غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب جلد 6

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب - جلد 6

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


ما عشت اراك الدهر عجبا


ما عساني أن أقول في مثقف يحسب نفسه فقيها من فقهاء الاسلام وبين يديه هذه الاحاديث وأمثالها الجمة من الصحاح والحسان المذكورة في الجزء الثالث صحيفة 100 -95 وما أسلفناه هنا وهناك من كلمات الصحابة ومن إجماع الامة الاسلامية جمعاء على وراثة أميرالمؤمنين عليه السلام علم النبي الاعظم صلى الله عليه واله وسلم فيصفح عن تلكم النصوص كلها، ويرى في الامة من الصحابة وحتى اليوم من هو أعلم من أميرالمؤمنين.

ما عساني أن أقول في رجل يؤلف كتابا من المخاريق والمخازي ويسميه" الوشيعة" غير مكترث لمغبة مساءته، ولا متحاش عن كشف سوءته؟ بل يتبهج ويتبجح عند قومه بالرد على الشيعة، ولم يدر المغفل أنه شوه سمعتهم، وسود صحيفة تاريخهم بتلك الوقيعة بالوشيعة، غير شاعر بأن بحاثة التنقيب سيميط الستر عن أكاذيبه وتقولاته، ويسمه بسمة العار، ووسمة الشنار.

قال: كان عمر أفقه الصحابة وأعلم الصحابة في زمنه على الاطلاق، وإنما كان أعرف الفقهاء بمواقع السنن والقرآن الكريم، وكان مدة عمره في جميع اموره يعمل بالكتاب والسنة، وكان يعرف مواقع السنن ويفهم معاني الكتاب. 'ن ط'.

هذه الجمل الاربع إلتقطناها من سفاسفه المعنونة ب د 'الخلافة الراشدة' من صحيفة 'ون- ه س' ونحن لا ننكر لعمر بن الخطاب فقها ولا علما شأن كل مسلم عاصر النبي الاعظم وعاشره إن لم يلهه عنه ألصفق بالاسواق، وإنا نود أن نعرفه- إن وسعنا- بما وصفه الرجل بعد ماعرف في الملا بالخلافة الراشدة، ومن حملة ذلك العب ء الثقيل: غير أن ما حفظته غضون الكتب والمعاجم لا يتفق مع هذه المزعمة، والتاريخ الصحيح يوجهنا إلى غير شطر ولى الرجل إليه وجهه، ويبعدنا عن محسبته بعد المشرقين، ويسمعنا قول الخليفة نفسه من وراء ستر رقيق: كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال

___________________________________

سيوافيك حديثه. فنحن نقدم إلى رواد الحقيقة آثارا تعرف مهيع الطريق، وتعرب عن جلية الحال.

نوادر الاثر في علم عمر


راي الخليفة في فاقد الماء


أخرج الامام مسلم في صحيحه في باب التيمم بأربعة طرق عن عبدالرحمن بن أبزي: إن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء؟ فقال عمر: لا تصل. فقال عمار:أما تذكر يا أميرالمؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فاجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الارض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك؟ فقال عمر: إتق الله يا عمار قال: إن شئت لم احدث به؟.

وفي لفظ: قال عمار: يا أميرالمؤمنين إن شئت لما جعل الله علي من حقك أن لا احدث به أحدا؟ ولم يذكر.

سنن أبي داود 1 ص 53. سنن إبن ماجة 1 ص 200. مسند أحمد 4 ص 265. سنن النسائي 1 ص 61 و 59. سنن البيهقي 1 ص 209.

صورة اخرى


كنا عند عمر فأتاه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين إنما نمكث الشهر والشهرين و لا نجد الماء؟ فقال عمر: أما أنا فلم أكن لاصلي حتى أجد الماء. فقال عمار: يا أميرالمؤمنين تذكر حيث كنا بمكان كذا ونحن نرعى الابل فتعلم إنا أجنبنا؟ قال: نعم، قال: فإني تمرغت في التراب فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فضحك وقال: كان الطيب كافيك وضرب بكفيه الارض ثم نفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وبعض ذراعه؟ قال: اتق الله يا عمار، قال يا أميرالمؤمنين إن شئت لم اذكره ما عشت أو ما حييت؟ قال: كلا والله ولكن نوليك من ذلك ما توليت.

مسند أحمد 4 ص 319. سنن أبي داود 1 ص 53. سنن النسائي 1 ص 60.

تحريف وتدجيل


هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 1 ص 45 في باب: المتيمم هل ينفخ فيهما، وفي أبواب بعده غير أنه راقه أن يحرفه صونا لمقام الخليفة فحذف منه جواب عمر- لا تصل- أو:- أما أنا فلم أكن لاصلي ذاهلا عن أن كلام عمار عندئذ لا يرتبط بشئ، ولعل هذا عند البخاري أخف وطئه من إخراج الحديث على ما هو عليه.

وذكره البيهقي محرفا في سننه الكبرى 1 ص 209 نقلا عن الصحيحين، وأخرجه النسائي في سننه 1 ص 60 وفيه مكان جواب عمر: فلم يدر ما يقول. وأخرجه البغوي في المصابيح 1 ص 36 وعده من الصحاح غير أنه حذف صدر الحديث وذكر مجئ عمار إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فحسب.

وذكره الذهبي في تذكرته 3 ص 152 محرفا وأردفه بقوله: قال بعضهم: كيف ساغ لعمار أن يقول مثل هذا فيحل له كتمان العلم؟ والجواب: إن هذا ليس من كتمان العلم فإنه حدث به واتصل ولله الحمد بنا، وحدث في مجلس أميرالمؤمنين، وإنما لاطف عمر بهذا لعلمه بأنه كان ينهى عن الاكثار من الحديث خوف الخطأ، ولئلا يتشاغل الناس به عن القرآن.

قال الاميني: هناك شئ هام أمثال هذه الكلمات المزخرفة والابحاث الفارغة المعدة لتعمية البسطاء من القراء عما في التاريخ الصحيح، ليت شعري ما أغفلهم عن قول عمر: لا تصل- أو:- أما أنا فلم أكن لاصلي؟ يقوله وهو أميرالمؤمنين والمسألة سهلة جدا عامة البلوى شايعة. وما أغفلهم عن قوله لعمار: اتق الله يا عمار؟ وعن تركه الصلاة يوم أجنب في السرية بعد ما جاء الاسلام بالطهورين؟ وعن جهله بآية التيمم وحكم القرآن الكريم؟ وعن غضه البصر عن تعليم النبي صلى الله عليه واله وسلم عمارا بكيفية التيمم؟ ما أذهلهم عن هذه الطامات الكبرى وأشغلهم بعمار وكلمته؟ نعم ألحب يعمي ويصم، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا.

ويظهر من العيني في عمدة القاري 2 ص 172، وإبن حجر في فتح الباري 1 ص 352 ثبوت تينك الفقرتين

___________________________________

اعنى قول عمر: لا تصل. وقوله: أما أنا فلم أكن لاصلى حتى أجد الماء. من لفظ عمر في الحديث ولذلك جعلاه مذهبا له، قال العيني:

فيه "يعني في الحديث" أن عمر رضي الله عنه لم يكن يرى للجنب التيمم لقول عمار له: فأما أنت فلم تصل، وقال: إنه جعل آية التيمم مختصة بالحدث الاصغرو أدى إجتهاده إلى أن الجنب لا يتيمم.

وقال إبن حجر: هذا مذهب مشهور عن عمر.

يعرب الحديث عن أن هذا الاجتهاد من الخليفة كان في حياة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو أعجب شئ طرق اذن الدهر، كيف أكمل الله دينه ومثل مسألة التيمم العامة البلوى كانت غير معلومة في حياة النبي صلى الله عليه واله وسلم، وبقي فيها مجالا لمثل الخليفة أن يجهل بها أو يجتهد فيها؟ وكيف فتح باب الاجتهاد بمصراعيه على الامة مع وجوده صلى الله عليه واله وسلم بين ظهرانيها؟.

فهلا سأل الرجل رسول الله بعد ما خالفه عمار، ورآه يتمعك بالتراب فيصلي؟.

وهلا أخبره عمار يوم أجنبا بما علمه رسول الله من هديه وسنته في التيمم؟

وهلا علم رسول الله ترك عمر الصلاة- وهي أهم الفرايض وأكملها- مهما أجنب ولم يجد الماء وأخبره بما جاء به الاسلام وقرر في شرعه المقدس؟

وهلا سأل عمر بعده صلى الله عليه واله وسلم رجالا خالفوه في رأيه هذا مثل علي أميرالمؤمنين وإبن عباس وأبي موسى الاشعري والصحابة كلهم غير عبدالله بن مسعود؟

وهل كان عمل أولئك القائلين بالتيمم على الجنب الفاقد للماء اتباعا للسنة الثابتة المسموعة من رسول الله؟ أو كان مجرد رأي وإجتهاد أيضا لدة إجتهاد الخليفة؟ وهلا كان الخليفة يثق بعمار يوم أخبره عن سنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فلم يعدل عن رأيه؟ ولم ير إبن مسعود أن عمر قنع بقول عمار.

___________________________________

صحيح البخارى، صحيح مسلم، سنن البيهقى 1 ص 226، تيسير الوصول 3 ص 97.

وهل خفي على الخليفة ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عمران بن الحصين؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم فقال: يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك.

___________________________________

صحيح البخارى 1 ص 129، صحيح مسلم، مسند أحمد 4 ص 434، سنن النسائى 1 ص 171، سنن البيهقى 1 ص 219، تيسير الوصول 3 ص 98.

وهل عزب عنه مارواه سعيد بن المسيب عن أبي هريرة؟ قال: جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا نكون في الرمل وفينا الحائض والجنب والنفساء فيأتي علينا أربعة أشهر لانجد الماء؟ قال: عليك بالتراب يعني التيمم.

وفي لفظ آخر: إن أعرابا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا نكون في هذه الرمال لا نقدر على الماء ولا نرى الماء ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وفينا النفساء والحائض والجنب؟ قال: عليكم بأرض.

وفي لفظ الاعمش: جاء الاعراب إلى النبي. صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نكون بالرمل ونعزب عن الماء الشهرين والثلاثة وفينا الجنب والحائض؟ فقال: عليكم بالتراب.

___________________________________

سنن البيهقى 1 ص 217 و 216.

وهل ذهب عليه ما أخبر به أبوذر من السنة؟ قال: كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فاصلي بغيرطهور فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهو في رهط من أصحابه وهو في ظل المسجد فقال: أبوذر؟ فقلت: نعم هلكت يا رسول الله فقال: وما أهلكك؟ قال: إني كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فاصلي بغير طهور فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فجاءت به جارية سوداء بعس يتخضخض ما هو بملآن فتسترت إلى بعيري فاغتسلت ثم جئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أباذر إن الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين فإذا وجدت الماء فامسسه جلدك

___________________________________

سنن البيهقى 1 ص 220 و 217.

م- وهلا قرع سمعه حديث الاسقع؟ قال: كنت ارحل للنبي صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رحل لنايا أسقع. فقلت: بأبي أنت وامي أصابتني جنابة وليس في المنزل ماء. فقال: تعال يا أسقع اعلمك التيمم مثل ما علمني جبرئيل، فأتيته فنحاني عن الطريق قليلا فعلمني التيمم.

___________________________________

تاريخ الخطيب البغدادى 8 ص 377.

وقبل كل شئ آيتا التيمم إحديهما في سورة النساء آية 43 وهي قوله:

يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا، وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد

منكم من الغايط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا.

وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: انزلت هذه الآية إذا أجنب فلم يجد الماء تيمم وصلى حتى يدرك الماء فإذا أدرك الماء اغتسل.

___________________________________

سنن البيهقى 1 ص 216.

والآية الثانية في سورة المائدة آية 6 وهي قوله.

يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين، وإن كنتم جنبا فأطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه.

فإن المراد من الملامسة في آية النساء هو الجماع لا محالة كما عن أميرالمؤمنين و ابن عباس وأبي موسى الاشعري وتبعهم في ذلك الحسن وعبيدة والشعبي وآخرون و هذا مذهب كل من نفى الوضوء بمس المرأة كأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر والثوري والاوزاعي وغيرهم. وذلك أن المولى سبحانه أسلف بيان حكم الجنب عند وجدان الماء بقوله: حتى تغتسلوا. وقوله: فاطهروا. ثم شرع في صور حكم عدم التمكن من استعمال الماء لمرض أو سفر أو فقدانه واستطرد هنا ذكر الحدث الاصغر بقوله: أو جاء أحد منكم من الغايط. فنوه بذكر الجنابة بقوله: أو لامستم النساء. ولو أريد به غير الجماع لكان مختزلا عما قبله. وعبر عن الجماع باللمس المرادف للمس

___________________________________

راجع معاجم اللغة. الذي اريد به الجماع فحسب في قوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن. وقوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن.

وقوله تعالى: ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن. ولغير واحد من فقهاء القوم وأئمتهم كلمات ضافية في المقام تكشف عن جلية الحال نقتصر منها بكلمة الامام أبي بكر الجصاص الحنفي المتوفى 370 قال في أحكام القرآن 2 ص 456 -450:

أما قوله تعالى 'أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا' فإن السلف قد تنازعوا في معنى الملامسة المذكورة في هذه الآية فقال علي وابن عباس وأبوموسى والحسن وعبيدة والشعبي: هي كناية عن الجماع وكانوا لا يوجبون الوضوء لمن مس امرأته. وقال عمر وعبدالله بن مسعود: ألمراد اللمس باليدو كانا يوجبان الوضوء بمس المرأة ولا يريان للجنب أن يتيمم، فمن تأوله من الصحابة على الجماع لم يوجب الوضوء من مس المرأة ومن حمله على اللمس باليد أوجب الوضوء من مس المرأة ولم تجز التيمم للجنب.

ثم أثبت عدم نقض الوضوء بمس المرأة على كل حال لشهوة أو لغير شهوة بالسنة النبوية فقال: أللمس يحتمل الجماع على ما تأوله علي وابن عباس وأبوموسى. و يحتمل اللمس باليد على ماروي عن عمر وعبدالله بن مسعود، فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ. أبان ذلك عن مراد الله تعالى.

ووجه آخر يدل على أن المراد منه الجماع وهو أن اللمس وإن كان حقيقة للمس باليد فإنه لما كان مضافا إلى النساء وجب أن يكون المراد منه الوطئ كما أن الوطئ حقيقته المشي بالاقدام فإذا اضيف إلى النساء لم يعقل منه غير الجماع، كذلك هذا ونظيره قوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، يعني من قبل أن تجامعوهن.

وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجنب بالتيمم في أخبار مستفيضة ومتى ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حكم ينتظمه لفظ الآية وجب أن يكون فعله إنما صدر عن الكتاب كما أنه قطع السارق وكان في الكتاب لفظ يقتضيه كان قطعه معقولا بالآية وكسائر الشرايع التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم مما ينطوي عليه ظاهر الكتاب.

ويدل على أن المراد الجماع دون لمس اليد إن الله تعالى قال: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم. إلى قوله: وإن كنتم جنبا فاطهروا. أبان به عن حكم الحدث في حال وجود الماء ثم عطف عليه قوله: وإن كنتم مرضى أو على سفر. إلى قوله: فتيمموا صعيدا طيبا. فأعاد ذكر حكم الحدث في حال عدم الماء فوجب أن يكون قوله: أو لامستم النساء على الجنابة لتكون الآية منتظمة لهما مبينة لحكمهما في حال وجود الماء وعدمه، ولو كان المراد أللمس باليد لكان ذكر التيمم مقصورا على حال الحدث

دون الجنابة غير مفيد لحكم الجنابة في حال عدم الماء، وحمل الآية على فائدتين أولى من الاقتصار بها على فائدة واحدة، وإذا ثبت أن المراد الجماع إنتفى اللمس باليد لما بينا من امتناع إرادتهما بلفظ واحد.

فإن قيل: إذا حمل على اللمس باليد كان مفيدا لكون اللمس حدثا وإذا جعل مقصورا على الجماع لم يفد ذلك، فالواجب على قضيتك في اعتبار الفائدتين حمله عليهما جميعا فيفيد كون اللمس حدثا، ويفيد ايضا جواز التيمم للجنب، فإن لم يجز حمله على الامرين لما ذكرت من اتفاق السلف على أنهما لم يرادا ولامتناع كون اللفظ مجازا وحقيقة أو كناية وصريحا، فقد ساويناك في إثبات فائدة مجددة بحمله على اللمس باليد مع استعمالنا حقيقة اللفظ فيه، فما جعلك إثبات فائدة من جهة إباحة التيمم للجنب أولى ممن أثبت فائدته من جهة كون اللمس باليد حدثا؟.

قيل له: لان قوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة مفيد لحكم الاحداث في حال وجود الماء ونص مع ذلك على حكم الجنابة، فالاولى أن يكون ما في نسق الآية من قوله: أو جاء أحد منكم من الغايط- إلى قوله: أو لامستم النساء. بيانا لحكم الحدث والجنابة في حال عدم الماء، كما كان في أول الآية بيانا لحكمهما في حال وجوده، وليس موضع الآية في بيان تفصيل الاحداث، وإنما هي في بيان حكمها وأنت متى حملت اللمس على بيان الحدث فقد أزلتها عن مقتضاها وظاهرها فلذلك كان ما ذكرناه أولى؟

ودليل آخر على ماذكرناه من معنى الآية وهو أنها قد قرئت على وجهين: أو لامستم النساء. ولمستم. فمن قرأ: أو لامستم. فظاهره الجماع لا غير، لان المفاعلة لا تكون إلا من اثنين إلا في أشياء نادرة كقولهم: قاتله الله وجازاه وعافاه الله ونحو ذلك، وهي أحرف معدودة لايقاس عليها أغيارها، والاصل في المفاعلة انها بين اثنين كقولهم: قاتله، وضاربه، وسالمه، وصالحه، ونحو ذلك، وإذا كان ذلك حقيقة اللفظ فالواجب حمله على الجماع الذي يكون منهما جميعا، ويدل على ذلك أنك لا تقول لامست الرجل و لامست الثوب إذا مسته بيدك لانفرادك بالفعل، فدل على أن قوله: أو لامستم. بمعنى أو جامعتم النساء فيكون حقيقته الجماع، وإذا صح ذلك وكانت قراءة من قرأ:

أو لمستم. يحتمل اللمس باليد ويحتمل الجماع وجب أن يكون ذلك محمولا على مالا يحتمل إلا معنى واحد لان مالا يحتمل إلا معنى واحدا فهو المحكم، ومايحتمل معنيين فهو المتشابه، وقد أمرنا الله تعالى بحمل المتشابه على المحكم ورده إليه بقوله: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب. الآية. فلما جعل المحكم اما للمتشابه فقد أمرنا بحمله عليه، وذم متبع المتشابه باقتصاره على حكمه بنفسه دون رده إلى غيره بقوله: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشابه منه. فثبت بذلك أن قوله 'أولمستم' لما كان محتملا للمعنيين كان متشابها وقوله 'أولامستم' لما كان مقصورا في مفهوم اللسان على معنى واحد كان محكما، فوجب أن يكون معنى ألمتشابه مبينا عليه.

ويدل على أن اللمس ليس بحدث: أن ما كان حدثا لا يختلف فيه الرجال والنساء ولو مست امرأة امرأة لم يكن حدثا، كذلك مس الرجل إياها

___________________________________

يعنى ليس بحدث بالنسبة إلى المرأة. وكذلك مس الرجل الرجل ليس بحدث. فكذلك مس المرأة. ودلالة ذلك على ما وصفنا من وجهين: أحدهما إنا وجدنا الاحداث لا تختلف فيها الرجال والنساء فكل ما كان حدثا من الرجل فهو من المرأة حدث، وكذلك ما كان حدثا من المرأة فهو حدث من الرجل، فمن فرق بين الرجل والمرأة فقوله خارج عن الاصول، ومن جهة اخرى: أن العلة في مس المرأة المرأة والرجل الرجل إنه مباشرة من غير جماع فلم يكن حدثا كذلك الرجل والمرأة. اه.

فترى بعد هذه كلها أن رأي الخليفة شاذ عن الكتاب والسنة الثابتة وإجماع الامة، وإجتهاد محض تجاه النصوص المسلمة، ولذلك خالفته الامة الاسلامية جمعاء من يومها الاول حتى اليوم، وأصفقت على وجوب التيمم على الجنب الفاقد للماء ولم يتبعه فيما رآه أحد إلا عبدالله بن مسعود- إن صحت النسبة إليه.

ويظهر من صحيحة الشيخين- البخاري ومسلم- عن شقيق أن الاجتهاد المذكور في آيتي التيمم والتأويل في قوله "أولامستم" كما ذكر من مختلفات التابعين ومن بعدهم، وكان مفاد الآيتين متفقا عليه عند الصحابة ولم يكن قط اختلاف بينهم فيه وإنما كره

عمر وتابعه الوحيد التيمم للجنب الفاقد للماء لغاية اخرى.

قال شقيق: كنت بين عبدالله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما فقال أبوموسى:أرأيت يا أبا عبدالرحمن؟ لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا كيف يصنع بالصلاة؟ فقال لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرا. فقال أبوموسى: كيف بهذه الآية في سورة المائدة 'فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا'؟ قال عبدالله: لو رخص لهم في هذا الآية لاوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد. فقال له أبوموسى: و إنما كرهتم هذا لذا؟ قال: نعم. فقال أبوموسى لعبدالله: ألم تسمع قول عمار لعمر رضي الله عنهما: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، وضرب بكفيه ضربة على الارض ثم نفضها ثم مسح بها ظهر كفه بشماله: وظهر شماله بكفه ثم مسح بهما وجهه، فقال عبدالله: أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار؟

صورة اخرى للبخارى


قال شقيق: كنت عند عبدالله وأبي موسى فقال له أبوموسى: أرأيت يا أبا عبدالله إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع؟ فقال عبدالله: لا يصلي حتى يجد الماء. قال أبوموسى: فيكف تصنع بقول عمار؟ حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: كان يكفيك. قال: أولم تر أن عمر لم يقنع منه بذلك. فقال له أبوموسى: فدعنا من قول عمار، كيف تصنع بهذه الآية؟ فما درى عبدالله ما يقول فقال: إنا لو رخصنا لهم في هذا لاوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم، فقلت لشقيق: فانما كره عبدالله لهذا؟ قال: نعم

___________________________________

صحيح البخارى ج 1 ص 129 و 128، صحيح مسلم 1 ص 110، سنن ابن داود 1 ص 53، وفى تيسير الوصول 3 ص 97: اخرجه الخمسة الا الترمذى. سنن البيهقى 1 ص 226.

ما أرأف هذا القائل بالجنب الفاقد للماء وأشفقه عليه إذا رأى له ترك الصلاة ولو لم يجد الماء شهرا؟ وما أقساه على من برد عليه الماء وأوشك أن يتيمم؟ فنهى عن التيمم شدة على هذا ورأفة بذاك، فكأن ترك الجنب الفاقد للماء الصلاة وإعراضه عما في الكتاب والسنة أخف وطئة عنده من تيمم من اتخذ البرد عذرا وترك الغسل، وكأنه أعرف بصالح المجتمع الديني من مشرع الدين لهم، وكأنه يرى أن الشارع

/ 42