علي مصداق بارز لآية كونوا قوامين بالقسط
نعم، لقد كانت هذه العدالة ضالة علي عليه السلام، و كان كالظامي ء الذي يبحث عن عين ماء تروي ظمأه، كان علي عليه السلام يسعى إلى معين العدالة العذب.
كان علي عليه السلام مظهر العدالة و جوهرتها حقا، فقد بعد عن كل ظلم و جور، و في فكر علي عليه السلام السامي لم يكن ممكنا أن تقاس العدالة بأي أمر آخر، و كان لا يعبأ حتى بأعز إنسان عليه من أجل الحق، و ذلك أن ربه قد أمره بذلك فكيف يعصي مولاه؟ "إن الله يأمر بالعدل و الإحسان". ___________________________________النحل، 90.
لم يكن علي عليه السلام يرضى بالكف عن تطبيق العدالة و التراجع عنها مهما كلف الثمن، و لم يرض أن يتخطى العدالة خطوة حتى من أجل تثبيت أركان حكومته الفتية، و أبى أن يساوم أو يتبع المصالح السياسية مهما عظم الثمن، كما أنه لم يرض أن يضحي بالعدالة و يقع تحت تأثير الرحمة و التحرق شفقة، فيعرض بذلك هذا الركن المقدس للتزلزل و الانهيار، فقد كان مصداقا و مظهرا بارزا للآية الشريفة: 'يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط'. ___________________________________النساء،. 135. القسط هو العدل، و القيام بالقسط العمل به و التحفظ له، فالمراد بالقوامين بالقسط القائمون به أتم قيام و أكمله، من غير انعطاف و عدول عنه إلى خلافه لعامل من هوى و عاطفة، أو خوف، أو طمع، أو غير ذلك، و هل توجد هذه الصفة بتمامها و كمالها في غير علي بن أبي طالب عليه السلام؟! إنه مصداق بارز و كامل لهذه الصفة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله، كما سيظهر ذلك من المباحث الآتية إن شاء الله تعالى.
ما قاله النبي في عدله
أخرج السيوطي و الحافظ الكنجي، بإسنادهما عن أبي هريرة، قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه و آله و بين يديه تمر، فسلمت عليه، فرد علي، و ناولني من التمر مل ء كفه، فعددته ثلاثا و سبعين تمرة، ثم مضيت من عنده إلى علي بن أبي طالب عليه السلام و بين يديه تمر، فسلمت عليه، فرد علي، و ضحك إلي، و ناولني من التمر مل ء كفه، فعددته فإذا هو ثلاث و سبعون تمرة، فكثر تعجبي من ذلك، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه و آله. فقلت: يا رسول الله، جئتك و بين يديك تمر، فناولتني مل ء كفك فعددته ثلاثا و سبعين تمرة، ثم مضيت الى علي بن أبي طالب عليه السلام و بين يديه تمر، فناولني مل ء كفه، فعددته ثلاثا و سبعين تمرة، فعجبت من ذلك، فتبسم النبي صلى الله عليه و آله و قال: 'يا أبا هريرة، أما علمت أن يدي و يد علي بن أبي طالب في العدل سواء'. ___________________________________السيوطي في ذيل اللآلئ ص 54 و الحافظ الكنجي في الباب 62 ص. 256.
و في "المناقب" لابن المغازلي و "فرائد السمطين" للجويني، بإسنادهما إلى حبشي بن جنادة، قال: كنت جالسا عند أبي بكر، فأتاه رجل، فقال: يا خليفة رسول الله، إن رسول الله صلى الله عليه و آله و عدني أن يحثو لي ثلاث حثيات من تمر؟قال أبو بكر: ادعوا لي عليا.
فجاء علي عليه السلام فقال أبو بكر: يا أبا الحسن، إن هذا يزعم أن رسول الله صلى الله عليه و آله وعده أن يحثو له ثلاث حثيات من تمر، فاحثها له. فحثا له ثلاث حثيات. ثم قال: 'عدوها' فعدوها فوجدوا في كل حثوة ستين تمرة لا تزيد واحدة على الاخرى.
فقال أبو بكر: صدق الله و رسوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله ليلة الهجرة و نحن خارجون من مكة إلى المدينة يقول: 'يا أبا بكر كفي و كف علي في العدل سواء'. ___________________________________المناقب لابن المغازلي الشافعي، ص 129، ح 170، و فرائد السمطين للجويني، ج 1، ص 50، ح 15 مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه بلا تفاوت في المعنى.
و أخرجه بهذا السند و اللفظ الخطيب في تاريخ بغداد، و الخوارزمي في المناقب، و العلامة القندوزي في ينابيع المودة عن صاحب الفردوس. ___________________________________تاريخ بغداد، ج 5، ص 37، المناقب للخوارزمي، ص 235، ينابيع المودة، ص 233، الفردوس، ج 5، ص 305، ح. 8265.