تصنیف نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تصنیف نهج البلاغه - نسخه متنی

لبیب بیضون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

يكون إمام الأمة في عيشة تتماشى مع أدنى طبقة في رعيته. و قد طبق ذلك على نفسه حين لم يأكل أكثر من رغيفيه الشعير، طالما يوجد في مملكته من لا يجد مثل هذين الرغيفين. فعند ذلك يتحقق معنى الايثار و المواساة. فاذا رأى الفقير أن إمامه يعيش مثله كان ذلك مواساة له في حرمانه، و اقتنع بأن إمامه يشعر بحاله و يحاول تخليصه من فقره، و يتحقق بذلك معنى "المواساة". أما بقية الناس، فانهم حين يرون إمامهم يعيش عيشة الزهد فانهم يقتدون به، و يعطون المحروم أفضل أموالهم، فيتحقق عندهم معنى "الايثار".

3 التحرر: فعند ما يزهد الانسان بمتاع الدنيا يستغني عنها، فيصبح حرا من إسارها،

و يضع أثقال المادة عن كاهله، و يصبح نشيطا في حركته نحو آماله الروحية. و لذلك كان الامام "ع" يصف المتقين بأن حاجاتهم خفيفة، أي لا يحتاجون من الدنيا إلاّ ما يقيم أودهم و يسدّ خلّتهم. و عند ما يتحرر الانسان يصبح عطاؤه كثيرا. و في ذلك قيل: الزاهد قليل المؤونة كثير المعونة.

4 رياضة النفس على التقوى: و ذلك بحرمانها من الشهوات و اللذائذ، فبذلك تصبح طيّعة منقادة لصاحبها، في فعل الواجبات و ترك المحرمات، و العمل للآخرة و السير نحو اللّه،

و تلقّي الفيوضات الإلهية.

الايثار و المواساة


يراجع المبحث "113" على الامام أن يعيش كأضعف الناس.

قال الامام علي "ع":

في نهاية الخطبة الشقشقية: أما و الّذي فلق الحبّة و برأ النّسمة، لو لا حضور الحاضر و قيام الحجّة بوجود النّاصر، و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها، و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز. "الخطبة 3، 44"

إنّ اللّه تعالى فرض على أئمّة العدل، أن يقدّروا أنفسهم بضعفة النّاس، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره. "الخطبة 207، 400"

و من كتاب له "ع" الى عثمان بن حنيف الانصاري عامله على البصرة... يراجع الكتاب

في المبحث "113" على الامام أن يعيش كأضعف الناس. "الخطبة 284، 505"

إنّ اللّه جعلني إماما لخلقه، ففرض عليّ التّقدير في نفسي و مطعمي و مشربي و ملبسي كضعفاء النّاس، كي يقتدي الفقير بفقري، و لا يطغي الغنيّ غناه. "أصول الكافي ج 1"

التحرر من المادة


يصف الامام علي "ع" زهد عيسى "ع" فيقول: و لا مال يلفته، و لا طمع يذلّه. "الخطبة 158، 283"

إليك عنّي يا دنيا فحبلك على غاربك قد انسللت من مخالبك، و أفلت من حبائلك... أعزبي عنّي، فو اللّه لا أذلّ لك فتستذلّيني، و لا أسلس لك فتقوديني. "الخطبة 284، 508"

الدّنيا دار ممرّ، لا دار مقرّ. و النّاس فيها رجلان: رجل باع فيها نفسه فأوبقها، و رجل ابتاع نفسه فأعتقها. "133 ح، 591" الطّمع رقّ مؤبّد. "من كلماته القصار"

رياضة النفس بالحرمان


يراجع المبحث "311" مجاهدة النفس.

يراجع المبحث "277" الجوع و العطش الطعام و الشراب.

قال الامام علي "ع":

و اللّه لقد رقّعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها. و لقد قال لي قائل: ألا تنبذها عنك؟ فقلت: اعزب عنّي، فعند الصّباح يحمد القوم السّرى. "الخطبة 158، 285"

و قال "ع" في صفة المتّقين: منطقهم الصّواب، و ملبسهم الإقتصاد، و مشيهم التّواضع. "الخطبة 191، 376"

قانعة نفسه، منزورا "أي قليلا" أكله، سهلا أمره. "الخطبة 191، 379"

و قال "ع" في كتابه الى عثمان بن حنيف: و إنّما هي نفسي أروضها بالتّقوى، فتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، و تثبت على جوانب المزلق. "الخطبة 284، 506"

فما خلقت ليشغلني أكل الطّيّبات كالبهيمة المربوطة، همّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمّمها، تكترش من أعلافها، و تلهو عمّا يراد بها. "الخطبة 284، 507"

و في نهاية الكتاب يقول "ع": اعزبي عنّي "يا دنيا" فو اللّه لا أذلّ لك فتستذلّيني،

و لا أسلس لك فتقوديني. و أيم اللّه يمينا أستثني فيها بمشيئة اللّه لأروضنّ نفسي رياضة تهشّ معها إلى القرص "أي تفرح بالرغيف من شدة ما حرمته" إذا قدرت عليه مطعوما، و تقنع بالملح مأدوما، و لأدعنّ مقلتي كعين ماء، نضب معينها، مستفرغة دموعها. أتمتلى ء السّائمة من رعيها فتبرك؟ و تشبع الرّبيضة من عشبها فتربض؟

و يأكل عليّ من زاده فيهجع قرّت إذا عينه "دعاء على نفسه "ع" بالموت، الذي علامته سكون عينه" إذا اقتدى بعد السّنين المتطاولة، بالبهيمة الهاملة و السّائمة المرعيّة. "الخطبة 284، 509"

و قال "ع" عن إزاره البالي المرقوع: يخشع له القلب، و تذلّ به النّفس، و يقتدي به المؤمنون. "103 ح، 583" و إنّما ينظر المؤمن إلى الدّنيا بعين الإعتبار، و يقتات منها ببطن الإضطرار.

"367 ح، 639"

الزاهد قليل المؤونة كثير المعونة


مدخل:

عرّف أحدهم الزهد بأنه: الأخذ القليل و العطاء الكثير. أي أن هناك نسبة عكسية بين التمتع المادي و العطاء الانساني، سواء في مجال الاخلاق و العواطف، أو في مجال المساعدات و التعاون الاجتماعي، أو من جهة العروج الى العالم العلوي.

و في الواقع ان ابتعاد الانسان عن التمتع بنعم الحياة، يهب لجوهره الصفاء و الجلاء، و يزيد في فكره و ارادته، و يمنحه القوة و النشاط.

و ينطبق هذا أيضا على الحيوان و النبات. فالحيوان البري الذي لا يجد الطعام الوفير، ينشأ قويا صلبا، قادرا على تحمّل الظروف الصعبة، على عكس الحيوان الأليف الذي يعيش في الحظائر المنعمة. و كذلك الأمر بالنسبة للنبات، فالنبات الصحراوي أقلّ حاجة للماء و الغذاء من النبات الخضري، و اذا أحرقناه يعطي طاقة حرارية أكثر و يطول أمد احتراقه.

و قد ردّ الامام علي "ع" على من قال له: إذا كان قوتك قرصين من الشعير، فانّك ستعجز عن منازلة الشجعان. فقال له "ع": بل انني أقوى منك، لأن القوة ليست بكثرة الطعام و طراوته، بل بقلة الطعام و خشونته.

النص

قال الامام علي "ع":

في كتابه لعثمان بن حنيف: و كأنّي بقائلكم يقول: 'إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب، فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران، و منازلة الشّجعان'. ألا و إنّ الشّجرة البرّيّة أصلب عودا، و الرّوائع الخضرة أرقّ جلودا، و النّباتات البدويّة أقوى وقودا و أبطأ خمودا "أي أن النباتات الصحراوية تكون أقوى اشتعالا من النباتات المروية". و أنا من رسول اللّه كالصّنو من الصّنو "الصنوان: النخلتان يجمعهما أصل واحد" و الذّراع من العضد. و اللّه لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها، و لو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. و سأجهد في أن أطهّر الأرض من هذا الشّخص المعكوس،

و الجسم المركوس "أي مقلوب الفكر" حتّى تخرج المدرة "قطعة الطين اليابسة" من بين حبّ الحصيد "أي حتى يطهر المؤمنين من المخالفين".

حب الدنيا


طابع الدنيا التقلب


مدخل:

بيّن الامام علي "ع" من خلال ذمه للتعلق بالدنيا، أهم خاصة للدنيا، و هي التقلب و التغير و التنكر للانسان، فهي لا تسير على وتيرة واحدة، بل تغدر بتبدلها و تحولها من حال الى حال. فالانسان فيها بينا يكون قويا صحيحا اذ به يصير عليلا مريضا، و بينا يكون غنيا وجيها اذ به يصير فقيرا حقيرا.

و هكذا فبعد كل قوة ضعف، و بعد كل عزّ ذلّ، و بعد كلّ رفعة ضعة، و لا يدوم شي ء منها على حال، أو كما قال الشاعر:




  • ألا إنّما الدنيا غضارة أيكة
    اذا اخضر منها جانب جفّ جانب



  • اذا اخضر منها جانب جفّ جانب
    اذا اخضر منها جانب جفّ جانب



النصوص:

قال الامام علي "ع":

في ذمّ الدنيا: أمّا بعد، فإنّي أحذّركم الدّنيا، فإنّها حلوة خضرة، حفّت بالشّهوات،

و تحبّبت بالعاجلة. و راقت بالقليل، و تحلّت بالآمال، و تزيّنت بالغرور. لا تدوم حبرتها، و لا تؤمن فجعتها. غرّارة ضرّارة، حائلة، زائلة، نافذة بائدة، أكّالة غوّالة،

لا تعدوا إذا تناهت إلى أمنيّة أهل الرّغبة فيها و الرّضاء بها أن تكون كما قال اللّه

تعالى سبحانه كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ، فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ. وَ كَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ مُقْتَدِراً. لم يكن امرؤ منها في حبرة إلاّ أعقبته بعدها عبرة. و لم يلق في سرّائها بطنا، إلاّ منحته من ضرّائها ظهرا. و لم تطلّه فيها ديمة رخاء،

إلاّ هتنت عليه مزنة بلاء. و حريّ إذا أصبحت له منتصرة أن تمسي له متنكّرة. و إن جانب منها أعذوذب و احلولى، أمرّ منها جانب فأوبى. لا ينال امرؤ من غضارتها رغبا، إلاّ أرهفته من نوائبها تعبا. و لا يمسي منها في جناح أمن، إلاّ أصبح على قوادم خوف. غرّارة، غرور ما فيها. فانية، فان من عليها. لا خير في شي ء من أزوادها إلاّ التّقوى. من أقلّ منها استكثر ممّا يؤمنه. و من استكثر منها استكثر ممّا يوبقه، و زال عمّا قليل عنه. كم من واثق بها قد فجعته، و ذي طمأنينة إليها قد صرعته. و ذي أبهة قد جعلته حقيرا. و ذي نخوة قد ردّته ذليلا. سلطانها دوّل "أي متحول"، و عيشها رنق،

و عذبها أجاج، و حلوها صبر، و غذاؤها سمام "جمع سم"، و أسبابها رمام "جمع رمة و هي القطعة البالية". حيّها بعرض موت، و صحيحها بعرض سقم. ملكها مسلوب، و عزيزها مغلوب، و موفورها منكوب، و جارها محروب "أي مسلوب المال". "الخطبة 109، 214"

أيّها النّاس، إنّما أنتم في هذه الدّنيا غرض تنتضل "أي تترامى" فيه المنايا. مع كلّ جرعة شرق، و في كلّ أكلة غصص. لا تنالون منها نعمة إلاّ بفراق أخرى، و لا يعمّر معمّر منكم يوما من عمره، إلاّ بهدم آخر من أجله. و لا تجدّد له زيادة في أكله، إلاّ بنفاد ما قبلها من رزقه. و لا يحيا له أثر، إلاّ مات له أثر. و لا يتجدّد له جديد، إلاّ بعد أن يخلق له جديد. و لا تقوم له نابتة إلاّ و تسقط منه محصودة. و قد مضت أصول نحن فروعها، فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله. "الخطبة 143، 256"

و قيل للامام "ع": كيف نجدك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام: كيف يكون حال من يفنى ببقائه، و يسقم بصحّته، و يؤتى من مأمنه. "115 ح، 586" إنّما المرء في الدّنيا غرض تنتضل فيه المنايا، و نهب تبادره المصائب. و مع كلّ جرعة شرق، و في كلّ أكلة غصص. و لا ينال العبد نعمة إلاّ بفراق أخرى، و لا يستقبل يوما من عمره إلاّ بفراق آخر من أجله. فنحن أعوان المنون، و أنفسنا نصب الحتوف. فمن

أين نرجو البقاء، و هذا اللّيل و النّهار، لم يرفعا من شي ء شرفا، إلاّ أسرعا الكرّة في هدم ما بنيا، و تفريق ما جمعا؟ "191 ح، 601" لا ينبغي للعبد أن يثق بخصلتين: العافية و الغنى. بينا تراه معافى إذ سقم، و بينا تراه غنيّا إذ افتقر. "426 ح، 653"

ماهي الدنيا المذمومة؟


مدخل:

الانسان بفطرته يحبّ الحياة، و ليس المقصود من ذمّ الدنيا ذم الحياة، و لا ذمّ العلاقات الطبيعية و الفطرية. و انّما المقصود من ذلك هو ذمّ العلاقة القلبية الموجبة لأسر الانسان بيد الدنيا و من في يده شي ء منها. و هذا ما يسميه الاسلام: عبادة الدنيا، و يكافحه مكافحة شديدة.

و يحدث هذا عند ما يظنّ الانسان أن الحياة هدفا و غاية، لا طريقا و وسيلة. و يغفل عن أن لها غاية وراءها، و أن قيمة الانسان في الحياة بقدر هدفه منها. و عند ما يدرك الانسان الهدف الصحيح يصبح في أحسن تقويم، و عند ما يجهله و يتعامى عنه يصبح في أسفل سافلين. و نجد الهدف الصحيح ملخصا في الحديث القدسي: 'يابن آدم خلقت الأشياء لأجلك، و خلقتك لأجلي'.

و ما أروع خطبة الامام "ع" رقم "32" التي يقسم فيها الناس الى قسمين: أبناء الدنيا و أبناء الآخرة، و يقسم أبناء الدنيا الى أربعة أصناف، و يعتبر هؤلاء الأصناف الأربعة فرقة واحدة، هي أهل الدنيا، لأنهم اشتركوا في وجهة واحدة، هي أنهم باعوا أنفسهم للدنيا 'و لبئس المتجر أن ترى الدّنيا لنفسك ثمنا'.

النصوص:

يقسم الامام "ع" أبناء الدنيا الى أربعة أقسام فيقول: و النّاس على أربعة أصناف:

منهم: من لا يمنعه الفساد إلاّ مهانة نفسه و كلالة حدّه و نضيض وفره "أي قلة ماله".

و منهم: المصلت لسيفه و المعلن بشرّه، و المجلب بخيله و رجله. قد أشرط نفسه و أوبق دينه، لحطام ينتهزه أو مقنب "طائفة من الخيل" يقوده أو منبر يفرعه "أي يعلوه". و لبئس المتجر أن ترى الدّنيا لنفسك ثمنا، و ممّا لك عند اللّه عوضا.

و منهم: من يطلب الدّنيا بعمل الآخرة، و لا يطلب الآخرة بعمل الدّنيا. قد طامن من شخصه، و قارب من خطوه، و شمّر من ثوبه، و زخرف من نفسه للأمانة، و اتّخذ ستر اللّه ذريعة إلى المعصية.

و منهم: من أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه، و انقطاع سببه. فقصرته الحال على حاله، فتحلّى باسم القناعة، و تزيّن بلباس أهل الزّهادة، و ليس من ذلك في مراح و لا مغدى.

ثم يذكر "ع" الفئة الثانية من الراغبين في اللّه فيقول:

و بقي رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع، و أراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد نادّ، و خائف مقموع، و ساكت مكعوم، وداع مخلص، و ثكلان موجع.

قد أخملتهم التّقيّة، و شملتهم الذّلّة. فهم في بحر أجاج، أفواههم ضامرة "أي ساكنة"، و قلوبهم قرحة. قد وعظوا حتّى ملّوا، و قهروا حتّى ذلّوا، و قتلوا حتّى قلّوا.

فلتكن الدّنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ، و قراضة الجلم "مقراض يقصّ به الصوف". و اتّعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم. و ارفضوها ذميمة، فإنّها قد رفضت من كان أشغف بها منكم. "الخطبة 32، 86"

فأصلح مثواك، و لا تبع آخرتك بدنياك. "الخطبة 270، 1، 475"

و إيّاك أن ينزل بك الموت و أنت آبق من ربّك في طلب الدّنيا. "الخطبة 308، 558"

الذم للانسان و ليس للدنيا


مدخل:

ان الاسلام المتمثل في نهج بلاغة الامام علي "ع" يرى علاقة الانسان بالدنيا، كعلاقة

الزارع بزرعه: 'الدنيا مزرعة الآخرة'. أو علاقة التاجر بالمتجر: 'الدنيا متجر أولياء اللّه'. أو علاقة المسابق بميدان السباق: 'ألا و إنّ اليوم المضمار و غدا السباق، و السبقة الجنّة و الغاية النار'. أو علاقة العابد بالمسجد: 'الدنيا مسجد أحباء اللّه'.

إذن فالدنيا ليست عدوّة للانسان و لا ظالمة له، إلاّ بمقدار ظلمه لنفسه و عدم استفادته منها.

و لذلك حين سمع الامام "ع" شخصا يذمّ الدنيا زجره و قال له: أنت أجدر بالذمّ من الدنيا.

النصوص:

قال الامام علي "ع":

عند تلاوته: يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ: يا أيّها الإنسان، ما جرّأك على ذنبك، و ما غرّك بربّك، و ما أنّسك بهلكة نفسك؟. "الخطبة 221، 423"

ثم قال "ع"... و حقا أقول ما الدّنيا غرّتك، و لكن بها اغتررت، و لقد كاشفتك العظات،

و آذنتك على سواء. و لهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك، و النّقص في قوّتك،

أصدق و أوفى من أن تكذبك أو تغرّك. و لربّ ناصح لها عندك متّهم و صادق من خبرها مكذّب. و لئن تعرّفتها في الدّيار الخاوية، و الرّبوع الخالية، لتجدنّها من حسن تذكيرك، و بلاغ موعظتك، بمحلّة الشّفيق عليك، و الشّحيح بك. و لنعم دار من لم يرض بها دارا و محلّ من لم يوطّنها محلاّ و إنّ السّعداء بالدّنيا غدا هم الهاربون منها اليوم. "الخطبة 221، 424"

و قال "ع" و قد سمع رجلا يذم الدنيا: أيّها الذّامّ للدّنيا، المغترّ بغرورها، المخدوع بأباطيلها أتغترّ بالدّنيا ثمّ تذّمّها؟ أنت المتجرّم عليها، أم هي المتجرّمة عليك؟ متى استهوتك، أم متى غرّتك؟ أبمصارع آبائك من البلى، أم بمضاجع أمّهاتك تحت الثّرى؟ كم علّلت بكفّيك؟ و كم مرّضت بيديك؟ تبغي لهم الشّفاء، و تستوصف لهم الأطبّاء، غداة لا يغني عنهم دواؤك، و لا يجدي عليهم بكاؤك. لم ينفع أحدهم إشفاقك، و لم تسعف فيه بطلبتك، و لم تدفع عنه بقوّتك و قد مثّلت لك به الدّنيا

/ 86