غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب جلد 3

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب - جلد 3

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


يعمل شعرا رقيقا، وما كنا نفارق دكانه أنا وأبوبكر المعوج الشامي الشاعر وغيرنا من شعراء الشام وديار مصر، وكان لتاجر بالرها نصراني من كبار تجارها إبن إسمه عيسى من أحسن الناس وجها، وأحلاهم قدا، وأظرفهم طبعا ومنطقا، وكان يجلس إلينا ويكتب عنا أشعارنا وجميعنا يحبه، ويميل إليه، وهو حينئذ صبي في الكتاب فعشقه سعد الوراق عشقا مبرحا ويعمل فيه الاشعار، فمن ذلك وقد جلس عنده في دكانه قوله:

إجعل فؤادي دواة والمداد دمي++

وهاك فابر عظامي موضع القلم

وصير اللوح وجهي وامحه بيد++

فإن ذلك برء لي من السقم

ترى المعلم لايدري بمن كلفي++

وأنت أشهر في الصبيان من علم

ثم شاع بعشق الغلام في الرها خبره، فلما كبر وشارف الائتلاف أحب الرهبنة وخاطب أباه وامه في ذلك، وألح عليهما حتى أجاباه وخرجابه إلى "دير زكى" بنواحي الرقة

___________________________________

الرقة كل ارض منبسط جانب الوادى يعلوها الماء وقت المد. ولا يظن ان الرقة البلد الذي على شاطى الفرات فان الرها بين الموصل والشام. وهو في نهاية حسنه فابتاعا له قلاية ودفعا إلى رأس الدير جملة من المال عنها فأقام الغلام فيها وضاقت على سعد الوراق الدنيا بما رحبت، وأغلق دكانه، و هجر إخوانه، ولزم الدير مع الغلام، وسعد في خلال ذلك يعمل فيه الاشعار، فمما عمل فيه وهو في الدير والغلام قد عمل شماسا

___________________________________

الكلمة سريانية معناها: الخادم.

ياحمة قد علت غصنا من البان++

كأن أطرافها أطراف ريحان

قد قايسوا الشمس بالشماس فاعترفوا++

بانما الشمس والشماس سيان

فقل لعيسى: بعيسى كم هراق دما++

إنسان عينك من عين لانسان؟!

ثم إن الرهبان أنكروا على الغلام كثرة إلمام سعد به ونهوه عنه وحرموه أن أدخله وتوعدوه بإخراجه من الدير إن لم يفعل، فأجابهم إلى ماسألوه من ذلك، فلما رأى سعد امتناعه منه شق عليه، وخضع للرهبان ورفق بهم ولم يجيبوه وقالوا: في هذا علينا إثم وعار ونخاف السلطان، فكان إذا وافى الدير أغلقوا الباب في، وجهه، ولم يدعوا الغلام يكلمه، فاشتد وجده، وازداد عشقه، حتى صار إلى الجنون

فخرق ثيابه وانصرف إلى داره فضرب جميع مافيها بالنار، ولزم صحراء الدير وهو عريان يهيم، ويعمل الاشعار ويبكي.

قال أبوبكر الصنوبري: ثم عبرت يوما أنا والمعوج من بستان بتنا فيه فرأيناه جالسا في ظل الدير وهو عريان وقد طال شعره، وتغيرت خلقته، فسلمنا عليه وعذلناه وعتبناه، فقال: دعاني من هذا الوسواس أتريان ذلك الطائر على هيكل؟ وأومأ بيده إلى طائر هناك فقلنا: نعم. فقال: أنا وحقكما ياأخوي اناشده منذ الغداة أن يسقط فاحمله رسالة إلى عيسى. ثم التفت إلي وقال: ياصنوبري معك ألواحك؟ قلت: نعم. قال: اكتب:

بدينك ياحمامة دير زكى++

وبالانجيل عندك والصليب

قفي وتحملي عني سلاما++

إلى قمر على غصن رطيب

حماه جماعة الرهبان عني++

فقلبي مايقر من الوجيب

عليه مسوحه

___________________________________

المسوح: مايلبس من نسيج الشعر تقشعا وقهرا للبدن جمع مسح بكسر الميم. وأضاء فيها++

وكان البدر في حلل المغيب

وقالوا: رابنا إلمام سعد++

ولا والله ماأنا بالمريب

وقولي: سعدك المسكين يشكو++

لهيب جوى أحر من اللهيب

فصله بنظرة لك من بعيد++

إذا ماكنت تمنع من قريب

وإن أنامت فاكتب حول قبري++

محب مات من هجر الحبيب

رقيب واحد تنغيص عيش++

فكيف بمن له ألفا رقيب

ثم تركنا وقام يعدو إلى باب الدير وهو مغلق دونه، وانصرفنا عنه ومازال كذلك زمانا، ثم وجد في بعض الايام ميتا إلى جانب الدير، وكان أمير البلد يومئذ العباس بن كيغلغ فلما اتصل ذلك به وبأهل الرها خرجوا إلى الدير، وقالوا ماقتله غير الرهبان. وقال لهم إبن كيغلغ: لابد من ضرب رقبة الغلام وإحراقه بالنار، ولابد من تعزير جميع الرهبان بالسياط، وتعصب في ذلك فافتدى النصارى نفوسهم وديرهم بمائة ألف درهم.

___________________________________

توجد ملخصة في تزيين الاسواق ص 170.

القاضي التنوخي


غديرية ألقاضي التنوخي و ما يتبعها


ألمولود 278، ألمتوفى 342

من إبن رسول الله وابن وصية++

إلى مدغل في عقبة الدين ناصب

نشا بين طنبور وزق ومزهر++

وفي حجر شاد أو على صدر ضارب

ومن ظهر سكران إلى بطن قينة++

على شبه في ملكها وشوائب

يعيب عليا خير من وطأ الحصى++

وأكرم سار في الانام وسارب

ويزري على السبطين سبطي محمد++

فقل في حضيض رام نيل الكواكب

وينسب أفعال القراميط كاذبا++

إلى عترة الهادي الكرام الاطائب

إلى معشر لايبرح الذم بينهم++

ولاتزدري أعراضهم بالمعائب

إذا ما انتدوا كانوا شموس بيوتهم++

وإن ركبوا كانوا شموس المواكب

وإن عبسوا يوم الوغى ضحك الردى++

وإن ضحكوا أبكوا عيون النوادب

نشوا بين جبريل وبين "محمد"++

وبين "علي" خير ماش وراكب

وزير النبي المصطفى ووصيه++

ومشبهه في شيمة وضرائب

ومن قال في يوم "الغدير" محمد++

وقد خاف من غدر العداة النواصب

أما إنني أولى بكم من نفوسكم؟++

فقالوا: بلى قول المريب الموارب

فقال لهم: من كنت مولاه منكم++

فهذا أخي مولاه بعدي وصاحبي

أطيعوه طرا فهو مني بمنزل++

كهارون من موسى الكليم المخاطب

"ألقصيدة 83 بيتا"

كان عبدالله بن المعتز العباسي المتوفى سنة 296 ممن ينصب العدا للطالبيين، ويتحرى الوقيعة فيهم بما ينم عن سوء سريرته، ويشف عن خبث طينته، وكثيرا ما كان يفرغ ماينفجر به بركان ضغاينه في قوالب شعرية، فجائت من ذلك قصايد خلدت له السوءة والعار، ولقد تصدى غير واحد من الشعراء لنقض حججه الداحضة منهم: الامير أبوفراس الآتي ذكره وترجمته، غير أنه أربى بنفسه الابية عن أن تقابل ذلك الرجس بالموافقة في البحر والقافية، فصاغ قصيدته الذهبية الخالدة الميمية، ينصر فيها العلويين، وينال من مناوئيهم العباسيين، ويوعز إلى فضائحهم وطاماتهم التي لاتحصى.

ومنهم: تميم بن معد الفاطمي المولود 237 والمتوفى 374، رد على قصيدة إبن المعتز الرائية أولها.

أي ربع لآل هند مدار؟.....

وأول قصيدة إبن معد:

يابني هاشم ولسنا سواء++

في صغار من العلى وكبار

ومنهم: إبن المنجم. وأبومحمد المنصور بالله المتوفى 614 الآتي ذكره في شعراء القرن السابع ومنهم: صفي الدين الحلي المتوفى 752 فقد رد عليه ببائيته الرنانة المنشورة في ديوانه المذكورة في ترجمته الآتية في شعراء القرن الثامن.

ومنهم: ألقاضي التنوخي المترجم له فقد نظم هذه القصيدة التي ذكرنا منها شطرا ردا عليه، وهي مذكورة في كتاب "الحدائق الوردية" 83 بيتا، وأحسبها كما في غير واحد من المجاميع المخطوطة انها تمام القصيدة، وذكرت في "مطلع البدور" 74 بيتا، وذكر منها اليماني في "نسمة السحر" 48 بيتا، والحموي 14 بيتا في "معجم الادباء" ج 14 ص 181 وقال: كان عبدالله بن المعتز قد قال قصيدة يفتخر فيها ببني العباس على بني أبي طالب أولها:

أبى الله إلا ماترون فمالكم++

غضابا على الاقدار يا آل طالب؟!

فأجابه أبوالقاسم التنوخي بقصيدة نحلها بعض العلويين وهي مثبتة في ديوانه أولها:

من ابن رسول الله وابن وصيه++

إلى مدغل في عقدة الدين ناصب

نشابين طنبور ودف ومزهر++

وفي هجر شاد أو على صدر ضارب

ومن ظهر سكران إلى بطن قينة++

على شبه في ملكها وشوائب

يقول فيها:

وقلت: بنو حرب كسوكم عمائما++

من الضرب في الهامات حمر الذوائب

صدقت منايانا السيوف وإنما++

تموتون فوق الفرش موت الكواعب

ونحن الاولى لايسرح الذم بيننا++

ولاتدري أعراضنا بالمعايب

إذا ماانتدوا كانوا شموس نديهم++

وإن ركبوا كانوا بدور الركائب

وإن عبسوا يوم الوغى ضحك الردى++

وإن ضحكوا بكوا عيون النوائب

وما للغواني والوغى فتعودوا++

بقرع المثاني من قراع الكتائب

ويوم حنين قلت: حزنا فخاره++

ولو كان يدري عدها في المثالب

أبوه مناد والوصي مضارب

___________________________________

يريد العباس وعليا أمير المومنين عليه السلام.++

فقل في مناد صيت ومضارب

وجأتم مع الاولاد تبغون إرثه++

فابعد بمحجوب بحاجب حاجب

وقلتم: نهضنا ثائرين شعارنا++

بثارات زيد الخير عند التحارب

فهلا بابراهيم كان شعاركم++

فترجع دعواكم تعلة

___________________________________

أى تعلل. خائب

ورواها عماد الدين الطبري في الجزء العاشر من كتابه بشارة المصطفى لشيعة المرتضى وقال: حدثنا الحسين بن أبي القاسم التميمي، قال: أخبرنا أبوسعيد السجستاني، قال أنبأنا القاضي إبن القاضي أبوالقاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي ببغداد، قال: أنشدني أبي أبوعلي المحسن، قال: أنشدني أبي أبوالقاسم علي بن محمد إبن أبي الفهم التنوخي لنفسه من قصيدة:

ومن قال في يوم "الغدير" محمد++

وقد خاف من غدر العداة النواصب

أما أنا أولى منكم بنفوسكم++

فقالوا: بلى قول المريب الموارب

فقال لهم: من كنت مولاه منكم++

فهذا أخى مولاه فيكم وصاحبي

أطيعوه طرا فهو مني كمنزل++

لهارون من موسى الكليم المخاطب

فقولا له: إن كنت من آل هاشم++

فما كل نجم في السماء بثاقب

وروى القصيدة وأنها في رد عبدالله بن المعتز صاحب تاريخ طبرستان ص 100 بهاء الدين محمد بن حسن وذكر منها خمسة عشر بيتا ومنها:

فكم مثل زيد قد أبادت سيوفكم++

بلا سبب غير الظنون الكواذب

أما حمل المنصور من أرض يثرب++

بدور هدى تجلو ظلام الغياهب؟

وقطعتم بالبغي يوم محمد++

قرائن أرحام له وقرائب

وفي أرض باخمرا مصابيح قد ثوت++

متربة الهامات حمر الترائب

وغادر هاديكم بفخ طوائفا++

يغاديهم بالقاع بقع النواعب

وهارونكم أودى بغير جريرة++

نجوم تقى مثل النجوم الثواقب

ومأمونكم سم الرضا بعد بيعة++

تود ذرى شم الجبال الرواسب

فهذا جواب للذي قال: مالكم++

غضابا على الاقدار ياآل طالب؟!

ترجمة ألقاضي التنوخي


أبوالقاسم التنوخي علي بن محمد بن أبي الفهم داود بن إبراهيم بن تميم بن جابر ابن هاني بن زيد بن عبيد بن مالك بن مريط بن سرح بن نزار بن عمرو بن الحرث ابن صبح بن عمرو بن الحرث بن عمرو بن الحارث بن عمرو "ملك تنوخ" بن فهم بن تيم الله "وهو تنوخ" ابن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ملك بن حمير بن سبا بن سحت بن يعرب بن قحطان بن غابن بن شالح بن الشحد ابن سام بن نوح النبي عليه السلام

___________________________________

ألنسب ذكره الخطيب البغدادى في تاريخه نقلا عن حفيد المترجم أبى القاسم ابن المحسن إلى قضاعة، وذكر بعده السمعانى في "الانساب" والى قضاعة بين الكتابين اختلاف في بعض الاسماء.

من أغزر عيالم العلم، وملتقى الفضايل، ومجتمع الفنون المتنوعة، مشاركا في علوم كثيرة، مقدما في الكلام، متضلعا في الفقه والفرايض، حافظا في الحديث، قدوة في الشعر والادب، بصيرا بعلم النجوم والهيئة، خبيرا بالشروط والحاضر والسجلات،

استاذا في المنطق، متبحرا في النحو، واقفا على اللغة، معلما في القوافي، عبقريا في العروض، وكما أنه من أعيان العلم فهو مفرد في الكرم وحسن الشيم، فذ في الظرف والفكاهة، دمث الخلايق، لين الجانب.

ولادته ونشأته


ولد بانطاكية يوم الاحد لاربع ليال بقين من ذي الحجة سنة 278 ونشأ بها حتى غادرها في حداثته سنة ست وثلثمائة إلى بغداد، وتفقه بها على مذهب أبي حنيفة، وسمع الحديث من الحسن بن أحمد بن حبيب الكرماني صاحب "مسدد". وأحمد ابن خليل الحلبي صاحب أبي اليمان الحمصي. وأحمد بن محمد بن أبي موسى الانطاكي. و أنس بن سالم الخولاني. والحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فيل. والفضل بن محمد العطار الانطاكيين. والحسين بن عبدالله القطان الرقي. وأحمد بن عبدالله بن زياد الجبلي. ومحمد بن حصن بن خالد الآلوسي الطرسوسي. والحسن بن الطيب الشجاعي. و عمر بن أبي غيلان الثقفي. وأبي بكر بن محمد بن محمد الباغندي. وحامد بن محمد ابن صعيب البلخي. وأبي القاسم البغوي. وأبي بكر بن أبي داود. وقرأ في النجوم على البنائي المنجم صاحب الزيج.

يروي عنه أبوحفص بن الآجري البغدادي، وأبوالقاسم بن الثلاج

___________________________________

الفلاح. في انساب السمعاني. البغدادي، وعمر بن أحمد بن محمد المقري، وابنه أبوعلي المحسن التنوخي.

وأول من قلده القضاء بعسكر مكرم وتستر وجندي سابور في أيام المقتدر بالله الخليفة الذي ولي الخلافة من سنة 295 حتى قتل سنة 320. من قبل القاضي أبي جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول التنوخي، وكتبه له أبوعلي إبن مقلة وكان ذلك سنة 310 في السنة الثانية والثلاثين من عمره، ثم تقلد القضاء بالاهواز وكورة واسط وأعمالها والكوفة وسقي الفرات، وعدة نواح من الثغور الشامية، وأرجان وكورة سابور مجتمعا ومفترقا، وتولى قضاء أيذج وجند حمص من قبل المطيع لله الذي ولي الخلافة سنة 334، وكان المطيع لله قد عول علي أبي السائب عن قضاء القضاة وتقليده إياه فأفسد ذلك بعض أعدائه، وكان إبن مقلة قلده المظالم بالاهواز، واستخلفه

أبوعبدالله البريدي بواسط على بعض امور النظر، وقال الثعالبي : كان يتقلد قضاء البصرة والاهواز بضع سنين، وحين صرف عنه ورد حضرة سيف الدولة زائرا ومادحا فأكرم مثواه وأحسن قراه، وكتب في معناه إلى الحضرة ببغداد حتى اعيد إلى عمله، وزيد في رزقه ورتبته، وكان المهلبي الوزير وغيره من رؤساء العراق يميلون إليه جدا، ويتعصبون له ويعدونه ريحانة الندماء، وتاريخ الظرفاء، ويعاشرون منه من تطيب عشرته، وتكرم أخلاقه، وتحسن أخباره.

حديث حفظه وذكائه


كان المترجم آية في الحفظ والذكاء، قال ولده القاضي أبوعلي المحسن في "نشوار المحاضرة" ص 176: حدثني أبي قال: سمعت أبي ينشد يوما وسني إذ ذاك خمس عشرة سنة بعض قصيدة دعبل الطويلة التي يفتخر فيها باليمن ويعدد مناقبهم ويرد على الكميت مناقبه بنزار أولها:

أفيقي من ملامك ياظعينا++

كفاني اللوم مر الاربعينا

وهي نحو ستمائة بيت فاشتهيت حفظها لما فيها من مفاخر اليمن وأهلي فقلت: يا سيدي تخرجها إلي حتى أحفظها، فدافعني فألحت عليه فقال: كأني بك تأخذها فتحفظ منها خمسين بيتا أو مائة بيت ثم ترمي بالكتاب وتخلقه علي. فقلت: إدفعها إلي. فأخرجها وسلمها إلي وقد كان كلامه أثر في فدخلت حجرة كانت برسمي من داره فخلوت فيها ولم أتشاغل يومى وليلتي بشئ غير حفظها فلما كان في السحر كنت قد فرغت من جميعها وأتقنتها فخرجت إليه غدوة على رسمي فجلست بين يديه فقال: هي، كم حفظت من القصيدة؟ فقلت: قد حفظتها بأسرها. فغضب وقد رآني قد كذبته وقال لي: هاتها، فأخرجت الدفتر من كمي فأخذه وفتحه ونظر فيه وأنا أنشد إلى أن مضيت في أكثر من مائة بيت فصفح منها عدة أوراق وقال: أنشد من هيهنا. فأنشدت مقدار مائة بيت إلى آخرها، فهاله مارآه من حسن حفظي فضمني إليه وقبل رأسي وعيني وقال: بالله يابني لاتخبر بها أحدا فإني أخاف عليك من العين. وذكر إبن كثير هذه القصة ملخصا في تاريخه 11 ص 227.

وقال أبوعلي ايضا: حفظني أبي وحفظت بعده من شعره أبي تمام والبحتري سوى ماكنت أحفظ لغيرهما من المحدثين والقدماء مائتي قصيدة قال: وكان أبي وشيوخنا بالشام يقولون: من حفظ للطائيين أربعين قصيدة ولم يقل الشعر فهو حمار في مسلاخ إنسان، فقلت الشعر وسني دون العشرين، وبدأت بعمل مقصورتي التي أولها:

لولا التناهي لم أطع نهي++

النهى أي مدى يطلب من حاز المدى

وقال أبوعلي: كان أبي يحفظ للطائيين سبعمائة قصيدة ومقطوعة سوى مايحفظ لغيرهم من المحدثين والمخضرمين والجاهليين، ولقد رأيت له دفترا بخطه هو عندى يحتوي على رؤس ما يحفظه من القصايد مأتين وثلاثين ورقة أثمان منصوري لطاف، وكان يحفظ من النحو واللغة شيئا عظيما من ذلك "إلى أن قال": وكان مع ذلك يحفظ ويجيب فيما يفوق عشرين ألف حديث، وما رأيت أحدا أحفظ منه، ولولا أن حفظه افترق في جميع هذه العلوم لكان أمرا هائلا.

تاليفه


إن تضلع المترجم في العلوم الجمة، وشهرته الطايلة في جل الفنون النقلية والعقلية والرياضية، وتجوله في الاقطار والامصار، تستدعي وجود تآليف له قيمة، كما قال ولده أبوعلي: إن له في علم العروض والفقه وغيرهما عدة كتب مصنفة، وقال الحموي: إن له تصانيف في الادب منها: كتاب في العروض، قال الخالع: ما عمل في العروض أجود منه. وكتاب علم القوافي. وذكر السمعاني واليافعي وابن حجر وصاحب الشذرات له ديوان شعر، واختار منه الثعالبي ماذكر من شعره، وسمعت فيما يتبع شعره في "الغدير" نقل الحموي عن ديوانه بائيته كغيرها، وذكر المسعودي له قصيدته "المقصورة" التي عارض بها إبن دريد يمدح فيها تنوخ وقومه من قضاعة أولها:

لولا انتهائي لم أطع نهي النهى++

مدى الصبا نطلب من حاز المدى

إن كنت أقصرت فما أقصر قلب++

داميا ترميه ألحاظ الدمى

ومقلة إن مقلت أهل الفضا++

أغضت وفي أجفانها جمر الغضا

وفيها يقول:

وكم ظباء رعيها ألحاظها++

أسرع في الانفس من حد الظبى

أسرع من حرف إلى جر ومن++

حب إلى حبة قلب وحشى

قضاعة من ملك بن حمير++

مابعده للمرتقين مرتقا

وقال أبوعلي في "نشوار المحاضرة": إن ماضاع من شعره أكثر مما حفظ.غير أن هذه الكتب قد عصفت عليها عواصف الضياع كما أن التصدي لمنصب القضاء عاقه الاكثار عن التآليف على قدر غزارة علمه.

مذهبه


من العويص جدا ألبحث والتنقيب عن مذهب من نشأ في مثل القرن الثالث والرابع عصر التحزب للآراء والنزعات، عصر تشتت الاعتقادات، عصر تكثر النحل، وتوفر الدواعي على انتحال الرجل لما يخالف عقده القلبي، وتظاهره بما لايظهره سر جنانه، وقد قضت الايام، ومرت الاعوام على آثارهم، ونتايج أفكارهم مما كان يمكننا منه استظهار المعتقدات، وحكم الدهر على منشور فلتات ألسن كانت تعرب عن مكنون الضماير، وتقرأ علينا دروس الحقيقة من جانب مذهب الغابرين.

وإضطراب كلمات أرباب المعاجم حول مذهب شاعرنا التنوخي وولده أبي علي منذ عهدهم إلى اليوم ينم عن أنهم كانوا يخفون مختارهم من المذهب، وكانوا يظهرون في كل صقع وناحية نزلوا مايلايم مذهب أهليها، فقال الخطيب البغدادي في تاريخه، والسمعاني في أنسابه، وإبن كثير في تاريخه، وصاحب شذرات الذهب، والسيد العباسي في المعاهد، وشيخنا أبوالحسن الشريف في ضياء العالمين: إن المترجم تفقه على مذهب أبي حنيفة. ونص اليافعي في مرآة الجنان، والذهبي في ميزان الاعتدال، والسيوطي في البغية، وأبوالحسنات في الفوائد البهية، بأنه حنفي المذهب. وقال الخطيب البغدادي في تاريخه، والسمعاني في أنسابه: إنه كان يعرف الكلام في الاصول على مذهب المعتزلة، وفي كامل إبن الاثير: كان عالما باصول المعتزلة. وفي لسان الميزان: إنه يرمى بالاعتزال، وعده سيدنا القاضي في مجالس المؤمنين من قضاة الشيعة، وبذلك نص صاحب مطلع البدور، ونقل صاحب نسمة السحر عن المسوري اليمني: إنه كان معتزلي

/ 43