غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب جلد 3

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب - جلد 3

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


1 ص 181، الاعلام للزركلي 2 ص 675، ألشيعة وفنون الاسلام 105، مجلة الهدى العراقية ألجزء السادس ص 227 - 223.

وعنى بجمع آثاره وكتابة أخباره وروايتها جمع منهم:

1- أبوالعباس أحمد بن محمد بن عبيد الله بن عمار المتوفى 319، قال إبن المسيب لما مات إبن الرومي عمل كتابا

___________________________________

ينقل الحموى عنه ترجمة احمد بن محمد بن عمار في معجم الادباء. في تفضيله ومختار شعره وجلس يمليه على الناس. كما في فهرست ابن النديم 212، ومعجم الادباء 1 ص 227.

2- أبوعثمان الناجم، ترجمه في كتاب مقصور عليه.

3- أبوالحسن علي بن عباس النوبختي المتوفى 327، جمع أخباره في كتاب مفرد كما في معجم المرزباني 295، ومعجم الادباء 2295.

وأفرد من كتاب المتأخرين ألاستاذ عباس محمود العقاد كتابا في ترجمته في 392 صفحة ونحن نأخذ منه ماهو المهم ملخصا بلفظه قال:

قد أدرك إبن الرومي في حياته ثمانية خلفاءهم: ألواثق. ألمتوكل. ألمنتصر. ألمستعين. ألمعتز. ألمهتدي. ألمعتمد. ألمعتضد المتوفى بعد إبن الرومي.

أثنى عليه العميدي صاحب "الابانة" وإبن رشيق صاحب "العمدة" وقال: اكثر المولدين اختراعا وتوليدا فيما يقول الحذاق: أبوتمام وإبن الرومي. وأطراه إبن سعيد المغربي المتوفى 673 في كتابه: عنوان المرقصات والمطربات.

ويظهر ان أبا عثمان سعيد بن هاشم الخالدي من ادباء القرن الرابع توسع في ترجمته إما في كتابه: حماسة المحدثين. أو في كتاب مقصور عليه. ولكن أخباره هذه ذهبت كلها ولم تبق منها أثر إلا متفرقات في الكتب لاتفني في ترجمة وافية ولاشبيهة بالوافية فنحن ننقلها كما هي:

ولد يوم الاربعاء بعد طلوع الفجر لليلتين خلتا من رجب 221 ببغداد في الموضع المعروف بالعقيقة

___________________________________

في معجم الشعراء: في الجانب الغربي بالعتيقه. وهذا هو الصحيح. ودرب الختلية في دار بازاء قصر عيسى بن جعفر بن منصور

___________________________________

أخذه من أبى عثمان الخالدي.

كان إبن الرومي مولى لعبد الله بن عيسى ولا يشك انه رومي الاصل فإنه يذكره ويؤكده في مواضع من ديوانه واسم جده مع هذا: جريح. أو: جرجيس. اسم يوناني لاشبهة فيه، فلا ينبغي الالتفات إلى من قال: إنه سمي بابن الرومي لجماله في صباه

وكان أبوه صديقا لبعض العلماء والادباء منهم: محمد بن حبيب الرواية الضليع في اللغة والانساب، فكان الشاعر يختلف إليه لهذه الصداقة، وكان محمد بن حبيب يخصه لما يراه من ذكاءه وحدة ذهنه، وحدت الشاعر عنه فقال: إنه كان إذا مر به شئ يستغربه ويستجيده يقول لي: ياأبا الحسن ضع هذا في تامورك.

وقد علمنا أن امه كانت فارسية من قوله: ألفرس خؤلي والروم أعمامي. وقوله: فلم يلدني أبوالسواس ساسان. بعد أن رفع نسبه إلى يونان من جهة أبيه، وربما كانت امه من أصل فارسي ولم تكن فارسية قحا لابيها وامها وهذا هو الارجح لان علمه بالفارسية لم يكن علم رجل نشأ في حجرام تتكلم هذه اللغة ولاتحسن الكلام بغيرها، وماتت امه وهو كهل أو مكتهل كمايقول في رثائها:

أقول: وقد قالوا: أتبكي لفاقد++

رضاعا وأين الكهل من راضع الحلم؟!

هي الام ياللناس جزعت فقدها++

ومن يبك اما لم تذم قط لايذم

وكانت امه تقية صالحة رحيمة كما يؤخذ من أبياته في رثائها.

قال الاميني: امه حسنة بنت عبدالله السجزي كما في معجم المرزباني، وسجز بلدة من بلاد الفرس من أرباض خراسان فهي فارسية قح.

أخوه وشقيقه محمد المكنى بأبي جعفر وهو أكبر من المترجم وتوفي قبله وكان تتفجع بذكراه ورثاه، ومات أخوه وهو يعمل في خدمة عبيد الله بن عبدالله بن طاهر أحد أركان بيت بني طاهر، ويظهر من ديوان المترجم انه كان أديبا كاتبا ايضا.

ولم يبق لابن الرومي بعد موت أخيه أحد يعول عليه من أهله أو من يحسبون في حكم أهله إلا اناس من مواليه الهاشميين العباسيين كانوا يبرونه حينا ويتناسوته أحيانا، و كان لعهد الهاشميين الطالبيين أحفظ منه لعهد الهاشميين العباسيين كما يظهر مما يلي. أما إبن عمه الذي أشار إليه في قوله:

لي ابن عم يجر الشر مجتهدا++

إلي قدما ولا يصلي له نارا

يجني فاصلي بما يجني فيخذلني++

وكلما كان زندا كنت مسعارا

فلا ندري أهو إبن عم لح؟! أو إبن عم كلالة؟! ومبلغ ما بينهما من صلة المودة ظاهر من البيتين.

اولاده أبن الرومى


رزق إبن الرومي ثلاثة أبناء وهم: هبة الله. محمد. وثالث لم يذكر اسمه في ديوانه. ماتوا جميعا في طفولتهم ورثاهم بأبلغ وأفجع مارثى به والد أبناءه، وقد سبق الموت إلى أوسطهم محمد فرثاه بدالية مشهورة يقول فيها:

توخى حمام الموت أوسط صبيتي++

فلله كيف اختار واسطةالعقد؟!

على حين شمت الخير في لمحاته++

وآنست من أفعاله آية الرشد

ومنها في وصف مرضه:

لقد قل بين المهد واللحد لبثه++

فلم ينس عهد المهد أوضم في اللحد

ألح عليه النزف حتى أحاله++

إلى صفرة الجادي

___________________________________

الجادي: الزعفران. عن حمرة الورد

وظل على الايدي تساقط نفسه++

ويذوي كما يذوي القضيب من الرند

___________________________________

يذوى من ذوى النبات وذوى: ذبل ونشف ماؤه. ألرند: نبات من شجر البادية طيب الرائحة يشبه الآس.

ويذكر فيها أخويه الآخرين:

محمد؟ ما شيئ توهم سلوة++

لقلبي إلا زاد قلبي من الوجد

أرى أخويك الباقيين كليهما++

يكونان للاحزان أورى من الزند

إذا لعبا في ملعب لك لذعا++

فؤادي بمثل النار عن غير ماعمد

فما فيهما لي سلوة بل حزازة++

يهيجانها دوني وأشقى بها وحدي

أما إبنه هبة الله فقد ناهز الشباب على مايفهم من قوله في رثاءه:

ياحسرتا فارقتني فننا++

غضا ولم يثمر لي الفنن

أبني؟ إنك والعزاء معا++

بالامس لف عليكما كفن

وفي الديوان أبيات يرثي بها أبنا لم يذكر اسمه وهي:

حماه الكرى هم سرى فتأوبا++

فبات يراعي النجم حتى تصوبا

أعيني جودالي فقد جدت للثرى++

بأكثر مما تمنعان وأطيبا

بني الذي أهديته أمس للثرى++

فلله ماأقوى قناتي وأصلبا

فإن تمنعاني الدمع أرجع إلى أسى++

إذا فترت عنه الدموع تلهبا

وهي على الارجح رثاؤه لاصغر أبناءه الذي لم يذكر اسمه ولاندري هل مات قبل أخيه أو بعده؟!؟! ولكن يخيل إلينا من المقابلة بين هذه المراثي أن الابيات البائية كانت آخر ما رثى به ولدا لانها تنم عن فجيعة رجل راضه الحزن على فقد البنين حتى جمدت عيناه ولم يبق عنده من البكاء إلا الاسى الملتهب في الضلوع، وإلا ألعجب من أن يكون قد عاش وصلبت قناته لكل هذه الفجايع، وقد كان رثاؤه لابنه الاوسط صرخة الضربة الاولى، ففيها ثورة لاعجة تحس من خلل الابيات، ثم حل الالم المرير محل الالم السوار في مصيبته الثانية، فوجم وسكن واستعبر، ثم كانت الخاتمة فهو مستسلم يعجب للحزن كيف لم يقض عليه، ويحس وقدة المصاب في نفسه ولايحسه في عينيه، ولقد غشيت غبرة الموت حياته كلها، وماتت زوجته بعد موت أبنائه جميعا فتمت بها مصائبه وكبر عليه الامر. إلخ

تعليم أبن الرومى


ذلك كل مااستطعنا أن نجمعه من الاخبار النافعة عن نشأة الشاعر وأهله ولا فائدة من البحث في المصادر التي بين أيدينا عن أيام صباه وتعليمه ومن حضر عليهم و تتلمذ لهم من العلماء والرواة فإن هذه المصادر خلو مما يفيد في هذا المقام إلا ما جاء عرضا في الجزء السادس من 'الاغاني' حيث يروي إبن الرومي عن أبي العباس ثعلب عن حماد بن المبارك عن الحسين بن الضحاك. وحيث يروي في موضع آخر عن قتيبة عن عمر السكوني بالكوفة عن أبيه عن الحسين بن الضحاك، فيصح أن تكون الرواية هنا رواية تلميذ عن استاذ، لان ثعلبا ولد سنة مائتين فهو أكبر من الشاعر بإحدى و عشرين سنة، أما قتيبة والمفهوم انه أبورجاء قتيبة بن سعيد بن جميل الثقفي المحدث العالم المشهور فجائز أن يكون ممن أملوا عليه وعلموه لانه مات وإبن الرومي

@

يناهز العشرين.

وقد مر بنا انه كان يختلف إلى محمد بن حبيب الراوية النسابة الكبير، وسنرى هنا انه كان يرجع إليه في بعض مفرداته اللغوية فيذكر شرحها في ديوانه معتمدا عليه قال بعد قوله:

وأصدق المدح مدح ذي حسد++

ملآءن من بغضه ومن شنف

قال لي محمد بن حبيب: ألشنف ماظهر من البغضة في العينين وأشار إليه بعد بيت آخر وهو:

بانوا فبان جميل الصبر بعدهم++

فللدموع من العينين عينان

إذا فسر كلمة "عينان" فروى عن إبن حبيب انه قال: عان الماء يعين عينا وعينانا إذا ساح. فهؤلاء ثلاثة من أساتذة إبن الرومي على هذا الاعتبار ولا علم لنا بغيرهم فيما راجعناه وحسبنا مع هذا ان الرجل كيفما كان تعليمه وأيا كان معلموه قد نشأ على نصيب واف من علوم عصره، وساهم في القديم والحديث منها بقسط وافر في شعره فلو لم يقل المعري: إنه كان يتعاطى الفلسفة. والمسعودي: ان الشعر كان أقل آلاته. لعلمنا ذلك من شواهد شتى في كلامه، فهي هناك كثيرة متكررة لايلم المتصفح ببعضها إلا جزم باطلاع قائلها على الفلسفة ومصاحبة أهلها واشتغاله بها، حتى سرت في اسلوبه وتفكيره، وما كان متعلم الفلسفة في تلك الايام يصنع أكثر من ذلك ليتعلمها أو ليعد من متعلميها، فأنت لاتقرأ لرجل غير مشتغل أو ملم بالفلسفة والقياس المنطقي والنجوم كلاما كهذا الكلام

لما تؤذن الدنيا به من صروفها++

يكون بكاء الطفل ساعة يولد

وإلا فما يبكيه منها وأنها++

لارحب مما كان فيه وأرغد؟!

وذكر شواهد كثيرة على إلمامه بالعلوم ومعرفته بمصطلحاتها غضضنا الطرف عنها إختصارا.

رسائل ابن الرومي


وقد وردت في أبياته الهمزية إشارة إلى حذقه في الكتابة ومشاركته في البلاغة المنثورة تعززها إشارة مثلها في هذا البيت:

ألم تجدوني آل وهب لمدحكم++

بشعري ونثري أخطلا ثم جاحضا؟!

فلا بد انه كان يكتب ويمارس الصناعة النثرية إلا ما استجمعناه من منثوراته لايعدو نبذا معدودة موجزة، منها: رسالة إلى القاسم بن عبيد الله يقول فيها متنصلا

1- ترفع عن ظلمي إن كنت بريئا، وتفضل بالعفو إن كنت مسيئا، فوالله إني لاطالب عفو ذنب لم أجنه، وألتمس الاقالة مما لا أعرفه، لتزداد تطولا وازداد تذللا، وأنا أعيذ حالي عندك بكرمك من واش يكيدها، وأحرسها بوفاءك من باغ يحاول إفسادها، وأسأل الله تعالى أن يجعل حظي منك بقدر ودي لك ومحلي من رجائك بحيث أستحق منك. والسلام.

2- رسالة كتبها يعود صديقا: أذن الله في شفائك، وتلقى داءك بدوائك، ومسح بيد العافية عليك، ووجه وفد السلامة إليك، وجعل علتك ماحية لذنوبك، مضاعفة لثوابك.

3.تب إلى صديق له قدم من 'سيراف'

___________________________________

سيراف: مدينة جليلة على ساحل بحر فارس، منها إلى شيراز ستون فرسخا. فأهدى إلى جماعة من إخوانه ونسيه: أطال الله بقاءك وأدام عزك وسعادتك وجعلني فداءك، لولا أنني في حيرة من أمري وشغل من فكري لما افترقنا، وشوقي علم الله فغالب، وظمأي فشديد، وإلى الله الرغبة في أن يجعل القدرة على اللقاء حسب المحبة انه قادر جواد.

ومكاننا من جميل رايك أيدك الله يبعثنا على تقاضي حقوقنا قبلك، وكريم سجاياك وأخلاقك يشجعنا على إمضاء العزم في ذلك، وما تطولت به من الايناس يؤنسنابك و يبسطنا إليك، وآثار يديك تدلنا عليك، وتشهد لنا بسماحتك، والله يطيل بقاءك و يديم لنافيك وبك السعادة.

وبلغني أدام الله عزك أن سحائب تفضلك أمطرت منذ أيام مطرا عم إخوانك بهدايا مشتملة على حسن وطيب، فأنكرت على عدلك وفضلك خروجي منها مع دخولي في جملة من يعتدك ويعتقدك وينحوك ويعتمدك، وسبق إلي قلبي من ألم سوء الظن برأيك أضعاف ماسبق إليه من الالم بفوت الحظ من لطفك، فرأيت مداوات قلبي من ظنه، وقلبك من سهوه، واستبقاء الود بيننا بالعتاب الذي يقول فيه القائل: "ويبقى

الود مابقي العتاب" وفيما عاتبت كفاية عند من له اذنك الواعية وعينك الراعية.

4- وقال في تفضيل النرجس على الورد: ألنرجس يشبه الاعين والمضاحك، والورد يشبه الخدود، والاعين والمضاحك أشرف من الخدود، وشبيه الاشرف أشرف من شبيه الادنى، والورد صفة لانه لون والنرجس يضارعه في هذا الاسم، لان النرجس هو الريحان الوارد أعني أنه أبدا في الماء، والورد خجل، والنرجس مبتسم، وانظر أدناهما شبها بالعيون فهو أفضل.

هذه نماذج من منثوراته لانعرف غيرها فيما بين أيدينا، وخليق بمن يكتب بهذا الاسلوب أن يعد في بلغاء الكتاب وإن لم يعد في أبلغهم، على أن إبن الرومي لم يكن يحسب نفسه إلا مع الشعراء إذا اختلفت الطوائف، فإنه يقول عن نفسه وهو يمدح أبا الحسين كاتب إبن أبي الاصبع:

ونحن معاشر الشعراء تنمى++

إلى نسب من الكتاب دان

وإن كانوا أحق بكل فضل++

وأبلغ باللسان وبالبيان

أبونا عندنسبتنا أبوهم++

عطارد السماوي المكان

أما حظه من علوم العربية والدين فمن المفضول أن نتعرض لاحصاء الشواهد عليه في كلامه، لانه أبين من أن يحتاج إلى تبيين. وندرفي قصائده المطولة أو الموجزة قصيدة تقرأها ولا تخرج منها وأنت موقن باستبحار ناظمها في اللغة وإحاطته الواسعة بغريب مفرداتها وأوزان إشتقاقها وتصريفها وموقع أمثالها وأسماء مشاهرها، ومايصحب ذلك من أحكام في الدين ومقتبسات من أدب القرآن، فليس في شعر العربية من تبدو هذه الشواهد في كلامه بهذه الغزارة والدقة غير شاعرين إثنين: أحد هما صاحبنا والثاني المعري، وقد كان يمدح الرؤساء والادباء أمثال عبيد الله بن عبدالله، وعلي بن يحيى، وإسماعيل بن بلبل فيفسر غريب كلماته في القرطاس الذي يثبت فيه قصايده كأنه كان يشفق أن تفوتهم دقايق لفظه وأسرار لغته ثم يعود إلى الاعتذار من ذلك إذا انس منهم الجفوة والتغير.

لم افسر غريبها لك لكن++

لامرئ يجهل الغريب سواكا

لغيرك لالك التفسير أنى++

يفسر لابن بجدتها الغريب

وكانوا لشهرته باللغة وعلم أسرارها ولطيف نكاتها يختلقون له الكلمات النافرة يسألونه عنها ليعبثوا به أو يعجزوه، وقصة 'الجرامض' إحدى هذه المعابثات التي تدل على غيرها من قبيلها، فقد سأله بعضهم في مجلس القاسم بن عبيد الله: ما الجرامض؟! فارتجل مجيبا:

وسألت عن خبر الجرا++

مض طالبا علم الجرامض

وهو الخزا كل والغوا++

مض قد تفسر بالغوامض

وهو السلجكل شئت إذ++

لك أم أبيت بفرض فارض

وكلها كلمات من مادة الجرامض لامعنى لها ولا وجود، وإذا صح إستقراؤنا وكان من أساتذته أمثال ثعلب وقتيبة فضلا عن الاستاذية الثابتة لابن حبيب فلاجرم يصير ذلك علمه بالغريب والانساب والاخبار، هؤلاء كلهم من نخبة النخبة في هذه المطالب، ولا سيما إذا أعانهم تلميذ ذو فطنة متوقدة الفهم وذاكرة سريعة الحفظ كهذا التلميذ، فقد مر بك انه كان يحفظ الابيات الخمسة من قراءة واحدة فهب في الرواية بعض مبالغة التي تتعرض لها أمثال هذه الروايات فهو بعد سريع الحفظ و هذا مما يعينه على تحصيل اللغة وتعليق المفردات.

عاش إبن الرومي حياته كلها في بغداد لايفارقها قليلا حتى يعود سريعا وقد نازعه إليها الشوق وغلبه نحوها حنين، وكانت بغداد يومئذ عاصمة الدنيا غير مدافع، و كان صاحب صنيعة ومالك دارين وثراء وتحف موروثة منها قدح زعم انه كان للرشيد ووصفه في شعره لما أهداه إلى علي بن المنجم يحيى

قدح كان للرشيد اصطفاه++

خلف من ذكوره غير خلف

كفم الحب في الحلاوة بل أحلى++

وإن كان لايناغي بحرف

صيغ من جوهر مصفى طباعا++

لاعلاجا بكيمياء مصف

تنفذ العين فيه حتى تراها++

أخطأته من رقة المستشف

كهواه بلا هباء مشوب++

بضياء أرقق بذاك وأصف

ثم استوعب الكلام في البحث عن مزاجه وأخلاقه ومعيشته وما كانت تملكه يده وذكرى مطايباته ومفاكهاته وهجاؤه وفشله وطيرته من ص 102 -203 فشرع

في بيان عقيدته وهناك مواقع للنظر.

عقيدة أبن الرومى


تقدم في الكلام عن الحالة الدينية في القرن الثالث للهجرة انه كان عصرا كثرت فيه النحل والمذاهب وقل فيه من لايرى في العقايد رأيا يفسر به إسلامه و ويخلصه بين جماعة الدارسين وقراء العلوم الحديثة.

فإبن الرومي واحد من هؤلاء القراء لاننتظر أن تمر به هذه المباحث التي كان يدرسها ويحضر مجالسها ويسمع من أهلها بغير أثر محسوس في تفسير العقيدة، فكان مسلما صادق الاسلام، ولكنه كان شيعيا معتزليا قدريا يقول بالطبيعتين، وهي أسلم النحل التي كانت شايعة في عهده من حيث الايمان بالدين.

وقد قال المعري في رسالة الغفران: إن البغداديين يدعون انه متشيع و يستشهدون على ذلك بقصيدته الجيمية ثم عقب على ذلك فقال: ما أراه إلا على مذهب غيره من الشعراء.

ولا ندري لماذا شك المعري في تشيعه لانه على مذهب غيره من الشعراء، فإن الشعراء إذا تشيعوا كانوا شيعة حقا كغيرهم من الناس، وربما أفرطوا فزادوا في ذلك على غيرهم من عامة المتشيعين، وإنما نعتقد أن المعري لم يطلع على شعره كله فخفيت عنه حقيقة مذهبه ولولا ذلك لما كان بهذه الحقيقة من خفاء.

على أن القصيدة الجيمية وحدها كافية في إظهار التشيع الذي لاشك فيه، لان الشاعر نظمها بغير داع يدعوه إلى نظمها من طمع أو مداراة، بل نظمها وهو يستهدف للخطر الشديد من ناحية بني طاهر وناحية الخلفاء، فقد رثى بها يحيى بن عمر بن الحسين إبن زيد بن علي الثائر في وجه الخلافة ووجه أبناء طاهر ولاة خراسان ، وقال فيها يخاطب بني العباس ويذكر "ولاة السوء" من أبناء طاهر:

أجنوابني العباس من شنآئكم++

وأوكوا على مافي العياب وأشرجوا

وخلوا ولاة السوء منكم وغيهم++

فأحرى بهم أن يغرقوا حيث لججوا

نظار لكم أن يرجع الحق راجع++

إلى اهله يوما فتشجوا كما شجوا

على حين لا عذري لمعتذريكم++

ولا لكم من حجة الله مخرج

فلا تلحقوا الآن الضغاين بينكم++

وبينهم إن اللواقح تنتج

غررتم لئن صدقتم ان حالة++

تدوم لكم والدهر لونان أخرج

لعل لهم في منطوى الغيب ثائرا++

سيسمولكم والصبح في الليل مولج

فماذا يقول الشيعي لبني العباس أقسى وأصرح في التربص بدولتهم وانتظار دولة العلويين من هذا الكلام؟! فقد أنذر بني العباس بزوال الملك وكاد يتمنى أو تمنى لبني علي يوما يهزمون فيه أعداءهم، ويرجعون فيه حقهم، ويطلبون تراثهم، وينكلون بمن نكل بهم، وهواه ظاهر من العلويين لامداجاة فيه كهوى كل شيعي في هذا المقام. على انه كان أظهر من هذا في النونية التي تمنى فيها هلاك أعدائهم ولام نفسه على التقصير في بذل دمه لنصرتهم:

إن يوالي الدهر أعداء لكم++

فلهم فيه كمين قد كمن

خلعوا فيه عذار المعتدي++

وغدوا بين اعتراض وأرن++

فاصبروا يهلكهم الله لكم++

مثل ماأهلك أذواء اليمن

قرب النصر فلا تستبطئوا++

قرب النصر يقينا غير ظن

ومن التقصير صوني مهجتي++

فعل من أضحى إلي الدنيار كن

لادمي يسفك في نصرتكم++

لاولا عرضي فيكم يمتهن

غير أني باذل نفسي وإن++

حقن الله دمي فيما حقن

ليت إني غرض من دونكم++

ذاك أودرع يقيكم ومجن

أتلقى بجبيني من رمي++

وبنحري وبصدري من طعن

إن مبتاع الرضي من ربه++

فيكم بالنفس لايخشى الغبن

وليس يجوز الشك في تشيع من يقول هذا القول ويشعر هذا الشعور، فإنه يعرض نفسه للموت في غير طائل حبا لبني علي وغضبا لهم وإشهارا لهم لعاطفة لاتفيده ولاتفيدهم، وقد كان لايذكر يحيى بن عمر إلا بلقب الشهيد كما ذكره في القصيدة الجيمية وفي خاطرة اخرى مفردة نظمها في هذين البيتين:

كسته القنا حلة من دم++

فأضحت لدى الله من ارجوان

جزته معانقة الدار عين++

معانقة القاصرات الحسان

وبعض هذا يكفي في الدلالة علي تشيعه للطالبيين واتخاذه التشيع مذهبا في الخلافة كمذهب الشعراء أو غير الشعراء ولا سيما التشيع المعتدل الذي يقول أهله بجواز إمامة المفضول مع وجود الافضل، ويستنكرون لعن الصحابة الذين عارضوا عليا في الخلافة، ومعظم هؤلاء من الزيدية الذين خرجوا في جند يحيى بن عمر لقتال بني العباس، فهم لايقولون في نصرة آل علي أشد مما قال إبن الرومي، ولايتمنون لهم أكثر مما تمناه.

ويلوح لنا أن إبن الرومي ورث التشيع وراثة من امه وأبيه لان امه كانت فارسية الاصل فهي أقرب إلى مذهب قومها الفرس في نصرة العلويين، ولان أباه سماه عليا وهو من أسماء الشيعة المحبوبة التي يتجنبها المتشددون من أنصار الخلفاء، ولا حرج على أبي الشاعر أن يتشيع وهو في خدمة بيت من بيوت العباسيين، لان مواليه كانوا اناسا بعيدين من الخلافة وولاية العهد وهما علة البغضاء الشديدة بين العباسيين والعلويين، وقد اتفق لبعض الخلفاء وولاة العهد أنفسهم أنهم كانوا يكرمون عليا وأبناءه كما كان مشهورا عن "المعتضد" الخليفة الذي أكثر إبن الرومي من مدحه، كما كان مشهورا عن "المنتصر" ولي العهد الذي قيل: إنه قتل أباه المتوكل جريرة ملاحاة وقعت بينهما في الذب عن حرمة علي وآله ثم قال بعد إستظهار تشيع بني طاهر ص 209 -207

وإن أحق عقيدة أن يجد المرء فيها لعقيدة تجرؤه إذا خاف، وتبسط له العذر والعزاء إذا سخط من صروف الحوادث، وتمهد له الامل في مقبل خير من الحاضر، وأدنى منه إلى كشف الظلمات ورد الحقوق، وكل أولئك كان إبن الرومي واجده على أوفاه في التشيع للعلويين أصحاب الامامة المنتظرة في عالم الغيب على العباسيين أصحاب الحاضر الممقوت المتمنى زواله، فلهذا كان متشيعا في الهوى، متشيعا في الرجاء، وكان على مذهب غيره من الشعراء وعلى مذهب غيره من سائر المتشيعين.

أما الاعتزال فإبن الرومي لايكتمه ولا يماري فيه، بل يظهره إظهار معتز به حريص عليه فمن قوله في إبن حريث.

معتزلي مسر كفر++

يبدي ظهورا لها بطون

أأرفض الاعتزال رأيا++

كلا لاني به ضنين

/ 43