علی فی الکتاب و السنّة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

علی فی الکتاب و السنّة - جلد 2

حسین شاکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

والبحث والاستقصاء، والضامنة لاستقامة التفكير وسلامة الاستقراء. ولا مشاحة أيضاً في أنه كان مهيأ لهذا الذي قدر له وأداه بحكم ملازمته- منذ طفولته- رسول اللَّه، ومعايشته مقدمات الرسالة، قبل تنزل الوحي، والنبي عندئذ يخلو إلى نفسه، يتحنث ويتعبد بالغار وبداره، متأملا ما يرى من جلائل الآيات الكونية، وحركة الزمن، وقوانين العدم والوجود، وما إليها من ظواهر وخوارق، تشهد بقدرة قاهرة أزلية ليست ككل القدرات، قدرة تحكم التقدير والتدبير، وتكون لمن يتفكر فيها ابتغاء الاهتداء أقرب إلى الاستجلاء.

عايش على هذه الفترة من نشدان الحقيقة الواحدة، فإذا هو يعجب لمحمد، ثم يعجب به. ثم يتابعه على نفس نهجه متابعة تلميذ لأستاذه، ومستهد لهاديه، حتى ليدرك، في سنه الغضة، عن الموجد المدبر، مالم يدرك غيره من الناس أجمعين. وحتى لنسمعه يتحدث بما هداه إليه حسه المرهف، وروحه الشفيف فيقول: 'كنت أسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعا'

ويقول: 'لقد عبدت اللَّه قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة سبع سنين'

وتلك هي المدة التي قضاها منذ كفله محمد حتى نزلت الرسالة، وأذن للنبي في الإنذار والتبليغ.

لهذا لاندهش إذ يصفه أبوالحسن البصري، فيقول: 'كان ربانيّ هذه الأمة'

ولا ندهش حين نعلم أنه على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان وحده الحافظ للقرآن العارف به، المحيط بأسراره.

ثم لا ندهش ونحن نراه أول من اشتغل بجمعه.

اشتغل علي بحفظ كتاب اللَّه اشتغال من يحرص الحرص كله على هذا النور الذي أنزله ربه هدىً ورحمة للعالمين، أن تشرد منه عبارة، بل لفظة، بل اشارة.

وعنى بجمعه عناية من يخشى أن تتبعثر بعض آياته وسوره في الصدور على غير نسقها المقدور، فتختلط وتتداخل، يتأخر منها ماهو أولى بالتقديم ويتقدم ماهو أولى بالتأخير. وأكب على الترسل في قراءته ترسل ذي حس أدبي مرهف بلا نظير، تفتنه البلاغة، وتشغفه الفصاحة، ويولع ولوع متشه سحر بيانه، يتطرق فيه من تذوق حلاوة المتعة العاطفية الشعورية من جمال عباراته إلى التنعم بكمال المتعة الروحية العقلية من جلال معانيه.

فماذا عسى يتهيأ أجتناؤه للناس من ثمار هذا الاستيعاب؟

ما الذي يمكن أن يطالعهم به من له كالإمام وضاءة النفس، ودقة الحس، وشمول النظرة، وتفتح القريحة، وألمعية الفكر، ونقاوة الجنان؟

إنه ليخلو إلى القرآن خلوَّ خاشع متعبد، سجي الليل، أو هدأ السحر، أو أسفر الفجر، أو علت ضحوة النهار فلا يكاد يشغله في خلوته هذه، التي يرجو بها وجه ربه شي ء من شواغل دنياه أن يرتل ويعيد، ويردد ويزيد، وجوارحه جميعها في ملاك بيانه العذب الآسر، وأسلوبه السماوي الساحر.

وإنه ليقبل عليه إقبال متأمل متدبر، يأخذ بمجامع المدلولات في سياق العبارات وفي مباني الكلمات وفيهن الجلي والخفي. والصريح والغيبي، فلا يفوته أن يحيط بظاهرها وباطنها إحاطة شمول.. ويتبصر مختلف عظائم السور وجلائل الآيات ومنهن آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فلا يغيب عنه استجلاء ما بها من الحكم والأحكام.

وإنه ليجهر بتلاوته، تلاوة محب مشوق، فيتحرى صحة الضبط، وسلامة النطق، ودقة الأداء، مستمتعا بعذوبة كلماته وفقراته مرنمة منغمة.

فإذا هو يجمع إلى إحكام الوصل والوقف، والمد والإمالة، والإظهار

والإدغام، والتحريك والتسكين، والتخفيف والتنوين ألواناً من الصور الصوتية التي توافق كل حرف وكلمة وآية، وتطابق مغزاها، حتى لتوشك المعاني أن تتجسد أمام العيون والنواظر قبل أن تطرق الأسماع إلى القلوب..

بحسه الجمالي المتميز، وذهنه الألمعي الثاقب، وإدراكه الروحي المشرق. قرأ القرآن فأحسن ترتيله، وجمعه فاستظهر مافيه، وتدبره فبلغ أعماقه ووعى لباب معانيه.

وعنت له اللغة العربية كما لم تعنُ لغيره، لان صعبها، وذل غريبها، وتفتحت أبوابها، فإذا هو مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها به ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها.

فالمعلوم الثابت أنه هو الذي استولدها قواعدها، واستنبطها أسسها، وحدد لها جوامع الأصول التي لابد أن تنهض عليها لتظل كحالها عند أهلها الأوائل، سليمة التركيب، مبرأة من عيوب اللحن والخطأ، ومناقص التحريف والالتواء.

إنه صاحب 'علم النحو' الذي حفظ بناء العربية قائما، ولولاه لمال، ولشابها من لكنة الشعوب الغريبة التي دخلت الإسلام ما يغلب على نقاء جوهرها الأصيل، ولتبدلت لغة أخرى غير لغة القرآن. ولاندثرت اندثار اللغات القديمة، وماتت كاللاتينية التي غدت طللا دارسا بعد أن تبلبلت بها لهجات الأوروبيين.

ابتدع الإمام هذا العلم. وأملى على أبي الأسود الدؤلي أصوله الجامعة، فقسم له الكلام كله إلى اسم وفعل وحرف، وقسم الكلمة إلى معرفة ونكرة، وقسم وجوه الإعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم، فكان هذا الذي ابتدعه أس السياج الواقي الذي درأ عن العربية عوادي العجمة واللحن، وأبقى لها اللب والسمت، وضمن صحة الضبط واستقامة اللسان.

ولم يكن بين أبنائها من هو مثله أدرى بها، وأعرف بأساليبها. فاق فيها كل ناطق وكاتب. فإذا هو أخطب من خطب، وبه اقتدى أدباؤها في الكتابة. لا يباريه في فنونها التعبيريه مبار حاكى وقلد أو جدد وابتكر. إذا خطب شدت الأسماع إلى طرف لسانه، وسكتت الأنفاس تصغي إليه، وإذا كتب فأقدر من بيّن أو أمر أو زجر، وإذا جادل فأبرع من حاج وقارع ودلل، وإذا حدث فأخبر من هدى ووعظ وذكر.

والحق أن ما عرف من إحاطته الشاملة بخصائص اللغة، وثورته الإبداعية الطاغية في أساليبها هو بديهية البديهيات. وبحسبنا- للتدليل على تفرده بالدقة في سبك العبارات وبالإحكام في رسم صورها الجمالية، وبالقدرة الفائقة على تضمينها نظراته المعجزات، وآرائه الخوارق في أعضل المسائل وأعصاها- أن نشير إلى ما انتقل إلينا من آثاره الأدبية والفكرية فيما حفظه الناس، وتداولوه، وترنموا به، من خطب مئين كان يوردها ارتجالا عفو الخاطر، دون إعداد، وأن نومئ إلى ما حوته كتب الدارسين والعلماء والمؤرخين من رسائله ومأثوراته وحكمه ووصاياه. وبعض هذه وتلك من كنوز قد جمعه لنا الشريف الرضي في 'نهج البلاغة' معالم وآيات على حضور بديهة، وتوقد ذهن، ونفح إلهام.

وهو صاحب السيف الذي كان الظفر دائما معلقا بطرف ذؤابته أينما جال وصال.

شجاع كما لم تكن قط شجاعة الشجعان، فارس كما لم تكن قط فروسية الفرسان. ما تحرف إلا لقتال، ولا فر في موطن نزال، ولا ارتاع من كتيبة فضلا عن إنسان، ولا بارز إلا صرع وجندل، ولا هاجم إلا أصمى وقتل. كرته لا ترتد ولا ترد. وضربته لا تحتاج إلى ضربة ثانية. ومن كتبت لهم النجاة من أعدائه

ومناجزيه في معاركه، وامتد بهم الأجل ظلوا طوال عمرهم يفاخرون بشرف وقوفهم في الحرب في مقابلته.

بل كانت العرب- وإن أثخن فيها فأيتم منها من أيتم، وأيّم منها من أيّم- تتباهى بسقوط صناديدها صرعى بحد سيفه.

قالت أخت عمرو بن عبدود- فارس العرب الأول، وصريعه يوم الخندق- مباهيه وهي ترثيه:

لو كان قاتل عمرو غير قاتله++

بكيته أبدا ما دمت في الأبد

لكن قاتله من لا يعاب به++

من كان يدعن قديماً بيضه البلد

___________________________________

قال ابن منظور في لسان العرب: 127:7، بيضة البلد: علي بن أبي طالب عليه السلام أي انه فردٌ ليس مثله في الشرف.

وكان دائما سبّاقاً إلى الجهاد في سبيل اللَّه، مشغوفاً في ميادينه بلقاء الأعداء، يقبل ويقتحم حين يؤثر غيره من الأبطال أن يتردد ويحجم، ويصبر على استعار القتال حيثما يستعصي الصبر على كل جلد صبور، ويغالب الموت بالارتماء بين أنيابه فيهرع الموت إلى الفرار. سيفه من سرعة دورانه في المعامع يبدو كغابة من سلاح، ويمينه تباري الكتائب في حش رقاب الأعداء، حتى لكأنه جيش موفور العدد والعتاد. سقط على أرض بدر الكبرى سبعون مشركا صرعى، قتل وحده منهم النصف، وقتل جند الإسلام كلهم يومئذ النصف الآخر.

وطار ذكر بلائه في الحرب فملأ الآفاق قرونا عدة، حتى اتخذه الفرنج والروم رمزا للتفوق الحربي الذي لا يضارع، فرسموا صوره في بيعهم ومعابدهم، حاملا سيفه، مشمرا للقتال، مجسدا لبطولة الأبطال وفروسية الفرسان.. وصوّره الترك والديلم على سيوفهم تفاؤلا به، واستجلابا للنصر الذي كان حليفه في كل ميدان.

واقترنت شجاعته بهيبة وثقت له في الظفر، كانت تتزلزل لها القلوب في الصدور، وتدور العيون في المحاجر، وتلتوي الأقدام.

والذين يزعمون أنه لم يكن صاحب سياسة ولا دهاء، إنما يرون السياسة على غير وجهها الحقيقي، ويجردونها من مضمونها الأصيل. فليست أخذا بالغدر، ومقارفه للفجر، أو تكون إذن نوعا من الخسة النفسية والخبث الرخيص الذي يتردى بإنسانية الإنسان وكرامته إلى الحضيض، ولا يستعصي انتهاجها على أي وغد خسيس.. قيل في دهاء معاوية ما قيل، فكان رد علي على هذا الزعم المأفوك: 'واللَّه ما معاوية بأدهى مني. ولكنه يغدر ويفجر، وأنا امرؤ لا أحب الغدر'.

وإذا كانت الشجاعة قد اقترنت فيه بالهيبة فقد اجتمعت له إليهما قوة بدنية 'قرهقلية' كما يقال في الأساطير. فهو الذي خلع باب حصن ناعم وتترس به وبثقله تنوء العصبة أولو الأيد من الرجال. وهو الذي اقتلع الصخرة التي آدت اقتلاعها العشرات وتفجر من تحتها الماء. وهو الذي أسعفته يقظته كما أسعفته قوته فمد إحدى يديه إلى فارس هم أن يقتله، فخطفه بها من فوق جواده، وجلد به الأرض جلدا شديداً حتى حطمه، وأحاله كتلة هامدة من اللحم والدم وهشيم العظام.

ولا شك في أن شجاعته في حلبات الصراع الحربي- وسيفه بيمينه- إنما نبعت من جنان ثابت، لا يهتز أمام الخطوب والقوارع وإن تراءى له خطر الموت كاشراً عن أنيابه يطل عليه من وراء لقاء سافر أو تآمر متستر دارعاً كان في عدة الحرب أو صفر اليدين أعزل من السلاح. وليس أبين على جسارته، وقوة قلبه وثبات جأشه من مبيته ليلة الهجرة في فراش محمد صلى الله عليه و آله و سلم وإنه ليعلم تمام العلم أنه عندئذ أدنى إلى ألّا يسلم من أسياف أولئك الفتية الأجلاد الألى أعدتهم قريش للانقضاض على الراقد

وفي حسبانهم أنه الرسول صلى الله عليه و آله و سلم.

وقلما اجتمعت براعة القتال إلى براعة السياسة في إنسان، ولكنه كان المحارب وكان السياسي في آن، بل هو- بتعبيرنا المعاصر- 'رجل الدولة' الذي يرسم خطة العمل في الداخل وفي الخارج على صعيد أوليائه وصعيد أعدائه، فيحذق سياسة الناس كما يحذق سياسة الأمور، ويطوع كليهما لمقابلة كافة الاحتمالات في تطورات الأحداث وتغيرات الظروف بالحكمة وسعة التفكير وحسن التقدير، ومرونة المداولة بين مختلف أساليب المجابهة ليكبح شرة الأزمات ثم يلقاها بأنجع الحلول. والواقع أن الإمام لم يدع سيرة عماله في الناس تمضي عفواً بغير معالم واضحة على الطريق، أو حدود مرسومة تبين الجادة السواء للسلوك في كلا أمور الدنيا والدين. وبحسب من شاء الرجوع إلى دلالة،أن يستعيد عهده للأشتر النخعي حين ولاه مصر، ليعرف أي دستور وضع لسياسة الأمور والناس، يدرك كل من يدرسه أنه وليد فكر سياسي عملاق عرف كيف يضع خطة متكاملة تتناول كل أوجه النشاط الإنساني في مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، عمادها المواطن الكريم الحر الذي لا يفضله غيره إلا بالعمل الجاد المثمر الذي يتناسق الأفراد في أدائه يدا واحدة، وفكراً واحداً، على طريق واحد في هداية الدين.

ولقد نعجب حين نرى الإمام، في عهده هذا، قد حدد المبادئ العامة للحكم التحديد الواضح الذي ظلت المذاهب السياسية تصطرع وتتبارى للاهتداء إليها على مدى قرون طويلة، وأخذ كل مذهب يدعى لنفسه بلوغه منها مالم يبلغه سواه.. وكفى أن أكد ضرورة التئام أبناء الأمة وحدة اجتماعية وسياسية، وثيقة العرى بغير تفرقة، وإنما في مساواة كاملة بين كافة المواطنين وإن تباينت أوضاعهم الاجتماعية، واختلفوا رأيا وعقيدة. فالناس- كما يسجل العهد-: 'إما أخ في الدين

أو نظير في الخلق'، والرعية: 'طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى لبعضها عن بعض'.

ومع ذلك فإن 'العهد' يقرر أن القاعدة 'الجماهيرية' العريضة التي تؤلف غالبية الشعب، أحق بالرعاية؛ لأن العامة من الأمة: 'هم عماد الدين وجماع المسلمين، والعدة للأعداء'. ومن ثم فإنه يرتب لهم على الدولة واجبا قبلهم: أن تكفل لهم مستوى كريما من المعيشة يحفظ عليهم شرف آدميتهم. 'فلكل على الوالي حق يقدر ما يصلحه'. ويوجب عليها أيضاً رعاية 'من لا حيلة لهم' من المساكين والمحتاجين والمتعطلين وذوي العاهات والمرضى وأمثالهم، ففرض لهم قسما من بيت المال، وقسما من غلات صوافي الإسلام.

ويطول المدى بمن يحاول تعقب ما حواه عهد علي للأشتر. فكفى أنه دستور لسياسة الحكم جاء من المبادئ بكل ما يناسب مجتمع عصره، وبكل ما يبدو وكأنه وضع ليوافق مجتمعنا الحديث. وكفى أنه يعرض لكافة المشكلات ويصف لها الحلول.وكفى أنه يطوف بكل ما يشغل الناس في رحلات حياتهم اليومية ويتصل بجوانبها الروحية والعقلية من عقيدة وعلم وتربية نفسية وسلوك اجتماعي ونظرات، ويتصل بجوانبها المادية والاقتصادية من تجارة وصناعة وزراعة وإدارة وجهاد وتنمية مالية في مختلف مجالات الاستثمار.

ولا غرو وللإمام هذه المقدرة- بل الحاسة السياسية المرهفة التي تستبطن أدواء المشكلات، وتجهز دواء لكل داء- أن نجده ملاذاً للألى عرفوه، يستلهمونه الرشاد. لا فرق فيهم بين كبير وصغير، ولا بين حاكم ومحكوم. وكم استلهمه الخلفاء فألهم، وكم استشاروه فأشار.

عزم عمر بن الخطاب على الشخوص بنفسه لقتال الفرس، ثم رأى أن يسأله

رأيه في هذا العزم، فقال له الإمام: '... كن قطبا، واستدر الرحى بالعرب. فإنك إن شخصت من هذه الأرض، انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك... إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا يقولوا: هذا أصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك، وطمعهم فيك'.

وقال له مرة أخرى في مقام كهذا المقام: 'إنك متى تسر إلى هذا العدو بشخصك فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم. فابعث إليهم رجلا محربا، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر اللَّه فذاك ما تحب وإن تكن الأخرى كنت ردء الناس'.

حاسة سياسية فوق القدرة، ترفعه من الساسة إلى مكان الصدارة، وتشرف به السياسة، لأنه ينزهها عن الغدر والفجر، ويطوع أساليبها لتوافق نهج الدين وتطابق مكارم الأخلاق.

فهل مثله في الفضائل والقدرات امرؤ من الناس؟

أن يكون ثمة طائفة يرون أن يفضلوا عليه هذا الصاحب من أصحاب رسول اللَّه أو ذاك، فرأيهم جديد بالمراجعة والتعديل؛ ذلك لأننا نجد من وراء هؤلاء المتشيعين لأبي بكر متشيعين يقرون بأفضلية علي، ويظاهرهم على هذه الأفضلية الكثرة الغالبة من العلماء وإن تفرقت بهم المذاهب، وتباينت الآراء.

عبدالرحمن الشرقاوي


وقال في مقدمة كتابه: علي إمام المتقين:

ليس هذا الكتاب بحثاً تاريخياً، ولا هو كتاب سيرة، ولا هو مفاضلة بين الصحابة رضي اللَّه عنهم.. ولا هو بدفاع عن حق أحد في الخلافة قبل الآخر.

فمن كان يلتمس في هذا الكتاب شيئاً من هذا فليعدل عنه إلى غيره..

ما أردت بهذا الكتاب إلا أن أصطنع شكلا فنيا أقرب إلى الفن القصصي أعتمد فيه على حقائق التاريخ الثابتة، لأعرف مبادئ الإسلام وقيمه، من خلال تصوير فني للإمام علي "رضى الله عنه".

ذلك أن الإمام علياً تجسدت فيه أخلاق الإسلام، ومثله، فقد تعهده الرسول صلى الله عليه و آله و سلم طفلاً، ورباه صبيا، وثقفه فتى، وقال عنه: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

ثم إن عليا قد كرم اللَّه وجهه: فلم يسجد لغير اللَّه تعالى، وما دخل قلبه منذ الطفولة شي ء غير الإسلام ثم كان هو المجاهد العظيم في سبيل اللَّه، وما صارع أحدا إلا صرعه.

وقد علم الصحابة "رضي اللَّه عنهم" مكانة علي عليه السلام عند الرسول صلى الله عليه و آله و سلم وأنهم ومعهم المسلمون في كل مكان وزمان ليقولون في كل صلاة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.. وبارك على محمد وعلى آل محمد..

وبعد.. فأرجو أن أكون قد وفقت في رسم صورة مضيئة للإسلام، ولقدرته على مواجهة مشكلات اعصر، من خلال تصويري للإمام علي عليه السلام بطلا خارقاً، ومفكراً، وحكما، وعالماً، وزاهداً، وإنساناً عظيماً.

ويا لهذا البطل المثالي الذي كان يواجه بنبالة الفروسية، وبعظمة الزهد وبسمو الفكر، كل ما طالعته به الحياة الجديدة من أطماع، وجحود، ودسائس، وحيل، وأباطيل.

/ 50