روى المجلسي رحمه الله بيتين عن حسان بن ثابت في مدح الصديقة الكبرى، و قد اقتبسها من كلام الملك العلام:
و إن مريم أحصنت فرجها
فقد أحصنت فاطم بعدها
فجائت بسبطي نبي الهدى
فجائت بعيسى كبدر الدجى
فجائت بسبطي نبي الهدى
فجائت بسبطي نبي الهدى
و روى في كتاب المناقب لمحمد بن شهر آشوب رحمه الله والخرايج والجرايح، قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إن فاطمة أحصنت فرجها، فحرم الله ذريتها على النار» [البحار 43/ 232، ح 7 باب 9 عن المناقب:]
و تختص الذرية الطيبة لفاطمة الطاهرة عليهاالسلام
كما في بعض الأخبار المعتبرة- بالحسنين عليهماالسلام و زينب و أم كلثوم. قال الصادق عليه السلام: «المعتقون من النار هم ولد بطنها: الحسن والحسين و زينب و أم كلثوم» [البحار 43/ 231 ح 4 باب 9.]
تبين مما مر أن تحصين سيدة نساء العالمين عاد عليها بعدة أمور:
أحدها: أن الله وهبها هذين الإمامين الهمامين، و جعل لكل واحد منهما نسلا كثيرا و ذرية مباركة، بحيث يكون عيسى ابن مريم عليه السلام تابعا و لازما لأحد أولادهم في آخر الزمان، و كفى بذلك شرفا و فخرا.
والآخر: أن النار حرمت على ذريتها الطاهرة، كما في معاني الأخبار [معانى الاخبار 106 ح 2 و 3.]
والعيون [عيون اخبار الرضا عليه السلام 2/ 31 ح 46؛ و 2/ 58 ح 234 و 235.]]، والمناقب [مناقب ابن شهر آشوب 3/ 325.]، والبحار [بحارالانوار 43/ 20 ح 6.]
و قد فسر الإحصان في القرآن بأربعة معان:
الأولى: العصمة، كقوله تعالى: (أحصنت فزجها) [الانبياء: 91.]
الثاني: الأزواج، كقوله تعالى: (والمحصنات من النساء) [النساء: 25.]
الثالث: الحريه، كقوله تعالى: (من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات) [النساء: 25.]
الرابع: الإسلام، كقوله تعالى: (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة) [النساء: 25.]
و هذه المراتب كلها موجودة بمستوى الكمال في فاطمة الزهراء عليهاالسلام حيث أن نفسها القدسية اتصفت من بين نساء العالمين جميعا بالملكات، واختصت بأعلى درجات الفضائل والكمالات، و كذلك اتصف بنوها المطهرون و بناتها الطاهرات بكمال الكمال.
و قد قيل في أبناءها:
لقد علمت قريش غير فخر
و أكثرهم دروعا سابغات
و أرفعهم عن الفراء فيهم
و أبينهم إذا نطقوا لسانا
بأنا نحن أجودهم حصانا
و أمضاهم إذا طعنوا سنانا
و أبينهم إذا نطقوا لسانا
و أبينهم إذا نطقوا لسانا
الخصيصة الحادي عشر (من الخصائص العشرين) في معنى «الحانية»
الحانية: و هو لغب مبارك من ألقاب الشمس الساطعة الصديقة الطاهرة عليهاالسلام، ذكره في بحارالأنوار.
الحانية: من حنى يحنو بمعنى العطف والشفقة؛ يقال: حنت المرأة على ولدها أي عطفت و أشفقت فلم تتزوج بعد أبيهم.
قال في المجمع: و منه المرأة الحانية [مجمع البحرين 1/ 111.]، و كذا قال المجلسي عن الجزيري.
روي في مدح نساء قريش: أحناه على ولد و أرعاه على زوج [البحار 43/ 17 ح 15 باب 2.]
و في الكافي في فضل نساء قريش في باب النكاح: روي عن الصادق عليه السلام: خير نساء ركبن الرحال نساء قريش، أحناه على ولد و خيرهن لزوج [فروع الكافى 5/ 326 باب فضل نساء قريش.]
و فيه أيضا: خطب النبى صلى الله عليه و آله و سلم أم هانئ بنت أبى طالب فقالت: يا رسول الله إني مصابة في حجري أيتام، و لا يصلح لك إلا امرأة فارغة، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:
ما ركب الإبل مثل نساء قريش؛أحناه على ولد، و لا أرعى على زوج في ذات يديه [فروع الكافى 5/ 327 باب فضل نساء قريش.]
و روي مثله في النهاية لابن الأثير.
فالمراد من «أحناه» هو المراد من «الحانية».
و حنوت عليه أي أشفقت، و أحنا الناس ضلوعا عليك، أي أشفقهم.
و حنى مقصور يائي، و هو غير حناي المهموز الممدود فالمقصور بمعنى التحنن. حنت الشاة إذا أرادت الفحل فهي حان.
والحنواء: المرأة محنية الظهر و هي التي في ظهرها احديداب.
على أي حال: إن تعطف النساء و تحننهن على أزواجهن و على أولادهن باعتزال الرجال بعد موت الزوج ترحما عليه و احتراما له وصونا لولده ممدوح مستحسن.
و سنتحدث في هذه الخصيصة حول مطلبين:
أحدهما: عطف فاطمة الطاهرة و رأفتها بزوجها العظيم أميرالمؤمنين عليه السلام و هو ما يعجز البنان والبيان عن وصفه، و يقصر الإنسان عن شرحه، و هو ما يحتاج إلى خصيصة مستقلة بذاتها و مقدمة خاصة بها.
والآخر: رأفتها و محبتها لأبنائها الكرام [ثم رافتها و محبتها بشيعتها و محبيها فى الدنيا و الاخره.] علاوة على المحبة الفطرية والمودة الذاتية التي تكون بين كل أم و أبنائها.
و بديهي أن الرأفة والعطف تتفرع على المحبة والمودة، و هي متفرعة عن
معرفة المحبوب والمتحنن عليه، فكلما كان المحبوب عظيما كان الحب عظيما، و كان التحنن والعطف كذلك.
و بناء على ذلك فإن أعرف الخلق بحق سلطان الولاية و عظمة قدره و جلالة شأنه سيدة نساء العالمين، و لهذا تجلت آثار المحبة بأجلى صورها و أعلى درجاتها و غاية كمالها فيهما، و كأن طينتهم و فطرتهم عجنت من طين المحبة بماء الرأفة. و كيف يمكن أن يتصور وجود زوجين متحابين أكثر منهما مع اتحاد معنوياتهما و روحانياتهما و نورانياتهما؟!
و من محامد النساء و محاسنهن مودتهن للزوج و محبتهن للبعل؛ و تلك الخدرة الحرة والحصان البتول والولود الودود والكريمة النجيبة كانت منزهة من جميع النقائص النسائية، و متصفة بكمال الخصائص الممدوحة، و من مكارم أخلاقها ما روي في حديث طويل أنها عليهاالسلام قالت لعلي عليه السلام: لو كنت و أولادي جياعا و حصلت على كفاف، لقدمتك على نفسي و أولادي و آثرتك على من سواك.
و لو أردت استقصاء الأخبار والأحاديث الواردة في موادتهما و محبتهما لضاق بنا المجال و لما وسعنا الحديث عن باقي الخصائص.
تتمة و هي مهمة (في رأفة النبي) بالحسنين
ذكرنا أن المرأة الحانية هي التي ترأف بزوجها و أولادها، والغالب استعمالها في الأطفال الصغار كما ورد في أوصاف المؤمن: «هو الذي يحنو على الصغير و يوقر الكبير».
و ورد في معنى «الحانية»: حنت المرأة على ولدها و لم تتزوج بعد أبيهم شفقة و عطفا [بحارالانوار 43/ 17.]
تبين أن الحانية و إن كانت تحنو على زوجها، إلا أن الفائز الأول برأفتها أطفالها بعد موت أبيهم، حيث تمتنع عن الأزواج حتى تكفل الأيتام و تحضنهم و لا تقصر في حقهم.
و نقرأ في الدعاء: «و تحنن على أيتام المؤمنين بالرأفة والرحمة».
والحنين: صوت الناقة إذا اشتاقت إلى ولدها، و حنان بالتخفيف الرحمة،و بالتشديد: ذو الرحمة، والحنان من أسماء الله، و هو إقبال على من أعرض عنه، و هي صفة ظهرت- من بين المخلوقين- في الأمهات، فهما أعرض عنها الولد أقبلت عليه و حنت إليه بدافع الحب والرأفة.
و قد نظرت في أفعال و أقوال السيدة الصديقة الطاهرة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و فهمت من مراثيها و نياحتها و تعازيها و حزنها ولوعتها و اصطحابها الحسنين إلى المسجد و ملازمتها و غيرها من المواقف، أن تلك المخدرة الجليلة كانت
ترى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أرأف و أحنى و أشفق على ولدها حتى من أميرالمؤمنين عليه السلام، و كانت تتعامل معهما و كأن أبوهما رحل من الدنيا، و قد قالت على قبره في رثائه و هي تخاطب الحسنين عليهماالسلام: «أين أبوكما الذي يكرمكما، و كان أشد الناس شفقة عليكما [البحار 43/ 181 ح 16 باب 7.]؟».
أجل لقد دفن الجسد الطاهر و أصبحت الدنيا بفقده ظلمة، والعقبى بنور قدومه مشرقة.
و قالت في مورد آخر: من ذا يكون لولدي؟ و من ذا يجلسهم في حجره و يقبلهم [انظر البحار 22/ 484 ح 31 باب 1.]
و لا مانع من أن يحب الجد للأم أولاد ابنته كما يحبهم أبوهم بل أكثر، بل كانت محبة النبى صلى الله عليه و آله و سلم و وده بالإصالة والنيابة. بل كان من الأدب أن لا يبدي سلطان الولاية أميرالمؤمنين حبه لولديه مادام الرسول صلى الله عليه و آله و سلم الخاتم يظهر حبه. و هكذا كان الحسنان يبديان التعلق برسول الله و يقبلان عليه أكثر من إقبالهما على أبيهما.
و إذا دقق المتأمل في ألطاف النبى و أفضاله على الحسنين، أذعن أن محبة فاطمة الزهراء للحسنين لا تعادل عشر ما كان يلقيانه من النبي صلى الله عليه و آله و سلم.
لذا حق لفاطمة أن تذكر محبة أبيها و شفقته دائما، و أن تبكي أبيها كل هذا البكاء، فيبكي بعلها أميرالمؤمنين عليه السلام- بل كل أهل المدينة- لبكائها. و كأن هذه الرأفة الإستثنائية من خواص النبي النبى صلى الله عليه و آله و سلم التي لا تتعداه إلى غيره. كيف لا و هو
رحمة للعالمين، و كانت له علاوة على ذلك رحمة خاصة بولد فاطمة عليهاالسلام. قد قال لأميرالمؤمنين عليه السلام لما حفرته الوفاة: سلام الله عليك يا أباالريحانتين؛ أوصيك بريحانتي من الدنيا، فعن قليل ينهدر كناك والله خليفتي عليك [البحار 43/ 173 ح 14 باب 7 عن الامالى.].. إلى آخر الحديث.
و قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: الولد ريحانة و ريحانتاي الحسن والحسين عليهماالسلام [البحار 43/ 264 ح 12 باب 12 عن عيون اخبار الرضا عليه السلام.]
و كان النبى صلى الله عليه و آله و سلم يضمهما و يرشف ثناياهما [انظر البحار 45/ 133 ح 1 باب 39.]
و قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من أحب الحسن والحسين فقد أحبني و من أبغضهما فقد أبغضني و هما سيدا شباب أهل الجنة [البحار 43/ 303 ح 56 باب 12.]
و قال أيضا: إن ربى أمرني أن أحبهما و أحب من يحبهما [البحار 26/ 269 باب 12.]
و هذا النوع من المحبة و إظهار الود حير الخلق و أدهش الجميع؛ والأفضل أن نعطف زمام الحديث و نقف عند هذا الحد.
أخذ النبى يد الحسين و صنوه
من ودنى يا قوم أو هذين أو
أبويهما فالخلد مسكنه معي
يوما و قال و صحبه في مجمع
أبويهما فالخلد مسكنه معي
أبويهما فالخلد مسكنه معي
الخصيصة الثانية عشر (من الخصائص العشرين) في معنى «الزهراء»
الزهراء: و هو من الألقاب المشهور للسيدة فاطمة عليهاالسلام، و قد شاع و ذاع على ألسنة الشيعة الإمامية، واشتهر في كتب الأخبار عن الأئمة الأطهار، و هو لقب ممدوح، حتى عد في أسمائها عليهاالسلام، وياله من لقب شريف مبارك.
و أصله من زهر و زهور: اتقاد النار واشتعالها، والزهرة بتحريك الوسط نجم، والزهرة بضم و فتح الأول والثاني: نور كل نبات، وبالسكون بمعنى البياض، و منه رجل أزهر أي أبيض مشرق الوجه. و أم الأزهار كنية الزهراء عليهاالسلام فلم والمراد من الأزهار الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم.
والزهرة بفتح الزاي و سكون الهاء بمعنى الزينة والبهجة، قال تعالى: (و لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا زهرة الحياة الدنيا) [الحجر: 88.]]
فالزهر والزهور بمعنى النور والسطوع والإشراق و صفاء اللون والتلألؤ، و على ما في المصباح: الأبيض المشرق، زهر الرجل أي أبيض وجهه، مفرده زهرة و جمعه زهر مثل تمر و تمرة، واليوم الأزهر يوم الجمعة [انظر لسان العرب ماده «زهر».]
و بالجملة فهذا اللقب النبيل والوصف الجميل غالبا ما يلازم اسم العصمة الكبرى، حتى في الدعوات والزيارات، و هذا يعني أن أئمة الهدى عليهم السلام كانوا يحبون أن تدعى أمهم المخدرة بام فاطمة الزهراء من بين كل ألقابها و أوصافها الكثيرة الأخرى، و ذلك لأن هذا الإسم الشريف قارن الكثير من الوقائع والأحداث، و له أسباب و علل كثيرة نذكر شمة منها في هذه الخصيصة لتقر به عيون الأحبة الذين يطالعون هذا الكتاب:
العله الاولى:
روى المرحوم الصدوق رحمه الله في كتاب علل الشرائع عن جابر عن الصادق عليه السلام قال: قلت له: لم سميت فاطمة الزهراء زهراء؟
فقال: لأن الله عز و جل خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرت الملائكة لله ساجدين، و قالوا: إلهنا و سيدنا ما لهذا النور؟ فأوحى الله إليهم هذا نور من نوري أسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أخرجه من صلب نبي من أنبيائى، أفضله على جميع الأنبياء، و أخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري جمهدون إلى حتي، و أجعلهم خلفائى في أرضي بعد انقضاء وحيي» [علل الشرايع 1/ 213 باب 143 ج 1.]
العلة التانية:
و في علل الشرائع أيضا: سألت أباعبدالله عليه السلام عن فاطمة لم سميت الزهراء؟
فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض [المصدر السابق ح 3.]
العلة الثالثة:
في كتاب بحارالأنوار: عن أبي هاشم العسكري: سألت صاحب العسكري عليه السلام: لم سميت فاطمة الزهراء؟
فقال: كان وجهها يزهر لأميرالمؤمنين عليه السلام من أول النهار كالشمس الضاحية و عند الزوال كالقمر المنير، و عند غروب الشمس كالكوكب الدري [بحارالانوار 43/ 16 ح 15 باب 2.]
العلة الرابعة:
في البحار أيضا عن الحسن بن يزيد قال: قلمت لأبي عبدالله عليه السلام: لم سميت فاطمة الزهراء عليهاالسلام؟
قال: لأن لها في الجنة قبة من ياقوت حمراء، ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة، معلقة بقدرة الجبار، لا علاقة لها من فوقها فتمسكها، و لا دعامة لها من تحتها فتلزمها، لها مأئة ألف باب، على كل باب ألف من الملائكة، يراها أهل الجنة كما يرى أحدكم الكوكب الدري الزاهر في أفق السماء، فيقولون: هذه الزهراء لفاطمة عليهاالسلام [البحار 43/ 16 ح 15 باب 2.]
العلة الخامسة:
في البحار و غيره من كتب المناقب عن سلمان في حديث طويل: «... فخلق نور فاطمة الزهراء عليهاالسلام يومئذ كالقنديل، و علقه في قرط العرش، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع؛ من أجل ذلك سميت فاطمة الزهراء. و كانت الملائكة تسبح الله و تقدسه، فقال الله: و عزتي و جلالي لأجعلن ثواب تسبيحكم