حیاة امیرالمؤمنین علی(علیه السلام) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حیاة امیرالمؤمنین علی(علیه السلام) - نسخه متنی

سید اصغر ناظم زاده قمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


المعصوم بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

و منها: آية التطهير


فقوله تعالى: 'إنّما يُريدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرّجْس أهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطهِّرَكُمْ تَطْهِيراً' [ الأحزاب، 33. ] أدلّ دليل على عصمة أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب و غيره من أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله، إذ إرادة اللَّه تعالى تعلّقت على إذهاب الرّجس عن أهل البيت، و تطهيرهم من كلّ شي ء يُتنفّر منه،على غرارتعلّق إرادته بايجاد الأشياء في صحيفة الوجود، و قد ذكرنا شرحاً مفصّلاً حول الآية فراجعه.

و منها: أنّ الإمامة استمرار للرسالة


و ممّا يستدلّ على اشتراط العصمة في الإمام: أنّ الإمامة- كما مرّت الإشارة إليه- هي رئاسة عامّة الهيّة في اُمور الدّين و الدّنيا، فكما أنّ الرسول يجب أن يكون معصوماً من العصيان و الخطأ حتّى تثق الاُمّة بقوله و فعله، فكذلك الإمام الّذي يلي الرّسول في وظائفه لابدّ أن يكون معصوماً من العصيان و الخطأ و السهو، فما دلّ على أنّ النبيّ يجب أن يكون معصوماً كذلك يدلّ على وجوب العصمة في من قام مقامه بلا زيادة و لا نقصان. [ راجع في عصمة الامام عليه السلام تلخيص الشافي لأبي جعفر الطوسي، ج 2، ص 256؛ و الصراط المستقيم العلامة البياضي، ج 1، ص 112. ]

سياسته و جودة رأيه


في معنى السّياسة

في النهاية لابن الأثير: في الحديث: 'و كانت بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم'،قال: أي تتولّى أمورهم كما تفعل الأمراء و الولاة بالرعيّة، و السياسة: القيام على الشي ء بما يصلحه. [ النهاية لابن الأثير، ج 2، ص 421. ]

و في مجمع البحرين: و في وصف الأئمّة: 'أنتم ساسة العباد' و فيه: 'الإمام عارف بالسيّاسة' و في الحديث: 'ثمّ فوّض إلى النبيّ صلى الله عليه و آله أمر الدّين و الأُمّة ليسوس عباده' كلّ ذلك من سُستُ الرعيّة سياسةً: أمرتها و نهيتها، إلى أن قال: و السيّاسة: القيام على الشي ء بما يصلحه. [ مجمع البحرين، ج 4، ص 78. ]

و في لسان العرب: السياسة: القيام على الشي ء بما يصلحه، و السيّاسة: فعل السائس، و الولي يسوس رعيّته، و في الحديث: 'كان بنو إسرائيل يسوسهم أنبياؤهم' أي تتولّى أمورهم كما يفعل الأمراء و الولاة بالرعيّة. [ لسان العرب، ج 2، ص 239. ]
فيستفاد من كلام أئمة اللغة أنّ السيّاسة هي: القيام على الشي ء بما يصلحه، فإذا لم يكن القيام على إصلاح و إجراء عدل و إحقاق حقّ و إبطال باطل فليس بسياسة، بل هي التسلّط و السيطرة و الغدر، فمن قام على أُمور العباد بحسن السيرة كان سائساً حقّاً، و إلّا فهو جبّار متكبّر.

سياسة عليّ و رأيه لحساب الدين و لبقاء الإسلام


قال ابن أبي الحديد: و إنّما قال أعداؤه: لا رأي له، لأنّه كان متقيّداً بالشريعة لا يرى خلافها، و لا يعلم بما يقتضي الدّين تحريمه، و قد قال عليه السلام: 'لو لا الدّين و التّقى لكنتُ أدهى العرب' و غيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه و يستوقفه سواء أكان مطابقاً للشرع أم لم يكن.

و لا ريب أنّ من يعمل بما يؤدّي إليه اجتهاده و لا يقف مع ضوابط و قيود يمتنع لأجلها ممّا يرى الصلاح فيه، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتظام أقرب،و من كان بخلاف ذلك تكون أحواله الدنيوية إلى الانتثار أقرب. [ شرح ابن أبي الحديد، ج 1، ص 28. ]

أقول: إنّ عليّاً عليه السلام يعرف الفرص و الأسباب الّتي يبلغ معها الملك و السلطنة الطويلة، و لكنّه لا يستفيد منها على حساب دينه، و إنّه عليه السلام لا يبتغي النجاح و الظفر إلّا لمرضاة اللَّه و العمل بالحقّ و العدل؛ لإنّه عليه السلام لم يكن طالب ملك و لا إمارة و لا طالب دنيا، و إنّما كان هدفه الأعلى و مقصده الوحيد و غايته المطلوبة رضا اللَّه و إقامة الحقّ و محو الباطل، و الدّنيا و المال و الملك لا تساوي عنده جناح بعوضة، فكيف يمكن أن يتوصّل إليها بضدّ ما هو هدفه و مقصده و غايته؟!

و لم يكن يطمح إلى الوصول إلى الملك و الإمارة من أيّ طريق كان، و بأيّ
وجه اتّفق، و لا يستحلّ التوصّل إلى تثبيت ملكه بشي ء يخالف الشّرع من قتل النّفوس البريئة و نقض العهود و دسّ السّموم و سلب الأموال و المداهنة و غير ذلك، و من كانت هذه صفته و هذه حاله لا يصحّ أن ينسب إليه القصور في الرأي و الضعف في التدبير، و لا أن يوصف خصمه الّذي كان يسعى إلى تحصيل الملك و الإمارة بكلّ ما يمكنه بأنّه أصحّ منه تدبيراً و أسدّ رأياً، فنسبة عدم الرأي إنّما تُطْلَق على من يدبّر أمراً ليتوصّل به إلى مطلوبه فتكون نتيجته بالعكس لجهله بمواقع الأمور، و شي ء من هذا لم يحصل لأميرالمؤمنين عليه السلام و لا يمكن أن يحصل، فهو أعلم النّاس بمواقع الأمور، و قد أبان عن هذا مراراً في مواقف متعدّدة بعبارات مختلفة، منها قوله: 'و اللَّه ما مُعاويةُ بأدهى منّي'.
[ نهج البلاغة، الخطبة 191. ]

و قال عليه السلام: 'وَ لَقَدْ أصْبَحْنا في زَمانٍ قَد اتَّخَذَ أكثرُ أهلِهِ الغَدْرَ كَيساً، وَ نَسَبُهم أهلُ الجَهلِ فيه إلى حُسْنِ الحِيلَةِ، مالَهُم قاتَلَهُمُ اللَّه؟! قد يَرى الحُوَّلُ القُلَّبُ وَجهَ الحِيلَةِ، و دونَهُ مانعٌ مِن أمرِ اللَّه و نهيهِ فَيدَعُها رأيَ عَينٍ بَعْدَ القُدرَةِ عَليها، و يَنْتَهِزُ فُرصَتَها مَن لا حَرِيجَةَ لَه في الدِّينِ'. [ نهج البلاغة، الخطبة 41. ]

سياسته و تدبيره على وفق الكتاب و السُنة


قال عليّ عليه السلام في خطبة له: 'و اللَّه ما معاويُة بأدهى [ الدهى و الدهاء: الفكر وجودة الرأي. ] منّي، و لكنّه يَغدِر و يَفجُر، و لولا كراهيّةُ

[ الكراهية هنا بمعنى الحرمة لا معناها المعروف في مصطلح المتشرّعة. ] الغَدر [ الغدر هو الرذيلة المقابلة لفضيلة الوفاء بالعهود الّتي هي ملكة تحت العفّة. ] لَكنُتُ مِن أدهَى النّاس، و لكِن كُلُّ غَدْرَة فَجْرَةٌ [ الفجور: مقابل لفضيلة العفّة. ]،
و كلُّ فَجْرَةٍ كَفْرَةٌ، وَ لِكُلّ غادِرٍ لِواءٌ يُعْرَفُ به يوم القيامِة، و اللَّه ما أُستَغْفَلُ بالمَكِيْدَةِ وَ لاَ أُستَغْمَزُ [ و لا استغمز بالزاي المعجمة: أي لا يطلب غمزي و إضعافي، فإنّى لا أضعف عمّا أُرمى به من الشدائد، و لا أستجهل بشدائد المكائد. ] بالشَّدِيدَةِ [ نهج البلاغة، الخطبة 200. ]'.

و هو عليه السلام في هذه الخطبة دفع توهّم من كان يعتقد أنّ معاوية و أمثاله أجود رأياً و أكثر تدبيراً منه، و تعرّض بها لمعاوية من أجل عدم تحرّزه في تدبيره الأمور عن الغدر و الفجور، و صدّر الكلام بالقَسَم البارّ، تأكيداً للمقصود بقوله 'و اللَّه ما معاوية بأدهى منّي' ثمّ قال: 'و لكنّه يغْدِر و يَفْجُر' أي: يستعمل الغدر في أُموره السياسيّة، فيزعم أهل الجهل أنّه أدهى، في حين أنّ عليّاً عليه السلام كان ملازماً في جميع حركاته قوانين الشريعة، و رفض ما هو المعتاد في ذاك العصر في الحروب و إدارة الشؤون، كتدابير الدهاء و الخبث و المكر و الحيلة و الإجتهادات في النصوص، ممّا لم ترخّص فيه الشريعة، أمّا غيره مثل معاوية فيلجأ إلى جميع تلك الوسائل، سواء كان وافق شريعة الإسلام أم لا، فكانت وجوه الحيل و التدبير عليهم أوسع، و كان مجالها عليه أضيق.

ثمّ نبّه عليّ عليه السلام في الخطبة في وجهٍ على ما منع النّاس من أن يصفوه بالدهاء، مع كونه أعرف به من معاوية، فقال: 'لَولا كَراهِيَّةُ الغَدْر' أي المكر و استلزامه الكذب و الغش و الخيانة و الفجور المنافي لمرتبة العصمة 'لَكنتُ مِن أدهَى النّاسِ'.

و أصرح منه قوله هنا في الخطبة: 'وَلكِن كلُّ غَدْرَةٍ فَجْرَةٌ، وَكلُّ فَجْرَةٍ كَفْرَةٌ'. و وجه لزوم الكفر هنا: أنّ استباحة ما علم تحريمه من الشرع و جحده هو الكفر، كما استباح معاوية و أتباعه محرّمات الإسلام.
أمّا عليّ عليه السلام فإنّه لم يكن طالب دنيا و لا إمرة و لا سلطنة، بل طالب آخرة، و هدفه إقامة الحقّ و خذلان الباطل، فكيف يتوسّل بالباطل إلى نيل الملك، و هو الّذي كان يقول: 'و اللَّه لَو أُعْطِيتُ الأقالِيمَ السَبْعَة بِما تَحتَ أفلاكِها على أن أعْصِيَ اللَّه في نَمْلةٍ أسبلُهُا جلبَ شعيرةٍ ما فَعَلْتُهُ'. [ نهج البلاغة، الخطبة 215. ]

و هو الّذي يقول في نعله الّتي لا تساوي درهماً: 'و اللَّه لَهِيَ أحبُّ إليَّ مِن إمْرَتِكُمْ إلّا أنْ أُقيمَ حَقّاً أو أدفَعَ باطلاً'. [ نفس المصدر، الخطبة 33. ]

و هو الّذي لم يقبل يوم الشورى أن يبايعه عبدالرّحمن بن عوف إلّا على كتاب اللَّه و سنّة رسوله و رأيه، و لم يرض أن يدخل سيرة الشيخين حتّى عدل عنه إلى من قبل ذلك.[ راجع في هذا المجال شرح ابن أبي الحديد، ج 10، ص 245. ]

و هو الذي جاءه المغيرة بن شعبة بعد مبايعته، فقال له: إنّ لك حقّ الطاعة و النصحية، و إنّ الرأي اليوم تحرز به ما في غد، و إنّ الضياع اليوم تضيع به ما في غد، أقرر معاوية على عمله، و أقرر العمّال على أعمالهم حتى إذا أتتك طاعتهم و بيعة الجنود استبدلت أو تركت؟ فأبى، و قال: 'لا أُداهن في ديني، و لا أُعطي الدّنية في أمري'.

قال المغيرة: فإن كنت أبيتَ عليّ فانزع من شئت و اترك معاوية، فإنّ في معاوية و هو في الشام يُستمع له، و لك حجّة في إثباته... إذ كان عمر قد ولّاه الشام؟ فقال عليّ عليه السلام: 'لا و اللَّه... لا أستعمل معاوية يومين...'.

[ عبقرية الإمام عليّ، ص 122؛ و راجع نحوه في مروج الذهب، ج 2، ص 363. ]

هذا عليّ عليه السلام لم يترك الدّين و الإسلام على مدى حكومته لحظة و لم يغفل
عنه طرفة عين رغم جميع المواقف الصعبة و الظروف القاهرة التي مرّت بها حكومته عليه السلام.

سياسة عليّ و رأيه مثل سياسة رسول اللَّه


قال الشارح المعتزلي: و اعلم أنّ قوماً ممّن لم يعرفوا حقيقة فضل أميرالمؤمنين عليه السلام زعموا أنّ عمر كان أسوس منه و إن كان هو أعلم من عمر، ثمّ زعم أعداؤه و مبغضوه أنّ معاوية كان أسوس منه، و أصحّ تدبيراً.

و أجاب بما ملخّصه: أنّ السائس لا يتمكّن من السياسة البالغة إلّا إذا كان يعمل برأيه و بما يرى فيه صلاح ملكه و تمهيد أمره، سواء وافق الشريعة أو لم يوافقها، و متى لم يعمل في السياسة بمقتضى ما قلناه فبعيد أن ينتظم أمره أو يستوثق حاله، و أميرالمؤمنين عليه السلام كان مقيّداً بقيود الشريعة، مدفوعاً إلى اتِّباعها ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب و الكيد و التدبير إذا لم يكن للشرع موافقاً، فلم تكن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممّن لم يلتزم بذلك.

و لسنا بهذا القول زارين على عمر بن الخطّاب و لا ناسبين إليه ما هو منزّه عنه، و لكنّه كان مجتهداً يعمل بالقياس و الاستحسان و المصالح المرسلة، و يرى تخصيص عمومات النّص بالآراء و بالاستنباط من أُصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص، و يكيد خصمه و يأمر أُمراءه بالكيد و الحيلة، و يؤدّب بالدرّة و السوط من يتغلّب على ظنه أنّه يستوجب ذلك.

و لم يكن أميرالمؤمنين عليه السلام يرى ذلك، و كان يقف مع النصوص و الظواهر و لا يتعدّاها إلى الاجتهاد و الأقيسة، و يطبّق أُمور الدّنيا على أُمور الدين، و يسوق الكلّ مساقاً واحداً، و لا يضع و لا يرفع إلّا بالكتاب و النّص، فاختلفت طريقتاهما في الخلافة و السياسة، و كان عمر مع ذلك شديد الغلظة و السياسة، و كان عليّ عليه السلام
كثير الحلم و الصفح و التجاوز، فازدادت خلافة ذاك قوّة، و خلافة هذا "عليّ عليه السلام" لينا- إلى أن قال:- و كلّ هذه الأمور مؤثّرة في اضطراب أمر الوالي و انحلال معاقد ملكه، و لم يتّفق لعمر شي ء من ذلك، فشتّان بين الخلافتين فيما يعود إلى انتظام المملكة و صحّة تدبير الخلافة.

[ شرح ابن أبى الحديد، ج 10، ص 212. ]

في الفرق بين سياسة عليّ و سياسة معاوية و أتباعه


أمّا القول في سياسة معاوية فإنّ شَنَأة عليّ عليه السلام و مبغضيه زعموا أنّ سياسة معاوية خير من سياسة أميرالمؤمنين عليه السلام، فيكفينا في الكلام عليه ما قاله الدكتور طه حسين، و ما قاله أبوعثمان الجاحظ و نحن نحكيهما بألفاظهما.

قول الدكتور طه حسين المصري في ذلك


قال الدكتور طه حسين: إنّ الفرق بين عليّ عليه السلام و معاوية في السيرة و السياسة كان عظيماً بعيد المدى، كان الفرق بين الرجلين عظيماً في السيرة و السياسة، فقد كان عليّ مؤمناً بالخلافة... يرى أنّ من الحقِّ عليه أن يقيم العدل بأوسع معانيه بين الناس، لا يؤثر منهم أحداً على أحد، و يرى أنّ من الحقِّ عليه أن يحفظ على المسلمين مالهم لا ينفقه إلّا بحقِّه، فهو لا يستبيح لنفسه أن يصل الناس من بيت المال، بل هو لا يستبيح لنفسه أن يأخذ من بيت المال لنفسه و أهله إلّا ما يقيم الأود لا يزيد عليه.

فأمّا معاوية... لا يجد في ذلك بأساً و لا جناحاً، فكان الطّامعون يجدون عنده ما يريدون، و كان الزاهدون يجدون عند عليّ عليه السلام ما يحبّون.
و ما رأيك في رجل جاء أخوه عقيل مسترفداً، فقال لابنه الحسن: 'إذا خرج عطائي فسر مع عمّك إلى السوق فاشتر له ثوباً جديداً، و نعلين جديدتين' ثمَّ لم يزد ذلك شيئاً، و ما رأيك في رجل آخر- يعني معاوية- يأتيه عقيل هذا نفسه بعد أن لم يرض صلة أخيه فيعطيه من بيت المال مائة ألف؟.

و عليّ عليه السلام لا يداهن في الدين، و لم يكن يبغض شيئاً كما يبغض وضع درهم من بيت مال المسلمين في غير موضعه أو إنفاقه في غير حقّه، كما كان يبغض المكر و الكيد، و كل ما يتَّصل بسبب من أسباب الجاهلية الاُولى.
[ علي و بنوه للدكتور طه حسين، ص 59. ]

قول أبي عثمان الجاحظ في ذلك


قال أبوعثمان ما ملخّصه: وربما رأيت بعض من يظنّ بنفسه العقل و العلم و يظنّ أنّه من الخواص- و هو من العوام- يزعم أنّ معاوية كان أبعد غوراً و أصحّ فكراً و أجود مسلكاً من عليّ عليه السلام! و ليس الأمر كذلك، و سأرمي إليك بجملة تعرف بها موضع غلطه، و ذلك أنّ عليّاً عليه السلام كان لا يستعمل في حروبه إلّا ما يوافق الكتاب و السنة، و كان معاوية يستعمل ما يخالفهما كاستعماله ما يوافقهما، و يسير في الحرب بسيرة ملك الهند إذا لاقى كسرى، و خاقان إذا لاقى رُتبيل.

و كان عليّ عليه السلام يقول لأصحابه: 'لا تبدأوهم بالقتال حتّى يبدأوكم، و لا تتبعوا مدبراً، و لا تُجهزوا على جريح، و لا تفتحوا باباً مغلقاً' هذه سيرته في ذي الكلاع، و في أبي الأعور السُلمي، و في عمرو بن العاص، و في حبيب بن مَسلمة، و في جميع الرؤساء كسيرته في الحاشية و الأتباع، و لكن أصحاب الحروب إنّما يقصدون الوجه الّذي به هلاك الخصم، و ينتظرون وجه الفرصة،سواء كان
مخالفاً للشريعة كالحريق و الغريق و دسّ السموم و التضريب بين النّاس بالكذب و إلقاء الكتب في العسكر بالسعاية أو موافقاً للشريعة، فعليّ عليه السلام كان ملجماً بالورع عن جميع القول إلّا ما هو للَّه رضا، و ممنوع اليدين من كل بطش إلّا ما هو للَّه رضى، و لا يرى الرضا الا فيما يرضاه اللَّه و يحبّه، و لا يرى الرضا إلّا فيما دل عليه الكتاب و السنة دون أصحاب الدهاء و النكراء و المكائد، فلمّا رأت العوام نوادر معاوية في المكائد و كثرة غرائبه في الخداع و ما اتفق له و تهيّأ على يده، و لم يروا ذلك من عليّ عليه السلام ظنّوا بِقِصَرِ عقولهم وقلّة علومهم أنّ ذلك من رجحانٍ عند معاوية و نقصان عند عليّ عليه السلام.

ثمّ انظر بعد ذلك كلّه، هل يعدّ لمعاوية من الخُدع إلّا رفع المصاحف- في صفّين- ثمَّ انظر هل خدع بها إلّا من عصى رأي عليّ عليه السلام و خالف أمره من أصحابه!؟.

فإن زعمت أنّه نال ما أراد من الاختلاف فقد صدقت، و ليس في هذا اختلفنا، و لا عن غَرارة أصحاب عليّ عليه السلام و عجلتهم و تسرّعهم و تنازعهم دفعنا، و إنّما كان البحث في التمييز بينه و بين معاوية في الدهاء و المكر و صحّة العقل و الرأي، إلى آخره. [ شرح ابن أبي الحديد، ج 10، ص 228. ]

قال الشارح المعتزلي: و من تأمّل هذا الكلام بعين الإنصاف و لم يتّبع الهوى علم صحّة جميع ما ذكره، و أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام دفع- من اختلاف أصحابه و سوء طاعتهم له، و لزومه سنن الشريعة و منهج العدل، و خروج معاوية و عمرو بن العاص عن قاعدة الشرع في استمالة النّاس إليهم بالرّغبة و الرهبة- إلى ما يُدفع إليه غيره، فلولا أنّه عليه السلام كان عارفاً بوجوه السّياسة و تدبير أمر السّلطان و الخلافة

/ 74