تصنیف نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تصنیف نهج البلاغه - نسخه متنی

لبیب بیضون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

مدخل:

الامداد الغيبي: الفطري و الرسالي

خلق اللّه الفطرة في الانسان ترشده الى الغاية من وجوده و هي عبادة اللّه الواحد الأحد.

فهي إمداد غيبي يختلج في قلب الانسان منذ لحظة ولادته. و كان هذا الإمداد الفطري كافيا وحده لحفظ المسيرة البشرية من الإنحراف في مطلع حياة الانسان على الأرض. و قد عبّر سبحانه عن هذه الحقيقة بقوله كَانَ النَّاسُ اُمَّةً واحِدَةً أي كانوا أمة واحدة تسير على مبدأ الفطرة السليمة.

و مع تطور الحياة المادية البشرية بدأ الاختلاف يدبّ فيما بينهم، و بدأ بعضهم يحاول استغلال البعض و السيطرة عليه، فجاء دور المرحلة الثانية من الإمداد الغيبي للبشرية،

و هو إرسال الأنبياء فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ، وَ اَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ،

لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيما اخْتَلَفُوا فِيهِ 'سورة البقرة 213'. و هكذا توالى الامداد الغيبي عن طريق الأنبياء ليعيدوا البشرية المنحرفة الى طريقها الصحيح. قال الامام موسى الكاظم "ع" لهشام بن الحكم: 'يا هشام، إنّ للّه على النّاس حجّتين: حجّة ظاهرة و حجّة باطنة. فأمّا الظّاهرة فالرّسل و الأنبياء و الأئمّة، و أمّا الباطنة فالعقول'.

و بعد أن اكتمل الدين برسالة الاسلام، و تمت نعمة اللّه على البشرية برسالة نبيّنا محمد "ص" لم تعد البشرية بحاجة الى رسالة سمويّة جديدة. لكن انقطاع الرسالات السموية لا يعني انقطاع الامداد الغيبي، فهذا الامداد دائم من اللّه تعالى.

و قد استمرّ هذا الامداد بعد وفاة النبي الأعظم "ص" متمثّلا بصورة الامامة، التي اختصّها الرسول بالعترة الطاهرة من ذريّته "ص". و بعد غياب الأئمة الاثنى عشر تبلور الامداد الغيبي في خط العلماء المراجع، الذين أخذ اللّه عليهم العهد باحقاق الحقّ و محق الظلم. كما بيّن ذلك الامام علي "ع" في قوله في آخر الخطبة الشقشقيّة: 'أما و الّذي فلق الحبّة و برأ النسمة، لو لا حضور الحاضر، و قيام الحجّة بوجود النّاصر، و ما أخذ اللّه على العلماء في أن لا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها...'.

الانبياء


قال الإمام علي "ع":

نسأل اللّه منازل الشّهداء، و معايشة السّعداء، و مرافقة الأنبياء. "الخطبة 23، 69"

أين أصحاب مدائن الرّسّ، الّذين قتلوا النّبيّين، و أطفؤوا سنن المرسلين، و أحيوا سنن الجبّارين. "الخطبة 180، 327"

أيّها النّاس، إنّي قد بثثت لكم المواعظ، الّتي وعظ الأنبياء بها أممهم. "الخطبة 180، 328"

و اعلم يا بنيّ أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله. "الخطبة 270، 2، 479"

إنّ أولى النّاس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به، ثمّ تلا: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبعُوهُ، وَ هذا النَّبيّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا. "96 ح، 581"

موسى و هارون


قال الإمام علي "ع":

لم يوجس موسى عليه السّلام خيفة على نفسه، بل أشفق من غلبة الجهّال و دول الضّلال. "الخطبة 4، 47"

و قال "ع" عن زهد موسى "ع": و إن شئت ثنّيت بموسى كليم اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حيث يقول: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٍ. و اللّه ما سأله إلاّ خبزا يأكله،

لأنّه كان يأكل بقلة الأرض. و لقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه،

لهزاله و تشذّب لحمه "أي تفرقه". "الخطبة 158، 282"

الّذي كلّم موسى تكليما، و أراه من آياته عظيما. بلا جوارح و لا أدوات، و لا نطق و لا لهوات. "الخطبة 180، 326"

و يتابع الإمام "ع" كلامه عن تواضع الأنبياء "ع" فيقول: و لقد دخل موسى بن عمران و معه أخوه هارون عليهما السّلام على فرعون، و عليهما مدارع الصّوف، و بأيديهما العصيّ، فشرطا له إن أسلم، بقاء ملكه و دوام عزّه. فقال 'ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العزّ و بقاء الملك، و هما بما ترون من حال الفقر و الذّلّ؟ فهلاّ ألقي عليهما أساورة من ذهب' إعظاما للذّهب و جمعه و احتقارا للصّوف و لبسه. "الخطبة 190، 2، 363"

داود و سليمان


و قال "ع" عن زهد داود "ع": و إن شئت ثلّثت بداود صلّى اللّه عليه و سلّم صاحب المزامير "جمع مزمور و ليس جمع مزمار"، و قارى ء أهل الجنّة. فلقد كان يعمل سفائف "أي منسوجات" الخوص بيده، و يقول لجلسائه: أيّكم يكفيني بيعها؟ و يأكل قرص الشّعير من ثمنها. "الخطبة 158، 282"

فلو أنّ أحدا يجد إلى البقاء سلّما، أو لدفع الموت سبيلا، لكان ذلك سليمان بن داود عليه السّلام الّذي سخّر له ملك الجنّ و الإنس، مع النّبوّة و عظيم الزّلفة. فلمّا استوفى طعمته و استكمل مدّته رمته قسيّ الفناء بنبال الموت، و أصبحت الدّيار منه خالية، و المساكن معطّلة، و ورثها قوم آخرون. و إنّ لكم في القرون السّالفة لعبرة. "الخطبة 180، 326"

و قال "ع" لنوف البكالي: يا نوف إنّ داود عليه السّلام قام في مثل هذه السّاعة من اللّيل فقال: إنّها ساعة لا يدعو فيها عبد إلاّ استجيب له، إلاّ أن يكون عشّارا "هو المكّاس الذي يأخذ أعشار المال"، أو عريفا أو شرطيا، أو صاحب عرطبة "و هي الطنبور" أو صاحب كوبة "و هي الطبل أو الدربكة". "104 ح، 583"

عيسى المسيح


قال الإمام علي "ع" عن زهد عيسى "ع":

و إن شئت قلت في عيسى ابن مريم عليه السّلام، فلقد كان يتوسّد الحجر، و يلبس الخشن، و يأكل الجشب. و كان إدامه الجوع، و سراجه باللّيل القمر، و ظلاله في الشّتاء مشارق الأرض و مغاربها، و فاكهته و ريحانه ما تنبت الأرض للبهائم. و لم تكن له زوجة تفتنه، و لا ولد يحزنه، و لا مال يلفته، و لا طمع يذلّه. دابّته رجلاه، و خادمه يداه. "الخطبة 158، 283"

و قال "ع" لنوف البكالي: يا نوف، طوبى للزّاهدين في الدّنيا، الرّاغبين في الآخرة.

أولئك قوم اتّخذوا الأرض بساطا، و ترابها فراشا، و ماءها طيبا، و القرآن شعارا،

و الدّعاء دثارا، ثمّ قرضوا الدّنيا قرضا على منهاج المسيح "ع". "104 ح، 583"

سبب ارسال الأنبياء و حال الناس قبل بعثتهم


قال الإمام علي "ع":

عن سبب ارسال الأنبياء "ع": و اصطفى سبحانه من ولده "أي من ولد آدم" أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم، و على تبليغ الرّسالة أمانتهم. لمّا بدّل أكثر خلقه عهد اللّه إليهم، فجهلوا حقّه و اتّخذوا الأنداد معه، و اجتالتهم الشّياطين عن معرفته، و اقتطعتهم عن عبادته. فبعث فيهم رسله، و واتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته،

و يذكّروهم منسيّ نعمته، و يحتجّوا عليهم بالتّبليغ، و يثيروا لهم دفائن العقول،

و يروهم الآيات المقدّرة: من سقف فوقهم مرفوع، و مهاد تحتهم موضوع، و معايش تحييهم، و آجال تفنيهم، و أوصاب تهرمهم، و أحداث تتابع عليهم. و لم يخل سبحانه خلقه من نبيّ مرسل، أو كتاب منزل، أو حجّة لازمة، أو محجّة قائمة. رسل لا تقصّر بهم قلّة عددهم، و لا كثرة المكذّبين لهم. من سابق سمّي له من بعده، أو غابر عرّفه من قبله. على ذلك نسلت القرون، و مضت الدّهور و سلفت الآباء، و خلفت الأبناء. "الخطبة 1، 31"

لم يوجس موسى عليه السّلام خيفة على نفسه، بل أشفق من غلبة الجهّال و دول الضّلال. "الخطبة 4، 47"

و ليقيم الحجّة به "أي آدم" على عباده، و لم يخلهم بعد أن قبضه، ممّا يؤكّد حجّة ربوبيّته، و يصل بينهم و بين معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخيرة من أنبيائه، و متحمّلي ودائع رسالاته، قرنا فقرنا، حتّى تمّت بنبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حجّته، و بلغ المقطع "أي النهاية" عذره و نذره. "الخطبة 89، 3، 174"

فاستودعهم في أفضل مستودع، و أقرّهم في خير مستقرّ، تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام. كلّما مضى منهم سلف، قام منهم بدين اللّه خلف. حتّى أفضت كرامة اللّه سبحانه و تعالى إلى محمّد صلى اللّه عليه و آله... أرسله على حين فترة من الرّسل و هفوة عن العمل، و غباوة من الأمم. "الخطبة 92، 185"

و قال "ع" عن سبب مبعث الرسل "ع": بعث اللّه رسله بما خصّهم به من وحيه، و جعلهم حجّة له على خلقه، لئلاّ تجب الحجّة لهم بترك الإعذار إليهم. فدعاهم بلسان الصّدق إلى سبيل الحقّ. ألا إنّ اللّه تعالى قد كشف الخلق كشفة، لا أنّه جهل ما أخفوه من مصون أسرارهم و مكنون ضمائرهم، و لكن ليبلوهم أيّهم أحسن عملا.

فيكون الثّواب جزاء و العقاب بواء "من باء فلان بفلان أي قتل به". "الخطبة 142، 255"

فلو أنّ أحدا يجد إلى البقاء سلّما، أو لدفع الموت سبيلا، لكان ذلك سليمان بن داود عليه السّلام الّذي سخّر له ملك الجنّ و الإنس، مع النّبوّة و عظيم الزّلفة.. "الخطبة 180، 326".

و بعث إلى الجنّ و الإنس رسله، ليكشفوا لهم عن غطائها "أي الدنيا" و ليحذّروهم من ضرّائها، و ليضربوا لهم أمثالها، و ليبصّروهم عيوبها، و ليهجموا عليهم بمعتبر من تصرّف مصاحّها و أسقامها، و حلالها و حرامها. و ما أعدّ اللّه للمطيعين منهم و العصاة،

من جنّة و نار، و كرامة و هوان. "الخطبة 181، 330"

فلو رخّص اللّه في الكبر لأحد من عباده لرخّص فيه لخاصّة أنبيائه و أوليائه. و لكنّه سبحانه كرّه إليهم التّكابر، و رضي لهم التّواضع. فألصقوا بالأرض خدودهم، و عفّروا في التّراب وجوههم. و خفضوا أجنحتهم للمؤمنين، و كانوا قوما مستضعفين.

قد اختبرهم اللّه بالمخمصة، و ابتلاهم بالمجهدة. و امتحنهم بالمخاوف، و مخضهم بالمكاره. "الخطبة 190، 2، 362"

و لم يرسل الأنبياء لعبا، و لم ينزل الكتاب للعباد عبثا. "78 ح، 578"

بعثة النبي و حال العرب قبل بعثته الجاهلية


قال الإمام علي "ع":

إلى أن بعث اللّه سبحانه محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لإنجاز عدته "الضمير راجع للّه تعالى، و المراد: وعد اللّه بإرسال النبي "ص" على لسان الأنبياء السابقين"، و تمام نبوّته. مأخوذا على النّبيّين ميثاقه، مشهورة سماته، كريما ميلاده.

و أهل الأرض يومئذ ملل متفرّقة، و أهواء منتشرة، و طرائق مشتّتة. بين مشبّه للّه بخلقه،

أو ملحد في اسمه، أو مشير إلى غيره. فهداهم به من الضّلالة، و أنقذهم بمكانه من الجهالة. ثمّ اختار سبحانه لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لقاءه. و رضي له ما عنده، و أكرمه عن دار الدّنيا، و رغب به عن مقام البلوى، فقبضه إليه كريما صلّى اللّه عليه و آله، و خلّف فيكم ما خلّفت الأنبياء في أممها، إذ لم يتركوهم هملا، بغير طريق واضح و لا علم قائم. "الخطبة 1، 32"

و قال "ع" عن بعثة النبي "ص" و أحوال الجاهلية قبله: و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،

أرسله بالدّين المشهور، و العلم المأثور، و الكتاب المسطور، و النّور السّاطع، و الضّياء اللاّمع، و الأمر الصّادع. إزاحة للشّبهات، و احتجاجا بالبيّنات، و تحذيرا بالآيات،

و تخويفا بالمثلات و النّاس في فتن انجذم فيها حبل الدّين، و تزعزعت سواري اليقين، و اختلف النّجر "أي الأصل"، و تشتّت الأمر، و ضاق المخرج، و عمي المصدر. فالهدى خامل، و العمى شامل. عصي الرّحمن، و نصر الشّيطان. و خذل الإيمان فانهارت دعائمه، و تنكّرت معالمه، و درست سبله، و عفت شركه. أطاعوا الشّيطان فسلكوا مسالكه، و وردوا مناهله. بهم سارت أعلامه و قام لواؤه. في فتن داستهم بأخفافها، و وطئتهم بأظلافها، و قامت على سنابكها. فهم فيها تائهون حائرون، جاهلون مفتونون. في خير دار و شرّ جيران. نومهم سهود، و كحلهم دموع.

بأرض عالمها ملجم، و جاهلها مكرم. "الخطبة 2، 36"

إنّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نذيرا للعالمين، و أمينا على التّنزيل، و أنتم معشر العرب على شرّ دين، و في شرّ دار، منيخون بين حجارة خشن، و حيّات صمّ. تشربون الكدر، و تأكلون الجشب، و تسفكون دماءكم، و تقطعون أرحامكم.

الأصنام فيكم منصوبة، و الآثام بكم معصوبة. "الخطبة 26، 73"

إنّ اللّه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و ليس أحد من العرب يقرأ كتابا، و لا يدّعي نبوّة، فساق النّاس حتّى بوّأهم محلّتهم، و بلّغهم منجاتهم. فاستقامت قناتهم،

و اطمأنّت صفاتهم. "الخطبة 33، 89"

و أشهد أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله عبده و رسوله، أرسله لإنفاذ أمره، و إنهاء عذره، و تقديم نذره. "الخطبة 81، 1، 136"

أرسله على حين فترة من الرّسل، و طول هجعة من الأمم، و اعتزام من الفتن، و انتشار من الأمور، و تلظّ من الحروب. و الدّنيا كاسفة النّور، ظاهره الغرور. على حين اصفرار من ورقها، و أياس من ثمرها، و اغورار من مائها. قد درست منار الهدى، و ظهرت أعلام الرّدى، فهي متجهّمة لأهلها، عابسة في وجه طالبها. ثمرها الفتنة، و طعامها الجيفة،

و شعارها الخوف، و دثارها السّيف. "الخطبة 87، 157"

و قال "ع" عن بعثة النبي "ص": بعثه و النّاس ضلاّل في حيرة، و خابطون في فتنة.

قد استهوتهم الأهواء، و استزلّتهم الكبرياء، و استخفّتهم الجاهليّة الجهلاء. حيارى في زلزال من الأمر و بلاء من الجهل. فبالغ صلّى اللّه عليه و آله في النّصيحة،

و مضى على الطّريقة، و دعا إلى الحكمة و الموعظة الحسنة. "الخطبة، 93، 187"

أمّا بعد، فإنّ اللّه سبحانه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و ليس أحد من العرب يقرأ كتابا، و لا يدّعي نبوّة و لا وحيا... "الخطبة 102، 198"

حتّى بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله شهيدا و بشيرا و نذيرا. خير البريّة طفلا،

و أنجبها كهلا، و أطهر المطهّرين شيمة، و أجود المستمطرين ديمة. "الخطبة 103، 199"

أرسله على حين فترة من الرّسل، و تنازع من الألسن. فقفّى به الرّسل، و ختم به الوحي، فجاهد في اللّه المدبرين عنه، و العادلين به. "الخطبة 131، 245"

فبعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالحقّ ليخرج عبادة من عبادة الأوثان إلى عبادته،

و من طاعة الشّيطان إلى طاعته، بقرآن قد بيّنه و أحكمه. ليعلم العباد ربّهم إذ جهلوه،

و ليقرّوا به بعد إذ جحدوه، و ليثبتوه بعد إذ أنكروه... "الخطبة 145، 258"

و قال "ع" عن الجاهلية و أهلها: و طال الأمد بهم ليستكملوا الخزي و يستوجبوا الغير.

حتّى إذا اخلولق الأجل، و استراح قوم إلى الفتن، و أشالوا عن لقاح حربهم، لم يمنّوا على اللّه بالصّبر، و لم يستعظموا بذل أنفسهم في الحقّ. حتّى إذا وافق وارد القضاء انقطاع مدّة البلاء، حملوا بصائرهم على أسيافهم "أي شهروا عقيدتهم داعين اليها غيرهم" و دانوا لربّهم بأمر واعظهم. حتّى إذا قبض اللّه رسوله صلّى اللّه عليه و آله،

رجع قوم على الأعقاب، و غالتهم السّبل، و اتّكلوا على الولائج "أي دخائل المكر و الخديعة" و وصلوا غير الرّحم، و هجروا السّبب الّذي أمروا بمودّته، و نقلوا البناء عن رصّ أساسه، فبنوه في غير موضعه. معادن كلّ خطيئة، و أبواب كلّ ضارب في غمرة.

قد ماروا في الحيرة، و ذهلوا في السّكرة، على سنّة من آل فرعون. من منقطع إلى الدّنيا راكن، أو مفارق للدّين مباين. "الخطبة 148، 263"

و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، و نجيبه و صفوته. لا يؤازى فضله

و لا يجبر فقده. أضاءت به البلاد بعد الضّلالة المظلمة، و الجهالة الغالبة، و الجفوة الجافية. و النّاس يستحلّون الحريم و يستذلّون الحكيم. يحيون على فترة، و يموتون على كفرة. "الخطبة 149، 264"

أرسله على حين فترة من الرّسل، و طول هجعة من الأمم، و انتقاض من المبرم.

فجاءهم بتصديق الّذي بين يديه، و النّور المقتدى به. ذلك القرآن... "الخطبة 156، 278"

أرسله بحجّة كافية، و موعظة شافية، و دعوة متلافية. أظهر به الشّرائع المجهولة، و قمع به البدع المدخولة، و بيّن به الأحكام المفصولة. "الخطبة 159، 286"

و لا تكونوا كجفاة الجاهليّة: لا في الدّين يتفقّهون، و لا عن اللّه يعقلون. كقيض بيض في أداح "القيض: القشرة اليابسة للبيضة. و الأداح: جمع ادحيّ، و هو المكان الذي تدحوه النعامة برجلها لتبيض فيه. و بيض النعام إذا مرّ به شخص ظنّه بيض القطا أو غيره، فلا يكسره، فاذا فقس أنتج نتاجا كلّه شر"، يكون كسرها وزرا، و يخرج حضانها شرّا. "الخطبة 164، 299"

إنّ اللّه بعث رسولا هاديا، بكتاب ناطق و أمر قائم، لا يهلك عنه إلاّ هالك. "الخطبة 167، 303"

و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله الصّفيّ، و أمينه الرّضيّ صلّى اللّه عليه و آله أرسله بوجوب الحجج، و ظهور الفلج، و إيضاح المنهج. فبلّغ الرّسالة صادعا بها، و حمل على المحجّة دالا عليها. و أقام أعلام الإهتداء و منار الضّياء. و جعل أمراس الإسلام متينة و عرى الإيمان وثيقة. "الخطبة 183، 334"

و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله. ابتعثه و النّاس يضربون في غمرة "يقصد غمرة الجهل أو الفتن" و يموجون في حيرة. قد قادتهم أزمّة الحين "أي الهلاك"، و استغلقت على أفئدتهم أقفال الرّين "أي حجاب الضلال". "الخطبة 189، 353"

و قال "ع" يصف حال الجاهلية: فالأحوال مضطربة و الأيدي مختلفة و الكثرة متفرّقة.

في بلاء أزل "أي شدة"، و أطباق جهل من بنات موؤودة و أصنام معبودة، و أرحام مقطوعة، و غارات مشنونة. "الخطبة 190، 3، 370"

فانظروا إلى مواقع نعم اللّه عليهم حين بعث إليهم رسولا. فعقد بملّته طاعتهم، و جمع على دعوته ألفتهم. كيف نشرت النّعمة عليهم جناح كرامتها، و أسالت لهم جداول نعيمها، و التفّت الملّة بهم في عوائد بركتها. فأصبحوا في نعمتها غرقين، و في خضرة عيشها فكهين. قد تربّعت الأمور بهم، في ظلّ سلطان قاهر، و آوتهم الحال إلى كنف عزّ غالب. و تعطّفت الأمور عليهم في ذرى ملك ثابت. فهم حكّام على العالمين،

و ملوك في أطراف الأرضين. يملكون الأمور على من كان يملكها عليهم. و يمضون الأحكام فيمن كان يمضيها فيهم. لا تغمز لهم قناة، و لا تقرع لهم صفاة "و هي الحجر الصلد" ألا و إنّكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطّاعة، و ثلمتم حصن اللّه المضروب عليكم بأحكام الجاهليّة. "الخطبة 190، 4، 371"

و نشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله. خاض إلى رضوان اللّه كلّ غمرة، و تجرّع فيه كلّ غصّة. و قد تلوّن له الأدنون، و تألّب عليه الأقصون. و خلعت إليه العرب أعنّتها،

و ضربت إلى محاربته بطون رواحلها، حتّى أنزلت بساحته عداوتها. من أبعد الدّار و أسحق "أي أقصى" المزار. "الخطبة 192، 380"

و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، أرسله و أعلام الهدى دارسة، و مناهج الدّين طامسة.

فصدع بالحقّ و نصح للخلق. و هدى إلى الرّشد و أمر بالقصد، صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. "الخطبة 193، 383"

بعثه حين لا علم قائم، و لا منار ساطع، و لا منهج واضح. "الخطبة 194، 385"

ثمّ إنّ اللّه سبحانه بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالحقّ، حين دنا من الدّنيا الإنقطاع، و أقبل من الآخرة الإطّلاع. و أظلمت بهجتها بعد إشراق، و قامت بأهلها على ساق. و خشن منها مهاد، و أزف منها قياد. في انقطاع من مدّتها، و اقتراب من أشراطها. و تصرّم من أهلها، و انفصام من حلقتها. و انتشار من سببها، و عفاء من أعلامها. و تكشّف من عوراتها، و قصر من طولها.

جعله اللّه بلاغا لرسالته، و كرامة لأمّته. و ربيعا لأهل زمانه. و رفعة لأعوانه، و شرفا لأنصاره. "الخطبة 196، 390"

/ 86