اما الصبر على الشدائد
و كذلك ابتلي |عليه السلام| بالشدائد فصبر عليها من لدن صغره إلى أوان كبره.
و ذكر عن المرتضى رضوان اللَّه عليه أنّه قال: 'إنّ المحنة والشدّة ملازمتان لي من لدن صغري إلى أوان كبري، و ذلك إنّ أخي عقيل بن أبي طالب كان في صباه ترمد عيناه فإذا أرادت الأمّ أن تداويه لا يطوّع لها دون أن تملأ عيني "528" الصحيحة دواءً؟ و كنت أبكي لذلك فأصيح و لا ينفعني بكائي و لا صياحي، فهذا كان في صغري يصيبني مظلمة من أخي، فكيف أشكوالان
مظلمة غير إخواني في كبري!!!
[و كان الأولى على المصنف أن يذكر ما رواه ابن أبي الحديد في شرح المختار 57 من نهج البلاغة من شرحه: ج 4 ص 108-106 قال: و روى شيخنا أبوالقاسم البلخي رحمه اللَّه تعالى عن سلمة بن كهيل عن المسيّب بن نجبة:
قال: بينا علي عليه السلام يخطب إذ قام أعرابيّ فصاح: 'وامظلمتاه'، فاستدناه علي عليه السلام، فلمّا دنى |منه| قال له: إنّما لك مظلمة واحدة، و أنا قد ظُلمت عدد المدر والوبر.
قال: و في رواية عبّادبن يعقوب أنّه دعاه فقال له:ويحك و أنا واللَّه مظلوم أيضاً هات فلندع على من ظلمنا.
و أيضاً قال ابن أبي الحديد: و روى جابر الجعفي عن محمّد بن علي عليهماالسلام قال: قال علي عليه السلام: ما رأيت منذ بعث اللَّه محمّداً صلى اللَّه عليه و آله رخاءً، لقد أخافتني قريش صغيراً و أنصبتني كبيراً حتّى قبض اللَّه رسوله فكانت الطامّة الكبرى اللَّه المستعان على ما تصفون.
و انظر ما بعده و ماقبله ففيها شواهد كثيرة.] واللَّه المستعان'.
344- و لم يزل البلايا كانت ملازمة له، و روي |عنه عليه السلام| أنّه قال: 'بليت بأربعة: بليت بأسخى النّاس- يريد معاوية- و أدهى النّاس- يريد عمرو بن العاص- و أشجع النّاس- يريد الزبير بن العوّام- و أطوع النّاس- يريد عائشة-'.
[والحديث تقدّم على وجه آخر في عنوان 'و أمّا الإبتلاء'- و هي الجهة الأولى من جهات التشابه بين سليمان النبي و علي عليهماالسلام- من هذا المجلّد ص 39 ط 1.] و لذلك قال اللَّه تعالى: 'و جزاهم بما صبروا جنّةً و حريراً' |12: الدهر: 76|.
اما خروج الجميع عليه
و كذلك ابتلي |عليه السلام| بخروج الجميع عليه من بين صاحب و رفيق، و أخ شقيق، و ابن عمّ شفيق، حتّى أنّ أخاه عقيل بن أبي طالب تركه و صار إلى معاوية
[و ليحقّق ذلك؛ فإنّ المستفاد من بعض الأخبار أنّ لحوق عقيل بمعاوية كان بعد وفاة أميرالمؤمنين عليه السلام.] و ذلك ليكمل له المحنة، فيكمل له المِنْحَة.
[المنحة- بفتح النون و كسرها-: العطيّة، والجمع المِنَح.]
345- ذكر أنّ معاوية بن أبي سفيان جلس ذات يوم في مجلس يتنزّه فيه، و حضره جلساؤه من العرب و فيهم عمرو بن العاص، إذ دخل عليه عقيل بن أبي طالب و كان فيه بعض الهوج، فقال معاوية لبعض أصحابه: ألا أضحككم من عقيل؟! قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين. فقال عمرو بن العاص: لا تفعل و أطعني و احذر الجواب. فلم يكترث |معاوية| لكلامه "529"، فلمّا دنا عقيل منه و سلّم عليه، قال معاوية: 'أهلاً و سهلاً و مرحباً بأبي يزيد، مرحباً بمن عمّه أبولهب'.
فقال عقيل: 'أهلاً و سهلاً بمن عمّته أمّ لهب حمّالة الحطب'. و كانت امرأة أبي لهب فنكس معاوية رأسه طويلاً ثمّ رفع رأسه فقال: يا أبايزيد أين ترى |مقام| عمّك أبي لهب من النّار؟ قال |عقيل|: إذا دخلت النّار فخذ على يسارك فثمّ تجده مفرشاً عمّتك فانظر النائك أفضل أم المنيك؟! ثمّ نفض رداءه و قام؟!
فقال عمرو بن العاص |لمعاوية|: أردت أن تضحك أصحابك منه، فأضحكتهم من نفسك، أما واللَّه لقد نهيتك وحذّرتك الجواب لو أطعتني.
346- و حكي أنّ عقيل بن أبي طالب ترك عليّاً و صار إلى معاوية، فقال معاوية: 'يا أهل الشام ماظنّكم برجل لم يصلح لأخيه'؟! قال عقيل: 'ياأهل الشام إنّ أخي خير لنفسه و شرّ لي |في دنياي|، و إنّ معاوية شرّ لنفسه و خير لي!' حكى ذلك الأصمعي.
و من بلايا المرتضى رضوان اللَّه عليه رجوع عبداللَّه بن عبّاس ابن عمّه عنه مع مال البصرة حتّى كتب المرتضى إليه:
'أمّا بعد فإنّي كنت أشركتك في أمانتي و لم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي فلمّا رأيت الزمان على ابن عمّك "530" قد كلب، والعدوّ قد حرب، قلّبت لابن عمّك ظهرالمجنّ، |وفارقته| مع المفارقين، و خذلته مع الخاذلين
[هذا هو الظاهر الموافق للمختار: "41" من الباب الثاني من نهج البلاغة؛ والحديث بعد الحديث: "200" من ترجمة أميرالمؤمنين عليه السلام من أنساب الأشراف: ج 1؛ ص 333؛ و في ط 1؛ ج 2 ص 174، و في أصلي المخطوط من زين الفتى:'قلّبت لابن عمّك ظهر المجنّ مع المفارقين و خذلانه مع الخاذلين...".
و في الحديث: "30" من غريب حديث أميرالمؤمنين من كتاب غريب الحديث: 'بفراقه مع المفارقين و خذلانه'. و للكلام مصادر ذكرنا كثيراً منها في ذيل المختار: "168" من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5 ص. 33.] و
اختطفت ما قدرت عليه من أموال الأمّة اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى'!!! ومن هذا الكتاب:
'ضحّ رُوَيداً فكأن قد بلغت المَدى، و عرضت عليك أعمالك بالمحلّ الّذي |فيه| ينادي المغترّ بالحسرة
[هذا هو الصواب؛ و في أصلي "بالمحلّ الذي ينادي المعزّ بالحسرة...".
وضحّ رُوَيْداً أي تأنّ بنفسك قليلاً و لا تعجل إلى قضاء شهواتها.] و يتمنّى المضيّع التوبة، والظالم الرجعة'.
[والكلام رواه أيضاً ابن قتيبة في الحديث: ".3" من غريب كلم أميرالمؤمنين عليه السلام من كتاب غريب الحديث: ج 1؛ ص 368. و أيضاً يجد الباحث للكلام مصادر كثيرة ذكرنا بعضها في ذيل المختار: "168" من باب الكتب من نهج السعادة: ج 5 ص 330 ط 1.]
|قال العاصميى: ينبغي لنا| تفسير غريب هذا الحديث: قوله |عليه السلام|: 'كلب' أي اشتدّ، و أعراه الكلب؟ و هو جنون يعري الكلاب، فمن عقره كلب و به ذلك الداء قتله، |و| يقال: كلب كلب.
و قوله |عليه السلام|: 'حرب' أي غضب، يقال: حرب الرجل حرباً أي غضب، و حربته أنا أغضبته.
و قوله |عليه السلام|: 'قلّبت ظهر المجنّ لابن عمّك' هذا مثل لمن كان لصاحبه على مودّه ثمّ حال عن ذلك.
و قوله |عليه السلام|: 'اختطاف الذئب الأزل دامية المعزي' إنّما خصّ الدامية دون غيرها لأنّ في طبع الذئب محبّة الدم، فهو يؤثر الدامية على غيرها و يبلغ به طبعه في ذلك أنّه يرى الذئب مثله و قد دُمي فيثب |عليه| ليأكله، و من ذلك قول الشاعر:
وكنت كذئب السوء لما رأى دماً
بصاحبه يوماً أحال على الدم
بصاحبه يوماً أحال على الدم
بصاحبه يوماً أحال على الدم
و قوله |عليه السلام|: 'ضحّ رويداً' هذا مثل "531" و هو كما تقول: اصبر قليلاً، و أصله من تضحية الإبل و هو تغديتها، يقال: ضحيتها إذا غديتها، و قال زيد الخيل:
فلو أنّ نصراً أصلحت ذات بينها
لضحت رُوَيداً عن مظالمها عمرو
لضحت رُوَيداً عن مظالمها عمرو
لضحت رُوَيداً عن مظالمها عمرو