تصنیف نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تصنیف نهج البلاغه - نسخه متنی

لبیب بیضون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

نفسك، و بمصرعه مصرعك. إنّ الدّنيا دار صدق لمن صدقها، و دار عافية لمن فهم عنها، و دار غنى لمن تزوّد منها، و دار موعظة لمن اتّعظ بها. مسجد أحبّاء اللّه،

و مصلّى ملائكة اللّه، و مهبط وحي اللّه، و متجر أولياء اللّه. اكتسبوا فيها الرّحمة،

و ربحوا فيها الجنّة. فمن ذا يذمّها و قد اذنت ببينها "أي أعلمت أهلها ببعدها و زوالها عنهم"، و نادت بفراقها، و نعت نفسها و أهلها، فمثّلت لهم ببلائها البلاء، و شوّقتهم بسرورها إلى السّرور؟ راحت بعافية، و ابتكرت بفجيعة، ترغيبا و ترهيبا، و تخويفا و تحذيرا. فذمّها رجال غداة النّدامة، و حمدها آخرون يوم القيامة. ذكّرتهم الدّنيا فتذكّروا، و حدّثتهم فصدّقوا، و وعظتهم فاتّعظوا. "131 ح، 590"

التحذير من الدنيا و غرورها


قال الامام علي "ع":

يصف هبوط آدم الى الأرض: و أهبطه إلى دار البليّة، و تناسل الذّرّيّة. "الخطبة 1، 31"

و قال "ع" في آخر الشقشقيّة: و لكنّهم حليت الدّنيا في أعينهم و راقهم زبرجها "الزبرج: الزينة". "الخطبة 3، 44"

و قال "ع" عن حال الدنيا: و لقلّما أدبر شي ء فأقبل. "الخطبة 16، 57"

فإن رأى أحدكم لأخيه غفيرة "أي زيادة" في أهل أو مال أو نفس، فلا تكوننّ له فتنة. "الخطبة 23، 68"

و لبئس المتجر أن ترى الدّنيا لنفسك ثمنا، و ممّا لك عند اللّه عوضا. "الخطبة 32، 86"

فلتكن الدّنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ "هو ثمر السنط يدبغ به" و قراظة الجلم "هو المقصّ الذي يجزّ به الصوف". و اتّعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم. و ارفضوها ذميمة، فإنّها قد رفضت من كان أشغف بها منكم. "الخطبة 32، 87"

و الدّنيا دار مني لها الفناء، و لأهلها منها الجلاء، و هي حلوة خضراء. و قد عجلت للطّالب، و التبست بقلب النّاظر، فارتحلوا منها بأحسن ما بحضرتكم من الزّاد،

و لا تسألوا فيها فوق الكفاف، و لا تطلبوا منها أكثر من البلاغ. "الخطبة 45، 103"

قال "ع": ألا و إنّ الدّنيا قد تصرّمت، و آذنت بانقضاء. و تنكّر معروفها، و أدبرت حذّاء "أي مسرعة". فهي تحفز بالفناء سكّانها، و تحدو بالموت جيرانها. و قد أمرّ فيها ما كان حلوا، و كدر منها ما كان صفوا. فلم يبق منها إلاّ سملة "أي بقية" كسملة الإداوة "هو وعاء الماء الذي يتطهر به"، أو جرعة كجرعة المقلة "المقلة: هي الحصاة يضعها المسافرون في اناء، و يصبون عليها الماء، فيشرب كل واحد مقدار ما يغمرها. يفعلون ذلك اذا قلّ الماء"، لو تمزّزها الصّديان لم ينقع "أي اذا امتصّها العطشان لم يرتو".

فازمعوا عباد اللّه الرّحيل عن هذه الدّار المقدور على أهلها الزّوال، و لا يغلبنّكم فيها الأمل، و لا يطولنّ عليكم فيها الأمد. "الخطبة 52، 108"

ألا و إنّ الدّنيا دار لا يسلم منها إلاّ فيها، و لا ينجى بشي ء كان لها: ابتلي النّاس بها فتنة... فإنّها عند ذوي العقول كفي ء الظّلّ، بينا تراه سابغا حتّى قلص، و زائدا حتّى نقص. "الخطبة 61، 116"

ما أصف من دار أوّلها عناء، و آخرها فناء. في حلالها حساب، و في حرامها عقاب.

من استغنى فيها فتن، و من افتقر فيها حزن. و من ساعاها فاتته، و من قعد عنها واتته، و من أبصر بها بصّرته، و من أبصر إليها أعمته. "الخطبة 80، 135"

و قال "ع" عن الدنيا: ... في قرار خبرة و دار عبرة، أنتم مختبرون فيها، و محاسبون عليها "الخطبة 81، 1، 137"

ثم قال "ع": فإنّ الدّنيا رنق مشربها، ردغ مشرعها. يونق منظرها، و يوبق مخبرها.

غرور حائل، و ضوء آفل، و ظلّ زائل، و سناد مائل. حتّى إذا أنس نافرها، و اطمأنّ ناكرها، قمصت بأرجلها، و قنصت بأحبلها، و أقصدت بأسهمها، و أعلقت المرء أوهاق "أي حبال" المنيّة. قائدة له إلى ضنك المضجع، و وحشة المرجع، و معاينة المحلّ، و ثواب العمل. و كذلك الخلف بعقب السّلف. لا تقلع المنيّة اختراما،

و لا يرعوي الباقون اجتراما. يحتذون مثالا، و يمضون أرسالا. إلى غاية الانتهاء و صيّور الفناء. "الخطبة 81، 1، 137"

فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلاّ حواني الهرم؟ و أهل غضارة "أي نعمة" الصّحّة إلاّ نوازل السّقم؟ و أهل مدّة البقاء إلاّ آونة الفناء؟ مع قرب الزّيال، و أروف الإنتقال. "الخطبة 81، 2، 142"

و قال "ع" في صفة المغتر بالدنيا: حتّى إذا قام اعتداله، و استوى مثاله، نفر مستكبرا،

و خبط سادرا. ماتحا في غرب هواه، كادحا سعيا لدنياه. في لذّات طربه، و بدوات أريه. لا يحتسب رزيّة، و لا يخشع تقيّة. فمات في فتنته غريرا، و عاش في هفوته يسيرا. لم يفد عوضا، و لم يقض مفترضا. "الخطبة 81، 3، 146"

فأنّى تؤفكون؟ أم أين تصرفون؟ أم بماذا تغترّون؟ و إنّما حظّ أحدكم من الأرض، ذات الطّول و العرض، قيد قدّه، متعفّرا على خدّه. "الخطبة 81، 3، 148"

و قال "ع" عن بني أمية و الدنيا: بل هي مجّة من لذيذ العيش، يتطعّمونها برهة، ثمّ يلفظونها جملة. "الخطبة 85، 156"

فلا يغرّنّكم ما أصبح فيه أهل الغرور، فإنّما هو ظلّ ممدود، إلى أجل معدود. "الخطبة 87، 158"

عباد اللّه، أوصيكم بالرّفض لهذه الدّنيا، التّاركة لكم و إن لم تحبّوا تركها، و المبلية لأجسامكم و إن كنتم تحبّون تجديدها. فإنّما مثلكم و مثلها كسفر سلكوا سبيلا فكأنّهم قد قطعوه، و أمّوا علما فكأنّهم قد بلغوه. و كم عسى المجري إلى الغاية أن يجري إليها حتّى يبلغها. و ما عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه، و طالب حثيث من الموت يحدوه، و مزعج في الدّنيا عن الدّنيا حتّى يفارقها رغما؟ فلا تنافسوا في عزّ الدّنيا و فخرها، و لا تعجبوا بزينتها و نعيمها، و لا تجزعوا من ضرّائها و بؤسها. فإنّ عزّها و فخرها إلى انقطاع، و إنّ زينتها و نعيمها إلى زوال، و ضرّاءها و بؤسها إلى نفاد.

و كلّ مدّة فيها إلى انتهاء، و كلّ حيّ فيها إلى فناء... أو لستم ترون أهل الدّنيا يصبحون و يمسون على أحوال شتّى: فميّت يبكى، و آخر يعزّى، و صريع مبتلى.

و عائد يعود، و آخر بنفسه يجود. و طالب للدّنيا و الموت يطلبه، و غافل و ليس بمغفول عنه. و على أثر الماضي ما يمضي الباقي. "الخطبة 97، 191"

أيّها النّاس، انظروا إلى الدّنيا نظر الزّاهدين فيها، الصّادفين عنها. فإنّها و اللّه عمّا قليل تزيل الثّاوي السّاكن، و تفجع المترف الآمن. لا يرجع ما تولّى منها فأدبر، و لا يدرى ما هو آت منها فينتظر. سرورها مشوب بالحزن، و جلد الرّجال فيها إلى الضّعف و الوهن. فلا يغرّنّكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلّة ما يصحبكم منها.

رحم اللّه امرءا تفكّر فاعتبر، و اعتبر فأبصر. فكأنّ ما هو كائن من الدّنيا عن قليل لم يكن، و كأنّ ما هو كائن من الآخرة عمّا قليل لم يزل. و كلّ معدود منقض، و كلّ متوقّع آت، و كلّ آت قريب دان. "الخطبة 101، 196"

أقبلوا على جيفة قد افتضحوا بأكلها، و اصطلحوا على حبّها. "الخطبة 107، 209"

و قال "ع" في ذم الدنيا: أمّا بعد، فإنّي أحذّركم الدّنيا، فإنّها حلوة خضرة، حفّت بالشّهوات، و تحبّبت بالعاجلة. وراقت بالقليل، و تحلّت بالآمال، و تزيّنت بالغرور.

لا تدوم حبرتها، و لا تؤمن فجعتها. غرّارة ضرّارة، حائلة زائلة، نافدة بائدة، أكّالة غوّالة. لا تعدوا إذا تناهت إلى أمنيّة أهل الرّغبة فيها و الرّضاء بها أن تكون كما قال اللّه تعالى سبحانه كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ، فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ. وَ كَانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ مُقْتَدِراً. لم يكن امرؤ منها في حيرة إلاّ أعقبته بعدها عبرة. و لم يلق في سرّائها بطنا، إلاّ منحته من ضرّائها ظهرا. و لم تطّله فيها ديمة رخاء، إلاّ هتنت عليه مزنة بلاء. و حريّ إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له متنكّرة.

و إن جانب منها اعذوذب و احلولى، أمرّ منها جانب فأوبى لا ينال امرؤ من غضارتها رغبا، إلاّ أرهقته من نوائبها تبعا. و لا يمسي منها في جناح أمن، إلاّ أصبح على قوادم خوف. غرّارة، غرور ما فيها. فانية، فان من عليها. لا خير في شي ء من أزوادها إلاّ التّقوى. من أقلّ منها استكثر ممّا يؤمنه. و من استكثر منها استكثر ممّا يوبقه، و زال عمّا قليل عنه. كم من واثق بها قد فجعته، و ذي طمأنينة إليها قد صرعته.

و ذي أبهة قد جعلته حقيرا. و ذي نخوة قدردّته ذليلا. سلطانها دوّل "أي متحول"،

و عيشها رنق، و عذبها أجاج، و حلوها صبر، و غذاؤها سمام "جمع سم"، و أسبابها رمام "جمع رمة و هي القطعة البالية". حيّها بعرض موت، و صحيحها بعرض سقم. ملكها

مسلوب، و عزيزها مغلوب، و موفورها منكوب، و جارها محروب "أي مسلوب المال".

ألستم في مساكن من كان قبلكم، أطول أعمارا، و أبقى آثارا، و أبعد آمالا، و أعدّ عديدا، و أكثف جنودا؟ تعبّدوا للدّنيا أيّ تعبّد، و آثروها أيّ إيثار. ثمّ ظعنوا عنها بغير زاد مبلّغ و لا ظهر قاطع. فهل بلغكم أنّ الدّنيا سخت لهم نفسا بفدية، أو أعانتهم بمعونة، أو أحسنت لهم صحبة؟ بل أرهقتهم بالقوادح، و أوهنتهم بالقوارع،

و ضعضعتهم بالنّوائب، و عفّرتهم للمناخر، و وطئتهم بالمناسم، و أعانت عليهم ريب المنون. فقد رأيتم تنكّرها لمن دان لها، و آثرها و أخلد لها. حين ظعنوا عنها لفراق الأبد. و هل زوّدتهم إلاّ السّغب، أو أحلّتهم إلاّ الضّنك، أو نوّرت لهم إلاّ الظّلمة، أو أعقبتهم إلاّ النّدامة أفهذه تؤثرون، أم إليها تطمئنّون؟ أم عليها تحرصون؟ فبئست الدّار لمن لم يتّهمها، و لم يكن فيها على وجل منها فاعلموا و أنتم تعلمون بأنّكم تاركوها و ظاعنون عنها. "الخطبة 109، 214"

و أحذّركم الدّنيا فإنّها منزل قلعة "أي غير مستقرة" و ليست بدار نجعة. قد تزيّنت بغرورها، و غرّت بزينتها. دار هانت على ربّها فخلط حلالها بحرامها، و خيرها بشرّها، و حياتها بموتها، و حلوها بمرّها. لم يصفها اللّه تعالى لأوليائه، و لم يضنّ بها على أعدائه. خيرها زهيد و شرّها عتيد. و جمعها ينفد، و ملكها يسلب، و عامرها يخرب. فما خير دار تنقض نقض البناء، و عمر يفنى فيها فناء الزّاد، و مدّة تنقطع انقطاع السّير اجعلوا ما افترض اللّه عليكم من طلبكم، و اسألوه من أداء حقّه ما سألكم.

و أسمعوا دعوة الموت آذانكم قبل أن يدعى بكم. إنّ الزّاهدين في الدّنيا تبكي قلوبهم و إن ضحكوا، و يشتدّ حزنهم و إن فرحوا، و يكثر مقتهم أنفسهم و إن اغتبطوا بما رزقوا. قد غاب عن قلوبكم ذكر الآجال، و حضرتكم كواذب الآمال. فصارت الدّنيا أملك بكم من الآخرة، و العاجلة أذهب بكم من الآجلة... ما بالكم تفرحون باليسير من الدّنيا تدركونه، و لا يحزنكم الكثير من الآخرة تحرمونه و يقلقكم اليسير من الدّنيا يفوتكم، حتّى يتبيّن ذلك في وجوهكم، و قلّة صبركم عمّا زوي منها

عنكم، كأنّها دار مقامكم، و كأنّ متاعها باق عليكم... قد تصافيتم على رفض الآجل و حبّ العاجل. "الخطبة 111، 218"

ثمّ إنّ الدّنيا دار فناء و عناء، و غير و عبر. فمن الفناء أنّ الدّهر موتر قوسه، لا تخطئ سهامه، و لا تؤسى جراحه. يرمي الحيّ بالموت، و الصّحيح بالسّقم، و النّاجي بالعطب. آكل لا يشبع و شارب لا ينقع. و من العناء أنّ المرء يجمع ما لا يأكل و يبني ما لا يسكن. ثمّ يخرج إلى اللّه تعالى لا مالا حمل، و لا بناء نقل. و من غيرها أنّك ترى المرحوم مغبوطا، و المغبوط مرحوما، ليس ذلك إلاّ نعيما زلّ، و بؤسا نزل. و من عبرها أنّ المرء يشرف على أمله، فيقتطعه حضور أجله. فلا أمل يدرك، و لا مؤمّل يترك.

فسبحان اللّه ما أعزّ سرورها و أظمأ ريّها و أضحى فيئها. لا جاء يردّ، و لا ماض يرتدّ.

فسبحان اللّه، ما أقرب الحيّ من الميّت للحاقه به، و أبعد الميّت من الحيّ لانقطاعه عنه "الخطبة 112، 220"

و اعلموا أنّ ما نقص من الدّنيا و زاد في الآخرة خير ممّا نقص من الآخرة و زاد في الدّنيا. فكم من منقوص رابح، و مزيد خاسر. "الخطبة 112، 221"

عباد اللّه، إنّكم و ما تأملون من هذه الدّنيا أثوياء "أي ضعفاء" مؤجّلون، و مدينون مقتضون. أجل منقوص، و عمل محفوظ، فربّ دائب مضيّع، و ربّ كادح خاسر.

و قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلاّ إدبارا، و لا الشّرّ فيه إلاّ إقبالا، و لا الشّيطان في هلاك النّاس إلاّ طمعا. فهذا أوان قويت عدّته، و عمّت مكيدته، و أمكنت فريسته. اضرب بطرفك حيث شئت من النّاس، فهل تبصر إلاّ فقيرا يكابد فقرا، أو غنيّا بدّل نعمة اللّه كفرا، أو بخيلا اتّخذ البخل بحقّ اللّه وفرا، أو متمرّدا كأنّ بأذنه عن سمع المواعظ وقرا أين أخياركم و صلحاؤكم، و أين أحراركم و سمحاؤكم. و أين المتورّعون في مكاسبهم، و المتنزّهون في مذاهبهم أليس قد ظعنوا جميعا عن هذه الدّنيا الدّنيّة، و العاجلة المنغّصة. و هل خلّفتم إلاّ في حثالة لا تلتقي بذمّهم الشّفتان،

استصغارا لقدرهم، و ذهابا عن ذكرهم، فَإنَّا لِلّهِ وَ إنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. "الخطبة 127، 240"

أما رأيتم الّذين يأملون بعيدا، و يبنون مشيدا، و يجمعون كثيرا كيف أصبحت بيوتهم

قبورا، و ما جمعوا بورا. و صارت أموالهم للوارثين، و أزواجهم لقوم آخرين. لا في حسنة يزيدون، و لا من سيّئة يستعتبون... فإنّ الدّنيا لم تخلق لكم دار مقام، بل خلقت لكم مجازا... "الخطبة 130، 243"

أيّها النّاس، إنّما أنتم في هذه الدّنيا غرض تنتضل فيه "أي تترامى فيه" المنايا. مع كلّ جرعة شرق، و في كلّ أكلة غصص. لا تنالون منها نعمة إلاّ بفراق أخرى، و لا يعمّر معمّر منكم يوما من عمره، إلاّ بهدم آخر من أجله. و لا تجدّد له زيادة في أكله، إلاّ بنفاد ما قبلها من رزقه. و لا يحيا له أثر، إلاّ مات له أثر. و لا يتجدّد له جديد، إلاّ بعد أن يخلق له جديد. و لا تقوم له نابتة إلاّ و تسقط منه محصودة. و قد مضت أصول نحن فروعها، فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله. "الخطبة 143، 256"

ثمّ إنّكم معشر العرب أغراض بلايا قد اقتربت، فاتّقوا سكرات النّعمة، و احذروا بوائق النّقمة. "الخطبة 149، 264"

ألا فما يصنع بالدّنيا من خلق للآخرة؟ و ما يصنع بالمال من عمّا قليل يسلبه، و تبقى عليه تبعته و حسابه. "الخطبة 155، 277"

و يقول "ع": و كذلك من عظمت الدّنيا في عينه، و كبر موقعها من قلبه، آثرها على اللّه تعالى، فانقطع إليها، و صار عبدا لها.

و لقد كان في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كاف لك في الأسوة. و دليل لك على ذمّ الدّنيا و عيبها، و كثرة مخازيها و مساويها، إذ قبضت عنه أطرافها، و وطّئت لغيره أكنافها "أي جوانبها" و فطم عن رضاعها، و زوي عن زخارفها. "الخطبة 158، 282"

ثم يقول "ع": و إن شئت ثنّيت بموسى كليم اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حيث يقول:

'ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير' و اللّه ما سأله إلاّ خبزا يأكله، لأنّه كان يأكل بقلة الأرض. و لقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله و تشّذّب لحمه.

و إن شئت ثلّثت بداود صلّى اللّه عليه و سلّم صاحب المزامير و قارى ء أهل الجنّة، فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده، و يقول لجلسائه: أيّكم يكفيني بيعها، و يأكل قرص الشّعير من ثمنها. "الخطبة 158، 282"

ثم يقول "ع": و إن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه السّلام، فلقد كان يتوسّد الحجر،

و يلبس الخشن، و يأكل الجشب. و كان إدامه الجوع، و سراجه باللّيل القمر، و ظلاله في الشّتاء مشارق الأرض و مغاربها، و فاكهته و ريحانه ما تنبت الأرض للبهائم.

و لم تكن له زوجة تفتنه، و لا ولد يحزنه، و لا مال يلفته، و لا طمع يذلّه. دابّته رجلاه،

و خادمه يداه. فتأسّ بنبيّك الأطيب الأطهر صلّى اللّه عليه و آله فإنّ فيه أسوة لمن تأسّى، و عزاء لمن تعزّى. و أحبّ العباد إلى اللّه المتأسّي بنبيّه، و المقتصّ لأثره.

قضم الدّنيا قضما، و لم يعرها طرفا. أهضم أهل الدّنيا كشحا، و أخمصهم من الدّنيا بطنا. عرضت عليه الدّنيا فأبى أن يقبلها. و علم أنّ اللّه سبحانه أبغض شيئا فأبغضه،

و حقر شيئا فحقّره، و صغّر شيئا فصغّره. و لو لم يكن فينا إلاّ حبّنا ما أبغض اللّه و رسوله، و تعظيمنا ما صغّر اللّه و رسوله، لكفى به شقاقا للّه، و محادّة عن أمر اللّه. "الخطبة 158، 283"

و لقد كان صلّى اللّه عليه و آله يأكل على الأرض، و يجلس جلسة العبد، و يخصف بيده نعله، و يرقع بيده ثوبه، و يركب الحمار العاري، و يردف خلفه، و يكون السّتر على باب بيته، فتكون فيه التّصاوير، فيقول: يا فلانة لإحدى أزواجه غيّبيه عنّي فإنّي إذا نظرت إليه ذكرت الدّنيا و زخارفها. فأعرض عن الدّنيا بقلبه، و أمات ذكرها من نفسه، و أحبّ أن تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتّخذ منها رياشا، و لا يعتقدها قرارا، و لا يرجو فيها مقاما. فأخرجها من النّفس، و أشخصها عن القلب، و غيّبها عن البصر. و كذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه، و أن يذكر عنده.

و لقد كان في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما يدلّك على مساوى ء الدّنيا و عيوبها. إذ جاع فيها مع خاصّته "أي مع تفضله عند ربّه"، و زويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته. فلينظر ناظر بعقله، أكرم اللّه محمّدا بذلك أم أهانه؟ فإن قال: أهانه،

فقد كذب و اللّه العظيم بالإفك العظيم. و إن قال: أكرمه فليعلم أنّ اللّه قد أهان غيره حيث بسط الدّنيا له، و زواها عن أقرب النّاس منه. فتأسّى متأسّ بنبيّه، و اقتصّ أثره،

و ولج مولجه، و إلاّ فلا يأمن الهلكة فإنّ اللّه جعل محمّدا صلّى اللّه عليه و آله علما

للسّاعة "أي دليلا على اقتراب الساعة" و مبشّرا بالجنّة، و منذرا بالعقوبة. خرج من الدّنيا خميصا، و ورد الآخرة سليما. لم يضع حجرا على حجر، حتّى مضى لسبيله،

و أجاب داعي ربّه. فما أعظم منّة اللّه عندنا حين أنعم علينا به، سلفا نتّبعه، و قائدا نطأ عقبه. و اللّه لقد رقّعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها. و لقد قال لي قائل: ألاّ تنبذها عنك؟ فقلت: اعزب عنّي، فعند الصّباح يحمد القوم السّرى "هذا المثل معناه: اذا أصبح النائمون و قد رأوا أن الذين كانوا يسيرون ليلا قد وصلوا الى مقاصدهم،

أدركوا فضل سيرهم و ندموا على نومهم". "الخطبة 158، 284"

رهّب فأبلغ، و رغّب فأسبغ. و وصف لكم الدّنيا و انقطاعها، و زوالها و انتقالها.

فأعرضوا عمّا يعجبكم فيها لقلّة ما يصحبكم منها. أقرب دار من سخط اللّه، و أبعدها من رضوان اللّه. فغضّوا عنكم عباد اللّه غمومها و أشغالها، لما قد أيقنتم به من فراقها و تصرّف حالاتها. فاحذروها حذر الشّفيق النّاصح، و المجدّ الكادح. "الخطبة 159، 286"

فاحذروا عباد اللّه حذر الغالب لنفسه، المانع لشهوته، النّاظر بعقله. فإنّ الأمر واضح، و العلم قائم، و الطّريق جدد، و السّبيل قصد. "الخطبة 159، 287"

ألا و إنّ هذه الدّنيا الّتي أصبحتم تتمنّونها و ترغبون فيها، و أصبحت تغضبكم و ترضيكم، ليست بداركم، و لا منزلكم الّذي خلقتم له، و لا الّذي دعيتم إليه. ألا و إنّها ليست بباقية لكم و لا تبقون عليها. و هي و إن غرّتكم منها فقد حذّرتكم شرّها. فدعوا غرورها لتحذيرها، و أطماعها لتخويفها. و سابقوا فيها إلى الدّار الّتي دعيتم إليها، و انصرفوا بقلوبكم عنها. و لا يخنّنّ أحدكم خنين "أي بكاء" الأمة على ما زوي عنه منها... أخذ اللّه بقلوبنا و قلوبكم إلى الحقّ، و ألهمنا و إيّاكم الصّبر. "الخطبة 171، 309"

أيّها النّاس إنّ الدّنيا تغرّ المؤمّل لها و المخلد إليها، و لا تنفس بمن نافس فيها، و تغلب من غلب عليها. "الخطبة 176، 319"

أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه الّذي ألبسكم الرّياش، و أسبغ عليكم المعاش. فلو أنّ

أحدا يجد إلى البقاء سلّما، أو لدفع الموت سبيلا، لكان ذلك سليمان بن داود عليه السّلام الّذي سخّر له ملك الجنّ و الإنس، مع النّبوّة و عظيم الزّلفة. فلمّا استوفى طعمته، و استكمل مدّته، رمته قسيّ الفناء بنبال الموت. و أصبحت الدّيار منه خالية، و المساكن معطّلة. و ورثها قوم آخرون. و إنّ لكم في القرون السّالفة لعبرة. "الخطبة 180، 326"

ألا إنّه قد أدبر من الدّنيا ما كان مقبلا، و أقبل منها ما كان مدبرا، و أزمع التّرحال عباد اللّه الأخيار. و باعوا قليلا من الدّنيا لا يبقى، بكثير من الآخرة لا يفنى. "الخطبة 180، 328"

ذاك حيث تسكرون من غير شراب، بل من النّعمة و النّعيم. "الخطبة 185، 346"

... و لا ترفعوا من رفعته الدّنيا. و لا تشيموا بارقها "أي لا تنظروا لما يغركم من مطامعها كالناظر الى البرق أين يمطر" و لا تسمعوا ناطقها، و لا تجيبوا ناعقها. و لا تستضئوا بإشراقها، و لا تفتنوا بأعلاقها "جمع علق و هو الشي ء النفيس". فإنّ برقها خالب،

و نطقها كاذب. و أموالها محروبة، و أعلاقها مسلوبة. ألا و هي المتصدّية العنون،

و الجامحة الحرون، و المائنة الخؤون. و الجحود الكنود، و العنود الصّدود، و الحيود الميود. حالها انتقال، و وطأتها زلزال. و عزّها ذلّ، و جدّها هزل، و علوها سفل. دار حرب و سلب، و نهب و عطب. أهلها على ساق و سياق، و لحاق و فراق. قد تحيّرت مذاهبها، و أعجزت مهاربها، و خابت مطالبها. فأسلمتهم المعاقل، و لفظتهم المنازل،

و أعيتهم المحاول. فمن ناج معقور و لحم مجزور. و شلو مذبوح و دم مسفوح. و عاضّ على يديه، و صافق بكفّيه، و مرتفق بخدّيه. و زار على رأيه، و راجع عن عزمه.

و قد أدبرت الحيلة و أقبلت الغيلة و لات حين مناص هيهات هيهات قد فات ما فات، و ذهب ما ذهب. و مضت الدّنيا لحال بالها فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَ الأَرْضُ وَ مَا كَانُوا مُنْظَرِينَ. "الخطبة 189، 355"

أوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه. و أحذّركم الدّنيا، فإنّها دار شخوص و محلّة تنغيص.

ساكنها ظاعن و قاطنها بائن. تميد بأهلها ميدان السّفينة، تقصفها العواصف في لجج

/ 86