اما الأسماء الّتي يسمّى هو بها فإنّها والّتي ذكرناها انفا| يجمعها حديث واحد و هو ما
533- روي عن سعيد بن جبير قال: خطبنا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه على منبر الكوفة "697" بعد رجوعه من محاربة الخوارج و صعد المنبر، فحمد اللَّه و أثنى عليه ثمّ قال:
'أيّها النّاس أنا أوّل المؤمنين و أنا أوّل الصدّيقين و أنا الصدّيق الأكبر و وصيّ خيرالبشر وابن عمّه و قاضي دَينه و مفرّج كربه و قامع المشركين و مخوي المضلّين؟.
أنا سيف اللَّه القاطع و سمّه الناقع أنا عذابه الّذي لايردّ عن القوم المجرمين، أنا مؤتم أولاد من حارب اللَّه و رسوله، أنا مرمّل نساء من خالف اللَّه و رسوله، أناأضراس جهنّم القاطعة، و رحاها الدائرة، و ملقي فيها حطبها، أما واللَّه إنّ قريشا جرّبتني و عرفتني فمابالها تجهل شأني؟
و أنا المسمّى في التوراة |ب|'صندارا' و في الإنجيل |ب|'اليا' و في الزبور |ب|'بريا' و في النبط 'اريا' و في الديلم 'حبر' و عند الأرمن 'كبكبة' و عند الترك 'يليلى' و عند الروم 'اسطفيوس' و عند أبي 'حازماً' و عند أمّي 'حيدراً' و عند العرب 'عليّاً'.
ولي أسماء في القران من عرفها فقد عرفها، أناصهر محمّد، قال اللَّه |تعالى|: 'و هو الّذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً و صهراً' |54: السجدة: 32|.
و أنا الأُذُن الواعية، قال اللَّه تعالى: 'و تعيها أذن واعية' |12: الحاقة: 69|.
لم أكفر باللَّه مذخلقت، و لم أهلع مذكنت، قال اللَّه تعالى: 'إنّ الإنسان خُلِق هلوعاً' |19: المعارج: 70 ثمّ استثنى المصلّين| فواللَّه مااستثنى غيري و ذلك أنّ الفضل بيد اللَّه يؤتيه من يشاء'.
ثمّ قال |عليه السلام|: 'معاشر النّاس سلوني عمّا كان و عمّا يكون'.
قال: فقام "698" |إليه| رجل من الأنصار فقال: يا أميرالمؤمنين أخبرني بحديث ليلة الفراش. |ف| قال |أميرالمؤمنين عليه السلام|: نعم |أخبرك فإليك حديثه|:
همّت قريش بقتل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه |و اله و سلّم| فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه |و اله و سلّم|: من يبيت على فراشي؟ فقلت: أنا، |فبتّ على فراشة| فجاؤني
[هذا هو الصواب، و في أصلي: 'فجاءني...'.] فأيقظوني، فلمّا أبصروني قالوا: هذا عليّ بن أبي طالب، فقالوا: ما فعل محمّد؟ فقلت: مضى بسبيله، فواللَّه ماباليت بهم و لا رفعت لهم رأسي و هم |كانوا| عندي أقلّ من الذرّ، فأنزل اللَّه تعالى: 'و من النّاس من يشري نفسه ابتغاء مرضات اللَّه واللَّه رؤف بالعباد' |207: البقرة: 2|.
[و للحديث شواهد يجدها الطالب في تفسير الاية الكريمة من شواهدالتنزيل: ج 1 ص....]
فهذاالحديث يجمع أحداً و ثلاثين |إسماً من أسمائه عليه السلام| اخره الشاري من قوله |تعالى|: '|و من الناس من| يشرى نفسه ابتغاء مرضات اللَّه' |أي يبيع| نفسه ابتغاء مرضات اللَّه|.
[والآية الكريمة هي الآية: "207" من سورة البقرة؛ و هي التي نزلت في شأن عليّ عليه السلام؛ لمّا نام على فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم كي يعمّي على المشركين الذين اجتمعوا لقتل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم؛ و تفصيل القضيّة يجده الطالب في تفسير الآية الكريمة في كتاب شواهد التنزيل: ج 123 1؛ ط 2.
و ليعلم أنّ هذه الخطبة التي ذكرها العاصمي هاهنا- أو قريباً منها- رواها أيضاً الشيخ الصدوق رفع اللَّه مقامه؛ بسند آخر- في الحديث التاسع في عنوان: ' باب معاني أسماء محمّد و عليّ و فاطمة...' من كتاب معاني الأخبار: ج 1 ص 58 بتحقيق علي أكبر الغفّاري- ولأجل اشتراكها مع رواية العاصمي هذه في كثير من محتوياتها نذكرها حرفيّةً لمزيد الاستفادة فنقول: قال الشيخ الصدوق في الكتاب المتقدّم الذكر:
حدّثنا أبوالعباس محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه اللَّه؛ قال: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى الجلوديّ بالبصرة؛ قال: حدّثني المغيرة بن محمّد؛ قال: حدّثنا رجاء بن سلمة؛ عن عمرو بن شمر؛ عن جابر الجعفي:
عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام؛ قال خطب أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليه بالكوفة بعد منصرفه من نهروان؛ و بلغه أنّ معاوية يسبّه و يلعنه و يقتل أصحابه؟ فقام خطيباً؛ فحمد اللَّه و أثنى عليه و صلّى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و ذكر ما أنعم اللَّه على نبيّه و عليه؛ ثمّ قال:
لولا آية في كتاب اللَّه ما ذكرت ما أنا ذاكره في مقامي هذا؛ يقول اللَّه عزّوجلّ: "و أمّا بنعمة ربّك فحدّث" |11: الضحى| |فأنا أحدّث بنعم ربّي عليّ و أقول|:
الّلهمّ لك الحمد على نعمك التي لا تحصى و فضلك الذي لا ينسى أيّها الناس إنّه بلغني ما بلغني و إنّي أراني قد اقترب أجلي و كأنّي بكم و قد جهلتم أمري و إنيّ تارك فيكم ما تركه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله: كتاب اللَّه و عترتي و هي عترة الهادي إلى النجاة: خاتم الأنبياء و سيّد النجباء والنبيّ المصطفى.
يا أيّها الناس لعلّكم لا تسمعون قائلاً يقول مثل قولي بعدي إلاّ مفترٍ؛ أنا أخو رسول اللَّه و ابن عمّه و سيف نقمته و عماد نصرته و بأسه و شدّته؛ أنا رحا جهنّم الدائرة؛ و أضراسها الطاحنة؛ أنا مؤتم البنين والبنات؛ أنا قابض الأرواح؛ و بأس اللَّه الذي لا يردّه عن القوم المجرمين؛ أنا مجدّل الأبطال و قاتل الفرسان؛ و مبير من كفر بالرحمان؛ و صهر خير الأنام.
أنا سيّد الأوصياء و وصيّ خير الأنبياء.
أنا باب مدينة العلم؛ و خازن علم رسول اللَّه و وارثه؛ و أنا زوج البتول سيّدة نساء العالمين فاطمة التقيّة النقيّة البرة |المبرّة "خ ل"| المهديّة حبيبة حبيب اللَّه؛ و خير بناته و سلالته و ريحانة رسول اللَّه؛ |و| سبطاه خير الأسباط:و|هما| ولداي خير الأولاد؛ هل أحد ينكر ما أقول؟
أين مسلمو أهل الكتاب؟ أنا اسمي في الإنجيل 'اليا' و في التوراة 'بري ء' و في الزبور: 'أري' و عند الهند 'كبكر' و عند الروم: 'بطريسا' و عند الفرس: 'جبتر |جنتر "خ ل" جبيتر "خ ل"| و عند الترك 'بثير' و عند الزنج 'حيتر' و عند الكهنة 'بوي ء' و عند الحبشة ''بثريك' |ثبريك' "خ ل"| و عند أمّي 'حيدرة' و عند ظئري 'ميمون'.
ألا و إنّي مخصوص في القرآن بأسماء |ف|احذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في دينكم؛ يقول اللَّه عزّوجلّ: '|يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا اللَّه و كونوا| مع الصادقين' |119: التوبة: 9 ظ| أنا ذلك الصادق.
و أنا المؤذّن في الدنيا والاخرة، قال اللَّه عزوجلّ: 'فأذّن مؤذّن بينهم أن لعنة اللَّه على الظالمين' |43: الأعراف: 7| أنا ذلك المؤذّن.
و قال: 'و أذانٌ مِن اللَّه و رسوله' |3: التوبة: 9| فأنا ذلك الأذان.
و أنا المحسن، يقول اللَّه عزّوجلّ: 'إنّ اللَّه لمع الُمحسنين' |69: العنكبوت: 29|.
و أنا ذوالقلب، فيقول اللَّه: 'إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قَلب' |36: ق: 50|.
و أنا الذاكر، يقول اللَّه عزّوجلّ: 'الّذين يذكرون اللَّه قياماً و قُعوداً و على جُنوبهم' |188: آل عمران: 3|.
و نحن أصحاب الأعراف أنا و عمّي و أخي و ابن عمّي؟ واللَّه فالق الحَبّ والنّوى، لايلج النّار لنا مُحبّ، و لا يدخل الجنّة لنا مُبغض، يقول اللَّه عزّوجلّ: 'و على الأعراف رِجالٌ يعرفُون كلاًّ بسيماهم' |11: الأعراف 7|.
و أنا الصهر، يقول اللَّه عزّوجلّ: 'و هو الّذىّ خلق من الماء بشراً فجعله نسباً و صهراً' |56: الفرقان: 25|.
و أنا الاُذُن الواعية، يقول اللَّه عزّوجلّ: 'و تعيها أذُنٌ واعية' |12: الحاقّة: 69|.
و أنا السَّلَم لرسوله، يقول اللَّه عزّوجلّ: 'و رجلاً سَلَماً لرجل' |30:الزمر: 39|.
و من ولدي مهديّ هذه الأمّة.
ألا و قد جعلت محنتكم، ببغضي يعرف المنافقون، و بمحبّتي امتحن اللَّه المؤمنين، هذا عهد النبيّ الأمّي إليّ 'أنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن، و لا يبغضك الاّ منافق' و أنا صاحب لواء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في الدنيا والاخرة.
و رسول اللَّه فرطي، و أنا فرط شيعتي، واللَّه لاعطش محبّي؟ و لا خاف وليّي، و أنا وليّ المؤمنين، واللَّه وليّي، حسب محبّي أن يحبّوا ماأحبّ اللَّه، و حسب مبغضي أن يبغضوا ماأحبّ اللَّه؟
ألا و إنّه بلغني أنّ معاوية سبّني و لعنني، أللهمّ اشدد و طأتك عليه، و أنزل اللّعنة على المستحقّ، آمين |يا| ربّ العالمين، ربّ إسماعيل و باعث إبراهيم، إنّك حميدٌ مجيدٌ.
ثمّ نزل عليه السلام عن أعواده فماعاد إليها حتّى قتله ابن ملجم- لعنه اللَّه-.
قال جابر |الجعفي راوي الحديث|: أمّا قوله عليه السلام: "أنا اسمي في الإنجيل 'اليا'" فهو عليّ بلسان العرب؛ |و قوله عليه السلام:| " و في التوراة 'بري ء'" قال: |يعني| بري ء من الشرك. |و قوله:| 'و عند الكهنة: بوي ء' هو من تبوّأ مكاناً؛ و بوّأ غيره مكاناً؛ و هو الذي يبوّء الحقّ منازله و يبطل الباطل و يفسده.
|و قوله عليه السلام:| " و في الزبور اريّ" |الاريّ| هو السبع الذي يدقّ العظم و يفرس اللحم؟
|و قوله عليه السلام:| "و عند الهند كبكر" قال |جابر: إنّهم| يقرؤن في كتب عندهم فيها ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله؛ و ذكر فيها أنّ ناصره " كبكر" و هو الذي إذا أراد شيئاً لجّ فيه و لم يفارقه حتّى يبلغه.
|قوله عليه السلام:| " و عند الروم: بطريسا" قال |جابر: بطريسا| هو مختلس الأرواح.
|و قوله عليه السلام:| " و عند الفرس: حبتر" و هو البازي الذي يصطاد.
|قوله عليه السلام:| " و عند الترك: بثير" قال: |البثير| هو النمر الذي إذا وضع مخلبه في شي ء هتكه.
|و قوله عليه السلام:| " و عندالحبشة:بثريك" قال: هوالمدمّر على كلّ شى ء أتى عليه.
|قوله عليه السلام:| " و عند أمّي: حيدرة" قال: |الحيدرة| هو الحازم الرأي الخبير النقّاب النظّار في دقائق الأشياء.
|قوله عليه السلام:| " و عند ظئري ميمون" قال جابر: أخبرني محمّد بن عليّ عليه السلام قال:
كانت ظئر عليّ عليه السلام- التي أرضعته- امرأة من بني هلال خلّفته في خبائها و معه أخ له من الرضاعة و كان أكبر منه سنّاً بسنة؛ و كان عند الخباء قليب؛ فمرّ الصبيّ نحو القليب و نكس رأسه فيه؛ فحبا عليّ عليه السلام خلفة فتعلّقت رجل عليّ عليه السلام بطنب الخيمة؛ فجرّ الحبل حتّى أتى على أخيه؛ فتعلّق بفرد قدميه و فرد يديه؟ فأمّا اليد ففي فيه؟ و أمّا الرجل ففي يده؛ فجاءته أمّه فنادت: يا للحيّ يا للحيّ يا للحيّ من غلام ميمون أمسك عليّ ولدي. فأخذوا الطفلين من رأس القليب و هم يعجبون من قوّته على صباه؛ و لتعلّق رجله بالطنب؛ و لجرّه الطفل حتّى أدركوه؛ فسمّته أمّه ميموناً أي مباركاً؛ فكان الغلام في بني هلال يعرف بمعلّق ميمون؛ و|كذا| ولده |يعرفون بذلك| إلى اليوم!!!
|قوله عليه السلام:| " و عند الأرمن: فريق" قال |جابر|: الفريق: الجسور الذي يهابه الناس.
|قوله عليه السلام:| " و عند أبي: ظهير" قال: كان أبوه يجمع ولده و ولد إخوته ثمّ يأمرهم بالصراع- و ذلك خلق في العرب- و كان عليّ عليه السلام يحسر عن ساعدين له غليظين قصيرين- و هو طفل- ثمّ يصارع كبار إخوته و صغارهم؛ و كبار بني عمّه و صغارهم فيصرعهم فيقول أبوه: ظهر عليّ فسمّاه ظهيراً؟!
|قوله عليه السلام:| " و عند العرب: عليّ" قال جابر: اختلف الناس من أهل المعرفة لم سمّي عليّ عليّاً؛ فقالت طائفة: لم يسمّ أحد من ولد آدم قبله بهذ الإسم |لا| في العرب و لا في العجم؛ إلاّ أن يكون الرجل من العرب يقول: " ابنيّ هذا عليّ" يريد به العلوّ لا أنّه اسمه؛ و إنّما تسمّى الناس به بعده و في وقته؟!
و قالت طائفة |أخرى|: سمّي عليّ عليّاً لعلوّه على كلّ من بارزه.
و قالت طائفة: سمّي عليّ عليّاً لأنّ داره في الجنان تعلو حتّى تحاذي منازل الأنبياء؛ و ليس نبيّ تعلو منزلته منزلة عليّ.
و قالت طائفة: سمّي عليّ عليّاً لأنّه علا ظهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله بقدميه |لقذف الصنم الأكبر عن سطح الكعبة| طاعةً للَّه عزّوجلّ؛ و لم يعل أحد على ظهر نبيّ غيره؟ عند حطّ الأصنام عن سطح الكعبة.
و قالت طائفة: إنّما سمّي عليّ عليّاً لأنّه زوّج في أعلى السموات؛ و لم يزوّج أحد من خلق اللَّه عزّوجلّ في ذلك الموضع غيره.
و قالت طائفة: إنّما سمّي عليّ عليّاً لأنّه كان أعلى الناس علماً بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه.
أقول: والحديث رواه بسنده عن الشيخ الصدوق؛ عماد الدين أبوجعفر محمّد بن أبي القاسم الطبري من أعلام القرن السادس؛ في الحديث: "18" من الجزء الأوّل من كتابه بشارة المصطفى ص 12؛ ط الغريّ.
و رواه المجلسيّ العظيم قدّس اللَّه نفسه نقلاً عن كتاب بشارة المصطفى في الحديث: "547" في باب نوادر الاحتجاج- وهو الباب: "20"- من سيرة أميرالمؤمنين عليه االسلام من بحارالأنوار: ج 9 ص 586 ط الكمباني وفي ط الحديث: ج 33 ص 282.]
|و| منها أسماء قد ذكرناها؟ في غير هذا الحديث:
مثل ماذكر|ه| محمّد بن إسحاق بن خزيمة يرفعه إلى عليّ كرّم اللَّه وجهه |أنّه قال:| 'أنا عبداللَّه، و أنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كاذب'.
[و قد تقدّم الحديث بطرق في الحديث: "414" و تعليقاته في ص 601 من أصلي المخطوط؛ و في هذه الطبعة: ج 2 ص 192.
534- رجال هذاالسند كلّهم مجاهيل سوى الحسين بن أحمد بن عصمة فمترجم في تاريخ بغداد، وهبة اللَّه بن الحسن العلّاف فمترجم في الأنساب و معجم الأدباء و غيرهما.]
اما الإسم الّذي سمّاه به أبوحكيم الطائي القاصّ
534- أخبرنا الأستاذ أبوبكر أحمد بن عليّ بن منصور النحوي قال: حدثنا أبوبكر هبة اللَّه بن الحسن |بن محمّد| بن الفضل العلّاف قال: حدثنا موسى بن هارون الهاشمي قال: حدثنا الحسين بن أحمد بن عصمة قال: حدثني محمّد بن عبداللَّه البغوي بمكّة، قال: حدثني أحمد بن عبداللَّه بن بقيع الزهري؟ قال: حدثنا صالح بن سماعة الطائي قال:
نمي إليّ أنّ شيخاً منّا له سنّ و علم انقطع إلى ربّه عزّوجلّ، فخرجت من تيماء انتطسته و معي رجل علم لمكانه فجبنا رجاماً
[يأتي تفسيره في ختام الحديث.] ثمّ انتهينا إليه حين مجّ لعاب الشمس |و| قد اتّخذ مسجداً في الضبوخ و أبرز رأسه لصهر الشمس
[يأتي بيانه و شرحه في ختام الحديث.] و هو يرجع كلاماً فقلت لصاحبي: رويداً نسمع من كلامه، فسمعناه يقول: 'قف لي قرب الرقيب من الأيسار، و مزجر الكلب إلى الّسُمار،اخسأ عدوّاللَّه، لن تصل إليّ بعون اللَّه، امصص و ضر عرك الذبح بفيك الفهر الصلد'. فقلت لصاحبي: اعتري الشيخ؟ قال: كلّا و لكن يخاطب الشيطان. فانتهينا إليه و سلّمنا عليه، فقال له صاحبي: يا أباحكيم هذا رجل من قومك ركن إليك و عطف عليك و أحبّ الأخذ بالحظّ منك، فحدّثه حديثك |حين| قدمت مكّة.
فقال: سمعت القاصّ بمنى "700" و قدمتها مع أبيه؟ و أنا غلام يفع لي ذؤابة يملس على أهل بيته
[يأتي شرحه.] فانتهينا إليه و هو في محفل كالماقط و حوله الصفف؟ فاحتملني أبي- و كان ندباً- فأدخلني إليه و أجلسني بين يديه ثمّ قال له أبي: ياذا
الرجل إنّي جئت بابني اطلب له حملاً من العلم فلقِّن |له| جهراً يرحمك اللَّه. فأدناني منه ثمّ أمرّ يده على ذؤابتيه؟- فماأنسى حصة يده على رأسه؟- ثمّ قال: يا غلام أتعلم؟ قلت: إي بأبي و ما |لي لا| أعلم؟ قال: قال لي: أحبّ الصلاة إذا اعتزيت في التوبات؟ و اذكر ربّك ماشياً و إن ركبت الخلعيات؟ قال: فقال لي أبي: ياذاالرجل إنّ الإبل الشوارد والضلال ترد- و هي مفعمة- حياضي و هي مترعة فأدرها؟ تكرع ابتغاء وجه اللَّه عزّوجلّ و إنّ إبِلي لعرجان؟ فهل لي في ذلك من أجر؟ فقال القاصّ: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه |و اله و سلّم| يقول: ' في كلّ ذات كبد حرّى ثواب'
[والحديث معروف دائر في ألسنة المسلمين.] ثمّ قال له أبي: يا ذا الرجل أصافي الكشوف و ابنها؟ فقال القاصّ: سمعت قمداً سئل النبيّ صلى اللَّه عليه |و اله و سلّم| عنها فقال عليه السلام: 'أبح لبنها و اشرب، و اقفر نوبة ابنها و اركب'.
[لم يتيسّر لي الفحص عن مصدر الحديث.]
قال |أبوحكيم|: ثمّ قدمت الحيّ و ما شي ء أحبّ إليّ من الصلاة، ثمّ سألت |عن| القاصّ ب'منى' من هو؟ فقيل لي: هو |كان| عليّ بن أبي طالب رضوان اللَّه عليه. قال: فقال لنا |أبوحكيم|: ما فعل؟ قلنا: قتل. "701": قال: شوهة بوهة |لقاتله|و يقتل مثله؟ لقد فسد الزمان!
قال: فقلناله: يا أباحكيم من معك في هذا الوادي؟ قال: اللَّه عزّوجلّ معي، ثمّ من بعداللَّه عزّوجلّ حكيم ابني يخرجني لحاجتي عند الإفطار، و ما بيني بعد أي عند الفطور؟ قال: فقلنا له: و من حكيم هذا؟ فأنشأ يقول:
حكيم قبابي و ابن صلبي لأنّه
غلام يؤدّي واجبيه بنفسه
إذا رؤف الليل المعسعس حابه؟
يصلّي و دمع العين ينهلّ ساجداً
يكون حكيماً إذ تقفقفت والدا
إليّ و يسعى نحو ذي العرش حافدا
يصلّي و دمع العين ينهلّ ساجداً
يصلّي و دمع العين ينهلّ ساجداً
لاتبك للدنيا و لا أهلها
و ابك إذا صيح بأهل الثرى
و يلك يادنيا لقد مزّقت
امال من يسكنك الاخرة؟
و ابك ليوم تسكن الحافرة
فاجتمعوا في ساحة الساهرة
امال من يسكنك الاخرة؟
امال من يسكنك الاخرة؟
قال: فلمّا "702" أقبل الليل قال الشيخ: يا حكيم هذا الليل قد أقبل و هذا النهار قد أدبر، إنّه من اتّخذ الليل جملاً أمن الهلكات، و من قام زلفة و برة أمن من سوء البيات.
قال: ثمّ قاما يصلّيان و يقران |القران| فمارأيت أحسن من مقاميهما و لا سمعت القران أحسن منه بنغمتيهما، فلمّا بدا الفجر زفر الشيخ زفرة ثمّ قال: يا حكيم قد أدبر الليل و أقبل النّهار، ثمّ قال: اللهمّ لم أشف من مناجاتك أو طاري و لم أقض من الإقبال عليك لباناتي. و جعل يبكي، فلمّا أصبحنا و دّعناهما فانصرفنا.
و ذكر صاحب كتاب 'الحماسة' عن أبي حكيم يرثي ابنه حكيماً- و ظنّي أنّه هذا الّذي ذكرناه- فقال:
و كنت أرجي من حكيم قيامه
فقدّم قبلي نعشه فارتديته
و يا ويح نفسي من رداء علانيا
عليّ إذا ماالنعش زال ارتدائيا؟
و يا ويح نفسي من رداء علانيا
و يا ويح نفسي من رداء علانيا
لعمر أبيك والأبناء تنمى؟
لأقوام بحمد أوملامة
لأقوام بحمد أوملامة
لأقوام بحمد أوملامة
فبقينا على الشباة سنينا
|في| حصون و غيرة فنمينا |ظ|
|في| حصون و غيرة فنمينا |ظ|
|في| حصون و غيرة فنمينا |ظ|
و قال: 'و أنتم كما تنمى الخضاب في اليد'؟
و قال النابغة الذبياني "703":
'و أنم القنود على غيرانه أحد؟'.
فأمّا نمّيت الحديث- بتشديد الميم- فإنّه عند أهل اللغة على وجه النميمة و الإشاعة والتشنيع، و نما في الحديث: موضع بقيّته؟ و منه قول امرؤالقيس:
'و نيماء لم يترك بها جذع نخلة'
والنيماء: الفلاة الّتي لاأنيس بها، و هي فعلاء من قولك: نامت الرجل و نيّمته إذا ذهب بعقله و استعبدته، و قال:
نامت فؤادك لم يتحرّك ما وعدت |به| إحدى نسائي |من| ذهل بن شيبان؟ و قوله: 'انتطسته' أي |كنت| أبالغ في طلبه و تعرّف ما عنده، والتنطّس: المبالغة في كلّ شي ء على علم به و حذق فيه، و منه قول العجاج:
و طهوة اللاهي و من ينطّسا
و|منه| قول عمر لمّاخرج من الخلاء فدعا بطعام فقيل |له|: ألا تتوضّأ؟ قال: لولا التنطّس ماباليت أن لاأغسل يدي.
قال الأصمعي: هوالمبالغة في الطهور، و كلّ من أدقّ النظر في الأمور و استقصى عليها فهو منطّس، و منه قيل للطيلب؟: النطاسي والنطيس؟ و للشعب الاسي: النطاسي؟ و قال رؤبة:
و قد أكون مرّة نطيسا؟
و كذلك التقريس؟.
و قوله: 'جبنا' أي قطعنا، يقال: جبت الفلاة أجوبها جوباً إذا قطعتها، و اجتبتها اجتياباً، و قال العجّاج:
و اجتاب فيظاً بلنطى النطاوة؟.
و في التنزيل: 'و ثمود الّذين جابوا الصخر بالواد' |9: الفجر: 89|.
و عن مجاهد قال: جابوا الجبال فجعلوها بيوتاً. و عن الضحّاك: قد روا الحجارة؟"704".
والجواب في غير هذا |المقام|: الترس و يجمع على أجواب، و لم يسمع في
الكسير |منه| جمع؟ والقياس فيه جياب كحوض و حياض و ثوب و ثياب.
و قوله: 'رجاماً' يعني جمع رجمة و هي مااجتمع من الحجارة فركب بعضه بعضاً، و منه قول لبيد: 'يمنانا بدغولها فرجامها'؟
و قيل: رجام اسم مكان بعينه.
و قوله: 'حين مجّ لعاب الشمس' أي اشتدّ حرّها. والمجّ الصبّ للماء من الفم، و منه الحديث: 'فإذا مجّه من فمه' ثمّ اتّسع فيه، فقيل: مجّه: اديه؟ و مجاج المرين: مطره؟ و مجاج النحل: عسله. و مجاج الحيّة: سمّها.
و لعاب الشمس: السواد؟ و قيل: ما تراه كالمنحدر من الهواء عند حمى الشمس و قيام قائم الظهيرة.
و أصل اللعاب: ما يسيل من فم الصبيّ يقال: لَعَِبَ يلعَب لعوباً و لعباً |الصبي: سال لُعابه من فمه|. و اسم ما يجري: اللعاب.
والضوخ: ما اطمأنّ من الأرض و توهد، و يقال لمنعطف الوادي: ضوخ، و يجمع على أضواخ في أدنى العدد، و قد وضع ذلك للجمع الكثير، والقياس فيه: ضياخ، مثل سياط |في| جمع سوط، و يقال: يضوخ الوادي إذا كثرت أضواخه، و قال الأخطل في الضوخ:
و على البسيطة والشفيق يرتق
والضوخ بين رويّة و فحال
والضوخ بين رويّة و فحال
والضوخ بين رويّة و فحال
و كنت إذا الولدان جاد صهيرهم
صهرت فلم يصهر كصهرك صاهر
صهرت فلم يصهر كصهرك صاهر
صهرت فلم يصهر كصهرك صاهر
و أمّا قوله: 'قرب الرقيب من الأيسار' فإنّ الأيسار هم الياسرون وهم الداخلون في |لعبة| اليَسَر |و هو القمار| والرقيب يجلس من المغيض؟ غير بعيد منه، فلما يحيله من القداح؟ في الرهانة و في الجلدة الّتي فيها القداح، لأن لا يقع فيه الجناية؟ و يقال له: الرامي، و قيل: الرامي: الّذي يرتفع عليه؟ و قال أبوذويب:
فوردن والعيّوق مقعد رامي
الصوباء خلف النجم لايتبلّع؟
الصوباء خلف النجم لايتبلّع؟
الصوباء خلف النجم لايتبلّع؟
و|قوله|: 'مزجر الكلب من السُمّار' يريد بالمزجر حيث يصير الكلب إليه إذا زجر، والسُمّار: أصحاب السمر و هو حديث الليل، و أصل السمر هو ضوء القمر، والسمرة في اللون من ذلك، و|يقال|: قد سمر القوم يسمرون سمراً و سموراً إذا تحدّثوا ليلاً، |و| واحد السُمّار: سامر، و في التنزيل: 'مستكبرين به سامراً تهجرون' |67: المؤمنون: 23|، و قرأ عكرمة 'سَمَراً' |بفتح السين والميم|. و عن أبي رجاء العطاردي |أنّه قرأ|: 'سُمّاراً'.
و|في الحديث|: كان عمر يحدّث لنا السمر بعد صلاة النوم.
و روي عن عمر أنّه "706" كان يضرب النّاس على الحديث بعد العشاء و يقول: أسمراً أوّل الليل و نوماً اخره.
يقال: حدّثه يحدّثه و يحدثه؟ قال ذو الرمة:
فيالك من وجه جميل و منطق
رخيم |و| من خلق يقال جاد به؟
رخيم |و| من خلق يقال جاد به؟
رخيم |و| من خلق يقال جاد به؟
[لم يتيسّر لي تخريج الحديث من كتب الحديث.]
و قول الطائي في الحديث: 'قرب الرقيب من الأيسار، و مزجر الكلب' انتصبا على مذهب الظرف؟ و ذلك مأخوذ من العرب و لا يقال على ذلك: قرب الرجل من القوم؟ و لا مزجر السنّور منهم.
و قوله: 'اخسأ عدوّ اللَّه' أي أبعد ذليلاً مهيناً، يقال: خسأت الكلب خساوة
و خساءة إذا طردته و أبعدته عنك، و خسأ هو يخسأ خساءاً، و هذا ممّا يحفظ عن العرب |و| في أمثاله قد جاءت عنهم مثل رجع و رجعته و عطف و عطفته و ولغ و و لغته و ما أشبه ذلك ممّا شذّ عن القياس، و في التنزيل: 'فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين' |65: البقرة: 2|، أي بعداء صَغِرةً أذلاّء.
و قوله: 'يوضر عرك الذبح' فإنّ الوضر كالدبس والقذر؟ و أصله في اللبن يقال: و ضرت يده من اللبن يوضر و ضراً، ثمّ استعير فيماعداه حتّى قيل للوسخ: و ضر.
والعرك مرويّ بتخفيف الراء و تثقيلها مشدّدة؟ فأمّا بالتخفيف فإنّها جمع عُرَكة- مثل غرفة و غرف- و هي ما يجمع من دم العارك.
و إذا قرأته بالراء المشدّدة فإنّها الحيض يقال: عارك حيضاً بعد أطهار.
والذبح: الذكر من الضباع و قد يقال للأنثى: ذبحة و هي الضبع، والذكر: الضبعان و ذكرانها "707" تدمي و تحيض. فإذا روي 'عرك الذبح' بتخفيف الراء فإنّما أضيف العرك إلى الذبح و جعل الذبح للجنس.
وأ مّا قوله: 'بفيك الفهر الصلد' فإنّ الفهر حجر بملئ الكفّ و يجمع على الأفهار، والكثرة الفهور، والفهر أنثى؟ و تصغيرها فهيرة، و بها سُمّي الرجل فهيرة، و أرض مفهورة: ذات أفهار.
والعرب يقول للمدعوّ عليه المردود عليه: 'بفيك الحجر و بفيك الفهر و بفيك الكثكث والأثلب' والكثكث والأثلب بالفتح والكسر.
|و قوله:| 'صفصف' أي على خشونة و ضيق، قال الشاعر:
على نصف؟ من عيشة النكد.
و إن يكن الطائي صادف القاصّ في مكان ضيّق و حوله خاصّ من النّاس لم يحتج في ذلك إلى ما تأوّلناه في 'الماقط والصفصف' و حمل الكلام على ظاهره فيه؟.
و قوله: 'و كان بدياً' أي خفيفاً في السعي حسن التأنّي لما يسعى فيه، و من ذلك قوله: 'بديه لكذا و كذا و قد ابتدت هو له'؟
قوله: 'فماأنسى حصّة يده على رأسه' يعني بها سرعة إمرار يده على رأسه، يقال: مرّ يحصّ حصّاً إذا أسرع، والحُصاصُ شدّة العدو والسرعة فيه.
و يجوز أن يريد ب|قوله|: 'حصّة يده': لين كفّه و نعومتها |ظ| و يقال لكلّ أجرد من شعر أحصّ والأنثى حصّاء، و لذلك قيل: السنة الحصّاء، و قال ابن الأسلت:
قد حصّت البيضة رأسي فما
أطعم يوماً غيرتهجاج
أطعم يوماً غيرتهجاج
أطعم يوماً غيرتهجاج
والخليعات: الناقة الشديدة، والجمل: خلعنا؟ والألف فيه للإلحاق بمثل سفرجل و سمردل، و لذلك دخلت الهاء عليها لأنّها ليست للتأنيث و لكن للإلحاق.
و قوله: 'إنّ الإبل الشوارد' يعني التوافير؟ و'الضلال': الّتي قد أضلّها أهلها، يقال: شرد |الإبل| شروداً و أشردها غيرها أي جعلها شاردة، و شرّدها تشريداً إذا أريد التكثير. و يقال: ضلّت الناقة و أضلّها صاحبها أي ضلّت عنهم.
و قوله: 'و هي مفعمة' أي ملاء يقال: فعم هو و أفعمته أنا، و قال الشاعر:
فوارض ماتمنى و تحتفزونها
و قد يملؤ القطر الإناء فيفعم
و قد يملؤ القطر الإناء فيفعم
و قد يملؤ القطر الإناء فيفعم
أحدهما أنّها ملاء الضروع لبناً فلايتعرّض لها و لايحلّ ضرارها ورعاً و تقيّةً؟ و هي تكرع في حياضه.
والاخر: أن يكون ملامحاً؟ يخال فيه العدوى فيدعها ترد مع إبله الصحاح القرحان اتّكالاً على اللَّه سبحانه و ابتغاء المثوبة والأجر.
والحياض المترعة: الملاء أيضاً، و قد ترعت |أي ملئت| و أترعها صاحبها |أي أملأها|.
و قوله: 'تكرع' أي تشرب من الحياض بأفواهها لا باستقائنالها و سقيها من غيرها؟ قال النابغة:
و سيفي إذا ماشئت غير مصرّد
بصهباء في كاساتها المسك كارع
بصهباء في كاساتها المسك كارع
بصهباء في كاساتها المسك كارع
و أمّا قوله: 'في الكشوف و أبيها؟' فإنّ الكشوف من النوق: ما يحمل عليها في كلّ سنة، والمصدر: الكشّاف، و منه قول زهير:
و يلقح كشّافاً ثمّ ينيخ فينم؟
و قيل: الكشّاف أن يترك الناقة سنتين أو ثلاثاً لا يحمل عليها فإذا لقحت كذلك كان أقوى لها و أدرّ للبنها و أشدّ لولدها.
و قيل: الكشّاف أن يضربها الفحل و هي الحامل.
و قوله: 'سمعت قمداً' فإنّ "قمداً" هاهنا اسم رجل بعينه و هو بعد الشديد القويّ الصلب من كلّ شي ء.
قوله: 'و أبح لبنها|ظ| و اشرب' أي اشرب منه مقدارالحاجة و أبح ماعدا ذلك أي اجعله مباحاً لمن يشربه.
و يروى 'امنح لبنها' والمنحة أن يجعل للرجل لبن ناقته أو شاته يشربه |غيره|و ينفع |به| والأصل للمائح؟ ثمّ اتّسع في ذلك فجعلت في الأصل و غيرها؟
و أمّا قوله: 'و أفقر برويّة أبيها و اركب' فإنّ الرويّة جمام الفحل و هو أن يترك من النزو حتّى تجمّ، والمراد |منه| في الحديث: أن يترك من الركوب حتّى يجمّ ثمّ
يركب و ذلك أقوى و أشدّ لسيره، و يدلّ على ذلك قوله: 'و أفقر رويّة أبيها' أي أعز|ه| بعد الحمام فاركبه، يقال: أفقرته جملاً أي جعلت ظهره له يركبه و يبلغ عليه حاجته ثمّ يردّه "710" فكأنّ معناه أن يمكّنه من فِقاره، والمراد من ذلك الظهر، و لم يسمع في الأطراف الأقفار؟ فنحمله عليه و إن وضع مجازاً لذلك جاز.
و للرويّة بعد مواضع، فمنها القيام بمايصلح الإبل، يقال: فلان ما يقوم برويّة إبله. و هي أيضاً الهدأ|ة| من الليل. و هي |أيضاً| حمزة العجين.
فأمّا القطعة من الخشب و غيره المشعور بها فإنّها من الرؤية مهموزة و بها سمّي رؤية. و قال بعضهم: بل سمّي برويّة الليل غير مهموزة لأنّه ولد نصف الليل فسمّي باسم الوقت.
وأمّا قوله: 'شوهةً بوهةً' و يروى: 'سوهةً بوهةً' فإنّ الشوهة ما جمع من القبح، يقال: شاه شوهاً و شوهةً إذا قبح، و شوّهه اللَّه أي قبّحه و سمجه . و في الحديث: 'شاهت الوجوه' أي قبحت. والأشوه: القبيح. و هو أيضاً الإصابة بالعين لأنّ ذلك ممّا يستقبح، والمصدر فيه: الشوه. والأنثى شوهاء.
و أمّا قوله في الفرس: 'شوهاء' فإنّما يراد بها أنّها واسعة المنخرين والشَدْقَمَين و ذلك ممّا يمدح الفرس به، قال الشاعر:
و هي شوهاء كالجوالق فوهاء
مسحال يضلّ فيه الشكيم
مسحال يضلّ فيه الشكيم
مسحال يضلّ فيه الشكيم
و أمّا 'البوهة' فيحتمل أن يكون اتّباعاً و توكيداً للشوهة و لا سيّما إذا لم يعطف عليها بالواو.
والأجود عندي في كلّ ماجعله أهل اللغة اتّباعاً "711" إذا عرف معناه أن يفرد و يراد به في الفائدة؟ و لا يحمل على الأوّل و معناه معلوم، و من ذلك البوهة لأنّها ما طارت به الريح من خلال التراب، والعرب تقول في مثل لها: 'أهون من
صرفه في بوهة'.
والبوهة أيضاً فيما روي لنا عن الخليل: الضعيف الطائش.
و قال ابن دريد: هو الوحم الثقيل؟ و أنشد:
يا هند لاتنحكي بوهةً
عليه عقيقته احسبا؟
عليه عقيقته احسبا؟
عليه عقيقته احسبا؟
و انتصاب ذلك على معنى الدعاء كأنّه قال في التمثيل: شاهوا شوهةً و باهوا بوهةً |أو| و ألزمهم اللَّه شوهةً و بوهةً.
و ذكره للطهور والفطور يعني ما يتطهّر به و يفطر عليه؟ و كذلك الوجود و السعود؟ و ما أشبه ذلك.
و أمّا قوله في شعره: 'إذ تقفقفت والداً' فإنّ التقفقف اضطراب الحنكين و اصطكاك الأسنان والإرتعاش من الكبر أو الفزع أو البرد أو غير ذلك، و هو من قول الطائي: 'لكبر؟'، و يقال: لِلُحى البعير: القفقفن؟ و يقال: استقفّ الشيخ: إذا انضمّ بعضه إلى بعض و تشنّج و صار كالقُفَّة، والقُفَّة: ما تتّخذه المرأة من خوص أو غيره يغزلها. و هي أيضاً الشجرة البالية |ظ|، و يقال: قفّ النبت قفّاً إذا يبس و تحطّم، و قال الراجز:
كأنّ صوت خلقها والحلف
كنية أفعى في سبيس قفّ؟
كنية أفعى في سبيس قفّ؟
كنية أفعى في سبيس قفّ؟
حفد الولاية بينهنّ و أسلمت
بأكُفِّهِنّ أزمَّةُ الإجمال
بأكُفِّهِنّ أزمَّةُ الإجمال
بأكُفِّهِنّ أزمَّةُ الإجمال
[كذا.]
و قوله: 'إذا روّق الليل المعسعس' أي مدّ رواقه و ألقى أرواقه، و ذلك مثل في اشتداد الظلمة و انبساطها، و يقال: ألقى عليه أرواقه أي ثقله، و إذا ألحّت السماء بالمطر، والنبت بأرض قيل: قد ألقت عليها أرواقها، و قال الشاعر:
و نابت بأرواق عليها سواريا.
و|أمّا| المعسعس |فهو| المقبل من الليل المظلم، قال الشاعر:
حتّى إذا ما ليلهنّ عسعسا
حتّى إذا ما ليلهنّ عسعسا
و أقبلت ظلماؤه و اعلنكسا؟
و أقبلت ظلماؤه و اعلنكسا؟
و ركبت منه بهيماً حِندسا
و ركبت منه بهيماً حِندسا
نجوت بأفراس كرام و فتية
مفالس في أدبار ليل معسعس
مفالس في أدبار ليل معسعس
مفالس في أدبار ليل معسعس
و أمّا قوله: 'غِرّيداً' فإنّ الغِرد |والغَرِد| والغِرّيد: المطرب في صوته المحزِّن له
[كذا.] يقال: غرّد الحاري تغريداً؟- و كذلك تغرّد- |أي رفع صوته| و كذلك تغريد الطير، قال عنتره:
غرّد الحك ذراعه بذراعه؟
قدح المكبّ على الزناد الأجزم
قدح المكبّ على الزناد الأجزم
قدح المكبّ على الزناد الأجزم
إذا غرّد الكافي غير روضته؟ "713".
و قوله: 'جاوبه' أي قطعه و جاوزه إلى الصبح ذاكراً و مصلّياً.
و قوله: 'ينهلّ' أي يجري دمعه و يسمع صوت جريه، يقال: انهلّ شؤنه
و انهلّ دمعه انهلالاً، و كذلك استهلّت استهلالاً.
و أمّا قوله: 'و ابك ليوم تسكن الحافرة' فإنّ الحافرة: العود في الشي ء مردوداً اخره إلى أوّله، يقال: رجع فلان إلى حافرته إذا رجع في الطريق الّذي أخذ منه، و رجع الشيخ إلى حافرته: إذا خرف كأنّه يرجع إلى حال الطفولة في عدم العقل والقوّة، و في التنزيل: 'أإنّا لمردودون في الحافرة' |19: النازعات: 79| يريد البعث بعد الموت، أي أنرجع أحياءً بعد مامتنا؟ و نصير كما كنّا أيّام حياتنا؟ و إنّما أراد الطائي بقوله: 'نسكن الحافرة' أي القبر والتراب، |أخذاً| من قوله |تعالى|: 'منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى' |55: طه: 20|.
و إن أراد |الطائي| بالحافرة، المحفورة على مجاز |فيه، كما في قولهم:| 'عيشة راضية' أي مرضيّة، و|في| الحقيقة |هي| ذات رضاء و ذات حفرة، كان ذلك سائغاً |أيضاً|.
و إن أراد بذلك البعث والنشور أو المصير إلى الأرض الّتي يحاسب النّاس عليها جاز |أيضاً|.
و أمّا قوله: 'الساهرة' فإنّ أهل اللغة قالوا: الساهرة: وجه الأرض. و قد قيل: هي الأرض العريضة البسيطة. و قال الشاعر:
يريدون ساهرةً كانت مجهلة؟
و عميمها أسداف ليل مظلم
و عميمها أسداف ليل مظلم
و عميمها أسداف ليل مظلم
خياركم خيار أهل الساهرة.
و قال اخر:
و فيها لحم ساهرة و بحر؟
و ما قاسوا به لهم مقيم
و ما قاسوا به لهم مقيم
و ما قاسوا به لهم مقيم
و قيل: |معنى| بالساهرة: بالأرض الّتي يبسط ليظالم بعض عليها؟ و لم يعمل
فيها خطيئة و لا سفك فيها دم. روي ذلك عن السدّي. و عن مجاهد: كأنّها الفضّة. و عن عليّ |عليه السلام|: 'إنّها من فضّة و لحميها من ذهب'؟.
و في حديث مسند: 'يُحشَر النّاس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد'.
يريد بالعفراء: ما ليست بالشديدة البياض، والنقي: الجواري؟ و قال الشاعر:
يطعم الناس إذا ماأمحلوا
من نقيّ فوقه ادمه
من نقيّ فوقه ادمه
من نقيّ فوقه ادمه
اقدم أخانهم على الأساورة
فإنّما قصرك ترب الساهرة
من بعد ماصرت عظاماً ناخرة
من بعد ماصرت عظاماً ناخرة
و لا تهالنّ لرجل نادرة
حتّى تعود بعدها في الحافرة
من بعد ماصرت عظاماً ناخرة
و أمّا قوله: 'فرأيت حمضاً و ألالاً |ظ| أجرت جيبه لفطورك' فإنّ الحمض ما ملح من النبات و هو فاكهة الإبل، والخلة ما خلا منه و هو خبزها، و إذا ملّت الإبل الخلة قالوا: أخمصو|ه| فيصيرون إلى الحمض ليأكل الإبل منه فيعود إلى الخلة. و'ألالا' من نبات العمل؟
وعن الأصمعي قال: |قال| عليّ بن حازم:
فإنّكم و مدحكم تحيراً
أما لحّاكما امتدح ألالا
أما لحّاكما امتدح ألالا
أما لحّاكما امتدح ألالا
لها بالشي ء سوم و أا؟
فأمّا ألالاً فواحدتها ألاة و همزتها في اخرتها ثابتة و |كذا| في التصغير لأنّه لا يرجع فيها إلى اشتقاق يعلّ فيه، كذلك قال سيبوية؛ و تصغيرها أليتة مثل اليعة؟ و قال الشاعر:
فخرّ على ألالاة لم توسد
كأنّ جبينه سيف صقيل
كأنّ جبينه سيف صقيل
كأنّ جبينه سيف صقيل
و روي عن الكسائي |أنّه| قال: العُنظُب والعُناظِب والعُنظُوب.
و قال أبوعمر: والعُنظُب: ذكر الجراد، فأمّا الحُنطُب فذكر الخنافس، و أنشدوا لحسان:
و إنّك سوداء مودنة؟
كأنّ أمامها الحنظب
كأنّ أمامها الحنظب
كأنّ أمامها الحنظب
و أنشد الخلى: 'رؤس الحناس كالعنجد' أي كالزبيب.
و قوله: 'و اشتوينا' أي اتّخذنا من ذلك شواءً، و كذلك الإختباز والإطّباخ في معنى الإتّخاذ.
و قول الشيخ: 'من اتّخذ الليل جملاً' يعني سهرةً و دأب فيه "716" مصلّياً و متهجّداً، و هو مثل يُضرَب لكلّ من سهر الليل و انتظمه عملاً و كدّا؟ كأنّه اتّخذ|ه|جملاً ركبه و دأب عليه.
و أمّا قوله: 'زلفةً و بهرةً' فإنّ الزلف ساعاته والواحدة: زلفة، و ذلك لاتّصال بعضها ببعض و قرب بعضها من بعض، والزلفة: القربة، والزلفى: القربى، يقال: زلف و ازدلف: دنا و قرب. و قال العجّاج في ساعات الليل:
طىّ الليالي زلفاً فزلفا
سماؤه الهلال حتّى احقوقفا
سماؤه الهلال حتّى احقوقفا
سماؤه الهلال حتّى احقوقفا
و في الحديث: 'سار حتّى أبهار الليل، ثمّ سار حتّى تهوّر الليل'.
و يقال: توسط الوادي بهرته؟ و يقال: فرس عظيم البهرة أي المحزم.
و قوله: 'من سوء البيات' أي من أن يطرقه طارق بسوء عند بيتوتة، و يقال: بَيَّتَه إذا أتاه على ذلك، و كذلك كلّ ما أتى ليلاً أو عمل ليلاً و اشتُغِل به، و في التنزيل: 'تقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَ أَهْلَهُ' |49: النمل: 27| و يقال: بات |فلان|يفعل كذا و كذا: إذا فعله ليلاً، و ظلّ يفعله إذا فعله نهاراً.
و قوله: 'أوطاري': أي حاجاتي الّتي من همّي، والواحد منها وطر و هو الحاجة الّتي لصاحبها فيها همّة، و في التنزيل: 'فلمّا قضى زيد منها وطراً زوّجناكها' |37: الأحزاب: 33|.
و قوله: 'لُباناتي' أيضاً |بمعنى| حاجاتي والواحدة منها'لُبانة' و هي الحاجة الّتي يقيم و يحرّج عليها؟ و قال الشاعر:
لقد كان في حول توالوا أتيته
ليقضي لبانات و سيام سائم
ليقضي لبانات و سيام سائم
ليقضي لبانات و سيام سائم
535- الحديث- بمغايرة لفظيّة- رواه الطبراني برقم 66-65 من المعجم الأوسط: 293:7 ط 1، قال: حدثنا محمّد بن خال بن يزيد البرذعي؟ بمصر، قال: حدثنا أبوسلمة عبيد بن خلصة بمعرّة النعمان، قال: حدثنا عبداللَّه بن نافع المدني، عن المنكدر بن محمّد، عن أبيه: عن جابر بن عبداللَّه قال: جاء رجل إلى النبي صلى اللَّه عليه و سلّم فقال: يا رسول اللَّه.....]
و قال اخر "717":
أيا حسرتى لم أقض منكم لبانتي
و لم أتمتّع بالجوار و لا القرب
و لم أتمتّع بالجوار و لا القرب
و لم أتمتّع بالجوار و لا القرب
إذا أتت الخوين؟ على السعود
و رامت أن تخرّ لها سجودا
تعزّينا عن الدنيا كراماً
و لم نجب القرود إلى السجود
و فازت بالعُلى أيدي القرود
لتؤذن للمحلّى بالورود
و لم نجب القرود إلى السجود
و لم نجب القرود إلى السجود
فهبط الأمين جبرئيل عليه السلام فقال: 'يا رسول اللَّه، إنّ الشيخ قال في نفسه بالبارحة ما لم يسمعه أذناك، و قد بكى له أهل السماء'!!!
فقال |النبي صلى الله عليه و آله:| 'يا أعرابيّ هل قلت في نفسك البارحة مالم يسمعه أذناي'؟ فقال |الأعرابي|: لم يزل اللَّه يزيدنا بك بصيرة و يقيناً، نعم يا رسول اللَّه، فأنشد |الأعرابي| يقول:
غذوتك مولوداً و عُلتُك يافعا
إذا ليلة صافتك بالسقم لم أبت
كأنّي أنا المطروق دونك بالّذي
تخاف الردى نفسي عليك و إنّها
فلمّا بلغت الأمر "718" والغاية الّتي
فليتك- إن لم ترع حقّ أبوّتي-
تراه معدّاً إلى الخلاف كأنّه؟
بردّ على أهل الصواب موكّل
تعلّ بماأحبى إليك و تنهل
لسقمك إلاّ ساهراً أتململ
طرقت به دوني فعيناي تهمل
لتعلم أنّ الموت حقّ موجّل
|تقوّيت فيها صرت عنّى تذهل|
فعلت كما الجار المجاور يفعل
بردّ على أهل الصواب موكّل
بردّ على أهل الصواب موكّل