مقتطفات جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مقتطفات - جلد 1

عیدروس ابن رویش

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


المنازعات والاختلافات الفريقيّة


وما زال كلّ واحد من أرباب المذاهب يتغالون في إمامهم، ويتعصّبون كلّ منهم لمذهبهم، فيتنافسون في اختلاف المناقب والفضائل غلوّاً في إمامهم، حتّى أدّت بهم المنافسة إلى المطاعنة فيما بينهم البين، ثمّ انتهت بهم إلى العداء والمقاتلة التي تطرّقت إلى المعارك الهائلة، التي ذهبت فيها نفوس كثيرة، وهلكت أموال وفيرة للمسلمين، كما أخبرنا بذلك الاُستاذ الكبير البحّاث أسد حيدر في كتابه الإمام جعفر الصادق والمذاهب الأربعة |1: 191|.

منها: ما وقع في مرو من النزاع من أهل المذاهب، حتّى كانت الحنفيّة تلعن الحنابلة والشافعيّة على المنابر، وكانت الحنابلة يحرقون مسجداً للشافعيّة.

ووقعت في نيسابور سنة "554" هـ فتنة هائلة للخلاف بين الشافعيّة والحنفيّة، حتّى ذهب تحت هياجها خلق كثير، فحُرقت الأسواق والمدارس، وكثر القتل في الشافعيّة، فانتصروا بعد ذلك على الحنفيّة، وكانوا يسرفون في أخذ الثأر منهم.

ووقعت في اصفهان سنة "716" هـ منازعة بين الشافعيّة والحنابلة، نشأت من التعصّب المذهبي، حتّى كثر القتلى، وحُرقت المساكن والأسواق. وذكر ذلك أيضاً ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية |14: 76| وفي مرآة الجنان |3: 343|.

وكانت الحنابلة في دمشق سنة "323" هـ يستظهرون بالعميان على الشافعيّة الذين كانوا يأوون للمساجد، فإذا مرّ بهم شافعيّ المذهب اغروا به العميان، فيضربونه بعصيّهم، وكان رئيس الحنابلة وزعيمهم الديني الشيخ البربهاري يتولى اثارة الفتنة. راجع 'تاريخ ابن الاثير' |8: 239|.

وقد اجتعمت بقية المذاهب على الحنابلة غضباً من أعمال ابن تيمية، ونودي في دمشق وغيرها: من كان على دين ابن تيمية حلّ ماله ودمه ـ يعني أنـّهم كفرة ـ.

وقال الشيخ أبو الحاتم الحنبلي، كما في تذكرة الحفّاظ |3: 275|: من لم يكن حنبليّاً فليس بمسلم.

وفي شذرات الذهب |3: 253|: كان الشيخ عبدالغني المقدسي الحنبلي المتوفى سنة "600" هـ قد لقي من التحامل عليه والتكفير له وللحنابلة بدمشق، ووقع الشيء الكثير حتّى هجر دمشق.

وقد بلغ من فرط تعصّبهم أنهم ذهبوا إلى أشياء بعيدة من الدين، كما ذهب إليها الكيدانيّ وغيره من الحنفيّة من منع اقتداء بعض المذاهب بالبعض الآخر، وكسّر بعضهم سبابة مصلّ في التشهّد؛ لأن ذلك محرّم عندهم. راجع: الوحدة الاسلاميّة |ص 145 ـ 146| والإمام الصادق |1: 170|.

وكان سلطان محمود سنة "408" هجرية قد قتل جماعة ونفى آخرين من المعتزلة والشيعة وأمر بلعنهم على المنابر.

وكا في سنة "403" قد صدر مرسوم من البلاط العبّاسي يتضمّن القدح في نسب العلويين خلفاء مصر، وانـّهم ليسوا من أبناء علي "رضي الله عنه". راجع: الامام الصادق |1: 313| وشذرات الذهب |2: 186|.

وكانت الحنابلة كما في طبقات الشافعيّة |3: 109| قد تعصّبوا على شيخ الشافعيّة، وكان عالمهم المبرّز، فتكلّموا فيه وبالغوا بالأذى بألسنتهم، فثارت فتنة عظيمة أدّت إلى ذهاب النفوس من الطرفين، وانتصر السلطان لأبي إسحاق إبراهيم بن يوسف الفيروزآبادي، فسجن شيخ الشافعيّة. وتعصّبوا أيضاً على الفقيه الشافعي أبي منصور المتوفى سنة "567" هـ حتّى قتلوه بالسمّ، وكان من زعماء الشافعيّة المبرّزين.

قال ابن الجوزي: ان الحنابلة دسّوا إليه امرأةً جاءت اليه بصحن حلوى، وقالت: هذا يا سيّدي من غزلي، فأكل هو وامرأته وولد له صغير فأصبحوا موتى.

وقتل كذلك أبو الحسن بن فورك بالسم بسبب التعصّب المذهبي.

وحبس أبو علي خادم المستنصر أحد أئمّة الشافعيّة في مصر، وكان يجلس في حلقة ابن عبدالحكيم ويناظرهم، فسعوا به إلى السلطان وقالوا: هذا جاسوس فحبسه سبع سنين.

واجتمع أئمّة المذاهب في هراة عند ملك ألب أرسلان يستغيثون به من الشيخ محمد بن عبداللّه الأنصاري الحنبلي، بعد أن جعلوا صنماً تحت سجّادته، وقالوا للملك: إنّه مجسِّم، وانـّه يترك في محرابه صنما يزعم أنّ اللّه على صورته، ففحص الملك فوجد الأمر كذلك. راجع: تذكرة الحفّاظ |3: 358|.

ولعلّ من أعظم تلك الفتن التي وقعت بين المذاهب هي فتنة ابن القشيري عندما ورد بغداد سنة "469" هجريّة، وكان يذمّ الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم، وكتب إلى الوزير يشكو الحنابلة ويسأله المعونة، وهجم على زعيم الحنابلة عبدالخالق بن عيسى، ووقع قتال بين الطرفين عظيم. راجع: طبقات الحنابلة |1: 22| لابن رجب.

فياليت شعري أليست تلكم الثورات الدمويّة التي ذهب تحت هيجانها كثير من النفوس والأموال إلاّ نتائج الخلاف المذهبي، حتّى أصبح المسلمون أعداء متخاصمين متحاسدين متقاتلين متباغضين؟ وأين يا ترى مصداق قول من قال: الاختلاف بين الاُمّة رحمة؟ أذلك كلّه هو المعنيّ عندهم بالرحمة المستفادة من الخلاف والاختلاف حتّى همّ أنصار كلّ فرقة من الفرق أن تبتغي سُلّماً لإيصال الاساءات والأذيّات إلى الفرقة الاُخرى بأي وسيلة وبكل ما لديهم من الطاقة؟

قال قاضي دمشق محمّد بن موسى الحنفي، المتوفّى سنة "506" هجرية: لو كان لي من الأمر شيء لأخذت على الشافعيّة الجزية.

وقال أبو حامد الطوسي، المتوفّى سنة "567" هجرية: لو كان لي أمر لوضعت على الحنابلة الجزية. راجع: الامام الصادق |1: 190|.

وهذا الآمدي المتوفّى سنة "631" هجرية، وكان في أوّل أمره حنبليّاً، ولما سافر إلى بغداد انتقل إلى مذهب الشافعي، وعاد إلى مصر، فحسده جماعة من فقهاء البلاد، وتعصّبوا عليه، ونسبوه إلى فساد العقيدة حتّى وضعوا خطوطهم، بما يستباح بها دمه.

وكان القاضي المالكي الحارث بن مسكين أمر بإخراج الشافعيّة والحنفيّة من المسجد وينزع إلى حصرهم، وكان حينئذ يتولّى القضاء في مصر.

وكان الحسن بن أبي بكر النيسابوري لمّا قدم بغداد سنة "538" تحامل على الأشعري وعلى الشافعيّة حتىّ اُخرج أبو الفتح الاسفرائيني من بغداد لما حصل فيها من الفتن بين الأشعرية والشافعيّة. راجع: وفيات الاعيان |1: 301| لابن خلكان، والإمام الصادق |1: 193| لأسد حيدر.

وكان الشيخ علي بن حسن الملقّب بسيف الدين حنبليّاً ثمّ صار شافعيّاً، فتعصّب عليه فقهاء البلاد وحكموا عليه بالكفر والزندقة. مرآة الجنان |4: 24| والامام الصادق |1: 193|.

وكان أبو سعيد المتوفّى سنة "562" هجريّة حنفيّ المذهب، وتحوّل شافعيّاً، ولقي عناءً وامتحن لذلك. وكان السمعاني ممّن انتقل من المذهب الحنفي إلى المذهب الشافي، ولقي عناءً وتعصّبا، وقامت الحروب على ساق، واضطرمت نيران الفتنة بين الطرفين، فكانت تملأ ما بين خراسان والعراق. واضطرب أهل مرو اضطراباً فظيعاً، وكان عبدالعزيز الخزاعي من أكابر المالكيّة فلمّا قدم الإمام الشافعي بغداد تبعه وقرأ عليه كتبه ونشر علمه.

وكان الشيخ محمّد بن عبداللّه، المتوفّى سنة "268" مالكيّاً، فلمّا قدم الشافعي إلى مصر، انتقل إلى مذهبه.

وكان أبو جعفر بن نصر الترمذي سنة "295" هـ حنفيّاً، فلمّا حجّ انتقل إلى مذهب الشافعي.

وكان أبو جعفر الطحاوي شافعيّاً وتفقّه على خاله المزني، ثمّ تحوّل حنفيّاً بعد ذلك. وكذا الخطيب البغدادي كان في سنة "493" هـ حنبليّاً، ثم صار شافعيّاً. وكذا ابن فارس صاحب كتاب المجمل في اللغة كان شافعيّاً تبعاً لوالده، ثمّ انتقل إلى مذهب مالك. وكذلك الشيخ محمّد بن الدهان النحوي، كان في سنة "590" هـ حنبليّاً، ثمّ انتقل إلى مذهب الشافعي، ثمّ تحوّل حنفيّاً حين طلب الخليفة أن يعلّم ولده النحو، ثمّ تحوّل شافعيّاً. وكذا الشيخ تقي الدين بن دقيق كان مالكي المذهب، ثمّ تحوّل إلى مذهب الشافعي. راجع: الدين الخالص |3: 355|.

وكلّ هؤلاء امتحنوا وعذّبوا من قبل أنصار المذاهب الذين يتحوّلون منها، وأمثالهم كثير حتّى أصبح التكتّم لازماً. وإلى ذلك أشار الشاعر أبو بكر محمّد بن عبدالباقي المتوفى سنة "535" وكان حنبليّاً:

إحفظ لسانك لا تبح بثلاثة++

سنٍّ ومال ما استطعت ومذهبِ

فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة++

بمكفّر وبحاسد ومكذّبِ

ومن هذا القبيل قال الزمخشري:

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به++

وأكتمه كتمانه لي أسلم

فإن حنفيّاً قلت قالوا بأنـّني++

أبيح الطِلا وهو الشراب المحرّم

وان شافعيّاً قلت قالوا بأنـّني++

أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

وإن مالكيّاً قلت قالوا بأنـّني++

أبيح لهم لحم الكلاب وهم هم

وقال أيضا كما في تفسيره الكشاف |2: 498 ط. بولاق|:

كثر الشك والخلاف فكلّ++

يدّعي الفوز بالصراط. السويّ

فاعتصامي بلا إله سواه++

ثمّ حبّي لأحمد وعليّ

فاز كلب بحب أصحاب كهف++

كيف أشقى بحبّ آل نبيّ

التناكر والاختلاف بين الفرق الاسلاميّة


ومن نتائج الخلاف والاختلاف إنكار بعضهم على بعض، ومن ذلك إنكار السنيّين يوم الغدير ويوم عاشورا ما قامت به الشيعة، وكان يصحب هذا الإنكار اعتداء أدّى إلى إراقة الدم بين الفريقين وقَتْلِ خلق كثير. ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية |11: 235|.

وممّا يضحك الثاكل الحزين، ويبكي ذوي الإنصاف من المؤمنين، ما رواه ابن كثير في نفس المصدر |ص 102| أنّ السنيّين قاموا بما قامت به الشيعة، من النياحة على ابن الزبير مقابلةً للحسين "عليه السلام"، وأقاموا الزينة يوم الغار مقابل يوم الغدير. وذكر ذلك أيضا ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب |3: 130| وأسد حيدر في كتابه الامام الصادق "عليه السلام" |1: 203|.

ثمّ إنّ الشيعة لمّا استمرّت بإقامة عيد الغدير وإقامة يوم عاشورا، ضاق أعداؤهم ذرعاً، فعمدوا إلى مقابلة الشيعة بأن اركبوا امرأة وسمّوها عائشة، وتَسمّى بعضهم بطلحة، وقالوا: نقاتل أصحاب علي، وذلك في سنة "363" هـ، فقتل بسبب ذلك خلق كثير. راجع البداية والنهاية |11: 235|.

ثمّ انّ الحنابلة أقامت النياحة على إمامهم أحمد بن حنبل، ولازموا قبره مدةً من الزمن إظهاراً للتفجيع، واُقيمت مجالس العزاء عليه.

قال محمّد بن عيسى النيسابوري: ينبغي لكلّ أهل دار في بغداد أن يقيموا على أحمد بن حنبل النياحة في كلّ دورهم. كذا في طبقات الحنابلة |2: 51|.

وكذلك لمّا مات ابن تيميّة سنة "728" هـ ناح عليه خمسون ألف امرأة، ومائتا ألف رجل يرفعون أصواتهم بالتكبير ممزوجاً بالبكاء والعويل، ولما غسل شربوا ماء غسله تبرّكاً به، ونادى مناد أمام جنازته: هكذا جنائز أهل السنّة، واُقيمت عليه المآتم ينوح عليه خلق كثير، منهم شمس الدين الذهبي. كذا في العقود الدريّة في مناقب ابن تيميّة |ص 299|.

وفعلوا كذلك بكثير غيرهم، كشيخ الحرمين حتّى تطوّف تلامذته في الشوارع ينوحون عليه إلى سنة كاملة، كما في طبقات الشافعيّة |3: 259| والامام الصادق "عليه السلام" |1: 204|.

وكذلك ما وقع لأبي عمر الحنبلي، المتوفّى سنة "607" هـ حتّى أنـّهم تسابقوا إلى تمزيق كفنه يتبرّكون به، ولولا الدولة لما وصل من كفنه إلى قبره شيء. كذا في شذرات الذهب |3: 30|.

والعجيب أنـّهم ينكرون على الشيعة ما أقاموها يوم كربلاء ويوم الغدير، وينسبون ذلك إلى بدعة وهم بأنفسهم يعملونه، ويرون ذلك من الاُمور المستحسنة، كما قاله محمّد بن عيسى الذي أسلفنا ذكره.

ومُلخّص القول وصل ما جرى بين أرباب المذاهب وأنصارها إلى حدّ أن يدّعي القوم لإمامهم اُموراً، حتّى أنّ المالكيّة قالوا: إنّه مكتوب على فخذ إمامهم بقلم القدرة: مالك حجة اللّه في أرضه، كذا ذكره الشرنوبي في كتابه شرح تائيّة ابن الفارض كما في كتاب الامام الصادق والمذاهب الأربعة |1: 196| وقال شاعر المالكي:

إذا ذكروا كتب العلوم فحيّ هل++

بكتب الموطّأ من تصانيف مالك

فشُدَّ به كفّ الصيانة تهتدي++

فمن حاد عنه هالك في الهوالك

وجاءت الحنابلة وقالوا ما قالوا غلُوّاً في إمامهم الى حدّ أن زعموا أنـّه ما قام بأمر الإسلام أحد بعد رسول اللّه كما قام به أحمد بن حنبل، ولا أبو بكر الصدّيق مثله، وإنّ اللّه جلّ وعلا كان يزور قبره، كما أسلفنا ذكره عن مناقب أحمد لابن الجوزي.

وفي طبقات الحنابلة |1: 13|: من أبغض أحمد بن حنبل فهو كافر، فقيل له: أتطلق عليه اسم الكفر؟ قال: نعم، من أبغض أحمد عاند السنّة. ومن عاند السنّة، قصد الصحابة، ومن قصد الصحابة أبغض النبيّ "صلى الله عليه وآله"، ومن أبغض النبيّ كفر باللّه العظيم.

وفي تذكرة الحفّاظ |3: 375|: قال أبو حاتم بن جاموس بالريّ، وكان مقدّم أهل السنة: كلّ من لم يكن حنبليّاً فليس بمسلم.

وقال شاعر الحنبلي:

سبرت شرائع العلماء طرّاً++

فلم أر كاعتقاد الحنبليّ

فكن من أهله سرّاً وجهراً++

تكن أبداً على النهج السويّ

وقال شاعر الحنفي:

غدا مذهب النعمان خير المذاهب++

كذا القمر الوضّاح خير الكواكب

مذاهب أهل الفقه عندي تقلّصت++

وأين عن الروسي نسج العناكب

وقال شاعر الشافعي:

مثل الشافعي في العلماء++

مثل البدر في نجوم السماء

قل لمن قاسه بالنعمان جهلاً++

أيُقاس الضياء بالظلماء

وان تعجب فعجب ما يقوله كثير من الناس انّ الاختلاف رحمة وسعة افتتحت به سبل الافتكار، واتّسع به مجال للاجتهاد والابتكار، اخذاً بقول القاسم بن محمّد بن أبي بكر فيما روي عنه مسنداً أنـّه قال فيما ذكره ابن عبدالبرّ في كتابه جامع بيان العلم |2: 96|: لقد نفع اللّه باختلاف أصحاب محمّد.

وفي رواية: لقد أوسع على الناس باختلاف أصحاب محمّد "صلى الله عليه وآله".

وإلى ذلك ذهب عمر بن عبدالعزيز، حيث قال كما في نفس المصدر: ما اُحبّ أنّ أصحاب رسول اللّه "صلى الله عليه وآله" لم يختلفوا؛ لأنـّه لو كان قولاً واحداً كان الناس في ضيق.

قال ابن عبدالبرّ: فهذا مذهب القاسم بن محمّد بن أبي بكر ومن تابعه، وهذا المذهب ضعيف عند أهل العلم، وقد رفضه أكثر الفقهاء، وأهل النظر. انتهى.

وكانت حجّة اُولئك القوم في ذلك حديث: أصحابي كالنجوم فبأيّهم اقتديتم اهتديتم، وهذا الحديث كما هو معلوم باطل عند الباحثين والمحقّقين من العلماء وأهل النظر، لا يقتضي علماً ولا عملاً، ومطعون في سنده ودلالته.

أمّا من حيث سنده، فلأنّ في طريقه حمزة النصيبي، والحارث بن غصين، والأوّل متّهم، والثاني مجهول.

قال الحافظ الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال |1: 284|: قال ابن معين: حمزة النصيبي لا يساوي فلساً. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن عدي: مرويّاته موضوعة. وقال ابن حجر العسقلاني: الحارث بن غصين قال ابن عبدالبرّ: مجهول. راجع: لسان الميزان |2: 156| للعسقلاني.

وقال ابن عبدالبرّ في كتابه جامع العلم |2: 111| عند إيراده الحديث المذكور: هذا إسناد لا تقوم به الحجّة؛ لأنّ فيه الحارث بن غصين مجهول.

وأمّا بطلان دلالته، فلأنّ المخاطبين حينئذ بلفظ 'اقتديتم' هم أصحابه، والمشبهون بالنجوم هم جميع أصحابه؛ لأنّ الجمع المنكر المضاف في قوله "صلى الله عليه وآله": 'أصحابي' يفيد العموم عند علماء الاُصول.

أفيحتمل إذن أن يكون المراد والمدلول أن يقتدي كلّ فرد منهم بغيره، مع أنّ كلّ واحد منهم نجم يقتدى به؟ وما عسى أن يقال إذن في قتلة عثمان والمتقاعدين عن نصرته؟

ثمّ إنّ ممّا يؤيّد قول من قال ببطلان صحّة الحديث المذكور كونه معارضاً بما هو صحيح السند وصريح الدلالة لخلافه، هو حديث الحوض، ما أخرجه البخاري في صحيحه |4: 94| في باب الصراط جسر جهنّم، أنـّه "صلى الله عليه وآله" قال: يرد عليّ الحوض رجال من أصحابي فيجلون عنه. فأقول: يا ربّ أصحابي، فيقال: إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى.

وأخرج أيضاً في الصفحة المذكورة، أنـّه "صلى الله عليه وآله" قال: ليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثمّ يحال بيني وبينهم، فأقول: إنّهم منّي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي.

وأخرج أيضا في |3: 85| في باب 'وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم' انـّه "صلى الله عليه وآله" قال: يجاء برجال يوم القيامة، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربّ أصحابي، فيقال: إنّك لاتدري ما أحدثوا بعدك، إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم.

وأخرج أيضاً في |4: 174|: انـّه "صلى الله عليه وآله" قال: لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتّى لو دخلوا جحر ضبّ لتبعتموهم، قلنا: يا رسول اللّه! اليهود والنصارى؟ قال: فمن.

فلنعد إلى ما نحن بصدده، وذلك في قول بعضهم: إنّ الاختلاف رحمة وسعة.

وأمّا مالك والشافعي ومن سلك سبيلهما، كالليث بن سعد، والأوزاعي، وأبي ثور، وجماعة من أهل النظر، فإنّهم قالوا: إنّ الاختلاف إذا تدافع فهو خطأ وصواب.

قال ابن عبدالبر: كان مالكاً والليث يقولان في اختلاف أصحاب رسول اللّه "صلى الله عليه وآله" ليس كما قال ناس فيه توسعة، ليس كذلك إنّما هو خطأ وصواب.

وفي رواية: قال مالك: في اختلاف أصحاب رسول اللّه "صلى الله عليه وآله" مخطئ ومصيب، فعليك بالاجتهاد.

وفي رواية: قد ذكره إسماعيل بن اسحاق في كتابه المبسوط عن أبي ثابت، قال: سمعت ابن القاسم يقول: سمعت مالكاً والليث بن سعد يقولان في اختلاف أصحاب رسول اللّه "صلى الله عليه وآله" أنّ اُناساً يقولون فيه توسعة، فقالا: ليس كذلك إنّما هو خطأ وصواب.

وفي رواية لمّا سئل مالك عن ذلك، فقال: لا واللّه حتى يصيب الحقّ وما الحقّ إلاّ واحد، قولان مختلفان يكونان صوابين جميعاً؟ وماالحقّ والصواب إلاّ واحد.

وأمّا المزني، فقد احتجّ في ذلك على اُولئك بقوله عزّ وجلّ: "وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْد غَيْرِ اللّهِ لَوَجدَوا فيه اختلافاً كثيراً" |النساء: 82| قال: فذمّ الاختلاف، وقال تعالى: "وَلا تَكُونُوا كَالّذينَ تَفَرّقُوا وَاخْتَلَفُوا" |آل عمران: 105| وقال تعالى: "فَاِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيء فَرُدّوهُ إلى اللّهِ وَرَسُولِه" الآية |النساء: 59| فلو كان الاختلاف من دينه ما ذمّه. ولو كان التنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع إلى الكتاب والسنّة.

قال أبو العالية في قوله تعالى: "شَرَعَ لَكُمْ مِن الدّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَالذي أوْحَيْنا إلَيْكَ وَما وَصّينا بِهِ إبْراهيمَ وَمُوسى وَعيسى أنْ أقيمُوا الدّينَ وَلا تَتَفرّقُوا فيه" |الشورى: 13| قال: إقامة الدين: إخلاصه "وَلا تَتَفَرّقوا فِيه" قال: لا تتعادوا عليه وكونوا إخوانا، ثمّ ذكر بني إسرائيل وحذّرهم أن يأخذوا بسنتهم، قال جلّ ذكره: "وَما تَفَرّقُوا إلاّ مِنْ بَعْدِ ما جَاءَهُم الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُم".

قال مجاهد: "وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِين" أهل الباطل "إلاّ مَنْ رَحِمَ ربّي" قال: أهل الحقّ. وقد ذكر ابن عبدالبرّ اختلاف جمع من الصحابة في كتابه جامع بيان

العلم |2: 104| في باب الدليل في أقاويل السلف على أنّ الاختلاف خطأ وصواب.

ومنه قطع عمر بن الخطّاب اختلاف الصحابة في الكبير على الجنائز وردّهم إلى أربع تكبيرات. وقال في آخر الباب المذكور: وفي رجوع أصحاب رسول اللّه "صلى الله عليه وآله"بعضهم إلى بعض وردّ بعضهم على بعض، دليل واضح على أنّ الاختلاف عندهم خطأ وصواب.

ولقد أحسن القائل:

إثبات ضدّين معاً في الحال++

أقبح ما اُتي من المحال

/ 122