و لئن أوتى إبراهيم عليه السلام حسنة واحدة في قوله (و آتيناه في الدنيا حسنة) [البقره: 201؟؟]، فلقد أوتيت فاطمة عليهاالسلام حسنات في قوله تعالى (آتينا في الدنيا حسنة و في الآخره حسنة) [البقره: 201.] و قوله تعالى (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) [الانعام: 160.] و قوله تعالى (و من يقترف حسنة...) [الشورى : 23.] فهده الآيات نازلة و مؤولة فيها عليهاالسلام.
و لئن انحدر ملوك الروم من ذرية إسحاق النبى و من نسل إبراهيم الخليل عليه السلام، فقد صار أحد عشر إماما معصوما من ذرية فاطمة عليهاالسلام من الأوصياء المرضيين.
ولئن نزل في إبراهيم قوله تعالى (أن طهرا بيتي للطائفين) [الحج: 26.] فلقد نزل في فاطمة الطاهرة آية التطهير (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [الاحزاب: 33.]
و لئن كانت النار بردا و سلاما على إبراهيم عليه السلام، فإن نار الدنيا- فضلا عن نار الآخرة- لا تؤثر في فاطمة الزهراء عليهاالسلام.
و لئن قدم إبراهيم ابنه للذبح بمحض إرادته ففداه الله، فإن فاطمة الزهراء عليهاالسلام كانت تعلم بشهادة ابنيها منذ الحمل والرضاع، و كانت تقدر على دفع ذلك، ولكنها قدمتهما فداء.
و لئن نزل في حق إبراهيم قوله تعالى (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي والذين آمنوا معه) [آل عمران: 68.]، فإن فاطمة الزهراء عليهاالسلام أقرب التابعين و أشرف المؤمنات برسول رب العالمين بنص قوله تعالى (فمن تبعني فإنه مني) [ابراهيم: 26.] و قد تابعته غاية المتابعة حتى صارت لب النبوة و خلاصتها، و وصلت إلى مقام «فاطمة مني و أنا من فاطمة».
و لئن ذكر إبراهيم ربه بالشكر، فقد ذكرت فاطمة الزهراء عليهاالسلام ربها بالذكر (الذين يذكرون الله قياما و قعودا) [آل عمران: 191.]
و لئن أري إبراهيم ملكوت السماوات في قوله تعالى (نري إبراهيم ملكوت السماوات) [الانعام: 75.] فإن في بيت فاطمة عليهاالسلام فرجة كانت ترى منها كل شي ء إلى العرش الأعظم، و تخبر من ذلك.
و لئن هاجر إبراهيم عليه السلام إلى مكة المكرمة، فلقد هاجرت المخدرة الطاهرة من مكة المكرمة إلى المدينة الطيبة، و كلاهما هاجرا امتثالا للأمر الإلهي.
أما موسى:
لئن كان لموسى عليه السلام معجزات زاهرة، فلقد كان لتلك المخدرة كرامات باهرة. و لئن نزل على موسى عليه السلام المن والسلوى، فلقد نزل على فاطمة- إجابة لدعوتها- مائدة من السماء و فواكه من الجنة.
و لئن انزلت التوراة على موسى في مدة مديدة، فلقد أنزل على فاطمة عليهاالسلام ثلاثة أضعاف القرآن في فترة و جيزة.
ولئن أعطي موسى عصا من شجرة اللوز المر، فلقد أعطيت فاطمة عليهاالسلام شجرة طوبى.
ولئن اختار الله موسى على رجال عالمه بمفاد قوله تعالى (و أنا اخترتك) [طه: 13.] فلقد اصطفى فاطمة الزهراء عليهاالسلام على نساء العالمين بمفاد قوله تعالى (إن الله اصطفاك) [آل عمران: 42.]
ولئن ذهب موسى عليه السلام إلى طور سيناء ليناجي قاضي الحاجات و يبتهل إلى العلي الأعلى، فلقد كاشا فاطمة عليهاالسلام تذهب إلى محرابها تتعبد فيه و تناجي ربها، و تقوم حتى تتورم قدماها كما في الخبر «و تورمت قدماها من كثرة العبادة» [انظر بحارالانوار 43/ 75 ح 62 باب 3.]
ولئن تجلى الحق لموسى عليه السلام في طور سيناء فاستبان في جبينه نورا ساطعا لامعا، فلقد كان محيا الصديقة الطاهرة يزهر صباحا و ظهرا و عصرا بأنوار خاصة و ألوان مختلفة، و قد مرت الأخبار في ذلك.
ولئن ظهرت لموسى عليه السلام في أيام الحمل و بعد الولادة و أيام الرضاع معجزات و خوارق للعادات، من خفاء الحمل، والدخول في التنور، والعوم في البحر، و دخول بيت فرعون، فإن لفاطمة الزهراء عليهاالسلام أيضا في أيام الحمل والولادة والرضاع كرامات و خوارق للعادات اتفق عليها الطرفان؛ و قد أشرنا سابقا إلى بعضها.
ولئن أحضر فرعون الأقباط والسحرة و غيرهم، و دعا موسى ليغلبوه، فنصره الله بالعصا و جعلهم هم المغلوبين؛ فإن نساء اليهود دعون فاطمة الزهراء عليهاالسلام مرارا إلى مجالسهن العامة و أفراحهن و أعراسهن ليستعرضن حليهن و زينتهن أمامهم و يجرحن بذلك قلبها!! فأشفق عليها العلي الأعلى و خلع عليها من خلع الجنان حللا خلبت ألبابهن و خطفت أبصارهن، فامن أكثرهن و دخلن في الإسلام.
ولئن أوتي موسى العصا واليد البيضاء و تسع آيات إضافة إلى مقام الرسالة، فإن فاطمة أوتيت أميرالمؤمنين عليه السلام والإمام الحسن و تسع آيات إلهية هم الأئمة المعصومون من صلب ولدها الحسين عليه السلام، إضافة إلى ارتباطها و انتسابها إلى شجرة النبوة المحمدية.
ولئن فلق موسى عليه السلام البحر و أغرق ضلال أمته، فإن الأنبياء من أولي العزم و غيرهم لطالما التجأوا إلى أميرالمؤمنين عليه السلام و فاطمة و توسلوا بهم فنجوا من المهالك، كما ورد في كتب الإمامية أخبار كثيرة عن الحالات الموسوية والإلتجاء إلى هذه الأسرة الزكية.
أما عيسى:
لئن خلق عيسى عليه السلام من نفخة روح الأمين، فلقد خلقت فاطمة الزهراء عليهاالسلام من نور الرب و فاكهة الجنة و عرق جبرئيل و زغبه.
ولئن تكلم عيسى عليه السلام في بطن أمه و قال بعد ولادته (إني عبدالله آتاني
الكتاب و جعلني نبيا) [مريم: 30.] فإن فاطمة الزهراء عليهاالسلام تكلمت أيضا في بطن أمها خديجة، و تكلمت بعد الولادة و وحدت الله سبحانه.
و لئن خاطب الله عيسى عليه السلام في القرآن الكريم، فقد ذكر فاطمة عليهاالسلام فلم في أسفار الإنجيل و بشرها بكثرة النسل و أخبر عن شهادة فرخيها.
و لئن كان لمريم- أم عيسى عليه السلام- من الشرف والعظمة والشأن ما لا يكن لأي واحدة من أمهات الأنبياء العظام، فإن لأم فاطمة عليهاالسلام- خديجة سيدة النسوان- من الشرف والفضل و علو القدر و سمو المقام ما لم يكن لأية واحدة من النساء، و حق لمثل هذه المرأة المعصومة بما لها من عصمة ذاتية و جلالة قدر أن تكون أمها كريمة الأحساب و مفخرة تفتخر بها على أمهات سيد الكائنات.
و لئن كان بعض النصارى يقدسون مريم و يعتقدون نبوتها و يتسمون بها «المريميون»، فإن هذه الأمة المرحومة كلها «فاطمية». ولئن كانوا لا يعتقدون بنبوتها فإنهم يعتقدون أنها أفضل من الأنبياء السابقين. و إن عيسى عليه السلام سينزل في آخر الزمان و يتبع آخر أبنائها القائم المهدي (عج).
ولئن نزل في عيسى عليه السلام و أيدناه بروح القدس [البقره: 87.] فلقد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مرارا أن عليا و فاطمة والحسنين عليهم السلام مؤيدون بروح القدس [بصائر الدرجات 480- 483 باب 18 ح 1- 12.]
و لئن كان جبرئيل و ملائكة الرحمة ينزلون على عيسى عليه السلام يعلمونه الكتاب و يبشرونه، فإن جبرئيل والملائكة الكرام نزلوا على الصديقة الطاهرة و بشروها
بالعنايات الرحمانية والإفاضات السبحانية.
ولئن عد عيسى عليه السلام في زمرة الأنبياء الذين عاشوا في الدنيا قليلا، حيث لم يعمر أكثر من ثلاثة و ثلاثين سنة، ثم خلع عن نفسه رداء التراب و هجر عالم الأملاك، و تسنم ذروة الأفلاك؟ فإن فاطمة الزهراء عليهاالسلام عاشت في هذه الدنيا زمنا قليلا وامتازت من بين حسان نساء العالمين بسرعة الرحيل، حيث عاشت ثمانية عشر عاما، و رحلت عن دار الزوال متوجهة إلى حظيرة القدس و أعلى عليين، واختارت جوار أبيها سيد المرسلين و جوار رب العالمين، وارتاحت من المحن والفتن والشدائد صلوات الله عليها.
الخصيصة الحادي عشر من الخصائص الخمسين في تساوي بعض حالات فاطمة مع رسول الله و أميرالمؤمنين و أبنائها
لقد ساوت فاطمة الزهراء عليهاالسلام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أميرالمؤمنين عليهم السلام و أبناءها المعصومين عليهم السلام في بعض الصفات الكريمة والأوصاف الخاصة بهم، و سنقتصر على ذكر خمسين موردا منها في هذه الخصيصة، و هي غالبا من الموارد التي يعترف بها جمهور أهل السنة:
المورد الأول: مساواتها في الصلاة على النبى صلى الله عليه و آله و سلم لأنها عليهاالسلام أخص و أقرب آله بالإتفاق.
و لأهل السنة في الصلوات ثلاث صور:
الأولى: اللهم صل على محمد و سلم
الثانية: صلى الله عليه و سلم
الثالثة: صل على محمد و على آل محمد
و غالبا ما يذكرون الصلوات بدون ذكر الآل، و إذا ذكروهم فصلوهم ب«و على»، مع أن النبى صلى الله عليه و آله و سلم قال: لا تصلوا علي الصلاة البتراء. قالوا: و ما الصلاة
البتراء؟ قال: تقولون: اللهم صلى على محمد و تسكتون [الصواعق المحرقه 146 الباب 11 الفصل 1 الايه الثانيه.]
و قال صلى الله عليه و آله و سلم: «من فصل بيني و بين آلي ب«على» فقد جفاني».
والغرض مات الصلاة على النبى صلى الله عليه و آله و سلم تعظيمه و توقيره، و فصل فاطمة والآل عنه ينافي قصد التعظيم، بل فيه إساءة للنبى صلى الله عليه و آله و سلم. و لا أدري كيف يطمع بالشفاعة يوم القيامة أولئك الذين يؤدون الصلاة و يصلون على سيد الكائنات و لا يذكرون آله؟! أو أنهم لا يعدون فاطمة عليهاالسلام فى آله؟ و كيف سيواجهون رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم؟! أو كيف يزورونه؟!
قال الشافعي:
يأ اهل بيت رسول الله حبكم
كفاكم من عظيم الشأن أنكم
من لم يصل عليكم لا صلاة له
فرض من الله في القرآن أنزله
من لم يصل عليكم لا صلاة له
من لم يصل عليكم لا صلاة له
و روي أن أحمد بن حنبل و جماعة- عادوا أبانعيم- و هو من أعاظم المشايخ و كبار علماء أهل السنة، فاستوى أبونعيم جالسا واعتذر قائلا: آجركم الله فإني محموم لا طاقة لي على الحديث. فسأله أحدهم: ما تقول في من شهد الشهادتين و عمل بأحكام رب العالمين ولكنه مات و لم يعرف أبابكر، فهل يضر ذلك في دينه؟ قال: لا، قال: شهد الشهادتين و لم يعرف عمر، فهل يضره ذلك؟ قال: لا، قال- و لم يسأل عن عثمان-: فما تقول في من لا يعرف علي بن أبى طالب، فهل يفره ذلك؟ قال: نعم، فعلي من آل رسول الله، و قبول الصلاة و كما لها بالصلاة على محمد و آله فلابد من معرفته ليقصد دخوله في الآل.
و عليه فالولد أولى من الأقارب مهما قربوا، سيما إذا كان الولد مثل فاطمة عليهاالسلام، و هي أشرف و أفضل الآل، و هل يجرؤ أحد أن يخرج فاطمة من آل النبي صلى الله عليه و آله و سلم؟!! معاذ الله!!
ثم إن الآل- إضافة إلى ملاحظة النسبة و معنى الأهلية- تعني المآل والرجوع، و أول من رجع إليه صلى الله عليه و آله و سلم و ألحق به فاطمة الزهراء عليهاالسلام.
المورد الثاني: التسليم على النبى صلى الله عليه و آله و سلم في الصلاة، حيث يقول المصلي «السلام عليك أيها النبى و رحمة الله و بركاته» و فاطمة الزهراء عليهاالسلام ساوت النبى صلى الله عليه و آله و سلم في قوله تعالى (سلام على آل يس) [الصافات: 130.]] و يس اسم النبى صلى الله عليه و آله و سلم، و آله فاطمة والعترة الطاهرة، و في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما) [الاحزاب: 56.] التسليم يعود- كما في التفسير- إلى آل العصمة والطهارة، و أميرالمؤمنين أولهم و فاطمة الزهراء عليهاالسلام خاصتهم و خلاصتهم و لبهم، و لها قرب معنوي و اتصال روحاني و جسماني.
المورد الثالث: طه في القرآن الكريم اسم للرسول، و فسر بالطاهرة، و قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [الاحزاب: 33.] نزل في آل طه، و أخبر عن طهارة ذواتهم المقدسة، و أقرب أهل البيت عليهم السلام و أولهم فاطمة عليهاالسلام، فهي من هذه الجهة تساوي النبى صلى الله عليه و آله و سلم و بعلها و بنيها بنص الذكر الحكيم.
المورد الرابع: في حرمة أكل الدقة- و هي أوساخ ما في أيدي الناس [الدقاق: فتات كل شى ء، والدقه: ما تسهك به الريح من الارض. (لسان العرب: دقق)]- حيث أنها حرمت على النبى صلى الله عليه و آله و سلم و آله، و فاطمة أقرب المقربين من الآل.
المورد الخامس: في وجوب محبة النبى صلى الله عليه و آله و سلم على الخلق أجمعين، والمحبة لازمها الإتباع، قال تعالى: (فاتبعوني يجببكم الله) [آل عمران: 31.] و لا اتباع بدون محبة، و قال تعالى في آل الرسول صلى الله عليه و آله و سلم: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) [الشورى: 23.] فالمحبة المفروضة على الأمة للنبى صلى الله عليه و آله و سلم مفروضة أيضا لفاطمة و بني فاطمة، بل هي من أهم الفرائض و أعظمها. و من من ذوي القرب أقرب إلى سيد الأنبياء من فاطمة عليهاالسلام و بنيها؟
هذه الموارد الخمسة ذكرها ابن حجر الميثمي المتعصب في كتاب الصواعق المحرقة، ولكنه ذكرها كموارد لمساواة النبى صلى الله عليه و آله و سلم و آله عليهم السلام، و ذكرتها هنا كخصائص لفاطمة عليهاالسلام باعتبار الأهمية والأولوية، و باعتبار أنها محل الكلام [الصواعق المحرقه 143 الباب 11 الفصل 1.]
و نذكر هنا الموارد التي شاركت فيها فاطمة عليهاالسلام أبيها و بعلها عليهماالسلام.
المورد السادس: في قصة المباهلة: قال في تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام، عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم قال: «ما ساوى الله قط امرأة برجل، إلا ما كان من تسوية الله فاطمة بعلي و ألحقها بأفضل رجال العالمين، فألحق الله فاطمة بمحمد و علي في الشهادة، و ألحق الحسن والحسين بهم في قوله تعالى (فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على