غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب جلد 3

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب - جلد 3

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


لو صح عندي له اعتقاد++

مادنت ربي بما يدين

وكان مذهبه في الاعتزال مذهب القدرية الذين يقولون بالاختيار وينزهون الله عن عقاب المجبر على مايفعل، وذلك واضح من قوله يخاطب العباس بن القاشي و يناشده صلة المذهب:

إن لا يكن بيننا قربى فآصرة++

للدين يقطع فيها الوالد الولدا

مقالة العدل والتوحيد تجمعنا++

دون المضاهين من ثنى ومن جحدا

وبين مستطرفي غي مرافقة++

ترعى فكيف اللذان استطرفا رشدا

كن عند أخلاقك الزهر التي جعلت++

عليك موقوفة مقصورة أبدا

ما عذر "معتزلي" موسر منعت++

كفاه معتزليا. مقترا صفدا؟!

أيزعم القدر المحتوم أثبطه؟!++

إن قال ذاك فقد حل الذي عقدا

أم ليس مستأهلا جدواه صاحبه؟!++

أنى؟! وما جار عن قصد ولاعندا

أم ليس يمكنه ما يرتضيه له؟!++

يكفي أخا من أخ ميسورما وجدا

لاعذر فيما يريني الرأي أعلمه++

للمرء مثلك ألا يأتي السددا

فواضح من كلامه هذا انه "معتزلي" وانه من أهل العدل والتوحيد وهو الاسم الذي تسمى به القدرية لانهم ينسبون العدل إلى الله فلا يقولون بعقوبة العبد على ذنب قضى له وسبق إليه، ولانهم يوحدون الله فيقولون: إن القرآن من خلقه و ليس قديما مضاهيا له في صفتي الوجود والقدم، وقد اختاروا لانفسهم هذا الاسم ليردوا به على الذين سموهم القدرية ورووا فيهم الحديث القدرية مجوس هذه الامة فهم يقولون: مانحن بالقدرية لان الذين يعتقدون القدر أولى بأن ينسبوا إليه، إنما نحن من أهل العدل والتوحيد لاننا ننزه الله عن الظلم وعن الشريك.

وواضح كذلك من كلامه انه يعتقد حرية الانسان فيما يأتي من خير وشر، ويحتج على زميله بهذه الحجة فيقول له: لم لاتثيبني؟! إن قلت: إن القدر يمنعك؟! فقد حللت ما اعتقدت من اختيار الانسان في أفعاله، وإن قلت: إنك لاتريد؟! فقد ظلمت الصداقة وأخللت بالمروءة. وله عدا هذا أبيات صريحة في إعتقاد "الاختيار" وخلق الانسان لافعاله كقوله:

لولا صروف الاختيار لاعنقوا++

لهوى كما اتثقت جمال قطار

وقوله:

أنى تكون كذا وأنت مخير++

متصرف في النقض والامرار؟!

وقوله:

ألخير مصنوع بصانعه++

فمتى صنعت الخير أعقبكا

والشر مفعول بفاعله++

فمتى فعلت الشر أعطبكا

إلا انه كان يقول بالقدر في تقسيم الارزاق وأن:

ألرزق آت بلا مطالبة++

سيان مدفوعه ومجتذبه

ويقول:

أما رأيت الفجاج واسعة++

والله حيا والرزق مضمونا؟!؟!؟!

قال الاميني:هذا في الرزق الذي يطلبك لافي الرزق الذي تطلبه كما فصله الحديث، ولا تناقض عند القدرية في هذا، لانهم يقولون بالاختيار فيما يعاقب عليه الانسان ويثاب لافيما يناله من الرزق وحظوظ الحياة

أما القول بالطبيعتين فأوضح ما يكون في قوله:

فينا وفيك طبيعة أرضية++

تهوي بنا أبدا لشر قرار

هبطت بآدم قبلنا وبزوجه++

من جنة الفردوس أفضل دار

فتعوضا الدنيا الدنية كاسمها++

من تلكم الجنات والانهار

بئست لعمر الله تلك طبيعة++

حرمت أبانا قرب أكرم جار

واستأسرت ضعفى بنيه بعده++

فهم لها أسرى بغير إسار

لكنها مأسورة مقصورة++

مقهورة السلطان في الاحرار

فجسومهم من أجلها تهوي بهم++

ونفوسهم تسمو سمو النار

لولا منازعة الجسوم نفوسهم++

نفزوا بسورتها من الاقطار

أو قصروا فتناولوا بأكفهم++

قمر السماء وكل نجم سار

قال الاميني لقد عزى الكاتب هاهنا إلى المترجم هنات لامقيل لها في مستوى الحقيقة، ومنشأ ذلك بعده عن علم الاخلاق وعدمه تعقله معنى الشعر، فحبسه

منافيا للتوحيد الذي جاء به نبي الاسلام، لكن العارف بأساليب الكلام، ألعالم بما جبل به الانسان من الغرايز المختلفة لايكاد يشك في صحة معنى الشعر، وهو يعرب عن إلمام إبن الرومي بالاخلاق، والمتكفل لتفصيل هذه الجملة كتب الاخلاق وما يضاهيها، ولخروج البحث عن موضوع الكتاب ضربنا عنه صفحا.

قال: وإبن الرومي كان مفطورا على التدين لانه كان مفطورا على التهيب والاعتماد على نصير، وهما منفذان خفيان من منافذ الايمان والتصديق بالعناية الكبرى في هذا الوجود، ومن ثم كان مؤمنا بالله خوفا من الشك، مقبلا على التسليم بسيطا في تسليمه بساطة من يهرب من القلق ويؤثر السكينة على أي شئ، وبلغ من بساطته أنه كان ينكر على الحكماء الذين يشكون في حفظ أجساد الاتقياء بعد الموت و يحسبونه من فعل الدواء والحنوط، فقال لابن أبي ناظرة حين تذوق بعض الاجساد ليعلم مافيها من عوامل البقاء:

يا ذائق الموتى ليعلم هل بقوا++

بعد التقادم منهم بدواء

بينت عن رعة وصدق أمانة++

لولا اتهامك خالق الاشياء

أحسبت أن الله ليس بقادر++

أن يجعل الاموات كالاحياء؟!

وظننت ماشاهدت من آياته++

بلطيفة من حيلة الحكماء؟!

ومات وهو يقول في ساعاته الاخيرة:

ألا أن لقاء الله هول دونه الهول

وماكانت الطير عنده إلا شعبة من ذلك التهيب الديني الغريزي، فهو يتفلسف ويرى الآراء في الدين ولكن في حدود من الشعور لافي حدود من التفكير، ولهذا كان الفنان ولم يكن الفيلسوف.

قال الاميني: ألطيرة ليست من شعب الدين، ولا يركن إليها أي خاضع له وملا مسامعه قول الصادع به صلى الله عليه وآله وسلم: لاطيرة ولاحام. وإنماهي بين ضعف النفس غير المتقوية بنور اليقين والتوكل على الله في ورد وصدر، ولذا كانت شايعة في الجاهلية ونفاها الاسلام.

قال: وليس من الاجتراء انه قال بالاختيار ورأى له في الدين رأيا غير مااصطلح

عليه السواد فإنه كان يحيل الذنب على الانسان وينفي الظلم عن القدر في العقاب و الثواب، ويتصور الله على أحسن ما يتصور المتفلسف مثله إلهه؟؟، فكأنما جاءه هذا الرأي من محاباة عالم الغيب لامن الاجتراء عليه، وإنما دفع به إلى رأي المعتزلة مخاوف الشكوك التي كانت تخامره، فلا يستريح حتى يسكن فيها إلى قرار، وينتهي فيها إلى بر الامان، ولذلك كان يأوي إلى الاصدقاء يكاشفهم بمافي صدره ويستعين بهم على تفريج غمته.

ويدمج أسباب المودة بيننا++

مودتنا الابرار من آل هاشم

وإخلاصنا التوحيد لله وحده++

وتذييبنا؟؟ عن دينه في المقاوم

بمعرفة لايقرع الشك بابها++

ولاطعن ذي طعن عليها بهاجم

وإعمالنا التفكير في كل شبهة++

بها حجة تعيي دهاة التراجم

يبيت كلانا في رضى الله ماحضا++

لحجته صدرا كثير الهماهم

بيد أن الايمان شئ وأداء الفرايض الدينية شئ آخر، فقصارى الايمان عنده انه يؤمنه بقرب آل البيت وتنزيه ربه والاطمينان إلى عدله ورحمته، ثم يدع له سبيله يلعب ويمرح كلما لذ له اللعب والمرح، ولا أهلا بالصيام إذا قطع عليه مااشتهى من لذة وأرب.

فلا أهلا بمانع كل خير++

وأهلا بالطعام وبالشراب

بل لاحرج عليه إذا قضى ليلة في السرور أن يشبهها بليلة المعراج.

رفعتنا السعود فيها إلى الفوز++

فكانت كليلة المعراج

ذلك انه كان في تقواه طوع الاحساس الحاضر، كما كان في كل حالة من حالاته يلعب، فلا يبالي أن يتماجن حيث لايليق مجون، ويستحضر التقوى والخشوع فلا يباريه أحد من المتعبدين، ويخيل إليك انك تستمع إلى متعبد عاش عمره في الصوامع حين تستمع إليه يقول:

تتجا في جنوبهم++

عن وطئ المضاجع

كلهم بين خائف++

مستجير و طامع

تركوا لذة الكرى++

للعيون الهواجع

ورعوا أنجم الدجى++

طالعا بعد طالع

لو تراهم إذاهم++

خطروا بالاصابع

وإذا هم تأوهوا++

عند مر القوارع

وإذا باشروا الثرى++

بالخدود الضوارع

وأستهلت عيونهم++

فائضات المدامع

ودعوا: يامليكنا++

ياجميل الصنائع

اعف عنا ذنوبنا++

للوجوه الخواشع

اعف عنا ذنوبنا++

للعيون الدوامع

أنت إن لم يكن لنا++

شافع خير شافع

فاجيبوا إجابة++

لم تقع في المسامع:

ليس ما تصنعونه++

أوليائي بضائع

أبذلوا لي نفوسكم++

أنها في ودائعي

وله من طراز هذا الشعر الخاشع كثير لاتسمعه من إبن الفارض ولامحيي الدين

قال الاميني ليس ما ارتئاه إبن الرومي في باب الاختيار نتيجة مخامرة الشبه والشكوك كما يراه "المترجم" وإنما هي وليدة البرهنة الصادقة، وانه لم يعط القدر حقه محاباة له، لكن الحجج الدامغة ألجأته إلى ذلك، وكذلك مايقوله في باب الارزاق فهي تقادير محضة غير أن الانسان كلف بتحري الاسباب الظاهرية جريا على النواميس الالهية المطردة في النظام العالمي الاتم، وهذه مسائل كلامية لايروقنا الخوض فيها إلا هنالك.

وأما إعتماد إبن الرومي على العدل والرحمة وتنزيه ربه فهو شأن كل مؤمن بالله عارف بكمال قدسه وصفاته الجلالية، وليس قرب أهل البيت الطاهر عليهم السلام إلا نتيجة مودتهم التي هي أجر الرسالة بنص من الذكر الحكيم، وإنما مثلهم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق، وهم عدل الكتاب وقد خلفهما رسول الله صلى الله عليه وآله بعده وقال: ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، فأحربهم أن يكون القرب منهم مؤمنا للانسان نشأته الاخرى، واما ماعزاه إليه من مظاهر من المجون فهي معان شعرية لايؤاخذ بها القائل، وكم للشعراء الاعفاء أمثالها.

هجاؤ أبن الرومى


أخرج القرن الثالث للهجرة شاعرين هجائين هما أشهر الهجائين في أدب ألعصور الاسلامية عامة: أحدهما إبن الرومي. والآخر دعبل الخزاعي هاجي الخلفاء و الامراء وهاجي الناس جميعا؟؟ وقال:

إني لافتح عيني حين أفتحها++

على كثير ولكن لاأرى أحدا

وقد جمع المعري بينهما في بيت واحد وضرب بهما المثل لهجاء الدهر لبنيه فقال:

لو انصف الدهر هجا أهله++

كأنه الرومي أو دعبل

وليس للمؤرخ الحديث أن يضيف إسما جديدا إلى هذين الاسمين فإن العصور التالية للقرن الثالث لم تخرج من يضارعهما في قوة الهجاء والنفاذ في هذه الصناعة، و كلاهما مع هذا نوع فذ في الهجاء يظهر متى قرن بالآخر.

فدعبل كما قلنا في غير هذا الكتاب لايهمنا ماذكره في دعبل.

أما إبن الرومي فلم يكن مطبوعا على النفرة من الناس، ولم يكن قاطع طريق على المجتمع في عالم الادب، ولكنه كان فنانا بارعا اوتي ملكة التصوير ولطف التخيل والتوليد وبراعة اللعب بالمعاني والاشكال، فإذا قصد شخصا أو شيئا بهجاء صوب إليه "مصورته" الواعية فإذا ذلك الشئ صورة مهيأة في الشعر تهجو نفسها بنفسها، وتعرض للنظر مواطن النقص من صفحتها كما تنطبع؟؟ الاشكال في المرايا المعقوفة والمحدبة، فكل هجوه تصوير مستحضر لاشكاله، أو لعب بالمعاني على حساب من يستثيره.

وإبن الرومي يسلب مهجوه الفطنة والكياسة والعلم ويلصق به كل عيوب الحضارة التي يجمعها التبذل والتهالك على اللذات، فإذا حذفت من هجوه كل ماأوجبته الحضارة والخلاعة الفاشية في تلك الحضارة فقد حذفت منه شر ما فيه ولم يبق منه إلا ماهو من قبيل الفكاهة والتصوير.

وكان لصاحبنا فنا واحدا من الهجاء لاترتاب في انه كان يختاره ويكثر منه ولو لم تحمله الحاجة وتلجأه النقمة إليه، ونعني به فن التصوير الهزلي والعبث بالاشكال المضحكة والمناظرة الفكاهية والمشابهات الدقيقة، فهو مطبوع على هذا كما يطبع المصور على نقل مايراه وإعطاء التصوير حقه من الاتقان والاختراع، و

مانراه كان يقع عنه في شعره ولو بطلت ضروراته وحسنت مع الناس علاقاته، لكن هذا الفن أدخل في التصوير منه في الهجاء، وهو حسنة وليس بسيئة، وقدرة تطلب وليس بخلة تنبذ، وأنت لايغضبك أن ترى إبنك الذي تهذبه وتهديه ماهرا فيه خبيرا بمغامزه وخوافيه، وإن كان يغضبك أن تراه يشتم المشتوم ويهين المهين، ويهجو من يستهدف غرضه للهجاء، لانك إذا منعته أن يفطن إلى الصور الهزلية وأن يفتن في إدراك معانيها وتمثيل مشابهاتها ومنعت ملكة فيه أن تنمو وأبيت على حاسته الصادقة فيه أن تصدقه وتفقه ماتقع عليه، أما إذا منعت الهجاء وبواعثه فإنك تمنع خلقا يستغنى عنه، وميلا لابد له من التقويم.

ذلك هو فن إبن الرومي الذي لاعذر له منه ولا موجب للاعتذار، فأما ماعدا ذلك من هجاؤه فهو مسوق فيه لا سائق، ومدافع لامهاجم، ومستثار عن عمد في بعض الاحيان لامستثير، وإنك لتقرأ له قوله:

ما استب قط اثنان إلا غلبا++

شرهما نفسا واما وأبا

فلاتصدق ان قائله هو إبن الرومي هجاء اللغة العربية وقاذف المهجوين بكل نقيصة لكن الواقع هو هذا، والواقع كذلك انه كان يسكن إلى رشده أحيانا فيتسأم الهجاء ويعافه ويود الخلاص منه حتى لو كان مهجوا معدوا عليه ويعتزم التوبة عن الهجاء مقسما:

آليت لا أهجو طوا ل++

الدهر إلا من هجاني

لا بل سأطرح الهجا ء++

وإن رماني من رماني

أمن الخلايق كلهم++

فليأخذوا مني أماني

حلمي أعز علي من++

غضبي إذا غضبي عراني

أولى بجهلي بعد ما++

مكنت حلمي من عناني

وهذا أشبه بابن الرومي لانه في صميمه خلق مسالما سهلا، ولم يخلق شريرا مطويا على الشكس والعداوة، بل هو لو كان شريرا لما اضطر إلى كل هذا الهجاء، أو هو لو كان أكبر شرا لكان أقل هجاء، لانه كان يأمن من جانب العدوان فلايقابله بمثله، وماكان الهجاء عنده كما قلناإلا سلاح دفاع لا سلاح هجوم، وماكان هجاؤه يشف عن

الكيد والنكاية وما شابههما من ضروب الشر المستقر في الغريزة، كما كان يشف عن الحرج والتبرم والشعور بالظلم الذي لاطاقة له باحتماله ولا بإتقائه، وكثير من الاشرار الذين يقتلون ويعتدون ويفسدون في الارض يقضون الحياة دون أن تسمع منهم كلمة ذم في إنسان، وكثير من الناس يذمون ويتسخطون لانهم على ذلك مطبوعون.

ومن قرأ مراثي إبن الرومي في أولاده وامه وأخيه وزوجته وخالته وبعض أصدقائه علم منها أنها مراثي رجل مفطور على الحنان ورعاية الرحم والانس بالاصدقاء و الاخوان، فمراثيه هي التي تدل عليه الدلالة المنصفة وليست مدائحه التي كان يميلها الطمع والرغبة أو أهاجيه التي كان يميلها الغيظ وقلة الصبر على خلائق الناس، ففي هذه المراثي تظهر لنا طبيعة الرجل لاتشوبها المطامع والضرورات، ونرى فيه الولد البار، والاخ الشفيق، والوالد الرحيم، والزوج الودود، والقريب الرؤف، والصديق المحزون، ولايكون الرجل كذلك ثم يكون مع ذلك شريرا مغلق الفؤاد مطبوعا على الكيد والايذاء

وإذا اختلف القولان بينه وبين أبناء عصره فأحجى بنا أن نصدق كلامه هو في أبناء عصره قبل أن نصدق كلامهم فيه، لانهم كانوا يستبيحون ايذاءه ويستسهلون الكذب عليه لغرابة أطواره، وتعود الناس أن يصدقوا كل مايرمى به غريب الاطوار من التهم والاعاجيب، في حين انه كان يتحاشى عن تلك التهم، ويغفر الاساءة بعد الاساءة مخافة من كثرة الشكاية و علمامنه بقلة الانصاف.

أتاني مقال من أخ فاغتفرته++

وإن كان فيما دونه وجه معتب

وذكرت نفسي منه عند امتعاضها++

محاسن تعفو الذنب عن كل مذنب

ومثلي رأى الحسنى بعين جلية++

وأغضى عن العوراء غير مؤنب

فياهاربا من سخطنا متنصلا++

هربت إلى أنجى مفر ومهرب

فعذرك مبسوط لدينا مقدم++

وودك مقبول بأهل ومرحب

ولو بلغتني عنك اذني أقمتها++

لدي مقام الكاشح المتكذب

ولست بتقليب اللسان مصارما++

خليلي إذا ماالقلب لم يتقلب

فالرجل لم يكن شريرا ولا ردئ النفس ولا سريعا إلى النقمة، فلماذا إذن كثر هجاؤه واشتد وقوعه في أعراض مهجويه؟! نظن انه كان كذلك لانه كان قليل الحيلة

طيب السريرة خاليا من الكيد والمراوغة والدسيسة وماشابه هذه الخلائق من أدوات العيش في مثل عصره، فكان مستغرقا في فنه يحسب أن الشعر والعلم والثقافة وحدها كفيلة بنجاحه وارتقائه إلى مراتب الوزارة والرآسة، لانه كان في زمن يتولى فيه الوزارة ألكتاب والرواة ويجمعون في مناصبهم الوف الالوف ويحظون بالزلفى عند الامراء والخلفاء، وقد كان هو شاعرا كاتبا، وكان خطيبا واسع الرواية مشاركا في المنطق والفلك واللغة، وكل ماتدور عليه ثقافة زمان، أو كما قال المسعودي: كان الشعر أقل أدواته.. وكان الشعر وحده كافيا لجمع المال وبلوغ الآمال، فماذا بعد أن يعرف الناس انه شاعر وانه كاتب وانه راوية مطلع على الفلسفة والنجوم؟! إلا أن تجيه الوزارة ساعية إليه تخطب وده، كما جاءت إلى اناس كثيرين لايعلمون علمه، ولا يبلغون في البلاغة مكانه، ألم يصل إبن الزيات إلى الوزارة بكلمة واحدة فسرها للمعتصم وفصل له تفسيرها وهي كلمة"الكلاء" التي يعرفها عامة الادباء؟! بلى، وإبن الرومي كان يعرف من غرايب اللغة مالم يكن يعرفه شعراء عصره ولا ادباؤه، فما أولاه إذن بالوزارة؟ وما أظلم الدنيا؟ إذ هي ضنت عليه بحقه من المناصب والثراء.

فإذا لم تكن الوزارة فهل أقل من الكتابة أو العمالة لبعض الوزراء والكتاب المبرزين؟! فإذا لم يكن هذا ولا ذاك فهل غبن أصعب على النفس من هذا الغبن؟! وهل تقصير من الزمان ألام من هذا التقصير؟!

ونبوءة أبيه ورجاؤه في مستقبله وقوله: أنت للشرف أيذهب هذا كله هباء لايقبض منه اليدين على شئ؟! تلك النبواءات التي تنطبع على أفئدة الصغار بمثل النار، ولاتزال غرارة الطفولة وأحلام الصبا تزخرفها وتوشيها وتعمق في الضمير أغوارها، أيأتي الشباب وهي محو لغو مطموس لايبين أولا يبين منه إلا ماينقلب إلى الاضداد وتترجمه الايام بالسقم والفقر والكساد؟! وكيف يمحى؟! إلا وقد محى القلب الذي طبعت فيه، وكيف ينعكس معناه؟! إلا وقد إنعكس في القلب كل قائم والتوى فيه كل قويم، ذلك صعب على النفوس وليس بالسهل إلا على من يلهوبه وهو بعيد.

وهكذا كان إبن الرومي يسأل نفسه مرة بعد مرة ويوما بعد يوم:

مالي أسل من القراب وأغمد؟!++

لم لا اجرد؟! والسيوف تجرد

لم لا اجرب في الضرائب مرة++

ياللرجال وأنني لمهند؟!

ولا يدري كيف يجيب نفسه على سؤاله، لانه لم يكن يدري أن فضائله كلها لاتساوى فتيلا بغير الحيلة والعلم باساليب الدخول بين الناس، وإن الحيلة وحدها قد تغني عن فضائله جميعا ولو كان صاحبها لاينظم شعرا، ولاينظر في كتب الفلسفة و الرواية والنجوم.

حسن إذن تدع الوزارة والولاية والعمالة بعد يأس مضيض يسهل علينا هنا أن نسطره في كلمة عابرة ولكنه لايسهل على من يعالجه ويشفي بمحنته في ساعة من ساعات حياته، ندع الوزارة والولاية والعمالة ونقنع بالمثوبة من الوزراء والولاة والعمال إن كانوا يثيبون المادحين، فهل تراهم يفعلون؟!.

لان الحيلة لازمة في استدرار الجوائز والمثوبات لزومها في كل غرض من أغراض المعاش ولا سيما في ذلك الزمان الذي شاعت فيه الفتن والسعايات، وما كانت تنقضي منه سنة واحدة بغير مكيدة خبيئة تؤدي بحياة خليفة أو أمير أو وزير، وربما كانت مصانعة الحجاب والتماس مواقع الهوى من نفوس الحاشية والندمان و اللعب بمغامز النفوس الخفية وإضحاك هؤلآء، وهؤلآء، أجدى على الشاعر في هذا الباب من بلاغة شعره وغزارة علمه.

وبسط الكلام في الموضوع إلي ص 235 فقال:

ابن الرومى وشعرآء عصره


عاصر إبن الرومي في بيئته كثير من الشعرآء أشهرهم في عالم الشعر ألحسين بن الضحاك، ودعبل الخزاعي، والبحتري، وعلي بن الجهم، وإبن المعتز، وأبوعثمان الناجم.

وليس لهؤلاء ولا لغيرهم ممن عاصروه وعرفوه أو لم يعرفوه أثر يذكر في تكوينه غير إثنين فيما نظن هما: ألحسين بن الضحاك، ودعبل الخزاعي.

قال الاميني وكان بين إبن الرومي والشاعر المفلق إبن الحاجب محمد بن أحمد صلة ومودة وجرت بينهما نوادر منها: ان إبن الحاجب سأله إبن الرومي زيارته في يوم معلوم فصارو إليه فلم يجدوه فقال إبن الرومي فيه شعرا أوله:

/ 43