علی فی الکتاب و السنّة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

علی فی الکتاب و السنّة - جلد 2

حسین شاکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

محمد عبدالغني حسن


لما كانت واقعة الغدير من الحقائق الثابتة التي لا تقبل الجدل فقد نظر إليه بعض رجال المسلمين نظره تخالف منعقد الاجماع.

احمد صقر


ويقول في مقدّمة شرح وتحقيق "مقاتل الطالبيين" لأبي الفرج الإصفهاني:

'ولا يعرف التاريخ أُسرة كأُسرة أبي طالب بلغت الغاية من شرف الأرومة، وطيب النَّجار، ضلَّ عنها حقها- إلى أن يقول- وقد أسرف خصوم هذه الأُسرة الطاهرة في محاربتها، وأذاقوها ضروب النَّكال، وصبوا عليها صنوف العذاب، ولم يرقبوا فيها إلّاً ولا ذمة، ولم يرعوا لها حقّاً ولا حرمة، وأفرغوا بأسهم الشَّديد على النِّساء، والأطفال، والرِّجال جميعاً في عنف لا يشوبه لين، وقسوة لا تمازجها رحمة، حتّى غدت مصائب أهل البيت مضرب الأمثال في فظاعة النَّكال، وقدّ الأفئدة، وتضرب الأمثال للمدى الذي يستطيع الإنسان أن يبلغه من ذروة المجد فتعود الألسن تلهج بذكر عليٍّ، وتمجِّد افضاله'.

عبدالفتاح عبدالمقصود


ليست القرابة، في ذاتها، فضيلة. ولا رابطة الدم، فضيلة. ولا في الاسلام

نسب يرفع وآخر يخفض إلا إذا اقترن بعمل مقبول أو بعمل مرذول، فيتقدم من يحق حقوق اللَّه، ويتوقى نواهيه، وان كان عبدا أسود أفطس، ويتخلف الثاني إلى آخر الصفوف وان كان ذا حسب وسؤدد وجاه..

وإمرة المؤمنين أسمى وأرفع من أن يرتقي إليها امرؤ في سلم الصلات الأسرية التي تجيئه عفوا بغير تقوى تطهر، وجهل يشكر، وعمل يثاب، ويبتغي بها صاحبها وجه ربه ونفع الناس، وصالح أخراه قبل دنياه..

ومنزلة علي في الإسلام، وفي نفس رسوله الكريم، أمكن وأعظم من أن تقاس بمقياس القربى لأنها محصلة مزاياه، وخلاصة جهاده لإعلاء كلمة اللَّه..

ونكاد نلم بعض إلمام بجانب من جوانب هذه الشخصية حين نستحضر في بالنا قوله:

'لا شرف أعلى من الإسلام، ولا عز أعز من التقوى، ولا معقل أحصن من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا كنز أغنى من القناعة، ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت..'.

فهو أعجل الناس قربة إلى اللَّه بتقواه، وحرصهم على مرضاته، أعبدهم عبادة، وأكثرهم صلاة، وأشدهم على نفسه رياضة بالقيام والصيام، ولا نحسب أن عبادته إلا عبادة حر يشكر لربه آلاءه، ويحمد نعماءه، لا عبادة خائف من عقوبة، أو تاجر طامع في مثوبة على نحو ما صنف لنا العباد والعبادات.

يقول في هذا التصنيف:

'إن قوما عبدوا اللَّه رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوماً عبدوااللَّه رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا اللَّه شكراً فتلك عبادة الأحرار..'.

ولا نحسب أيضاً أن صورة كلامية أجمل من هذه التي رسم بها حلاوة التقوى

رسماً يفتن بها النفوس فرحا، ويستطير القلوب شوقاً إلى تذوق طعمها الشهي الذي لا تدانيه كل أطايب المحسوسات والمعنويات.

سئل علي بن الحسين، وهو غاية الغايات في العبادة، وزين من عبدوااللَّه وعاشوا على تقواه:

'أين عبادتك من عبادة جدك؟'.

فقال: 'كعبادة جدي من عبادة رسول اللَّه'.

ولا غرو.. فالكمال الانساني لمحمد عليه الصلاة والسلام في كل سجية وخصلة لا يضاهيه إلى أبد الآبدين كمال..

وكم كان الإمام يتهجد ويتنفل فيكثر، ويلازم الأوراد، ويستغرق في التسبيح حمدا وقربة للَّه.. لأن النوافل- تسبيحا كانت أو دعاء أو صلاة- هي خير ما يملأ به المسلم وقت فراغ وراحة، وأكرم على اللَّه من أن يدع صاحبها ملهاة في يد إبليس يرمي به في نزعة شر تلوث طهره، أو يجنح به إلى باطل يوبقه وينتقص حسناه لحساب سوءاه.

وكان يقول:

'ما كان اللَّه ليفتح على عبدباب الشكر ويغلق عنه باب الزيادة، ولا ليفتح على عبدباب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة، ولا ليفتح لعبد باب التوبة ويغلق عنه باب المغفرة..'.

وهل النافلة سوى شكر واستغفار؟

ولم يعرف امرؤ أزهد منه زهادة، ولا أقنع قناعة.. فهو سيد الزهاد، وأقنع القانعين. يتحرى في معيشته الأشظف والأقشف..

ما ارتدى في حياته لباساً جديداً، ولا اقتنى ضيعة ولا ريعا، إلا شيئاً كان له

بينبع مما تصق به وحبسه، بل كان يلبس من الثياب الأغلظ المرقوع وينتعل نعلين من ليف.

وما شبع قط من طعام، فأكله أخشن مأكل، فإذا ائتدم فبملح أو خل، فإن ترقى عن ذلك فبعض نبات الأرض. فإن ارتفع فبقليل من لبن الإبل.. أما اللحم فنادراً ما كان يذوقه. وكان يقول- وقوله يصدق فعله- وإن لم تخل عبارته من دعابة ساخرة تخز الذين يستكثرون من هذا الصنف من الأطعمة، أو يعلون عليه كمأكل أثير:

'لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان'.

ولم يكن أيضاً كالألى يدلون بما يفعلون إظهاراً لقدرتهم على التحكم في النفس، وأخذها بما يحبون أن يشيع ذكره عنهم ولعا بالذكر أو رثاء الناس، بل كان يرى- كنص ألفاظه- أن 'أفضل الزهد إخفاء الزهد'.

وكانت رياضته نفسه بهذا التقشف الشديد عن إيمان واقتناع. كانت حليفة كل سني عمره الجافة واليانعة على السواء، وليست قرينة مرحلة بذاتها من مراحل حياته قل فيها النشب ونضب المال، بل إنا لنجده أحرص على التزام هذه الرياضة عندما تملكت يمينه سلطة الدولة، وغدا مقدوره، ومن حقه، أن يتحول إلى معيشة لا توصف بأنها أرفه وانما بأنها ليست أشظف، ولا أدل على هذه من صور السلوك الذي يطالعنا به بعد أن آلت اليه إمرة المؤمنين وأصبح صاحب الرأي الأول في توجيه سياسة المال توجيهه سياسة الحكم والسلطان.

وإنما إقبال الدنيا عليه وإدبارها عنه سيان.. ما أتاه من عروضها كما ولى عنه، وما ولى كما أتاه، كلاهما لا يساوي مثل خردلة، لا يهفو منها إلى شي ء، ولا يهتم منها بشي ء، ولا يثق منها في شي ء، بل هو كما يقول: 'أوثق بما في يد اللَّه منه بما

في يده'، وهو غني عنها لأنه على إغرائها عزيز، وبملكها مستهين، وعن نشبها راغب، وهو- اعتزازاً بقدره- تحصن بمعقل القنوع والتأبي والزهد دون سطوة إغرائها، وزخرف عطائها فلم يشغله عن وعيه بزيف دعوتها، وتفه أمرها، وهو ان شأنها على اللَّه شاغل ولو كان مجرد أمنية تراود الخيال.

فكأنما كان شعاره حكمته المعروفة:

'من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته..'.

وهو، إلى زهده، أكرم وأسخى من يحسبون في عداد الكرام الأسخياء ومن عرفهم الكرم والسخاء، ولعله كان أسخى لأنه كان أزهد، أو لعله كان أزهد لأنه كان أسخى، فهو يخرج مما يملك عن قنوع وزهادة كما يخرج منه عن سخاء وجود.

إنه لا يسخو فقط وماله كثر يفيض عن حاجته، بل يسخو وماله أيضاً قل، وأقل القل، يضيق عن البذل، ولا يحمل الكل، وينوء بأغث ضرورات حياته حتى ليوشك ألا ينهض بأوده وأود عياله.

وهل كانت الدنيا كلها تساوي- في حسابه- سوى قلامة ظفر أو قدر صفر لا يجدي عليه أن يأخذ منها، ولا ينقصها أن ينفق؟ فلماذا اذن يضن وهو الذي ضرب للناس بفعله مثلاً للبذل، ودعا الكرام إلى محاولة سلوك مسلكه، حين اليسر وحين العسر على السواء، وسعهم اللحاق به على النهج أو لهثوا دون أن يقطعوا نفس شوطه؟

أثر أنه كان يعمل عند يهودي في المدينة، فلا يزال يكد ويكدح حتى تتشقق يداه،فإذا فرغ من عمله، فإنه لا يلبث، في أغلب الأحايين، أن يتصدق بكل أجره كأنما كان يتعب لغيره.

بل كأنما يسعى إلى الخصاصة، فما أكثر ما كان ينزل هانئ القلب راضيا،

لمسكين، أو يتيم، أو أسير، عن قوته وقوت عياله..

كان يصوم ويطوي، ويطوي معه أهله، ليؤثر بزادهم وزاده. دائما الحرمان طريقه، والجوع رفيقه.

وكما كانت أريحيته تدفعه إلى الجود بالمال وإن هو أعوز وعانى الجوع، فقد كانت أيضاً تدفعه إلى الكرم بالحلم وإن هو ضيع حقه وغص بالأذى والكنود.

إنها الأريحية التي تسخو بالماديات، وتسخو بالمعنويات، إنها عطاء ومنح وإنفاق، تهب الدرهم واللقمة والكساء، كما هي حلم وصفو وعفو تهب الكرامة والأمن والحرية.

فهو أقبل الناس لإنابة منيب تائب، وأسرعهم لغفران زلة خاطئ مذنب. إن ناله من عدوه ضرر، كان أعجل إليه بالعفو منه بالعقوبة، وبالصفح منه إلى رد الصاع.أثبت من أن يخرجه من حلمه غضب على خصم جاحد، وأسمح بالتجاوز عن شنآن غريم حاقد، يصفح وهو الموتور، ويعفو وهو القادر، ويغفر قربة إلى اللَّه.

وكان يقول:

'إذا قدرت على عدوك، فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه..'.

ويقول:

'العفو زكاة الظفر..'.

وكم أدى من أمثال هذه الزكاة..

ملك عليه معاوية وعسكره في صفين شريعة الفرات، ومنعوه وجنده الماء، فلما سألهم أن يشرب الجيشان على سواء، أبى طاغية الشام ورجاله ما أراد، وأجابوه عتوا وصلفا، قائلين: 'لا واللَّه.. ولا شربة ماء حتى تموت ظمأ كما مات عثمان...'

فحمل عليهم، فأزالهم عنوة عن مراكزهم، وأجلاهم إلى الفلاة حيث الصدى والجفاف. عندئذ قال له أصحابه: '... امنعهم الماء يا أميرالمؤمنين، كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة... واقتلهم بسيوف العطش... '.

لكن أريحيته أبت أن يصغي لغضبهم وغضبه على أولئك القوم المارقين من طاعته الغالين في عداوته. وقال: 'لا أكافئهم بمثل فعلهم. أفسحوا لهم عن بعض الشريعة'.

وخلى بينهم وبين الماء..

وأسر، يوم الجمل، عبداللَّه بن الزبير، وكان الناهض ظلما في حربه، الموغل غيا في بغضه. المسرف إفكا في سبه. فلما جي ء به إليه عفا عنه ورد عليه حريته.. وقال له:

'اذهب فلا أرينك..'.

ولم يزد على ذلك..

وبمثل هذا عامل مروان بن الحكم، وطائفة غيره كثيرة من مناوئيه. وبمثله عامل قبلهم الخارجين عليه من أهل البصرة، بعد أن أظفره اللَّه بهم. فوهبهم الأمن والسلامة. لم يقتل منهم، ولم يغنم مالا، ولا سبى ذرية.

وكان، إلى هذه الأريحية الكريمة، لا يقرن صفحه بمن، ولا يتطلع من ورائه لشكر. وكيف لا وصفحه تقدمة إلى اللَّه وحده تترفع عن مثوبة العبيد؟

بل لم يكن ليغيب عن فطنته أن معظم من أظلهم حلمه ووهبهم الحياة والحرية لن يلبثوا أن ينكصوا على الأعقاب فيقابلوه بالكفران دون الشكران، وبالجحود دون العرفان ما إن تتاح لهم فرصة للتنكر وللتنمر. ومع ذلك فقد كان دائما يتوقى مدافعة الإساءة بالإساءة، ومغلبة العيب بالعيب، متنزها عن تناول سير شانئيه

بالقدح والتجريح. وتلك لا ريب مكرمة تعز في الخلائق وتستعصي على أنفس البشر إلا من طهر اللَّه قلبه من الغل، وعصم لسانه وفمه عن نهش الجيف، ولعق الأوحال.

أما مواهبه وقدراته فأعسر على الإلمام والإحاطة. ألم تر كيف تدعيه كل فرقة وتتجاذبه كل طائفة، وتتمسح فيه كل مدرسة فكرية تريد أن تفضل غيرها في ميادين الحكمة والعلم، وتبز كل ما عداها من ذوات المذاهب والنظرات؟ .. وهل ثمة بين العلماء من قد أوتي من بسطة العلم ما يبلغه من العلوم الربانية والبشرية مثل مبلغ الإمام؟ وإنه لهو الذي- بعصارة ذهنه الملهم الخصيب- روى جذورها، ونمى دوحها، وقوى فروعها، وخضر ورقها، ونضر زهرها، وأينع ثمرها، وأدنى قطوفها.

وكان ذا نظرة نفاذة، وروح نقية، وفكر عملاق. يتعمق ما انتهى إليه من معارف الذين سبقوه، فلا يتقبلها على نفس وجهها، ولا يختزنها في واعيته كخرنة المال الا أن يعاير وينقد، فيقر منها ما يقر، ويضيف إليها ما يضيف، أو يغير فيها ما يغير، ويتأمل آيات اللَّه في ملكوته، فينبهر ويعتبر ويفكر، ويشهد ظواهر الخلائق وخصائصها شهود متدبر يسير ويخبر ويفسر، ويغوص في أغوار الأنفس، مترحلا في خفاياها وهو يحل ويقدر ويبرر. فكره المتوقد النفّاد أداته،وروحه الشفيفة الصافية هاديه. أحاد بمعارف الأولين، وارتاد للآخرين، ممتثلاً في كل خطوة يخطوها على هذا النهج القويم أمر اللَّه للإنسان أن ينهض العقل من سباته، ويدفعه إلى النظر والتفكير تلمسا للعلم حيثما يكون.

وكم عرف الإمام، وكم تفرعت به المعرفه وانشعبت سبلا، فمشى منها في كل سبيل إلى مداه، وكم ألم منها بقديم، واهتدى إلى جديد.

والذي أحاط به خبرا عالم من العلم فسيح فسيح، كشفه وراده، ظاهراً وباطنا، جهد ذهني متقحم دؤوب. وعى جزئياته وكلياته وأشربها عقلاً المعيا لماحاً فلقد كان على عبقرية ذهنية لا تتكرر، وكان عقله لا يمل النظر فيما انتقل إليه من تراث البشرية الفكري عبر الأجيال في الروايات والأسفار، كما لا يكل من الطواف بمشاهد الكون ومرئياته، لا يكتفي منها بحصيلة البصر، وإنما يمضي إلى ما وراء المنظور كشفا عن غوامض المبهم وأسرار المستور. لم يتوان قط عن الترحل في البحث إلى أغواره، ولم يكف قط عن التعلم، ولم يضق قط عن معلوم ثقفه أو استخرجه من مجهول. كل ما علمه وعاه، وكلما وعى استزاد، وكلما تقاطرت عليه المعارف وجد فيضها لديه سعة في عقله المنهوم الصديان الذي كان كأرض رمضاء لا يكاد يطفئ ظمأها وينقع غلتها كل ماء السماء.

وكيف يوصد العقل بابه في وجه العلم وإنه لآت يأتيه بزاد جديد؟ في هذا يقول الإمام: 'كل وعاء يضيق بما فيه إلا وعاء العلم فإنه يتسع'. فما أحكم قولته، وأدق وصفه.

فالعلم الإلهي، وهو أشرف العلوم لاتصاله بأشرف معلوم، إنما 'اقتبس من كلامه،عنه نقل، وإليه انتهى، وبه ابتدأ. فإن المعتزلة- الذين هم أهل التوحيد والعدل، وأرباب النظر، ومنهم تعلم الناس هذا الفن- تلامذته وأصحابه لأن كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبداللَّه بن محمد بن الحنفية، وأبوهاشم تلميذ أبيه، وأبوه تلميذه عليه السلام، وعن المعتزلة أخذت الأشعرية. وأما الإمامية والزيدية فأنتماؤهم إليه ظاهر'.

وليس أحد تحدث عن عقيدة التوحيد فأفاض فيها إفاضته، ولا تناول صفات اللَّه فأحسن البيان عنها إحسانه، ولا عرض لقضائه وقدره فقربهما إلى

العقول تقريبه، 'فاللَّه تعالى واحد أحد، ليس كمثله شي ء، قديم لم يزل ولا يزال... لا يوصف بما توصف به المخلوقات... من قال فيه سبحانه بالتشبيه كان بمنزلة الكافر به، الجاهل لحقيقته...'.

فتوحيد اللَّه، ينزه الإسلام الذات الإلهية عن مخالطة الأحياز: زمانية ومكانية، وعن المشاركة في الملك بالاجتزاء أو المشورة، وفي القدرة بالقول أو الفعل، وعن المقارنة بالنظائر أو الأشباه ولو مقارنة تمثيل. فتنزيهه اللَّه خالص كامل، وقاطع مانع، يجل عن الوصف، ويعلو فوق تطاول العقول.

وقد صور على هذا التنزيه ببيان رأى، أمام كماله سبحانه، أن ينهى فيه عن وصف ذاته، لقصور الأفهام عن الإحاطة بحقيقته، وعجز الكلام عن رسم صفاته.

يقول:

'... كمال توحيده الإخلاص له. وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة. فمن وصف اللَّه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه...'.

بحسه الجمالي المتميز، وذهنه الالمعي الثاقب، وإدراكه الروحي المشرق، قرأ القرآن فأحسن ترتيله، وجمعه فاستظهر مافيه، وتدبره فبلغ أعماقه ووعى لباب معانيه.

وما تكشف للإمام من كنوز 'الإلهيات' لم ينبثق له عفوا، بل كان النتيجة اللازمة لتبصره في خلق اللَّه، وتدارسه آيات كتابه، وتفهمه حكمه وأحكامه بروح شفيف ونفس وضاءة وذهن محيط، فلا مشاحة في نقاء الجوهر، ورهافة الحس، وحدة الذكاء، ودقة النظر، وعمق الوعي لديه وكلها الأدوات القادرة على الدراسة

/ 50