب سريرة، و عمّر معادا، و استظهر زادا، ليوم رحيله و وجه سبيله، و حال حاجته و موطن فاقته، و قدّم أمامه لدار مقامه. فاتّقوا اللّه عباد اللّه جهة ما خلقكم له، و احذروا منه كنه ما حذّركم من نفسه، و استحقّوا منه ما أعدّ لكم بالتّنجّز لصدق ميعاده، و الحذر من هول معاده. "الخطبة 81، 2، 141"

فاتّقوا اللّه عباد اللّه، تقيّة ذي لبّ شغل التّفكّر قلبه، و أنصب الخوف بدنه، و أسهر

التّهجّد غرار نومه، و أظمأ الرّجاء هواجر يومه، و ظلف الزّهد شهواته، و أوجف الذّكر بلسانه، و قدّم الخوف لأمانه، و تنكّب المخالج عن وضح السّبيل، و سلك أقصد المسالك إلى النّهج المطلوب، و لم تفتله فاتلات الغرور، و لم تعم عليه مشتبهات الأمور، ظافرا بفرحة البشرى، و راحة النّعمى، في أنعم نومه، و آمن يومه. و قد عبر معبر العاجلة حميدا، و قدّم زاد الآجلة سعيدا، و بادر من وجل، و أكمش في مهل "أي أسرع"، و رغب في طلب، و ذهب عن هرب "أي انصرف عما يجب الهروب منه"، و راقب في يومه غده، و نظر قدما أمامه. فكفى بالجنّة ثوابا و نوالا، و كفى بالنّار عقابا و وبالا. و كفى باللّه منتقما و نصيرا، و كفى بالكتاب حجيجا و خصيما. "الخطبة 81، 2، 144"

و قال "ع" في صفة الفاسق المغتر بالدنيا، و ذلك من خطبته الغراء: أم هذا الّذي أنشأه في ظلمات الأرحام، و شغف الأستار. نطفة دهاقا "أي منصبّة بقوة"، و علقة محاقا.

و جنينا و راضعا، و وليدا و يافعا. ثمّ منحه قلبا حافظا، و لسانا لافظا، و بصرا لاحظا.

ليفهم معتبرا، و يقصّر مزدجرا. حتّى إذا قام اعتداله و استوى مثاله، نفر مستكبرا،

و خبط سادرا، ماتحا في غرب هواه "أي يستسقي بدلو هواه"، كادحا سعيا لدنياه.

في لذّات طربه، و بدوات أربه. لا يحتسب رزيّة، و لا يخشع تقيّة "أي خوفا من اللّه تعالى". فمات في فتنته غريرا، و عاش في هفوته يسيرا. لم يفد عوضا "أي لم يستفد ثوابا"، و لم يقض مفترضا. دهمته فجعات المنيّة في غبّر جماحه، و سنن مراحه...

'تراجع تتمة الكلام في المبحث "375" الحياة و الاحتضار و الموت و القبر' "الخطبة 81، 3، 146"

و من خطبة له "ع" يبين فيها صفات المتقين و صفات الفاسقين: عباد اللّه، إنّ من أحبّ عباد اللّه إليه عبدا أعانه اللّه على نفسه، فاستشعر الحزن، و تجلبب الخوف. فزهر مصباح الهدى في قلبه، و أعدّ القرى ليومه النّازل به. فقرّب على نفسه البعيد، و هوّن الشّديد. نظر فأبصر، و ذكر فاستكثر، و ارتوى من عذب فرات سهّلت له موارده، فشرب نهلا، و سلك سبيلا جددا "أي يسهل السير فيه". قد خلع سرابيل الشّهوات، و تخلّى من

الهموم، إلاّ همّا واحدا انفرد به. فخرج من صفة العمى، و مشاركة أهل الهوى.

و صار من مفاتيح أبواب الهدى، و مغاليق أبواب الرّدى. قد أبصر طريقه، و سلك سبيله، و عرف مناره، و قطع غماره. و استمسك من العرى بأوثقها، و من الحبال بأمتنها. فهو من اليقين على مثل ضوء الشّمس. قد نصب نفسه للّه سبحانه في أرفع الأمور، من إصدار كلّ وارد عليه، و تصيير كلّ فرع إلى أصله. مصباح ظلمات،

كشّاف عشوات، مفتاح مبهمات، دفّاع معضلات، دليل فلوات. يقول فيفهم،

و يسكت فيسلم. قد أخلص للّه فاستخلصه. فهو من معادن دينه، و أوتاد أرضه. قد ألزم نفسه العدل، فكان أوّل عدله نفي الهوى عن نفسه. يصف الحقّ و يعمل به. لا يدع للخير غاية إلاّ أمّها، و لا مظنّة إلاّ قصدها. قد أمكن الكتاب من زمامه، فهو قائده و إمامه. يحلّ حيث حلّ ثقله، و ينزل حيث كان منزله. "الخطبة 85، 152"

"و يتابع عليه السلام خطبته فيقول عن صفات الفاسقين": و آخر قد تسمّى عالما و ليس به، فاقتبس جهائل من جهّال، و أضاليل من ضلاّل. و نصب للنّاس أشراكا من حبائل غرور، و قول زور. قد حمل الكتاب على آرائه، و عطف الحقّ على أهوائه. يؤمن النّاس من العظائم، و يهوّن كبير الجرائم. يقول: أقف عند الشّبهات، و فيها وقع.

و يقول: أعتزل البدع، و بينها اضطجع. فالصّورة صورة إنسان، و القلب قلب حيوان.

لا يعرف باب الهدى فيتّبعه، و لا باب العمى فيصدّ عنه. و ذلك ميّت الأحياء. "الخطبة 85، 154"

و قال "ع" عن صفة الفاسقين: آثروا عاجلا و أخّروا آجلا، و تركوا صافيا و شربوا آجنا.

كأنّي أنظر إلى فاسقهم و قد صحب المنكر فألفه، و بسي ء به "أي آستأنس" و وافقه، حتّى شابت عليه مفارقه، و صبغت به خلائقة. ثمّ أقبل مزبدا كالتّيّار لا يبالي ما غرّق، أو كوقع النّار في الهشيم لا يحفل ما حرّق... ازدحموا على الحطام، و تشاحّوا على الحرام، و رفع لهم علم الجنّة و النّار، فصرفوا عن الجنّة وجوههم، و أقبلوا إلى النّار بأعمالهم. و دعاهم ربّهم فنفروا و ولّوا، و دعاهم الشّيطان فاستجابوا و أقبلوا. "الخطبة 142، 255"

و قال "ص" 'يا عليّ إنّ القوم سيفتنون بأموالهم، و يمنّون بدينهم على ربّهم، و يتمنّون رحمته، و يأمنون سطوته. و يستحلّون حرامه بالشّبهات الكاذبة و الأهواء السّاهية.

فيستحلّون الخمر بالنّبيذ، و السّحت بالهديّة، و الرّبا بالبيع'. قلت: يا رسول اللّه فبأيّ المنازل أنزلهم عند ذلك؟ أبمنزلة ردّة أم بمنزلة فتنة؟ فقال: 'بمنزلة فتنة'. "الخطبة 154، 276"

و قال "ع" بعد فتنة عثمان، في أن شرط النجاة الاستقامة حتى النهاية: ألا و إنّ القدر السّابق قد وقع، و القضاء الماضي قد تورّد. و إنّي متكلّم بعدة اللّه و حجّته. قال اللّه تعالى إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلاَئكَةُ أَلاَ تَخَافُوا وَ لاَ تَحْزَنُوا،

وَ أَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوْعَدُونَ. و قد قلتم "ربّنا اللّه" فاستقيموا على كتابه، و على منهاج أمره، و على الطّريقة الصّالحة من عبادته، ثمّ لا تمرقوا منها، و لا تبتدعوا فيها،

و لا تخالفوا عنها. فإنّ أهل المروق منقطع بهم عند اللّه يوم القيامة. ثمّ إيّاكم و تهزيع الأخلاق و تصريفها. و اجعلوا اللّسان واحدا. و ليخزن الرّجل لسانه. فإنّ هذا اللّسان جموح بصاحبه. و اللّه ما أرى عبدا يتّقي تقوى تنفعه حتّى يخزن لسانه. و إنّ لسان المؤمن من وراء قلبه، و إنّ قلب المنافق من وراء لسانه. لأنّ المؤمن إذا أراد أن يتكلّم بكلام تدبّره في نفسه، فإن كان خيرا أبداه، و إن كان شرّا واراه. و إنّ المنافق يتكلّم بما أتى على لسانه لا يدري ماذا له و ماذا عليه. و لقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: 'لا يستقيم إيمان عبد حتّى يستقيم قلبه. و لا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه' فمن استطاع منكم أن يلقى اللّه تعالى و هو نقيّ الرّاحة من دماء المسلمين و أموالهم، سليم اللّسان من أعراضهم، فليفعل. "الخطبة 174، 314"

قال "ع" في صفة العارف باللّه: قد لبس للحكمة جنّتها، و أخذها بجميع أدبها. من الإقبال عليها و المعرفة بها و التّفرّغ لها. فهي عند نفسه ضالّته الّتي يطلبها، و حاجته الّتي يسأل عنها. فهو مغترب إذا اغترب الإسلام، و ضرب بعسيب "أي أصل" ذنبه،

و الصق الأرض بجرانه "الجران: عنق البعير يضعه على الارض، و هو كناية عن الضعف". بقيّة من بقايا حجّته، خليفة من خلائف أنبيائه. "الخطبة 180، 327"

وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إلَى الْجَنَّةِ زُمَراً. قد أمن العذاب، و انقطع العتاب، و زحزحوا عن النّار، و اطمأنّت بهم الدّار، و رضوا المثوى و القرار. الّذين كانت أعمالهم في الدّنيا زاكية، و أعينهم باكية، و كان ليلهم في دنياهم نهارا، تخشّعا و استغفارا، و كان نهارهم ليلا، توحشا و انقطاعا. فجعل اللّه لهم الجنّة مآبا، و الجزاء ثوابا، "و كانوا أحقّ بها و أهلها"، في ملك دائم، و نعيم قائم. "الخطبة 188، 352"

... و إنّي لمن قوم لا تأخذهم في اللّه لومة لائم. سيماهم سيما الصّدّيقين، و كلامهم كلام الأبرار. عمّار اللّيل و منار النّهار. متمسّكون بحبل القرآن. يحيون سنن اللّه و سنن رسوله. لا يستكبرون و لا يعلون، و لا يغلّون و لا يفسدون. قلوبهم في الجنان و أجسادهم في العمل. "الخطبة 190، 4، 375"

روي أن صاحبا لأمير المؤمنين عليه السلام يقال له همام بن شريح كان رجلا عابدا.

فقال له: يا أمير المؤمنين صف لي المتّقين حتى كأنّي أنظر إليهم. فتثاقل عليه السلام عن جوابه، ثم قال: يا همام اتّق اللّه و أحسن، ف إنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.

فلم يقنع همام بهذا القول حتى عزم عليه. فحمد اللّه و أثنى عليه، و صلى على النبي "ص" ثم قال "ع":

أمّا بعد فإنّ اللّه سبحانه و تعالى خلق الخلق حين خلقهم غنيّا عن طاعتهم، آمنا من معصيتهم، لأنّه لا تضرّه معصية من عصاه، و لا تنفعه طاعة من أطاعه. فقسم بينهم معايشهم و وضعهم من الدّنيا مواضعهم. فالمتّقون فيها هم أهل الفضائل. منطقهم الصّواب، و ملبسهم الاقتصاد، و مشيهم التّواضع، غضّوا أبصارهم عمّا حرّم اللّه عليهم،

و وقفوا أسماعهم على العلم النّافع لهم. نزّلت أنفسهم منهم في البلاء كالّتي نزّلت في الرّخاء. و لو لا الأجل الّذي كتب اللّه عليهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقا إلى الثّواب، و خوفا من العقاب. عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم و الجنّة كمن قد رآها، فهم فيها منعّمون، و هم و النّار كمن قد رآها،

فهم فيها معذّبون. قلوبهم محزونة، و شرورهم مأمونة. و أجسادهم نحيفة، و حاجاتهم خفيفة، و أنفسهم عفيفة. صبروا أيّاما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة. تجارة مربحة

يسّرها لهم ربّهم. أرادتهم الدّنيا فلم يريدوها، و أسرتهم ففدوا أنفسهم منها. أمّا اللّيل فصافّون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتّلونها ترتيلا. يحزّنون به أنفسهم،

و يستثيرون به دواء دائهم. فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا، و تطلّعت نفوسهم إليها شوقا، و ظنّوا أنّها نصب أعينهم. و إذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، و ظنّوا أنّ زفير جهنّم و شهيقها في أصول آذانهم. فهم حانون على أوساطهم، مفترشون لجباههم و أكفّهم و ركبهم، و أطراف أقدامهم، يطلبون إلى اللّه تعالى في فكاك رقابهم. و أمّا النّهار فحلماء علماء أبرار أتقياء. قد براهم الخوف بري القداح "أي السهام". ينظر إليهم النّاظر فيحسبهم مرضى، و ما بالقوم من مرض،

و يقول: لقد خولطوا "أي اختل عقلهم من خوف اللّه". و لقد خالطهم أمر عظيم.

لا يرضون من أعمالهم القليل، و لا يستكثرون الكثير. فهم لأنفسهم متّهمون، و من أعمالهم مشفقون. إذا زكّي أحد منهم خاف ممّا يقال له، فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، و ربّي أعلم بي منّي بنفسي اللّهمّ لا تؤاخذني بما يقولون، و اجعلني أفضل ممّا يظنّون، و اغفر لي ما لا يعلمون فمن علامة أحدهم أنّك ترى له قوّة في دين، و حزما في لين، و إيمانا في يقين.

و حرصا في علم، و علما في حلم. و قصدا في غنى، و خشوعا في عبادة. و تجمّلا في فاقة، و صبرا في شدّة. و طلبا في حلال، و نشاطا في هدى، و تحرّجا عن طمع. يعمل الأعمال الصّالحة و هو على وجل. يمسي و همّه الشّكر، و يصبح و همّه الذّكر. يبيت حذرا و يصبح فرحا، حذرا لمّا حذّر من الغفلة، و فرحا بما أصاب من الفضل و الرّحمة.

إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحبّ. قرّة عينه فيما لا يزول،

و زهادته فيما لا يبقى. يمزج الحلم بالعلم، و القول بالعمل. تراه قريبا أمله، قليلا زلله.

خاشعا قلبه، قانعة نفسه. منزورا "أي قليلا" أكله، سهلا أمره. حريزا دينه، ميّتة شهوته، مكظوما غيظه. الخير منه مأمول، و الشّرّ منه مأمون. إن كان في الغافلين كتب في الذّاكرين، و إن كان في الذّاكرين لم يكتب من الغافلين. يعفو عمّن ظلمه، و يعطي من حرمه، و يصل من قطعه. بعيدا فحشه "الفحش: القبيح من

/ 86