حوار مع فضل الله حول الزهراء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حوار مع فضل الله حول الزهراء - نسخه متنی

سید هاشم هاشمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


فلابد من حملها على ما حملنا عليه ما ورد فى ذم زرارة و محمد بن مسلم و يزيد بن معاوية واضرابهم. و يؤكد ذلك ان الاختلاف انما هو فى الروايات التى رويت عن الصادق عليه السلام، و اما ما روى عن الكاظم و الرضا عليهماالسلام فكلها مادحة على ما تقدم، و هذا يكشف عن ان القدح الصادر عن الصادق عليه السلام انما كان لعلة.

و يكفى فى جلالة المفضل تخصيث الامام الصادق عليه السلام اياه بكتابه المعروف بتوحيد المفضل، و هو الذى سماه النجاشى بكتاب فكر، و فى ذلك دلالة واضحة على ان المفضل كان من خواص اصحابه و مورد عنايته».

[معجم رجال الحديث: ج 18، ص 303.]

فقول هؤلاء الاعلام يدل على ان علمائنا الابرار (رضوان الله تعالى عليهم اجمعين) لم يكونوا يعتمدون فى تصحيح الروايد على النظر فى الاسانيد فقط و الاكتفاء بما يذكره الرجاليون من التوثيقات الواردة فى حقهم، بل كانوا يلاحظون الرواية و مجموع ما تضمه من قرائن بحيث يستوجب ذلك اطمئنانا بالصدور.

القرائن الدالة على صحة الخبر


و يمكن تقسيم القرائن التى تشهد بصحة الخبر الى نوعين:

القرائن الداخلية:


و يمكن القول ان من القرائن الداخلية ما يلى:

1- اشتمال الرواية على المواعظ الاخلاقية الرفيعة التى يضعف العقل البشرى الاعتيادى عن اخطارها- و بمراتب دانية- فى تفكيره، و كذلك الادلة العقلية المتينة على توحيد الله و بعثة الانبياء. و لهذا نجد ان ابامنصور الطبرسين فى مقدمة كتاب الاحتجاج يبرر عدم ذكره لاسانيد احاديثه بقوله: «و لا ناتى فى اكثر ما نورده من الاخبار باسناده اما لوجود الاجماع عليه او موافقته لما دلت العقول اليه».

[الاحتجاج: ج 1، ص 4 ط دار الاسوة.]

فان الاساس فى ذكر الاحاديث الدالة على وجود الله و غير ذلك مما يحتاج فى الاستدلال عليه الى الادلة العقلية هو مدى احتوائها على البرهان و الحجة، فلو كان الحديث مفتقرا الى السند الصحيح مع ارشاده للدليل العقلى و البرهان الواضح فانه سيؤدى الى المطلوب، اما اذا كان الحديث قاصرا عن اثبات المطلوب بالحجة الدامغة- على سبيل الفرض و الاحتمال- فانه لن يكون مجديا و ان ورد بالسند الصحيح.

و على سبيل المثال روى الشيخ الكلينى (قدس سره) فى الكافى فى باب «انه عز و جل لا يعرف الا به» من كتاب التوحيد عن عدة من اصحابنا، عن احمد بن محمد بن خالد، عن بعض اصحابنا، عن على بن عقبة بن قيس بن سمعان بن ابى ربيحة مولى رسول الله صلى الله عليه و آله قال: «سئل اميرالمؤمنين عليه السلام: بم عرفت ربك؟ قال: بما عرفنى نفسه، قيل: و كيف عرفك نفسه؟ قال عليه السلام: لا يشبهه صورة و لا يحس بالحواس و لا

يقاس بالناس، قريب فى بعده، بعيد فى قربه، فوق كل شى ء و لا يقال شى ء فوقه، امام كل شى ء و لا يقال له امام، داخل فى الاشياء لا كشى ء داخل فى شى ء، و خارج من الاشياء لا كشى ء خارج من شى ء، سبحان من هو هكذا و لا هكذا غيره، و لكل شى ء مبتدا».

[الكافى: ج 1، ص 85، ح 2.] فهل نرد هذه الرواية و نصد عن عميق معانيها و عظيم افقها لضعفها سندا، و لا اقل من جهة الارسال؟! ان معارفها الغزيرة التى تقصر عقولنا عن الاحاطة بجميع ابعادها هى بذاتها اكبر شاهد على صحتها، و نحن فى غنى عن اجهاد انفسنا لاثبات صحة السند فى امثال هذا الحديث.

2- اشتمال الرواية على العبارات البليغة و المحتوى الرفيع الذى يكشف عن صدورها عن المعصومين، حيث ان كلامهم عليهم السلام فوق كلام المخلوق و دون كلام الخالق، و من ذلك خطب نهج البلاغة و دعاء كميل و دعاء عرفة و دعاء ابى حمزة الثمالى، و نكتفى فى مقام الاستشهاد بما ذكره عدة من الاعلام:

أ- الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (قدس سره) حينما سئل عن سند دعاء الصباح، فكان مما كتبه فى الجواب: «لا يخفى على احد ان لكل طائفة من ارباب الفنون و العلوم بل لكل امة بل لكل بلد اسلوبا خاصا من البيان و لهجة متميزة عن غيرها، فلهجة اليزدى غير لهجة الاصفهانى، و نغمة الاصفهانى غير نغمة الطهرانى و الخراسانى، و الكل فارسى ايرانى، و للائمة عليهم السلام اسلوب خاص فى الثناء على الله و الحمد لله و الضراعة له و المسالة منه، يعرف ذلك لمن مارس احاديثهم و انس بكلامهم و خاض فى بحار ادعيتهم و من حصلت له تلك الملكة و ذلك الانس لا يشك فى ان هذا الدعاء صادر منهم، و هو اشبه ما يكون بادعية الامير عليه السلام مثل دعاء كميل و غيره، فان لكل امام لهجة خاصة و اسلوبا خاصا على تقاربها و تشابهها جميعا، و هذا الدعاء فى اعلى مراتب الفصاحة و البلاغة و المتانة و القوة مع تمام الرغبة و الخضوع و الاستعارات العجيبة، انظر الى اول فقرة منه: «يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه»، و اعجب لبلاغتها و بديع استعارتها، و اذا اتجهت الى قوله: «يا من دل على ذاته بذاته» تقطع بانها من كلماتهم عليهم السلام مثل قول زين العابدين: «بك عرفتك و انت دللتنى عليك»، و بالجملة فما اجود ما قال بعض علمائنا الاعلام: «اننا كثيرا ما نصحح الاسانيد بالمتون» فلا يضر بهذا الدعاء الجليل ضعف سنده مع قوة متنه، فقد دل على ذاته».

[الفردوس الاعلى: ص 50.]

ب- السيد محمد باقر الحسينى المرعشى الداماد فقد قال فى بيا العلامات التى يتميز بها الحديث الضعيف من غيره: «و يعرف كون الحديث موضوعا باقرار واضعه بالوضع او ما ينزل منزلة الاقرار من قرينة الحال الدالة على الوضع و الاختلاق، فباقراره يحكم على ذلك الحديث بحسب ظاهر الشرع بما يحكم على الموضوع فى نفس الامر و ان لم

يكن يحصل بذلك حكم قطعى بات بالوضع لجواز كذبه فى اقراره، و قد يعرف ايضا بركاكة الفاظ المروى و سخافة معانيها و ما يجرى مجرى ذلك، كما قد يحكم بصحة المتن مع كون السند ضعيفا اذا كان فيه من اساليب الرزانة و افانين البلاغة و غامضات العلوم و خفيات الاسرار ما يابى الا ان يكون صدوره من خزنة الوحى و اصحاب العصمة و حزب روح القدس و معادن القوة القدسية».

[الرواشح السماوية: ص 193.]

ج- السيد ابوالقاسم الخوئى فى مواضع متعددة من تقريرات درسه، فقد اورد فى مبحث التنجيم رواية ذكرها الحر العاملى فى كتابه الوسائل، ثم قال: «ضعيفة لعبدالله بن عوف و عمر بن سعد و محمد بن على القرشى و غيرهم، و لكن آثار الصدق منها ظاهرة...».

[مصباح الفقاهة: ج 1، ص 223 ط دار الهادى؛ ج 1، ص 251 ط وجدانى.] و فى مبحث جواز ارتزاق القاضى من بيت المال استدل على ذلك بوجوه منها فقرة واردة فى عهد الامام على عليه السلام لمالك الاشتر، ثم قال: «و العهد و ان نقل مرسلا الا ان آثار الصدق منه لائحة كما لا يخفى للناظر اليه...».

[مصباح الفقاهة: ج 1، ص 344 ط دار الهادى؛ ج 1، ص 268 ط وجدانى.] و فى مبحث حرمة الولاية من قبل الجائر قال: «و يدل على الحرمة ايضا ما فى رواية تحف العقول من قوله عليه السلام: «ان فى ولاية الوالى الجائر دروس الحق كله و احياء الباطل كله، و اظهار الظلم و الجور و الفساد، و ابطال الكتب، و قتل الانبياء، و هدم المساجد، و تبديل سنة الله و شرايعه، فلذلك حرم العمل و معونتهم و الكسب معهم الا بجهة الضرورة نظير الضرورة الى الدم و الميتة»، و هذه الرواية و ان كانت ضعيفة السند...، الا ان تلك التعليلات المذكورة فيها تعليلات صحيحة، فلا باس بالتمسك بها».

[مصباح الفقاهة: ج 2، ص 153 ط دار الهادى؛ ج 1، ص 436 ط وجدانى.]

د- الشيخ الاستاذ حسين الوحيد الخراسانى (دام ظله) فى درس الفقه من يوم الثلاثاء 11 جمادى الثانية 1418 ه، حيث اكد على اعتبار كتاب نهج البلاغه و بعض الروايات عالية المضامين، فقد عبر عن رواية واردة فى عيون اخبار الرضا بانها رواية شريفة، و قال: «ان نفس مضمونها شاهد على صدورها من الامام عليه السلام»، ثم قال فى موضع آخر تعليقا على حديث «الاسلام يعلو و لا يعلى عليه» بعد ان ذكر انها من مرسلات الصدوق التى لا دليل على حجيتها: «و فى راينا فان مثل هذه الجمل صادرة عنهم، و لا ينبغى النظر فى سندها، و لذا فان من الخطا ادراج بعض الروايات ذات المضامين العالية ضمن مبحث صحة السند فى الاصول، اذ لا وجه مع علو المضمون لصدور العبارة عن غير المعصوم عليه السلام، و من هنا فلا حاجة للبحث فى سند مثل كلمات نهج البلاغة»، ثم اورد سماحته بعض كلمات اميرالمؤمنين عليه السلام ذات المضامين العالية الواردة فى نهج البلاغة.

و فى هذا المضمار اجاب السيد محسن الامين فى كتابه اعيان الشيعة ضمن كلام طوى لعن بعض الاعتراضات الموجهة لكتاب نهج البلاغة التى تشكك فى مدى صحة نسبة الى الامام على عليه السلام، و كان مما ذكره فى الجواب:

«نهج البلاغة بعد كلام النبى صلى الله عليه و آله فوق كلام المخلوق و دون كلام الخالق لا يرتاب فيه الا من غطى الهوى على بصيرته. ليس نهج البلاغة مرجعا للاحكام الشرعية حتى نبحث عن اسانيده و نوصله الى على عليه السلام، انما هو منتخب من كلامه فى المواعظ و النصائح و انواع ما يعتمده الخطباء من مقاصدهم. و لم يكن غرض جامعه الا جمع قسم من الكلام السابق فى ميدان الفصاحة و البلاغة على حد ما جمع غيره من كلام الفصحاء و البلغاء الجاهليين و الاسلاميين من الصحابة و غيرهم بسند و بغير سند و لم نركم تعترضون على احد فى نقله لخطبة او كلام بدون سند و هو فى الكتب يفوق الحد الا على نهج البلاغة، ليس هذا الا لشى ء فى النفس مع ان جل ما فيه مروى بالاسانيد فى الكتب المشهورة المتداولة...، ان نهج البلاغة مع صحة اسانيده فى الكتب و جلالة قدر جامعه و عدالته و وثاقته لا يحتاج الى شاهد على صحد نسبته الى امام الفصاحة و البلاغة بل له منه عليه شواهد...، قلنا ان نهج البلاغة لا يحتاج الى شاهد بل هو شاهد بنفسه لنفسه كما لا تحتاج الشمس الى شاهد انها الشمس».

[اعيان الشيعة: ج 1، ص 79.]

و لدفع نفس هذه الشبهات قال ابن ابى الحديد المعتزلى فى شرحه نهج البلاغة:

«و قد شغف الناس فى المواعظ بكلام كاتب محدث يعرف بابن ابى الشحناء العسقلانى، و انا اورد هاهنا خطبة من مواعظه هى احسن ما وجدته له ليعلم الفرق بين الكلام الاصيل و المولد:

(ايها الناس، فكوا انفسكم من حلقات الآمال المتعبة و خففوا ظهوركم من الآصار المستحقبة، و لا تسيموا اطماعكم فى رياض الامانى المتشعبة، و لا تميلوا صغواكم الى زبارج الدنيا المحببة، فتظل اجسامكم فى هشائمها عاملة نصبة! اما علمتم ان طباعها على الغدر مركبة، و انها لاعمار اهلها منتهبة، و لما ساءهم منتظرة مرتقبة، فى هبتها راجعة متعقبة! فانضوا رحمكم الله ركائب الاعتبار مشرقة و مغربة، و اجروا خيول التفكر مصعدة و مصوبة، هل تجدون الا قصورا على عروشها خربة، و ديارا معطشة من اهلها مجدبة! اين الامم السالفة المتشعبة، و الجبابرة الماضية المتغلبة، و الملوك المعظمة المرجبة، او لو الحفدة و الحجبة و الزخارف المعجبة، و الجيوش الحرارة اللجبة و الخيام الفضفاضة المطنبة، و الجياد الاعوجية المجنبة، و المصاعب الشدقمية المصحبة، و اللدان امثقفة المدربة، والماذية الحصينة المنتخبة، طرقت و الله خيامهم غير منتهبة، و ازارتهم من الاسقام سيوقا معطبة، و سيرت اليهم الايام من نوبها كتائب مكتبة، فاصبحت اظفار المنية من مهجهم قانية مختضبة، و غدت اصوات النادبات عليهم مجلبة، و اكلت

لحومهم هوام الارض السغبة. ثم انهم مجموعون ليوم لا يقبل فيه عذر و لا معتبة، و تجازى كل نفس بما كانت مكتسبة، فسعيدة مقربة تجرى من تحتها الانهار مثوبة، و شقية معذبة فى النار مكبكبة). هذه احسن خطبة خطبها هذا الكاتب، و هى كما تراها ظاهرة التكلف بينة التوليد تخطب على نفسها، و انما ذكرت هذا لان كثيرا من ارباب الهوى يقولون: ان كثيرا من نهج البلاغة كلام محدث صنعه قوم من فصحاء الشيعة، و ربما عزوا بعضه الى الرضى ابى الحسن و غيره، و هؤلاء قوم اعمت العصبية اعينهم فضلوا عن النهج الواضح و ركبوا بنيات الطريق، ضلالا و قلة معرفة باساليب الكلام، و انا اوضح لك بكلام مختصر ما فى هذا الخاطر من الغلط فاقول:

لا يخلو اما ان يكون كل نهج البلاغة مصنوعا ملحونا او بعضه، و الاول باطل بالضرورة لانا نعلم بالتواتر صحة اسناد بعضه الى اميرالمؤمنين عليه السلام، و قد نقل المحدثون كلهم او جله و المؤرخون كثيرا منه، و ليسوا من الشيعة لينسبوا الى غرض فى ذلك. و الثانى يدل على ما قلناه، لان من قد انس بالكلام و الخطابة و شدا طرفا من علم البيان و صار له ذوق فى هذا الباب لابد ان يفرق بين الكلام الركيك و الفصيح و بين الفصيح و الافصح و بين الاصيل و المولد، و اذا وقف على كراس واحد يتضمن كلاما لجماعة من الخطباء او لاثنين منهم فقط، فلابد ان يفرق بين الكلامين و يميز بين الطريقتين.

الا ترى انا مع معرفتنا بالشعر و نقده لو تصفحنا ديوان ابى تمام، فوجدناه قد كتب فى اثنائه قصائد او قصيدة واحدة لغيره، لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر ابى تمام و نفسه و طريقته و مذهبه فى القريض، الا ترى ان العلماء بهذا الشان حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة اليه لمباينتها لمذهب فى الشعر، و كذلك حذفوا من شعر ابى نواس شيئا كثيرا لما ظهر لهم انه ليس من الفاظه و لا من شعره، و كذلك غيرهما من الشعراء، و لم يعتمدوا فى ذلك الا على الذوق خاصة.

و انت اذا تاملت نهج البلاغة وجدته كله ماءا واحدا، و نفسا واحدا، و اسلوبا واحدا، كالجسم البسيط الذى ليس بعض من ابعاضه مخالفا لباقى الابعاض فى الماهية، و كالقرآن العزيز او له كاوسطه، و اوسطه كآخره، و كل سورة منه، و كل آية مماثلة فى الماخذ و المذهب و الفن و الطريق و النظم لباقى الآيات و السور، و لو كان بعض نهج البلاغة منحولا و بعضه صحيحا لم يكن ذلك كذلك، فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم ان هذا الكتاب او بعضه منحول الى اميرالمؤمنين عليه السلام».

[شرح نهج البلاغة: ج 10، ص 126- 129.]

ه- العلامة محمد باقر المجلسى عند تعرضه لسند الزيارة الجامعة الكبيرة المروية فى كتاب التهذيب للشيخ الطوسى، حيث قال: «مجهول، و لكن نفس الزيارة شاهد عدل على صحتها».

[ملاذالاخيار: ج 9، ص 247.]

و قال السيد عبدالله شبر عن هذه الزيارة: «لا يخفى على اولى البصاير النقادة و ارباب الاذهان الوقادة و ذوى العقول السليمة و اصحاب الافهام المستقيمة ان الزيارة الجامعة الكبيرة اعظم الزيارات شانا و اعلاها مكانة و مكانا، و ان فصاحة الفاظها و فقراتها و بلاغة مضامينها و عباراتها تنادى بصدورها من عين صافية نبعت من ينابيع الوحى و الالهام، و تدعو الى انها خرجت من السنة نواميس الدين و معاقل الانام، فانها فوق كلام المخلوق و تحت كلام الخالق الملك العلام، و قد اشتملت على الاشارة الى جملة من الادلة و البراهين المتعلقة بمعارف الصول الدين و اسرار الائمة الطاهرين و مظاهر صفات رب العالمين،... و قد اشتهرت بين الشيعة الابرار اشتهار الشمس فى رابعة النهار، و جواهر مبانيها و انوار معانيها دلائل حق و شواهد صدق على صدور عن صدور حملة العلوم الربانية و ارباب الاسرار الفرقانية المخلوقين من الانوار الالهية فهى كسائر كلامهم الذى يغنى فصاحة مضمونه و بلاغة مشحونه عن ملاحظة سنده كنهج البلاغة و الصحيفة السجادية و اكثر الدعوات و المناجاة...».

[الانوار اللامعة: ص 29 و 31.] و لقد احسن و اجاد (رضوان الله عليه)، «و اصاب تمرة الغراب».

القرائن الخارجية:


و يمكن ان نعد من القرائن الخارجية المستوجبة للوثوق بالخبر ما يلى:

1- اخبار المغيبات لمن لم تتحقق له تلك الاخبار فى الواقع الى حين سماعه بها، فيكفى مثلا لتصحيح صدور حديث «نباح كلاب الحواب» من النبى صلى الله عليه و آله لمن بلغه ذلك بسند ضعيف فى السنة العشرين من الهجرة هو تحققه فى السنة السادسة و الثلاثين منها، و كذلك اخباره صلى الله عليه و آله بقتل ولده الحسين عليه السلام و جعل القارورة التى كانت عند ام سلمة شاهدا على ذلك، و فى زماننا هذا يكفى لتصحيح قسم من اخبار المغيبات التى وصلتنا بسند ضعيف و المتطرقة لعلامات ظهور الامام المهدى عليه السلام هو تحققها فى المستقبل القريب باذن الله تعالى.

2- و من القرائن التى يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار عما ورد عن ائمة اهل البيت عليهم السلام احتواء الخبر على مثالب اعدائهم مع ما كانوا فيه من عصور التقية التى تستوجب التحفظ على النفس و عدم نشر ما يتسبب فى اتلافها، فان مثل هذا بحد ذاته من اكبر القرائن المحيطة بالخبر و التى تشهد على صحته، هذا فضلا عما تعددت مصادره و موارد ذكره فى الكتب، لانه كاشف عن مدى انتشار تلك الاخبار بحيث وصلت الى من بعدهم مع وجود عوامل الضغط و البطش و التحريف و الارهاب و التنكيل، و لعل هذا يفسر جانبا من عدم انتشار قسم لا يستهان به من فضائل اهل البيت عليهم السلام و مثالب اعدائهم الا بعد مضى عقود كثيرة مورس خلالها كل انواع القهر و الظلم بشيعة اهل البيت عليهم السلام و مواليهم.

التنكيل فى عهد معاوية بمن ينشر الفضائل و المثالب


بدا منع نشر اخبار الفضائل و المثالب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله مباشرة فى عهد ابى بكر و عمر بن الخطاب، حيث تم منع تدوين الحديث و جرى توصية العمال و الرسل و اصحاب النبى صلى الله عليه و آله بعدم التحدث بما سمعوه من النبى صلى الله عليه و آله، و كذلك ضرب من يكثر الرواية للحديث و اجبار البعض على الاقامة الاجبارية فى المدينة المنورة كى لا ينتشر حديث النبى صلى الله عليه و آله بين الناس، ثم جمعت احاديث النبى صلى الله عليه و آله و احرقت...

و لكن التنكيل و المطاردة و البطش بسبب نشر احاديث فضائل اهل البيت عليهم السلام و مطاعن اعدائهم دخل طورا جديدا و انتقل الى مرحلة متقدمة مع بداية الدولة الاموية فى عهد معاويد بن ابى سفيان. فقد روى الطبرى فى تاريخه ضمن احداث سنة احدى و خمسين هجرية قصة مقتل حجر بن عدى (رضوان الله عليه)، و جاء فيها: «ان معاوية بن ابى سفيان لما ولى المغيرة بن شعبة على الكوفة فى جمادى سنة احدى و اربعين دعاه، فحمد الله و اثنى عليه ثم قال: اما بعد فان لذى الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا، و قد قال المتلمس:






لذى الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا و ما علم الانسان الا ليعلما

و قد يجزى عنك الحكيم بغير التعليم، و قد اردت ايصاءك باشياء كثيرة، فانا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضينى و يسعد سلطانى، و يصلح به رعيتى، و لست تاركا ايصاءك بخصلة: لا تتحم عن شتم على و ذمه، و الترحم على عثمان و الاستغفار له، و العيب على اصحاب على و الاقصاء لهم و ترك الاستماع منهم، و باطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه و الادناء لهم و الاستماع منهم. فقال المغيرة: فقد جربت و جربت و عملت قبلك لغيرك، فلم يذمم بى دفع و لا رفع و لا وضع، فستبلو فتحمد او تذم. قال: بل نحمد ان شاءالله...؛ و اقام المغيرة على الكوفة عاملا لمعاوية سبع سنين و اشهرا و هو من احسن شى ء سيرة، و اشده حبا للعافية، غير انه لا يدع ذم على و الوقع فيه! و العيب لقتله عثمان و اللعن لهم، و الدعاء لعثمان بالرحمة و الاستغفار له و التزكية لاصحابه...».

[تاريخ الطبرى: ج 3، ص 218 ط دار الكتب العلمية.]

بين المغيرة و صعصعة بن صوحان:


كما اورد الطبرى ضمن احداث سنة ثلاث و اربعين هجرية خروج المستورد بن علفة الخارجى، و كان مما جاء فى ذلك: «ثم ان المغيرة بن شعبة اخبر خبرهم فدعا رؤساء الناس فقال: ان هؤلاء الاشقياء قد اخرجهم الحين و سوء الراى، فمن ترون ابعث اليهم؟ فقام اليه عدى بن حاتم فقال: كلنا لهم عدو و لرايهم مسفه و بطاعتك مستمسك، فاينا شئت سار اليهم.

فقام معقل بن قيس فقال: انك لا تبعث اليهم احدا ممن ترى حولك من اشراف المصر الا وجدته سامعا مطيعا، و لهم مفارقا، و لهلاكهم محبا، و لا ارى اصلحك الله ان تبعث اليهم احد من الناس اعدى لهم و اشد عليهم منى، فابعثنى اليهم فانى اكفيكهم باذن الله، فقال: اخرج على اسم الله، فجهز معه ثلاثة آلاف رجل.

و قال المغيرة لقبيصة بن الدمون: الصق لى بشيعة على فاخرجهم مع معقل بن قيس، فانه كان من رؤوس اصحابه، فاذا بعثت بشيعته الذين كانوا يعرفون فاجتمعوا جميعا استانس بعضهم ببعض و تناصحوا، و هم اشد استحلالا لدماء هذه المارقة، و اجرا عليهم من غيرهم، و قد قاتلوا قبل هذه المرة.

قال ابومخنف: فحدثنى الاسود بن قيس، عن مرة بن منقذ النعمان، قال: كنت انا فيمن ندب معه يومئذ؛ قال: لقد كان صعصعة بن صوحان قام بعد معقل بن قيس و قال: ابعثنى اليهم ايها الامير، فانا و الله لدمائهم مستحل، و بحملها مستقل، فقال: اجلس فانما انت خطيب، فكان احفظه ذلك و انما قال ذلك لانه بلغه انه يعيب عثمان بن عفان (رض) و يكثر ذكر على و يفضله!

و قد كان دعاه فقال: اياك ان يبلغنى عنك انك تعيب عثمان عند احد من الناس، و اياك ان يبلغنى عنك انك تظهر شيئا من فضل على علانية، فانك لست بذاكر من فضل على شيئا اجهله، بل انا اعلم بذلك! و لكن هذا السلطان قد ظهر و قد اخذنا باظهار عيبه للناس، فنحن ندع كثيرا مما امرنا به، و نذكر الشى ء الذى لا نجد منه بدا، ندفع به هؤلاء القوم عن انفسنا تقية، فان كنت ذاكرا فضله فاذكره بينك و بين اصحابك و فى منازلكم سرا، و اما علانية و فى المسجد فان هذا لا يحتمله الخليفة لنا و لا يعذرنا به، فكان يقول له: نعم افعل، ثم يبلغه انه قد عاد الى ما نهاه عنه، فلما قام اليه و قال له: ابعثنى اليهم، وجد المغيرة قد حقد عليه خلافه اياه فقال: اجلس فانما انت خطيب، فاحفظه فقال له: او ما انا الا خطيب! اجل و الله، انى للخطيب الصليب الرئيس، اما و الله لو شهدتنى تحت راية عبدالقيس يوم الجمل حيث اختلفت القنا، فشؤون تفرى و راية تختلى لعلمت انى الليث الهزبر؛ فقال: حسبك الآن، لقد اوتيت لسانا فصيحا، و لم يلبث قبيصة بن الدمون ان اخرج الجيش مع معقل، و هم ثلاثة ألف نقاوة الشيعة و فرسانهم».

[تاريخ الطبرى: ج 3، ص 182 ط دار الكتب العلمية.]

تاثير البطش الاموى فى كلام الشيخ المفيد:


و قال الشيخ المفيد (رضوان الله عليه):

«و من آياته عليه السلام و بيناته التى انفرد بها ممن عداه ظهور مناقبه فى الخاصة و العامة، و تسخير الجمهور لنقل فضائله و ما خصه الله به من كرايمه و تسليم العدو من ذلك بما فيه الحجة عليه، هذا مع كثرة المنحرفين عنه و الاعداء له، و توفر اسباب دواعيهم الى

كتمان فضله و جحد حقه، و كون الدنيا فى يد خصومه و انحرافها عن اوليائه، و ما اتفق لاضداده من سلطان الدنيا و حمل الجمهور على اطفاء نوره و دحض امره، و خرق الله العادة بنشر فضايله و ظهور مناقبه، و بتسخير الكل للاعتراف بذلك و الاقرار بصحته، و اند حاض ما احتال به اعداؤه فى كتمان مناقبه و جحد حقوقه حتى تمت الحجة له و ظهر البرهان بحقه.

و لما كانت العادة جارية بخلاف ما ذكرناه فيمن اتفق له من اسباب خمول امره ما اتفق لاميرالمؤمنين عليه السلام فانخرقت العادة فيه، دل ذلك على بينونته من الكافة بباهر الآية على ما وصفناه.

و قد شاع الخبر و استفاض عن الشعبى انه كان يقول: لقد كنت اسمع خطباء بنى امية يسبون اميرالمؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام على منابرهم و كانما يشال بضبعه الى السماء، و كنت اسمعهم يمدحون اسلافهم على منابرهم و كانهم يكشفون عن جيفة.

و قال الوليد بن عبدالملك لبنيه يوما: يا بنى عليكم بالدين فانى لم ار الدين بنى شيئا فهدمته الدنيا، و رايت الدنيا قد بنيت بنيانا فهدمه الدين، ما زلت اسمع اصحابنا و اهلنا يسبون على بن ابى طالب عليه السلام و يدفنون فضايله و يحملون الناس على شنآنه فلا يزيده ذلك من القلوب الا قربا، و يجتهدون فى تقريبهم من نفوس الخلق فلا يزيدهم ذلك من القلوب الا بعدا.

و فيما انتهى اليه الامر من فضايل اميرالمؤمنين عليه السلام و الحيلولة بين العلماء و نشرها ما لا شبهة فيه على عاقل حتى كان الرجل اذا اراد ان يروى عن اميرالمؤمنين عليه السلام رواية لم يستطع ان يضيفها اليه بذكر اسمه و نسبه، و تدعوه الضرورة الى ان يقول: حدثنى رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله، او يقول: حدثنى رجل من قريش، و منهم من يقول: حدثنى ابوزينب. و روى عكرمة عن عايشة فى حديثها له بمرض رسول الله صلى الله عليه و آله و وفاته، فقالت فى جملة ذلك فخرج رسول الله متوكيا على رجلين من اهل بيته احدهما الفضل بن العباس، فلما حكى عنها ذلك لعبدالله بن العباس قال له: اتعرف الرجل الآخر؟ قال: لا، لم تسمه لى، قال: ذاك على بن ابى طالب عليه السلام، و ما كنت امنا تذكره بخير و هى تستطيع.

و كانت الولاة الجور تضرب بالسياط من ذكره بخير بل تضرب الرقاب على ذلك و تعرض للناس بالبراءة منه، و العادة جارية فيمن اتفق له ذلك الا يذكر على وجه بخير فضلا عن ان تذكر له فضايل او تروى له مناقب او تثبت له حجة بحق، و اذا كان ظهور فضايله و انتشار مناقبه على ما قدمنا ذكره من شياع ذلك فى الخاصة و العامة و تسخير العدو و الولى لنقله ثبت خرق العادة فيه، و بان وجه البرهان فى معناه بالآية الباهرة على ما قدمناه».

[الارشاد: ص 163.]

و من كلام ابن ابى الحديد:


اما ابن ابى الحديد المعتزلى فقد اسهب فى شرحه لنهج البلاغة هذا الجانب و بين مدى تاثير البطش و القمع الاموى فى التستر على فضائل اهل البيت عليهم السلام و شيوع الاكاذيب و الفضائل المختلقة لاعدائهم، و نحن ننقله بطوله لما فيه من تصوير دقيق للاحداث فى تلك المرحلة. فقد قال:

«و قد روى ان اباجعفر محمد بن على الباقر عليه السلام قال لبعض اصحابه:...؛ و وجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم و جحودهم موضعا يتقربون به الى اوليائهم و قضاة السوء و عمال السوء فى كل بلدة، فحدثوهم بالاحاديث الموضوعة المكذوبة، و رووا عنا ما لم نقله و ما لم نفعله ليبغضونا الى الناس، و كان عظم ذلك و كبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام، فقتلت شيعتنا بكل بلدة، و قطعت الايدى و الارجل على الظنة، و كان من يذكر بحبنا و الانقطاع الينا سجن او نهب ماله او هدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد و يزداد الى زمان عبيدالله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام، ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة و اخذهم بكل ظنة و تهمة، حتى ان الرجل ليقال له زنديق او كافر احب اليه من ان يقال: شيعة على عليه السلام، و حتى صار الرجل الذى يذكر بالخير
و لعله يكون و رعا صدوقا
يحدث باحاديث عظيمة عجيبة، من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة، ولم يخلق الله تعالى شيئا منها و لا كانت و لا وقعت و هو يحسب انها حق لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب و لا بقلة ورع.

تحديد المدائنى لمراحل التنكيل و الوضع فى عهد بنى امية


و روى ابوالحسين على بن محمد بن ابى السيف المدائنى فى كتاب الاحداث قال:

المرحلة الاولى:

كتب معاوية نسخة واحد الى عماله بعد عام الجماعة: «ان برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل ابى تراب و اهل بيته»، فقامت الخطباء فى كل كورة و على كل منبر، يلعنون عليا و يبرؤن منه و يقعون فيه و فى اهل بيته، و كان اشد الناس بلاء حينئذ اهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة على عليه السلام، فاستعمل زياد بن سمية و ضم اليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة و هو بهم عارف لانه كان منهم ايام على عليه السلام، فقتلهم تحت كل حجر و مدر و اخافهم، و قطع الايدى و الارجل و سمل العيون، و صلبهم على جذوع النخل، و طردهم و شردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم.

المرحلة الثانية:

و كتب معاوية الى عماله فى جميع الآفاق: «الا يجيزوا لاحد من شيعة على و اهل بيته شهادة». و كتب اليهم: «ان انظروا من قبلكم من شيعة عثمان و محبيه و اهل ولايته، و الذين يروون فضائله و مناقبه فادنوا مجالسهم و قربوهم و اكرموهم، و اكتبوا بكل ما يروى كل رجل منهم و اسمه و اسم ابيه و عشيرته».




ففعلوا ذلك حتى اكثروا فى فضائل عثمان و مناقبه لما يبعثه اليهم معاوية من الصلات و الكساء و الحباء و القطائع و يفيضه فى العرب منهم و الموالى، فكثر ذلك فى كل مصر و تنافسوا فى المنازل و الدنيا، فليس يجى ء احد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية فيروى فى عثمان فضيلة او منقبة الا كتب اسمه و قربه و شفعه، فلبثوا بذلك حينا.

المرحلة الثالثة:

ثم كتب الى عماله: «ان الحديث فى عثمان قد كثر و فشا فى كل مصر و فى كل وجه و ناحية، فاذا جاءكم كتابى هذا فادعوا الناس الى الرواية فى فضائل الصحابة و الخلفاء الاولين، و لا تتركوا خبرا يرويه احد من المسلمين فى ابى تراب الا و تاتونى بمناقض له فى الصحابة؛ فان هذا احب الى و اقر لعينى و ادحض لحجة ابى تراب و شيعته، و اشد اليهم من مناقب عثمان و فضله».

فقرئت كتبه على الناس فرويت اخبار كثيرة فى مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس فى رواية ما يجرى هذا المجرى حتى اشادوا بذكر ذلك على المنابر، و القى الى معلمى الكتاتيب فعلموا صبيانهم و غلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه و تعلموه كما يتعلمون القرآن، حتى علموه بناتهم و نساءهم و خدمهم و حشمهم، فلبثوا بذلك ماشاءالله.

المرحلة الرابعة:

ثم كتب الى عماله نسخة واحدة الى جميع البلدان: «انظروا من قامت عليه البينة انه يحب عليا و اهل بيته فامحوه من الديوان و اسقطوا عطاءه و رزقه، و شفع ذلك بنسخة اخرى: من اتهموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره».

فلم يكن البلاء اشد و لا اكثر منه بالعراق و لا سيما بالكوفة، حتى ان الرجل من شيعة على عليه السلام لياتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقى اليه سره، و يخاف من خادمه و مملوكه و لا يحدثه حتى ياخذ عليه الايمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع و بهتان منتشر، و مضى على ذلك الفقهاء و القضاة و الولاة، و كان اعظم الناس فى ذلك بلية القراء المراءون و المستضعفون الذين يظهرون الخشوع و النسك فيفتعلون الاحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم و يقربوا مجالسهم، و يصيبوا به الاموال و الضياع و المنازل، حتى انتقلت تلك الاخبار و الاحاديث الى ايدى الدينين الذين لا يستحلون الكذب و البهتان فقبلوها و رووها و هم يظنون انها حق، و لو علموا انها باطلة لما رووها و لا تدينوا بها.

المرحلة الخامسة:

فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن على عليه السلام فازداد البلاء و الفتنة، فلم يبق احد من هذا القبيل الا و هو خائف على دمه او طريد فى الارض. ثم تفاقم الامر بعد قتل الحسين عليه السلام، و ولى عبدالملك بن مروان فاشتد على الشيعة، و ولى عليهم الحجاج




بن يوسف فتقرب اليهم اهل النسك و الصلاح و الدين ببغض على و موالاة اعدائه و موالاة من يدعى من الناس انهم ايضا اعداؤه، فاكثروا فى الرواية فى فضلهم و سوابهقم و مناقبهم، و اكثروا من الغض من على عليه السلام و عيبه و الطعن فيه و الشنآن له، حتى ان انسانا وقف للحجاج- و يقال له انه جد الاصمعى عبدالملك بن قريب- فصاح به: ايها الامير ان اهلى عقونى فسمونى عليا، و انى فقير يائس، و انا الى صلة الامير محتاج، فتضاحك الحجاج و قال: للطف ما توسلت به قد وليتك موضع كذا.

و قد ابن عرفة المعروف بنفطويه- و هو من اكابر المحدثين و اعلامهم- فى تاريخه ما يناسب هذا الخبر، و قال: ان اكثر الاحاديث الموضوعة فى فضائل الصحابة افتعلت فى ايام بنى امية تقربا اليهم بما يظنون انهم يرغمون به انوف بنى هاشم».

[شرح نهج البلاغة: ج 11، ص 34- 46.]

تعليق لابن رستم الطبرى:


و فى هذا الصدد قال محمد بن جرير بن رستم الطبرى الامامى: «و انا لنعجب كثيرا مما بقى فى ايدى الرواة من فضائلهم، و لا نعجب مما درس و محا و طمس فى طول ولايتهم و ولاية بنى امية فان الناس بقوا فى ايامهم و ايام اعتدائهم اكثر من مائة سنة لا يجسر احد ان يذكرهم بخير فضلا عن ذكر مناقبهم اقتداءا بمن مهد لبنى امية و ازال الخلافة عن بنى هاشم الذين هم اعلام الدين و معدن الرسالة و بيت الحكمة و مصابيح الهدى و المدلول عليهم».

[المسترشد فى امامة اميرالمؤمنين عليه السلام: ص 692.]

و لم يكن الحال فى نشر مثالب اعداء اهل البيت عليهم السلام باقل من نشر فضائلهم بل كان اسوا، فان دواعى عدم انتشارها اشد اهمية عند الذين غصبوا الخلافة من آل الرسول صلى الله عليه و آله، و قد روى الشيخ الكلينى باسناده الى فروة عن ابى جعفر الباقر عليه السلام قال: ذاكرته فى امرهما، فقال: «ضربوكم على دم عثمان ثمانين سنة و هم يعلمون انه كان ظالما، فكيف اذا ذكرتم صنميهم».

[الكافى: ج 8، ص 189، ح 215.]

البخارى يتستز على عمر!


و قد مر سابقا فى مبحث احراق بيت الزهراء عليهاالسلام كلام الشيخ الطوسى حيث صرح بان المخالف يسعى دوما الى رواية ما فيه السلامة و تجنب نشر ما فيه الطعن او ما يشعر به. و سنذكر مثالين فى هذا المجال من جهة الاختصار:

1- روى البخارى فى صحيحه عن سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن انس، قال: «كنا عند عمر، فقال: نهينا عن التكلف».

[صحيح البخارى: ج 9، ص 118، كتاب الاعتصام بالكتاب و السنة، باب ما يكره من كثرة السؤال و تكلف ما لا يعنيه.]

/ 42