علی فی الکتاب و السنّة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

علی فی الکتاب و السنّة - جلد 2

حسین شاکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

جورج جرداق


وهذا مقتطف من كلمات المؤلف جورج جرداق 'الرياح السافيات'.

أَلَا إنّه علي بن أبي طالب الذي تتمزّق بسيفه الظُّلمات، وتنقصُّ على عدوّه الرعود القاصفات، وتذروهم الرياح السافيات، فإذا به هولٌ يدفع هولاً وفي عينيه دموعٌ تحوّلت شراراً، وفي حناياه عطفٌ توقّد ناراً!

أَلَا إنّه مخبأُ الفقير من الريح، وسترةُ الضعيف من السيل، وموئلُ العاجز من الزوبعة المُهلكة، وصاحب الظلِّ في الظهيرة المحرقة، كالليل!

أَلَا إنّه عليّ بن أبي طالب الذي سيقول فيه الدهر وفي سيفه مع القائلين:

لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتىً إلّا علي!

وبعد زمن كان معاوية في ما يزيد عن ماية وعشرين ألف مقاتل من أهل الشام يقطع الأرض الى العراق. ونزلوا عند نهر الفرات في وادي صفّين على مقربة من الرقّة سبقاً الى سهولة الأرض وسَعَة المناخ. وصفّين وادٍ تفصله عن شاطئ الفرات أرضٌ مستنقعة يكثر فيها الشجر والعيون.

وقدم عليّ بجيشه من الكوفة مجتازاً بالمدائن والرقّة وقصْده تأديب معاوية الى آخره حديثه في عرض واقعة صفين وحروبها.

إن الشعب الذي امكنه أن يعبر عن عبقريته منذ أربعة عشر قرناً برجل كعلي بن أبي طالب عليه السلام ثم بمجموعة من الناس كبعض تلاميذه وانصاره يوم ذاك، هو شعب يستطيع اليوم في عصر غزو الفضاء أن يمشي مع القافلة التي تسير وهي تنظر غداً إلى الأمام.

سليمان كتاني


قلَّة أولئك الرجال الذين هم على نسج عليٍّ بن أبي طالب عليه السلام، تنهد بهم الحياة، موزَّعين على مفارق الأجيال كالمصابيح، تمتص حشاشاتها لتفنيها هدياً على مسالك العابرين.

وهم، على قلَّتهم، كالأعمدة، تنفرج فيما بينها فسحات الهياكل، وترسو على كواهلها أثقال المداميك، لتومض من فوق مشارفها قبب المنائر.

وإنَّهم في كل ذلك كالرَّواسي، تتقبل هوجَ الأعاصير وزمجرة السُّحب لتعكسها من مصافيها على السّفوح خيرات رقيقة رفيقة عذبة المدافق.

هؤلاء هم في كل آنٍ وزمان، في دنيا الإنسان، أقطابه وروّاده.

إنَّهم في حقول البحث والتنقيب مرامي حدوده، وفي كل خط ضارب في مهمَّة الوجود أقاصي مجالاته. وإنَهم له على كلِّ المفارق إشارات ترد سبله عن جوامحها، وفي كلِّ تيه ضوابط تلملم عن الشطط شوارده. وهم له في دجية الليل قبلة من فجر، وفوق كلاحة الرَّمس لملمة من عزاء.

من بين هؤلاء القلَّة يبرز وجه علي بن أبي طالب عليه السلام في هالة من رسالة، وفي ظلٍّ من نبوَّة، فاضتا عليه انسجاماً واكتمالاً كما احتواهما لوناً وإطاراً.

أصحيح يا سيِّدي أنَّهم بدل أن يختلفوا إليك اختلفوا فيك؟!

فمنهم من فقدوك وما وجدوك.

ومنهم من وجدوك ثمَّ فقدوك.

إنَّه لعجب عجاب!!

أربعة عشر عموداً من أعمدة القرون، بساعاتها وأيّامها وسنيّها، ذابت كما تذوب حبَّة الملح على كفِّ المحيط، ولما يذب بعد حرف من حروف اسمك الكبير.

فكيف لهؤلاء أن يفقدوك ولا يجدوك، أو يجدوك ثم يفقدوك؟! ويا لسخرية القدر! حتى هؤلاء الذين وجدوك كيف تراهم حدَّدوك؟!

إنَّ الحرف الذي انزلق عن شفتيك لا يزال منذ أربعة عشر قرناً يأبى أن يتقلَّص في زمان أو مكان، لأنَّه يحمل عنك نور قيم الفكر واعتلاجات حقيقة الحياة.. وهي أبعد من أن يحصرها إطار.

إنَّ الحرف، منطلقاً من بين شفتيك، أبى أن ينزل في نطاق، فكيف بك أنت إذ

حدَّدوك بشورى تُنحِّيك عن إمارة، أو بيعة تصلك بخلافة؟! وكيف تمكنوا من أن يحشروك بين بداية ونهاية؟ فإذا قماطك قميص عثمان، وإذا لك على كفِّ ابن ملجم دثار الكفن.

وكيف وجدوا تلك المقاييس فأخذوا يتلهَّون بها عنك وراحوا يقيسونك بها؟ فإذا أنت ربع القامة، لست بالطويل ولا بالقصير، عريض المنكبين تميل إلى سمنة ولست بالغليظ، وعيناك على دعج، وعنقك كإبريق فضَّة لك ساعدان مفتولان ليس للسَّيف فقط، بل حتى لاقتلاع المزاليج.

ثم كيف أقحموك بين المشاكل والأحداث فإذا بها تتلقفك كما تتلقف الحلبة مناجزة المتصارعين؟

تبتدئ هكذا يوم الجمل بعرقبة عسكر وجندلة طلحة والزبير، وتنتهي بصفّين، حيث تتحوّل المسرحية إلى مهزلة تختتم بمأساة.

أهكذا نقشت على حدودك تخوم وحوِّط كيانك بسوار؟.. وأنت أنت الوسيم، ليس لدعج في عينيك، بل للهب في بصيرتك. ولا لبهاء في طليعتك، بل لصفاء في سريرتك.. ولا لغيد في عنقك، بل لجبروت في شيمك.

وأنت أنت البطل، صلب السَّيف والترس في كفيك، ليس لفتلة في زنديك أو لعرض في منكبيك، بل لفيض رجح على أصغريك، ثم فاض على نهجيك.

وأنت أنت الناهج الأول، نسجت للدنيا قميصاً على غير النّول الذي حيك عليه قميص عثمان. وصغت للدين حساماً كان من غير معدن سيف عشيق قطام.

وأنت أنت الذي ابتدأت الرَّكيزة وشهقت بها، تطل على الدُّنيا فوق حدودها وفوق مداها، تحمل في يدك مصحف الرِّسالة، تلوح به على غير النمط الذي لوِّح به في صفين مشعلاً يتجاوز وهجه سنام الجمل ومجرى الفرات، ليعبر من مكة والمدينة،

ليس إلى نفوذ الجزيرة وربعها الخالي وحسب، بل ليتجاوزها مع الشمس إلى حيث يبزغ الشروق، وإلى حيث يرتطم الغروب.

لو أدرك الذين فقدوك، وحتى الذين وجدوك، أنّك العملاق ولو بقامة قصيرة وأنَّ وجهك ولو من التراب هو من لون الشمس، لما وصفوك، ولما صدَّقوا حتى اليوم أنَّهم فقدوك.

وقوله:

إلى أين يستطيع أن يطوف بك الفكر وقد تخلَّيت عن كلِّ القيود التي كانت تشد بك عن تلك المطاوف التي كانت تهتز تحت مقارع قبضتيك؟

وكيف أصبحت تنظر إليك الدنيا بعد أن نبذت إليها كلَّ ما كان لك منها كما ينبذ الليل أمام الفجر آخر ذيل من ذيول عتماته؟

وكيف بدأت تنظر إليك ساحات الجهاد بعد أن تركت لها السيف الصقيل والرمح الأسيل؟

لعمري، إنَّ التاسع عشر من رمضان لم يكن اليوم الأوحد الذي فيه رزمت حقائبك وشددت رحلك للسَّفر الطويل.

فلقد تهيّأت لاعتلاء المطيَّة البهيَّة منذ اليوم الأول الذي به تكحَّلت عيناك بذلك الفيض الذي من غار حراء، دُفقت عليك غموره.

ومنذ ذلك اليوم والدنيا تطأطئ رأسها بين يديك، وتلقي بكلِّ جبروتها تحت نعليك.

ومنذ تلك اللحظة، أصبحت خطواتك تتجه نحو الأقاصي، لا تستوقفها الأعاصير، ولا تلهيها رغوات الزبد؟

والدنيا التي قابلتها بخشونة كفِّك، وصدفت عنها بشمم أنفك، ورميت إليها

بطيِّ كشحك هي اليوم التي ترنو إليك، كأنَّها أدركت أنّك أنعم وشي لبرودها، وأنَّك أطرى سحابة مرَّت تلطف النشفة في أجوائها. وأنَّك كنت أعقل معدَّل في صماماتها، تارة يطبق عليها الشح فتسد به على اختناق، وطوراً يغور بها البطر فتحبل به على انفتاق.

وأنَّك كنت أجرأ من مدَّ إلى خدِّها المبرّج يداً فهتك عنه الأزرار، ودخل خدرها المنمَّق فمزَّق عنه السَّتار، فإذا بالوجه السافر تفضح الشمس مساحيقه، وبالخدر المدلل المغطى بالسجف الوثيرة يتعرّى عن كلِّ مفاتنه الوبيئة.

وهكذا أخضعت الدُّمية الكبيرة، وسلختها من أغلفة الأوهام لتلبسها الثوب البسيط المعفف، وسحقت عن أجفانها سقم المراود، وعرَّضتها للنور تستجمع منه مفاتن الكحل.

وإنَّ الدنيا هذه إذ تخسر تحت عينيك بريقها الوابق، تكتسب بين راحتيك وهجها الدافق.. فإذا هي دروب آمنة الجوانب، يتمشّى عليها العابرون على اتزان.. يحدوهم الشوق العفيف، والأمل اللطيف، والمسعى النظيف.. في سبيل الوصول إلى غفوة قريرة، لم تنغِّصها لا دلجة الطمع ولا لمز الجشع، ولم تهتكها تخاريب الفجور أو تجاويف الغرور، ولم تؤرِّقها دبابيس المظالم. وليس الفقر فيها بمن ءٍ عن الفضائل، وليس الغنى منها بمغنٍ عن الشمائل.

وهكذا صنت حدود الدنيا إذ كشفت حدودها، وأسبغت عليها الكنوز من حيث بعثرت كنوزها.

لذلك، فإنَّها أصبحت ترجع إليك في كلِّ سانحة تشعر فيها بأنَّه قد غصّ بها الطريق،وفي دستورك كان لها ذلك المرجع الوثيق.

ودستورك كان ذلك الإلمام الفسيح بكل أُمور الحياة، مشاكلها ولواعجها.

فلم تعالج شأناً من شؤونها إلا سبرت منه الأغوار وسلَّطت عليه الأنوار.

أخذت الرسالة، فإذا هي من نور ربِّك الكبير هداية ما فاتك منها قبس، جمعت إليها حجاك، فشعَّ بها منك الحجى، وضممتها إلى قواك فإذا صدرك منها كظهر المجن فرحت تغرف وتفرغ، دون أن يوهيك الغرف أو يوهنك التوزيع. كأنَّك اليم، ما ملّت من مدِّك الشطآن. ولم تأخذ كبيرة إلا عالجتها بكبر، ولم تتناول صغيرة إلا أعرتها كلَّ الفكر.. فكأنَّك كنت على البعد وعلى القرب كالنور، جوّاد البصيرة جوّاب النظر. وتهافتت حول حياضك الفضائل مترابطة كما تترابط ببعضها البعض خطوط القوافل فإذا بها مشدودة الرصف، منسَّقة القوالب، موزونة الإيقاع،سلسة المدارج فكنت الجائد الجوّاد من حيث كنت الزاهد الزهّاد.

وعجنت الدنيا بماء الزهد وخبزتها، فإذا موائد الجود تتفتَّح على حقيقة السخاء.. حتى إذا تناولت الرغيف المقدَّد تأكله بحبَّة ملح، كانت لك فيه كل العوافي.. ورغيفك كان كفافك، لأنَّه كان من الزهد عجينه.. ولن تحسد غيرك على رغيف، لأنَّه من جود زهدك كان طحينة وزهدت بالدنيا، لأنَّك لم تر لها ظلّاً مقيماً ولا عزّاً مستديماً، ورأيت أنَّ دروبها ليست غير معابر، ورأيت أنَّ الإنسان فيها حثيثاً حثيثاً إلى الموت سائر، وأنَّه إلىأحضان ربِّه صائر، ورأيت أنَّ الفضائل خير حلية تجمع الإنسان في دنياه، يسلكها بتقواه ويتركها بنجواه راحة في الحياة وبلغة للممات. ورأيت أنَّ المثالب بنت المتاعب، تفسد المطالب، تحتضن الأحقاد، وتقضّ المضاجع.

ولن يكون للإنسان فيها حقيقة مأرب، بل هي ملجأ العقل الواهي، ومسلك الطامع المغرور، والجائع النَّهم... هدف صغير، وشأو حقير، لن تبني إنساناً يعي

حقيقة الوجود، بل تبقى له مصدر قلق في سباق أليم، ينهكه التَّزاحم، ويدهدهه التحايل والتراوغ. فمددت باعك الطولي تفرض العفَّة في المسلك، والصِّدق في المنطق، والصَّراحة في الرأي، والحق في الفصل، والعدل في التنفيذ.. فإذا بك تمد الخوان تغنيه الفضائل، وتزيِّنه الشَّمائل، وتطيِّبه التقوى، ويشهيه الإيمان.

وعجينك هو العجين المطهر، لم تمتد إليه يد البغي بأصبع وكان المأكل منه نعم المأكل.. فيه الغذاء وفيه العزاء. فيه الرضوخ وفيه الرضا، فيه الحب وفيه السماح، وفيه السعي على إباء. وفيه الفكر على نبالة. وفيه يقظة الوجدان، وفيه روعة الإنسان. هذا ما تركته للدنيا من حقيقة الدنيا.

فلا عجب أن تجوع الدنيا إلى صوانيك كلَّما غصَّت بموائدها، أو تتعطش إلى مساقيك كلَّما غرقت في مناهلها.

والدنيا إنَّما سغبها في تخمتها، وإنَّما صداها بفيض غمرها.

أما إنَّ أطباقك كيف لا تتخم، ومشاربك كيف لا تغرق، فلأنَّك الذوّاق، إذ قدمت فنَّ المأكل وفنَّ المشرب.

وهكذا لا تزال الدنيا بأجيالها تغرف الطيب من أفاويهك، يا أيّها الوجه الكريم من سنا ربِّك.

صفاء خلوصي


إن قضية الغدير لاشك في صحتها، إذ لا يمكن أن تبنى هذه الروايات

المتوافرة والقصائد الطوال على شي ء غير واقع، فالثابت أن موقف الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في غدير خم مما يمكن الايمان بصحته واثباته بنصوص كثيرة تخرج من نطاق الحصر.

محمد مهدي شمس الدين


إنّ نهج البلاغة سواء أنظرت إليه من ناحية الشكل أو من ناحية المضمون وجدته من الآثار التي تقل نظائرها في التراث الإنساني على ضخامة هذا التراث.

فقد قيل في بيان صاحبه: إنه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق.

بيان معجز البلاغة، تتحول الأفكار فيه إلى أنغام، وتتحول الأنغام فيه إلى أفكار، ويلتقي عليه العقل والقلب، والعاطفة والفكرة، فإذا أنت من الفكرة أمام كائن حي، متحرك، ينبض بالحياة، ويمور بالحركة.

وتلك هي آية الإعجاز في كل بيان.

ولم يكرّس هذا البيان المعجز لمديح سلطان، أو لاستجلاب نفع، أو لتعبير عن عاطفة تافهة مما اعتاد التافهون من الناس أن يكرسوا له البيان.. إن البيان في نهج البلاغة قد كرس لخدمة الإنسان.

فلم يمجد الإمام الأعظم في نهج البلاغة قوة الأقوياء، وإنما مجد نضال الضعفاء، ولم يمجد غنى الأغنياء، وإنما أعلن حقوق الفقراء، ولم يمجد الظالمين العتاة، وإنما مجد الأتقياء والصلحاء.

إن الحرية والعبودية، والغنى والفقر، والعدل والظلم، والجهل والعلم،

والحرب والسلم، والنضال الأزلي في سبيل عالم أفضل لإنسان أفضل، هو مدار الحديث في نهج البلاغة.

فنهج البلاغة كتاب إنساني بكل ما لهذه الكلمة من مدلول، إنساني باحترامه للإنسان وللحياة الإنسانية، وإنساني بما فيه من الاعتراف للإنسان بحقوقه في عصر كان الفرد الإنساني فيه عند الحاكمين هباءة حقيرة لا قيمة لها ولا قدر، إنساني بما يثيره في الإنسان من حب الحياة والعمل لها في حدود تضمن لها سموها ونقاءها.

لهذا ولغيره كان نهج البلاغة، وسيبقى على الدهر أثراً من جملة ما يحتويه التراث الإنساني من الآثار القليلة التي تعشو إليها البصائر حين تكتنفها الظلمات.

وحق له أن يكون كذلك وهو عطاء إنسان كان كوناً من البطولات، ودنياً من الفضائل، ومثلاً أعلى في كل ما يشرف الإنسان.

وفي نهج البلاغة- الذي يمثل الإسلام في صفاته ونقائه كما فهمه الإمام علي عليه السلام وعاشه، وطبقه- في نهج البلاغة أجوبة مبدئية على كل الأمور التي نعاني منها وغيرها.

'نهج البلاغة'، إنه أثر إنساني خالد لا يحده مكان، ولا تنتهي الحاجة إليه في زمان، لأنه من الآثار الإنسانية التي لم توضع لفريق دون فريق، ولم يراع فيها شعب دون شعب، وإنما خوطب بها الإنسان أنّى وجد وكان. ولأنها تلامس كل قلب، وتضمد كل جرح، وتكفكف كل دمعة، كانت ملكاً للناس أجمعين، وكانت خالدة عند الناس أجمعين.

محمود البستاني


أدب الإمام عليّ عليه السلام

يمكن الذهاب إلى أنّ أجود نتاج أدبي عرفه التاريخ- فناً، وعمقاً، وفكراً- يتمثل في ما كتبه الإمام علي عليه السلام. نسوق هذه الحقيقة وأمامنا وثيقتان تشهدان بذلك أولاهما: نفس النتاج المأثور عنه عليه السلام، والأُخرى: وثيقة صادرة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم تؤكّد هذه الحقيقة. وإذا كان مؤرّخ الأدب يمكنه من خلال المتابعة الجاهدة لنتاج الإمام علي عليه السلام أن يستخلص هذه الحقيقة، فإنّ الملاحظ أو القارئ يمكنه أن يستخلص ذلك من الوثيقة التي قدّمها النبي صلى الله عليه و آله و سلم في هذا الميدان، الوثيقة تقول: 'أنا مدينة العلم وعلي بابها'. هذا النص التقويمي هو- إذ أخضعناه للغة الفن-'استعارة' ولكننا نعرف- كما ألمحنا إلى ذلك- أنّ الفارق بين الأدب التشريعي "القرآن الكريم، السنّة النبوية" والأدب العادي، أنّ الأدب التشريعي حينما يلجأ إلى عنصر "الصورة: تشبيه، استعارة... الخ" يختلف عن الأدب العادي في أنّ التشبيه أو الاستعارة ترتكز إلى واقع وليس إلى تخيّل، أو وَهم، أو مبالغة، فعندما يقرر القرآن الكريم: أنّ المنفِق في سبيل اللَّه مثل حَبّة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبّة، حينئذٍ لا مبالغة في الصورة؛ نظراً لكون اللَّه تعالى مُنزَّهاً عن تقرير غير الحق، كذلك ما يقرره النبي صلى الله عليه و آله و سلم- وهو معصوم من الخطأ-لا يبالغ في تقريره لحقيقة ما. فعندما يقول صلى الله عليه و آله و سلم: 'من عَدّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت'. فإنّه لم يبالغ في ذلك ما دام المرء يتعيّن عليه أن يحيا فكرة الموت وأن يعدّ له الزاد الذي يتناسب مع هذه الحقيقة، وحينئذٍ فإنّ إحياء فكرة الموت هي: صحبة بالفعل، فإذا لم يعدّ الغد من أجله فقد أساء هذه الصحبة، وحينئذٍ لا مبالغة في هذه الاستعارة، بل هي الحقيقة ذاتها.

والآن حين نتجه إلى الاستعارة القائلة "أنا مدينة العلم وعليّ بابها" نجد أنّ

/ 50