غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب جلد 7

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب - جلد 7

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


الغريق يتشبث بكل حشيش


أعيت القوم شجاعة الخليفة، وأضلتهم عن المذاهب، وجعلتهم في الرونة، وأركبتهم على الزحلوقة تسف بهم تارة وتعليهم اخرى، فلم يجدو مهيعا يوصلهم إلى ما يرومون من إثباتها له مهما وجدوا غضون التاريخ خالية عن كل عين وأثر يسمعهم الركون إليه في الحجاج لها، فتشبثوا بالتفلسف فيها فهذا يبني فلسفة العريش، والآخر ينسج نسج العناكيب ويعد ثباته في موت رسول الله صلى الله عليه وآله وعدم تضعضعه في تلك الهائلة دليل على كمال شجاعته، قال القرطبى في تفسيره 222:4 في سورة آل عمران 144 عند قوله تعالى: 'وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبه فلن يضر الله شيئا' هذه الآية أدل دليل على شجاعة الصديق وجرأته فان الشجاعة والجرأة حدهما ثبوت القلب عند حلول المصائب ولا مصيبة أعظم من موت النبي صلى الله عليه وسلم فظهرت عنده شجاعته وعلمه و قال الناس: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر، وخرس عثمان، واستخفى علي، و اضطرب الامر فكشفه الصديق بهذه الآية حين قدومه من مسكنه بالسنح.

___________________________________

بضم اوله وسكون النون وقد تضم: موضع خارج المدينة بينها وبين منزل النبى ميل.

وهذا الاستدلال أقره الحلبي في سيرته 35:3 وقال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم طاشت العقول فمنهم من خبل، ومنهم من أقعد ولم يطق القيام، ومنهم من أخرس فلم يطق الكلام، ومنهم من أضنى، وكان عمر رضي الله عنه ممن خبل، وكان عثمان رضي الله عنه ممن أخرس، فكان لا يستطيع أن يتكلم، وكان علي رضي الله عنه ممن أقعد فلم يستطع أن يتحرك، وأضنى عبدالله بن أنيس فمات كمدا، وكان أثبتهم: أبوبكر الصديق رضي الله عنه- إلى أن قال-: قال القرطبي: و هذا أدل دليل على كمال شجاعة الصديق. الخ.

قال الاميني: يوهم القرطبي ان في كتاب الله العزيز ما يدل على شجاعة الخليفة وعلمه، وليس فيما جاء به أكثر من أنه استدل بالآية الشريفة يوم ذاك على موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأي صلة بها إلى شجاعة الرجل؟ وأي قسم فيها من أنحاء الدلالة الثلاثة فضلا عن أن تكون أدل دليل؟ فإن يكن هناك شئ من الدلالة - وأين وأنى

فهو في ثبات جأشه وتمسكه بالآية الكريمة لا في الآية نفسها.

ثم كيف خفي على الرجل وعلى من تبعه الفرق ين ملكتي الشجاعة والقسوة؟ وأن هذا النسج الذي أوهن من بيت العنكبوت إنما نسجته يد السياسة لدفع مشكلات هناك، فخبلوا عمر بن الخطاب 'وحاشة الخبل' تصحيحا لانكاره موت رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه كان من ذلك القلق كما مر في ص 184، وأقعدوا عليا لايهام العذر في تخلفه عن البيعة، وأخرسوا عثمان لانه لم ينبس في ذلك الموقف ببنت شفة.

على أن ما جاء به القرطبى من ميزان الشجاعة يستلزم كون الخليفة أشجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ايضا إذ لم يرو عن أبي بكر في رزية النبي الاعظم اكثر من أنه كشف عن وجه النبي وقبله وهو يبكي وقال: طبت حيا وميتا

___________________________________

صحيح البخارى 281:6 كتاب المغازي، سيرة ابن هشام 334:4، طبقات ابن سعد ط مصر رقم التسلسل 785، تاريخ الطبرى 198:3. وقد فعل صلى الله عليه وآله أكثر وأكثر من هذا في موت عثمان بن مظعون فإنه صلى الله عليه وآله إنكب عليه ثلاث مرات مرة بعد اخرى وقبله باكيا عليه وعيناه تذرفان والدموع تسيل على وجنتيه وله شهيق

___________________________________

سنن البيهقى 406:3، حلية الاولياء 105:1، الاستيعاب 495:2، اسد الغابة، الغدير 387 3، الاصابة 464:2. وشتان بين عثمان بن مظعون وبين سيد البشر روح الخليقة وعلة العوالم كلها، وشتان بين المصيبتين. كما يستدعي مقياس الرجل كون عمر بن الخطاب أشجع من النبي الاقدس لحزنه العظيم في موت زينب وبكائه عليها، وعمر كان يوم ذاك يضرب النسوة الباكيات عليها بالسوط كما مر في الجزء السادس ص 159 ط 2 فضلا عن عدم تأثره بتلك الرزية.

وعلى هذا الميزان يغدو عثمان بن عفان أشجع من رسول الله صلى الله عليه وآله لوجده صلى الله عليه وآله لموت إحدي بنتيه: رقية أو ام كلثوم زوجة عثمان. وبكائه عليها، وعثمان غير متأثر به ولا بانقطاع صهره من رسول الله صلى الله عليه وآله غير مشغول بذلك من مقارفة بعض نساءه في ليلة وفاتها كما في صحيحة أنس.

___________________________________

مستدرك الحاكم 47:4، الاستيعاب 748:2 وصححه، الاصابة 304:4 و 489 الغدير 24:3.

وقبل هذه كلها ما ذكره أعلام القوم في موت أبي بكر من طريق ابن عمر من قوله:كان سبب موت أبي بكر موت رسول الله صلى الله عليه وسلم مازال جسمه يجري حتى مات. وقوله:

كان سبب موته كمدا لحقه على رسول الله صلى الله عليه وسلم مازال يذيبه حتى مات.وفي لفظ القرماني: مازال جسمه ينقص حتى مات.

راجع المستدرك الحاكم 63:3، اسد الغابة 224:3، صفة الصفوة 100:1، الرياض النضرة 180:1، تاريخ الخميس ج 263:2، حياة الحيوان للدميرى 49:1. الصواعق ص 53، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 55، أخبار الدول للقرماني هامش الكامل 198:1، نزهة المجالس للصفوري 197:2، مصباح الظلام للجرداني 25:2. كأن هذا الحديث عزب عن القرطبى والحلبي، فأخذا بهذا مشفوعا بكلامهما المذكور في شجاعة أبي بكر يكون هوشا كلة عبدالله بن أنيس في موتهما كمدا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم ينبأ قط خبير بموت أحد من الصحابة غيرهما بموته صلى الله عليه وآله وسلم، و هذا دليل على ضعف قلبهما عند حلول المصائب، فهما أجبنا الصحابة على الاطلاق إذا وزنا بميزان القرطبى وفيها عين.

ووراء هذ، المغالاة في شجاعة الخليفة وعده أشجع الصحابة ما عزاه القوم إلى ابن مسعود من انه قال: أول من أظهر الاسلام بسيفه محمد صلى الله عليه وسلم وأبوبكر. والزبير بن العوام رضي الله عنهم

___________________________________

نزهة المجالس للصفورى 182 و 2. وما يعزى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من انه قال: لو لا أبوبكر الصديق لذهب الاسلام.

___________________________________

نور الابصار للشبلنجى ص 54.

قال الاميني: لقد كانت على الابصار غشاوة عن رؤية هذا السيف الذي كان بيد الخليفة، فلم يؤثر أنه تقلده يوما، أو سله في كريهة، أو هابه إنسان في معمعة، حتى يقرن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان منذ بعث سيفا الله تعالى مجردا.

إن الرسول لنور يستضاء به++

مهند من سيوف الله مسلول

___________________________________

البيت من قصيدة لكعب بن زهير المشهورة ببانت سعاد.

أو يقرن بمثل الزبير الذي عرفته وسيفه الحرب الزبون فشكرته، وقد سجل التاريخ مواقفه المشهودة وسجل للخليفة يوم خيبر وأمثاله.

وأنا لا أدري بأي خصلة في الخليفة نيط بقاء الاسلام، أبشجاعته هذه؟ أم بعلمه الذي عرفت كيمته؟أم بماذا؟ 'فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر'.

ثبات الخليفة على المبدء


عن أبي سعيد الخدري: إن أبابكر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بوادي كذا وكذا فاذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي. فقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذهب إلى فاقتله. قال: فذهب اليه أبوبكر فلما رآه على تلك الحالة كره أن يقتله فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: إذهب إليه فاقتله. قال فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبوبكر فكره أن يقتله فرجع فقال: يا رسول الله إني رأيته متخشعا فكرهت أن أقتله قال: يا علي إذهب فاقتله. فذهب علي فلم يره فرجع فقال: يا رسول الله إني لم أره. فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا وأصحابه يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه فاقتلوهم هم شر البرية.

___________________________________

مسند أحمد 15:3، تاريخ ابن كثير 298:7.

وعن أنس بن مالك قال: كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يعجينا تعبده و اجتهاده وقد ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه فلم يعرفه فوصفناه بصفته فلم يعرفه فبينا نحن نذكره إذ طلع الرجل قلنا: هو هذا. قال: إنكم لتخبروني عن رجل إن في وجهه لسفعة من الشيطان فأقبل حتى وقف عليهم ولم يسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انشدك الله هل قلت حين وقفت على المجلس: ما في القوم أحد أفضل مني أو خير مني؟ قال: أللهم نعم.ثم دخل يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يقتل الرجل؟ فقال أبوبكر أنا، فدخل عليه فوجده يصلي فقال: سبحان الله أقتل رجلا يصلي: وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل المصلين، فخرج. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعلت؟ قال: كرهت أن أقتله وهو يصلي وأنت قد نهيت عن قتل المصلين. قال: من يقتل الرجل؟ قال عمر: أنا. فدخل فوجده واضعا جبهته فقال عمر: أبوبكر أفضل مني فخرج فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مه؟ قال: وجدته واضعا وجهه لله فكرهت أن أقتله. فقال: من يقتل الرجل؟ فقال علي: أنا. فقال: أنت

إن أدركته. فدخل عليه فوجده قد خرج فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: مه؟ قال: وجدته قد خرج قال: لو قتل ما اختلف من أمتي رجلان كان أولهم وآخرهم.

___________________________________

حلية الاولياء 317:2، ج 227:3، مسند البزار من طريق الاعمش، وابويعلى مسنده كما في تأريخ ابن كثير 7 ص 298، الاصابة 484:1.

صاحب القصة هو ذو الثدية رأس الفتنة يوم النهروان قتله أميرالمؤمنين الامام علي يوم ذاك كما في صحيح مسلم وسنن أبي داود، قال الثعالبي في ثمار القلوب ص 233: ذو الثدية شيخ الخوارج وكبيرهم الذي علمهم الضلال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله وهو في الصلاة فكع عنه ابوبكر وعمر رضي الله عنهما، فلما قصده علي رضي الله عنه لم يره، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: أما انك لو قتلته لكان أول فتنة وآخرها، ولما كان يوم النهروان وجد بين القتلى فقال علي رضي الله عنه: ائتوني بيده المخدجة. فاتي بها فأمر بنصبها.

قال الاميني: هلم معني نسائل الرجلين ممن أخذا أن الصلاة تحقن دم صاحبها؟ هل أخذاها عن شريعة غاب الصادع بها، فارتبكا بين قوليه؟ أليست هي الشريعة المحمدية وصاحبها هو الذي أمر بقتل الرجل؟ وهو ينظر إليه من كثب، ويعلم أنه يصلي، و قد أخبرته الصحابة وفيهم الرجلان بخضوعه وخشوعه في صلاته، وإعجابهم بتعبده و اجتهاده، وفي المخبرين أبوبكر نفسه، غير أن رسول الله صلى الله عليه وآله عرف بواسع علمه النبوي أن كل ذلك عن دهاء وتصنع يريد بن إغراء الدهماء للحصول على امنيته الفاسدة التي لم يتمكن منهاإلا على عهد الخوارج فأراد صلى الله عليه وآله قمع تلك الجرثومة الخبيثة بقتله، ولقد أراد صلى الله عليه وآله تعريف الناس بالرجل إيقافهم على ما انطوت عليه أضالعه فاستحفاه عما دار في خلده حين وقف على القوم وفيهم النبي صلى الله عليه وآله وأراد أن يعلموا أنه يجد نفسه خيرا أو أفضل منهم ومنه صلى الله عليه وآله.

أي كافر هذا يجب قتله لا سيما بعد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن في وجهه لسفعة من الشيطان؟ وأي شقي هذا يقف على المنتدى وقد ضم صدره نبي العظمة ولم يسلم؟ وأي صفيق يعرب عن سوء ما هجس في ضميره بكل صراحة، غير محتشم عن موقفه، ولا مكترث لمقاله؟

نعم لذلك كله أمر صلى الله عليه وآله بقتله وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، لكن الشيخين رؤفا به حين وجداه يصلي تثبتا على المبدء، وتحفظا على كرامة الصلاة ومن أتى بها، وزاد عمر: ان أبابكر خير مني ولم يقتله. أو لم يكن النبي الآمر بقتله خيرا منهما؟ أولم يكن هو مشرع الصلاة والآتي بحرمتها؟ أو لم يكن مصدقا لدى الصديق وصاحبه في قوله حول الرجل وإعرابه عن نواياه؟

كان خيرا للشيخين أن يتركا هذا التعلل الواضح فساده ويتعللا بما في لفظ أبي نعيم في الحلية من أنهما هابا أن يقتلاه، وبما أسلفناه عن ثمارالقلوب للثعالبي من أنهما كعا عن الرجل. أي جبنا وضعفا وتهيبهما الرجل وإن كان مصليا غير شاك السلاح، فلعله يكون معذرا لهما عن ترك الامتثال، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لكنهما يوم عرفا نفسهما كذلك والانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره لماذا أقدما على قتل الرجل، ففوتا على النبي صلى الله عليه وآله طلبته وعلى الامة السلام والامن ولو بعد لاي من عمر الدهر عند ثورات الخوارج؟ وأبوبكر هذا هو الذي يحسبه ابن حزم والمحب الطبري والقرطبي والسيوطي أشجع الناس كما مر ص 200 وقد يهابه ظل الرجال في مصلاهم.

وللرجل "ذي الثدية" سابقة سوء عند الشيخين من يوم قسم رسول الله صلى الله عليه وآله غنيمة هوازن قال ذوالثدية للنبي صلى الله عليه وآله لم أرك عدلت. أو: لم تعدل هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ فقال عمر: يا رسول الله ألا أقتله؟ قال: لا، سيخرج من ضيضئ هذا الرجل قوم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم تراقيهم. تاريخ أبي الفدا ج 1 ص 148، الامتاع للمقريزي ص 425.

تهالك الخليفة في العبادة


لم يؤثر عن الخليفة دؤب على العبادة على العهد النبوي أو بعده غير أشياء لا تنجع من أثبتها له إلا بعد تحمل متطاول، أو تفلسف في القول لو أجدت الفلسفة على لا شيئ.

روى المحب الطبري في الرياض النضرة 1 ص 133: ان عمر بن الخطاب أتى إلى زوجة أبي بكر بعد موته فسألها عن أعمال أبي بكر في بيته ما كانت فأخبرته بقيامه في الليل وأعمال كان يعملها ثم قالت: ألا انه كان في كل ليلة جمعة يتوضأ و يصلي ثم يجلس مستقبل القبلة رأسه على ركبتيه فإذا كان وقت السحر رفع رأسه و تنفس الصعداء فيشم في البيت روائح كبد مشوي. فبكا عمر وقال: أني لابن الخطاب بكبد مشوي.

وفي مرآة الجنان 1 ص 68: جاء ان أبابكر كان إذا تنفس يشم منه رائحة الكبد المشوية.

وفي عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص 135: لما مات أبوبكر الصديق رضي الله عنه واستخلف عمر رضي الله عنه كان يتبع آثار الصديق رضي الله عنه ويتشبه بفعله فكان يتردد كل قليل إلى عائشة واسماء رضي الله تعالى عنهما ويقول لهما: ما كان يفعل الصديق إذا خلا بيته ليلا؟ فيقال له: ما رأينا له كثير صلاة بالليل ولا قيام إنما كان إذا جنه الليل يقوم عند السحر ويقعد القرفصاء ويضع رأسه على ركبتيه ثم يرفعها إلى السماء ويتنفس الصعداء ويقول:اخ. فيطلع الدخان من فيه. فيبكي عمر ويقول: كل شيئ يقدر عليه عمر إلا الدخان. فقال:

وأصل ذلك أن شدة خوفه من الله تعالى أو جبت إحتراق قلبه، فكان جليسه يشم منه رائحة الكبد المشوي، وسببه ان الصديق لم يتحمل أسرار النبوة الملقاة إليه وفي الحديث: أنا أعلمكم بالله وأخوفكم منه. فالمعرفة التامة تكشف عن جلال

المعروف وجماله وكلاهما أمر عظيم جدا تتقطع دونه الغايات ولولا أن الله تعالى ثبت من أراد ثباته وقواه على ذلك ما استطاع أحد الوقوف ذرة على كليهما وجلالا و جمالا، والغاية في الطرفين قد نالها الصديق رضي الله عنه. فقد ورد: ما صب في صدري شيئ إلا صببته في صدر أبي بكر. ولو صبه جبريل عليه السلام في صدر أبي بكر ما أطاقه لعدم مجراه من المماثل، لكن لما صب في صدر النبي صلى الله عليه وسلم وهو من جنس البشرية فجرى في قناة مماثلة للصديق، فبواسطتها أطاق حمله، ومع ذلك احترق قلبه. الخ. وروى الترمذي الحكيم في نوادر الاصول ص 31 و 261، عن بكر بن عبدالله المزني قال: لم يفضل أبوبكر رضي الله عنه الناس بكثرة صوم ولا صلاة إنما فضلهم بشيئ كان في قلبه. وذكر أبومحمد الازدي في شرح مختصر صحيح البخاري 41:2 و 105. وج 98:3. وج 63:4، والشعراني في اليواقيت والجواهر 221:2، واليافعي في مرآة الجنان 68:1، والصفوري في نزهة المجالس 2 ص 183: ان في الحديث ما فضلكم أبوبكر بكثرة صوم ولا صلاة ولن بشيئ وقر في صدره.

قال الاميني: لو صح حديث الكبد المشوي لوجب اطراده في الانبياء والرسل ويقدمهم سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم لانهم أخوف من الله من أبي بكر وخاتم النبيين أخوفهم، ولوجب أن تكون الرائحة فيهم أشد وأنشر، فان الخوف فرع الهيبة المسببة عن إحاطة العلم بما هناك من عظمة وقهر وجبروت ومنعة، وينبأنا عن ذلك قوله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء

___________________________________

سورة فاطر آية 28. قال ابن عباس: يريد إنما يخافني من خلقي من علم جيروتي وعزتي وسلطاني. وقيل: عظموه وقدروا قدره، وخشوه حق خشيته، ومن ازداد به علما ازداد به خشية.

'تفسير الخازن 525:3'

وفي الحديث: أعلمكم بالله أشدكم له خشية.

'تفسير ابن جزي 851:3'

وفي خطبة له صلى الله عليه وآله: فوالله اني لاعلمهم بالله وأشد هم له خشية.

___________________________________

صحيح مسلم كتاب المناقب. باب علمه بالله وشدة خشيته، تفسير الخازن 525:3.

وفي خطبة اخرى له صلى الله عليه وآله: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا.

___________________________________

صحيح البخارى كتاب الرقاق. باب لو تعلمون ما أعلم، مسند احمد 461:6، تيسير الوصول 26 و 2، تفسير الخازن 525:3.

وقال مولانا أميرالمؤمنين:أعلمكم أخوفكم.

'غرر الحكم للآمدي ص 62'

وقال مقاتل: أشد الناس خشية الله أعلمهم.

'تفسير الخازن 525:3'

وقال الشعبي ومجاهد: إنما العالم من خشي الله.

___________________________________

تفسير القرطبى 343:14، تفسير الخازن 525:3.

وقال الربيع بن أنس: من لم يخش الله تعالى فليس بعالم.

___________________________________

تفسير القرطبى 343:14، تفسير الخازن 525:3.

ومن هنا قوله صلى الله عليه وآله: إني أعلمكم بالله وأخشاكم لله

___________________________________

تفسير البيضاوى 302:2، اللمع لابى نصر ص 96. ولذلك تجد ان أزلف الناس إلى السلطان يتهيبه أكثر ممن دونه في الزلفة. فترى الوزير يكبره ويخافه أبلغ ممن هوأدنى منه، والامر على هذه النسبة في رجال الوظايف، حتى تنتهي إلى أبسطها كالشرطي مثلا، ثم إلى سائر أفراد الرعية.

وهلم معي إلا الاولياء والمقربين والمتهالكين في الخشية من الله والمتفانين في العبادة وفي مقدمهم سيدهم مولانا أميرالمؤمنين علي عليه السلام الذي كان في حلك الظلام يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويتأوه ويتفوه بما ينم عن غاية الخوف والخشية، وهو قسيم الجنة والنار بنص من الرسول الامين كما مر في الجزء الثالث ص 299 ط 2، وكان يغشى عليه عدة غشوات في كل ليلة، ولم يشم أحد منه ولا منهم رائحة الكبد المشوي.

ولو اطرد ما يزعمونه لوجب تكيف الفضاء من لدن آدم إلى عهد الخليفة بتلك الرائحة المنتشرة من تلكم الاكباد المشوية، ولا سود وجه الدنيا بذلك الدخان المتصاعد من الاكباد المحترقة.

أيحسب راوي هذه المهزأة أن على كبد المختشي نارا موقدة يعلوها ضرم، و يتولد منها دخان؟ فلم لم تحرق ما في الحشى كله ويكون إنضاجها مقصورا على الكبد فحسب؟ وهل للكبد حال المعذبين الذين كلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا اخرى؟ وإلا فالعادة قاضية بفناء الكبد بذلك الحريق لمتواصل.

وإن تعجب فعجب بقاء الانسان بعد فناء كبده، ولعلك إذا أحفيت الراوي السؤال

عن هذه لاجابك بانها كلها معاجز تخص بالخليفة.

وأحسب ان صاحب المزاعم من المتطفلين على موائد العربية فإن العربي الصميم جد عليم بكثير الكناية والاستعارة في لغة الضاد فاذا قالوا: إن نار الخوف أحرقت فلانا لا يريدون لهبا متقدا يصعد منه الدخان أو تشم منه رائحة شي الاكباد، وانما يعنون لهفة شديدة، وحرقة معنوية تشبه بالنيران.

وأما ما سرده العبيدي من فلسفة ذلك الحريق في كبد الخليفة فانها من الدعاوي الفارغة وفيها الغلو الفاحش وإن شئت قلت: إنما هي أوهام لم تقم لها حجة، وليس من السهل أن يدعمها ببرهنة يمسكها عن التزحزح، فهي كالريشة في مهب الريح تجاه حجاج المجادل، ووجاه سيرة الخليفة نفسه، وما عزاه إلى الرواية من حديث خرافة: ما صب الله في صدري شيئا إلا وصببته في صدر أبي بكر. فهو على تنصيص العلماء على وضعها كما مر في ج 5 ص 316 لا يلزم به الخصم، ولايثبت به المدعى، وفيه من سرف القول مالا يخفى على العارف بالرجال وتاريخهم.

/ 42