تصنیف نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تصنیف نهج البلاغه - نسخه متنی

لبیب بیضون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

إنّ اللّه سبحانه وضع الثّواب على طاعته، و العقاب على معصيته، ذيادة لعباده عن نقمته، و حياشة لهم إلى جنّته. "368 ح، 640" إنّ للّه عبادا يختصّهم اللّه بالنّعم لمنافع العباد، فيقرّها في أيديهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، ثمّ حوّلها إلى غيرهم. "425 ح، 652" و سئل "ع" عن التوحيد و العدل، فقال عليه السلام: التّوحيد أن لا تتوهّمه، و العدل أن لا تتهمه "أي في أفعال تظنّ عدم الحكمة فيها". "470 ح، 660"

تكليف الانسان لم يخلقكم عبثا


مدخل:

بعد أن خلق اللّه الانسان و لم يكن شيئا مذكورا، شاء أن يبوئه منزلة رفيعة، و يفضّله على كثير من مخلوقاته، و ذلك بأن يجعله خليفته في الأرض، فأعطاه العقل و التمييز و الارادة و الاختيار، و كلّفه بحمل الأمانة، ليستحق تلك المنزلة بجدارة. إذن فوجود الانسان في الدنيا لم يكن عبثا، و انّما كان بتكليف إلهي و عناية ربانية.

و لهذه المنزلة الرفيعة التي أقام اللّه فيها آدم "ع" أمر الملائكة بالسجود له، إقرارا بعظمته،

و بأنّه أفضل من الملائكة أجمعين.

و من دلائل عظمة هذا الانسان، أنّ اللّه سبحانه خلق كلّ هذه السموات و الأرضين من أجله، و سخر كلّ شي ء فيها لخدمته، فهو مغزى الوجود و علّته. يقول تعالى:

اَللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ وَ الأَرْضَ، وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً، فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْْقاً لَكُمْ. وَ سَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ، وَ سَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهارَ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ، وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ 'ابراهيم 32 و 33'.

و في هذا المعنى يقول الشاعر اقبال:

أنت ربّ الجنود، أنت فتى الميدان، أنت المغزى و أنت القضيّه إنّ أهل السماء جندك، لو تدري استغليت هذه الجنديّه سجدت نحوك الملائك إكبارا، لما نلت من معان سنيّه و أقامت دهرا حواليك، تستكشف ما فيك من رموز خفيّه لست تدري ما في كيانك من فضل و شأن و قيمة و مزيّه

فلك الويل من بليد قصير الطرف، يعمى عن الأمور الجليّه لا يرى نفسه و إن هي لاحت، في دجى الكون كالنجوم المضيّه

النصوص:

قال الامام علي "ع":

فإنّ اللّه سبحانه لم يخلقكم عبثا، و لم يترككم سدى. "الخطبة 62، 117"

فإنّ اللّه سبحانه لم يخلقكم عبثا، و لم يترككم سدى، و لم يدعكم في جهالة و لا عمى. "الخطبة 84، 151"

و قال "ع" قبل وفاته: حمّل كلّ امرى ء منكم مجهوده، و خفّف عن الجهلة. ربّ رحيم، و دين قويم، و إمام عليم. "الخطبة 147، 261"

و اعلموا عباد اللّه، أنّه لم يخلقكم عبثا، و لم يرسلكم هملا. "الخطبة 193، 383"

و اعلموا أنّ ما كلّفتم به يسير، و أنّ ثوابه كثير. "الخطبة 290، 515"

و كلّف يسيرا، و لم يكلّف عسيرا. و أعطى على القليل كثيرا، و لم يعص مغلوبا،

و لم يطع مكرها، و لم يرسل الأنبياء لعبا، و لم ينزل الكتاب للعباد عبثا، و لا خلق السّموات و الأرض و ما بينهما باطلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ. "78 ح، 578" و روي أنه "ع" قلّما اعتدل به المنبر، إلاّ قال أمام الخطبة: أيّها النّاس، اتّقوا اللّه فما خلق امروء عبثا فيلهو، و لا ترك سدى فيلغو "اللغو: ما لا فائدة فيه". "370 ح، 640" و قال "ع" لما سئل عن معنى قولهم 'لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه': إنّا لا نملك مع اللّه شيئا،

و لا نملك إلاّ ما ملّكنا. فمتى ملّكنا ما هو أملك به منّا كلّفنا، و متى أخذه منّا وضع تكليفه عنّا. "404 ح، 648"

الهداية الى الخير و قيام الحجّة على الخلق


مدخل:

من مظاهر عدل اللّه تعالى، أنّه وهبنا العقل الذي نميز به بين الخير و الشرّ، ثمّ أرسل لنا الأنبياء ليوضحوا لنا طريق الخير، و أمرنا باتباع هذا الطريق، ثمّ أعدّ الجنة ثوابا للمطيع و النار عقابا للمسي ء.

و الانسان بما آتاه اللّه من هداية نفسية، يدرك بفطرته و عقله أن للكون خالقا موجدا،

و راعيا مسيّرا، و أن هذا الخالق مصدر الخير و الانعام على جميع المخلوقات، و أن على المخلوق واجب الشكر له، و تقديم العبادة و الطاعة، و طلب العون و المغفرة.

و لما كان الانسان يجهل الطريق الصحيحة لعبادة ربّه، أرسل له سبحانه في كلّ فترة من الزمن، حسبما تقتضي المصلحة، أنبياء و رسلا يبينوا للناس أحكام العبادات و المعاملات، حتى تكون الحجة عليهم أقوى و أبلغ، عند ما يحاسبهم يوم القيامة. فمن آمن و عمل صالحا فإلى جنات النعيم، و من كفر و عمل باطلا فإلى سواء الجحيم.

النصوص:

يراجع المبحث "49" سبب ارسال الأنبياء.

قال الامام علي "ع":

في ذكر خلق آدم "ع": ثمّ نفخ فيها من روحه، فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها...

و معرفة يفرق بها بين الحقّ و الباطل. "الخطبة 1، 29"

فبعث فيهم رسله، و واتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، و يذكّروهم منسيّ نعمته، و يحتجّوا عليهم بالتّبليغ.. "الخطبة 1، 31"

و لم يخل سبحانه خلقه من نبيّ مرسل، أو كتاب منزل، أو حجّة لازمة، أو محجّة قائمة. "الخطبة 1، 32"

فقبضه إليه كريما صلّى اللّه عليه و آله، و خلّف فيكم ما خلّفت الأنبياء في اممها إذ لم يتركوهم هملا، بغير طريق واضح، و لا علم قائم كتاب ربّكم فيكم. "الخطبة 1، 33"

و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، أرسله بالدّين المشهور. ازاحة للشّبهات، و احتجاجا بالبيّنات، و تحذيرا بالآيات، و تخويفا بالمثلات "أي العقوبات". "الخطبة 2، 36"

و قال الامام "ع" ينفر أصحابه من الغفلة: و لقد بصّرتم إن أبصرتم، و اسمعتم إن سمعتم، و هديتم إن اهتديتم، و بحقّ أقول لكم: لقد جاهرتكم العبر، و زجرتم بما فيه مزدجر. و ما يبلّغ عن اللّه بعد رسل السّماء "أي الملائكة" إلاّ البشر "أي الرسل". "الخطبة 20، 65"

و إنّي لراض بحجّة اللّه عليهم و علمه فيهم. "الخطبة 22، 67"

و قال "ع" في معرض حديثه عن الناكثين ببيعته: و تاللّه لو انماثت قلوبكم انمياثا "أي ذابت"... ما جزت أعمالكم عنكم و لو لم تبقوا شيئا من جهدكم أنعمه عليكم العظام، و هداه إيّاكم للإيمان. "الخطبة 52، 109"

فيالها حسرة على كلّ ذي غفلة، أن يكون عمره عليه حجّة. "الخطبة 62، 118"

فقد أعذر اللّه إليكم بحجج مسفرة ظاهرة، و كتب بارزة العذر واضحة. "الخطبة 79، 134"

و من خطبة له "ع" و تسمّى الخطبة الغرّاء: و أشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله عبده و رسوله، أرسله لإنفاذ أمره، و إنهاء عذره، و تقديم نذره. "الخطبة 81، 1، 136"

... و أنذركم بالحجج البوالغ. "الخطبة 81، 1، 137"

و هدوا سبيل المنهج... و كشفت عنهم سدف الرّيب "أي ظلم الشبهات". "الخطبة 81، 1، 140"

و كفى بالكتاب "أي القرآن" حجيجا و خصيما. "الخطبة 81، 2، 145"

أوصيكم بتقوى اللّه الّذي أعذر بما أنذر، و احتجّ بما نهج، و حذّركم عدوّا نفذ في الصّدور خفيّا "أي الشيطان". "الخطبة 81، 2، 145"...

ثمّ منحه "أي الانسان" قلبا حافظا، و لسانا لافظا، و بصرا لاحظا، ليفهم معتبرا،

و يقصّر مزدجرا. حتّى إذا قام اعتداله، و استوى مثاله "بعد قيام الحجة عليه" نفر مستكبرا، و خبط سادرا "أي متحيّرا"، ماتحا في غرب هواه، كادحا سعيا لدنياه.

في لذّات طربه، و بدوات أربه، لا يحتسب رزيّة، و لا يخشع تقيّة، فمات في فتنته غريرا، و عاش في هفوته يسيرا. لم يفد عوضا "أي لم يستفد ثوابا" و لم يقض مفترضا. "الخطبة 81، 3، 146"

و ألقى إليكم المعذرة، و اتّخذ عليكم الحجّة، و قدّم إليكم بالوعيد، و أنذركم بين يدي عذاب شديد. "الخطبة 84، 151"

أمّا بعد، فإنّ اللّه لم يقصم جبّاري دهر قطّ، إلاّ بعد تمهيل و رخاء. و لم يجبر عظم أحد من الأمم إلاّ بعد أزل "أي شدة" و بلاء. "الخطبة 86، 156"

و اللّه ما أسمعكم الرّسول شيئا إلاّ و ها أنا ذا مسمعكموه، و ما أسماعكم اليوم بدون أسماعكم بالأمس. و لا شقّت لهم الأبصار، و لا جعلت لهم الأفئدة في ذلك الزّمان إلاّ و قد أعطيتم مثلها في هذا الزّمان، و و اللّه ما بصّرتم بعدهم شيئا جهلوه، و لا أصفيتم به و حرموه. "الخطبة 87، 158"

فأهبطه "أي آدم" بعد التّوبة، ليعمر أرضه بنسله، و ليقيم الحجّة به على عباده،

و لم يخلهم بعد أن قبضه، ممّا يؤكّد عليهم حجّة ربوبيّته، و يصل بينهم و بين معرفته،

بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه، و متحمّلي ودائع رسالاته. قرنا فقرنا، حتّى تمّت بنبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حجّته و بلغ المقطع عذره و نذره. "الخطبة 89، 3، 174"

و إنّ العالم العامل بغير علمه، كالجاهل الحائر الّذي لا يستفيق من جهله. بل الحجّة عليه أعظم. "الخطبة 108، 214"

بعث اللّه رسله بما خصّهم به من وحيه، و جعلهم حجّة له على خلقه، لئلا تجب الحجّة لهم بترك الإعذار إليهم. "الخطبة 142، 255"

عباد اللّه، اللّه اللّه في أعزّ الأنفس عليكم، و أحبّها إليكم. فإنّ اللّه قد أوضح لكم سبيل الحقّ و أنار طرقه. فشقوة لازمة، أو سعادة دائمة. "الخطبة 155، 277"

انتفعوا ببيان اللّه، و اتّعظوا بمواعظ اللّه، و اقبلوا نصيحة اللّه. فإنّ اللّه قد أعذر إليكم بالجليّة، و اتّخذ عليكم الحجّة. و بيّن لكم محابّه من الأعمال و مكارهه منها، لتتّبعوا هذه و تجتنبوا هذه. "الخطبة 174، 312"...

فإنّه لم يخف عنكم شيئا من دينه، و لم يترك شيئا رضيه أو كرهه، إلاّ و جعل له علما باديا، و آية محكمة، تزجر عنه أو تدعو إليه. "الخطبة 181، 330"

الدنيا دار ابتلاء و اختبار ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً


مدخل:

جعل اللّه سبحانه هذه الدنيا دار ابتلاء و اختبار و امتحان للانسان. قال تعالى في أول سورة الملك الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ، لِيَبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً.

و قد أعطى اللّه الانسان النوازع الخيرة، في مقابل النوازع الشريرة، لتتم بذلك حقيقة الاختبار، و وهبه العقل الذي يميز به بين الخير و الشر، و بعث له شرائع و رسالات تحدد له بدقة طريق الخير و طريق الشر، ثمّ كلّفه باتباع طريق الحق، و أعطاه الإرادة و الإختبار ليستحق الثواب أو العقاب. فان هو سلك سبيل الدين استحقّ رضوان اللّه، و ان اختار طريق السوء تبوأ مقعده من النار. و على قدر الابتلاء يكون الثواب و الجزاء.

النصوص:

يراجع المبحث "41" الثواب و العقاب.

يراجع المبحث "42" لولا الابتلاء لما وجب الثواب و العقاب.

يراجع المبحث "69" الحساب و الجزاء.

يراجع المبحث "295" الغنى و الفقر اختبار و امتحان.

قال الامام علي "ع" عن إبليس:

فأعطاه اللّه النّظرة، استحقاقا للسّخطة، و استتماما للبليّة، و إنجازا للعدة. "الخطبة 1، 30"

في قرار خبرة، و دار عبرة، أنتم مختبرون فيها، و محاسبون عليها. "الخطبة 81، 1، 137"

و قدّر الأرزاق فكثّرها و قلّلها، و قسّمها على الضّيق و السّعة، فعدل فيها، ليبتلي من أراد بميسورها و معسورها، و ليختبر بذلك الشّكر و الصّبر من غنيّها و فقيرها. "الخطبة 89، 4 175"

أيّها النّاس، إنّ اللّه قد أعاذكم من أن يجور عليكم، و لم يعذكم من أن يبتليكم، و قد قال جلّ من قائل: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ، وَ إِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ. "الخطبة 101، 198"

و قال "ع" عن فتنة بني أمية: راية ضلال.... تعرككم عرك الأديم، و تدوسكم دوس الحصيد، و تستخلص المؤمن بينكم استخلاص الطّير الحبّة البطينة من بين هزيل الحبّ. "الخطبة 106، 206"

دار هانت على ربّها، فخلط حلالها بحرامها، و خيرها بشرّها. "الخطبة 111، 218"

و من خطبة له "ع" في سبب مبعث الرسل: ألا و إنّ اللّه تعالى قد كشف الخلق كشفة، لا أنّه جهل ما أخفوه من مصون اسرارهم و مكنون ضمائرهم، و لكن ليبلوهم أيّهم أحسن عملا، فيكون الثّواب جزاء، و العقاب بواء "أي يبوء به صاحبه". "الخطبة 142، 252"

فقد قال اللّه سبحانه إِنْ تَنْصُرُوا اللّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ و قال تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ، وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ فلم يستنصركم من ذلّ،

و لم يستقرضكم من قلّ. استنصركم و لَهُ جُنُودُ السَّمواتِ وَ الأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

و استقرضكم و لَهُ خَزائِنُ السَّمواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْغَنِيّ ُّّ الْحَمِيدُ. و إنّما أراد أن يَبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. "الخطبة 181، 332"

و لكنّ اللّه سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزا بالإختبار لهم، و نفيا للإستكبار عنهم، و إبعادا للخيلاء منهم. "الخطبة 190، 1، 357"

قد اختبرهم اللّه بالمخمصة، و ابتلاهم بالمجهدة، و امتحنهم بالمخاوف، و مخضهم بالمكاره. فلا تعتبروا الرّضا و السّخط بالمال و الولد، جهلا بمواقع الفتنة، و الإختبار في موضع الغنى و الإقتدار. فقد قال سبحانه و تعالى أَيْحسَبُونَ اَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ

وَ بَنِينَ، نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ. فإنّ اللّه سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم، بأوليائه المستضعفين في أعينهم. "الخطبة 190، 2، 362"

... و لو أراد اللّه سبحانه لأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذّهبان، و معادن العقيان، و مغارس الجنان. و أن يحشر معهم طيور السّماء و وحوش الأرضين، لفعل.

و لو فعل لسقط البلاء، و بطل الجزاء، و اضمحلّت الأنباء. و لما وجب للقابلين أجور المبتلين، و لا استحقّ المؤمنون ثواب المحسنين، و لا لزمت الأسماء معانيها. و لكنّ اللّه سبحانه جعل رسله أولي قوّة في عزائمهم، و ضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم،

مع قناعة تملأ القلوب و العيون غنى، و خصاصة تملأ الأبصار و الأسماع أذى.

و لو كانت الأنبياء أهل قوّة لا ترام و عزّة لا تضام، و ملك تمدّ نحوه أعناق الرّجال، و تشدّ إليه عقد الرّحال، لكان ذلك أهون على الخلق في الإعتبار، و أبعد لهم في الإستكبار، و لآمنوا عن رهبة قاهرة لهم، أو رغبة مائلة بهم. فكانت النّيّات مشتركة و الحسنات مقتسمة. و لكنّ اللّه سبحانه أراد أن يكون الاتّباع لرسله و التّصديق بكتبه،

و الخشوع لوجهه و الإستكانة لأمره و الإستسلام لطاعته، أمورا له خاصّة لا تشوبها من غيرها شائبة. و كلّما كانت البلوى و الإختبار أعظم، كانت المثوبة و الجزاء أجزل. "الخطبة 190، 2، 363"

ألا ترون أنّ اللّه سبحانه، اختبر الأوّلين من لدن آدم صلوات اللّه عليه إلى الآخرين من هذا العالم، بأحجار لا تضرّ و لا تنفع، و لا تبصر و لا تسمع "يعني الكعبة المشرفة"... فجعلها بيته الحرام الّذي جعله للنّاس قياما. ثمّ وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا... ثمّ أمر آدم عليه السّلام و ولده أنّ يثنوا أعطافهم نحوه.. ابتلاء عظيما و امتحانا شديدا، و اختبارا مبينا و تمحيصا بليغا، جعله اللّه سببا لرحمته، و وصلة إلى جنّته. و لو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام و مشاعره العظام، بين جنّات و أنهار و سهل و قرار، جمّ الأشجار داني الثّمار ملتفّ البنى متّصل القرى، بين برّة سمراء و روضة خضراء، و أرياف محدقة و عراص مغدقة، و رياض ناضرة و طرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء. و لو كان الأساس المحمول عليها، و الأحجار

المرفوع بها، بين زمرّدة خضراء، و ياقوتة حمراء، و نور و ضياء، لخفّف ذلك مصارعة الشّكّ في الصّدور، و لوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، و لنفى معتلج الرّيب من النّاس. و لكنّ اللّه يختبر عباده بأنواع الشّدائد، و يتعبّدهم بأنواع المجاهد، و يبتليهم بضروب المكاره، إخراجا للتّكبّر من قلوبهم، و إسكانا للتّذلّل في نفوسهم، و ليجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله، و أسبابا ذللا لعفوه. "الخطبة 190، 2، 364"

و تدبّروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم، كيف كانوا في حال التّمحيص و البلاء. ألم يكونوا أثقل الخلائق أعباء، و أجهد العباد بلاء، و أضيق أهل الدّنيا حالا... حتّى إذا رأى اللّه سبحانه جدّ الصّبر منهم على الأذى في محبّته، و الإحتمال للمكروه من خوفه، جعل لهم من مضايق البلاء فرجا، فأبدلهم العزّ مكان الذّلّ، و الأمن مكان الخوف، فصاروا ملوكا حكّاما، و أئمّة أعلاما. و قد بلغت الكرامة من اللّه لهم ما لم تذهب الآمال إليه بهم. "الخطبة 190، 3، 369"

فتفهّم يا بنيّ وصيّتي. و اعلم أنّ مالك الموت هو مالك الحياة، و أنّ الخالق هو المميت، و أنّ المفني هو المعيد، و أنّ المبتلي هو المعافي. و أنّ الدّنيا لم تكن لتستقرّ إلاّ على ما جعلها اللّه عليه من النّعماء و الإبتلاء، و الجزاء في المعاد، أو ما شاء ممّا لا تعلم. "الخطبة 270، 2، 478"

و من كتاب له "ع" الى معاوية: أمّا بعد، فإنّ اللّه سبحانه قد جعل الدّنيا لما بعدها، و ابتلى فيها أهلها، ليعلم أيّهم أحسن عملا. و لسنا للدّنيا خلقنا، و لا بالسّعي فيها أمرنا. و إنّما وضعنا فيها لنبتلى بها. "الخطبة 294، 541"

و من كتاب له "ع" الى الأسود بن قطيبة: و اعلم أنّ الدّنيا دار بليّة، لم يفرغ صاحبها فيها قطّ ساعة إلاّ كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة. "الخطبة 298، 545" و قال "ع": لا يقولنّ أحدكم 'اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفتنة' لأنّه ليس أحد إلاّ و هو مشتمل على فتنة "أي الاختبار". و لكن من استعاذ فليستعذ من مضلاّت الفتن، فإنّ اللّه سبحانه يقول وَ اعْلَمُوا انَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ و معنى ذلك أنّه يختبرهم بالأموال و الأولاد ليتبيّن السّاخط لرزقه، و الرّاضي بقسمه. و إن كان سبحانه أعلم بهم من

أنفسهم. و لكن لتظهر الأفعال الّتي بها يستحقّ الثّواب و العقاب. لأنّ بعضهم يحبّ الذّكور و يكره الإناث، و بعضهم يحبّ تثمير المال، و يكره انثلام الحال. "93 ح، 581" كم من مستدرج بالإحسان إليه، و مغرور بالسّتر عليه، و مفتون بحسن القول فيه.

و ما ابتلى اللّه سبحانه أحدا بمثل الإملاء له. "260 ح، 613"...

و ربّ منعم عليه مستدرج بالنّعمى. و ربّ مبتلى مصنوع له بالبلوى. "273 ح، 622"

الأقاويل محفوظة، و السّرائر مبلوّة، و كلّ نفس بما كسبت رهينة. "343 ح، 634"

و قال "ع": أيّها النّاس، ليركم اللّه من النّعمة وجلين، كما يراكم من النّقمة فرقين "أي فزعين". إنّه من وسّع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجا فقد أمن مخوفا، و من ضيّق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختبارا فقد ضيّع مأمولا. "358 ح، 637"

المومن أشد ابتلاء و امتحانا


قال الإمام "ع":

إنّ أشدّ النّاس بلاء النبيّون ثمّ الوصيّون ثمّ الأمثل فالأمثل، و إنّما يبتلى المؤمن على قدر أعماله الحسنة، فمن صحّ دينه و حسن عمله اشتدّ بلاؤه، و ذلك أنّ اللّه لم يجعل الدّنيا ثوابا لمؤمن و لا عقوبة لكافر. و من سخف دينه ضعف عمله و قلّ بلاؤه. و انّ البلاء أسرع إلى المؤمن التّقيّ من المطر إلى قرار الأرض. "مستدرك 182"

فضل اللّه و نعمه و شكره عليها


يراجع المبحث "17" اللّه الرازق المنعم الجواد الرزق.

قال الإمام علي "ع":

الّذي لا تبرح منه رحمة، و لا تفقد له نعمة. "الخطبة 45، 103"

قال "ع": و تاللّه لو انماثت "أي ذابت" قلوبكم انمياثا، و سالت عيونكم من رغبة إليه أو رهبة منه دما، ثمّ عمّرتم في الدّنيا ما الدّنيا باقية، ما جزت أعمالكم عنكم

/ 86