خصائص الفاطمیه جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

خصائص الفاطمیه - جلد 1

محمد باقر کجوری؛ مترجم: السید علی جمال اشرف

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الأعظم، و خدمها روح القدس والملائكة الكرام، و من كانت كذلك حق لها أن تأتى في صغرها بما يعجز عنه كبار العباد، و ذلك لأن قواها العاقلة و ملكاتها الإلهية تختلف عن قوى الآخرين، و تختلف عن ملكات الرجال والنساء من العالمين.

لقد كفل زكريا مريم و رأى منها- قبل البلوغ- خوارق العادات، و كانت تنمي- كفاطمة الزهراء- خلافا للعادة المرسومة بين النسوان، كما نص على ذلك كتب الأخبار والتفاسير، ولكن يبقى ثمة فرق بينهما حيث الشرف الذاتى النفسانى لفاطمة على مريم، و فضل الذات المقدسة النبوية على زكريا، و شرف مكة المكرمة على بيت المقدس. فتربية فاطمة و كفالتها و قابليتها شي ء آخر يختلف تماما عن حالات مريم والنساء الأخريات.

نعم؛ قد تكون مثالا لفاطمة، كالخضر لصاحب الزمان عليه السلام «فقد ورد في أخبار أهل البيت عليهم السلام أن طول عمر الخضر و بقاء حياته آية و دليل على طول عمر آية الله في العالمين إمام العصر، و هكذا هي عبادة مريم عليهاالسلام لم و خدمتها و عصمتها و ملكاتها الحسنة آية و دليل و مثال للصديقة الكبرى سلام الله عليها.

الحاصل: عاشت حبيبة ذي الجلال على هذا المنوال ثلاث سنين أخرى في كنف أبيها و هي تتزود بالفضائل في كل ساعة و آن، و تشتد في العبادات البدنية في ساعات الليل والنهار، و كان النبى صلى الله عليه و آله و سلم الوحى من المبادئ العالية، و كلما نزل عليه شي ء شمت ريحه فاطمة عليهاالسلام. و كان النبى صلى الله عليه و آله و سلم يلقنها الوحي و يعلمها و هي تأخذه كاملا تاما كما نزل، فاكتسبت في السنوات الثمان تمام معارف الدين و معالم شريعة سيد المرسلين أصولا و فروعا، حتى لم يكن حينئذ أحد من العالمين له يقين كيقينها أو عرفان كعرفانها أو كمال إيمان يماثل كمال إيمانها، فلما هاجرت إلى المدينة كانت-

كما قالت سلمى- أكثر نساء العالمين علما و أدبا، و لا حول و لا قوة إلا بالله (و ما النصر إلا من عندالله)

[آل عمران 126؛ الانفال 10.] و كيف لا تكون فاطمة كذلك؟! و أنى لنساء العالمين أن يكن مثلها؟ فالزجاجة لا تكون ياقوتا و جواهر مهما صقلت، والحديد لا يداني الذهب والفضة مهما انجلى، فالجوهر المقدس لمعدن العصمة والحياء غير الجواهر والأعيان الأخرى، و ذاتها الطاهرة المطهرة أطهر من أن تنالها شوائب النساء و أقذارها، والله الموفق لكل خير و كمال والإيصال إلى الآمال.

و لنعم ما قيل:




  • فلم يستتم أمر النبى بمكة
    فهاجر منها فاستقام بطيبة



  • فهاجر منها فاستقام بطيبة
    فهاجر منها فاستقام بطيبة



لقد مات أبوطالب




  • كما في المصباح
    في السادس والعشرين من شهر رجب



  • في السادس والعشرين من شهر رجب
    في السادس والعشرين من شهر رجب



[بحارالانوار 19/ 25 ح 13 باب 5.

و ماتت خديجة فى شهر شعبان في السنة العاشرة من المبعث، فسمى رسول الله ذلك العام: «عام الحزن» و قال: «ما زالت قريش قاعدة عني حتى مات أبوطالب»

[البحار 19/ 26 ح 14 باب 5.]

فكانت قريش تواجهه بالمكائد والأذى، و كان النبى صلى الله عليه و آله و سلم يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم، و يذكر اليهود والنصارى بأوصافه المذكورة في التوراة والإنجيل، حتى شاعت دعوته، و كان ستة نفر من أهل المدينة آمنوا وانصرفوا راجعين، فلما قدموا المدينة على قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا و فيها دكر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم من الأنصار إثنا عشر رجلا، فلقوا النبى صلى الله عليه و آله و سلم فبايعوه، و بعث معهم

مصعب بن عمير، و كان بينهم بالمدينة يسمى المقرئ، و خرج من خرج من الأنصار إلى الموسم مع حجاج قومهم، فاجتمعوا في الشعب عند العقبة ثلاثة و سبعون رجلا وامرأتان في أيام التشريق بالليل، و كان فيهم البراء بن معرور، فبايعوا البيعة المعروفة، ثم رجعوا إلى المدينة و أفشوا الخبر هناك.

ثم إن الله أمر نبيه بالهجرة إلى المدينة في قوله تعالى (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون)

[العنكبوت: 56.]] و قوله (قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرا- إلا المستضعفين من الرجال والنساء)

[النساء: 97- 98.] و قوله (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا)

[المزمل: 10.]

و هكذا جاء الأمر الإلهي أن يترك عليا يبات في مكانه و يخرج إلى غار ثور،و من ثم إلى المدينة الطيبة، فخرج مع أبى بكر بن أبى قحافة و غلامه عامر بن فهيرة، و دليلهم عبدالله بن الأريقط.

فأصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت و لا يدرون من صاحبه يردد أبياتا، فلما سمع بذلك حسان بن ثابت

[و للابيات قصه اعرضنا عن ذكرها لئلا يخرج بنا الكلام عن المقصود من هذه الخصيصه. (من المتن)] نشب يجاوب الهاتف:




  • لقد خاب قوم زال منهم نبيهم
    ترحل عن قوم فزالت عقولهم
    هداهم به بعد الضلالة ربهم
    نبي يرى ما لا يرى الناس حوله
    و يتلو كتاب الله في كل مشهد



  • و قدس من يسري إليهم و يقتدي
    وحل على قوم بنور مجدد
    و أرشدهم من يتبع الحق يرشد
    و يتلو كتاب الله في كل مشهد
    و يتلو كتاب الله في كل مشهد



[البحار 19/ 43 باب الهجره و مباديها.


]

و كان خروج النبى صلى الله عليه و آله و سلم
حسب رواية المصباح
من مكة في أول يوم من ربيع الأول، و ذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عنترة من المبعث، و قدم المدينة لاثنتي عشر ليلة خلت من شهر ربيع الأول بعد أن بات ثلاث ليال في غار ثور، و دخل المدينة عن طريق ذي الحليفة، فخرج الرجال والنساء والصبيان واليهود من بني قريضة و بني النضير و بنيى القينقاع و رؤساؤهم و عظماؤهم و أعيان القبائل و أشراف العشائر مستبشرين لقدومه الميمون، يتعادون لرؤية النور الباهر على تفصيل سنذكره في محله.

و كان أول بيت نزل فيه في المدينة الطيبة- كما في روضة الكافي- في قبا في بيت كلثوم بن هدم، ثم بيت خيثمة الأوسي، ثم خط لهم مسجد قبا و هو الذي قال فيه تعالى: (لمسجد أسس على التقوى)

[التوبه: 108.

و صلى فيه ثم انتقل إلى بيت عمرو بن عوف، ثم لم يزل مقيما ينتظر عليا عليه السلام فيقولون له: أدخل المدينة، فيقول: لا، إنى أنتظر علي بن أبى طالب، و قد أمرته أن يلحقني، و لست مستوطنا منزلا حتى يقدم علي، و ما أسرعه إن شاءالله.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لما قدم علي عليه السلام تحول من قبا إلى بني سالم بن عوف، ثم راح إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها و علي معه لا يفارقه يمشي بمشيه، و ليس يمر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ببطن من بطون الأنصار إلا قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم، فيقول لهم: خلوا سبيل الناقة فإنها مأمورة، فانطلقت به إلى باب مسجد

رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فوقفت عنده و بركت و وضعت جرانها على الأرض، فنزل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أقبل أبوأيوب مبادرا حتى احتمل رحله فأدخله منزله.

قال سعيد بن المسيب لعلي بن الحسين عليهماالسلام: جعلت فداك كان أبوبكر مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حين أقبل إلى المدينة، فأين فارقه؟

فقال: إن أبابكر لما قدم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى قباء فنزل بهم ينتظر قدوم علي عليه السلام، فقال أبوبكر: انهض بنا إلى المدينة فإن القوم قد فرحوا بقدومك و هم يستريثون إقبالك إليهم، فانطلق بنا و لا تقم هاهنا تنتظر عليا، فما أظنه يقدم إليك إلى شهر، فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: كلا ما أسرعه، و لست أريم حتى يقدم ابن عمي و أخي في الله- عز و جل- و أحب أهل بيتي إلي، فقد وقاني بنفسه من المشركين- و في أمالي الشيخ: ابن عمي و بنتي فاطمة-.

قال: فغضب عند ذلك أبوبكر و اشمأز و داخله من ذلك حسد لعلي عليه السلام، و كان ذلك أول عداوة بدت منه لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في علي، و أول خلاف على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فانطلق حتى دخل المدينة، و تخلف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بقباء حتى ينتظر عليا

[البحار 19/ 116 ح 2 باب 7 عن روضه الكافى.]

و في كامل التواريخ: و نزل أبوبكر على خبيب بن أساف بالسنح، و قيل نزل على خارجة بن زيد أخي الحرث بن الخزرج

[الكامل فى التاريخ 2/ 57.]

قال سعيد بن المسيب: فقلمت لعلي بن الحسين عليهماالسلام: فمتى زوج رسول

الله صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة عليهاالسلام من علي عليه السلام؟ فقال: بالمدينة بعد الهجرة بسنة، و كان لها يومئذ تسع سنين

[البحار 19/ 116 ح 2 باب 7 عن روضه الكافى.]

قال على بن الحسين عليهماالسلام: و لم يولد لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من خديجة على فطرة الإسلام إلا فاطمة عليهاالسلام، و قد كانت خديجة ماتت قبل الهجرة بسنة، و مات أبوطالب رضى الله عنه بعد موت خديجة رضي الله عنها بسنة، فلما فقدهما رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سئم المقام بمكة، و دخله حزن شديد، و أشفق على نفسه من كفار قريش، فشكى إلى جبرئيل عليه السلام ذلك، فأوحى الله عز و جل إليه: أخرج من القرية الظالم أهلها و هاجر إلى المدينة، فليس لك اليوم بمكة ناصر

[البحار 19/ 115 و ما بعدها- باب نزوله المدينه و بناوه المسجد و البيوت.]..

و قد وقع الإختلاف في الفترة التي مكث فيها النبي صلى الله عليه و آله و سلم بمكة بعد وفاة أبى طالب عليه السلام

[فى كتاب المنتقى فى حوادث السنه الاولى للهجره اشاره الى احداث كثيره ذكرها باختصار. (من المتن)]

أما هجرة فاطمة


هاجرت فاطمة الزهراء عليهاالسلام إلى المدينة و رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بقبا.

و قد اختلف الشيعة و أهل الخلاف فيمن هاجر بها عليهاالسلام:

فمنهم من قال: بعث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى فاطمة و زوجته سودة بنت زمعة و أم أيمن و ابنها أسامة بن زيد و زيد بن حارثة و أبارافع مع بعيرين و خمسمائة درهم، فحملاهن من مكة إلى المدينة، و خرج عبدالله بن أبي بكر بعيال أبيه إليه،

و هن أم رومان و أم عبدالله و أختيه أسماء ذات النطاقين و عائشة، و صحبهم طلحة بن عبيدالله

[و ولد عبدالله بمن الزبير من اسماء فى قبا. (من المتن) و كان اول مولود من المهاجرين بعد الهجره.]

و هذا الخبر لا يذكر أميرالمؤمنين و خروج فاطمة عليهاالسلام معه.

و قال ابن الأثير في الكامل: «و أما علي فإنه لما فرغ من الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هاجر إلى المدينة، فكان يسير الليل ويكمن النهار حتى قدم المدينة و قد تفطرت قدماه، فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: أدعو لي عليا، قيل: لا يقدر أن يمشي، فأتاه النبى صلى الله عليه و آله و سلم واعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم، و تفل في يديه و أمرها على قدميه فلم يشتكهما بعد حتى قتل...»

[الكامل فى التاريخ 2/ 75.]

والحق هو ما سنذكره من هجرة فاطمة مع علي عليه السلام، و يمكن الجمع بين الأخبار بأن يكون أميرالمؤمنين وصل إلى المدينة و أمره الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بالعودة ثانية لحمل فاطمة عليهاالسلام.

والحق: أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كتب إلى علي بن أبى طالب عليه السلام كتابا يأمره فيه بالمسير إليه و قلة التلوم، و كان الرسول إليه أبا واقد الليثي، فلما أتاه كتاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم تهيأ للخروج والهجرة، فآذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين، فأمرهم أن يتسللوا و يتخففوا- إذا ملأ الليل بطن كل واد- إلى ذي طوى، و خرج علي عليه السلام بفاطمة عليهاالسلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم عليهاالسلام و فاطمة بنت الزبير بن عبدالمطلب، و تبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و أبوواقد رسول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهن، فقال علي عليه السلام:

أرفق بالنسوة أباواقد إنهن من الضعائف، قال: إنى أخاف أن يدركنا الطالب، فقال علي عليه السلام: أربع عليك، فإن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لي: يا علي! إنهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه، ثم جعل- يعني عليا- يسوق بهن سوقا رفيقا و هو يرتجز و يقول:




  • لا شي ء إلا الله فارفع ظنكا
    يكفيك رب الناس ما أهمكا



  • يكفيك رب الناس ما أهمكا
    يكفيك رب الناس ما أهمكا



و سار فلما شارف ضجنان

[قال ياقوت الحموى فى مراصد الاطلاع: ضجنان على خمسه و عشرين ميلا عن مكه و هى لاسلم و هذيل و عامره. (من المتن)]

أدركه الطلب سبع فوارس من قريش متلثمين و ثامنهم مولى الحارث بن أمية يدعى جناحا... و دنا القوم فاستقبلهم علي عليه السلام منتضيا سيفه، فأقبلوا عليه فقالوا: ظننت أنك- يا غدار!!!- ناج بالنسوة، إرجع لا أبا لك، قال: فإن لا أفعل؟ قالوا: لترجعن راغما أو لنرجعن بأكثرك شعرا و أهون بك من هالك، و دنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوروها، فحال علي بينهم و بينها فأهوى له جناح بسيفه فراغ علي عليه السلام عن ضربته و تختله علي عليه السلام فضربه على عاتقه فأسرع السيف مضيا فيه حتى حس كاثبة فرسه، فكان علي عليه السلام يشد على قدمه شد الفرس أو الفارس على فرسه، فشد عليهم بسيفه و هو يقول:




  • خلوا سبيل الجاهد المجاهد
    آليت لا أعبد غير الواحد



  • آليت لا أعبد غير الواحد
    آليت لا أعبد غير الواحد



فتصدع القوم عنه فقالوا: أغن عنا نفسك يابن أبى طالب، قال: فإني منطلق إلى ابن عمي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بيثرب، فن سره أن أفري لحمه و أهريق دمه فليتبعني أو فليدن مني، ثم أقبل على صاحبيه أيمن و أبي واقد فقال لهما: أطلقا مطاياكما، ثم سار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان، فتلوم بها قدر يومه و ليلته،

و لحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين.. فصلى ليلته تلك هو والفواطم.. يصلون لله ليلتهم و يذكرونه قياما و قعودا و على جنوبهم... و قد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم: الذين يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم و يتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا) إلى قوله: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى)

[آل عمران: 191- 195.]] الذكر علي عليه السلام والأنثى فاطمة (بعضكم من بعض) يقول: علي من فاطمة، و فاطمة من علي. (فالذين هاجروا و أخرجوا من ديارهم و أوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم و لأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب)

[آل عمران: 195.] و تلا صلى الله عليه و آله و سلم: (و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد)

[البقره: 207.] نزلت في علي ليلة المبيت، و قال له: يا علي أنست أول هذه الأمة إيمانا بالله و رسوله، و أولهم هجرة إلى الله و رسوله، و آخرهم عهدا برسوله، لا يحبك- والذي نفسي بيده- إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان، و لا يبغضك إلا منافق أو كافر

[انظر البحار 19/ 65 و ما بعدها.]

ثم آخى بين المهاجرين واختار أميرالمؤمنين أخا لنفسه، و لطالما كان يشكره و يثني عليه و يعتذر إليه مما يلقاه من أذى و يتحمله من مشاق.

إنصاف بلا اعتساف


ألا ليت شعري هل ينظر بعفى أهل الخلاف بعين الإنصاف إلى ما صدر من سلطان الولاية في عام الهجرة من مواقف عظيمة من قبيل:

أولا: كيف بات على فراش النبي صلى الله عليه و آله و سلم و فداه بنفسه الشريفة و هو في ريعان الشباب و حداثة السن.

ثانيا: كيف أدى أمانات النبي صلى الله عليه و آله و سلم و نفذ وصيته و حمل الفواطم الثلاث إلى رسول الله في المدينة، فبشره رسول الله بالآيات الكريمة النازلة فيه، و لا يكن ثم من بذل روحه سرا و علانية، ليلا و نهارا حفرا و سفرا سوى أميرالمؤمنين عليه السلام.

و قد حكى قوله تعالى (الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله أولئك بعضهم أولياء بعض)

[البقره: 218.] حسن إيمانه و هجرته و جهاده و أولويته في الولاية على الآخرين.

و نزل فيه قوله تعالى: (فالذين هاجروا و أخرجوا من ديارهم و أوذوا في سبيلي و قاتلوا و قتلوا لاكفرن عنهم سيئاتهم و لأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب»

[آل عمران: 195.] فذكر هجرته و إخراجه من مكة و صبره على أذى أهلها و مقاتلتهم، و ما كتبه الله له من الأجر في جواره، فهو أول من ذب عن نبيه بالسيف، و أول من أخرج بعد نبيه عن بيت ربه، و أول من أوذي مع فتيانه و عيالاته، و أول من اقتدى برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و أول من صلى معه،

و أول من استحق الثواب والدخول في جوار الله و رضوانه و جنانه. و من نظر في الآيات النازلة في فضل الهجرة والسابقين والمهاجرين، عرف بالقطع واليقين أنها جميعا تحكي حالاته و مجاهداته عليه السلام حيث لا يسبقه سابق و لا يلحقه لاحق.

الحاصل: تبين أن السيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام هاجرت إلى المدينة و لما تبلغ حد البلوغ، و كان عمرها يومئذ ثمان سنين، فأراد النبى صلى الله عليه و آله و سلم أن يبني لها منزلا و حجرة، فاشترى مربدا كان لصغيرين يتيمين و بنى عليه مسجده، و هو يجاور قبره المنور و ضريحه المطهر اليوم، ثم بنى حوله حجرا، و كان كلما تزوج امرأة بنى لها حجرة، و كانت أول من تزوج بها- على رواية الشيعة- سودة بنت زمعة، و ذهب بعض أهل السنة والجماعة إلى أنها «عائشة» التي هاجرت بأمر أبيها مع أخيها، فخطبها النبي صلى الله عليه و آله و سلم في شوال، و كان لما تسع سنين، و كانت حجرة عائشة ملاصقة لحجرة السيدة فاطمة عليهاالسلام، و كان بينهما كوة تسهل عليهما الإتصال والتعاون، ولكن سرعان ما انقلب الأمر حيث بدأت عائشة- تدريجيا- بتسرير كلمات سخيفة و عبارات ركيكة ضعيفة، و صارت تبدي العداوة والبغضاء المكنونة فيها بالفطرة والوراثة، فأخذت تذم خديجة و تعير فاطمة بأمها و تفتخر على خديجة بالجمال والشباب!! فشق ذلك على الصديقة المطهرة وشكت إلى رسول الله، فأمر النبى بسد تلك الكوة. و نعم ما قيل:




  • أقلب الطرف لا أرى من أحبه
    و في الدار ممن لا أحب كثير



  • و في الدار ممن لا أحب كثير
    و في الدار ممن لا أحب كثير



ثم اختار رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من بين النساء العاقلات الكاملات المخلصات امرأة- اختلفوا في اسمها- لخدمة فاطمة و ملازمتها ليل نهار ورد الوحدة عنها، فقالت: «والله ما رأيت امرأة أأدب منها». إنها على صغر سنها لا تحتاج إلى مربية،

بل كانت بذاتها الشريفة تربى النفوس الناقصة، و تأدب أرباب العقول الكاملة، فجوهر ذاتها المقدسة منزه مؤدب منذ اليوم الأول، كما ذكرنا سابقا.

و سنذكر في هذا المقام مجملا عن آداب معدن الكمال والأدب؟ ليكون شاهد صدق ينتفع به القراء.

و قبل الدخول في ذلك نود أن نشرح معنى الأدب أولا:

فالأدب كما في كتب الأخلاق: تهذيب الأقوال والأفعال و تحسين الأخلاق، بحيث يكون الظاهر عنوان الباطن، والباطن موافقا للظاهر.

يعني: أن يحكي ظاهره باطنه، و يظهر باطنه على ظاهره.

يعني: أن يكون القلب متحليا بحلية الذكر، والأعضاء والجوارح متزينة بزينة الأعمال الصالحة في آداب الشريعة المطهرة.

و ببيان آخر: الأدب ضربان: أدب مع الخلق، و أدب مع الخالق.

أما الأدب مع الخلق فقد ورد ذكره في كثير من آيات القرآن في موارد عديدة حسب حالات الأشخاص والمكلفين، كقوله تعالى: (خذ العفو و أمر بالمعروف و أعرض عن الجاهلين)

[الاعراف: 199.]

و قوله تعالى: (فأما اليتيم فلا تقهر- و أما السائل فلا تنهر- و أما بنعمة ربك فحدث)

[الضحى: 9- 11.]

و قوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له و له أجر كريم)

[الحديد: 11.]

و قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم و لا تجسسوا و لا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه)

[الحجرات: 12.] و نظائرها من الآيات التي تتحدث عن الآداب مع خلق الله سبحانه و تعالى.

قال أحد الأخيار: من تهاون و تغافل في الأدب مع الخلق يعاقب بالحرمان من السنن، و من حرم السنن حرم أداء الفرائض، و من حرم الفرائض حرم المعرفة الحقة و عوقب بالعقوبات الصعبة، و نستجير بالله من حرمان العرفان و هجران آداب الإيمان، وبالله الإستعانة و عليه التكلان.

أما الأب مع الخالق، فقد صرح به الكتاب العزيز في موارد عديدة، و أكد عليه تأكيدا شديدا باعتباره السبب القوي للآداب الأخرى، و إليه أشارت الآية التالية: (و لا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا)

[الاسراء: 39.]

أما الأدب مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خاصة، فهو إطاعة الأمر السماوي والحكم المحكم القرآنى في قوله تعالى: (ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا)

[الحشر: 7.] و قوله تعالى: (أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم)

[آل عمران: 32.] فالأدب مع النبي إمتثال أمره و إطاعته.

فكلما ازداد تمسك الفرد بهذه الآداب ازداد قربه من الحق سبحانه، و زادت محبته من الله جل و علا، والأدب ثمرة المحبة، و لذا قيل: «شرف المرء بعلم و أدب لا

بأصل و نسب»، و قال أميرالمؤمنين عليه السلام:




  • ليس اليتيم الذي قد مات والده
    إن اليتيم يتيم العلم والأدب



  • إن اليتيم يتيم العلم والأدب
    إن اليتيم يتيم العلم والأدب



[ديوان الامام عليه السلام 18.


والآن لاحظ الآداب عند الأنبياء والمرسلين والأولياء الكاملين لتعلم أن معنى الأدب ليس هو القيام والقعود و وضع اليد على الصدر للإحترام و أمثال ذلك،و إنما هو الإنقطاع عن عباد الله والإقبال القلبى الكلي على الله (و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى- فإن الجنة هي المأوى)

[النازعات: 40- 41.]]

و من علائم الأدب: حب الله والمداومة على ذكره «و من أحب شيئا أكثر ذكره» و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي و سمعي و بصري و أهلي و مالي و من الماء البارد».

و قال أيضا صلى الله عليه و آله و سلم: «اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء، و برد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك الكريم، و شوقا إلى لقائك»

[البحار 83/ 2 ح 2 باب 38.]

الحاصل: قال الحكماء- و يعم ما قالوا-: إن البعض يجتنب الملكات الردية الرذيلة بنجابته الأصلية و طهارته الفطرية، و بعض يحترز عنها بعد أن يفكر و يتأمل و يعرف رداءتها و رذالتها، و بعض يتحاشاها خوفا من الوعيد والتهديد والعقاب و رجاء للأجر والثواب، و هذه الطائفة هي الأكثر دائما، والطائفة الوسطى تتبع التعليم، والطائفة السفلى تمشي بدلالة الشرع، و مثل الشرع فيها مثل من يأكل طعاما و يغص به، فلا يجد حيلة إلا أن يشرب الماء ليدفعه بالقوة و إلا هلك.

/ 58