لمعة البیضاء فی شرح خطبة الزهراء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

لمعة البیضاء فی شرح خطبة الزهراء - نسخه متنی

محمد علی بن احمد القراچه داغی التبریزی الانصاری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




و الميتة و هكذا.


ثم اختلفوا في انّ تلك المصالح و المفاسد الكامنة في الأشياء الموجبة لترتب الأحكام المخصوصة، هل هي ذاتيّة أو عارضيّة من جهة الصفات اللازمة، أو بالوجوه و الاعتبارات الخارجيّة أو لا كلّيّة في المرحلة، و تفصيل المسألة موكول الى محلّه.


و القول الرابع الذي اختاره المحقّقون من المتأخّرين هو التفصيل، و انّ الأشياء في أنفسها مختلفة، فالمصالح و المفاسد في بعضها ذاتيّة كالايمان و الشرك مثلاً، و حبّ آل محمد (عليهم السلام) و بغضهم، و الذاتي لا يختلف و لا يتخلّف، و لا يتبدّل ما بالذات في حال من الحالات، و في بعضها باعتبار الأوصاف اللازمة كالكذب النافع المنجي للنبي (صلّى اللَّه عليه و آله) من الهلاك، و الكذب الذي ليس كذلك سيّما إذا كان مضرّاً.


و بعضها بالوجوه و الاعتبارات كالخبز الأبيض الجيّد في غاية الجودة، و العسل الشافي، و السكّر الصافي في غاية الحلاوة و اللطافة، إذا كان شي ء من ذلك مغصوباً فانّ الحرمة في نحو ذلك ليست لخباثة ذاتيّة فيه و لا لصفة لازمة، بل هي من جهة الوجوه و الاعتبارات الخارجيّة، و ذلك بملاحظة انّ الرخصة في نحو ذلك توجب المفسدة الخارجيّة الطارئة من جهة اختلال نظام العالم مثلاً، فيختلّ به امور معاش بني آدم، و يؤدّي الى اختلال امور معادهم.


ثم انّ معنى النجاسة في الشي ء ليس الا وجوب الاحتراز عنه في الصلاة مثلاً، أو الأكل و الشرب و نحو ذلك، و وجوب الاحتراز فيه امّا من جهة خباثة في نفسه ذاتاً أو صفة، أو من جهة المصالح الخارجيّة، فدم المعصوم (عليه السّلام) يجب غسله البتة بحسب القواعد الشرعيّة من جهة المصالح الخارجيّة، إذ لو بني على عدم غسله مثلاً بالحكم بالطهارة لزم الهرج و المرج في الشريعة، فكان يقول بعض الناس بطهارة دم سلمان، و بعضهم بطهارة دم أبي ذر، و مريد العالم الفلاني بطهارة دمه، و مريد العارف الفلاني كذلك، و كذا في البول و الغائط من الخاصّة


أو من العامّة.


و هذا باب عظيم يدخل منه الشيطان، فيفسد على الناس أحكام الدين و الملّة، كما ترى انّ مع استقرار الحكم ظاهراً بنجاسة الدماء مطلقاً، يحكم بعض السفهاء في عصرنا بطهارة دم العارف الفلاني و بوله و غائطه، فكيف إذا كان هناك روزنة للدخول في هذه المسألة، فسدّوا هذا الباب من صدر الشريعة، و حكموا باطلاقات كلامهم بوجوب غسل الدماء بالمرّة، و كانوا (عليهم السّلام) يغسلون الدم و نحوه من أنفسهم أو من غيرهم.


و امّا من حيث الحقيقة فليس في دم المعصوم (عليه السّلام) خباثة بالمرّة لا ظاهريّة و لا باطنيّة، بل هو طهر طاهر مطهّر من طهر طاهر مطهّر في غاية الطهارة، و آية التطهير أيضاً تدلّ على حكم المسألة، كما انّ السكّر المغصوب ليس فيه خباثة ذاتيّة بل هو في غاية اللطافة، لكن عرض عليه حكم الاجتناب عنه من جهة المصالح الخارجيّة، فيقال: انّ وجوب الاجتناب فيه انّما هو من الأحكام التعبديّة لا انّه من جهة الخباثة و النجاسة.


و أيّ خبيث يتجاسر أن يقول بخباثة دم المعصوم (عليه السّلام) في عرض الخمر و دم الخنزير و لحم الميتة مثلاً- نعوذ باللَّه من سماع تلك المقالة- فدماؤهم (عليهم السّلام) أطهر و ألطف من كلّ لطيف و نظيف بمراتب كثيرة.


و قد مرّ انّ الأنبياء (عليهم السّلام) خلقوا من نور أجسامهم اللطيفة، و أجسادهم الشريفة، و دماؤهم من جملة أجزائهم في عالم الجسميّة، و لا معنى لطروء النجاسة بالنسبة الى العقول الصافية، فكيف بما هو أعلى منها مرتبة؟! فالأنوار اللطيفة في غاية اللطافة لا تعرضها الخباثة و الكثافة، و كذا الحكم في البول و الغائط، و لذا كان رائحتهما من المعصوم (عليه السّلام) كالمسك الأذفر.


و كذا النطفة منهم (عليهم السّلام)، و إن كان مادّة هذه الامور من الأغذية الدنيويّة الكثيفة، الّا انّها بمجاورة جسم المعصوم (عليه السّلام) و مخالطته و مصاحبته تكتسب اللطافة الكاملة بالتبعيّة، و لذا كان اللباس و العباء على جسم


النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) لا يقع منهما أيضاً ظلّ تبعاً له.




  • هيزم تيره حريف نار شد
    تيرگى رفت و همه أنوار شد



  • تيرگى رفت و همه أنوار شد
    تيرگى رفت و همه أنوار شد




فكلّ شي ء منهم نور حتى الدم و البول و الغائط و النطفة، فأجسامهم البشريّة المرئيّة مظاهر الصفات اللاهوتيّة، و الصورة لا تضرّ في الحقيقة، و إذا كان جبرئيل (عليه السّلام) يتصوّر بصورة دحية الكلبي، كان له لحم و دم و عظام بمقتضى الصورة الجسميّة، لكنّ المتبدل لم يكن الّا الصورة و الّا كان كلّ جزء منه نوراً محضاً البتة.


و ما ورد انّ المعصوم (عليه السّلام) لا يغفل و لا ينام، و يرى من خلف كما يرى من أمام، فهل يجوز ذلك الّا بأن يكون كلّ أعضائه نوراً بالتمام، فلا يذهب بك الصورة عن الحقيقة الى الصورة.




  • گر به ظاهر مثلكم باشد بشر
    اى بسا كس را كه صورت راه زد
    كلّ شي ء من المليح مليح
    كل شي ء من القبيح قبيح



  • با دل يُوحى الىّ ديده ور
    قصد صورت كرد و بر اللَّه زد
    كل شي ء من القبيح قبيح
    كل شي ء من القبيح قبيح



و وجه الطهارة في جميع ما ذكر منهم (عليهم السّلام) من حيث الحكمة، انّ أصل منشأ النجاسة و نحوها انّما هو جهة النفسانيّة، و لذا كان فضلة الحيوان المأكول اللحم كالغنم مثلاً طاهرة دون الانسان، و ليس في تلك الأنوار الأسفهيديّة جهة النفسانيّة بالمرّة و لو مثقال ذرّة، و ما ورد في طهارة أجسادهم الشريفة انّما هو محمول على أجزائها الظاهريّة و الباطنيّة من كلّ حيثيّة، و الّا فظواهر الأجساد طاهرة من كلّ مسلم أيضاً، فلا يكون لهم (عليهم السّلام) حينئذٍ فضل من هذه الجهة.


و امّا الاستدلال على طهارة دمائهم (عليهم السّلام) بالخبر الذي ورد، انّه ما من مسجد بُني الّا على قبر نبيّ أو وصيّ نبيّ، فأصابت تلك البقعة رشّة من دمه فأحبّ اللَّه أن يذكر فيها


[الكافي 3: 370 ح 14، عنه البحار 14: 463 ح 31، التهذيب 3: 258 ح 43، الوسائل 3: 501 ح 1.

، بتقريب انّ اللَّه لا يحبّ الرجس فلابدّ أن يكون الدم






منهم طاهراً حتى يحبّ اللَّه محلّ ملاقاته لحبّه، فضعيف كما لا يخفى، لجواز أن يكون هذه المحبّة من جهة كون هذا الدم مصبوباً مراقاً في سبيل اللَّه من أجساد هؤلاء الأنبياء العظام و الأوصياء الكرام، لا لذات تلك القطرة.


و الى هذا الخبر أشار بحر العلوم في الدرّة النجفيّة بقوله:




  • و السّر في فضل صلاة المسجد
    بقطرة من دمه مطهّرة
    و هي بيوت أذن اللَّه بأن
    ترفع حتى يذكر اسمه الحسن



  • قبر لمعصوم به مستشهد
    طهّره اللَّه لعبد ذكره
    ترفع حتى يذكر اسمه الحسن
    ترفع حتى يذكر اسمه الحسن



[الدرة النجفيّة: 100/ المشاهد.







الأخبار الدالّة على طهارة دم المعصوم



نعم يشير اليها، أي الى طهارة دم المعصوم (عليه السّلام)، بل يدلّ عليها ما رواه المجلسي (رحمه اللَّه) في البحار عن الراوندي في قصص الأنبياء، و الحسين بن بسطام في طبّ الأئمة، عن أبي طيبة الحجّام، قال: حجمت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) و أعطاني ديناراً و شربت دمه، فلمّا اطّلع على ذلك قال: ما حملك على ذلك؟ قلت: أتبرّك به، قال: أخذت أماناً من الأوجاع، و الأسقام، و الفقر، و الفاقة، و لا يمسّك النار أبداً


[طب الأئمة: 56، عنه البحار 62: 119 ح 39 و مستدرك الوسائل 13: 74 ح 14791، و لم نعثر عليه في قصص الأنبياء للراوندي.]]


و قد علّل حرمة الدم في الأخبار بكثرة مضارّه، مثل انّه يُمرض البدن، و يغيّر اللّون، و يورث البخر، و الصفراء، و الجنون، و سوء الخلق، و القسوة و نحو ذلك، و إذ ليس في دم المعصوم (عليه السّلام) هذه المفاسد، بل صرّح باشتماله على المصالح المقابلة لها، فلا حرمة.


و في مرسل المناقب عن عبداللَّه بن الزبير قال: احتجم النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) فأخذت الدم لا هريقه، فلمّا برزت حسوته، فلمّا رجعت قال (صلّى اللَّه عليه و آله): ما صنعت؟ قلت: جعلته في أخفى مكان- و في رواية اُخرى: جعلته في وعاء


حريز


[راجع البحار 16: 409، عن مناقب ابن شهرآشوب 1: 220/ في اللطائف.]]- قال (صلّى اللَّه عليه و آله): ألفيك- أي أجدك- شربت الدم، و في خبر آخر: لا تعد الى مثله


[وجدناه في الخرائج 1: 67 ح 122، عنه البحار 22: 113 ح 80.]


و ابن شهرآشوب في كتاب المناقب عن امّ أيمن- و هي كانت جارية ورثها النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) من أبيه، فأعتقها و جعلها حاضنة أولاده، و قد حلف (صلّى اللَّه عليه و آله) بأنّها من أهل الجنّة- قالت: أصبح رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) فقال: يا امّ أيمن قومي و اهرقي ما في الفخارة- يعني البول- قلت: و اللَّه شربت ما فيها و كنت عطشى، قالت: فضحك رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) حتى بدت نواجذه، ثم قال: أما انّك لا يجع


[في المناقب: لا ينجع.] بطنك، و في خبر آخر بعد هذا: فلا تعودي


[مناقب ابن شهرآشوب 1: 125/ في معجزاته في ذاته، عنه البحار 16: 178 ح 19.]


فيستفاد تقريره (صلّى اللَّه عليه و آله) لشرب دمه و بوله، و تقرير المعصوم (عليه السّلام) حجة كفعله و قوله، فالظاهر من سكوت النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) و عدم نهيه سيّما مع ذكر منافعه الرضا به المستلزم للطهارة لحرمة شرب النجس و أكله.


و امّا انّ الأخبار الدالة على الأمر بغسل الدم و البول مطلقة أو عامة، فيشمل دم المعصوم أيضاً و بوله مع انّهم (عليهم السّلام) كانوا يغسلون دماءهم و أبوالهم أيضاً- كما ورد في الأخبار المستفيضة- ففيه انّه لا كلام في لزوم اجراء هذه الأحكام الشرعيّة في ظاهر المرحلة، لما مرّ من المصالح الخارجيّة بلا فرق بين دم المعصوم و غيره، و لكن وجوب الغسل أعمّ من النجاسة المعروفة، أي المستلزمة للخباثة لما مرّ، و لجواز كونه تعبّديّاً كالأمر بالاحتراز عن استصحاب مالا يؤكل لحمه في الصلاة مع كونه طاهراً أيضاً.


و انّما الكلام في هذه النجاسة، و امّا النجاسة بمعنى وجوب الغسل و لزوم


الاحتراز للمصالح الخارجيّة مع كونه بالذات طاهراً في غاية النظافة فلا كلام فيها، و إن كان اطلاق النجاسة مستهجناً حينئذٍ أيضاً لانصراف الأنظار من النجاسة الى الخباثة من جهة الغلبة، فلعلّ المنازعة حينئذٍ لفظيّة، فلا خلاف في المسألة.


و اطلاق الدم المسفوح الذي استشكل به العلامة في المنتهى


[المنتهى 1: 164، الفرع الخامس في نجاسة الدم المسفوح.


قال (رحمه اللَّه): الخامس: في نجاسة دم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) اشكال ينشأ من انّه دم مسفوح، و من انّ أبا طيبة الحجام شربه و لم ينكر عليه، و كذا في بوله (عليه السّلام) من حيث انّه بول، و من انّ امّ أيمن شربته.] لا ينصرف الى الأفراد النادرة، و دعوى العموم ممنوعة، و لو سلّم فمخصّص بالأدلّة، و انكار النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) لامّ أيمن بقوله: «و لا تعودي» و نحو ذلك غير معلوم المأخذ، و لو سلّم فيمكن أن يحمل على المنع من التكرار، كما يشعر به الأخبار و سنشير اليه.


و من الزيارة الجامعة التي رواها ابن طاووس: (انّ اللَّه طهّركم من الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، و من كلّ ريبة و رجاسة و دنيّة و نجاسة)


[مصباح الزائر: 462 فصل 18، عنه البحار 102: 164 ح 6.]


و ورد في الأخبار الكثيرة كون بولهم و نجوهم في رائحة المسك الأذفر، و أمر الأرض بابتلاعهما مطلقاً، و انّ ذلك احدى خواص المعصوم


[راجع من لا يحضره الفقيه 4: 418 ح 5914، الأنوار النعمانية 1: 34.]


و في زيارة الحسين (عليه السّلام): و أشهد انّ دمك سكن في الجنّة


[كامل الزيارات: 197، عنه البحار 101: 152 ح 3، و نحوه في الكافي 4: 576 ح 2، و من لا يحضره الفقيه 2: 594 ح 3199، و تهذيب الأحكام 6: 55 ح 1، و الوسائل 10: 382 ح 1.]، و ورد في الأخبار: تخضب فاطمة (عليهاالسّلام) في الجنّة بدم ولدها الحسين (عليه السّلام).


و في تفسير الامام (عليه السّلام)- و هو من الكتب المعروفة بين الطائفة، و في أوائل البحار انّه اعتمد عليه الصدوق، و روى عنه أكثر العلماء من غير غمض


فيه


[البحار 1: 28.]- انّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) احتجم مرّة فدفع الدم الخارج منه الى أبي سعيد الخدري، و قال له: غيّبه، فذهب فشربه و رجع.


فقال له رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): ماذا صنعت به؟ قال: شربته يا رسول اللَّه، قال: أو لم أقل لك غيّبه؟ فقال: فقد غيّبته في وعاء حريز، فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): ايّاك و أن تعود لمثل هذا، ثم اعلم انّ اللَّه قد حرّم على النار لحمك و دمك لما اختلط بدمي و لحمي.


فجعل أربعون من المنافقين يهزأون برسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) و يقولون: زعم انّه قد أعتق الخدري من النار لاختلاط دمه بدمه، و ما هو الّا كذّاب مفتر، اما نحن فنستقذر دمه، فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): أما انّ اللَّه يعذّبهم بالدم و يميتهم به، و إن كان لم يمت القبط به، فلم يلبثوا الا يسيراً حتى لحقهم الرعاف الدائم، و سيلان دماء من أضراسهم، فكان طعامهم و شرابهم يختلط بذلك فيأكلونه، فبقوا كذلك أربعين صباحاً معذّبين ثم هلكوا


[تفسير الامام العسكري (عليه السّلام): 419 ح 286، عنه البحار 17: 270 ح 6، و تفسير البرهان 2: 32 ح 4، و نحوه مناقب ابن شهرآشوب 1: 220/ في اللطائف.]


و فيه أيضاً من التقرير ما لا يخفى حيث لم يصرّح بكونه حراماً و لو في اوّل مرّة مع التنبيه على انّ الاستقذار من أثر النفاق لا الاخلاص و الوفاق.


و اما النهي فيه عن العود اليه، و كذا في خبر المناقب على ما روى انّ أبا طيبة الحجّام شرب دم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) فقال: لا تعد انّ الدم حرام أكله، فهذا تحذير محمول على جعله عادة، فيكون مرّة واحدة للاستشفاء جائزاً و الزائد حراماً لا للنجاسة، لعدم الملازمة بين الحرمة أو وجوب الغسل أيضاً و بين النجاسة، كما صرّح به في الرياض، و في بحث الاجماع من القوانين، لما مرّ و لجواز التعبديّة.


كما ورد النهي عن أكل التربة الحسينية زائداً على قدر الاستشفاء، و ورد انّ


من اكل أزيد من قدر الحمّصة فكأنّما أكل لحومنا و دماءنا


[كامل الزيارات: 286، عنه البحار 60: 154 ح 12، و في تهذيب الأحكام 6: 74 ح 14 و الوسائل 10: 414 ح 1، مستدرك الوسائل 16: 204 ح 19596.]، مع انّها طاهرة البتة بلا شبهة.


و كما ورد في المكاتبة عن الصادق (عليه السّلام) انّه سُئل هل اغتسل أميرالمؤمنين (عليه السّلام) حين غسّل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)؟ فقال (عليه السّلام): كان طاهراً مطهّراً، و لكن فعل أميرالمؤمنين ذلك و جرت به السنة


[التهذيب 1: 107 ح 13، و الاستبصار 1: 99 ح 3، و الوسائل 2: 928 ح 7، و البحار 22: 540 ح 50.]، مع انّ علّة الحكم في حكم مطلق غسل الميت النجاسة.


و أورد جمال المحققين في حاشية الروضة على ما ادعاه الشهيد (رحمه اللَّه) في الذكرى من استلزام غسل الميّت لنجاسته بوجوب غسل المعصوم (عليه السّلام) بدونها


[التعليقات على شرح اللمعة الدمشقيّة للآقا جمال الخوانساري: 79/ مسّ الميّت.]، و أشار اليه في الدرّة بقوله:




  • و النص في المعصوم بالغسل ورد
    تعبّداً بالغسل مع طهر الجسد



  • تعبّداً بالغسل مع طهر الجسد
    تعبّداً بالغسل مع طهر الجسد



[الدرة النجفية: 41/ مسّ الأموات.



]


فاذا ثبت في أحد المعصومين (عليهم السّلام) حكم ثبت في الاخر أيضاً لعدم القول بالفصل في المسألة، بل لا معنى له لكونهم من طينة واحدة، و عدم تصريح العلماء بالطهارة في المسألة امّا لعدم الابتلاء بها، أو لكونها معلومة الحالة ممّا بُيّن في محلّه من أحوال أبدانهم الطاهرة، و هذه الجملة تكفي في المرحلة لمن كان له أدنى بصيرة، و العاقل تكفيه الاشارة، و الجاهل لا تنفعه ألف عبارة.


في ذكر جملة من أسماء فاطمة الزهراء



ثم انّ لسيّدتنا الزهراء أسماء نزلت من السماء، و تحت كلّ اسم أسرار كما نطق به الأخبار، و لكلّ منها جهة تسمية
بل جهاتها
سمّيت به بذلك الاعتبار، و نحن نذكر معدودة منها تيمّناً و تبرّكاً بذكرها مع جملة من الأخبار الواردة فيها، و مرادنا من الأسماء هنا أعمّ من الاسم و اللقب و الكنية على نحو ما ورد في الاخبار المرويّة.


الأخبار في تسميتها بفاطمة



فمنها فاطمة (عليهاالسّلام)، قد ورد في التسمية بذلك أخبار متكثّرة من طرق الخاصّة و العامّة، في انّها سمّيت بذلك لأنّ اللَّه تعالى قد فطم من أحبّها من النار


[لهذا الحديث مصادر كثيرة، منها: الفردوس 1: 426 ح 1395، و الصواعق المحرقة: 235، و ينابيع المودّة: 240، و مقتل الحسين: 51، و المناقب لابن المغازلي: 65 ح 62، و كنز العمال 13: 94 ح 534، و نور الأبصار: 52، و فرائد السمطين 2: 57 ح 384.



و من طرق أصحابنا عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) انّه قال: سمّيت فاطمة فاطمة لأنّ اللَّه تبارك و تعالى علم ما كان قبل كونه، فعلم انّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) يتزوّج في الأحياء، و انّهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله، فلمّا ولدت فاطمة سمّاها اللَّه تعالى فاطمة لما أخرج منها من ولدها، فجعل الوراثة في أولادها، فقطع غير أولادها عمّا طمعوا، فبهذا سمّيت فاطمة أي فطمت






طمعهم و قطعت


[علل الشرائع 178 ح 2، عنه البحار 43: 13 ح 7، و العوالم 11: 72 ح 12.]]


و في العلل عن الصادق (عليه السّلام) انّه قال: لفاطمة (عليهاالسّلام) تسعة أسماء عند اللَّه عزوجل: فاطمة، و الصدّيقة، و المباركة، و الطاهرة، و الزاكية، و الراضية، و المرضيّة، و المحدّثة، و الزهراء.


ثم قال (عليه السّلام) للراوي: أتدري أيّ شي ء تفسير فاطمة؟ قال الراوي: قلت: أخبرني يا سيدي، قال (عليه السّلام): فطمت من الشر، قال: ثم قال: لو لا انّ أميرالمؤمنين تزوّجها ما كان لها كفوٌ الى يوم القيامة على وجه الأرض، آدم فمن دونه


[علل الشرائع: 178 ح 3، أمالي الصدوق: 474 ح 18 مجلس 86، و الخصال: 414 ح 3، عنها البحار 43: 10 ح 1، و العوالم 11: 66 ح 1، و في دلائل الامامة: 79 ح 19، و روضة الواعظين: 148، و كشف الغمة 2: 91، و المحجة البيضاء 4: 212.]


قال الفاضل المجلسي (رحمه اللَّه): يمكن أن يستدلّ به على كون فاطمة و عليّ (عليهماالسّلام) أشرف من سائر اُولى العزم سوى نبيّنا (صلّى اللَّه عليه و آله)، و امّا احتمال أن يكون عدم كفويّة نوح و ابراهيم لها من جهة كونهما من أجدادها، ففيه انّ ذكر آدم (عليه السّلام) يدلّ على انّ المراد عدم كونهم أكفّائها مع قطع النظر عن الموانع الاُخر، على انّه يمكن أن يتشبّث بعدم القول بالفصل، انتهى


[البحار 43: 10، ذيل حديث 1.]


و امّا انّ الرجل أفضل من المرأة لا محالة مع حصول الكفويّة المعلومة، فلا يتعيّن فضل فاطمة (عليهاالسّلام) عليهم، ففيه انّ المفضوليّة في المرأة انّما هي من جهة ما فيها من قوّة جهة النفسانيّة بخلاف الرجل، و لا نفسانيّة في فاطمة (عليهاالسّلام) كما مرّت اليه الاشارة، و سيأتي أيضاً بعض ما يتعلّق بالمسألة.


و روى يزيد بن عبدالملك عن الباقر (عليه السّلام) قال: لما ولدت فاطمة (عليهاالسّلام) أوحى اللَّه عزوجل الى ملك، فأنطق به لسان محمد (صلّى اللَّه عليه و آله) فسمّاها فاطمة، و قال: انّي قد فطمتك بالعلم، و فطمتك عن


الطمث، ثم قال أبو جعفر (عليه السّلام): و اللَّه لقد فطمها اللَّه تعالى بالعلم و عن الطمث في الميثاق


[علل الشرائع 179 ح 4، عنه البحار 43: 13 ح 9، و انظر الكافي 1: 460 ح 6، و كشف الغمة 2: 91، و العوالم 11: 70 ح 6، و المحجة البيضاء 4: 212.]


و في العلل انّه قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): يا فاطمة أتدرين لم سمّيت فاطمة؟ فقال عليّ (عليه السّلام): يا رسول اللَّه لم سمّيت فاطمة؟ قال: لأنّها فطمت هي و شيعتها من النار


[علل الشرائع 179 ح 5، عنه البحار 43: 14 ح 10، و كشف الغمة 2: 91، و المحجة البيضاء 4: 212، و مناقب ابن شهرآشوب 3: 329/ في منزلتها عند اللَّه.]


و عن محمد بن مسلم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) انّه إذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل (مؤمن) أو (كافر)، فتقف فاطمة (عليهاالسّلام) على باب جهنّم، فيؤمر بمحبّ قد كثرت ذنوبه الى النار، فتقرأ فاطمة (عليهاالسّلام) بين عينيه انّه محبّ مؤمن، فتقول: الهي و سيّدي سمّيتني فاطمة، و فطمت بي من تولّاني و تولّى ذرّيّتي من النار، و وعدك الحق، و أنت لا تخلف الميعاد.


فيقول اللَّه عزوجل: صدقت يا فاطمة، انّي سمّيتك فاطمة و فطمت بك من أحبّك و تولّاك، و أحبّ ذرّيتك و تولّاهم من النار، و وعدي الحق، و أنا لا اُخلف الميعاد، و أنا أمرت بعبدي هذا الى النار لتشفعي له فاشفعك، ليتبيّن لملائكتي و أنبيائي و رسلي و أهل الموقف موقفك منّي، و مكانك عندي، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فخذي بيده و أدخليه الجنّة


[علل الشرائع: 179 ح 6، عنه البحار 43: 14 ح 11، و العوالم 11: 69 ح 5، و كشف الغمة 2: 91.]


و في خبر آخر انّها سمّيت فاطمة لأنّها فطمت شيعتها من النار، و فطمت أعداءها عن حبّها


[تفسير فرات: 322 ضمن حديث 435، عنه البحار 43: 18 ضمن حديث 17.]


و في البحار، عن الصادق (عليه السّلام) انّه قال: «انّا أنزلناه في ليلة القدر»


الليلة: فاطمة، و القدر: اللَّه، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، و انّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها


[تفسير فرات: 581 ح 747، عنه البحار 43: 65 ح 58 و العوالم 11: 99 ح 7.


جاء في المقتطفات الولائية ص 94:... لا حظوا هنا انّ كلمة الخلق أوسع نطاقاً من الناس، و هي فضلاً عن كونها تشمل الانس و الجن، فانّ اُفق الحديث يبلغ حدّ ملائكة أسكنتهم سماواتك، و رفعتهم عن أرضك، فهؤلاء فطموا عن معرفتها أيضاً، ما الأمر؟ و من تكون هذه المرأة؟ و أيّ حقيقة استترت فيها حتى كانت على هذا الحد من الرفعة و السموّ عن متناول العقول و اُفق الأفكار.]


و في الحديث القدسي: انّي خلقت فاطمة و شققت لها اسماً من أسمائي، فهي فاطمة و أنا فاطر السماوات و الأرض


[تفسير الامام العسكري (عليه السّلام): 220 ح 102، عنه البحار 11: 150 ح 25.]


و في الأدعية المشهورة: «الهي بحقّ محمد و أنت المحمود، و بحقّ عليّ و أنت الأعلى، بحقّ فاطمة و أنت فاطر السماوات و الأرض، و بحقّ الحسن و أنت المحسن، و بحقّ الحسين و أنت قديم الاحسان».


و في الأخبار الكثيرة انّه قال النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) لفاطمة (عليهاالسّلام): انّ اللَّه شقّ لك يا فاطمة اسماً من أسمائه، و هو الفاطر و أنت فاطمة


[معاني الأخبار: 55 ح 3، عنه البحار 37: 47 ح 23.]


بيان: هذه جملة من الأخبار الواردة في المقام، و قد تلخّص منها وجوه متعدّدة لتسميتها (عليهاالسّلام) بتلك التسمية، مثل فطم نفسها بالعلم، و فطمها عن الشر، و فطمها عن الطمث، و فطم ذرّيّتها و شيعتها من النار، و كذلك فطم من تولّاها و أحبّها منها، و فطم الأعداء عن طمع الوراثة في الملك و عن حبّها و نحو ذلك.


و لا منافات بين الأخبار لأنّ الفطم معنى يصدق مع كلّ من الوجوه المذكورة، و اختلاف الأخبار من جهة اختلاف حال الرواة و الحضّار من حيث الاستعدادات الذاتيّة، و اختلاف المصالح في الأزمنة و الأمكنة، و كلّ هذه المعاني مرادة من اللفظ عند التسمية.


و لا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، الذي هو مخالف


/ 83