و على الباب الخامس منها مكتوب ثلاث كلمات: لا تتبع الهوى، فإنّ الهوى يجانب الإيمان، و لا تكثر منطقك فيما لا يعنيك فتسقط عن عين ربّك، و لا تكن عوناً للظالمين، فإنّ الجنة لم تُخْلَق للظالمين.
و على الباب السادس منها مكتوب ثلاث كلمات: أنا حرام على المجتهدين، أنا حرام على المتصدّقين، أنا حرام على الصائمين.
و على الباب السابع منها مكتوب ثلاث كلمات: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و وَبِّخُوا أنفسكم قبل أن تُوبَّخُوا، و ادعوا اللَّه قبل أن تَرِدوا عليه و لا تقدرون على ذلك''. [ فرائد السمطين، ج 1، ص 238، ح 186. ]
جلاله في القيامة
إنّ نظام الحياة الفردية يوم القيامة يكون على عكس الحياة المادية في الدّنيا، فإنّ كلّ إنسان يتلقّى في القيامة نتائج أعماله و جزاءها و هو رهين ما قدّم من أعمال ''كلّ أمرى ء بِما كَسَبَ رَهِينٌ'' [ الطور، 21. ]، و في الحديث: ''الدّنيا مزرعة الآخرة'' إلّا فئة من النّاس لا يكونون رهن شي ء، و اُولئك هم أصحاب اليمين، كما يعبّر القرآن عنهم بذلك ''كلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَة إلّا أصْحابَ الَْيمِين''. [ المدثر، 38 و 39. ] إنّ الأحرار الّذين يفعلون ما يشاؤون خيراً أو شرّاً في الدنيا معذّبون في الآخرة، و الطلقاء اليوم مقيّدون غداً، إلّا أصحاب اليمين، فإنّهم ينعمون بسرور خاصّ.
و ينبغي الالتفات إلى أنّه بغضّ النظر عن الجنّة، و ما اُعدّ فيها من النعم للمؤمنين، و النّار و ما فيها من أنواع العذاب الّذي ينتظر المجرمين، فإنّه توجد في القيامة أنوار و سعادات هي عين وجود الإنسان المؤمن، و سلسلة من الظلمات و أنواع العذاب هي عين وجود الإنسان الكافر الضّالّ، يقول القرآن الكريم في
المؤمنين: ''يَومَ تَرَى المُؤمِنينَ وَ المُؤمِناتِ يَسْعى نُورهُم بَينَ أيديهم''.
[ الحديد، 12. ] و يقول في موضع آخر: ''فأمّا إن كانَ مِنَ المُقرَّبينَ فَرَوْحٌ وَ رَيحانٌ وَ جَنَّةُ نَعيمٍ''. [ الواقعة، 88. ]
و على عكس ذلك فإنّه يصف الكافرين بأنّهم حطب جهنّم و وقودها، فيقول: ''فَاتَّقُوا النّارَ الّتي وَقُودُها النّاسُ وَ الحِجارَةُ''. [ البقرة، 24. ] و يقول في موضع آخر: ''وَ أمّا القاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهنَّمَ حَطَباً''. [ الجن، 16. ]
و إذا عرفنا درجات عليّ بن أبي طالب و مراتبه السامية، فهو نفس النبيّ صلى الله عليه و آله و أخوه و وصيّه بلا فصل، و هو الّذي كان نوراً بكلّ وجوده في هذه الدنيا، و هو الطاهر العدل الّذي كان يضحّي بنفسه في سبيل الإسلام، و فيه نزلت: ''وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفسَهُ ابتغاءَ مَرْضاتِ اللَّه'' [ البقرة، 207، و قد نزلت هذه الآية في علي عليه السلام عندما بات في فراش رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ليلة الهجرة، و ذكرنا ذلك في هذا الفصل، في ''مبيته في فراش النبي صلى الله عليه و آله ''. ] و هو مظهر الصفات الحميدة و مكارم الأخلاق، و هو قدوة الإنسانية و نموذج الإنسان الكامل بعد رسول اللَّه، و كان يتبع أثر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حذو القذّة بالقذّة و لا يحيد عنه أبداً....
إذا عرفنا ذلك فإنّه سيرتقي في القيامة أعلى الدرجات، و يتحلّى بأجمل صفات الأنبياء و المقرّبين.
و إذا لا حظنا الأخبار و الروايات المروية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله و الموجودة في كتب الفريقين، و الّتي تشير إلى عظمة عليّ عليه السلام و جلاله في يوم القيامة، عرفنا
مدى تلك العظمة و الجلال، و نحن نذكر بعضاً من تلك الأخبار:
1- روى ابن المغازلي الشافعي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، أنّه سئل عن قول اللَّه عزّوجلّ: ''وَعَد اللَّه الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُم مَغْفِرَةً وَ أجْراً عظيماً'' [ الفتح، 29. ] قال: سأل قوم النبيّ صلى الله عليه و آله فقالوا: فيمن نزلت هذه الآية، يا نبيّ اللَّه؟
قال: ''إذا كان يوم القيامة عقد لواء من نور أبيض، فإذا منادٍ: ليقم سيّد المؤمنين و معه الّذين آمنوا بعد بعث محمّد صلى الله عليه و آله، فيقوم عليّ بن أبي طالب عليه السلام فيعطى اللواء من النّور الأبيض بيده، تحته جميع السابقين الأوّلين من المهاجرين و الأنصار، لا يخالطهم غيرهم، حتّى يجلس على منبر من نور ربّ العزّة، و يُعرَض الجميع عليه رجلاً رجلاً فيُعطى أجره و نوره، فإذا أتى على آخرهم قيل لهم: قد عرفتم موضعكم و منازلكم من الجنّة، إنّ ربّكم يقول: عندي مغفرة و أجرٌ عظيم- يعني الجنّة- فيقوم عليّ و القوم تحت لوائه معهم حتّى يدخل بهم الجنّة.
ثمّ يرجع إلى منبره، فلا يزال يُعرَض عليه جميع المؤمنين، فيأخذ نصيبه منهم إلى الجنّة، و ينزل أقواماً إلى النّار، فذلك قوله تعالى: ''وَ الَّذِينَ آمَنوا بِاللَّه وَ رُسُلِهِ اُولئِكَ هُمُ الصِدِّيقُونَ وَ الشُهداءُ عِنْد رَبِّهم لَهُمْ أَجْرُهُم وَ نُورُهُم''.
[ الحديد، 19. ] يعني السّابقين الأوّلين من المؤمنين و أهل الولاية ''و الّذينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بآياتِنا اُولئِكَ أصحابُ الجَحِيم'' [ الحديد، 19. ]،يعني بالولاية بحقّ عليّ، و حقّ عليّ عليه السلام الواجب
على العالمين''. [ المناقب لابن المغازلي، ص 322، ح 369. ]
2- و روى الصفوري الشافعي و أبونعيم الأصفهاني و الجويني، عن أنس، قال: بعثني النبيّ صلى الله عليه و آله إلى أبي برزة الأسلمي، فقال له و أنا أسمع: ''يا أبا برزة، إنّ ربّ العالمين عهد إليَّ عهداً في عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: إنّه راية الهدى، و منار الإيمان، و نور جميع من أطاعني، و إمام أوليائي.
يا أبا برزة: عليّ بن أبي طالب أميني غداً في القيامة على مفاتيح خزائن رحمة ربّي، و صاحب رايتي يوم القيامة''. [ حلية الأولياء، ج 1، ص 66؛ نزهة المجالس، ج 2، ص 208؛ فرائد السمطين، ج 1، ص 144، ح108. ]
3- روى الجويني، عن عامر الطّائي، عن علي بن موسى الرضا عليهماالسلام، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام قال: ''قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ليس في القيامة راكب غيرنا نحن أربعة، فقام إليه رجل من الأنصار، فقال: فداك أبي و اُمّي ومن هم؟
قال: ''أنا على دابّة اللَّه البراق، و أخي صالح على ناقة اللَّه عزّوجلّ الّتي عقرت،و عمّى حمزة على ناقتي العضباء، و أخي عليّ على ناقة من نوق الجنّة، و بيده لواء الحمد، ينادي: لاإله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، فيقول الآدميّون: ما هذا إلّا ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو حامل عرش، فيجيبهم ملك من تحت بطنان العرش: يا معشر الآدميين، ليس هذا ملكاً مقرباً، و لا نبيّاً مرسلاً، و لا حامل عرش، هذا عليّ بن أبي طالب''. [ فرائد السمطين، ج 1 ص 87، ح 66. ]
4- و في الرياض النضرة عن أنس قال:قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ''لعليّ يوم القيامة ناقة من نوق الجنّة فتركبها و ركبتك مع ركبتي، و فخذك مع فخذي، حتّى تدخل الجنّة''. [ الرياض النضرة، ج 3، ص 186. ]
5- و فيه أيضاً عن عليّ عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ''يا عليّ، إنّك أول من يقرع باب الجنّة، فتدخلها بغير حسابٍ بعدي'' [ المصدر السابق، ج 3، ص 114. ]
6- و روى الجويني، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:''أعطاني ربّي عزّوجلّ في عليّ خصالاً في الدنيا، و خصالاً في الآخرة: أعطاني به في الدّنيا أنّه صاحب لوائي عند كلّ شدة و كريهة، و أعطاني به في الدّنيا أنّه غامضي و غاسلي و دافني، و أعطاني به في الدّنيا أنّه لن يرجع بعدي كافراً.
و أعطاني به في الآخرة أنّه صاحب لواء الحمد يقدمني به، و أعطاني به في الآخرة أنّه متّكى ء في طول الحشر يوم القيامه، و أعطاني به في الآخرة أنّه عون لي على حمل مفاتح الجنّة''. [ فرائد السمطين، ج 1، ص 228، ح 178. ]
7- و عنه أيضاً، عن ابن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ''عليّ بن أبي طالب حلقة معلّقة بباب الجنّة من تعلّق بها دخل الجنّة''. [ المصدر السابق، ج 1، ص 180، ح 143. ]
علي قسيم الجنّة و النار
ممّا لا شكّ فيه أنّ الجنّة و النّار في القيامة هي ثمرة أعمال الإنسان في مزرعة الدّنيا، فكلّما كانت أعمالنا منسجمة مع مبادى ء الإسلام، و منطبقة مع الموازين الشرعية الإلهية، فإنّها تقرّبنا إلى اللَّه جلّ و علا، و إلى الجنّة زلفى، في نفس الوقت الّذي تبعدنا عن النّار، فأعمال الفرد هي الكفيلة بإيصاله إلى الجنّة أو النّار.
إنّ النبيّ و وصيّه عليّ عليهماالسلام يمثّلان نموذجين متكاملين لقوانين الإسلام، و كذا شأن الأئمّة المعصومين عليهم السلام من بعدهم، فكلّما كانت أعمالنا إليهم اقرب فنحن إلى شرع الإسلام و إلى الجنّة أقرب، و إنّما نزداد قرباً من النّار كلّما ابتعدنا عنهم.
لقد جاء في بعض الأحاديث ''حبُّ عليّ إيمان، و بغضه كفر'' [ المصدر السابق، ج 1، ص 180، ح 143. ] و نفهم منه أنّ حبّ عليّ عليه السلام ميزانٌ لمصير العباد إلى الجنّة، كما أنّ بُغضه سببٌ في المصير إلى النّار.
و لا يخفى أنّ الحبّ و البغض هنا ليسا أمراً ذهنياً فقط، أو أمراً شعوريّاً كما
يتوهّم، بل الحبّ و البغض لا يكون إلّا بالعمل، و لذا ورد في الحديث ''هل الدّين إلّا الحبّ''.
إذ من كان يبغض عليّاً عليه السلام فلا يسير على نهج عليّ عليه السلام، و بالنتيجة لا يكون عمله منطبقاً مع شرع، الإسلام، و من يحبّ عليّاً و كان عمله مطابقاً لعمل عليّ عليه السلام فهو يدخل الجنّة، فلعلّ المراد بكونه عليه السلام ''قسيم الجنّة و النّار'' هذا المعنى، و قد يراد أنّه قسيمهما فعلاً، حيث ورد في الحديث على ما سيأتي أنّه عليه السلام يقول للنار ''هذا لي، و هذا لك'' و اللَّه العالم.
فعلى هذا، إنّ البعض ممّن يدّعي حبّ عليّ عليه السلام كالدراويش و الصوفية أو بعض مَنْ لا دراية له، و لكن لا يعمل بمنهج عليّ عليه السلام، لا يتوقع أن يدخل الجنّة لمجرد محبّته لعليّ عليه السلام بلا عمل، قال اللَّه تعالى: ''إنّ الّذينَ آمَنُو وَ عَمِلُوا الصالِحاتِ اُولئِكَ أصْحابُ الجنّة''، [ البقرة، 82. ] فالايمان و الحبّ و المودّة تحتاج إلى تجسيد عملي في أرض الواقع.
و قال عليّ عليه السلام لعثمان بن حنيف عامله على البصرة: ''ألا و إنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به، و يستضي ء بنور علمه'' [ نهج البلاغة، الكتاب 45. ]، و ليس معنى الاقتداء بالإمام إلّا العمل بطريقته، و إليك بعض الأخبار الّتي توضح ما قلنا:
1- روى ابن المغازلي الشافعي، عن علي عليه السلام، أنّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ''إنّك قسيم النار، و إنّك تقرع باب الجنّة، و تدخلها بغير حساب''. [ المناقب لابن المغازلى ص 67 ح 97. ]
2- و روى الخوارزمي بالاسناد عن عليّ عليه السلام، أنّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
''يا عليّ، إنّك قسيم الجنّة و النار، و إنّك تقرع باب الجنّة فتدخلها بغير حساب'' [ المناقب للخوارزمي، ص 209. ]
3- و روى أيضاً بالاسناد عن عليّ عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ''يا علي، إني سألت اللَّه فيك خمس خصال فأعطاني... إلى أن قال: و أمّا الخامسة فسألت ربي أن تكون قائد أمّتي إلى الجنّة فأعطاني، فالحمداللَّه الذي مَنّ عليَّ بذلك''. [ المناقب للخوارزمي، ص 208. ]
4- و روى الجويني، بسنده عن عباية، عن عليّ عليه السلام، قال: ''أنا قسيم النّار، إذا كان يوم القيامة قلت: هذا لك، و هذا لي''.
عليّ حُبُّه جُنّة
قسيم النّار و الجَنّه
إمام الإنس و الجِنّه
وصيّ المصطفى حقّاً
إمام الإنس و الجِنّه
إمام الإنس و الجِنّه
[ فرائد السمطين، ج 1، ص 326، ح 254. و أخرج هذا الحديث أيضاً ابن كثير في البداية و النهاية، ج 7، ص 355. ]
5- و عن محمّد بن منصور الطوسي أنه قال: كنّا عند أحمد بن حنبل، فقال له رجل: يا أبا عبداللَّه، ما تقول في هذا الحديث الّذي يُروى أنّ عليّاً عليه السلام قال: ''أنا قسيم النّار''؟
فقال أحمد: و ما تنكرون من هذا الحديث، أليس روينا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لعليّ: ''لا يحبّك إلّا مؤمن، و لا يبغضك إلّا منافق؟''. قلنا: بلى. قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنّة. قال: فأين المنافق؟ قلنا: في النّار. قال: فعليّ قسيم النّار. [ كفاية الطالب، ص 72، طبقات الحنابلة، ج 1، ص 320، طبع القاهرة- مصر. ]
6- و في صواعق ابن حجر: و أخرج الدار قطني، أنّ عليّاً عليه السلام قال للستّة الّذين جعل عمر الأمر شورى بينهم كلاماً طويلاً من جملته: ''أنشدكم باللَّه هل فيكم
أحدٌ قال له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: أنت قسيم الجنّة و النّار يوم القيامة، غيري؟''، قالوا: اللّهم لا. ثمّ قال ابن حجر: و معناه ما روي عن عليّ الرضا، أنّه صلى الله عليه و آله قال لعليّ: ''أنت قسيم الجنّة و النّار، فيوم القيامة تقول للنّار: هذا لي و هذا لكِ''. [ الصواعق المحرقة، 126. ]