حیاة امیرالمؤمنین علی(علیه السلام) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حیاة امیرالمؤمنین علی(علیه السلام) - نسخه متنی

سید اصغر ناظم زاده قمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


قصة التحكيم و ظهور أمر الخوارج


و من أمرّ المظلوميّة أن يقف أعوان المرء في وجهه و هو على أعتاب الانتصار على العدوّ، و كان هذا ما واجهه عليّ عليه السلام، فلمّا أن أشرف على النّصر يوم صفّين أحدث معاوية خديعته برفع المصاحف، فوقف أصحاب الإمام عليّ عليه السلام يعارضون أميرهم.

قال الشارح المعتزلي: إنّ الّذي دعا إليه طلب أهل الشام له و اعتصامهم به من سيوف أهل العراق، فقد كانت أمارات القهر و الغلبة لاحت، و دلائل النّصر و الظفر وضحت، فعدل أهل الشام عن القِراع إلى الخداع، و كان ذلك برأي عمرو بن العاص، و هذه الحال وقعت عقيب ليلة الهرير [ من هرير الفرسان بعضهم على بعض كما تهر السباع، و هو صوت دون النباح . ]، و هي الليلة العظيمة الّتي يُضرب بها المَثل. [ شرح ابن أبي الحديد، ج 2، ص 206. ]

قال ابن أبي الحديد في موضع آخر من شرحه على نهج البلاغة: لما بلغ معاوية أمارات القهر و الغلبة لجيش علي عليه السلام، فدعا عمرو بن العاص و قال: يا عمرو، إنّما هي الليلة حتّى يغدُوَ عليّ علينا بالفيصَل، فما ترى؟

قال: إنّ رجالك لا يقومون لرجاله، و لستَ مِثله، هو يقاتلك على أمر و أنت تقاتِله على غيره، أنت تريد البقاء، و هو يريد الفناء، و أهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم، و أهل الشام لا يخافون عليّاً إن ظفر بهم، و لكن ألقِ إلى القوم أمراً إن قَبلوه أختلفُوا، و إن ردّوه اختلفوا، اُدعهُم إلى كتاب اللَّه حَكمَاً فيما بينك و بينهم، فإنّك بالغٌ به حاجتك في القوم، و إنّي لم أزل أؤخّر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه. فعرف معاوية ذلك، و قال له: صدقت.

[ المصدر السابق، ج 2، ص 210. ]

رفع المصاحف


روى نصر باسناده عن جابر، قال: سمعت تميم بن حُذيم يقول: لمّا أصبحنا من ليلة الهرير، نظرنا، فإذا أشباهُ الرايات أمام أهل الشام في وسط الفَيلق حيال موقف عليّ عليه السلام و معاوية، فلمّا أسفرنا إذا هي المصاحف قد رُبطت في أطراف الرّماح، و هي عظام مصاحف العَسكر، و قد شدّوا ثلاثة أرماح جميعاً، و رَبطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط.

و قال أبوجعفر و أبوالطفيل: استقبلوا عليّاً بمائة مصحف، و وضعوا في كلّ مُجنّبة

[ المجنبة بكسر النون المشددة: ميمنة الجيش أو ميسرته. ]مائتي مصحف، فكان جميعها خمسمائة مصحف.[ المصدر السابق، ج 2، ص 211. ]

بداية الخلاف في جيش عليّ


قال الشارح المعتزلي، عن أبي جعفر: ثمّ قام الطفيل بن أدهم حيال عليّ عليه السلام و قام أبوشريح الجذامي حيال الميمنة، و قام و رقاء بن المعمّر حيال الميسرة، ثمّ نادوا: يا معشر العرب، اللَّه اللَّه في النساء و البنات و الأبناء من الرّوم و الأتراك و أهل فارس غداً إذا فنيتم، اللَّه اللَّه في دينكم! هذا كتابُ اللَّه بيننا و بينكم.

فقال عليّ عليه السلام: 'اللّهمّ إنّك تعلم أنّهم ما الكتاب يريدون، فاحكم بيننا و بينهم إنّك أنت الحَكم الحقّ المُبين'.

فاختلف أصحاب عليّ عليه السلام في الرأي، فطائفة قالت: القتال، و طائفة قالت: المحاكمة إلى الكتاب، و لا يحلّ لنا الحرب، و قد دُعينا إلى حُكم الكتاب، فعند ذلك بطلت الحرب و وضعت أوزارها. [ المصدر السابق، ميمنة الجيش أو ميسرته. ]

علي يُطلع جيشه على المؤامرة لكنّه يُهدَّد بالقتل


فقال عليّ عليه السلام: 'أيّها النّاسُ، إنّي أحقّ مَن أجابَ إلى كتاب اللَّه، و لكنّ معاوية، و عمرو بن العاص، و ابن أبي مُعيط، و ابن أبي سرح، و ابن مَسلمة ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن، إنّي أعرفُ بهم منكم، صحبتهم صغاراً و رجالاً، فكانوا شَرّ صِغار و شَرّ رجال، وَيْحكُم إنّها كلمةُ حقّ يُراد بها باطل! ما رَفعوها أنّهم يعرفونها و يعملون بها، و لكنّها الخديعة و الوهن و المكيدة! أعيروني سواعدَكُم و جَماجمكم ساعة واحدة، فقد بلغ الحقّ مقطعه، و لم يبق إلّا أن يُقطعَ دابرُ الّذين ظلموا'.

فجاءه من أصحابه زُهاء عشرين ألفاً مُقنّعين في الحديد، شاكي سيُوفهم عَلى عواتقهم، و قد اسودَّت جباهم من السّجود، يتقدّمهم مِسعَر بن فَدَكيّ، و زيد بن حُصين،و عِصابةٌ من القُرّاء الّذين صاروا خوارج من بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: يا عليّ، أجب القوم إلى كتاب اللَّه إذا دُعيتَ إليه، و إلّا قتلناك كما قتلنا ابن عفّان، فو اللَّه لنفعلنّها إن لم تُجبهم!.

فقال لهم: 'وَيحكم! أنّا أوّلُ من دَعا إلى كتاب اللَّه، و أوّل مَن أجابَ إليه، و ليس يَحلُّ لي، و لا يَسعني في ديني أن اُدعَى إلى كتاب اللَّه فلا أقبلُه، إنّي إنّما قاتلتُهم ليدينوا بحكم القرآن، فإنّهم قد عصوا فيما أمرهم، و نقضوا عهده، و نبذوا كتابه، و لكنّي قد أعلمتكم أنّهم قد كادوكم، و أنّهم ليس العمل بالقرآن يُريدون'.

قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتينّك، و قد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير أشرف على عسكر معاوية ليدخله. [ المصدر السابق، ج 2، ص 216. ]

انتخاب الحَكَمَين


و انصرف الأشعث إلى عليّ عليه السلام فأخبره "بمااتّفق عليه مع معاوية في أن يبعث أهل العراق رجلاً يرضون به، و يبعث أهل الشام رجلاً"، فبعث عليّ عليه السلام قُرّاءً من أهل العراق، و بعث معاوية قرّاءً من أهل الشام، فاجتمعوا بين الصّفّين و معهم المُصحف، فنظروا فيه و تدارسوا، و اجتمعوا على أن يحُيوا ما أحيا القرآن، و يُميتوا ما أمات القرآن، و رجع كلّ فريق إلى صاحبه، فقال أهل الشام: إنّا قد رَضينا و اخترنا عمرو بن العاص، و قال الأشعث و القُرّاء الّذين صاروا خوارج فيما بعد: قد رَضينا نحن و اخترنا أبا موسى الأشعري.

فقال لهم عليّ عليه السلام: 'فإنّي لا أرضى بأبي موسى، و لا أرى أن أُوَلّيه'.

فقال الأشعث، و زيد بن حُصين، و مِسعر بن فَدَكيّ في عصابة من القُرّاء: إنّا لا نرضى إلّا به، فإنّه قد كان حذّرنا ما وقعنا فيه.

فقال عليّ عليه السلام: 'فإنّه ليس لي برضى، و قد فارقني و خذّل النّاس عنّي، و هرب منّي حتّى أمّنتُه بعد أشهر، و لكن هذا ابن عبّاس اُولّيه ذلك'.

قالوا: و اللَّه ما نُبالي، أكنت أنت أو ابن عبّاس، و لا نُريد إلّا رجلاً هو منك و من معاوية سواء، ليس إلى واحد منكما بأدنى من الآخر.

قال عليّ عليه السلام: 'فإنّي أجعل الأشتر'.

فقال الأشعث: و هل سعَّر الأرض علينا إلّا الأشتر! و هل نحن إلّا في حُكم الأشتر.

قال عليّ عليه السلام: 'و ما حكمه؟'.

قال: حكمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيف حتّى يكون ما أردتَ و ما أراد، و ساق الكلام إلى قوله: قال نصر: فقال عليّ عليه السلام:'قد أبيتُم إلّا أبا موسى!'

قالوا: نعم.
قال: 'فاصنعوا ما شئتُم' فبعثوا إلى أبي موسى- و هو بأرض من أرض الشام، يقال لها عُرض [ عُرْض: بلد بين تدمر و رصافة الشام. ]، قد اعتزل القتال- فأتاه مولىً له، فقال: إنّ النّاس قد اصطلحوا. فقال: الحمد للَّه ربّ العالمين. قال: و قد جعلوك حكماً. فقال: إنّا للَّه و إنّا إليه راجعون. [ راجع المصدر السابق، ج 2، ص 228. ]

قال نصر بن مزاحم: فلمّا رَضي أهل الشام بعمرو بن العاص، و أهل العراق بأبي موسى، أخذوا في سطر كتاب الموادعة... و كُتب الكتاب يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة سبع و ثلاثين، و اتفقوا على أن يوافي أميرالمؤمنين عليٌ عليه السلام موضع الحكمين بدومة الجندل أو بأذرح [ أذرح: بلد في أطراف الشام. ] في شهر رمضان، الحديث. [ و تفصيلها في شرح ابن أبي الحديد، ج 2، ص 232؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 389؛ تاريخ الطبري، ج 3، ص 562. ]

اجتماع الحَكَمَين


و لمّا جاء وقت اجتماع الحكمين، أرسل عليّ عليه السلام أربعمائة رجل عليهم شريح بن هاني الحارثي، و بعث معهم عبداللَّه بن عباس و هو يصلّي بهم و يلي اُمورهم و معهم أبوموسى الأشعري. و كذا أرسل معاوية، عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام حتّى توافوا بدومة الجندل بأذرح في شهر رمضان.

فلمّا اجتمع الحكمان و جرى بينهما ما جرى، و أخذ عمرو يقدّم أبا موسى في الكلام، و كان مكراً و خديعة، حيث خلع أبوموسى علياً عليه السلام و معاوية، و أخلّ ابن العاص بالاتفاق فخلع علياً عليه السلام و أثبت معاوية، فقال له ابن عباس: ويحك!
و اللَّه إنّي لأظنّه قد خدعك؟ أمّا أبوموسى فكان مغفّلاً، فقال: إنّا قد اتّفقنا.

[ راجع تاريخ الطبري، ج 4، ص 94؛ الكامل في التاريخ، ج 2، ص 394؛ شرح ابن أبي الحديد، ج 2، ص 244. ]

و قال المسعودي في "مروج الذهب": و وجدت في وجه آخر من الروايات أنّهما اتّفقا على خلع عليّ و معاوية، و أن يجعلا الأمر بعد ذلك شورى، يختار النّاس رجلاً يصلح لهم أمرهم فقدّم عمرو أبا موسى. [ مروج الذهب، ج 2، ص 409. ]و فيه أيضاً: قال عمرو: أما إذا رأيت الصلاح في هذا الأمر و الخير للمسلمين فاخطُب النّاس، و اخلع صاحبينا "مع" و تكلّم باسم هذا الرجل الّذي تستخلفه، فقال أبوموسى: بل أنت قم فاخطُب، فأنت أحقّ بذلك، قال عمرو: ما اُحبّ أن أتقدّمك، و ما قولي و قولك للنّاس إلّا قول واحد، فقم راشداً.

فقام أبوموسى، فحمد اللَّه و أثنى عليه، و صَلّى عَلىَ نبيّه صلى الله عليه و آله، ثمّ قال:

أيّها النّاس، إنّا قد نظرنا في أمرنا، فرأينا أقرب ما يحضرنا من الأمن والصلاح و لَمّ الشعث و حَقن الدماء و جمع الاُلفة، خلعنا عليّاً و معاوية، و قد خَلعتُ عليّاً كما خلعتُ عمامتي هذه- ثمّ أهوى إلى عمامته فخلعها- و استخلفنا رجلاً قد صحب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بنفسه، و صحب أبوه النبيّ صلى الله عليه و آله، فبرَّز في سابقته- و هو عبداللَّه بن عمر- و أطراه، و رغّب النّاس فيه، ثمّ نزل.

فقام عمرو بن العاص، فحمد اللَّه و أثنى عليه، و صَلّى على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ثمّ قال: أيّها النّاس، إنّ أبا موسى عبداللَّه بن قيس قد خلع عليّاً و أخرجه من هذا الأمر الّذي يطلب و هو أعلم به، ألا و إنّي قد خلعتُ عليّاً معه، و أثبتُّ معاوية عليَّ و عليكم، و إنّ أبا موسى قد كتب في الصحيفة إنّ عثمان قد قُتل مظلوماً شهيداً، و إنّ
لوليّه "سلطاناً" أن يطلب بدمه حيث كان، و قد صَحب معاوية، رسول اللَّه بنفسه، و صحب أبوه النبيّ صلى الله عليه و آله "و أطراه، و رغّب النّاس فيه، و قال": هو الخليفة علينا، و له طاعتنا و بيعتنا على الطلب بدم عثمان.

فقال أبوموسى: كذب عمرو، لم نستخلف معاوية و لكنّا خَلعنا معاوية و عليّاً معاً، فقال عمرو: بل كذب عبداللَّه بن قيس، قد خلع عليّاً و لم أخلع معاوية.

[ المصدر السابق، ج 2، ص 408. ]

و فيه أيضاً: و انخزل أبوموسى فاستوى عَلى راحلته و لَحق بمكّة، و لم يَعد إلى الكوفة، و قد كانت خطّته و أهله و ولده بها، و آلى أن لاينظر إلى وجه عليّ عليه السلام ما بقي، و مضى ابن عمر و سعد إلى بيت المقدس "فأحرما". [ المصدر السابق، ج 2، ص 410. ]

خطبة الإمام عليّ بعد التحكيم


روي أنّ عمرو بن العاص و أبا موسى الأشعري لمّا التقيا بدومة الجندل و قد حكما في أمر النّاس، كان أميرالمؤمنين عليه السلام يومئذٍ قد دخل الكوفة ينتظر ما يحكمان به، فلما تمّت خدعة عمرو لأبي موسى، و بلغه عليه السلام ذلك، اغتمّ له غمّا شديداً و وجم منه، و قام فخطب النّاس، فقال:

'ألحمدُ للَّه، و إن أتى الدَّهر بالخطبِ الفادِح، و الحَدثِ الجليل، و أشهدُ أنْ لا إله إلّا اللَّه وحَدهُ لا شَرِيك لَهُ، لَيْس مَعَهُ إلهٌ غيرهُ، و أنّ محمّداً عبدُهُ وَ رَسوله.

أمّا بعد:

فإنَّ مَعصيةَ النّاصِح الشَفيق العالِم الُمجرب تُورثُ الحَيرةَ و تُعقِبُ الندامة، و قد كنتُ أمَرْتُكم في هذهِ الحُكومة أمري، و نَخلتُ لَكُم مَخزُونَ رأيي، لَو كان يُطاعُ لقصير أمر، فَأبَيتُم عَليَّ إباء الُمخالفين الجُفاةِ، و المُنابِذينَ العُصاةِ حتّى ارتابَ
الناصِحُ بنُصحه، و ضَنَّ الزَّند بِقدْحِهِ، فَكُنتُ أنا و إيّاكُم كما قالَ أخو هَوازِن:




  • أمرتُكُم أمري بمُنعَرجِ اللّوى
    فلم تَسْتَبينُوا النُصْحَ إلّا ضُحى الغد'



  • فلم تَسْتَبينُوا النُصْحَ إلّا ضُحى الغد'
    فلم تَسْتَبينُوا النُصْحَ إلّا ضُحى الغد'



[ نهج البلاغة، الخطبة 35. ]
و هذه الألفاظ من خطبة خطبها عليه السلام بعد خديعة ابن العاص لأبي موسى و افتراقهما، لكاشفة عن مظلوميّته في هذه الواقعة المؤلمة.

تثاقل أصحابه عن النُّصرة


إنّ المقصود بالخطبة الشريفة التالية ذمّ أصحابه عليه السلام و توبيخهم على تثاقلهم من جهاد معاوية و أصحابه، فقال: 'و لئن أمْهَلَ اللَّه الظالم و متعه في دار الدنيا فلن يفوته أخذه، و هو له بالمرصادِ على مَجازِ طريقِه، و بموضِع الشجى مِن مَساغ ريقهِ، أما و الّذي نفسي بيده لَيَظْهَرن هؤلاءِ القومِ عليكم، ليس لأنّهم اُولى بالحقّ مِنكم. و لكن لإسراعِهم إلى باطل صاحِبهم، و إبطائكم عن حقّي، وَ لَقَدْ أصبحت الاُمم تَخافُ ظُلم رُعاتِها،و أصْبَحتُ أخافُ ظُلمَ رَعيّتي، أستَنفَرتُكم لِلجهادِ فلم تنفروا، و أسْمَعتُكم فَلَم تَسمَعوا، و دعَوتُكُم سِرّاً وَ جَهراً فَلَم تَسْتَجيبُوا، وَ نَصَحْتُ لكُمْ فلم تَقْبلُوا' إلى أن قال -: 'أيّها الشّاهدةُ أبدَانُهُم، الغائبة عَنهُم عُقولُهُم، الُمخْتَلِفَة أهواؤهم، المُبتَلى بِهِم اُمراؤهم، صاحِبُكُم يُطيعُ اللَّه و أَنْتُم تَعصُونَه، وَ صاحِبُ أهل الشام يَعصي اللَّه وَ هُمْ يُطيعونه، لَودَدْتُ و اللَّه أنَّ مُعاوَية صارَفنيَ بِكُم صَرف الدّينارِ بالدّرهم، فَأخَذَ مِنّي عَشَرةً مِنْكُم وَ أعطاني رَجُلاً مِنهُم' الخطبة. [ المصدر السابق، الخطبة 96. ]

الحث عَلَى الجهاد و ذمّ المتقاعسين


الخطبة التالية من مشاهير خطبه عليه السلام قد ذكرها كثير من المؤرخين و الرواة، و رواها أبوالعباس المبرّد، و أسقط من هذه الرواية ألفاظاً: و زاد فيها ألفاظاً، قال: فانتهى إلى عليّ عليه السلام أنّ خيلاً وردت الأنبار لمعاوية، فقتلوا عاملاً له يقال له: حسّان بن حسّان، فخرج عليه السلام مغضباً يجرّ رداءه. حتّى أتى النخيلة، و أتبعه النّاس، فرقى ربوة من الأرض، فحمد اللَّه و أثنى عليه و صلّى على نبيّه صلى الله عليه و آله ثمّ قال: 'أمّا بعد فإنّ الجهاد بابُ من أبواب الجنّة، فمن تركه رغبة عنه، ألبسه اللَّه الذّل وسيم الخسف' إلى أن قال: 'ألا و إنّي قد دَعوتُكم إلى قتالِ هَؤلاءِ القَوم لَيلاً و نهاراً، و سرّاً و إعلاناً، و قُلتُ لَكُم اُغزوُهُم قَبلَ أنْ يغزوكُم، فَو اللَّه ما غُزي قَومٌ قطّ في عُقر دارِهِم إلّا ذَلُّوا، فَتواكَلتُم و تَخاذَلتُم، حَتّى شُنّت [ شُنّت عليكم الغارات: فُرّقت. ]

عَلَيكُم الغاراتُ و مُلِكَت عَلَيكُم الأوطانُ.

وَ هذا أخوُ غامِدٍ، قَدْ وَرَدَتْ خَيله الأنبار، و قَد قَتَلَ حَسّانَ بن حسّان البَكريّ، و أزالَ خَيلَكُم عن مَسالحها [ المسالح: جمع مسلحة و هي كالثغر و المَرقب. ]، و لقد بَلَغني أنّ الرّجلَ مِنهُم كانَ يَدخُل على المَرأة المُسلِمة و الاُخرى المُعاهدة

[ المعاهدة: الذمية. ] فَينْتَزِع حِجلَها [ الحجل: الخلخال. ] و قُلبَها [ القلب: السوار المصمت. ] و قلائِدها و رعاثها، ما تَمتَنع مِنهُ إلّا بِالإسترجاع [ أي بقولها: إنا للَّه و إنّا إليه راجعون. ] و الإسترحامِ، ثمّ انصرفُوا وافرين، ما نالَ رَجلاً مِنهُم كلمٌ [ الكلم: الجراح ]، و لا اُريقَ لَهُم دَمٌ، لَو أنَّ امرءاً مُسلِماً ماتَ مِن بَعد هذا أَسفاً
ما كان به مَلُوماً، بَلْ كانَ به عِندي جدَيراً.

إلى أن قال: إذا أمرتكم بِالسير إليهم في أيّام الحرّ قُلتُم: هذه حمارَّة القَيظ[ يُسبّحْ عنّا الحرّ: يخفّ. ] أمِهلنا يُسبَّخْ عَنَّا الحّرُ [ يُسبّخْ عنّا الحرّ: يخفّ. ]، و إذا أمرتُكم بالسَّير إليهم في الشّتاءِ قُلتُم: هذه صبارّة [ صبارّة الشتاء: شدّة برده. ] القُرّ [ القرّ: البرد. ] أمْهِلنا يَنسلخ عَنّا البَردُ، كُلُّ هذا فِراراً مِنَ الحرّ و القُرّ، فإذا كُنتُم مِنَ الحرّ و القُرّ تَفِرّون، فأنتم و اللَّه من السيف أفرّ.

يا أشباه الرّجال وَ لا رجال، حُلومُ الأطفال، وَ عُقولُ رَبّاتِ الحِجال [ ربات الحجال: النساء. ]، لَوددتُ أنّي لَم أرَكُم وَ لَم أعرِفْكُم مَعرِفة و اللَّه جَرَّتْ نَدَماً و أعقبت سَدَماً. قاتَلَكُمُ اللَّه، لَقدَ مَلأتُم قَلبي قَيحاً، و شَحنْتُم صَدري غَيظاً، وَ جَرَّعْتُموني نُغَبَ التِّهام أنفاساً، و أفْسدَتُم عليَّ رأيي بِالعصيانِ و الخذلان، حتّى قالَت قريش: إنَّ ابن أبي طالبٍ رجلٌ شجاعٌ وَ لكن لا عِلم لَهُ بالحَربِ، للَّه أبوُهُم، وَ هَلْ أحَدٌ مِنهم أشدُّ لها مِراساً وَ أقدمُ فِيها مقاماً منّي؟ لقد نهضت فيها وَ ما بَلَغتُ العِشرين، و ها أنا ذا قَد ذَرّفتُ على السِتّين، وَ لكن لا رأي لِمن لا يُطاعُ'.

[ نهج البلاغة، الخطبة 27. ]

لقد خطب هذه الخطبة الشريفة في أواخر عمره الشريف، و ذلك بعد ما انقضت وقعة صفّين، و استولى معاوية عَلى البلاد، و أكثر القتل و الغارة في الأطراف، و أمر سفيان بن عوف الغامديّ بالمسير إلى الأنبار، و قتل أهلها.

و تفصيل ذلك رواه ابن أبي الحديد المعتزلي عن كتاب الغارات لإِبراهيم بن

/ 74