علی فی الکتاب و السنّة جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

علی فی الکتاب و السنّة - جلد 2

حسین شاکری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

عباس محمود العقاد


'... وإنّك لتنحدر مع أقاب الذرية في الطالبيين أبناء عليّ والزَّهراء مائة سنة ومائتي سنة وأربعمائة سنة، ثم يبرز لك رجل من رجالها فيخيَّل إليك أنَّ هذا الزَّمن الطويل لم يبعد قط بين الفرع وأصله في الخصال والعادات، كأنَّما هو بعد أيّام معدودات لابعد المئات وراء المئات من السِّنين، ولا تلبث أن تهتف عجباً: إنَّ هذه لصفات علويَّة لا شك فيها، لأنَّك تسمع الرَّجل منهم يتكلَّم ويجيب من كلِّمه، وتراه يعمل ويجزي من عمل له، فلا يخطئ في كلامه، ولا في عمله، تلك الشجاعة والصَّراحة، ولا ذلك الذكاء والبلاغ المسكت، ولا تلك اللوازم التي اشتهر بها علي وآله وتجمعها في كلمتين اثنتين تدلان عليها أو في دلالة وهما: "الفروسيَّة الرِّياضية".

طبع صريح، ولسان فصيح، ومتانة في الاسر يستوي فيها الخلق والخلق، ونخوة لا تبالي ما يفوتها من النفع إذا هي استقامت على سنَّة المروءة والإباء'.

نوري جعفر


من كتابه "علي ومناوئوه" ينقل بعضها الدكتو طه حسين:

أما اذا نظر الباحث الى مواقف الإمام نفسه في حماية الدعوة الاسلامية وصاحبها من مؤامرات كفار قريش، تلك المواقف التي دلت على كفاءته لتسلم خلافة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بعد وفاته من جهة، والتي اهلته لتسنم ذلك المنصب الرفيع من جهة أخرى. فإنه يجد تلك المواقف المشرفة كثيرة العدد 'تتزاحم بالمناكب وتتدافع بالراح' بحيث يصبح أمر الموازنة بينها 'لاختيار بعضها للاستشهاد به'

من أصعب الأمور. وقبل أن نتطرق إلى ذكر أهمها، يجمل بنا أن نشير إلى الظروف الخاصة التي ربطت بين علي والإسلام من جهة، وبينه وبين النبي من جهة أخرى، وبقدر ما يتعلق الأمر بصلة الإسلام بعلي، أو صلة علي بالإسلام،يمكننا أن نقول مع العقاد: 'لقد ملأ الدين الجديد قلباً لم ينازعه فيه منازع من عقيدة سابقة، ولم يخالطه شوب يكدر صفاءه ويرجع به إلى عقابيله، فبحق ما يقال: إن علياً كان المسلم الخالص على سجيته المثلى، وأن الدين الجديد لم يعرف قط أصدق إسلاما منه ولا أعمق نفاذاً فيه'.

فقد بعث النبي على ما يقول الدكتور طه حسين: وعليٌّ عنده صبي فأسلم.. وظل بعد إسلامه في حجر النبي يعيش بينه وبين خديجة أم المؤمنين وهو لم يعبد الأوثان قط.. فامتاز بين السابقين الأولين بأنه نشأ نشأة إسلامية خالصة. وامتاز كذلك بأنه نشأ في منزل الوحي بأدق معاني هذه الكلمة.

أما الآثار العميقة التي تركتها هذه البيئة الإسلامية الصافية في خلق الإمام، في عقله، وقلبه، ولسانه، ويده، فتعتبر من أوليات الأمور المسلم بها عند الباحثين الحديثين في علم النفس، وعلم الاجتماع.

إن علياً كان مهيئاً للخلافة بعد الرسول، هذا إذا نظرنا للخلافة من جوانبها الزمنية، وأن صلاته بالرسول وبالإسلام، وصلات الإسلام والرسول به تؤهله لذلك.

ولو احتج المسلمون أثناء السقيفة بعد وفاة النبي: 'أن علياً كان أقرب الناس إليه، وكان ربيبه، وكان خليفته على ودائعه، وكان أخاه. بحكم تلك المؤاخاة، وكان ختنه وأباعقبه، وكان صاحب لوائه، وكان خليفته في أهله، وكانت منزلته منه بمنزلة هارون من موسى بنص الحديث عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم نفسه.

لو قال المسلمون هذا كله واختاروا علياً بحكم هذا كله، لما أبعدوا ولا انحرفوا.

وكان كل شي ء يرشح علياً للخلافة... قرابته من النبي، وسابقته في الإسلام، ومكانته بين المسلمين، وحسن بلائه في سبيل اللَّه، وسيرته التي لم تعرف العوج قط، وشدته في الدين، وفقهه بالكتاب والسنة، واستقامة رأيه'.

خلافة الإمام

لقد كان عليّ موفقاً كل التوفيق، ناصحاً للإسلام كل النصح.. صبر نفسه على ما كانت تكره. وطابت نفسه للمسلمين بما كان يراه حقاً.. بايع على ثاني الخلفاء كما بايع أولهم كراهية للفتنة.. ونصحاً للمسلمين.

ولم يظهر مطالبته بما كان يراه حقاً له. ونصح لعمر كما نصح لأبي بكر.. وقد بايع عثمان كما بايع الشيخين. وهو يرى أنه مغلوب على حقه. ولكنه على ذلك لم يتردد في البيعة، ولم يقصر في النصح للخليفة الثالث، كما لم يقصر في النصح للشيخين من قبله.. فكان طبيعياً إذن حين قتل عثمان أن يفكر علي في نفسه، وفيم غلب عليه من حقه.

ولكنه مع ذلك لم يطلب الخلافة، ولم ينصب نفسه للبيعة إلا حين استكره على ذلك استكراهاً.

وقد أوجز الإمام سياسته العامة في أول خطبة خطبها حين استخلف فقال: 'إن اللَّه أنزل كتاباً هادياً يبين فيه الخير والشر. فخذوا الخير ودعوا الشر والفرائض أدوها. اتقوا اللَّه عباد اللَّه في عباده وبلاده.. وإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم'.

كلمات قصار ولكنها تتضمن إجراء تغيير واسع المدى، وعميق الغور في

علاقات المسلمين ببعضهم وبالخليفة.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الإمام- كما يحدثنا مؤرخوه- قد اعتذر مراراً عن قبول الخلافة على الرغم من إلحاح المسلمين عليه.

وقد مر بنا طرف من ذلك.

ولقد أشار الإمام نفسه إلى ذلك في مواطن شتى من 'نهج البلاغة'، قال يصف تزاحم المسلمين عليه وإلحاحهم الشديد على مبايعته:

'دعوني والتمسوا غيري. فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت. واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل، وعتب العاتب'.

جعفر الخليلي


منذ أربعة عشر قرناً واسم الإمام علي عليه السلام يحتل الصدارة في بحوث المؤرِّخين، والمتتبعين، والباحثين، حين يجي ء ذكر الإيمان، والاستقامة، والعدل، والشجاعة، والجهاد في سبيل اللَّه، والصبر على المكاره، أو حين يجي ء ذكر المعرفة والحكمة، والأدب والشعر والخطابة، فتمر سيرته في صور مزدانة بألوان من الصفات التي لم تجتمع في شخصيَّة إنسان عبقري موهوب كما اجتمعت في هذه الشخصيَّة الفذة العجيبة التي خلبت العقول، وحيَّرت الألباب، وكانت من القوَّة والرسوخ من حيث هذه المزايا- مزايا العلم والحكمة والمعرفة وسمو الخلق والإنسانية الحقَّة- بحيث

تمرَّدت على العوامل الفعّالة التي من شأنها إبادة أي شي ء- مهما عظم- إذا ما وقف أمامها.

كان علي أمَّةً مستقلةً بذاتها، تحكي عقليَّة الدَّهر، وتعبِّر عن نضج الزمان، وتصوِّر نهاية المراحل من سموِّ البشريَّة، وقمَّة المجد، فليس من الصحيح أن يقاس علي بالأفراد فهو نسيج وحده، ومن الخطأ أن يقال عن علي: إنَّه كان أورعهم، وأتقاهم، وأنبلهم، وأسخاهم وأنت تعرض لسيرة العظماء والمزايا الإنسانية فكما أنَّك لا تستطيع أن تقرن الأرض بالقمر بهاءً، وتقرن معدن الراديوم بالمعادن الأخرى جوهراً، وتقيس عليه، فإنَّك لا تستطيع أن تقرن اسم علي بأسماء العظماء- باستثناء من خصُّوا برتبة النبوة- وهو غير نبي طبعا- لأنَّ مزايا علي قد تجاوزت الحدود المألوفة، ولأنَّ شخصيته بلغت القمَّة من الأمجاد والمثل العليا في دنيا البشريَّة.

وحين يستعرض المرء المبادئ والملكات والمزايا فلا يصح أن يأتي بعلي مثلاً، ذلك لأنَّ علياً- كما قلت- أمَّة مستقلة ليس لها بين الأفراد من شبيه، وإنَّه قد سما بما جاء به من موازين، وما أعرب به من مزايا، وما عبَّر به عن صفات الإنسان الكامل العديم النظير، حتّى صارت كلمة علي وحدها تكفي لترسم أمام العين كلَّ الصور الجذّابة من معاني الإنسانية.

ولعلَّ كلمة "علي" التي يكتبها البعض فوق مخازنهم، وحوانيتهم، أو يعلِّقونها في إطار الألواح الفنية المزخرفة في بيوتهم، أو التي ينقشونها على أبواب العمارات، والمساجد، والمعاهد والمؤسسات، أقول: لعل هذه الكلمة ضرب من ضروب البديع ورمز من رموز الفن المعروف في علم البديع "بالاكتفاء" وهي صريحة المنطوق، واضحة المفهوم، فلا حاجة لأن يضاف إليها شي ء ليفهم الناس:أنَّ علياً

يحكي المجموعه الكاملة من فضائل الدُّنيا ومزاياها.

يقول محمد مهدي الجواهري:

تعداد مجد المرء منقصة إذا++

فاقت مزاياه عن التعداد

ولقد فاقت مزايا عليٍّ حدود التعداد، وتحدَّت عوامل الزمن التي تجرف أمامها الماضي والحاضر فتجعله أثراً بعد عين.

لقد تحدَّت مزايا علي عوامل الزَّمن بقوَّة لم يُعرف لها نظير في تاريخ العظماء حتى أصبحت شخصيَّته كالشمس التي إذا ما حجبها الضّباب أو السَّحاب أو الغبار، أو حال القمر بينها وبين الأرض مرَّة فلن يستطيع أن يحجبها مرّات، ولن يقوى على تغيير جوهرها، ونفوذ عملها وأثرها في الأرض وفي الطبيعة.

هذه الشخصيّة- شخصيَّة الإمام عليٍّ- التي تحدَّت الزَّمن، وتحدَّت كلَّ الوسائل الفعالة التي يكفي أن يغير بعض مفعولها حقيقة الأُمم وواقعها، ويبدِّل مجرى التاريخ وحقيقته، هذه الشخصيَّة كانت ولم تزل مل ء العين، ومل ء القلب، والقدوة المثاليَّة عند ذوي الإدراك والعقول النيِّرة، والباحثين عن الإنسانيَّة الكاملة في دنيا البشريَّة، هذه الشخصيَّة التي لم تكتف بأن تصمد وتثبت كالجبل أمام تلك الزَّعازع والعواصف والرعود والبروق التي نسجتها الدِّعاية بكل ألوانها وأصنافها من وعد ووعيد وحسن جزاء، وصبِّ نقمة، بل أصبحت مبعثَ الحياة ومأمل الآمل على رغم كل تلك الحروب التي شُنَّت عليها- حتى ألِّفت فيها الكتب، ووضعت عنها الدِّراسات، ونقلت عنها الشواهد والأمثلة،فكانت نبراساً يهتدي به التائه في ظلمات الدنيا، واستوى الباحثون في حقيقتها، والمتتبعون لآثارها، والذائبون فيها: الشرقيون منهم والغربيون، العرب وغير العرب، المسلمون وغير المسلمون.

عبداللَّه العلايلي


وهذه مقتطفات من كتابه: مشاهد وقصص من أيام النبوة. كتب عن زواج النور من النور، فقال:

شاع الخبر في المدينة سريعاً كما يشيع الأريجُ العابقُ في كلّ مكانٍ مع النَّسم النّديِّ، فكانت ميمونةُ لا تمرُّ بمحلَّةٍ من دور الأنصار إلّا وترى المرأة تميل إلى المرأةِ، وتقول لها في بِشْرٍ ظاهرٍ:

أما بلغك النّبأُ؟ عليٌّ عليه السلام خطب فاطمة عليهاالسلام، وبارك النبيُّ صلى الله عليه و آله و سلم العقد، وإنّه لَنِعْم الحدثُ. ليس لهذه السّيّدةِ المصطفاة إلّا هذا السيّد المصطفى. وهي ربيبةُ الوحي والرِّسالة، وهو ربيبُ الوحي وبطلُ الرِّسالة.

وفي استدارتها صوبَ منزلها سمعت رجلاً يسمر إلى آخر في ناحيةٍ من الحيِّ ويقول:

إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لم يزوِّج عليّاً عليه السلام، وإنّما كرّم البطولة الخالدة المظفّرة في شخص البطل الخالدِ المظفَّر، وإنَّ من حقِّ البطولة تكريمها، وما فات النبيَّ صلى الله عليه و آله و سلم أن يكرِّم البطولة بأعزِّ ما عنده وأقرب ما هو إلى قلبه، فإنّ فاطمة عليهاالسلام قلب النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم مصوَّراً في إنسان ملاكِيٍّ أو ملاكٍ إنسانيٍّ. وليس في هذا معناه بل معنى التّكريم، فإنّ محمَّداً صلى الله عليه و آله و سلم، في حقيقته، رسالةٌ ودعوةٌ وهو المبتدأ، وإنّ عليّاً عليه السلام، في حقيقته، إيمانٌ وإجابةٌ وهو الخبر، ولا شكَّ في أنّ فاطمة عليهاالسلام رابطةُ الإسناد.

وما فات ميمونَةَ أن تسمع ما ردَّ به الآخرُ- وكان من المهاجرين الأوَّلينَ، كما تقول -: وأيضاً لقد كرَّم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بهذا القران بطولةً أخرى هانئةً في أبديَّتها المشرفة

الواعية، إنّه كرّم أباطالبٍ النّصير البرَّ والمجاهد الأوَّل.

قال الأنصاريُّ: فهذا القران إذا تكريمٌ مزدوجٌ ضاعف معناه، وأخلد بهذا اليوم يوم تكريم البطولات، إنّه ليستخفُّني بمعناهُ الكبيرِ...

وأيضاً:

وكان معنى اختيار عليٍّ عليه السلام إلى جنب النبيِّ صلى الله عليه و آله و سلم جمعَ كلِّ الإنسانيّة فيه، وجاء معه علامةً على أنّ الإنسانيَّة بكلّ ما ثبت فيها، لن تنحرف عن النبوَّة الجديدة بكل ما ثبت فيها. فكانت فاطمةُ عليهاالسلام منهما بين مصدر إشراقِ النُّورِ ومجلى انعِكاسِهِ، وموجاتُ الشُّعاع تمور متألِّقَةً في جَوِّ نفسِها المتساميَةِ أبداً.

وأيضاً:

يضلّ الزَّمانُ حقيقةً موهومةً، لولا بعضُ الأعمالِ الخالدةِ الّتي تؤرِّخُهُ...

وتكون هذه الأعمال أكبر من الزَّمَنِ، لأنّ حقيقته بعض هباتِها...

فيومُ عليٍّ عليه السلام وفاطمة عليهاالسلام أكبر من الزّمن، وأخلد من التّاريخ !...

أثبتت النُّبوَّةُ معناها الخالد في روحيَّةِ الإنسان على وجهٍ...

وأثبتت النُّبوَّةُ ذاتيَّتها الخالدة في دم الإنْسان على وجْهٍ...

وأيضاً:

كانت النبوَّةُ ستظلُّ ذكرى فقط...

ولكن شاء اللَّهُ أن تكون حياةً أيضاً...

فيوم عليٍّ عليه السلام وفاطمة عليهاالسلام إبقاءٌ لحياةِ النبوَّةِ على الدُّهور...

وأيضاً:

تضعُ الحقيقة الكبرى خصائص معناها في النَّواةِ لأنّها تريد البقاء

والنَّواةُ لا تختلف في خصائصها إلّا إذا كان لناموس الوراثة الطّبيعيِّ أن

يختلف.

فيومُ عليٍّ عليه السلام وفاطمة عليهاالسلام يوم بروز النَّواةِ لتمثل خصائصها في شكل آخر.

تذهب النَّواةُ الّتي هي مخزون الخصائصِ، تتمُّ دورتها وتعطي أشياءها

والنُّبوَّةُ فكرةُ السّماءِ المصلحة في محيط البشر...

فيوم عليٍّ وفاطمةَ، طبعٌ لعقليَّةِ النبوَّةِ في عقل النّاسِ.

اجتمعت في عليٍّ قابليّاتٌ لاحدَّ لها...

واجتمعت في فاطمة إشراقاتٌ لاحدَّ لها...

فيومُ عليٍّ عليه السلام وفاطمةَ عليهاالسلام يوم نظر النُّبوَّةِ إلى نفسها في المِرْآة.

وأيضاً قوله:

وهو في مقياس كلِّ عصرٍ مبرَّر، تنحّى واعتزل واعصم في حدود هذا التَّنحّي والاعتزال.ولكنّ عليّاً، مع كلِّ ماهو عاتبٌ وواجدٌ، لم يزل يقدِّر ويذهب في مدى تقديره بعيداً، فينتهي إلى الكارثة ويتراءى له شبحها، فيرهبُ هولَها ويخشى وقوعها. يجب إذاً أن لا يظلَّ بعيداً، وإن توارى من الميدان إزاء موقف بطانة عثمان من الجمهورِ، هذا الموقف النّابي المُثير، فبادر الى تقديم ولديه- لاعتباراتِها التّقديريّة- ومواليه، كي يُنَهنِهوا عواديَ الأحداثِ وطائِشاتِ الخطوبِ. وحين بلغهُ: 'أنّ النّاس حصروا داره ومنعوه الماء بعث إليه بثلاث قِربٍ، وقال للحسن والحسين: اذهبا بسيفَيْكُما حتّى تقوما على بابه ولا تدعا أحداً يصلُ إليه بمكروه، وكان أنْ خُضِّبَ الحسنُ بالدِّماء وشُجَّ قنبرُ مولاهُ'.

وقوله:

في طبيعة البحر رشاقةُ الحركةِ، وفي طبيعة الصَّخْرِ سكونٌ بليدٌ، وأيضاً قاسٍ متجهِّم، وبينهما وقف إنسانٌ فيه وعي السكون وقصد الحركة، يصل أسباب أحدهما

بأسباب الآخر. وكانتِ كبرياءُ الصَّخرِ عمياءَ فلم تقنعْ بغيرِ وجودِها، فانطلقت أعاصير البحر تزأرُ في مثل الفحيح.

ووقف هذا الإنسان عند الشّاطئ ينظرُ متفجِّعاً، فإذا الوجود المخدوعُ- الّذي أضحى غوراً- ترقُصُ فوقَهُ موجةٌ مارجةٌ... في نغمةٍ تخبرُ: أنّه كان هنا شي ءٌ فيما زعموا.

مضى ذلك الإنسان- وقد أبصرَ وسمِعَ- مطرقاً مردِّداً: بهذا نطقَ الحقُّ في صدى الموْج...

وروى هذا الإنسان لولده أمثولةَ البحرِ، فلبِثَ متأمِّلاً يعبِّرُ عن أنّه وعى.

ولم يكن طويلاً، حتّى كان بنفسه رجفةَ رعشاتِ وخلجاتٍ، ورجعةَ أصداءِ الموج.

وشرع النّاس يروونَ، بعد ذلك، أمثولَة ابنِ الإنسان.

وبقي في سمع التّاريخ وبصره ماثلاً حيّاً:

أنّ عليّاً بطلُ الحقِّ في السِّلمِ وفي الحرب، وهو الإنسانُ الّذي استحال إلى طاقةٍ في وجود الحقِّ وكيانه.

بقي طابِعُ الإنْسانِ الكامِلِ عليًّ، الّذي لا يحرِّكُهُ الحِقْدُ، ولا تميلُ به النَّزغاتُ والنَّزوات، طابعاً لأبنائِه، فقد قيل لابنِهِ محمَّدٍ، دسّاً، توليداً للموجدةِ:

لِمَ يدفَعُ بك أبوك في الحربِ ولا يدفَع بالحسن والحسين؟

/ 50