غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب جلد 7

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب - جلد 7

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


فرغوا خرج إلي ذلك الشاب وأخذ بيدي ومضى بي إلى تلك الدار فأدخلني فيها و وضع بين يدي طعاما، ولما فرغنا قام الشاب وفتح علي بابا على بيت في الدار وجعل يبكي فقمت لانظر ما سبب بكائه فرأيت في البيت قردا مربوطا فسألته عن قضيته فزاد بكاء فسكنته حتى سكن، فقلت له: بالله أخبرني عن حالك فقال: إن حلفت لي أن لا تخبر أحدا من أهل المدينة أخبرتك، فحلفت له، فقال: اعلم أنه أتانا في عام أول رجل و طلب في محبة أبي بكر رضي الله عنه شيئا في قبة العباس يوم عاشوراء فقام إليه أبي و كان من أكابر الامامية والشيعة فقال له: اجلس حتى نفرغ. فلما فرغوا أتى به إلى هذه الدار وسلط عليه عبدين فضرباه، وأمر بقطع لسانه فقطع، وأخرجه فمضى لسبيله ولم نعرف له خبرا، فلما كان الليل ونمنا صرخ أبي صرخة عظيمة فاستيقظنا من شدة صرخته فوجدناه قد مسخه الله قردا ففزعنا منه وأدخلناه هذا البيت وربطناه، وأظهرنا للناس موته وهو ذا نبكي عليه بكرة وعشيا. فقلت له: إذا رأيت الذي قطع أبوك لسانه تعرفه؟ قال: لا والله فقلت: أنا هو والله، أنا الذي قطع أبوك لساني، وقصصت عليه القصة فأكب علي يقبل رأسي ويدي ثم أعطاني ثوبا ودينارا وسألني كيف رد الله علي لساني؟ فأخبرته وانصرفت.

مصباح الظلام للجرداني ص 23 من الطبعة الرابعة المصرية المطبوعة بمطبعة الرحمانية بمصر سنة 1347 ه، ونزهة المجالس للصفوري 2 ص 195.

قال الاميني: ما أحوج القوم إلى اختلاق هذه الاساطير المشمرجة وهي لا يصدقها أي قار وباد مهما يقرها قصاص في اذنيه ولا يصير بها الامر إلى قراره مهما حبكت نسقه يد الافك وأبدعت في نسجه مهرة الافتعال.

أنى يصدق ذو مسكة بأن رجلا شهيرا يعد من علية قوم ومن أكابر امة تمسخ ويربط في داره وهو بعد مجهول لا يعرف اسمه، ولا ينبئ عنه خبير، و يسع لخلفه إخفاء أمره بدعوى موته، ولم يسأل أهله عن تجهيزه وتشييعه ودفنه ومقبره وسبب موته، وتتأتى لولده الغشية عليها عن أعين الناس وأسماعهم كأن في آذانهم صمما وفي أبصارهم عمى.

ولماذا أخذه إبن الجاني- الذي لم يخلق بعد لا هو ولا أبوه- ضيفه إلى والده

هو لا يعرف الرجل ولم يخش من الفضيحة، ولماذا أو قفه على أمر أبيه وعواره وقد كان يستخفيه ويظهر للناس موته؟

وأنى يصدق بأن رجلا قطع لسانه دون مبدئه وحبه لخليفته قد استخفى قصته، وما أشاع بها، وما صاح وما باح بمظلمته، وما أبان أمره عند قومه، وما أفاض عن شأنه بكلمة، ولا يمم قاضيا ولاحاكما ولا الدوائر الحكومية الصالحة للنظر في مظلمته من عدلية أو دائرة شرطة، وعقيرته مرفوعة من شدة الالم، ولم يزل القوم يتربص الدوائر على الشيعة، ويختلق عليهم طامات كهذه.

وأنى يصدق انه لما خرج من دار من جنى عليه وهو مقصوص اللسان وقد ملا فمه دمه، ولاذ بالحجرة الشريفة باكيا قلقا من شدة الالم، ما باه له أي أحد، وما عرفت مع هذه كلها من أمره قذ عملة، ولا تنبه لامره سدنة الحضرة الشريفة؟ وما بال الرجل لم يمط الستر في وقته عن جناية عدو خليفته، ولم يفش سره، ولم يعلن كرامة الصديق، ولم يفضح عدوه، ولم يعرب عن هذه المكرمة الغالية، ولم يقرط الآذان بسماعها، وينبس أمره ولم ينبشه، كأن لسانه بعد مقطوع، وأنه لم يجده في فيه صحيحا؟ أو رضي بأن يفشفش

___________________________________

فشفش: افرط في الكذب، وانتحل ما لغيره. بعده أعلام قومه؟

وإن تعجب فعجب عود هذا الشحاذ الجرئ إلى سؤاله مرة ثانية في سنته القابلة بعد أن رأى ما رأى قبل أن أعوم، ووقوفه في ذلك الموقف الخطر في قبة العباس يوم عاشوراء، ومضيه من دون أي تحاش إلى تلك الدار التي وقعت فيها واقعته الخطرة الهائلة، ودخوله فيها رابطا جأشه، وإلقاءة نفسه إلى التهلكة، ولم يكن يعرف شيئا من قصة الشيعي ومسخه، ولا من حنو الشاب وعطفه، وقد قال الله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.

ولعله كان في هذه كلها على ثقة وطمأنينة من انه قط لا يبقى بلا لسان، وان لسان مهما قطع يرد اليه كما كان من بركة الخليفة، وهو في حسبانه هذا وقدومه إلى المهالك مجتهد وله أجره وإن أخطأ كاجتهاد سلفه.

وقد أنصف الشيخ الصالح المدني في اختلاق هذه القصة على شيعي كبير لم يولد بعد ولم تسمه امه. وجاء غيره باسطورة معتوه قموص الحنجرة

___________________________________

يقال فلان قموص الحنجرة: اى كذاب. وافتجر

___________________________________

افتجر في الكلام: اى اختلقه وذكره من غير ان يسمعه من احد. في القول و أفجس

___________________________________

أفجس: افتخر بالباطل. ألا وهو الشيخ عليا المالكي، قال الشيخ ابراهيم العبيدي المالكي في عمدة التحقيق المطبوع بمصر في هامش روض الرياحين ص 133: سمعت خالي العالم الشيخ عليا المالكي يقول: إن الرافضي إذا أشرف على الموت يقلب الله صورة وجهه وجه خنزير فلا يموت إلا إذا مسخ وجهه وجه خنزير، ويكون ذلك علامة على انه مات على الرفض، فيستبشرون بذلك الروافض، وإن لم يقلب وجهه عند الموت يحزنون ويقولون: إنه مات سنيا، انتهى.

وتخرق بعض الثقات في تاريخ حلب شاهدا على هذه المخرقة فقال: لما مات ابن منير

___________________________________

احد شعراء الغدير مرت ترجمته في الجزء الرابع ص 289 - 279 ط 2 مات في دمشق ثم نقل إلى حلب فدفن بها. خرج جماعة من شبان حلب يتفرجون فقال بعضهم لبعض: قد سمعنا انه لا يموت أحد ممن كان يسب أبابكر وعمر إلا ويمسخه الله تعالى في قبره خنزيرا ولا شك أن ابن منير كان يسبهما، فأجمعوا رأيهم على المضي إلى قبره، فمضوا ونبشوه فوجدوا صورته خنزيرا ووجهه منحرفا عن جهة القبلة إلى جهة الشمال، فأخرجوا على قبره ليشاهده الناس ثم بدالهم أن يحرقوه فأحرقوه بالنار وأعادوه في قبره وردوا عليه التراب وانصرفوا، وذكره العلامة الجرداني في مصباح الظلام المؤلف سنة 1301 والمطبوع بمصر سنة 1347 وقرظه جمع من الاعلام ألا وهم كما في آخر الكتاب: العالم العفيف السيد محمود أنسي الشافعي الدمياطي، والعلامة الشيخ محمد جودة، والعلامة الاوحد الشيخ محمد الحمامصي، وحضرة الفاضل اللبيب الشيخ عطية محمود قطارية، والعالم العامل الشيخ محمد القاضي، وحضرة الشاعر اللبيب محمد أفندي نجل العلامة الشيخ محمد النشار.

ليست هذه النفثات إلا كتيت

___________________________________

الكتيت: صوت غليان القدر والنبيذ ونحوهما. الاحن، ونغران

___________________________________

نغر الرجل على فلان نغرا ونغرانا: غلا جوفه عليه غضبا. الشحناء. وإن شئت قلت:

إنها سكرة الحب، وسرف المغالاة. قد أعمت الاهواء بصاير اولئك الرجال فجاؤا بهذه المخاريق المخزية، والافائك المزخرفة، بيتوها غير مكترثين لمغبة صنيعهم، و لا متحاشين عن معرة قيلهم، وشتان بينها وبين أدب الدين، أدب العلم، أدب التأليف، أدب العفة، أدب الدعاية والنشر. إنهم ليقولون منكرا من القول وزورا، ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول. كأن هؤلاء يحدثون عن امة بائدة لم يبق لها الملوان من يشاهده أحد من الاجيال الحاضرة، أو ليست الشيعة هؤلاء الذين هم مبثوثون في أرجاء العالم وأجواء الامم، يشاهدهم كل ذي بصر وبصيرة أحياء وأمواتا؟ فمن ذاالذي شهد أحدهم أنه انقلب عند موته خنزيرا غير اولئك الشبان الموهومين الذين شاهدوا ابن منير في قبره؟ وهل الشيخ عليا المالكي هو وجد أحدا من الشيعة كما وصفه؟ أو روي له ذلك الافك فوثق به كما وثق العبيدي؟ وهل كان يمكنه أن يقف على الموتى جميعا أو أكثرهم وليس هو بمغسل الموتى أو من حفاري القبور ولا من نباشيها؟

على ان التشيع ليس من ولائد تلكم العصور وإنما بدء به منذ العهد النبوي، فهل كان السلف الشيعي من الصحابة والتابعين يموتون كذلك وكان فيهم من يعرف بالتشيع كأبي ذر وسلمان وعمار والمقداد وأبي الطفيل؟ فهل يسحب هذا الرجل ذيل مزعمته إلى ساحة اولئك الاعاظم؟ قطعت جهيزة قول كل خطيب.

___________________________________

مثل يضرب لمن يقطع على الناس ماهم فيه بحماقة يأتى بها.

ابوبكر شيخ يعرف والنبي شاب لا يعرف


عن أنس بن مالك قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأبوبكر شيخ يعرف والنبي صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف فيلقى الرجل أبابكر

___________________________________

في الانتقال من بنى عمرو. كذا قاله القسطلانى في ارشاد السارى 6 ص 214 وبنو عمرو ابن عوف هم من الانصار النازلين بقباء كان قد نزل عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله في هجرته إلى المدينة كما يأتى تفصيله. فيقول: يا أبابكر من هذا الذي بين يديك؟ فيقول: يهديني السبيل، فيحسب الحاسب انه يهديه الطريق وإنما يعني سبيل الخير.

وفي لفظ: إن أبابكر كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم وكان أعرف بذلك الطريق فيراه الرجل يعرفه فيقول: يا أبابكر من هذا الغلام بين يديك؟ وفي لفظ أحمد: كانوا يقولون: يا أبابكر ما هذا الغلام بين يديك؟ فيقول: هذا يهديني السبيل. وفي لفظ: قالوا: يا أبابكر من هذ الذي تعظمه هذا الاعظام؟ قال: هذا يهديني الطريق وهو أعرف به مني.

م وفي رواية: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء أبي بكر ناقته. وفي التمهيد لابن عبد البر: انه لما أتي براحلة أبي بكر سأل أبوبكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ويردفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنت اركب وأردفك أنا فان الرجل احق بصدر دابته فكان إذا قيل له: من هذا وراءك؟ قال: هذا يهديني السبيل".

وفي لفظ: لما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة تلقاه المسلمون فقام أبوبكر للناس، وجلس النبي صامتا، وأبوبكر شيخ والنبي شاب، فطفق من جاء من الانصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يجئ أبابكر فيعرفه بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبوبكر حتى ظلل عليه بردائه فعرفه الناس عند ذلك.

صحيح البخاري باب هجرة النبي 53:6، سيرة ابن هشام 109:2، طبقات ابن سعد 222:1، مسند أحمد 287:3، معارف ابن قتيبة ص 75، الرياض النضرة 78:1 و 79 و 80، المواهب اللدنية 86:1، السيرة الحلبية 46:2 و 61.

قال الاميني: ما أنزل الدهر نبي الاسلام حتى قيل: إنه شاب لا يعرف. كأنه غلام نكرة اتخذه شيخ انتشر صوته كصيته بين الناس دليلا في مسيره يرتدفه تارة و يمشيه بين يديه اخرى ومهما سأل عنه قول: هذا يهديني الطريق وهو أعرف به مني، كأن نبي الاسلام صلى الله عليه وآله لم يكن ذلك الذي كان يعرض نفسه على القبائل في كل موسم فعرفوه على بكرة أبيهم من آمن منهم ومن لم يؤمن، خصوصا الانصار المدنيون منهم وفيهم رجال الاوس والخزرج، وقد بايعوه عند العقبة الاولى مرة، وبايعه منهم مرة ثانية عند العقبة ثلاث وسبعون رجلا وامرأتان.

وكأنه صلى الله عليه وآله لم يكن ذلك الذي أمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة قبله، وكان بتلك الهجرة غلقت أبواب، وخلت دور اناس من السكنى، وهاجر أهلها رجالا ونساءا

وكان في مقدم المهاجرين ما يناهز ستين رجلا، فلم يبق في مكة المعظمة من أسلم معه صلى الله عليه وآله إلا أميرالمؤمنين وأبوبكر وكأن المدينة ليست بدار بني النجار وهم خؤولة النبي الاقدس

وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن الذي إتخذ المدينة قاعدة ملكه، وعاصمة حكومته، ومعسكر نهضته، فبث فيها رجاله وخاصته من أهلها ومن المهاجرين فكانوا يرقبون مقدمه الشريف في كل حين حتى، إذا وافوه مقبلا عليهم استقبلوه بقضهم وقضيضهم وفيهم أهل البيعتين ومن تقدمه من المهاجرين وكلهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم، وإنه صلى الله عليه وآله مكث في قباء عند بني عمرو بن عوف أياما وليالي حتى أسس مسجده الشريف فيها، فعرفه كل من في قباء ممن لم يكن يعرفه قبل من رجال الاوس والخزرج، واتصل به كل من قدمها من المدينة فعرفوه جميعا، وقد صلى الجمعة في قباء وفي بطن الوادي وادي رانونا وائتم به من حضر المسلمين عامة.

وبقضاء من الطبيعة ان الناس عند التطلع إلى رؤيته صلى الله عليه وآله كان يومي إليه كل عارف، ويسأل عنه كل جاهل، ويتقدم المبايعون إلى التعرف به والتزلف اليه، فلا يبقى في المجتمع جاهل به حتى يسأل أبابكر عنه في انتقاله من بني عمرو وبقوله: من هذا الغلام بين يديك يا أبابكر؟

فكأن القادم رجل عادي ما دوخ صيته الاقطار، ولم يره بشر من ذلك الجمع الحافل، ولم يحتفل به ذلك الاحتفال، ولا احتفى به تلك الحفاوة، وما صعدت ذوات الخدور على الاجاجير

___________________________________

جمع الاجار بكسر الاول وتشديد الجيم: السطح. وما هزجت الصبيان والولائد بقولهن.

طلع البدر علينا++

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا++

ما دعا لله داعي

أيها المبعوث فينا++

جئت بالامر المطاع

وكأنه قدم في صورة منكرة بلا أي تقدمة إلى بلد لا يعرفه فيه أحد حتى خص السؤال عنه بأبي بكر فحسب.

ثم ما هذه التعمية في جواب أبي بكر بقوله: إنه يهديني السبيل يريد سبيل

السعادة فيحسب الحاسب انه يهديه الطريق؟ ألخوف كانت؟ ولم يرد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا على العدة والعدد والمنعة والعزة، وقد بايعته الانصار على التفاني دونه. أو كان يخاف أبوبكر قريشا وهو في حصن الدين المنيع ودرعه الحصينة؟ أم كانت لغير ذلك؟ فاسأل عنه خبيرا. والعجب كل العجب ان رجلا هذه سيرته في التقية عن الناس في عاصمة الاسلام بين فرسان المهاجرين والانصار كيف صح عنه ما جاء عن ابن مسعود وما روي عن مجاهد مرسلا من قولهم: إن أول من أظهر الاسلام سبعة: رسول الله، وأبوبكر. الخ

___________________________________

تاريخ ابن كثير 58:3، تأريخ ابن عساكر 6 ص 448.

على أن الحالة كانت تقتضي أن يسأل كل قادم إلى المدينة يوم ذاك عن شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وأو ان نزوله بها لا عن الغلام بين أيدي أبي بكر. والعجب ان الجهل برسول الله في مزعمة هذاالراوي كان مستمرا بين مستقبليه 'وكلهم نفوسهم نزاعة إلى عرفانه والتبرك برؤيته' حتى ظلله أبوبكر بردائه فعرفه الناس عند ذلك.

ومتى كان أبوبكر شيخا والنبي شابا وهو صلى الله عليه وآله أكبر منه بسنتين وعدة أشهر كما يأتي تفصيله إنشاء الله؟ وابن قتيبة أخذ هذا الحديث بظاهره فقال في المعارف ص 75: هذا الحديث يدل على أن أبابكر كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة، والمعروف عند أهل الاخبار ما حكيناه. اه. وحكى قبل هذا ان رسول الله صلى الله عليه وآله هو أكبر سنا من أبي بكر.

نعم: عرف شراح البخاري من المتأخرين موضع الغمز فأولوا كون أبي بكر شيخا بظهور الشيب في لحيته. وكون النبي شابا بسواد كريمته، والعارف بأساليب الكلام يعلم انه تمحل محض، وأن المفهوم من تلك كما فهمه ابن قتيبة: كون أبي بكر شيخا ورسول الله شابا لا غير ذلك. وإلا فما معنى قولهم: ما هذا الغلام بين يديك؟ و: من هذا الغلام بين يديك؟ ومن المعلوم ان الغلام لا يطلق على من عمر خمسون سنة تقريبا مهما اسود عارضه.

وعلى صحة هذا التأويل أين المأولون من صحيحة ابن عباس قال: قال أبوبكر:

يا رسول الله قد شبت؟ قال: شيبتني هود والواقعة. الحديث. وروى مثله الحفاظ عن ابن مسعود، وفي لفظ أبي جحيفة: قالوا: يا رسول الله نراك قد شبت؟ قال: شيبتني هود وأخواتها.

___________________________________

أخرجه الحافظ الترمذى في جامعه، والحكيم الترمذى في نوادر الاصول، وابويعلى، والطبرانى، وابن ابى شيبة، والحاكم في المستدرك 343:2 وصححه هو واقره الذهبى، والقرطبى في تفيسره 1:7. وابونصر في اللمع ص 280، وابن كثير في تفسيره 435:2، والخازن في تفسيره 335:2.

فهذه الصحيحة تعرب عن أنه صلى الله عليه وآله كان قد بان فيه الشيب على خلاف الطبيعة، وأسرع فيه حتى أصبح مسئولا عنه وعما أثره فيه صلى الله عليه وآله فأين منها ذلك التأويل البارد؟

وربما يقال في حل مشكلة "يعرف ولا يعرف": إن أبابكر كان تاجرا عرفه الناس في المدينة عند اختلافه إلى الشام، لكنه على فرض تسليم كونه تاجرا، وعلى تقدير تسليم سفره إلى الشام ودون إثباته خرط القتاد، مقابل بأن رسول الله صلى الله عليه وآله ايضا كان يحاول التجارة يستطرق المدينة إلي الشام، فلو كانت التجارة بمجردها تستدعي معرفة الناس بالتاجر فهو في النبي الاعظم أولى لان شرفه المكتسب، وشهرته وبالامانة، وعظمته في النفوس، وتحليه بالفضائل، وبروز عصمته وقداسته عند الناس من أول يومه، وشرفه الطائل في نسبه، أجلب لتوجه النفوس اليه، بخلاف التاجر الذي هو خلو من كل ذلك.

على أن التاجر متى هبط مصرا فعارفوه رجال معدودون ممن شاركوه في الحرفة، أو شارفوه في المعاملة، وهذا التعارف يخص باناس تعد بالانامل لا عامة الناس كما حسبوه، وأنى هذا من سفر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وأبوبكر يوم ذاك يرضع من ثدي امه، خرجت به صلى الله عليه وآله ام أيمن لما بلغ ست سنين من عمره إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزور به أخواله، فنزلت به في دار النابغة رجل من بني عدي بن النجار فأقامت به شهرا. ومما وقع في تلك السفرة:

قالت ام أيمن: أتاني رجلان من اليهود يوما نصف النهار بالمدينة فقالا: أخرجي لنا أحمد. فأخرجته ونظرا إليه وقلباه مليا ثم قال أحدهما لصاحبه: هذا

نبي هذه الامة، وهذه دار هجرته، وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي أمر عظيم. قالت ام ايمن: وعيت ذلك كله من كلامهما

___________________________________

دلائل النبوة لابى نعيم 50:1، صفة الصفوة لابن الجوزى 20:1 تاريخ ابن كثير 279:2 بهجة المحافل 44:1. أبعد هذه كلها، وبعد تلكم الارهاصات للنبوة التي ملات بين الخافقين، وبعد ذلك الصيت الطائل الذي دوخ الاقطار، وبعد مضي خمسون سنة من عمره الشريف صلى الله عليه وآله رسول الله شاب لا يعرف وأبوبكر شيخ يعرف، يسأل عنه: من هذا الغلام بين يديك؟

ولايضاح هذه الجمل من الحري أن نسرد كيفية هجرته صلى الله عليه وآله حتى تزيد بصيرة القارئ على موقع الافك من هذه المجهلة المأثورة في الصحاح والمسانيد الصادرة عن الغلو في الفضائل عميا وصما. فأقول:

الانصار في البعتين


كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعرض نفسه علي القبائل في المواسم إذا كان يدعوهم إلى الله ويخبرهم انه نبي مرسل فعرض نفسه على كندة. وعلى بني عبدالله بطن من كلب. وعلى بني حنيفة. وعلى بنى عامر بن صعصعة. وعلى قوم من بني عبدالاشهل. فلما أراد الله عزوجل إظهار دينه، وإعزاز نبيه صلى الله عليه وآله وإنجاز موعده له خرج صلى الله عليه وآله وسلم في الموسم الذى لقي فيه النفر من الانصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا وفيهم: أسعد بن زرارة أبوامامة النجاري. وعوف بن الحرث بن عفراء. ورافع بن مالك. وقطبة بن عامر بن حديدة. وعقبة بن عامر بن نابي. وجابر بن عبدالله.

فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله ودعاهم إلى الله، وعرض عليهم الاسلام، وتلا عليهم القرآن فأجابوه فيما دعا إليهم ثم انصرفوا عنه صلى الله عليه وآله راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا. فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وآله ودعوهم إلى الاسلام حتى فشا فيهم، فلم تبق دار من دور الانصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الانصار إثنا عشر رجلا فلقوه بالعقبة الاولى فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض عليهم الحرب. وهم:

أبوامامة أسعد بن زرارة. وعوف بن عفراء. ومعاذ بن عفراء. ورافع بن مالك. وذكوان بن عبد قيس. وعبادة بن الصامت. ويزيد بن ثعلبة. والعباس بن عبادة. وعقبة بن عامر. وقطبة بن عامر. وابوالهيثم بن التيهان. وعويم بن ساعدة.

قال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الاولى: على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف.

فلما إنصرف القوم عنه صلى الله عليه وسلم بعث رسول الله معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وأمره أن يقرأهم القرآن، ويعلمهم الاسلام، ويفقههم في الدين، ويقيم فيهم الجمعة والجماعة، وكان مصعب يسمى بالمدينة: المقرئ، وكان منزله على أسعد بن زرارة أبي أمامة. النجاري وكان يصلي بهم الجمعة والجماعة فأقام عنده يدعوان الناس الاسلام حتى لم تبق دار من دور الانصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون.

ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة، وخرج من خرج من الانصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق. قال كعب: فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ومعنا عبدالله بن عمرو بن حرام أبوجابر سيد ساداتنا وشريف من أشرافنا أخذناه معنا، ثم دعوناه إلى الاسلام فأسلم وشهد معنا العقبة، و كان نقيبا، فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بنت كعب ام عمارة. وأسماء بنت عمرو أم منيع.

قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الاسلام ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم.فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك عما نمنع منه أزرنا

___________________________________

ازرنا: يعنى نساءنا، والمرأة يكنى عنها بالازار. فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أهل الحروب، وأهل الحلقة، ورثناها كابرا عن كابر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرجوا إلي

/ 42