اما الإبتلاء
فإنّه عليه السلام ابتلي في نفسه بالولد الناقص الّذي رزقه اللَّه تعالى بعد حرصه على أن يكون له ابن يرثه و يقوم مقامه.
و كذلك المرتضى رضوان اللَّه عليه بعد حرصه على أن يقوم بالأمر الّذي هو أهله فابتلى ببلايا، كما قال رضى الله عنه: 'بُليت بأربع: بأجدل النّاس طلحة بن عبيداللَّه، و بأشجع النّاس الزبير بن العوّام، و بأنضّ النّاس يعلى بن منية
[هذا هو الصواب المذكور في الباب: "53" من كتاب جواهر المطالب: ج 2 ص 22 ط 1؛ و في مخطوطة منه الورق 73 أ والنضّ والناضّ: المال المال الكثير. الدينار والدرهم. و انظر ما علّقناه على جواهر المطالب.
و مثله معنىً رواه البلاذرى قبيل الحديث: "300" من ترجمة أميرالمؤمنين عليه السلام من كتاب أنساب الاشراف: ج 2 ص 237 ط 1؛ و في ط 2 ص 146.
و أيضاً مثله معنىً رواه أبوالفرج في ترجمة يعلى بن منية من كتاب الاغاني: ج 12؛ ص 235 ط بيروت؛ و فى ط الساسي: 11؛ ص 119.
و في أصلي المخطوط من كتاب زين الفتى: "و بأيقن الناس يعلى بن منية...".
والحديث سيذكره المصنّف على وجه آخر برقم 345 في آخر عنوان 'و أمّا الصبر على الشدائد'- و هي ا لجهة الرابعة من جهات التشابه بين أيّوب النبي و علي عليهماالسلام- في هذا المجلد ص 84.
و أيضاً الحديث رواه البلاذري في ترجمة طلحة بن عبيد اللَّه من أنساب الاشراف؛ كما رواه أيضاً في ترجمة يعلى بن منية.
و قريباً منه رواه أيضاً محمّد بن العبّاس اليزيدي برقم: "55" من أماليه ص 96 أو 114.] و بأطوع النّاس في النّاس عائشة'.
اما تسليط الجسد على كرسيّه
فقوله تعالى: 'ولقد فتنّا سليمان و ألقينا على كرسيّه جسداً ثمّ أناب' |34: ص: 38|.
و ذكر في تأويل الاية قولان: أحدهما: ذكر أنّ ملك الموت صلوات اللَّه عليه دخل على سليمان بن داود عليه السلام و عنده ابن له، فأخذ ملك الموت |يحدّ| النظر إلى ذلك الإبن، فلمّا خرج ملك الموت من عنده قال له ابنه: ياأبة مَن هذا الخارج |الان من عندك|؟ فإنّي كنت أهابه و أفرق منه "477".
فدعا سليمان بن داود عليه السلام الريح و قال لها: احملي ابني هذا و ارفعيه إلى السحاب و قولي له لتحفظ بابني إلى أن أستردّه منه.
فحملته الريح إليه و لم يلبث ملك الموت إلى أن رجع إلى سليمان و عزّاه فقال له سليمان: بمن تعزّيني؟ قال: بابنك. فقال: ابني على السحاب. قال: هناك قبضت روحه. قال: فكيف كان ذاك؟ قال: إنّ اللَّه تعالى أمرني أن أقبض روح إبنك على السحاب فأتيته فلم أجده هناك، فأتيتك لأنظر إليك و أنظر كيف حال الإبن، فوجدت ابنك جالساً عندك فنظرت إليه متعجّباً ثمّ رجعت إلى اللَّه تعالى أسأله عن ذلك فلمّا و افيت السحاب رأيت ابنك هناك فقبضت روحه ثَمَّ.
و ألقى جسده على كرسيّه ميّتاً
[كذا في أصلي؛ والظاهر أنّه قد سقط قبله ما يرتبط به؛ فليراجع مخطوطةً أخرى أينما وجدت.] فذلك قوله: 'و لقد فتنّا سليمان و ألقينا على كرسيّه جسداً ثمّ أناب' |34: ص: 38|.
فكذلك المرتضى رضوان اللَّه عليه، لمّا صار الأمر إليه كما كان الرسول عليه السلام دلّ عليه قام بالأمر أيّاماً يدعوا إليه أنصاراً و أقواماً، ثمّ تبغّت عليه طوائف من أهل
الخطأ والخطل، و مدّهم على ذلك أهل الزلل حتّى انفتقت سُدَد الفتن و تزاحمت عليه وجوه المحن، فقام بعده الشيطان المَريد الّذي قتل ابنه الحسين و نسي اثار أبيه في الإسلام، و |ما| ترك |أخذ ثار الكفّار الّذين حضروا محاربة النبي صلى الله عليه و آله| بدراً والحنين، و سبى أولادهم إلى الشام و اقتادهم على أقبح وجوه الملام!!!
[و ما ألصق بالمقام ما أفاده العلاّمة الطباطبائيّ في الفصل الثاني من منظومة السهم الثاقب حيث قال:
فآل أمرهم إلى يزيدا
بقتل سبط سيّد الأنام
وهتك أهل البيت بعده فقد
وهتكه الدين القويم جهرة
و مذ أراد الرجس هدم الكعبة
قضى برغم الأنف منه نحبه
من حارب الكتاب والتوحيدا
و آله و حزبه الكرام
سباهمو من بلد إلى بلد
بفعله الشنيع يوم الحرّة
قضى برغم الأنف منه نحبه
قضى برغم الأنف منه نحبه
و من أراد تفصيل ما جرى على ريحانة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله سلم و أهل بيته عليهم السلام فليراجع كتاب عبرات المصطفين.]
ثمّ لمّا قام |المرتضى| رضى الله عنه بالأمر تبغّت عليه الخوارج والشُراة و الحُسّاد والبُغاة، و اتّخذوا المنابر، و عسكروا العَساكر، كما قال الشاعر:
فتشعَّبوا شعباً فكلّ جزيرة
فيها أميرالمؤمنين و منبر!!!
فيها أميرالمؤمنين و منبر!!!
فيها أميرالمؤمنين و منبر!!!
و إنّما سمّيت فسّاق الأمويّة والروانيّة والفاسق اللعين شياطينَ، |أخذاً| من قول اللَّه تعالى: 'و كذلك جعلنا لكلّ نبيّ عدوّاً شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورواً' |112: الأنعام: 6|، و قوله تعالى: 'وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم' |14: البقرة: 2|.
و لقد استحقّوا بالأسماء الذميمة لما ارتكبوه من الفواحش العظيمة.
328- أخبرني شيخي محمّد بن أحمد قال: أخبرنا أبوأحمد قال: حدثنا أبوبكر عبدالرحمان بن قريش السرخسي قال: حدثنا هارون بن عبدالرحمان
العكبري قال: حدثنا أبوجعفر محمّد بن الحسن قال: سسمعت منصور الخصيّ |أباأميّة و كان| خادماً لعمر بن عبدالعزيز قال:
قال لي عمر ليلةً: يامنصور ائتني برجاء بن حيوة. قال: فأتيته به فحدّثه عامّة الليل و قال فيما |كان| يحدّث |به|: إنّ عبدالملك بن مروان أمره في مرضه الّذي مات فيه "486": إذا أنتم دفنتموني فانزع اللبنة عند رأسي و انظر ماذا صنع بي.
قال: فأدخلته قبره و رفعت اللبنة الّتي أمرني |برفعها| فرأيته قد اسودّ وجهه و دُقّت يداه و أخرجت من صدره، فأعدت اللبنة و حمدت اللَّه على العافية.
فشهق عمر فخرّ مغشيّاً عليه حتّى ذهب هزيع من الليل ثمّ أفاق...
329- و أخبرني شيخي محمّد بن أحمد قال: أخبرنا عليّ بن إبراهيم بن عليّ قال: حدثنا أبوبكر عبدالرحمان بن محمّد بن عبدالرحمان السرخسي قال: حدثنا أبوالحسن أحمد بن عبداللَّه بن أحمد بن المنهال قال: حدثنا الحسن بن محمّد الأشعر؟ قال: حدثنا أبوبكر بن أبي الدنيا قال: حدثنا محمّد بن الحسن قال: حدثنا خلف بن تميم قال: حدثنا المفضّل بن يونس قال:
بلغنا أنّ عمر بن عبدالعزيز قال لمسلمة |بن عبدالملك|: من دفن أباك؟ قال: مولاي فلان "487". قال: فمن دفن الوليد؟ قال: مولاي فلان. قال: أنا أحدّثك بما حدّثني به |مولاك، قال:| إنّه لمّا دفن أباك والوليد، فوضعهم في قبورهم و ذهب ليحلّ العِقد عنهم وجد وجوههم قد حوّلت في أقفيتهم!!! و انظر يامسلمة إذا أنا متّ و دفنتني فالتمس وجهي فانظر هل نزل بي مانزل بالقوم أم هل عوفيت من ذلك؟
قال مسلمة: فلمّا مات عمر |بن عبدالعزيز| و وضعته في قبره |رفعت عنه| بلبنة في وجهه فإذاً هو مكانه.
330- و حكي أنّ مروان بن الحكم تزوّج بأمّ خالد بن يزيد بن معاوية، فقال |له يوماً| و هو يريد أن يصغّر به- في شي ء جرى بينهما-: ياابن الرتبة |الإست|.
يريد إنّك أمير محبي.
[كذا في أصلي.]
فأتى خالد أمّه فأخبرها و قال |لها|: أنت صنعت بي هذا. قالت: دعه يابُنَيّ فإنّه لايقولها لك بعد اليوم.
و دخل |عليها| مروان بن الحكم فقال لها: هل أخبر لك خالد بما |ظ| جرى بيني و بينه؟ فقالت: يا أميرالمؤمنين، خالد أشدّ تعظيماً لك من أن يذكر لي شيئاً جرى بينك و بينه.
فلمّا أمسى |مروان| و اوى إلى فراشه وضعت مرفقةً على وجهه و قعدت عليها هي و جوارٍ لها حتّى مات!!
فأراد عبدالملك قتلها و بلغها أصح من ذلك؟ فقالت: أما إنّه أشدّ عليه؟ أن يخبر النّاس أنّ أباه قتلته امرأة، فكفّ عنها.
[والقصّة معروفة في كتب التواريخ؛ و لها شواهد في ترجمة خالد بن يزيد بن معاوية وعبدالملك بن مروان من تاريخ دمشق.]
|قال العاصمي:| لو لم يكن للمروانيّة إلّا توليتهم الحجّاج بن يوسف على رقاب النّاس "488" حتّى فسد و أفسد و أسفك و عند؟ |كفاهم خزياً و عاراً|، فضلاً عمّا كان من سائر فظائعهم و إلى اللَّه ترجع الأمور.
و أمّا قولنا: البُغاة ف|مأخوذ| من قول المرتضى: 'إخواننا بغوا علينا'
[صدور هذا الكلام عن أميرالمومنين عليه السلام غيرثابت، و كان ينبغي على المؤلّف أن يتمسّك لإثبات مدّعاه بقوله تعالى في الاية التاسعة من سورة الحجرات: 'و إن طائفتان من المومنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفي ء إلى أمراللَّه'.
أو يتمسّك بقول النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلّم لعمّار بن ياسر:'ويح عمّار، تقتله الفئة الباغية'.]
والبغي في اللغة هو الطلب؛ فمنه الحديث: 'إنّ للَّه روّاداً في الأرض يرتادون فإذا أتوا على حلق الذكر قالوا: ياباغي الخير هلمّ، و ياباغي الشرّ انته'.
و هذا لفظ يدخل على الخير والشرّ؟ و يتبيّن ذلك بقرائنه.
[و على فرض صدق هذا الكلام- و كون لفظ: "البغي" مشتركاً بين الخير والشرّ؛ و احتياج تعيين كلّ واحد من المعنيين إلى القرينة المعيّنة- نقول: القرينة المعيّنة لإرادة الشرّ من كلمة: "البغي" موجودة هاهنا؛ و هي أمر اللَّه تبارك و تعالى بقتال الباغي إلى أن تفي ء إلى أمر اللَّه؛ و قتله إن لم يفى ء إلى أمر اللَّه؛ كما في الآية الكريمة المتقدّم الذكر.]
و تأوّل بعض أهل العلم بالحديث |قال:| إنّ معنى قوله: 'إخواننا بغوا علينا': أي هم إخواننا طلبوا إلينا عللاً.
و قال بعضهم: معناه: طلبوا فينا الحقّ على العموم و لم يتدبّروا وجه الخصوص و الأحقّ والأولى من قوله صلى اللَّه عليه: 'الأئمّة من قريش'. و قوله عليه السلام: 'إنّ هذا الأمر لهذا الحيّ من قريش'، فطلبوا حقّاً وضعه النبيّ صلى اللَّه عليه في العموم و لم يعلموا أنّ الناس إذا أجمعوا على رجل منهم مخصوص معيّن بطل حقّ الآخرين مادام هذا المتابع |المجمع عليه| على صحّته، فكيف والمرتضى رضوان اللَّه عليه قد أخبر الرسول عليه السلام بولايته، فوجب تقديمه في وقته و تفويض الأمر إليه في إمرته، مع ماجمع اللَّه سبحانه فيه من الخصال والأخلاق الّتي يتفوّق من فاز بواحدة منها على أقرانه، فكيف |و| هو رضى الله عنه |حاوٍ| بمجموعها! "489" و لو لم يكن وقوع هذه الشبهة لهم لحكمنا بتفسيقهم، و لكن الحدود يدرأ بالشبهات.
و قال بعضهم: البغي على وجهين: أحدهما يسقط العدالة، والاخر لايسقطها، و الأصل |في البغي| هو طلب ماليس له، و قد كان معاوية و أهل الشام و غيرهم |ممّن عارض المرتضى و نازعه| طلبوا ماليس لهم طلبه، لأنّ المرتضى رضوان اللَّه عليه كان هو الأفضل، و من السُنّة تقديم الأفضل على المفضول، فكانوا بُغاة على هذا الوجه.
و أمّا الوجه الّذي يسقط العدالة فلا
[الأقوال المتقدمّة كلّها من باب تقديم الهوى على البرهان؛ و استشهاد الثعلب بذنبه؛ لأنّ بعد تعيين رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم عليّاً للخلافة- كما هو مفاد كثير من الأحاديث التي رواها القوم- و لا سيّما بعد مبايعة أهل الحلّ والعقد لأميرالمؤمنين عليه السلام؛ فكل من خالفه كان عاصياً للرحمان و مطيعاً للشيطان؛ أمر اللَّه تعالى بقتاله كي يرجع إلى الحقّ؛ و بقتله إن لم يرجع؛ أفي حكم اللَّه و قوانين الإسلام جاء وجوب قتال العدول و قتلهم؟ أفبهذه الترّهات يرفع اليد عن محكمات الآيات والروايات؟!
ثمّ انّ موبقات معاوية التي كلّ واحدة منها تكفي للدلالة على نفاق معاوية كثيرة و أكثرها رواها أنصار معاوية والحفّاظ الأمويّة؛ و كشفوا الغطاء عن معاوية و كفره الباطني!!
و هل يشكّ أحد أنّ معاوية آذى عليّاً عليه السلام؛ و قد قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم: 'من آذى عليّاً فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللَّه'.
أما قال اللَّه تعالى في الآية: "57" من سورة الأحزاب: "إنّ الذين يؤذون اللَّه و رسوله لعنهم اللَّه في الدنيا والآخرة و أعدّ لهم عذاباً أليماً". فهل بعد ذلك ينطق بعض الضلال بملؤ فمه أنّ معاوية لم تسقط عدالته؟
و انظر ما أوردناه من كتب القوم في تفسير الآية الكريمة في تعليق الحديث: "775" من كتاب شواهد التنزيل: ج 2 ص 146 -142؛ ط 2.
أليس قد صحّ من طرق كثيرة صحيحة عن النبيّ صلى اللَّه عليه و آله و سلم أنّه قال: 'لا يحبّ عليّاً إلاّ مؤمن؛ و لا يبغضه إلاّ منافق' و قد تقدّم الحديث عن مصادر كثيرة؛ فراجع ما رواه المؤلف في الحديث: "5"- و ما أوردناه في تعليقه من مصادر القوم- في هذا الكتاب: ج 1؛ ص 23-14.
يامعشر العقلاء فهل بعد ذلك يجوز لعاقل أن يحكم بإسلام معاوية؟ أم هل تعهدون تباغضاً مثل ما كان بين عليّ و معاوية؟
و إن شكّ أحد في شي ء فهل يشكّ في أنّ معاوية حارب عليّاً و قتل بينهما جماعة كثيرة من المسلمين أنهى بعضهم عدد المقتولين بينهما إلى سبعين ألفاً!! و قد صحّ من طريق القوم بأسانيد كثيرة أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم قال: 'من حارب عليّاً فقد حاربني و من حاربني فقد حارب اللَّه' أو ما هو بمعناه.
و هل يشكّ أحد من المسلمين أنّ معاوية لعن عليّاً و أمر أن يلعنوه في جميع الأقطار الإسلامية؛ و بقيت هذه السنّة الإلحاديّة في طول سلطة بني أميّة- إلاّ في بعض أيّام عمر بن عبدالعزيز-
و قد روى القوم- كما في الحديث: "1358" و تعليقه من ترجمة أميرالمؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: ج 3 ص 318 ط 2- عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم أنّه قال: 'من سبّ عليّاً فقد سبّني ومن سبّني فقد سب اللَّه'.
أليس من قول خرّيت فنّ الرجال يحيى بن معين أنّه قال: "و كلّ من شتم عثمان أو طلحة أو أحداً من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم |فهو| دجّال لا يكتب عنه؛ و عليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين" كما في ترجمة تليد بن سليمان من تهذيب التهذيب: ج 1 ص 509.] و ذلك لإجماع أهل النقل على الرواية
عن معاوية و توثيقه بذلك
[و ممّا تقدّم في التعليق المتقدّم آنفاً تبيّن أنّ توثيق معاوية- و من على نزعته و دأبه- مساوق لتوثيق الكفّار؛ لأنه منافق؛ و كلّ منافق كافر باطناً بضرورة من دين الإسلام؛ فعلى إسلام من يثق معاوية و يأخذ منه و يجعله واسطةً للوصول إلى الواقع الكُلام؛ و قل له كما أمر اللَّه تعالى للمؤمنين: "و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً".
و من أراد المزيد حول معاوية فعليه بما في كتاب النصائح الكافية؛ أو ما حقّقه العلاّمة الأميني قدّس اللَّه نفسه في عنوان: "المغالات في معاوية بن أبي سفيان" من كتابه القيّم الغدير: ج 10؛ ص 384-138 ط 2.] |و| عليه المسندان الصحيحان: جامع البخاري
[أمّا البخاري فلا اعتبار لتوثيقه لأنّه على نزعة أستاذه حريز الحمصي الذي كان لعن عليّ ورداً له؛ ذكر ابن حجر في ترجمة حريز عنه شعباً من النفاق- كما في ترجمته من تهذيب التهذيب: ج 2 ص 238- إلى أن قال في آخر ترجمته:
قال غنجار: قيل ليحيى بن صالح |الوُحاظيّ|: لم لم تكتب عن حريز؟ فقال: كيف أكتب عن رجل صلّيت معه الفجر سبع سنين فكان لا يخرج من المسجد حتّى يلعن عليّاً سبعين مرّة!!
و قال ابن حبّان: كان يلعن عليّاً بالغداة سبعين مرّة؛ و بالعشيّ سبعين مرّة!! فقيل له في ذلك؟ فقال: هو القاطع رؤس آبائي و أجدادي. |ثمّ قال ابن حبّان:| و كان داعيةً إلى مذهبه؛ يتنكّب حديثه.
و أمّا مسلم فبما أنّه روى بسند صحيح- في باب: 'حبّ عليّ والأنصار من الإيمان' من صحيحه: ج 1؛ ص 40- قول النبيّ صلى اللَّه عليه و آله و سلم في عليّ: 'لا يحبّك إلاّ مؤمن؛ و لا يبغضك الاّ منافق' فمع روايته هذا الحديث ما كان له أن يروي عن حريز و أمثاله و معاوية و أشكاله؛ و لكن من جهة تلمّذه عن تلاميذ حريز و أخذه عنهم سرى إليه داءهم لأنّ المجالسة والمصاحبة مؤثرة.
و كذلك الكلام بالنسبة إلى ابن ماجة والترمذيّ والنسائيّ و غيرهم ممّن رووا حديث: 'لا يحبّ عليّاً إلاّ مؤمن و لا يبغضه إلاّ منافق'.
و كيف يمكن أن يجمع بين توثيق معاوية و حبّ عليّ و حبّهما و توثيقهما ضدّان لا يجتمعان؛ و ما جعل اللَّه لرجل من قلبين في جوفه كي يحبّ بأحدهما شخصاً و بالقلب الآخر ضدّه و بغيضه؛ والقلب الواحد لا يتمكّن من الجمع بين المتضّادين؛ و حبّ المتباغضين؛ و هذا الأمر فطريّ لجميع النفوس كما قال العتابيّ:
تودّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني
صديقَك إنّ الرأي عنك لعازب!!
صديقَك إنّ الرأي عنك لعازب!!
صديقَك إنّ الرأي عنك لعازب!!
و فد دحيم الكلبيّ على أميرالمؤمنين عليّ رضى اللَّه عنه؛ فما زال يذكر معاوية ويطريه في مجلسه! فقال |له| عليّ رضي اللَّه عنه:
صديق عدوّي داخل في عداوتي
فلا تقربن منّي و أنت صديقه
فإنّ الذي بين القلوب بعيد.]
و إنّي لمن ودّ الصديق ودود
فإنّ الذي بين القلوب بعيد.]
فإنّ الذي بين القلوب بعيد.]
و جامع مسلم، فلو كانت فيه تهمة لهم أو سقوط عدالة لما رويا عنه مع ماقد عرف من شرطهم في الرواية، هذا أصل جامع و برهان قامع.
[و بالدقّة في التعليقات المتقدّمة آنفاً ينكشف للقارى ء الكريم ببرهان قاطع و أصل جامع أنّ أكثر حفّاظ القوم إنّما هم حفّاظ سنّة معاوية؛ و ضيّاع سنّة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم؛ حيث يوثّقون من حكم الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم بكفره الباطني و هو النفاق: في قوله المقطوع الصدور عنه صلى اللَّه عليه و آله و سلم: 'لا يحبّ عليّاً إلاّ مؤمن؛ و لا يبغضه إلاّ منافق'.]