مقتطفات جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مقتطفات - جلد 1

عیدروس ابن رویش

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


حلمه وشفقته


وأمّا حلمه وشفقته على النّاس، فماذا يقال لمن كان حلمه مبذوذ حتّى على مقاتليه؟ ويأمن من غضبه خدامه ومواليه، ويحسن إلى من يتكلّم بما ليس فيه، ويجزي خيراً من ينال منه ويقع فيه، ويسكت عمّن يسبّه ويعاتبه مع قدرته فيه، حتّى قال أحد من أمن من اساءته ومساويه:

آمنني منه ومن خوفه++

خيفته من خشية الباري

وقال أبو نواس:

قد كنت خفتك ثمّ آمنني++

من أن أخافك خوفك اللاّها

وروى ابن شهر آشوب نقلاً عن مختار التّمار: أنـّه "عليه السلام" دعا غلاماً له مراراً فلم يجبه، فخرج فوجده على باب البيت، فقال له: ما حملك على ترك إجابتي؟ قال: كسلت عن إجابتك وأمنت من عقوبتك، فقال "عليه السلام": الحمد للّه الذي جعلني ممّن تأمنه خلقه، إمض فأنت حرّ لوجه اللّه.

وفيه أيضاً عن أبي مطر البصري: أنّ أمير المؤمنين مرّ بأصحاب التّمر، فإذا هو بجارية تبكي، فقال: يا جارية ما يبكيك؟ فقالت: بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمراً فأتيتهم به، فلم يرضوه، فلمّا أتيت به إلى صاحبه أبى أن يقبله، فقال "عليه السلام" للتمّار: يا عبداللّه انـّها خادم وليس لها أمر، فاردد إليها درهمها وخذ التّمر، فقام إليه الرّجل فلكزه، فقال النّاس: هذا أمير المؤمنين، فربا الرّجل واصفرّ، وأخذ التمر وردّ إليها درهمها، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين إرض عنّي. فقال "عليه السلام": وما أرضاني عنك إن اصلحت اَمرك.

وفي رواية الإمام أحمد: وما أرضاني إذا وفيت النّاس حقوقهم.

وأمّا ما جاء في بعض إحسانه إلى من تكلّم فيه، فقد روى في نفس المصدر: أنـّه جاءه أبو هريرة، وكان يتكلّم فيه وأسمعه في اليوم الماضي، ثمّ سأله حوائجه فقضاها "عليه السلام" ، فعاتبه أصحابه على ذلك، فقال "عليه السلام": إنّي لأستحيي أن يغلب جهله علمي، وذنبه عفوي، ومسألته جودي.

ومن كلامه: إلى كم أغضي الجفون على القذى، وأسحب ذيلاً على الأذى، وأقول لعلّ وعسى؟

وأمّا ما ورد في حلمه على بعض معاتبيه وسبّابه، فقد روى صاحب العقد الفريد، و نزهة الابصار: أنـّه قال قنبر: دخلت مع أمير المؤمنين على عثمان، فأحبّ الخلوة، فاومى إليّ بالتّنحّي، فتنحّيت غير بعيد، فجعل عثمان يعاتبه وهو مطرق رأسه، وأقبل إليه عثمان فقال: ما لك لا تقول؟ فقال "عليه السلام": ليس جوابك إلاّ ما تكره، وليس لك عندي إلاّ ما تحب، ثمّ خرج قائلاً:

ولو أنـّني جاوبته لأمَضّه++

نواقد قولي واحتضار جوابي

ولكنّني اُغضي على مضض الحشا++

ولو شئت إقداماً لأنشب نابي

وأمّا سعة عفوه عن مقاتليه ومعاديه: لمّا أسر مالك الاشتر يوم الجمل مروان بن الحكم ما زاد على أن عاتبه فاطلق سراحه.

وقالت عائشة له يوم الجمل: ملكت فاسجح

___________________________________

أي: قدرت فسهّل وأحسن العفو.، فجهّزها "عليه السلام" أحسن الجهاز، وبعث معها بتسعين امرأةً أو سبعين.

واستأمنت عائشة لعبداللّه بن الزّبير على لسان محمّد بن أبي بكر فآمنه، وآمن معه سائر النّاس.

وجيء بموسى بن طلحة بن عبداللّه، فقال له: قل أستغفر اللّه وأتوب إليه ثلاث مرّات، فخلّى سبيله، وقال: إذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه، واتّق اللّه فيما تستقبله من أمرك، واجلس في بيتك.

وروى ابن بطّة باسناده عن عرفجة، عن أبيه، قالا: لمّا قتل عليّ أصحاب النّهر، جاء بما كان في عسكرهم، فمن كان يعرف شيئاً أخذه، حتّى بقيت قِدر، ثمّ رأيتها بعد قد اُخذت.

وعنه أيضاً وأبي داود السّجستاني، عن محمّد بن إسحاق، عن أبي جعفر "عليه السلام" ، قال: كان عليّ "عليه السلام" إذا أخذ أسيراً في حروب الشّام، أخذ سلاحه ودابّته، واستحلفه أن لا يعين عليه.

وروى الطّبري: أنـّه لمّا ضرب عليّ طلحة العبدريّ بركه، فكبّر رسول اللّه وقال لعلي: ما منعك أن تجهز عليه؟ فقال "عليه السلام": إنّ ابن عمّي ناشدني اللّه والرّحم حين انكشفت عورته فاستحييته. ولما أدرك عمرو بن عبد ودٍّ لم يضربه، فوقعوا في عليّ "عليه السلام" ، فردّ عنه حذيفة، فقال النبي "صلى الله عليه وآله": مه يا حذيفة، فإنّ عليّاً سيذكر سبب وقفته، ثمّ انـّه "عليه السلام" ضربه، فلمّا جاء سأله النبيّ عن ذلك، فقال: قد شتم اُمّي وتفل في وجهي، فخشيت أن أضربه لحظّ نفسي، فتركته حتّى سكن ما بي، ثمّ قتلته في اللّه.

وأنـّه "عليه السلام" لمّا امتنع من البيعة جرى من الأسباب ما هو معروف، فاحتمل وصبر.

وروي أنـّه لمّا طالبوه بالبيعة، قيل له: بايع، قال "عليه السلام": فإن لم أفعل فمه؟ قال عمر: واللّه الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك، قال: فالتفت عليّ إلى القبر، فقال: يابن اُمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.

وروى الجاحظ في البيان والتّبيين: أنّ أوّل خطبة خطبها أمير المؤمنين قوله: قد مضت اُمور لم تكونوا فيها بمحمودي الرّأي، أما لو أشاء اَن أقول لقلت، ولكن عفا اللّه عمّا سلف، سبق الرّجلان وقام الثّالث كالغراب، همّته بطنه، يا ويله لو قصّ جناحه وقطع رأسه لكان خيراً له.

وقد روى الكافّة عنه أنـّه قال: اللهمّ إنّي أستعديك على قريش، فإنّهم ظلموني في الحجر والمدر.

وروى إبراهيم الثّقفي، عن عثمان بن أبي شيبة، والفضل بن دكين بإسنادهما، قال عليّ: مازلت مظلوماً منذ قبض اللّه نبيّه إلى يومي هذا.

وروى إبراهيم بإسناده عن المسيّب بن نجيّة، قال: بينما عليّ يخطب إذ قال أعرابيّ: وامظلمتاه، فقال "عليه السلام": اُدن، فدنا، فقال: لقد ظلمت عدد المدر والمطر والوبر.

وروى أبو نعيم، عن الفضل بن دكين بإسناده، عن حريث، قال: إنّ عليّاً لم يقم مرّةً على المنبر إلاّ قال في آخر كلامه قبل أن ينزل: مازلت مظلوماً منذ قبض اللّه نبيّه.

وكان "عليه السلام" بشره دائم، وثغره باسم، غيث لمن رغب، وغياث لمن وهب، مآل الآمل، وثمال الأرامل، يتعطّف على رعيّته، ويتصرّف على مشيته، ويكلأه بحجّته، ويكفيه بمهجته.

ونظر عليّ "عليه السلام" إلى امرأة على كتفها قربة ماء، فأخذ منها القربة، فحملها إلى موضعها، وسألها عن حالها، فقالت: بعث عليّ بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثّغور فقتل، وترك عليَّ صبياناً يتامى، وليس عندي شيء، فقد ألجأتني الضّرورة إلى خدمة النّاس.

فانصرف "عليه السلام" وبات ليلته قلقاً، فلمّا أصبح حمل زنبيلاً فيه طعام، فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك، فقال "عليه السلام": من يحمل وزري عنّي يوم القيامة، فأتى وقرع الباب، فقالت من هذا؟ قال: أنا ذلك العبد الّذي حمل معك القربة، فافتحي، فإنّ معي شيئاً للصّبيان، فقالت: رضي اللّه عنك، وحكّم بيني وبين علي بن أبي طالب.

فدخل "عليه السلام" وقال: إنّي أحببت اكتساب الثّواب، فاختاري بين أن تعجني وتخبزي وبين أن تعلّلي الصّبيان لاَخبز أنا، فقالت: أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر، ولكن شأنك والصّبيان، فعلّلهم حتّى أفرغ من الخبز، فعمدت الى الدّقيق فعجنته، وعمد عليّ إلى اللحم فطبخه، فجعل "عليه السلام" يلقم الصّبيان من اللحم والتّمر وغيره، فكلّما ناول صبياً من الصّبيان من ذلك شيئاً قال له: يا بنيّ إجعل علي بن أبي طالب في حلٍّ ممّا مرّ في أمرك.

فلمّا اختمر العجين، قالت المرأة يا عبداللّه سجّر التّنّور فبادر لسجره، فلمّا أشعله ولفح في وجهه جعل يقول: ذق يا عليّ هذا جزاء من ضيّع الأرامل واليتامى، فرأته إمرأة تعرفه، فقالت: ويحكِ هذا أمير المؤمنين، فبادرت المرأة وهي تقول: يا حيائي منك يا أمير المؤمنين، فقال "عليه السلام": بل وحيائي منكِ يا أمة اللّه فيما قصّرت في أمركِ.

قال الناشي:

يا هالكاً هلك الرّشاد بهلكه++

فلقد يئسنا بعده أن يوجدا

هتكت جيوب الصالحات فيابها++

أضحى لاجلك مذ نأيت مسوّدا

راجع: مناقب ابن شهرآشوب |2: 112 ـ 116 ط ايران|.

اقربيّته إلى النّبي


قال عزّ وجلّ وهو أصدق القائلين: "واُولو الأَرحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض"|الأنفال: 75|.

لعلّ البصير المتحرّر من قيد التّقليد المحض، والعصبيّة العمياء، يرى بنور فهمه وجلاء إنصافه، بأنّ هذه الآية الشّريفة قد أثبتت ولاية عليّ بعد النّبيّ "صلى الله عليه وآله" ، لوجود أولويّته به من وجوه، دون غيره من ذوي رحمه فضلاً عن غيرهم.

وذلك لأنـّه كان "عليه السلام" أخا النبيّ "صلى الله عليه وآله" في الدّنيا والآخرة، كما ثبت ذلك بحديث المؤاخاة، بل كان نفسه "عليه السلام" ، نفس النبيّ، وإبناه الحسن والحسين إبني النّبيّ'ص' حكماً وشرعاً، كما ثبت بنصٍّ من الكتاب في آية المباهلة، وهو قوله تعالى: "فَقُلْ تعالوا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ"|آل عمران: 61|واتّفق على ذلك جمع من أعلام المفسرّين.

فلذلك قال عليّ في ابنه محمّد بن الحنفيّة: ابني. وقال في الحسنين: ابنا رسول اللّه "صلى الله عليه وآله". وكان "عليه السلام" أيضاً وارث علمه "صلى الله عليه وآله" ، كما شهدت بذلك الأحاديث المتواترة، أسلفنا ذكرها في مجلّدنا الأوّل من مقتطفاتنا.

وكان "عليه السلام" هو الحائز لميراثه، وسلاحه، ومتاعه، وبغلته الشّهباء، وجميع ما تركه النّبيّ "صلى الله عليه وآله" ، وكان "عليه السلام" أيضاً وارث كتابه، والجامع له وكاتبه، كما علمنا فيما مرّ من هذه السطور، فاتّفق إذن حالاً ومعنىً مع قوله تعالى: "ثُمَّ أوْرَثْنَا الْكِتَابَ الذِيْنَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا" |فاطر: 32| والكتاب في هذه الآية هو: القرآن.

ونحن لا نشكّ ولا يشكّ عالم عاقل منصف مستقيم أنـّه "عليه السلام" كان من المصطفين الأخيار، وأحد من قال فيهم اللّه: "الذِيْنَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا" لأنّ اللّه عزّ وجلّ فيما أخبرنا به النبيّ "صلى الله عليه وآله" اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى هاشماً من قريش، فكان "عليه السلام" من الذين هم في الصّفوة الصّفوة، ولم يكن المشائخ المتقدّمون عليه بالخلافة منهم.

ولهذا قال عليّ فيما رواه ابن أبي الحديد في شرح النّهج: لمّا قيل له: إنّك يا ابن أبي طالب على هذا الأمر لحريص، فقلت: بل أنتم واللّه أحرص وأبعد، وأنا أخصّ وأقرب، وإنّما طلبت حقّاً لي، وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه. ثمّ قال "عليه السلام": فلمّا قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين بهت لا يدري ما يجيبني.

ثمّ إنّه كان "عليه السلام" هاشميّ من هاشميّين، ولم يكن في زمانه غيره وغير أخويه وغير ابنيه، ثمّ انـّه "عليه السلام" ختن النّبيّ زوج سيّدة نساء العالمين، وابناه سيّدا شباب أهل الجنّة، وعمّه حمزة سيّد الشّهداء، وأخوه جعفر انسيّ ملكيّ سيّد طيور الجنّة يطير مع الملائكة، وأبوه شيخ الأبطح وسيّدها، حامي رسول اللّه، وجدّه رئيس مكّة، وجدّ أبيه هاشم سيّد العرب، وصهرته أمّ المؤمنين خديجة، وهي أوّل من أسلمت وصلّت وأنفقت على رسول اللّه، فأغناه اللّه بمالها. وفي ذلك قال اللّه تعالى: "ووجدك عَائِلاً فَأغْنَى" |الضحى: 8|. ومنها نسل النّبيّ "صلى الله عليه وآله".

قال ابن شهرآشوب في مناقبه |2: 19 ط النجف و 2: 170 ط ايران|: وروى الثقات عن النّبيّ "صلى الله عليه وآله" أنـّه قال: يا علي، لك أشياء ليست لي منها: أنّ لك زوجةً مثل فاطمة وليس لي مثلها، ولك ولدين من صلبك وليس لي مثلهما من صلبي، ولك مثل خديجة اُمّ أهلك وليس لي مثلها حماة.

وقال عليّ "عليه السلام" مستدلاًّ في أقربيّته إلى الرّسول فيما ذكره ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: وقد علمتم موضعي من رسول اللّه بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد يضمّني إلى صدره، ويلفّني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه، وكان يمضغ الشّيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبةً في قول، ولا خطلةً في فعل، ولقد قارن اللّه به "صلى الله عليه وآله" من لدن كان فطيماً أعظم ملكاً من ملائكة، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتـّبعه اتّباع الفصيل اِثر اُمّه، يرفع لي كلّ يوم علماً من أخلاقه، ويأمرني بالاقتداء به. المناقب |2: 180|.

ومن خطبته القاصعة: ولم يجمع بيت في الاسلام غير رسول اللّه وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرّسالة، وأشمّ روح النُبوّة، ولقد سمعت رنّة الشّيطان حين نزل الوحي عليه، فمن استقى عروقه من منبع النّبوّة، ورضعت شجرته ثدي الرّسالة، وتهدّلت أغصانه من نبعة الإمامة، ونشأ في دار الوحي، وربّي في بيت التّنزيل، ولم يفارق النّبيّ في حال حياته إلى حال وفاته، لا يقاس بسائر. المناقب |2: 018|.

قال ابن شهرآشوب: وإذا كان "عليه السلام" في أكرم أرومة، وأطيب مغرس، والعرق الصّالح ينمي، والشّهاب الثّاقب يسري، وتعليم الرّسول ناجع، ولم يكن الرّسول "صلى الله عليه وآله" يتولّى تأديبه ويتضمّن حضانته وحسن تربيته إلاّ على ضربين: إمّا على التّفرّس فيه، أو بالوحي من اللّه تعالى، فإن كان بالتّفرّس فلا تخطىء فراسته، ولا يخيب ظنّه، وإن كان بالوحي، فلا منزلة أعلى، ولا حال أدلّ على الفضيلة والإمامة منه. المناقب |2: 018| وليس في العقل والشّرع تبعيد القريب وتقريب البعيد إلاّ للكفر وللفسق.

ولذلك قال "عليه السلام" في خطبة له: ما لنا ولقريش؟ وما تنكر منّا قريش؟ غير أنـّا أهل بيت شيّد اللّه فوق بنيانهم بنياننا، وأعلى اللّه فوق رؤوسهم رؤوسنا، واختارنا اللّه عليهم، فنقموا عليه أن اختارنا عليهم، وسخطوا ما رضي اللّه، وأحبّوا ما كره اللّه، فلمّا اختارنا عليهم شركناهم في حريمنا، وعرّفناهم الكتاب والسنّة، وعلّمناهم الفرائض والسّنن، وحفظناهم الصّدق واللين وديّنّاهم الدّين والاسلام، فوثبوا علينا، وجحدوا فضلنا، ومنعونا حقّنا، والتوَوْنا أسباب أعمالنا وأعلامنا.

اللهمّ فإنّي أستعديك على قريش، فخذ لي بحقّي منها، ولا تدع مظلمتي لها، وطالبهم يا ربّ بحقّي فإنّك الحكم العدل، فإنّ قريشاً قد صغّرت قدري، واستحلّت المحارم منّي، واستخفّت بعرضي وعشيرتي، وقهرتني على ميراثي من ابن عمّي، وأغروا بي أعدائي، ووتروا بيني وبين العرب والعجم، وسلبوني ما مهّدت لنفسي من لدن صباي بجهدي وكدّي، ومنعوني ما خلّفه أخي وحميمي وشقيقي، وقالوا: إنّك لحريص متّهم.

أليس بنا اهتدوا من متاه الكفر، ومن عمْي الضّلالة، وغيّ الظّلماء؟ أليس أنقذتهم من الفتنة الظّلماء، والمحنة العمياء؟ ويْلَهم ألمْ أخلّصهم من نيران الطّغاة وكره العتاة وسيوف البغاة، ووطأة الأسد، ومقارعة الصّمّاء، ومجادلة القماقمة، الّذين كانوا عجم العرب، وغنم الحرب، وقطب الأقدام وجبال القتال، وسهام الخطوب، وسلّ السّيوف؟ اليس بي تسنّموا الشّرف، ونالوا الحقّ والنّصف؟

ألست آية نُبوّة محمّد ودليل رسالته، وعلامة رضاه وسخطه؟ الذي كان يقطع الدّرع الدّلاص، ويصطلم الرّجال الحراص، وبي كان يبرئ جماجم البهم وهام الأبطال، إلى أن فزعت تيم إلى الفرار، وعدي الى الانتكاص.

أما إنـّي لو أسلمت قريشاً للمنايا والحتوف، وتركتها لحصدتها سيوف الغواة، ووطأتها الأعاجم، وكرّات الأعادي، وحملات الأعالي، وطحنتهم سنابك الصّافنات، وحوافر الصّاهلات، في مواقف الازل والزّلزال، في طلاب الأعنّة، وبريق الاسنّة ما بقوا لهضمي، ولا عاشوا لظلمي، ولما قالوا إنّك لحريص متّهم.

ثمّ قال بعد كلام: سبقني إليها التّيميّ والعدوي، كسباق الفرس، احتيالاً واغتيالاً وغيلة.

ثمّ قال بعد كلام: يا معشر المهاجرين والأنصار، أين كانت سبقة تيم وعديّ إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة؟ ألا كانت يوم الأبواء، إذ تكاثفت الصّفوف، وتكاثرت الحتوف، وتقارعت السّيوف؟ أم هلاّ خشيا فتنة الإسلام يوم ابن عبد ود، وقد نفح بسيفه، وشمخ بأنفه، وطمح بطرفه؟ ولمَ لمْ يشفقا على الدّين وأهله يوم بواط؟ إذ اسودّ لون الاُفق، واعوجّ عظم العنق، وانحلّ سيل الغرق.

ولمَ لمْ يشفقا يوم رضوى؟ إذ السّهام تطير، والمنايا تسير، والأُسد تزأر، وهلاّ بادرا يوم العشيرة؟ إذ الأسنان تصتك، والآذان تستك، والدّروع تهتك. وهلاّ كانت مبادرتهما يوم بدر؟ إذ الأرواح في الصّعداء ترتقي، والجياد بالصّناديد ترتدي، والأرض من دماء الأبطال ترتوي.

ولمَ لمْ يشفقا على الدّين يوم بدر الثّانية؟ والدّعاس ترعب، والأدواج تشخب، والصّدور تخضب، وهلاّ بادرا يوم ذات الّليوث؟ وقد اُبيح التّولب، واصطلم الشّوقب، وأدلهمّ الكوكب، ولم لا كانت شفقتهما على الاسلام يوم الأكدر؟ والعيون تدمع، والمنيّة تلمع، والصّفائح تنزع، ثمّ عدّد وقائع النّبيّ وقرعهما بأنـّهما في هذه المواقف كلّها كانا مع النّظّارة.

ثمّ قال: ما هذه الدّهماء والدّهياء الّتي وردت علينا من قريش، أنا صاحب هذه المشاهد، وأبو هذه المواقف، وأين هذه الأفعال الحميدة؟ إلى آخر الخطبة. المناقب |2: 201 ـ 203|.

وفي نهج البلاغة |الخطبة: 217|: اللّهمّ إنّي أستعديك على قريش ومن أعانهم، فإنّهم قطعوا رحمي، وأكفؤوا إنائي، وأجمعوا منازعتي حقّاً، وكنت أولى به من غيري، وقالوا: ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه، وفي الحقّ أن تمنعه، فاصبر مغموماً، أو مت متأسّفاً، فنظرت فإذا ليس لي رافد، ولا ذابّ، ولا مساعد إلاّ أهل بيتي، فضننت بهم على المنيّه، فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشّجى، وصبرت على الأذى، وطبت نفسي على كظم الغيظ، وما هو أمرّ من العلقم، وألمّ من حرّ الشّفار.

ومن خطبته: الشّقشقيّة أو المقمّصة. |الخطبة: 3|:

أما واللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وانـّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى، ينحدر عنّي السّيل، ولا يرقى اليّ الطّير، فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً، وطفقت ارتئي بين أن أصول بيد جذّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصّغير، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه، فرأيت أنّ الصّبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً، حتّى مضى الأوّل لسبيله، فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعد.

فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشدّ ما تشطّر لضرعيها، فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصّعبة، إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحّم.

فمني النّاس لعمر اللّه بخبط وشماس، وتلوّن واعتراض، فصبرت على طول المدّة، وشدّة المحنة، حتّى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنـّي أحدهم.

فياللّه وللشورى، متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم، حتّى صرت اُقرن إلى هذه النّظائر؟ لكنّي أسففت إذ أسفّوا، وطرت إذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن، إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضمة الإبل نبتة الرّبيع، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته.

فما راعني إلاّ والنّاس كعرف الضّبع إليّ، ينثالون عليَّ من كلّ جانب، حتّى لقد وطئ الحسنان، وشقّ عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم، فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت اُخرى، وقسط آخرون، كأنـّهم لم يسمعوا كلام اللّه حيث يقول: "تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِيْنَ لاَ يُريدُوْنَ عُلُوّاً في الاَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين".

بلى واللّه لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدّنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها، أما والذي فقل الحبّة وبرأ النّسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود النّاصر، وما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم، وسغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز.

فنووِلَ كتاباً، فجعل يقرأ، فلمّا فرغ من قراءته، قال ابن عبّاس: يا أمير المؤمنين لو اطّردت مقالتك من حيث أفضيت، فقال: هيهات يا ابن عبّاس، تلك شقشقة هدرت ثمّ قرّت.

ودخلت اُمّ سلمة على فاطمة "عليها السلام" ، فقالت لها: كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول اللّه؟

قالت: أصبحت بين كمد وكرب، فقد النّبيّ "صلى الله عليه وآله" ، وظلم الوصيّ، هتك واللّه حجبه، أصبحت إمامته مقتصّةً على غير ما شرع اللّه في التّنزيل، وسنّها النّبيّ في التّأويل، ولكنّها أحقاد بدريّة، وترات اُحديّة، كانت عليها قلوب النّفاق مكتمنة لإمكان الوشاة، فلمّا استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الاثار من مخيلة الشّقاق، فيقطع وتر الإيمان من قسي صدروها، وليس على ما وعد اللّه من حفظ الرّسالة وكفالة المؤمنين، أحرزوا عائدتهم غرور الدّنيا بعد انتصار، ممّن فتك بآبائهم في مواطن الكروب ومنازل الشّهادات.

وقالت "عليها السلام" لمّا تكلّمت مع الأولّ: معاشر المسلّمة المسرّعة إلى قبل الباطل، المغضية إلى الفعل الخاسر، أفلا تتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟ كلاّ بل ران على قلوبكم بتتابع سيّئاتكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأوّلتم وساء ما به أشرتم، وشرّما منه اعتصمتم، لتجدنّ واللّه محلّها ثقيلاً، وغيّها وبيلاً، إذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراءه الضّرّاء، وبدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون.

ومن ذلك لمّا انصرفت من عند أبي بكر، أقبلت على أمير المؤمنين "عليه السلام" ، فقالت له: يابن أبي طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظّنين، نقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة قد ابتزّني نحلة أبي وبلغة ابني، واللّه لقد أجهد في ظلامتي، وألدّ في خصامي، حتّى منعتني القيلة نصرها، والمهاجرة وصلها، وغضّت الجماعة دوني طرفها، فلا مانع ولا دافع، خرجت واللّه كاظمة، وعدت راغمة، ولا خيار لي، ليتني متّ قبل ذلّتي، وتوفّيت دون منيتي، عذيري فيك حامياً، ومنك داعياً، وبلائي في كلّ شارق، ويلاه مات العمد، ووهن العضد، شكواي إلى ربّي، وعدواي إلى أبي، اللّهمّ أنت أشدّ قوّة.

فأجابها أمير المؤمنين بقوله: لا ويل لكِ بل الويل لشانئك، نهْنهي عن وجدكِ يا بنت الصّفوة، وبقيّة النُبوّة، ما ونيت في ديني، ولا أخطأت مقدوري، فإن كنت تريدين البلغة فرزقكِ مضمون، وكفيلكِ مأمون، وما أعدّ لكِ خير ممّا قطع عنكِ، فاحتسبي.

فقالت: حسبي اللّه ونعم الوكيل.

ولها "عليها السلام" ترثي أباها:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة++

لو كنت حاضرها لم تكثر الخطب

انّا فقدناك فقد الأرض وابلها++

فاختلّ قومك فاشهدهم فقد نكبوا

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم++

لمّا فقدت وكلّ الإرث قد غصبوا

وكلّ قوم لهم قربى ومنزلة++

عند الإله وللأدنين مقترب

تجهّمتنا رجال واستخفّ بنا++

جهراً وقد أدركونا بالّذي طلبوا

سيعلم المتولّي ظلم خاصتنا++

يوم القيامة عنّا كيف ينقلب

وقال الناشي:

ولم يوم خيبر لم يثبتوا++

صحابة أحمد واستركبوكا

فلاقيت مرحبَ والعنكبوت++

واُسداً يحامون إذ واجهوكا

فدكدكت حصنهم قاهراً++

وطوّحت بالباب إذ حاجزوكا

ولم يحضروا بحنين وقد++

صككت بنفسك جيشاً صكوكا

فأنت المقدّم في كلّ ذاك++

فللّه درّك لِمْ أخّروكا

راجع: مناقب ابن شهرآشوب |2: 204 ـ 209|.

/ 122