لمعة البیضاء فی شرح خطبة الزهراء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

لمعة البیضاء فی شرح خطبة الزهراء - نسخه متنی

محمد علی بن احمد القراچه داغی التبریزی الانصاری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




ظاهراً و باطناً، صورةً و معنىً، انّما هو الحقّ الواجب بذاته، المؤثّر في الممكنات بذاته و أسمائه و صفاته، و الممكن بالذات بالمعنى الأخصّ ليس له من ذاته لا ذات، و لا أثر، و لا صفات، و لا وجود، و لا عدم، و لا حدوث، و لا قدم، و لا يد، و لا رجل، و لا قدم، و لا عمل، و لا علم، بل كلّ من اللَّه، هذا هو ما درسوا إليه المحقّقون من الأنبياء و الأولياء و الحكماء المتألّهين.


ثمَّ ذكر في مقام بيان التمثيل الوجهين الأولين الذين ذكرهما القاضي أوّلاً، ثمَّ قال: الثالث: إنّه تمثيل لما منح اللَّه به عباده من القوى الخمسة: الحاسّة الدرّاكة المباركة التي ينتظم بها أمور عالم المحسوس، و أحوال المعاش بالاصالة و بتبعيّته أحوال المعاد، و الخياليّة التي تحفظ صور تلك المحسوسات لتعرضها على القوّة العقليّة التي تدرك الحقائق الكلّيّة، و تقبل إشراقات الأنوار الإلهيّة و العلوم الربّانيّة، و المفكّرة و هي التي تؤلّف المعاني الحاصلة و المحصّلة لتستنتج منها علوماً نظريّة و نتائج فكريّة، و القوّة القدسيّة التي هي القوّة العقليّة، تقدّست عن الصور الوهميّة و الهيئات الخياليّة التي هي عقال العاقلة، و لذا سمّيت عقلاً لأنّه يعقل النفس الشيطانيّة عن التصرّفات الباطلة، و التعطّفات العاطلة.


فالاُمور الخمسة المذكورة في الآية- و هي المشكاة، و المصباح، و الزجاجة، و الكوكب، و الشجرة- إشارة إلى الأمور الخمسة المذكورة التي هي المشاعر العشرة، خمسة في الظاهر و خمسة في الباطن، و الشجر إشارة إلى صورة جمعيّة الكلّ التي لا من شرق عالم المعقولات، و لا من غرب مشكاة عالم المحسوس، و الزيتون هو كمال استعداد النفس الناطقة لقبول إشراقات أنوار المعارف الإلهيّة، ثمَّ قال: و هذا ممّا قاله أهل التفسير و التنزيل.


و الظاهر أنّ هذا المعنى الذي ذكره هو الذي ذكره القاضي البيضاوي، و هما متقاربان عصراً، و القاضي مقدّم ظاهراً، فيكون القاضي هو المتقدّم في هذا المعنى، و الفضل للمتقدّم كما لا يخفى.


الثالث: ما ذكره عبد الرزاق الكاشي بقوله: «اللَّه نور السماوات و الأرض» أي


وجودهما و ظهورهما، و وجود ما فيهما ظاهراً و باطناً.


ثمَّ ذكر ما يقرب لفظاً و معنى مما ذكره حسام الدين الحلبي، ثمَّ قال: «مثل نوره...» أي صفة وجوده و ظهوره في العالمين بظهورهما به، كمثل مشكاة فيها مصباح، و هي إشارة إلى الجسد الظلماني في نفسه، و تنوّره بنور الروح الذي اُشير إليه بالمصباح، و تشبّكه بشباك الحواس، و تلألؤ النور من خلالها كحال المشكاة من المصباح و المصباح في زجاجة، و الزجاجة هي القلب المستنير بنور الروح و العقل.


و الفتيلة علقة الدم، و الدهن الدم الأصفر القائم بالعلقة الذي يحمل الطبائع الأربع، و الدخان ما اعتدل نضجه من أنجزة الدم الأصفر، و قد يكون بمشاركة العلقة، و استنارة الكون من الزجاجة بإشراق المصباح عليها كاستنارة الجسد بنور الحياة، و ما يلزمها من القلب بإشراق الروح أو العقل عليه.


و زجاجة القلب كأنّها كوكب درّي يشرق بجوهريّة صفائه و نوريّته و بما يشرق عليه من نور الروح، و ذلك المصباح يوقد من شجرة مباركة زيتونة هي النفس و تطوّراتها، و تشعّب تعلّقات أفعالها كلّ منها بما يليق له من الجسد و الجسم أغصان لها، و ما يترتّب على ذلك من الأحكام الوجوديّة و التشريعيّة ثمرات لها، (لا شرقيّة و لا غربيّة) أي لا واجبة و لا ممتنعة.


«يكاد زيتها يضي ء» يكاد أن تتكوّن لقوّة استعدادها، «و لو لم تمسسه نار» نور العقل أو الوجود، «نور على نور» من جهة تنوّر الجسم و الجسد و القلب بنور الروح و العقل.


هذا في العالم الصغير، و هو في العالم الكبير مثل لاستنارة العالم السفلي من محدّد الأفلاك بما يفيض على الأفلاك، و ما فيها من الأرواح و الأشعّة المنبسطة منها على العالم السفلي بإشراق العقل الأوّل عليه.


فالعقل الأوّل كالمصباح، و المحدّد كالزجاجة البرّاقة لأنّه خزائن الأنوار الوجوديّة، و منه تنبسط الأنوار إلى الأفلاك و ما فيها من الكواكب المنيرة للعالم


السفلي الذي هو كالمشكاة، و الشجرة المباركة هي أمر اللَّه التكويني، و هي كثيرة المنافع، لا شرقية و لا غربيّة لا واجبة و لا ممتنعة، يكاد يصدر من مبدئه لقوّة استعداده من حيث صلوح الإمكان، و لو لم تمسسه نار المشيئة، نور على نور لتنوّر العالم السفليّة و العقليّة به.


الرابع: ما ذكره الإمام الغزالي في مشكاة الأنوار


[مشكاة الأنوار76/ القطب الثاني، و انظر شرح توحيد الصدوق للقاضي سعيد القمي2: 612.]، و قد نقله النواب الأعلى، و الجناب المعلّي، مؤيّد الدولة العلياء، و الملّة البيضاء- أدام اللَّه تأييده- بخطّه الشريف و رسمه المنيف، في حاشية نسخة شريفة من تفسير الإمام أبي الفتوح الرازي (رحمه اللَّه) كانت عنده، و أمرني بنقله في هذه النسخة.


و هو من أحسن المعاني للآية الشريفة، و نقلته بلفظه على ما نقله، و هو قوله: لابد في المقام من بيان مراتب الأرواح البشريّة النورانيّة، إذ بمعرفتها يعرف أمثلة قوله تعالى: «اللَّه نور السماوات و الأرض» و هي خمسة.


فالأوّل منها: الروح الحسّاس، و هو الذي يتلقّى ما تورده الحواسّ الخمس، و كأنّه أصل للروح الحيواني و أوّله إذ به يصير الحيوان حيواناً، و هو موجود للصبي الرضيع أيضاً.


الثاني: الروح الخيالي، و هو الذي يستثبت ما أوردته الحواس الخمس، و يحفظه عنده مخزوناً ليعرضه على الروح العقلي الذي فوقه عند الحاجة إليه، و هذا ما يوجد للصبيّ الرضيع في بداية نشوه.


الثالث: الروح العقلي الذي به يدرك المعاني الخارجة عن الحس و الخيال، و هو الجوهر الإنسيّ الخاصّ، و لا يكون للبهائم و لا للصبيان، و مدركاته المعارف الضروريّة الكلّيّة.


الرابع: الروح الفكري، و هو الذي يأخذ العلوم العقليّة المحضة فيوقع بينها تأليفات و إزدواجات، و يستنتج منها معارف شريفة، ثمَّ إذا استفاد نتيجتين مثلاً ألّف بينهما مرّة اُخرى و استفاد نتيجة اُخرى، و لا يزال يتزايد كذلك إلى غير نهاية.


الخامس: الروح القدسي النبويّ الذي يختصّ به الأنبياء و بعض الأولياء، و فيه يتجلّى لوائح الغيب، و أحكام الآخرة، و جملة من ملكوت السماوات و الأرض، بل من المعارف الربانيّة التي يقصر دونها الروح العقلي و الفكري، و إليه الإشارة بقوله: «و كذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان و لكن جعلناه نوراً نهدي به»


[الشورى: 52.] الآية.


و إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تطبيق ما ذكرناه على المذكور في الآية، فنقول: أمّا الروح الحساس فإذا نظرت إلى خاصيّته وجدت أنواره من ثقب عدّة كالعينين و الاُذنين و المنخرين و غيرها، و أوفق مثال له في عالم الشهادة المشكاة.


و أمّا الروح الخيالي فتجد له خواصّ ثلاثة: إحداها: انّه من طينة العالم السفلي الكثيف، لأنّ الشي المتخيّل ذو مقدار و شكل و جهات محصورة مخصوصة، و هو على نسبة من المتخيّل من قرب أو بعد، و شأن الكثيف الموصوف بأوصاف الأجسام أن يحجب عن الأنوار العقليّة المحضة التي تتنزّه عن الوصف بالجهات و المقادير و القرب و البعد.


الثانية: انّ هذا الخيال الكثيف إذا صُفّى و رُقّق و هُذّب و ضُبط صار موازياً للمعاني العقليّة مؤدّياً لأنوارها، و غير حائل عن إشراق نورها منها.


الثالثة: انّ الخيال في بداية الأمر يحتاج إليه جدّاً ليضبط به المعارف العقليّة، فلا تضطرب و لا تتزلزل و لا تنتشر إنتشاراً يخرج عن الضبط، فنعم المعين الخيالات المثاليّة للمعارف العقليّة.


و هذه الخواصّ الثلاثة لا تجدها في عالم الشهادة بالإضافة إلى الأنوار المبصرة إلّا الزجاجة، فإنّها في الأصل من جوهر كثيف صُفّي و رُقّق حتى لا يحجب نور المصباح، بل يؤدّيه على وجهه ثمَّ يحفظه عن الإنطفاء بالرياح العاصفة، فهو أولى مثال له.


و أمّا الثالث و هو الروح العقلي الذي به يدرك المعارف الشريفة الإلهيّة، فلا يخفى عليك وجه تمثيله بالمصباح، و لذلك سمّى الأنبياء سُرجاً.


و أمّا الرابع فهو الروح الفكري، ثمَّ خاصيّته أن يبتدئ من أصل واحد ثمَّ يتشعب شعبتان ثمَّ كلّ شعبة شعبتان، و هكذا إلى أن يكثر الشعب بالتقسيمات العقليّة، ثمَّ يفضي بالآخرة إلى نتائج هي ثمراتها، ثمَّ تلك الثمرات تُعْوَل فتصير بذوراً لأمثالها إذا أمكن تلقيح بعضها بالبعض حتى يتمادى إلى ثمرات ورائها، فبالحريّ أن يكون مثاله في هذا العالم الشجرة.


و إذا كانت ثمراته مادّة لتضاعف أنوار المعارف و ثباتها و بقائها، فبالحريّ أن لا يمثّل بشجرة السفرجل و التفاح و الرّمان و غيرها، بل من جملة سائر الأشجار بالزيتونة خاصّة لأنّ لبّ ثمراتها هو الزيت الذي هو مادّة المصابيح، و يختصّ من سائر الأدهان بخاصّية زيادة الإشراق مع قلّة الدخان.


و إذا كانت الماشية التي تكثر نسلها، و الشجرة التي تكثر ثمرتها تسمّى مباركة، فالذي لا يتناهى ثمرته إلى حدّ محدود أولى أن يسمّى شجرة مباركة، و إذا كانت الأفكار العقليّة المحضة خارجة عن قبول الإضافة إلى الجهات و القرب و البعد فيه، فبالحريّ أن تكون لا شرقيّة و لا غربيّة.


و أمّا الخامس فهو الروح القدسي النبوي المنسوب إلى الأولياء، و إذا كانت الروح المفكّرة منقسمة إلى ما يحتاج إلى علم، و تنبيه، و مدد من خارج حتّى يستمرّ في أنواع المعارف، و بعضها يكون من شدّة الصفآء كأنّه متنبّه من نفسه من غير مدد من خارج، فبالحريّ أن يعبّر عن الصافي البالغ الصافي الإستعداد بأنّه يكاد يضي ء و لو لم تمسسه نار، و في الأولياء يكاد يشرق نوره حتّى يكاد يستغني عن مدد الملائكة، فهذا المثال موافق لهذا القسم.


و إن كانت هذه الأمور مترتبة بعضها على بعض، و الحسّي هو الأوّل و هو كالتوطئة و التمهيد للروح الخيالي، إذ لا يتصوّر الخيال إلّا موضوعاً بعده، و الفكري و العقليّ يكونان بعدهما، فبالحريّ أن يكون المشكاة كالمحلّ


للزجاجة، فيكون المصباح في زجاجة و الزجاجة في مشكاة، و إذا كانت هذه أنواراً بعضها فوق بعض، فبالحريّ أن يكون نوراً على نور.


ثمَّ اعلم انّ هذا المثال انّما يصلح لقلوب المؤمنين، و لقلوب الأنبياء و الأولياء لا لقلوب الكفّار، فإنّ النور سببٌ للهداية، فالمصروف عن طريق الهدى باطل و ظلمة بل أشدّ من الظلمة، لأنّ الظلمة لا تهدي إلى الباطل كما لا تهدي إلى الحقّ، و عقول الكفّار انتكست و كذا سائر إدراكاتهم، و تعاونت على الإضلال في حقّهم، فمثاله كرجل في بحر لجّيّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض، و البحر اللجّيّ هو الدنيا لما فيها من الأخطار المهلكة، و الأشغال المردية، و الكدورات المعمية.


و الموج الأوّل الشهوات الداعية إلى الصفات البهيميّة، و الإشتغال باللذّات الحسيّة، و قضاء الأوطار الدنيويّة حتى يأكلون و يتمتّعون كما تأكل الأنعام، و بالحري أن يكون هذا الموج مظلماً لأنّ حبّ الشي ء يعمي و يصمّ.


و الموج الثاني موج الصفات السبعيّة الباعثة إلى الغضب، و العداوة، و البغضاء، و الحسد، و الحقد، و المباهاة، و التفاخر، و التكاثر، و بالحريّ أن يكون مظلماً لأنّ الغضب نحول


[كذا الظاهر، و في المتن: غول العقل.] العقل، و بالحري أن يكون هذا هو الموج الأعلى، لأنّ الغضب في الأكثر مستول على الشهوات حتى إذا هاج أذهل عن الشهوات، و غفل عن اللّذّات المشتهيات.


و أمّا الشهوة فلا تقاوم الغضب الهائج أصلاً، و أمّا السحاب فهو الإعتقادات الخبيثة، و الظنون الكاذبة، و الخيالات الفاسدة التي صارت حجاباً بين الكفر و الإيمان و معرفة الحقّ، و الإستضاءة بنور شمس القرآن و العقل، فإنّ خاصية السحاب أن يحجب إشراق نور الشمس، و إن كانت هذه كلّها مظلمة فبالحريّ أن تكون ظلمات بعضها فوق بعض.


و إذا كانت هذه الكلمات تحجب عن معرفة الأشياء القريبة فضلاً عن البعيدة، فكذلك حجب الكفّار عن معرفة عجائب أحوال النّبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله)، مع قرب تناوله و ظهوره بأدنى تأمّل، فبالحريّ أن يعبّر عنه بأنّه لو أخرج يده لم يكد يراها، و إذا كانت منبع الأنوار كلّها من النور الأوّل الحقّ، فبالحريّ أن يعتقد كلّ موحّد أنّ مَنْ لم يجعل اللَّه له نوراً فماله من نور، إنتهى.


تحقيق من المصنف



و أقول في تحقيق الحال و توضيح المقال في المجال بحيث يشمل جميع الأقوال، و كلّما يمكن هنا من وجوه الإحتمال كلاماً مشتملاً على التفصيل و إن كان في صورة الإجمال، و هو:


إنّ اللَّه تعالى في عالم الذات الباطنة الذي هو عالم الذات البحت البات لا إسم له و لا رسم له، و ليس بنور و لا ظلمة، عار عن جميع الحدود و الكيفيّات، عال عن تصوّر الأوهام و الخيالات متعال عن التعيّنات و الإشارات، مطلق عن جميع القيود و الإعتبارات، السبيل إليه في هذا العالم مسدود، و طلبه في ذلك المقام الشامخ مردود، دليله آياته، و وجوده إثباته، كل ما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم.




  • آن مگو كاندر عبارت نايدت
    وين مگو كاندر اشارت نايدت



  • وين مگو كاندر اشارت نايدت
    وين مگو كاندر اشارت نايدت




و أمّا في عالم الذات الظاهرة فهو النور الحقيقي الظاهر بنفسه المظهر لغيره، و هو نور الأنوار، و مبدأ الأدوار، و منتهى الأكوار، و مقام لم أعبد ربّاً لم أره، و ما رأيت شيئاً إلّا و رأيت اللَّه قبله و بعده و معه، و هو تعالى في هذا العالم نور السماوات و الأرض، و كذا ما بينهما و ما فوقهما و ما تحتهما، و سبب نورهما و منوّرهما و هاديهما و مزيّنهما، و غير ذلك من المعاني المذكورة هنا المشار إليها في جملة ما أسلفناه، فيصحّ اعتبار جميعها بلا اختصاص ببعضها.


و يجوز في لفظ السماوات و الأرض حينئذٍ إعتبار ظاهرهما و باطنهما، و ظاهرهما حاوٍ لباطنهما و مشتمل لجميع ما فيهما، فيشملان جميع الموجودات


من العلويّات و السفليّات و الباطنيّات و الظاهريّات، و يجوز جعل السماوات بمعنى مطلق العلويّات، و الأرض بمعنى مطلق السفليّات، و يرجع ذلك إلى الأوّل بالإعتبار، فاعتبروا يا اُولي الأبصار.


و قوله تعالى: «مثل نوره كمشكاة» الضمير للَّه أو للنور، و حينئذٍ إن جعل إضافة النور بيانيّة، فالنور هو النور المذكور في الفقرة السابقة، و إن جعلت لاميّة أو ظرفيّة كان المقصود من نوره نور اللَّه، و نور النور السابق المذكور، كما ورد في الدعاء: «يا نور النور، يا مدبّر الأمور»


[البحار 86: 175 ح 45.]، و كما ورد أيضاً: «يا نوراً، يا من هو نور».


و هذا أدخل في المبالغة، و أنسب بالواقع و الحقيقة، فيكون الممثّل هو نور اللَّه سبحانه، و أمّا الممثّل به فهو نور محسوس بالخصوص، و هو نور السراج الضخم الثاقب النافذ في قنديل من الزجاجة الصافية، و الزجاجة في جوف المشكاة النوريّة الزاهرة، فيكون المراد حينئذٍ نوراً في شي ء ذي نور، و هو في شي ء آخر ذي نور، فيكون هناك أنوار بعضها فوق بعض، و أضواء بعضها تحت بعض مع شدّة الضيآء و قوّته على ما ظهر ممّا مرّ.


و المراد من المثل الصفة، فيكون المراد أنّ صفة نوره تعالى صفة المشكاة المذكورة، و المراد تشبيه الجملة بالجملة أي المركّب بالمركّب، لا تشبيه المفرد و الجزء كما في قوله تعالى: «أو كصيّبٍ من السماء»


[البقرة: 19.] أو «كماءٍ أنزلناه من السماء»


[يونس: 24.]


و لمّا كان أصل النور هو الوجود إذ لا نور أكمل منه بالنسبة إلى كلّ موجود، كما ورد في الخبر: «إنّ اللَّه تعالى خَلَقَ الخَلْقَ في ظلمة، ثمَّ رشّ عليهم من نور الوجود»


[الفتوحات 2: 61 صدره فقط، تفسير صدر المتألهين 2: 313، و شرح الأسماء للحكيم السبزواري: 175.] و الوجود هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره الذي هو معنى النور حقيقة،


و هو نور اللَّه الساري في جميع الموجودات، و هو جهة ظهور جميع المخلوقات، فكلّ شي ء منوّر بنوره تعالى، و ظاهر بظهوره.


ثمَّ إنّ كلّ شي ء موجود من الدرّة إلى الذرّة مشتمل على ثلاث مراتب متداخلة، فالعالم الكبير مثلاً مشتمل على الجبروت و الملكوت و الناسوت، فالجبروت هو المصباح، و الملكوت هو الزجاجة، و الناسوت هو المشكاة، و كذلك العالم الصغير و الوسيط، و بوجه آخر كلّ شي ء مركب من روح و نفس و جسد، فالروح هو المصباح، و النفس هو الزجاجة، و الجسد هو المشكاة، و كذلك القلب مع الصدر و الجسد، و الروح مع القلب و الصدر و نحو ذلك.


و بوجه آخر كلّ شي ء مركّب من القشر و اللّب، و برزخ بينهما لا يبغيان، و بوجه آخر كلّ ممكن زوج تركيبي، و في المركبين أيضاً برزخ بين الأمرين، و هكذا كلّ زوجين اثنين حتى نفس المصباح و نفس المشكاة أيضاً كذلك، و كلّ ذرّة من الذرّات كذلك أي (مطلق كلّ)


[كذا في الأصل، و الظاهر أ نّها هكذا: «أي كلُّ مطلقٍ أمورٌ ثلاثة متداخلة» بمعنى انّ كل شي ء مطلق له ثلاثة أمور، و اللَّه العالم.] أمور ثلاثة متداخلة كذلك، فصفة المشكاة موجودة في كلّ شي ء لا تغادر صغيرة و لا كبيرة، فجميع الأشياء مشكاة على الصفة السابقة، و في كلّ منها صفة نوره و آثار ظهوره، و هو الذي اختفى لفرط نوره، و الظاهر الباطن في ظهوره ظاهر عند كلّ من شهده، باطن عن منافق جحده، و إلى ذلك أشار من قال:




  • فواعجبا كيف يعصى الإله
    و في كلّ شي ء له آية
    تدلّ على أنّه واحد



  • أم كيف يجحده الجاحد
    تدلّ على أنّه واحد
    تدلّ على أنّه واحد




و هذا المصباح الوجودي النوري يوقد من شجرة مباركة، هي القدرة الإلهيّة الكاملة المنشعبة من جهة اختلاف أنواع الموجودات الكونيّة، و بركتها من جهة صدور جميع الموجودات الخيريّة منها، و هي زيتونة في كثرة منافعها، أو في كونها سبباً للفيوضات النوريّة السارية الجارية من الدرّة إلى الذرّة، أو في كونها






سبباً لوجود ذلك المصباح المنوّر، أو في كونها سبباً للتضوّء و التنوّر و نحو ذلك.


«لا شرقيّة و لا غربيّة» أي لا جبر بالنسبة إليها و لا تفويض، بل أمر بين الأمرين، يكاد زيت هذه الشجرة
و هو الوجود الثاني- يضي ء أي يصير فعليّاً، «و لو لم تمسسه نار» الأمر أو المشيئة أو الإرادة في ضمن فتيلة الإستعداد و القابليّة، أو الصور العلميّة، أو الماهيّات الثابتة و الأعيان النابتة المشهورة بالمثل الافلاطونيّة.


و هذا المصباح نور على نور أي في نور هو الزجاجة أو المشكاة، أو المشكاة نور على نور هو الزجاجة، أو الزجاجة نور على نور هو المصباح و في نور هو المشكاة، أو المراد تعدّد النور و تكرّره، و المراد نور على نور على نور، أو نور في نور في نور.


«يهدي اللَّه لنوره من يشاء» أي يوجد اللَّه في عالم ملكه من يشاء و ما يشآء كيف يشآء، أو يهدي اللَّه إلى جهة نوره و ملاحظة آثار ظهوره من يشآء، أو يهدي اللَّه إلى تدبّر نوره و تصوّر آثار ظهوره من يشآء، «و اللَّه بكلّ شي ءٍ عليم» يضع الأشياء موضعها بحسب مقتضى الحكمة على طبق الإستعداد و القابليّة.


«في بيوتٍ» أي هذا المصباح و المشكاة موضوعة في بيوت «أذن اللَّه أن ترفع» و هذه بيوت مختلفة كالبيوت الإمكانيّة أي مراتب الإمكانات المختلفة، فإنّ إمكان كلّ شي ء بنحو خاص مختصّ به لا يتعدّى غيره، و كالبيوت الكونيّة العقلانيّة، و الروحانيّة، و النفسانيّة، و الجسمانيّة، و غير ذلك من البيوت الكلّيّة و الجزئيّة المتنوّعة، و بيت كلّ ذرّة و ذرّة محلّه و مستقرّه.


و بيت المشكاة المركّب من العقل و الروح و النفس من البيوت الخارجيّة هو الطبيعة، و بيت المشكاة المركّبة من الروح و النفس و الطبيعة هو المادّة، و بيت المشكاة المركّبة من النفس و الطبيعة و المادّة هو المثال، و بيت المشكاة المركّبة من الطبيعة و المادّة و المثال هو الجسد و هكذا، و بيت المشكاة المركّبة من القرآن و القلب و الصدر هو بدن المؤمن و هكذا، فيشمل الممثّل به جميع المعاني السابقة






و غيرها، و سيجي ء ما ذكره القوم في تفسير البيوت عند تفسير الآية الثانية اللاحقة بهذه الآية السابقة النوريّة.


و في تفصيل معنى الآية كلام طويل للفاضل سعيد القمي (رحمه اللَّه) أيضاً في شرح توحيد ابن بابويه


[شرح توحيد الصدوق 2: 583، باب 15.

، يقرب من ألف و مائة بيت تقريباً، من أراده فليطلبه من محلّه، و فيما ذكرناه كفاية لأهل الدراية، و على ما ذكرناه في معنى الآية يكون للآية من المعاني ما لا يعدّ و لا يحصى، و ينطبق على ما ذكر هنا و مالم يذكر، و هو مجمل يفصّل كلّ ما مرّ، فتأمّل و تدبّر.


«في بيوت» قيل: و المراد بيوت اللَّه أي المساجد التي تكون قناديلها أعظم، قال النّبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله): «المساجد بيوت اللَّه في الأرض، و هي تضي ء لأهل السماء كما تضي ء النجوم لأهل الأرض»


[مجمع البيان/ الجزء الثامن عشر/ سورة النور، عنه البحار 23: 326، تفسير كنز الدقائق 9: 312.]] ثمَّ قيل: إنّها أربع مساجد لم يبنها إلّا نبيّ: الكعبة بناها إبراهيم و إسماعيل، و مسجد بيت المقدس بناه داود و سليمان، و مسجد المدينة و مسجد قبا بناهما رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، و قيل: هي بيوت الأنبياء.


و في الكافي عن الصّادق (عليه السّلام): هي بيوت النّبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله)


[الكافي 8: 331 ح 510، عنه البحار 23: 332 ح 18، تفسير الصافي 3: 436، و تفسير كنز الدقائق 9: 314.]


و فيه و في الإكمال عن الباقر (عليه السّلام): هي بيوتات الأنبياء (عليهم السّلام) و الرسل و الحكماء و أئمّة الهدى


[الكافي 8: 119 ح 92، كمال الدين: 218 ح 2 باب 22، عنه البحار 11: 50 ح 49، و تفسير الصافي 3: 436، و تفسير كنز الدقائق 9: 314.]


و القمّي عنه (صلّى اللَّه عليه و آله): هي بيوتات الأنبياء، و بيت عليّ (عليه السّلام) منها


[تفسير القمّي 2: 104، عنه البحار 23: 327 ح 6، و تفسير الصافي 3: 436، و نحوه تفسير فرات: 282، و تفسير كنز الدقائق 9: 313.]


و روي انّه قرأ النّبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله) الآية و قال: هذه البيوت بيوت الأنبياء، فقام أبو بكر و قال: يا رسول اللَّه هذا البيت منها- أي بيت عليّ و فاطمة-؟ قال (صلّى اللَّه عليه و آله): نعم من أفاضلها


[مجمع البيان/ الجزء الثامن عشر/ سورة النور، عنه البحار 83: 3، تأويل الآيات: 359، تفسير فرات: 286 ح 386، و تفسير كنز الدقائق 9: 312.]


قيل: و يعضده قوله تعالى: «إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيراً»


[الأحزاب: 33.] و قوله تعالى: «رحمة اللَّه و بركاته عليكم أهل البيت»


[هود: 73.]


و في الكافي عنه (عليه السّلام) انّ قتادة قال له: و اللَّه لقد جلست بين يدي الفقهاء و قدّامهم، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك، فقال له: أتدري أين أنت؟! أنت بين يدي بيوت أذن اللَّه أن ترفع، فأنت ثمّة و نحن أولئك، فقال له قتادة: صدقت و اللَّه جعلني اللَّه فداك، و اللَّه ما هي بيوت حجارة و لا طين


[الكافي 6: 256 ح 1، عنه البحار 10: 155 ح 4، و تفسير الصافي 3: 437، و تفسير كنز الدقائق 9: 316.]


أو المراد من البيوت مطلق أجسام الأنبياء و الأولياء و المؤمنين و الصلحاء، أو بيوت عباداتهم فإنّ البيوت التي يُعبد فيها تزهر لأهل السماء كما تزهر النجوم لأهل الأرض، و قوله تعالى: «في بيوت» أي كمشكاة في بيوت، كأنّه قيل: مثل نوره كما ترى في المسجد مثلاً نور المشكاة التي من صفتها كيت كيت.


و لا ينافي جميع البيوت وحدة المشكاة، إذ المراد بعض البيوت أو مطلق مشكاة لها هذا الوصف بلا اعتبار الوحدة و الكثرة، أو التقدير: يوقد في بيوت كذلك، أو هو متعلّق بما بعده و هو يسبّح أي يسبّح له رجال في بيوت، و فيها تكرير كقولك: زيد في الدار جالس فيها، أو بمحذوف كقوله تعالى: «في تسع آيات»


[النمل: 12.] أي سبّحوا.


/ 83