تصنیف نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تصنیف نهج البلاغه - نسخه متنی

لبیب بیضون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

القول"، ليّنا قوله. غائبا منكره، حاضرا معروفه. مقبلا خيره، مدبرا شرّه. في الزّلازل وقور، و في المكاره صبور، و في الرّخاء شكور. لا يحيف على من يبغض، و لا يأثم فيمن يحبّ. يعترف بالحقّ قبل أن يشهد عليه. لا يضيع ما استحفظ و لا ينسى ما ذكّر.

و لا ينابز بالألقاب، و لا يضارّ بالجار، و لا يشمت بالمصائب. و لا يدخل في الباطل،

و لا يخرج من الحقّ. إن صمت لم يغمّه صمته، و إن ضحك لم يعل صوته. و إن بغي عليه صبر حتّى يكون اللّه هو الّذي ينتقم له. نفسه منه في عناء، و النّاس منه في راحة. أتعب نفسه لآخرته، و أراح النّاس من نفسه. بعده عمّن تباعد عنه زهد و نزاهة.

و دنّوه ممّن دنا منه لين و رحمة. ليس تباعده بكبر و عظمة، و لا دنوّه بمكر و خديعة.

قال: فصعق همّام صعقة كانت نفسه فيها "أي مات". فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: أما و اللّه لقد كنت أخافها عليه. ثمّ قال: هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها؟ "الخطبة 191، 376"

و قال "ع" في صفة السالك الطريق الى اللّه سبحانه: قد أحيا عقله، و أمات نفسه. حتّى دقّ جليله، و لطف غليظه. و برق له لامع كثير البرق، فأبان له الطّريق، و سلك به السّبيل. و تدافعته الأبواب إلى باب السّلامة، و دار الإقامة. و ثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن و الرّاحة. بما استعمل قلبه، و أرضى ربّه. "الخطبة 218، 415"

و قال "ع" عند تلاوته يُسَبِّحُ لَهُ فِيْهَا بِالغُدُوِّ وَ الآصَالِ رِجَالٌ، لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ: إنّ اللّه سبحانه و تعالى جعل الذّكر جلاء للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، و تبصر به بعد العشوة، و تنقاد به بعد المعاندة. و ما برح للّه عزّت آلاؤه في البرهة بعد البرهة،

و في ازمان الفترات، عباد ناجاهم في فكرهم، و كلّمهم في ذات عقولهم.

فاستصبحوا بنور يقظة في الأبصار و الأسماع و الأفئدة، يذكّرون بأيّام اللّه، و يخوّفون مقامه، بمنزلة الأدلّة في الفلوات. من أخذ القصد حمدوا إليه طريقه، و بشّروه بالنّجاة،

و من أخذ يمينا و شمالا ذمّوا إليه الطّريق، و حذّروه من الهلكة. و كانوا كذلك مصابيح تلك الظّلمات، و ادلّة تلك الشّبهات. و إنّ للذّكر لأهلا أخذوه من الدّنيا بدلا، فلم تشغلهم تجارة و لا بيع عنه، يقطعون به أيّام الحياة، و يهتفون بالزّواجر عن محارم اللّه في اسماع الغافلين، و يأمرون بالقسط و يأتمرون به، و ينهون عن المنكر و يتناهون عنه، فكأنّما

قطعوا الدّنيا إلى الآخرة و هم فيها، فشاهدوا ما وراء ذلك، فكأنّما اطّلعوا غيوب اهل البرزخ في طول الإقامة فيه، و حقّقت القيامة عليهم عداتها، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدّنيا حتّى كأنّهم يرون ما لا يرى النّاس، و يسمعون ما لا يسمعون. فلو مثّلتهم لعقلك في مقاومهم "جمع مقام" المحمودة، و مجالسهم المشهودة، و قد نشروا دواوين أعمالهم، و فرغوا لمحاسبة أنفسهم، عن كلّ صغيرة و كبيرة أمروا بها فقصّروا عنها،

أو نهوا عنها ففرّطوا فيها، و حمّلوا ثقل أوزارهم ظهورهم، فضعفوا عن الإستقلال بها،

فنشجوا نشيجا، و تجاوبوا نحيبا، يعجّون إلى ربّهم من مقام ندم و اعتراف لرأيت أعلام هدى، و مصابيح دجى، قد حفّت بهم الملائكة، و تنزّلت عليهم السّكينة،

و فتحت لهم أبواب السّماء، و أعدّت لهم مقاعد الكرامات، في مقعد اطّلع اللّه عليهم فيه، فرضي سعيهم، و حمد مقامهم. يتنسّمون بدعائه روح التّجاوز "أي يتوقعون التجاوز بدعائهم له"، رهائن فاقة إلى فضله، و اسارى ذلّة لعظمته. جرح طول الأسى قلوبهم، و طول البكاء عيونهم. لكلّ باب رغبة إلى اللّه منهم يد قارعة، يسألون من لا تضيق لديه المنادح "جمع مندوحة و هي المتسع من الأرض"، و لا يخيب عليه الرّاغبون.

فحاسب نفسك لنفسك، فإنّ غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك. "الخطبة 220، 420"

و اعلموا عباد اللّه إنّ المتّقين ذهبوا بعاجل الدّنيا و آجل الآخرة. فشاركوا أهل الدّنيا في دنياهم، و لم يشاركهم أهل الدّنيا في آخرتهم. سكنوا الدّنيا بأفضل ما سكنت.

و اكلوها بأفضل ما أكلت. فحظوا من الدّنيا بما حظي به المترفون، و أخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبّرون. ثمّ انقلبوا عنها بالزّاد المبلّغ، و المتجر الرّابح. أصابوا لذّة زهد الدّنيا في دنياهم، و تيقّنوا أنّهم جيران اللّه غدا في آخرتهم. لا تردّ لهم دعوة، و لا ينقص لهم نصيب من لذّة. "الخطبة 266، 465"

و قال "ع" عن أناس من أهل الشام اتّبعوا معاوية: و يشترون عاجلها بآجل الأبرار المتّقين. و لن يفوز بالخير إلاّ عامله، و لا يجزى جزاء الشّرّ إلاّ فاعله. "الخطبة 272، 491"

و إنّما هي نفسي أروضها بالتّقوى، لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، و تثبت على جوانب

المزلق. "الخطبة 284، 506"

... في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، و تجافت عن مضاجعهم جنوبهم، و همهمت بذكر ربّهم شفاههم، و تقشّعت "أي انجلت" بطول استغفارهم ذنوبهم أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ، أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ. "الخطبة 284، 510"

طوبى لمن ذلّ في نفسه، و طاب كسبه، و صلحت سريرته، و حسنت خليقته، و أنفق الفضل من ماله، و أمسك الفضل من لسانه، و عزل عن النّاس شرّه. و وسعته السّنّة،

و لم ينسب إلى البدعة. "123 ح 588" الصّلاة قربان كلّ تقيّ. "136 ح 592" و قال "ع" لرجل سأله أن يعظه: لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير العمل. و يرجّي التّوبة "أي يؤخّرها" بطول الأمل، يقول في الدّنيا بقول الزّاهدين. و يعمل فيها بعمل الرّاغبين. إن اعطي منها لم يشبع، و إن منع منها لم يقنع. يعجز عن شكر ما اوتي،

و يبتغي الزّيادة فيما بقي. ينهى و لا ينتهي، و يأمر بما لا يأتي. يحبّ الصّالحين و لا يعمل عملهم، و يبغض المذنبين و هو أحدهم. يكره الموت لكثرة ذنوبه، و يقيم على ما يكره الموت له. إن سقم ظلّ نادما، و إن صحّ أمن لاهيا. يعجب بنفسه إذا عوفي، و يقنط إذا ابتلي. إن أصابه بلاء دعا مضطرّا، و إن ناله رخاء أعرض مغترّا. تغلبه نفسه على ما يظنّ، و لا يغلبها على ما يستيقن. يخاف على غيره بأدنى من ذنبه، و يرجو لنفسه بأكثر من عمله. إن استغنى بطر و فتن و إن افتقر قنط و وهن. يقصّر إذا عمل، و يبالغ إذا سأل. إن عرضت له شهوة أسلف المعصية، و سوّف التّوبة. و إن عرته محنة انفرج عن شرائط الملّة "يقصد بذلك الثبات و الصبر و استعانة اللّه على الخلاص من المحن".

يصف العبرة و لا يعتبر، و يبالغ في الموعظة و لا يتّعظ. فهو بالقول مدلّ "أي مستعلي"،

و من العمل مقلّ. ينافس فيما يفنى، و يسامح فيما يبقى. يرى الغنم مغرما "أي خسارة"، و الغرم مغنما "أي ربحا". يخشى الموت، و لا يبادر الفوت "أي فوات الفرصة و انقضاؤها". يستعظم من معصية غيره ما يستقلّ أكثر منه من نفسه، و يستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره. فهو على النّاس طاعن، و لنفسه مداهن. اللّهو مع

الأغنياء أحبّ إليه من الذّكر مع الفقراء. يحكم على غيره لنفسه، و لا يحكم عليها لغيره. و يرشد غيره و يغوي نفسه. فهو يطاع و يعصي، و يستوفي و لا يوفي. و يخشى الخلق في غير ربّه، و لا يخشى ربّه في خلقه.

يقول الشريف الرضي: و لو لم يكن في هذا الكتاب "أي نهج البلاغة" الاّ هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة، و حكمة بالغة و بصيرة لمبصر، و عبرة لناظر مفكر. "150 ح 596" و قال "ع" في صفة المتّقين: كان لي فيما مضى أخ في اللّه، و كان يعظمه في عيني صغر الدّنيا في عينه. و كان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد و لا يكثر إذا وجد. و كان أكثر دهره صامتا، فإن قال بدّ "أي منع" القائلين، و نقع غليل السّائلين.

و كان ضعيفا مستضعفا فإن جاء الجدّ فهو ليث غاب، و صلّ "أي حيّة" واد. لا يدلي بحجّة حتّى يأتي قاضيا. و كان لا يلوم أحدا على ما يجد العذر في مثله، حتّى يسمع اعتذاره. و كان لا يشكو وجعا إلاّ عند برئه. و كان يقول ما يفعل و لا يقول ما لا يفعل.

و كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السّكوت. و كان على ما يسمع أحرص منه على أن يتكلّم. و كان إذا بدهه أمران، ينظر أيّهما أقرب إلى الهوى فيخالفه. فعليكم بهذه الخلائق فالزموها و تنافسوا فيها. فإن لم تستطيعوها فاعلموا أنّ أخذ القليل خير من ترك الكثير. "289 ح 624" إنّ أولياء اللّه هم الّذين نظروا إلى باطن الدّنيا إذا نظر النّاس إلى ظاهرها. و اشتغلوا بآجلها إذا اشتغل النّاس بعاجلها. فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم، و تركوا منها ما علموا أنّه سيتركهم، و رأوا استكثار غيرهم منها استقلالا، و دركهم لها فونا. أعداء ما سالم النّاس، و سلم ما عادى النّاس. بهم علم الكتاب و به علموا. و بهم قام الكتاب و به قاموا. لا يرون مرجوّا فوق ما يرجون، و لا مخوفا فوق ما يخافون. "432 ح 653"

الزهد


الزهد

الزهد كلمة ترادف: ترك الدنيا و الاعراض عنها. و هي في مقابل حب الدنيا و الرغبة فيها.

و لا يعتبر زاهدا بالشي ء من كان بطبعه لا يميل الى الشي ء، و انّما الزاهد من يغلب نفسه على ما تشتهي و يزجرها عن حبّ الدنيا و هي متعلقة بها. و يكون دافعه الى ذلك فكره و أمله في الكمال و السعادة. لأن عبودية المادة تمنع الانسان من تحقيق عقيدته الروحية و المعنوية و كمالاته الاخروية و الأخلاقية. و لذلك عرّف الزهد بأنه الثورة على عبودية المادة.

و في حين يدعو الاسلام الى الزهد يذم الرهبنة، فالزهد في نظره ليس أن تفقد المال و أن لا تسعى الى كسبه، و لكن الزهد أن لا تصبح عبدا للمال.

و ليس للزهد أي معنى اذا كان عبارة عن شعور نفسي، لا يظهر أثره على صفحة الواقع.

فكثير من يشعر بمعنى الزهد و يدعو اليه، ثم لا تجد عليه سيماء الزاهدين. و الامام علي "ع" حين قال بالزهد فقد طبّقه أول ما طبقه على نفسه، في حين كان بامكانه أن يعيش كأفضل انسان في المجتمع.

يراجع المبحث "131" زهد الامام علي "ع".

النصوص:

قال الامام علي "ع":

في آخر الخطبة الشقشقية: و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز. "الخطبة 3، 44"

و قال "ع" عن أصناف طالبي الامارة و السلطان: و منهم من أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه، و انقطاع سببه، فقصرته الحال على حاله، فتحلّى باسم القناعة، و تزيّن بلباس أهل الزّهادة، و ليس من ذلك في مراح و لا مغدى. "الخطبة 32، 86"

و قال "ع" عن أنه مهما عمل الانسان فهو قليل في جنب اللّه: فو اللّه لو حننتم حنين الولّه العجال، و دعوتم بهديل الحمام، و جأرتم جؤار متبتّلي الرّهبان، و خرجتم إلى اللّه من الأموال و الأولاد، التماس القربة إليه، في ارتفاع درجة عنده، أو غفران سيّئة أحصتها كتبه، و حفظتها رسله، لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه، و أخاف عليكم من عقابه. "الخطبة 52، 109"

التماسا لأجر ذلك و فضله، و زهدا فيما تنافستموه من زخرفه و زبرجه. "الخطبة 72، 129"

أيّها النّاس، الزّهادة قصر الأمل، و الشّكر عند النّعم، و التّورّع عند المحارم. فإن عزب ذلك عنكم، فلا يغلب الحرام صبركم، و لا تنسوا عند النّعم شكركم. "الخطبة 79، 134"

أيّها النّاس، انظروا إلى الدّنيا نظر الزّاهدين فيها، الصّادفين عنها. فإنّها و اللّه عمّا قليل تزيل الثّاوي السّاكن، و تفجع المترف الآمن. "الخطبة 101، 196"

و قال "ع" في صفة المحتضر: و يزهد فيما كان يرغب فيه أيّام عمره، و يتمنّى أنّ الّذي كان يغبطه بها و يحسده عليها، قد حازها دونه. "الخطبة 107، 211"

و أسمعوا دعوة الموت آذانكم قبل أن يدعى بكم. إنّ الزّاهدين في الدّنيا تبكي قلوبهم و إن ضحكوا، و يشتدّ حزنهم و إن فرحوا، و يكثر مقتهم أنفسهم و إن اغتبطوا بما رزقوا. "الخطبة 111، 218"

و لقد كان في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كاف لك في الأسوة. و دليل لك على ذمّ الدّنيا و عيبها، و كثرة مخازيها و مساويها، إذ قبضت عنه اطرافها، و وطّئت لغيره اكنافها "أي جوانبها" و فطم عن رضاعها، و زوي عن زخارفها. "الخطبة 158، 282"

ثمّ يقول "ع": و إن شئت ثنّيت بموسى كليم اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حيث يقول:

'ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير' و اللّه ما سأله إلاّ خبزا يأكله، لأنّه كان يأكل بقلة الأرض. و لقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله و تشذّب لحمه.

و إن شئت ثلّثت بداود صلّى اللّه عليه و سلّم صاحب المزامير و قارى ء أهل الجنّة، فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده، و يقول لجلسائه: أيّكم يكفيني بيعها، و يأكل قرص الشّعير من ثمنها. "الخطبة 158، 282"

ثم يقول "ع": و إن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه السّلام، فلقد كان يتوسّد الحجر،

و يلبس الخشن، و يأكل الجشب. و كان إدامه الجوع، و سراجه باللّيل القمر، و ظلاله في الشّتاء مشارق الأرض و مغاربها، و فاكهته و ريحانه ما تنبت الأرض للبهائم.

و لم تكن له زوجة تفتنه، و لا ولد يحزنه، و لا مال يلفته، و لا طمع يذلّه. دابّته رجلاه،

و خادمه يداه. فتأسّ بنبيّك الأطيب الأطهر صلّى اللّه عليه و آله فإنّ فيه أسوة لمن تأسّى، و عزاء لمن تعزّى. و احبّ العباد إلى اللّه المتأسّي بنبيّه، و المقتصّ لأثره.

قضم الدّنيا قضما، و لم يعرها طرفا. أهضم أهل الدّنيا كشحا، و أخمصهم من الدّنيا بطنا. عرضت عليه الدّنيا فأبى أن يقبلها. و علم أنّ اللّه سبحانه أبغض شيئا فأبغضه،

و حقر شيئا فحقّره، و صغّر شيئا فصغّره. و لو لم يكن فينا إلاّ حبّنا ما أبغض اللّه و رسوله، و تعظيمنا ما صغّر اللّه و رسوله، لكفى به شقاقا للّه، و محادّة عن أمر اللّه. "الخطبة 158، 283"

و لقد كان صلّى اللّه عليه و آله يأكل على الأرض، و يجلس جلسة العبد، و يخصف بيده نعله، و يرقع بيده ثوبه، و يركب الحمار العاري، و يردف خلفه، و يكون السّتر على باب بيته، فتكون فيه التّصاوير، فيقول: يا فلانة لإحدى أزواجه غيّبيه عنّي فإنّي إذا نظرت إليه ذكرت الدّنيا و زخارفها. فأعرض عن الدّنيا بقلبه، و أمات ذكرها

من نفسه، و أحبّ أن تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتّخذ منها رياشا، و لا يعتقدها قرارا،

و لا يرجو فيها مقاما. فأخرجها من النّفس، و أشخصها عن القلب، و غيّبها عن البصر.

و كذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه، و أن يذكر عنده.

و لقد كان في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما يدلّك على مساوى ء الدّنيا و عيوبها. إذ جاع فيها مع خاصّته "أي مع تفضله عند ربّه"، و زويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته. فلينظر ناظر بعقله، أكرم اللّه محمّدا بذلك أم أهانه؟ فإن قال: أهانه،

فقد كذب و اللّه العظيم بالإفك العظيم. و إن قال: أكرمه فليعلم أنّ اللّه قد أهان غيره حيث بسط الدّنيا له، و زواها عن أقرب النّاس منه. فتأسّى متأسّ بنبيّه، و اقتصّ أثره،

و ولج مولجه، و إلاّ فلا يأمن الهلكة. فإنّ اللّه جعل محمّدا صلّى اللّه عليه و آله علما للسّاعة "أي دليلا على اقتراب الساعة" و مبشّرا بالجنّة، و منذرا بالعقوبة. خرج من الدّنيا خميصا، و ورد الآخرة سليما. لم يضع حجرا على حجر، حتّى مضى لسبيله،

و أجاب داعي ربّه. فما أعظم منّة اللّه عندنا حين أنعم علينا به، سلفا نتّبعه، و قائدا نطأ عقبه. و اللّه لقد رقّعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها. و لقد قال لي قائل:

ألا تنبذها عنك؟ فقلت: اعزب عنّي، فعند الصّباح يحمد القوم السّرى "هذا المثل معناه: اذا أصبح النائمون و قد رأوا أن الذين كانوا يسيرون ليلا قد وصلوا الى مقاصدهم،

أدركوا فضل سيرهم و ندموا على نومهم". "الخطبة 158، 284"

و قال "ع" في صفة المتقي: بعده عمّن تباعد عنه زهد و نزاهة، و دنوّه ممّن دنا منه لين و رحمة. "الخطبة 191، 380"

و من كلام له "ع" بالبصرة، و قد دخل على العلاء بن زياد الحارثي يعوده، فلما رأى سعة داره قال: ما كنت تصنع بسعة هذه الدّار في الدّنيا؟ و أنت إليها في الآخرة كنت أحوج؟. و بلى إن شئت بلغت بها الآخرة: تقري فيها الضّيف، و تصل فيها الرّحم،

و تطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة.

فقال له العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكو اليك أخي عاصم ابن زياد. قال: و ما له؟ قال:

لبس العباءة و تخلى عن الدنيا. قال: عليّ به. فلما جاء قال:

يا عديّ نفسه لقد استهام بك الخبيث أما رحمت أهلك و ولدك أترى اللّه أحلّ لك الطّيّبات، و هو يكره أن تأخذها أنت أهون على اللّه من ذلك.

قال: يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك و جشوبة مأكلك قال: ويحك، إنّي لست كأنت. إنّ اللّه تعالى فرض على أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة النّاس، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره. "الخطبة 207، 400"

"منها في صفة الزهاد": كانوا قوما من أهل الدّنيا و ليسوا من أهلها، فكانوا فيها كمن ليس منها. عملوا فيها بما يبصرون، و بادروا فيها ما يحذرون. تقلّب أبدانهم بين ظهراني أهل الآخرة، و يرون أهل الدّنيا يعظّمون موت أجسادهم، و هم أشدّ إعظاما لموت قلوب أحيائهم. "الخطبة 228، 433"

أصابوا لذّة زهد الدّنيا في دنياهم، و تيقّنوا أنّهم جيران اللّه غدا في آخرتهم. "الخطبة 266، 465"

أحي قلبك بالموعظة، و أمته بالزّهادة. "الخطبة 270، 1، 475"

من كتاب له "ع" الى عثمان بن حنيف عامله على البصرة: ألا و إنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، و من طعمه بقرصيه... فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا، و لا ادّخرت من غنائمها وفرا، و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا.. "الخطبة 284، 505"

'تراجع بقية الكتاب في المبحث "131" زهد الامام "ع"'.

و الزّهد ثروة. "3 ح، 565" أفضل الزّهد إخفاء الزّهد. "27 ح، 569" و سئل "ع" عن الايمان فقال: الإيمان على أربع دعائم: على الصّبر و اليقين و العدل و الجهاد. و الصّبر منها على أربع شعب: على الشّوق و الشّفق و الزّهد و التّرقّب... و من زهد في الدّنيا استهان بالمصيبات، و من ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.

"30 ح، 569" و عن نوف البكالي، قال: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام، ذات ليلة، و قد خرج من فراشه، فنظر في النجوم فقال لي: يا نوف، أراقد أنت أم رامق؟ "أي منتبه العين".

فقلت: بل رامق. قال: يا نوف، طوبى للزّاهدين في الدّنيا الرّاغبين في الآخرة،

أولئك قوم اتّخذوا الأرض بساطا، و ترابها فراشا، و ماءها طيبا، و القرآن شعارا "الشعار:

ما يلي البدن من الثياب أي يقرؤون القرآن للتفكر و الاتعاظ"، و الدّعاء دثارا. ثمّ قرضوا الدّنيا قرضا على منهاج المسيح "أي مزّقوا الدنيا على طريقة المسيح في العبادة". "104 ح، 583" و لا زهد كالزّهد في الحرام. "113 ح، 586" يقول في الدّنيا بقول الزّاهدين، و يعمل فيها بعمل الرّاغبين. "150 ح، 596" و اللّه لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير "هو جزء من الحشا كالكرش" في يد مجذوم. "236 ح، 609" إذا كثرت المقدرة قلّت الشّهوة "بمعنى من ملك زهد". "245 ح، 610" و إنّما ينظر المؤمن إلى الدّنيا بعين الإعتبار، و يقتات منها ببطن الإضطرار.

"367 ح، 639" ازهد في الدّنيا، يبصّرك اللّه عوراتها. و لا تغفل فلست بمغفول عنك. "391 ح، 646" الزّهد كلّه بين كلمتين من القرآن: قال اللّه سبحانه: لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلى مَا فَاتَكُمْ،

وَ لاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ و من لم يأس على الماضي و لم يفرح بالآتي فقد أخذ الزّهد بطرفيه.

"439 ح، 655"

فلسفة الزهد

مدخل:

بعد أن تكلمنا عن الزهد نتساءل ما هي الغاية من الزهد في الاسلام. فنرى أن الزهد ينطوي على معان ثلاثة هي:

1 الايثار: و هو تقديم الانسان غيره على نفسه. فالزاهد يختار العيشة البسيطة ليعطي فضل ماله للآخرين. و هذا ما فعله الامام علي "ع" و أهله، حين تصدقوا بطعامهم للمسكين و اليتيم و الأسير و باتوا على الطوى.

2 المواساة: و هي مشاركة المحرومين في حياتهم. و كان الامام علي "ع" يؤكد على أن

/ 86