تصنیف نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تصنیف نهج البلاغه - نسخه متنی

لبیب بیضون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

مرارة الدّنيا حلاوة الآخرة، و حلاوة الدّنيا مرارة الآخرة. "251 ح، 611"

النّاس في الدّنيا عاملان: عامل عمل في الدّنيا للدّنيا، قد شغلته دنياه عن آخرته.

يخشى على من يخلفه الفقر و يأمنه على نفسه، فيفني عمره في منفعة غيره. و عامل عمل في الدّنيا لما بعدها، فجاءه الّذي له من الدّنيا بغير عمل، فأحرز الحظّين معا، و ملك الدّارين جميعا، فأصبح وجيها عند اللّه، لا يسأل اللّه حاجة فيمنعه. "269 ح، 620"

من تذكّر بعد السّفر استعدّ. "280 ح، 623"

و روي أنه "ع" قلّما اعتدل به المنبر، الا قال أمام الخطبة: أيّها النّاس، اتّقوا اللّه فما خلق امرؤ عبثا فيلهو، و لا ترك سدى فيلغوا. و ما دنياه الّتي تحسّنت له بخلف من الآخرة الّتي قبّحها سوء النّظر عنده. و ما المغرور الّذي ظفر من الدّنيا بأعلى همّته كالآخر الّذي ظفر من الآخرة بأدنى سهمته. "370 ح، 640"

و قال "ع" لجابر بن عبد اللّه الأنصاري: يا جابر، قوام الدّين و الدّنيا بأربعة: عالم مستعمل علمه، و جاهل لا يستنكف أن يتعلّم، و جواد لا يبخل بمعروفه، و فقير لا يبيع آخرته بدنياه. فإذا ضيّع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلّم، و إذا بخل الغنيّ بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه. "372 ح، 641"

... و من عمل لدينه كفاه اللّه أمر دنياه. "423 ح، 652"

الدّنيا خلقت لغيرها، و لم تخلق لنفسها. "463 ح، 659"

الحياة و الاحتضار و الموت و القبر و صفة الموتى


يراجع المبحث "134" جهاد الامام "ع" و شجاعته.

قال الامام علي "ع":

فإنّكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم و وهلتم، و سمعتم و أطعتم، و لكن محجوب عنكم ما قد عاينوا، و قريب ما يطرح الحجاب. "الخطبة 20، 65"

و قال في الخطبة الغراء يذكر فعل الدنيا: حتّى إذا أنس نافرها، و اطمأنّ ناكرها،

قمصت بأرجلها، و قنصت بأحبلها، و أقصدت بأسهمها، و أعلقت المرء أوهاق المنيّة "أي حبالها"، قائدة له إلى ضنك المضجع، و وحشة المرجع و معاينة المحلّ "أي مشاهدة مكانه في الجنة أو النار"، و ثواب العمل. و كذلك الخلف بعقب السّلف.

لا تقلع المنيّة اختراما، و لا يرعوي الباقون اجتراما. يحتذون مثالا، و يمضون أرسالا.

إلى غاية الإنتهاء، و صيّور الفناء. "الخطبة 81، 1، 137"

فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلاّ حواني الهرم؟ و أهل غضارة الصّحّة إلاّ نوازل السّقم؟ و أهل مدّة البقاء إلاّ آونة الفناء؟ مع قرب الزّيال، و أزوف الإنتقال، و علز "أي هلع" القلق، و ألم المضض، و غصص الجرض "أي الريق"، و تلّفّت الإستغاثة،

بنصرة الحفدة و الأقرباء، و الأعزّة و القرناء، فهل دفعت الأقارب، أو نفعت النّواحب؟

و قد غودر في محلّة الأموات رهينا، و في ضيق المضجع وحيدا. قد هتكت الهوامّ جلدته، و أبلت النّواهك جدّته و عفت العواصف آثاره، و محا الحدثان معالمه.

و صارت الأجساد شحبة بعد بضّتها، و العظام نخرة بعد قوّتها، و الأرواح مرتهنة بثقل أعبائها، موقنة بغيب أنبائها. لا تستزاد من صالح عملها، و لا تستعتب من سيّى ء زللها. "الخطبة 81، 2، 142"

و قال "ع" في الخطبة الغراء عن المغتر بالدنيا: دهمته فجعات المنيّة في غبّر جماحه،

و سنن مراحه. فظلّ سادرا، و بات ساهرا. في غمرات الآلام، و طوارق الأوجاع و الأسقام. بين أخ شقيق، و والد شفيق. و داعية بالويل جزعا، و لادمة للصّدر قلقا.

و المرء في سكرة ملهثة، و غمرة كارثة، و أنّة موجعة، و جذبة مكربة، و سوقة متعبة. ثمّ أدرج في أكفانه مبلسا، و جذب منقادا سلسا. ثمّ ألقي على الأعواد، رجيع وصب "أي تعب"، و نضو سقم "أي هزيلا من الضعف". تحمله حفدة الولدان، و حشدة الإخوان. إلى دار غربته، و منقطع زورته، و مفرد وحشته. حتّى إذا انصرف المشيع،

و رجع المتفجّع، أقعد في حفرته نجيّا، لبهتة السّؤال، و عثرة الإمتحان. و أعظم ما هنالك بليّة نزول الحميم، و تصلية الجحيم. و فورات السّعير، و سورات الزّفير. لا فترة

مريحة، و لا دعة مزيحة. و لا قوّة حاجزة، و لا موتة ناجزة، و لا سنة مسلّية. بين أطوار الموتات، و عذاب السّاعات إنّا باللّه عائذون "الخطبة 81، 3، 146"

و من كلام له "ع" في عمرو بن العاص: أما و اللّه إنّي ليمنعني من اللّعب ذكر الموت، و إنّه ليمنعه من قول الحقّ نسيان الآخرة. "الخطبة 82، 149"

فكأن قد علقتكم مخالب المنيّة، و انقطعت منكم علائق الأمنيّة، و دهمتكم مفظعات الأمور، و السّياقة إلى الورد المورود. ف كُلُّ نَفسٍ مَعَهَا سَائقٌ وَ شَهِيدٌ: سائق يسوقها إلى محشرها، و شاهد يشهد عليها بعملها. "الخطبة 83، 150"

و خلق الآجال فأطالها و قصّرها، و قدّمها و أخرها، و وصل بالموت أسبابها، و جعله خالجا لأشطانها "أي جاذبا لحبالها الطويلة"، و قاطعا لمرائر أقرانها "أي لحبالها القوية". "الخطبة 89، 4، 175"

أو لستم ترون أهل الدّنيا يصبحون و يمسون على أحوال شتّى: فميت يبكى، و آخر يعزّى، و صريع مبتلى. و عائد يعود، و آخر بنفسه يجود. و طالب للدّنيا و الموت يطلبه،

و غافل و ليس بمغفول عنه. و على أثر الماضي ما يمضي الباقي ألا فاذكروا هادم اللّذّات، و منغّص الشّهوات، و قاطع الأمنيات، عند المساورة للأعمال القبيحة. "الخطبة 97، 192"

و هو يرى المأخوذين على الغرّة "أي بغتة"، حيث لا إقالة و لا رجعة، كيف نزل بهم ما كانوا يجهلون، و جاءهم من فراق الدّنيا ما كانوا يأمنون، و قدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون، فغير موصوف ما نزل بهم. اجتمعت عليهم سكرة الموت و حسرة الفوت. ففترت لها أطرافهم، و تغيّرت لها ألوانهم. ثمّ ازداد الموت فيهم ولوجا. فحيل بين أحدهم و بين منطقه. و أنّه لبين أهله ينظر ببصره، و يسمع بأذنه، على صحّة من عقله، و بقاء من لبّه. يفكّر فيم أفنى عمره، و فيم أذهب دهره و يتذكّر أموالا جمعها، أغمض في مطالبها، و أخذها من مصرّحاتها و مشتبهاتها. قد لزمته تبعات جمعها، و أشرف على فراقها. تبقى لمن وراءه ينعمون فيها، و يتمتّعون بها. فيكون المهنأ لغيره، و العب ء على ظهره. و المرء قد غلقت رهونه بها، فهو يعضّ يده ندامة

على ما أصحر له "أي ما ظهر له و أنكشف" عند الموت من أمره، و يزهد فيما كان يرغب فيه أيّام عمره، و يتمنّى أنّ الّذي كان يغبطه بها و يحسده عليها قد حازها دونه فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتّى خالط لسانه سمعه. فصار بين أهله لا ينطق بلسانه، و لا يسمع بسمعه. يردّد طرفه بالنّظر في وجوههم. يرى حركات ألسنتهم،

و لا يسمع رجع كلامهم. ثمّ ازداد الموت التياطا به، فقبض بصره كما قبض سمعه،

و خرجت الرّوح من جسده، فصار جيفة بين أهله. قد أوحشوا من جانبه، و تباعدوا من قربه. لا يسعد باكيا، و لا يجيب داعيا. ثمّ حملوه إلى مخطّ في الأرض، فأسلموه فيه إلى عمله، و انقطعوا عن زورته. "الخطبة 107، 210"

و قال "ع" عن صفة الموتى: حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانا، و أنزلوا الأجداث فلا يدعون ضيفانا. و جعل لهم من الصّفيح أجنان، و من التّراب أكفان، و من الرّفات جيران. فهم جيرة لا يجيبون داعيا، و لا يمنعون ضيما، و لا يبالون مندبة. إن جيدوا "أي أصابهم المطر" لم يفرحوا، و إن قحطوا لم يقنطوا. جميع و هم آحاد، و جيرة و هم أبعاد.

متدانون لا يتزاورون، و قريبون لا يتقاربون. حلماء قد ذهبت أضغانهم، و جهلاء قد ماتت أحقادهم. لا يخشى فجعهم، و لا يرجى دفعهم. استبدلوا بظهر الأرض بطنا، و بالسّعة ضيقا. و بالأهل غربة، و بالنّور ظلمة. فجاؤوها كما فارقوها، حفاة عراة.

قد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدّائمة و الدّار الباقية، كما قال سبحانه و تعالى كَمَا بَدَأنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ، وَعْداً عَلَيْنَا إنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ. "الخطبة 109، 217"

و أسمعوا دعوة الموت آذانكم قبل أن يدعى بكم. "الخطبة 111، 218"

ثمّ إنّ الدّنيا دار فناء و عناء، و غير و عبر، فمن الفناء أنّ الدّهر موتر قوسه، لا تخطى ء سهامه، و لا تؤسى جراحه. يرمي الحيّ بالموت، و الصّحيح بالسّقم، و النّاجي بالعطب. "الخطبة 112، 220"

فسبحان اللّه، ما أقرب الحيّ من الميّت للحاقه به، و أبعد الميّت من الحيّ لانقطاعه عنه. "الخطبة 112، 221"

إنّ الموت طالب حثيث، لا يفوته المقيم، و لا يعجزه الهارب. إنّ أكرم الموت القتل.

و الّذي نفس ابن أبي طالب بيده، لألف ضربة بالسّيف أهون عليّ من ميتة على الفراش، في غير طاعة اللّه. "الخطبة 121، 232"

فإنّه و اللّه الجدّ لا اللّعب، و الحقّ لا الكذب. و ما هو إلاّ الموت، أسمع داعيه، و أعجل حاديه. فلا يغرّنّك سواد النّاس من نفسك. فقد رأيت من كان قبلك ممّن جمع المال،

و حذر الإقلال، و أمن العواقب طول أمل و استبعاد أجل كيف نزل به الموت فأزعجه عن وطنه، و أخذه من مأمنه. محمولا على أعواد المنايا. يتعاطى به الرّجال الرّجال، حملا على المناكب و إمساكا بالأنامل. "الخطبة 130، 243"

و قال "ع" قبيل وفاته يصور حاله بعد وفاته: ليعظكم هدوّي و خفوت إطراقي و سكون أطرافي، فإنّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ و القول المسموع. "الخطبة 147، 262"

و بالإيمان يعمر العلم، و بالعلم يرهب الموت، و بالموت تختم الدّنيا، و بالدّنيا تحرز الآخرة. "الخطبة 154، 274"

يذهب اليوم بما فيه، و يجي ء الغد لاحقا به. فكأنّ كلّ امرى ء منكم قد بلغ من الأرض منزل وحدته، و مخطّ حفرته: فيا له من بيت وحدة، و منزل وحشة، و مفرد غربة. و كأنّ الصّيحة قد أتتكم، و السّاعة قد غشيتكم. و برزتم لفصل القضاء.

قد زاحت عنكم الأباطيل، و اضمحلّت عنكم العلل. و استحقّت بكم الحقائق.

و صدرت بكم الأمور مصادرها. فاتّعظوا بالعبر، و اعتبروا بالغير، و انتفعوا بالنّذر. "الخطبة 155، 278"

و أوصيكم بذكر الموت و إقلال الغفلة عنه. و كيف غفلتكم عمّا ليس يغفلكم، و طمعكم فيمن ليس يمهلكم. فكفى واعظا بموتى عاينتموهم. حملوا إلى قبورهم غير راكبين، و أنزلوا فيها غير نازلين. فكأنّهم لم يكونوا للدّنيا عمّارا، و كأنّ الآخرة لم تزل لهم دارا. أوحشوا ما كانوا يوطنون، و أوطنوا ما كانوا يوحشون. و اشتغلوا بما فارقوا،

و أضاعوا ما إليه انتقلوا. لا عن قبيح يستطيعون انتقالا، و لا في حسن يستطيعون ازديادا.

أنسوا بالدّنيا فغرّتهم، و وثقوا بها فصرعتهم. "الخطبة 186، 348"

و بادروا الموت و غمراته. و امهدوا له قبل حلوله، و أعدّوا له قبل نزوله. فإنّ الغاية

القيامة. و كفى بذلك واعظا لمن عقل، و معتبرا لمن جهل. و قبل بلوغ الغاية ما تعلمون من ضيق الأرماس، و شدّة الإبلاس. و هول المطّلع، و روعات الفزع. و اختلاف الأضلاع، و إستكاك الأسماع. و ظلمة اللّحد، و خيفة الوعد. و غمّ الضّريح، و ردم الصّفيح. "الخطبة 188، 351"

و اعلموا أنّ ملاحظ المنيّة نحوكم دانية، و كأنّكم بمخالبها و قد نشبت فيكم، و قد دهمتكم فيها مفظعات الأمور، و معضلات المحذور. فقطّعوا علائق الدّنيا و استظهروا بزاد التّقوى. "الخطبة 202، 397"

أولئكم سلف غايتكم و فرّاط مناهلكم. الّذين كانت لهم مقاوم العزّ و حلبات الفخر، ملوكا و سوقا. سلكوا في بطون البرزخ سبيلا. سلّطت الأرض عليهم فيه، فأكلت من لحومهم، و شربت من دمائهم. فأصبحوا في فجوات قبورهم جمادا لا ينمون، و ضمارا لا يوجدون. لا يفزعهم ورود الأهوال، و لا يحزنهم تنكّر الأحوال. و لا يحفلون بالرّواجف و لا يأذنون "أي يستمعون" للقواصف. غيّبا لا ينتظرون، و شهودا لا يحضرون. و إنّما كانوا جميعا فتشتّتوا، و آلافا فافترقوا. و ما عن طول عهدهم و لا بعد محلّهم عميت أخبارهم، و صمّت ديارهم، و لكنّهم سقوا كأسا بدّلتهم بالنّطق خرسا، و بالسّمع صمما، و بالحركات سكونا. فكأنّهم في ارتجال الصّفة صرعى سبات. جيران لا يتأنّسون، و أحبّاء لا يتزاورون. بليت بينهم عرى التّعارف. و انقطعت منهم أسباب الإخاء. فكلّهم وحيد و هم جميع. و بجانب الهجر و هم أخلاّء. لا يتعارفون لليل صباحا، و لا لنهار مساء. أيّ الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا. شاهدوا من أخطار دارهم أفظع ممّا خافوا، و رأوا من آياتها أعظم ممّا قدّروا، فكلتا الغايتين مدّت لهم إلى مباءة، فأتت مبالغ الخوف و الرّجاء. فلو كانوا ينطقون بها لعيّوا بصفة ما شاهدوا و ما عاينوا. و لئن عميت آثارهم، و انقطعت أخبارهم. لقد رجعت فيهم أبصار العبر، و سمعت عنهم آذان العقول. و تكلّموا من غير جهات النّطق. فقالوا: كلحت الوجوه النّواضر، و خوت الأجسام النّواعم. و لبسنا أهدام البلى، و تكاءدنا "أي شقّ علينا" ضيق المضجع،

و توارثنا الوحشة، و تهكّمت علينا الرّبوع الصّموت. فانمحت محاسن أجسادنا، و تنكّرت معارف صورنا، و طالت في مساكن الوحشة إقامتنا. "الخطبة 219، 416"

فكم أكلت الأرض من عزيز جسد، و أنيق لون. كان في الدّنيا غذيّ ترف، و ربيب شرف. يتعلّل بالسّرور في ساعة حزنه، و يفزع إلى السّلوة إن مصيبة نزلت به. ضنّا بغضارة عيشه "أي بخلا بطيب عيشه"، و شحاحة بلهوه و لعبه؟ فبينا هو يضحك إلى الدّنيا و تضحك إليه، في ظلّ عيش غفول، إذ وطى ء الدّهر به حسكه، و نقضت الأيّام قواه، و نظرت إليه الحتوف من كثب. فخالطه بثّ لا يعرفه، و نجيّ همّ ما كان يجده.

و تولّدت فيه فترات علل، آنس ما كان بصحّته "أي أصابته العلل حال كونه أشد أنسا بصحته" ففزع إلى ما كان عوّده الأطبّاء، من تسكين الحارّ بالقارّ، و تحريك البارد بالحارّ. فلم يطفى ء ببارد إلاّ ثوّر حرارة. و لا حرّك بحارّ إلاّ هيّج برودة. و لا اعتدل بممازج لتلك الطّبائع إلاّ أمدّ منها كلّ ذات داء. حتّى فتر معلّله، و ذهل ممرّضه.

و تعايا أهله بصفة دائه، و خرسوا عن جواب السّائلين عنه. و تنازعوا دونه شجيّ خبر يكتمونه، فقائل يقول هو لما به "أي هو هالك مما به"، و ممّن لهم إياب عافيته،

و مصبّر لهم على فقده. يذكّرهم أسى "جمع أسوة" الماضين من قبله. فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدّنيا، و ترك الأحبّة، إذ عرض له عارض من غصصه. فتحيّرت نوافذ فطنته، و يبست رطوبة لسانه. فكم من مهمّ من جوابه عرفه فعيّ عن ردّه، و دعاء مؤلم بقلبه سمعه فتصامّ عنه من كبير كان يعظّمه، أو صغير كان يرحمه. و إنّ للموت لغمرات هي أفظع من أن تستغرق بصفة، أو تعتدل على عقول أهل الدّنيا. "الخطبة 219، 419"

... أصبحت أصواتهم هامدة، و رياحهم راكدة، و أجسادهم بالية، و ديارهم خالية،

و آثارهم عافية "أي مندرسة". فاستبدلوا بالقصور المشيّدة، و النّمارق "الوسائد" الممهّدة، الصّخور و الأحجار المسنّدة، و القبور اللاّطئة الملحدة. الّتي قد بني على الخراب فناؤها، و شيّد بالتّراب بناؤها. فمحلّها مقترب، و ساكنها مغترب. بين أهل محلّة موحشين، و أهل فراغ متشاغلين. لا يستأنسون بالأوطان، و لا يتواصلون تواصل

الجيران، على ما بينهم من قرب الجوار و دنوّ الدّار. و كيف يكون بينهم تزاور،

و قد طحنهم بكلكله البلى، و أكلتهم الجنادل و الثّرى و كأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه، و ارتهنكم ذلك المضجع، و ضمّكم ذلك المستودع. فكيف بكم لو تناهت بكم الأمور، و بعثرت القبور هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ، وَ رُدُّوا إلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الحَقِّ، وَ ضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ. "الخطبة 224، 428"

... فإنّ الموت هادم لذّاتكم، و مكدّر شهواتكم، و مباعد طيّاتكم. زائر غير محبوب و قرن غير مغلوب، و واتر غير مطلوب. قد أعلقتكم حبائله، و تكنّفتكم غوائله،

و أقصدتكم معابله "جمع معبلة و هي النصل الطويل العريض. و أقصده: رماه بسهم فقتله". و عظمت فيكم سطوته. و تتابعت عليكم عدوته، و قلّت عنكم نبوته "هو الخطأ في الرمي". فيوشك أن تغشاكم دواجي ظلله، و احتدام علله. و حنادس غمراته،

و غواشي سكراته. و أليم إزهاقه، و دجوّ إطباقه، و جشوبة مذاقه. فكأن قد أتاكم بغتة فأسكت نجيّكم، و فرّق نديّكم "أي جماعتكم". و عفّى آثاركم، و عطّل دياركم.

و بعث ورّاثكم يقتسمون تراثكم "أي ميراثكم" بين حميم خاصّ لم ينفع، و قريب محزون لم يمنع، و آخر شامت لم يجزع. "الخطبة 228، 431"

... فاحذروا عباد اللّه الموت و قربه، و أعدّوا له عدّته. فإنّه يأتي بأمر عظيم و خطب جليل. بخير لا يكون معه شرّ أبدا، أو شرّ لا يكون معه خير أبدا. فمن أقرب إلى الجنّة من عاملها و من أقرب إلى النّار من عاملها. و أنتم طرداء الموت. إن أقمتم له أخذكم، و إن فررتم منه أدرككم، و هو ألزم لكم من ظلّكم. الموت معقود بنواصيكم، و الدّنيا تطوى من خلفكم. فاحذروا نارا... "الخطبة 266، 465"

و قال "ع" في وصيته لابنه الحسن "ع": فتفهّم يا بنيّ وصيّتي، و اعلم أنّ مالك الموت هو مالك الحياة، و أنّ الخالق هو المميت، و أنّ المفني هو المعيد، و أنّ المبتلي هو المعافي. "الخطبة 270، 2، 478"

و قال "ع": و اعلم يا بنيّ... أنّك طريد الموت الّذي لا ينجو منه هاربه، و لا يفوته طالبه، و لا بدّ أنّه مدركه. فكن منه على حذر أن يدركك و أنت على حال سيّئة، قد كنت

تحدّث نفسك منها بالتّوبة، فيحول بينك و بين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك. "الخطبة 270، 3، 483"

ثم قال "ع": يا بنيّ أكثر من ذكر الموت، و ذكر ما تهجم عليه، و تفضي بعد الموت إليه.

حتّى يأتيك و قد أخذت منه حذرك، و شدّدت له أزرك، و لا يأتيك بغتة فيبهرك. "الخطبة 270، 3، 483"

فكأنّك قد بلغت المدى، و دفنت تحت الثّرى، و عرضت عليك أعمالك بالمحلّ الّذي ينادي الظّالم فيه بالحسرة، و يتمنّى المضيّع فيه الرّجعة، و لات حين مناص. "الخطبة 280، 499"

و قال "ع" في كتابه لعثمان بن حنيف الأنصاري: و ما أصنع بفدك و غير فدك، و النّفس مظانّها في غد جدث، تنقطع في ظلمته آثارها و تغيب أخبارها. و حفرة لو زيد في فسحتها، و أوسعت يدا حافرها، لأضغطها الحجر و المدر، و سدّ فرجها التّراب المتراكم. "الخطبة 284، 506"

و من كتاب له "ع" الى الحارث الهمذاني: ... و أكثر ذكر الموت و ما بعد الموت، و لا تتمنّ الموت إلاّ بشرط وثيق "أي لا تخاطر بنفسك إلاّ اذا علمت أن الغاية أشرف من بذل الروح". "الخطبة 308، 556"

نفس المرء خطاه إلى أجله. "74 ح، 577"

و تبع "ع" جنازة فسمع رجلا يضحك، فقال: كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب. و كأنّ الحقّ فيها على غيرنا وجب. و كأنّ الّذي نرى من الأموات سفر عمّا قليل إلينا راجعون نبوّئهم أجداثهم، و نأكل تراثهم. كأنّا مخلّدون بعدهم. ثمّ قد نسينا كلّ واعظ و واعظة، و رمينا بكلّ جائحة "أي آفة". "122 ح، 587"... و عجبت لمن نسي الموت و هو يرى الموتى. "216 ح، 589" و قال "ع" و قد رجع من صفين، فأشرف على القبور بظاهر الكوفة: يا أهل الدّيار الموحشة،

و المحالّ المقفرة، و القبور المظلمة. يا أهل التّربة، يا أهل الغربة. يا أهل الوحدة،

يا أهل الوحشة. أنتم لنا فرط "أي متقدّمون" سابق، و نحن لكم تبع لاحق. أمّا الدّور

فقد سكنت، و أمّا الأزواج فقد نكحت، و أمّا الأموال فقد قسمت. هذا خبر ما عندنا،

فما خبر ما عندكم؟

ثم التفت الى أصحابه "ع" فقال: أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم: أنّ خير الزّاد التّقوى. "130 ح، 589" لو رأى العبد الأجل و مصيره، لأبغض الأمل و غروره. "334 ح، 633" و من أكثر من ذكر الموت رضي من الدّنيا باليسير. "349 ح، 636"

مواعظ متعددة الأغراض


قال الامام علي "ع":

عباد اللّه إنّ أنصح النّاس لنفسه أطوعهم لربّه، و إنّ أغشّهم لنفسه أعصاهم لربّه.

و المغبون من غبن نفسه. و المغبوط من سلم له دينه. و السّعيد من وعظ بغيره. و الشّقيّ من انخدع لهواه و غروره. و اعلموا أنّ يسير الرّياء شرك. و مجالسة أهل الهوى منساه للإيمان، و محضرة للشّيطان. جانبوا الكذب فإنّه مجانب للإيمان. الصّادق على شفا منجاة و كرامة، و الكاذب على شرف مهواة و مهانة. و لا تحاسدوا، فإنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب. و لا تباغضوا فإنّها الحالقة "أي الماحية لكل خير و بركة". و اعلموا أنّ الأمل يسهي العقل، و ينسي الذّكر. فاكذبوا الأمل فإنّه غرور، و صاحبه مغرور. "الخطبة 84، 152"

يا أيّها النّاس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس. و طوبى لمن لزم بيته، و أكل قوته، و اشتغل بطاعة ربّه، و بكى على خطيئته. فكان من نفسه في شغل، و النّاس منه في راحة. "الخطبة 174، 317"

و من وصية له "ع" لابنه الحسن "ع" كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين: أحي قلبك بالموعظة، و أمته بالزّهادة، و قوّة باليقين. و نوّره بالحكمة، و ذلّله بذكر الموت،

و قرّره بالفناء. و بصّره فجائع الدّنيا، و حذّره صولة الدّهر، و فحش تقلّب اللّيالي

/ 86