علي يأمر عمّاله بالزهد - حیاة امیرالمؤمنین علی(علیه السلام) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حیاة امیرالمؤمنین علی(علیه السلام) - نسخه متنی

سید اصغر ناظم زاده قمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

عليه السلام ليلى، [ و هي ليلى بنت مسعود النهشلية، إحدى نسائه عليهاالسلام، و هي أُمّ محمّد الأصغر الشهيد مع أخيه الحسين عليه السلام في كربلاء و اُمّ عبيداللَّه قتيل المذار. ] فجُعِل له حَجَلة [ الحَجَلَة: ساتر كالقُبّة يُزيّن بالثياب و الستور للعروس. ]، فهتكها، و قال عليه السلام: حسب أهل عليّ ما هم فيه'.[ المصدر السابق. ]

3- و في شرح ابن أبي الحديد، عن عنبسة العابد، عن عبداللَّه بن الحسين بن الحسن قال: أعتق عليّ عليه السلام في حياة رسول اللَّه ألف مملوك ممّا مجلت يداه و عرق جبينه، و لقد ولي الخلافة و أتته الأموال، فما كان حلواه إلّا التمر، و لا ثيابه إلّا الكرابيس. [ شرح ابن أبي الحديد، ج 2، ص 202. ]

4- و في فرائد السمطين: عن سويد بن غفلة، قال: دخلت على عليّ بن أبي طالب عليه السلام القصر "قصر الإمارة بالكوفة" فوجدته جالساً "و" بين يديه صحفة فيها لبن حازر [ الحارز: الحامض. ]، أجد ريحه من شدّة حموضته، و في يديه رغيف، أرى قشار الشعير في وجهه، و هو يكسّره بيده أحيانا، فإذا أعيى عليه كسره بركبتيه، و طرحه في اللبن، فقال: 'ادنُ فأصب من طعامنا هذا' فقلت: إنّي صائم. فقال: 'سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: من منعه الصيام من طعام يشتهيه، كان حقّاً على اللَّه أن يطعمه من طعام الجنّة، و يسقيه من شرابها'. قال: فقلت لجاريته- و هي قائمة"بقرب" منه- ويحك يا فضّة ألا تتقين اللَّه في هذا الشيخ؟ ألا تنخلون له طعاماً؟ ممّا أرى فيه من النخالة؟ فقالت: لقد تقدّم إلينا أن لا ننخل له طعاماً. قال: فقال لي عليّ عليه السلام: 'ما قلت لها؟' فأخبرته. فقال: 'بأبي و اُمّي، من لم ينخل له طعام، و لم يشبع من خبز البُرّ ثلاثة أيّام حتّى قبضه اللَّه تعالى'. [ فرائد السمطين، ج 1،ص 352، ح 278 و يريد في عبارته الأخيرة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله. ]

و روى نحوه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص. [ تذكرة الخواص، ص 107. ]

5- و روى ابن الجوزي أيضاً، عن سويد بن غفلة، قال: دخلتُ على عليّ عليه السلام يوماً، و ليس في داره سوى حصير رثّ و هو جالس عليه، فقلت: يا أميرالمؤمنين، أنت ملك المسلمين و الحاكم عليهم و على بيت المال، و تأتيك الوفود، و ليس في بيتك سوى هذا الحصير شي ء؟ فقال عليه السلام: 'يا سويد، إنّ اللبيب لا يتأثث في دار النقلة، و أمامنا دار المقامة قد نَقلنا إليها متاعنا، و نحن منقلِبون إليها عن قريب'. قال: فأبكاني و اللَّه كلامه. [ المصدر السابق، ص 110. ]

6- و روى ابن الجوزي أيضاً، عن الأحنف بن قيس، قال: دخلتُ على معاوية، فقدم إليّ من الحلو و الحامض ما كثر تعجّبي منه، ثمّ قال: قدّموا ذاك اللون، فقدّموا لوناً ما أدري ما هو. فقلت: ما هذا؟ فقال: مصارين [ المصارين: الأمعاء. ] البطّ، محشوّة بالمخّ و دهن الفستق قد ذرّ عليه السكر. قال: فبكيتُ. فقال: ما يبكيك؟

فقلت: للَّه درّ ابن أبي طالب، لقد جاد من نفسه بما لم تسمح به أنت و لا غيرك. فقال معاوية: و كيف؟ قلت: دخلت عليه ليلة عند إفطاره، فقال لي: 'قم فتعشّ مع الحسن و الحسين'. ثمّ قام إلى الصلاة، فلمّا فرغ، دعا بجراب مختوم بخاتمه، فأخرج منه شعيراً مطحوناً، ثمّ ختمه. فقلت: يا أمير المؤمنين، لم أعهدك بخيلاً، فكيف ختمتَ على هذا الشعير؟ فقال عليه السلام: 'لم أختمه بُخلاً، و لكن خفتُ أن يبسّه [ بسّ السويق: خلطه بسمن أو زيت. ] الحسن و الحسين بسمن أو إهالة'. [ الإهالة بالكسر: الشحم المذاب أو الزيت و كلّ ما ائتدم به. ] فقلت: أحرام هو؟. قال: 'لا، و لكن على أئمّة الحقّ أن يتأسّوا بأضعف رعيّتهم حالاً في الأكل و اللباس، و لا يتميّزوا عليهم بشي ءٍ لا يقدرون عليه، ليراهم الفقير فيرضى عن اللَّه تعالى بما هو فيه، و يراهم الغني فيزداد شكراً و تواضعاً'. [ تذكرة الخواص، ص 106. ]

7- و في اُسد الغابة عن محمّد بن كعب القرظي، قال: سمعت عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: 'لقد رأيتني و إنّي لأربط الحجر على بطني من الجوع، و إنّ صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار'. [ اُسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 4، ص 23. ]

8- و في تذكرة الخواص: عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، قال: سمعت عبدالملك بن عمر يقول: حدّثني رجل من ثقيف، قال: استعملني عليّ عليه السلام على عكبرا، و قال لي: 'إذا كان الظهر فأتني'. قال: فأتيته فلم أجد أحداً يحجبني عنه، و وجدته جالساً وحده و بين يديه قدح من خشب، و كوز من ماء، فدعا بجراب مختوم، فقلت: لقد إئتمنني حيث يخرج إليّ جوهراً، و لا أعلم ما قيمته، فكسر الخاتم فإذا فيه سويق، فأخرج منه و صبَّ في القدح ماءً و ذرّه عليه، ثمّ شرب و سقاني، فلم أصبر، و قلت: يا أميرالمؤمنين، قد وسّع اللَّه عليك، و الطعام بالعراق كثير. فقال: 'واللَّه ما ختمت عليه بخلاً، و إنّما أبتاع قدر كفايتي، و أخاف أن يفنى فيوضع فيه من غيره، و إنّما أفعل هذا لئلاّ يدخل بطني غير طيّب'. [ تذكرة الخواص، ص 107. ]

9- و في نهج البلاغة و غيره عن عبداللَّه بن العبّاس قال: دخلتُ على أميرالمؤمنين عليه السلام بذي قار [ ذو قار: موضع قريب من البصرة، و هو اليوم أحد محافظات العراق. ] و هو يخصف [ يخصف نعله أي يخرزها. ] نعله، فقال لي: 'ما قيمة هذه النعل؟'. فقلت: لا قيمة لها.

فقال عليه السلام: 'و اللَّه لهي أحبّ إليَّ مِن إمرتكم، إلّا أن اُقيم حقّاً، أو أدفع باطلاً'. [ نهج البلاغة، الخطبة، 33؛ و روي نحوه في تذكرة الخواص، ص 110. ]

10- وفي فرائدالسمطين: بسنده عن معاوية، عن رجل من بني كاهل، قال: رأيت عليّاًعليه السلام و عليه تُبّان، [ التبّان- بالضمّ و التّشديد- سراويل صغيرة مقدار شبر تستر العورة. ] و قال: 'نعم الثوب، ما أستره للعورة، و أكفّه للأذى!'. [ فرائد السمطين، ج 1، ص 353، ح 279. ]

علي يأمر عمّاله بالزهد


إنّ عليّاً عليه السلام لم يكتف بكونه زاهداً في نفسه، بل كان يأمر عمّاله بالزهد و ترك الدّنيا و زينتها، و يريد من عمّاله في الأمصار أن يكونوا مثله أو متشبّهين به على الأقل،و يتابع أوضاعهم و سيرتهم، فيبلغه عن عامله على البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري أنّه دعي إلى مأدبة فذهب إليها، فيكتب إليه: 'بَلغني أنَّ بَعضَ فتيةِ أهل البَصرة دَعاكَ إلى مَأدبَةٍ فأسْرَعْتَ إليها، تُسْتَطابُ لَكَ الألْوان، و تُنْقَلُ إليكَ الجِفان، وَ ما ظَنَنْتُ أنَّك تُجِيبُ إلى طَعام قَومٍ عائلُهم مجفوٌّ، وغَنِيُّهمُ مَدعُوُّ'. [ نهج البلاغة، الكتاب 45. ]

و معنى هذا الكلام أنّه كان على ابن حنيف أن لا يجيب دعوة أحد من وجوه البصرة، فإنّ من يدعو الوالي إلى مأدبته لا يدعو معه إلّا الأغنياء، و لا يدعو أحداً من الفقراء، و كيف يفعلون ذلك و ثياب الفقراء بالية، و هيئاتهم رثة ينفرون منها و من رؤيتها، و إذا أرادوا أن يعطفوا على فقير منهم أرسلوا إليه شيئاً من الزاد أو المال إلى بيته، و لم تسمح لهم أنفسهم أن يجالسوهم على مائدتهم.

ثمَّ يريد من ابن حنيف أن يقتدي به في زهده، فيقول له: 'ألا و إنّ لكلِّ مامومٍ إماماً يقتدي به و يستضي ءُ بنورِ عِلمِهِ، ألاَ و إنَّ إمامكُم قَد اكْتَفى مِنْ دُنياهُ بِطِمرَيهِ، وَ مِنْ طُعْمِهِ بقُرْصَيهِ'. [ نهج البلاغة، الكتاب 45. ]

ثمَّ يرى أنّ ذلك غير ممكن فيقول له: 'ألا و إنّكُم لا تَقْدِروُنَ عَلى ذلِكَ، وَ لِكنْ أعينُوني بِوَرَعٍ وَ اجْتِهادٍ، وَ عِفَّةٍ وَ سدَادٍ'. [ نفس المصدر. ]

ثمَّ يحلف باللَّه مؤكّداً فيقول: 'فَوَاللَّه ما كَنَزْتُ مِنْ دُنْياكُم تِبراً، وَ لا ادَّخرتُ مِنْ غَنائِمِها وَفراً، وَ لا أعْدَدْتُ لِبالِي ثَوبي طِمْراً'. [ نفس المصدر. ]

ثم يسوقه الألم و الحُزن من أمر فدكَ إلى ذكرها هنا، فيذكر أنّه مع كونه قادراً على التنعّم بملاذ الدّنيا فهو يتركها زهداً فيها، مواساةً للفقراء، فيقول: 'وَ لَو شِئْتُ لاهتَدَيتُ الطَريقَ إلى مُصَفّى هذا العَسَل، وَ لُبابِ هذا القَمح، وَ نَسائج هذا القَزِّ، وَ لكِن هَيهاتَ أنْ يَغلِبَني هَواي وَ أنْ يقودني جَشعي إلى تَخَيُّر الأطْعِمَة، وَ لَعلَّ بِالحِجازِ و الَيمامَة من لا طمعَ له في القُرص، وَ لا عَهدَ لَهُ بالشبع'. [ نفس المصدر. ]

ليس الزهد عند عليّ ترك الدنيا طُرّاً


بعض العوامّ لا يعرف حقيقة الزهد في الإسلام، فيظنّ أنّ الزهد ترك الدّنيا بالمرّة، و اختيار العزلة و الانزواء دائماً، و هذا أمرٌ لا يقرّه الإسلام، بل الزهد في درجة عالية من تهذيب النّفس و قصر الأمل، قال النبيّ صلى الله عليه و آله 'ليس الزهد في الدنيا لبس الخشن، و أكل الجشب، و لكن الزهد في الدنيا قصر الأمل'. [ قصار الجمل، ص 284. ]

و إلى هذا المعنى يرجع قول أمير المؤمنين عليه السلام: 'الزهد كلّه بين كلمتين من القرآن، قال اللَّه سبحانه: 'لكيلا تأسَوا عَلَى ما فَاتَكُم وَ لا تَفْرحُوا بِمِا آتاكُم' فمن لم يأس على الماضي، و لم يفرح بالآتي، فقد استكمل الزهد بطرفيه'. [ نهج البلاغة، قصار الحكم 439. ]

و لو رأى أميرالمؤمنين عليه السلام بعض أصحابه يترك الدّنيا و يلبس العباء و يترك المُلاَء يذمّه و يرشده إلى حقيقة الحال، كما نرى ذلك في قصّة عاصم بن زياد و أخيه الربيع، و التي سنشير إليها فيما يلى:

قصة عاصم بن زياد


روى سبط ابن الجوزي عن الأحنف بن قيس، أنه قال: جاء الربيع بن زياد الحارثي إلى علي عليه السلام فقال: يا أميرالمؤمنين، إعدلي على أخي عاصم بن زياد، فقال: ما باله؟ فقال: لبس العباءة و تنسّك و هجر أهله.

فقال عليه السلام: عليَّ به. فجاء و قد ائتزر بعباءة و ارتدى باُخرى أشعث أغبر. فقال له: ويحك يا عاصم! أما استحييت من أهلك، أما رحمت ولدك، ألم تسمع إلى قوله تعالى: 'وَ يُحلّ لَهُمُ الطَّيّباتِ' [ الأعراف، 157. ] أترى اللَّه أباحها لك و لأمثالك و هو يكره أن تنال منها، أما سمعت قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'إن لنفسك عليك حقاً؟!' الحديث.

فقال عاصم: فما بالك يا أميرالمؤمنين، في خشونة ملبسك، و جشوبة مطعمك، و إنّما تزيّنتُ بزيّك، فقال عليه السلام: 'ويحك، إنّ اللَّه فرض على أئمّة الحقّ أن يتّصفوا بأوصاف رعيتهم، أو بأفقر رعيتهم، لئلا يُزدرى [ أي يُحَقّر و يُعاب. ] الفقير بفقره، و ليحمد اللَّه الغنيُّ على غناه'. [ تذكرة الخواص، ص 106. ]

و روى ابن أبي الحديد في شرحه هذه القصة هكذا: إعلم أنّ الّذي رويته عن الشيوخ، و رأيته بخطّ عبداللَّه بن أحمد بن الخشّاب، أنّ الرّبيع بن زياد الحارثي أصابته نشّابة في جبينه، فكانت تنتقض عليه في كلّ عام، فأتاه عليّ عليه السلام عائداً، فقال: 'كيف تجدك أبا عبدالرحمن؟'. قال: أجدني- يا أميرالمؤمنين- لو كان لا يذهب ما بي إلّا بذهاب بصري لتمنّيت ذهابه. قال: 'و ما قيمة بصرك عندك؟'. قال: لو كانت لي الدّنيا لفديته بها. قال: 'لا جرم: ليعطينّك اللَّه على قدر ذلك، إنّ اللَّه تعالى يعطي على قدر الألم و المصيبة، و عنده تضعيف كثير'. قال الربيع: يا أميرالمؤمنين، ألا أشكو إليك عاصم بن زياد أخي؟ قال: 'ماله؟'. قال: لبس العباء [ العباء: الكساء من الصوف، و هو لباس خشن. ] و ترك المُلاء [ المُلاء بالضم: الثوب اللين الرقيق. ] و غمّ أهله و حَزَن ولده.

فقال عليّ عليه السلام: 'اُدعوا لي عاصماً' فلمّا أتاه عبس في وجهه عليه السلام و قال: 'ويحك- يا عاصم- أترى اللَّه أباح لك اللذّات و هو يكره ما أخذت منها؟! لأنت أهون على اللَّه من ذلك، أو ما سمعته يقول: 'مَرَج البَحْرينِ يَلْتَقِيانِ'، ثمّ يقول: 'يَخْرُجُ مِنْهُمااللُّؤلُؤ و المَرْجان' [ الرحمن، 19. ]، و قال: 'وَ مِن كُلٍ تأكلُونَ لَحْمَاً طَرِيّاً وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِليَةً تَلْبَسُونَها' [ الرحمن، 22. ]، أما و اللَّه إنّ ابتذال نعم اللَّه بالفعال، أحبّ إليه من ابتذالها بالمقال؟ و قد سمعتم اللَّه يقول:'و أمّا بنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدّث' [ الضحى، 11. ]، و قوله: 'قُلْ مَن حَرَّم زينَةَ اللَّه الّتي أخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِن الرِّزقِ'.

[ الاعراف، 32. ] إنّ اللَّه خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين، فقال: 'يَا أيُّها الّذينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُم' [ البقرة، 172. ] و قال: 'يا أَيُّها الرُّسُل كُلُوا من الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صَالِحاً'. [ المؤمنون،51. ] و قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لبعض نسائه: مالي أراك شعثاء

[ الشعثاء: الّتي اغبر رأسها و تلبّد شعرها و انتشر لقلة تعهّده بالدّهن. ] مَرهاء [ المرهاء: التي لاتكتحل. ] سلتاء [ السلتاء: الّتي لا تختضب. ]؟!'.

قال عاصم: فلم اقتصرت- يا أميرالمؤمنين- على لبس الخشن و أكل الجشب؟

قال: 'إنّ اللَّه تعالى افترض على أئمّة العدل أن يُقدّروا لأنفسهم بالقوام، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره'. [ قوله: 'يتبيّع بالفقير فقره' أي يهيج به الألم فيهلكه. ] فما قام عليّ عليه السلام حتّى نزع عاصم العباء و لبس مُلاءة.

[ شرح ابن أبي الحديد، ج 11، ص 36 -35. ]

صبره على النوائب


في معنى الصبر و مراتبه

الصبر ضد الجزع، و هو ثبات النّفس و عدم اضطرابها في الشدائد و المصائب، بأن تقاوم معها بحيث لا تخرجها عن سعة الصدر و ما كانت عليه قبل ذلك من السرور و الطمأنينة، فيحبس لسانه عن الشكوى و أعضاءه عن الحركات غير المتعارفة، و هذا هو الصبر على المكروه و ضد الجزع. و الصبر على المكروه و مشاق العبادات و على ترك الشهوات إن كان بيسر و سهولة فهو الصبر حقيقة، و إن كان بتكلّف و تعب فهو التصبّر مجازاً، و إذا أدام التقوى و قوى التصديق بما في العاقبة من الحسنى تيسّر الصبر و لم يكن له تعب و مشقّة، كما قال اللَّه تعالى: 'فَأمّا مَنْ أعْطى وَ اتّقى- وَ صَدَّقَ بِالحُسنى- فَسَنُيسِّرُهُ لِليُسرى'.

[ الليل، 5 الى 7. ] و متى تيسّر الصبر و صار ملكة راسخة أورث مقام الرضى، و إذا أدام مقام الرضى أورث مقام المحبّة. و لذا قال بعض العارفين: أهل الصبر على ثلاث مقامات:

الأوّل: ترك الشكوى، وهذه درجة التائبين. الثاني: الرضى بالمقدّر، و هذه درجة الزاهدين.

الثالث: المحبّة لما يصنع به مولاه، و هذه درجة الصدّيقين.

و لا يخفى أنّ هذه الدرجة لا يبلغها إلّا من كان عارفاً باللَّه و بأسرار حكمته و قضائه و قدره، بأن يعلم أنّ كلّ أمر صدر من اللَّه و ابتلى به عباده من ضيق أو سعة، و كلّ أمر موهوب أو مرغوب على وفق الحكمة و المصلحة بالذات، فإذا صار بهذه المرتبة استعدّت نفسه للصبر و مقاومة الهوى في الغمّ و الحزن، و طابت بقضائه و قدره، و توسّع صدره بمواقع حكمه، و أيقن بأنّ قضاءه لم يجر إلّا بالخيرة.

و هذه الدّرجة من الصبر كانت لعليّ بن أبي طالب عليه السلام على مدى عمره الشريف، فقد صبر في جميع المشاكل و المصائب التي جرت عليه، لقد كان جليس داره خمساً و عشرين سنة، و اغتصب حقّه المسلّم به، لكنّه صبر و ما تشكّى، و ما كان يعترض أو يتمنّى على اللَّه في كلّ ما جرى عليه. بل كان مثال الصبر و مظهر صفة الصابرين: 'إ نّما يُوفّى الصّابِرُونَ أجْرَهُم بِغَير حِسابٍ'. [ الزمر، 10. ]

تاكيد رسول اللَّه على علي بالصبر


نقل ابن أبي الحديد عن أنس بن مالك، قال: كنّا مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و عليّ بن أبي طالب معنا، فمررنا بحديقةٍ، فقال عليّ: 'يا رسول اللَّه، ألا ترى ما أحسن هذه الحديقة؟' فقال صلى الله عليه و آله: 'إن حديقتك في الجنة أحسن منها' حتى مررنا بسبع حدائق، يقول عليّ ماقاله، و يجيبه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بما أجابه، ثمّ إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقف فوقفنا، فوضع رأسه على رأس عليّ عليه السلام و بكى، فقال عليّ عليه السلام: ما يبكيك، يا رسول اللَّه؟ قال: ضغائن في صدور قومٍ لا يبدونها لك حتى يفقدوني.

/ 74