لمعة البیضاء فی شرح خطبة الزهراء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

لمعة البیضاء فی شرح خطبة الزهراء - نسخه متنی

محمد علی بن احمد القراچه داغی التبریزی الانصاری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




تمهيد مقال لبيان حال



اعلم أنّ إطلاق نفس اللَّه على عليّ (عليه السّلام)، و مثله إطلاق روح اللَّه على عيسى (عليه السّلام)، و إن كان له وجه ظاهر يفهمه الخواص و العوام، و هو كون النسبة لمحض الإعظام و الإكرام، كما يقال لبيت اللَّه، و ناقة اللَّه، و نحو ذلك أي بيت عظيم مثلاً، لأنّ اللَّه تعالى عظيم، و المنسوب الى العظيم عظيم.


لكن قيل انّ هناك معنى على حدة لتصحيح هذه النسبة و توجيهها، و هو انّ للعالم الصغير- و هو الانسان الذي هو انموذج العالم الكبير- عوالم متدرّجة مرتّبة بعضها فوق بعض في الرتبة.


عالم الجسم الناسوتي، ثم عالم النفس الملكوتي، ثم العقل الجبروتي، و الروح غير معدود من المراتب، بل هو برزخ بين العالمين و حاجز بين البحرين، ثم الفؤاد اللاهوتي، و هو مقام مظهريّته للاثار الالهيّة بالنسبة الى ما دونه بالتدبير و التربية، و هو عنوان لفظ الجلالة، و هو الذات المستجمع لصفات الاُلوهيّة و الربوبيّة، أي الذات الظاهرة في عالم العنوانيّة، و هو عالم توجّه الفؤاد الى العقل الذي هو أوّل مخلوقات الباري سبحانه.


ثم الفؤاد اللاهوتي، أي ها هو باعتبار وجهه العالي بلا اعتبار شي ء من الصفات معه، و انّما يشار اليه بهو، ثم المعنى الأزليّ الذي لا اسم له و لا رسم له، و اطلاق المعنى عليه من جهة ضيق العبارة، و الا فهو منقطع الاشارات، و منتهى الاعتبارات.




  • آن مگو كاندر عبارت نايدت
    وين مگو كاندر اشارت نايدت



  • وين مگو كاندر اشارت نايدت
    وين مگو كاندر اشارت نايدت




و هو عالم الذات البحت البات في أزل الآزال بالنسبة الى هذا الذات، و هي الذات الحقيقيّة الباطنيّة لا الظاهرة الصوريّة.


و هذه المراتب الستة ملحوظة في العالم الكبير أيضاً، و من عرف نفسه فقد عرف ربّه، على الوجه الذي مرّ اليه الاشارة، و هو وجه من الوجوه المنتهية الى العشرين بل الى السبعين، كما أشرنا اليها في معنى الرواية في كتابنا المسمّى


ب(الأصول المهمّة في المعارف الدينيّة).


فعالم الناسوت في العالم الكبير هو ما تحت الجسم الكلّي الذي يدخل فيه السماوات و الأرضون و ما بينهما، و عالم الملكوت و هو عالم النفس الكلّي بالنسبة الى هذا العالم، و عالم الجبروت، أي عالم العقل الكلّي و الحقيقة المحمّديّة.


و عالم اللاهوت، أي عالم اتصاف تلك الحقيقة بصفات الربوبيّة و الاُلوهيّة، و عالم الهاهوت، و هو عالم «لنا مع اللَّه حالات هو فيها نحن...»، و هو عالم الوجه الأعلى من الفؤاد الذي هو الطرف الأعلى من الحقيقة المحمّديّة، مع قطع النظر عن النظر الى ما تحته، و هو الأزل الأسفل، و العنوان الأعلى.


ثم عالم الأزل الأصلي، أي عالم الذات البحت البات الذي لا اسم له و لا رسم له، و هو في العالم و ليس في العالم، ليس في مكان و لا يخلو منه مكان، لا يجري عليه الزمان و لا يخلو منه زمان.


قال السيد أبوالقاسم الفندرسكي:




  • نيست حدّى و نشانى كردگار پاك را
    صورت عقلى و بى پايان و جاويدان بود
    مى توانى گر ز خورشيد اين صفتها كسب كرد
    جان عالم گويمش گر ربط جان دانى به تن
    در دل هر ذرّه هم پنهان و هم پيداستى



  • نى برون از ما و نه با ما و نه بى ماستى
    با همه و بى همه مجموعه و يكتاستى
    روشن است و بر همه تابان و خود تنهاستى
    در دل هر ذرّه هم پنهان و هم پيداستى
    در دل هر ذرّه هم پنهان و هم پيداستى




و مقام النفس الكلّي هو مقام ظهور آثار الربوبيّة، و منه يجري الفيوضات الالهية الى العوالم الروحانيّة و الجسمانيّة، و هذا مقام عليّ (عليه السّلام) في العوالم التكوينيّة، لكونه (عليه السّلام) مظهر صفات الربوبيّة، كما انّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) مجمعها في مقام الاجمال، و هو مقام البطن المفصّل فيه السعادة و الشقاوة.


و باعتبار هذه المرتبة يطلق على عليّ (عليه السّلام) نفس اللَّه العليا، و شجرة طوبى، و سدرة المنتهى، و باعتبارها قال عليّ (عليه السّلام): أنا وجه اللَّه، و عين






اللَّه، و يد اللَّه، و قلب اللَّه


[التوحيد للصدوق: 164 ح 1 باب 22، عنه البحار 24: 198 ح 25.]، و غير ذلك، و يكون النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) بهذا الاعتبار عقل اللَّه كما قيل على نحو ما اعتبر كون عليّ (عليه السّلام) نفس اللَّه، و إن كان اطلاق العقل هنا غير مأنوس و لا معهود و لا مأثور، فتأمّل.


و العقل أب و النفس اُمّ، فهو (صلّى اللَّه عليه و آله) في مقام الاجمال أبو الامّة، و عليّ (عليه السّلام) في مقام التفصيل اُمّها، و جميع ما في الكون امة لهما في عالم التكوين، كهذه الامة في عالم التشريع أيضاً في هذه النشأة، فهما (عليهماالسّلام) أبوا هذه الامّة تشريعاً، و أبوا جميع الامم تكويناً.


فاذا كان عليّ (عليه السّلام) نفس اللَّه سبحانه، ظهر وجه قول عيسى (عليه السّلام): «تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسك»


[المائدة: 116.] لأنّ عيسى (عليه السّلام) أسفل مرتبة من عليّ (عليه السّلام)، فلا يحيط هو بعلوم عليّ (عليه السّلام)، و هو يحيط بعلومه، و كذا قوله تعالى: «و يحذّركم اللَّه نفسه»


[آل عمران: 28.] أي يحذّركم اللَّه أن تولّوا بغير عليّ، أو تتبعوا غيره.


و في الزيارة: «السلام على نفس اللَّه العليا، و شجرة طوبى، و سدرة المنتهى، و المثل الأعلى».


قيل: و أمّا قول علي (عليه السّلام): «أنا الذي أتقلّب في الصور كيف أشاء»


[مشارق أنوار اليقين: 171.] فانّما هو باعتبار مقام الامامة في عالم البشريّة لا غيره، فانّ أجسامهم (عليهم السّلام) كما اُشير اليه فيما سبق أنوار لطيفة في غاية اللطافة
كما اُشير اليه في الجملة- فيتصوّرون من جهة غاية اللطافة في أيّ صورة ما شاؤوا، و يكون لهم تصرّف و حيطة في الكون كيفما أرادوا، و لكن لا يريدون الا أن يريد اللَّه، و لا يشاؤون الّا أن يشاء اللَّه.






و استبعاد كونه (عليه السّلام) متصوّراً كما شاء مردود بما قيل في الملك: انّه جوهر مجرّد نورانيّ يتشكّل بأشكال مختلفة الا الكلب و الخنزير، و في الجنّ انّه جوهر مجرّد ناريّ يتشكّل بأشكال مختلفة حتى الكلب و الخنزير.


و نقل في مجمع البحرين في مادّة (خَضَرَ) ما حاصله: انّ اللَّه تعالى أعطى خضراً (عليه السّلام) من القوّة ما لو شاء أن يتصوّر بأيّ صورة شاء لتصوّر من جهة شدّة اللطافة.


قيل: و من ذلك تصوّر عليّ (عليه السّلام) في كربلاء بصورة الأسد، فعانق جسد الحسين (عليه السّلام)


[راجع أسرار الشهادة: 439، مجلس 17.



و لا يلزم من ذلك عيب و لا قدح كما توهّمه بعض من لا تحصيل له، إذ لو عمل الدرّ، أو الياقوت، أو الذهب، أو الفضّة مثلاً على صورة الأسد لم يضرّ الصورة في حقيقة شي ء منها و لو مثقال ذرّة، و كذا لو عُمل من السكّر الأبيض بهذه الصورة، و كذا النور المحض لو انقلب صوراً مختلفة.


نعم يلزم العيب و القدح لو تبدّل الحقيقة أيضاً كالصورة، و انقلبت الطبيعة بتنزّل الماهيّة الانسانيّة مثلاً الى الحيوانيّة، و لا كلام في عدم جواز القول بذلك، و ما نحن فيه ليس من هذا الباب كما ظهر من الأمثلة، فلا حاجة لنا بناء على ما مرّ من التوجيه الى تأويل تصوّره.


اولاً: بأنّ عليّاً (عليه السّلام) ظهر متلبّساً بصورة الأسد في ظاهر الصورة بظهور صورة أسديّة فوق سطح الصورة الانسانية.


و ثانياً: بانّه (عليه السّلام) تصرّف في جليديّة البصر، أي بصر المبصرين الناظرين، فصوّر فيها الصورة الأسديّة، و هو في الخارج في غير هذه الصورة.


و ثالثاً: انّ هذا الأسد المرئيّ لم يكن عليّاً (عليه السّلام)، و انّما كان من جنس الأسد المعروف، و له قصّة مشهورة حاصلها: انّ عليّاً (عليه السّلام) وصّاه بأن


يكون في حوالي الطف الى عاشوراء، و يكون حافظاً لجسد الحسين (عليه السّلام) عمّا تخيّله المنافقون في خصوص تلك الجثّة الشريفة.


و الى هذه اللطافة المستلزمة لسرعة السير، يستند معراج النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) الى السماوات و الأرضين مع التفاصيل المشهورة، بل الى النار و الجنّة و الدنيا و الاخرة، و لا يلزم الخرق و الإلتئام أيضاً و لو قلنا بعدم جوازهما، كما ذهب اليه جماعة، و لهذا أيضاً يكون لهم شهود و حضور عند كلّ دُرّة و ذرّة من جهة شروق آثار نورهم، و طلوع أنوار ظهورهم، شهود شعلة السراج عند ذرّات الأشعّة المنتشرة.




  • جهان را سر بسر آئينه ائى دان
    اگر يك ذرّه را دل بر شكافى
    به زير پرده هر ذرّه پنهان
    جمال جان فزاى روى جانان



  • به هر يك ذرّه صد خورشيد تابان
    برون آيد از او صد بحر صافى
    جمال جان فزاى روى جانان
    جمال جان فزاى روى جانان




و لسرعتهم الحاصلة من جهة اللطافة لا يشغلهم شأن عن شأن، و لا مكان عن مكان، لارتفاع عوالمهم عن عالم التدريج و الزمان، و لذا كان لسان عليّ (عليه السّلام) يختم القرآن في دقيقة واحدة، بل لو شاء لختم ألف ألف قرآن في دقيقة، إذ لسانه الشريف الملكوتي كان من جهة اللطافة لا يمنعه حرف عن حرف لا محالة.


و هو الوجه لحضورهم في جميع الأزمنة و الأمكنة، بل في جميع الذرّات الوجوديّة، كحضور عقولنا في بلاد بعيدة متعدّدة من السرعة المسندة الى اللطافة، و الشي ء كلّما كان ألطف كان أسرع، كما ترى انّ سرعة الماء أكثر من سرعة التراب، و الهواء من الماء، و النار كضوء الشمس مثلاً من الهواء، و أجسامهم الشريفة ألطف من جميع ذلك بمراتب كثيرة، كما اُشير اليه غير مرّة.


ألا ترى انّ الحرف الملقاة من طرف التلكراف تكتسب اللطافة من قوّته الباطنيّة، فتسير في جميع أجزاء التلكراف في دقيقة واحدة، فتصل الى الطرف الاخر أسرع من رَجع الطرف و مدّ البصر، بل تحرّكه في هذا الطرف عين تحرّكه






في الطرف الاخر و لو كان بين الطرفين ألف فرسخ البتة، فاجعله عنواناً لحضور الامام (عليه السّلام) و شهوده عند كلّ درّة و ذرّة.


و بالجملة فنفس اللَّه العلياء هو العليّ الأعلى، و قد يُعبّر عنه ب (عند ربّه) الذي ذكر في قوله تعالى: «قال علمها عند ربّي في كتاب لا يضلّ ربّي و لا ينسى»


[طه: 52.]] و هو الامام المبين الذي أحصى اللَّه فيه كلّ شي ء، و الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر من كلّ نور و في ء.


و روح اللَّه هو عيسى (عليه السّلام)، و هو مظهر الروح الكلّي، و لذا كان يُحيي الموتى، و يبرئ الأكمه و الأبرص، لكنّ الروح ليس فيها تفصيل الفيوضات الالهيّة، و لا هي مجمع آثار الربوبيّة، بل هي ناظرة الى العقل و النفس بالتبعيّة، و لذا لا يُسند اليها الأثر البتة الا أن تؤوّل بالنفس أو العقل مثلاً.


فلم يلزم حينئذٍ من هذا الاطلاق أن يكون عيسى (عليه السّلام) أفضل من عليّ (عليه السّلام)، لأنّ مرتبة النفس و إن كانت سافلة عن الروح في الصورة الّا أنّ الروح ليست بنفسها مرتبة من المراتب الأصليّة، و لذا كانت ناقصة، كما أنّ ذكوريّة عيسى (عليه السّلام) لا توجب كونه أفضل من فاطمة الزهراء (عليهاالسّلام)، و إن كان ماهيّة المؤنث من حيث هي تقتضي المفضوليّة بالنسبة الى ماهيّة الذكّر من حيث هي، بمقتضى قوله تعالى: «الرجال قوّامون على النساء»


[النساء: 34.] لوضوح كون بعض النساء أعقل من بعض الرجال و أفضل، فليس المدار على الرجوليّة الظاهريّة، و الانوثيّة الصوريّة.




  • صورتش ديدى ز معنى غافلى
    اين صدفهاى قوالب در جهان
    ليك اندر هر صدف نبود گهر
    كآن چه دارد وين چه دارد واگزين
    زانكه كم يابست اين درّ ثمين



  • از صدف درّي گزين گر عاقلى
    گر چه جمله زنده اند از بهر جان
    چشم بگشا در دل هر يك نگر
    زانكه كم يابست اين درّ ثمين
    زانكه كم يابست اين درّ ثمين








تتميم كلام في توضيح مرام



(صور الوضع اللفظي)


اعلم انّ المؤنث تطلق عرفاً على ماهيّة يكون لها ما هي معروفة به عرفاً، بالوضع العام للموضوع له العام بالنسبة الى هذا المعنى الكلّي بملاحظة افراده الواقعة تحته، و بالوضع الخاصّ للموضوع له الخاص بملاحظة كونها ماهيّة متميّزة عمّا سواها من الماهيّات و غيرها.


و أرباب القواعد العربيّة اللفظيّة ذكروا انّ للوضع صوراً أربعة، لأنّ اللفظ الذي اُريد وضعه امّا ان يلاحظ في مقابله معنى كلّي أو جزئيّ في ابتداء وضع اللفظة، فان كان المعنى المتصوّر كلّياً فإنْ وُضِعَ اللفظ بازاء هذا المتصوّر الكلّي كان الوضع عامّاً و الموضوع له عامّاً أيضاً، كالانسان و الحيوان و سائر أسماء الأجناس، و التسمية بعموم الوضع انّما هي باعتبار المعنى المتصوّر عنده، نظير الوصف بحال المتعلّق، و امّا عموم الموضوع له فوجهه واضح بملاحظة الكلّيّة الموجودة فيه.


و إن وضع بازاء أفراد هذا الكلّي الملحوظ بجعله عنواناً للأفراد و مرآة لملاحظتها، فالوضع عامّ لما ذكر و الموضوع له خاصّ، كوضع المبهمات الثلاثة أي المضمرات، و الموصولات، و أسماء الاشارة، فيكون كلّ من الأفراد هنا بخصوصه موضوعاً له لا نفس الكلّي، غاية الأمر انّه لمّا كانت الأفراد غير محصورة جعل الكلّي مرآة لها عند الملاحظة.


و إنْ كان المعنى المتصوّر جزئيّاً كذات زيد المشخّصة، و وضع اللفظ بازائه، فالوضع خاصّ و الموضوع له خاصّ، و إنْ جُعل الجزئي الخاص مرآة لملاحظة كلّيّة كالانسان و عنواناً له، وُضع اللفظ بازائه، كان الوضع خاصّاً و الموضوع له عاماً.


و هذه هي الشقوق المتصوّرة في المرحلة، و كان مذهب القدماء صحّة شقّين منها، و هما الوضع العام و الموضوع له العام، و الوضع الخاص و الموضوع له الخاص، حتى جعلوا المبهمات أيضاً من باب الوضع العام و الموضوع له العام، و جعلوا استعمالها في الأفراد من باب استعمال الكلّي في الفرد كالانسان في زيد


مثلاً، زعماً منهم انّ كلّ معنى لوحظ في حال الوضع لابدّ أن يكون هو الموضوع له، و لا معنى بل لا وجه في تصوّر معنى هناك، و جعله عنواناً لمعنى آخر و وضع اللفظ بازائه.


فبقى الأمر كذلك الى زمان السيد الشريف، الملقّب باستاذ البشر، و العقل الحادي عشر، فجوّز هو الوضع العام و الموضوع له الخاصّ، بملاحظة صحّة جعل الكلّي عنواناً لأفراده الغير المحصورة، و جعل منه المبهمات الثلاثة.


و اشتهر هذا بعده في كلمات المتأخّرين، فأجمعوا على صحّة الأقسام الثلاثة، و على عدم صحّة القسم الرابع، أي الوضع الخاص و الموضوع له العام، بملاحظة انّ الخاص أمر جزئي لا يمكن أن يكون آلة لملاحظة الكلّي بخلاف عكس القضيّة، فانّ الكلّي لكونه أمراً عاماً شاملاً لأفراده يجوز جعله آلة لملاحظة جزئيّاته، و تفصيل الحال محقّق في الاصول.


و لكن الحكماء بنوا على صحّة القسم الرابع أيضاً، بأنّه يجوز أن يجعل الجزئيّ عنواناً للكليّ أيضاً، مثلاً بأن يجعل قطرة من الماء أو كوز منه عنواناً لملاحظة كلّي الماء، فانّ الجزئيّ بعد طرح مشخّصاته اعتباراً يكون هو الكلّي لا محالة، فانّ زيداً بعد عدم اعتبار خصوصيّته بلا اعتبار عدمها يرجع الى كلّي الماهيّة الانسانيّة.


و لذا ذكر في مقدّمات التفسير الصافي انّ الألفاظ موضوعة للمعاني الكلّيّة، فقال: انّ لكلّ معنى من المعاني حقيقة و روحاً، و له صورة و قالب، و قد يتعدّد الصور و القوالب لحقيقة واحدة، و انّما وضعت الألفاظ للحقائق و الأرواح، و لوجودهما في القوالب تستعمل الألفاظ فيهما على الحقيقة لا تحاد ما بينهما.


مثلاً لفظ القلم انّما وضع لالة نقش الصور في الألواح، من دون أن يعتبر فيها كونها من قصب أو حديد أو غير ذلك، بل و لا أن يكون جسماً، و لا كون النقش محسوساً أو معقولاً، و لا كون اللوح من قرطاس أو خشب، بل مجرّد كونه منقوشاً فيه و هذا حقيقة اللوح وحدّه و روحه، و إن كان في الوجود شي ء يتسطّر بواسطته نقش العلوم في ألواح القلوب فأخلق به أن يكون هو القلم، فانّ اللَّه تعالى علّم


بالقلم، علّم الانسان ما لم يعلم، بل هو القلم الحقيقي حيث وجد فيه روح القلم و حقيقته وحدّه من دون أن يكون معه ما هو خارج عنه.


و كذلك الميزان مثلاً فانّه موضوع لمعيار يعرف به المقادير و هكذا، و له معنى واحد هو حقيقته و روحه، و له قوالب مختلفة و صور شتّى بعضها جسمانيّ و بعضها روحانيّ، كما يوزن به الأجرام و الأثقال مثل ذي الكفّتين و القبان و ما يجري مجراهما، و ما يوزن به الشعر كالعروض، و ما يوزن به الفلسفة كالمنطق، و ما يوزن به بعض المدركات كالحسّ و الخيال، و ما يوزن به العلوم و الأعمال كما يوضع ليوم القيامة، و ما يوزن به الكلّ كالعقل الكامل، الى غير ذلك من الموازين.


و بالجملة ميزان كلّ شي ء يكون من جنسه، و لفظة الميزان حقيقة في كلّ منها باعتبار حدّ و حقيقة فيه، و على هذا القياس كلّ لفظ و معنى. انتهى ما ذكره


[تفسير الصافي 1: 31، المقدمة الرابعة.]


و أنا أقول: يمكن أن يقال انّ جميع الصور الثلاثة التي صحّحها القوم كلّها باطلة، و ليس وضع الألفاظ مطلقاً الّا من باب الوضع الخاصّ و الموضوع له العام الذي أبطلوه بالمرّة، مثلاً لوحظ في وضع الانسان أوّلاً فرد من أفراده أو أكثر، و جعل الملحوظ عنواناً لكلّيّة فوضع لفظ الانسان بازاء هذا الكلّي، إذ بدون رؤية شي ء من أفراده لا يتصوّر الصورة النوعيّة الكلّيّة.


و عند وضع لفظ (هذا) مثلاً لوحظ فرد مشار اليه، و وضع اللفظ بازاء كلّيّه، و لو بملاحظة اعتبار تحقّق الكلّي في ضمن كلّ فرد منه بعد ذلك، و لوحظ في وضع لفظ (زيد) مثلاً هذا الشخص الخاص، و وضع اللفظ بازاء كلّي هذا الشخص باعتبار تعدّد حالاته في الأزمنة و الأمكنة و غير ذلك، و لذا يصدق لفظ (زيد) حقيقة عليه في كلّ من الحالات المختلفة.


و صدق القرآن حقيقة على جميع هذه الأفراد الملفوظة أو المكتوبة انّما هو مبتن على المقدّمة المذكورة، إذ القرآن النازل أوّلاً من القلم الى اللوح لوحظ على هيئة الخاصّة، و وُضع لفظ القرآن لكلّ ذلك الفرد الملحوظ، و لو باعتبار وجوده في


ضمن الأفراد الجزئيّة، فيكون حقيقة في كلّ من الأفراد الموجودة الى يوم القيامة.


فلا يبقى الاشكال حينئذٍ في ترتيب الآثار الشرعيّة من الثواب المقرّر، أو الأمر بقراءته، أو العقاب على مسّه بلا طهارة و نحو ذلك عليه، و الّا فيحتاج الى ادّعاء الحقيقة العرفيّة في المراتب المتأخّرة، أو جعله مجازاً مشهوراً من باب الاستعارة، إذ الكلام الصادر من زيد مثلاً الذي هو صورته، لا يصدق عليه الكلام المنزل على سبيل الاعجاز حقيقة، الّا أن يجعل المراد الكلام المنزل فرد منه و نحو ذلك، و ذلك تكلّف البتة، و ليس وضعه مثل وضع (زيد) الصادق في حالات مختلفة، فانّ الفرد الشخصي المنزل منه أوّلاً ليس هو الدائر في الألسنة.


و بالجملة فاذا عرفت هذه المقدّمة، فاعلم انّه قد وقع في عبارات بعض أهل الحكمة اطلاق لفظ المؤنث أو المرأة بالنسبة الى الأئمة (عليهم السّلام)، فاستنكر ذلك أهل الشريعة، و استوحشوا منه، و نسبوا صاحب العبارة الى الكفر و الزندقة، و رموه بشي ء لعلّه برى ء منه في الحقيقة.


قال بعض من يدّعي كونه من أهل الباطن، الذين قطعوا أنظارهم عن الظاهر: انّ ظاهر هذا الاطلاق و إن كان مستهجناً في الأنظار الجليّة، الّا انّ ايجابه الكفر و الزندقة لا وجه له، و ذلك لأنّ لفظة (المرأة) أو ما في معناها انّما وضعت لهذا المعنى الظاهري باعتبار معنى التأثّر و الانفعال الموجود فيها بالنسبة الى الرجل، لا من جهة كونه بهذه الخصوصية.


فاطلاق لفظ (المرأة) على النوع المعروف باعتبار وجود هذا المعنى الكلّي، أي معنى المنفعل و المتأثّر في هذا النوع، و كذلك اطلاق الرجل على هذا النوع باعتبار معنى التأثير و الفعل فيما تحته لا لكونه ذا خصوصيّة معروفة مثلاً، فكلّ مؤثّر في العالم مذكّر، و كلّ متأثّر مؤنّث.


و قد يكون الشي ء متأثّراً بالنسبة الى ما فوقه، و مؤثّراً بالنسبة الى ما تحته، فمعنى الرجل و المرأة هو المؤثّر و المتأثّر، ففي نحو «كسرت الكوز فانكسر»


الكاسر مذكّر و المكسور مؤنّث و هكذا، و لهذا يُطلق على الأفلاك الآباء العلويّة، و على الاسطقسّات الامّهات السفليّة.


و ورد قوله (صلّى اللَّه عليه و آله): «أنا و عليّ أبوا هذه الامّة»


[مفردات راغب: 7/ مادة: (أبا)، عنه مناقب ابن شهرآشوب 3: 105/ في انّه المعنيّ بالوالد، عنه البحار 36: 11 ح 12 و في معاني الأخبار: 52 ح 3، علل الشرائع: 127 ح 2 باب 106.] أي أنا أبو الامّة و عليّ اُمّها.


و على هذا يُحمل الخبر المشهور «الشقيّ شقيّ في بطن امّه»


[البحار 5: 153 ح 1، عن أمالي الصدوق.] أي يظهر شقاوة الشقي بالولاية مثلاً على وجه من الوجوه، إذ هناك وجوه اُخر أيضاً، مثل أن يكون المراد من الامّ هو الامكان، أو الماهيّة، أو الطبيعة، أو امّ الكتاب، أو الامّ الانسانيّة، أو الدنيا، أو الأرض و بطنها هو القبر، بل الامّهات كثيرة، و كلّ مرتبة سابقة اُمّ بالنسبة الى اللاحقة لتولّدها من السابقة تولّد النتيجة من المقدّمة، بل كلّ قشر اُمّ بالنسبة الى اللّب، و كلّ ظاهر اُمّ بالنسبة الى الباطن، و هكذا.


و لذا قيل:




  • تن چو مادر طفل جان را حامله
    مرگ درد زادن است و زلزله



  • مرگ درد زادن است و زلزله
    مرگ درد زادن است و زلزله




و بالجملة، فكذا على الاصطلاح السابق ما روي «انّ المؤمن أخو المؤمن، أبوه النور و امّه الرحمة»


[المحاسن 1: 223 ح 396، عنه البحار 67: 75 ح 6، و نحوه بصائر الدرجات: 99 ح 1 و 2.]، و ما ذكروا في الحكمة من انّ الوجود مذكّر، و الماهيّة مؤنّث، الى غير ذلك.


و قد فسّر بعضهم بيتي المثنوى المعنوي، و هما قوله في ديباجة النسخة:




  • بشنو از نى چون حكايت مى كند
    كز نيستان تا مرا ببريده اند
    از نفيرم مرد و زن ناليده اند



  • وز جدائيها شكايت مى كند
    از نفيرم مرد و زن ناليده اند
    از نفيرم مرد و زن ناليده اند




بقوله:




  • كيست مرد اسماء خلّاق ودود
    چيست زن أعيان جمله كائنات
    چون همه أسماء و أعيان بى قصور
    جمله را در ضمن انسان ناله هاست
    شد گريبان گيرشان حبّ الوطن
    اين بود سرّ نفير مرد و زن



  • كآن فاعل در اطوار وجود
    منفعل گشته ز أسماء و صفات
    وارد اندر رتبه انسان ظهور
    كه چرا هر يك ز أصل خود جداست
    اين بود سرّ نفير مرد و زن
    اين بود سرّ نفير مرد و زن




فعلى هذا إذا كان النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) أعلى مرتبة من عليّ (عليه السّلام) و مؤثّراً فيه بكونه مخلوقاً بوساطته، و كذا سائر الأئمة بالنسبة الى عليّ، و فاطمة (عليهاالسّلام) بالنسبة الى الأئمة
بناءً على تدرّج المراتب في الفضيلة- أمكن الاطلاق المذكور بحسب الاصطلاح المسطور، و لا يلزم من ذلك قدح و لا كفر البتة، إذ لا مشاحّة في الاصطلاح، و لكن نعم ما قيل: «رُبّ اصطلاح ليس بصلاح».




  • هر كسى را سيرتى بنهاده ام
    هنديان را اصطلاح هند مدح
    سنديان را اصطلاح سند مدح



  • هر كسى را اصطلاحى داده ام
    سنديان را اصطلاح سند مدح
    سنديان را اصطلاح سند مدح



و لا يناسب أن يتفوّه العاقل بما يتسارع العقول الى انكاره و إن أمكنه اعتذاره، و قال (صلّى اللَّه عليه و آله): «نحن معاشر الأنبياء لا نكلّم الناس على قدر عقولنا بل على قدر عقولهم»


[نحوه الكافي 1: 23 ح 15، عنه البحار 16: 280 ح 122، و في المحاسن 1: 310 ح 615، عنه مستدرك الوسائل 11: 208 ح 12759.

و في خبر آخر: «كلّموا الناس على قدر عقولهم»، و على أيّ حال فمعلوم انّ الجاهل بل المجنون لا يطلق على من هو مذكّر بالمعنى العرفيّ انّه مؤنث كذلك فضلاً عن العالم العاقل.


فعلى ما ذكر هذا القائل تكون فاطمة (عليهاالسّلام) مع تأنيثها بالمعنى العرفي في ظاهر الصورة مذكّر بالمعنى السابق في الحقيقة، أي بمعنى المؤثّر بالنسبة الى الموجودات السافلة، لما مرّ من كون الأنبياء مخلوقين من نورها (عليهاالسّلام)، أي من نور جسدها الشريف و جسمها اللطيف.






فهم (عليهم السّلام) من جملة أشعّة ظهورها، و موادّهم العالية من بعض ذرّات نورها، لكونها آخر جزء من السلسلة النوريّة في الدائرة العالية التي لا دائرة فوقها من الدوائر الكونيّة، و انّ أجزاء تلك الدائرة و قسيّها متدرّجة في التقدّم و التأخّر الموجب للتدرّج في الفضيلة.


فهي (عليهاالسّلام) مذكّر مؤثّر بالنسبة الى ما تحت تلك الدائرة من المراتب السافلة، و هي النور المتأخّر في تلك المرتبة المتقدّمة، و الجزء الأخير من العلّة التامّة، و مؤنّث متأثّر بالنسبة الى سائر الأنوار العالية أي متأثّرة منها في تلك المرتبة، و لذا ظهرت في صورة المؤنّث في هذه النشأة السافلة الصوريّة.


فاذا كان أنوار المعصومين (عليهم السّلام) بهذه المثابة، و كان أشعّة أجسامهم الشريفة موادّ خلقة الأنبياء العظام و الرسل الكرام، و يدخل في جملة أجسامهم لحومهم و دماؤهم و جلودهم و عظامهم، فكلّ هذه الأجزاء منهم أنوار طيّبة صافية تصوّرت بتلك الصور الصوريّة البشريّة، و ليس من شأن الأنوار أن يعرض عليها الظلمة و الأكدار، أو الخباثة و الكثافة، أو ما ينافي اللطافة، و لذا لم يكن يقع للنبي (صلّى اللَّه عليه و آله) ظلّ بالمرّة، بل لسائر المعصومين(عليهم السّلام) أيضاً، و إن كان يقع لهم في بعض الأحيان ظلّ في الجملة للفرق بين النبي و الأئمة.


فهذه الأنوار الشعشعانيّة من اشراقات شمس الأزل، طلعت في العالم الكونيّة دون أن يعرض عليها الكدورات النفسانيّة، و الخباثات البشريّة الجسمانيّة، و إن نزلوا في هذه النشأة.




  • نور خورشيد ار بيفتد بر حدث
    ارجعى بشنود نور آفتاب
    نى ز گلخنها بر او ننگى بماند
    نى ز گلشنها بر او رنگى بماند



  • آن همايون نپذيرد زو خبث
    سوى أصل خويش باز آمد شتاب
    نى ز گلشنها بر او رنگى بماند
    نى ز گلشنها بر او رنگى بماند




بل الحقّ انّ للنور مقاماً شامخاً، و محلاًّ باذخاً لا يتنزّل منه الى المراتب السافلة، و إن تُروئي في النظر انّه وقع على الحجر و المدر، فتدبّر و تبصّر.




  • اين سخن را درنيابد هيچ فهم ظاهرى
    گر ابونصر استى و گر بوعلى سيناستى



  • گر ابونصر استى و گر بوعلى سيناستى
    گر ابونصر استى و گر بوعلى سيناستى




درّ ثمين في تحقيق طهارة دم المعصومين و في حكمة بولهم و نجوهم



اعلم انّه قد وقع النزاع في انّ دم المعصوم (عليه السّلام) طاهر أو لا، و هذه المسألة و إن كان العلماء غير محتاجين الى البحث عنها لعدم حصول الابتلاء بها في هذه الأزمنة، فلو اتفق حضور المعصوم، و اتفق الملاقاة بدمه المطهّر، فهو حاضر يُسأل عن حكم المسألة.


بل يمكن أن يقال بعدم جواز البحث عنها في حال الغيبة، لأنّ المعصوم (عليه السّلام) غير حاضر حتى يؤخذ منه الأحكام الشرعيّة، فباب العلم بها مسدود في حال الغيبة، و انّما يلزم استنباط الأحكام بالظنون المطلقة أو الخاصّة من باب أكل الميتة و العمل بحكم الضرورة، حيث انّا نعلم بعدم ارتفاع التكليف حينئذٍ، و انّه لابدّ من العمل بالأحكام الشرعيّة، و باب العلم بها مسدود، و الأدلّة لا تفيد الّا الظنّ، و الأخذ بالموهوم ترجيح للمرجوح، و الأخذ بالمشكوك ترجيح بلا مرجح.


فلابد من العمل بالظنّ حينئذٍ بحكم القواعد العقليّة التي لا تفرق بين الظنون المطلقة و الخاصّة، أو تعيّن الظنون الخاصّة على الخلاف في المسألة، و في مسألة حكم دم الامام (عليه السّلام) لا ضرورة داعية الى تحقيقها و استنباط حكمها، و انّ الضرورات تتقدّر بقدرها.


و لكن لمّا كانت تلك المسألة مشتملة على بعض المطالب الاصوليّة، و المعارف الدينيّة مع اشتهار البحث عنها في هذه الأزمنة، لا بأس في الاشارة الى بعض ما قيل فيها دفعاً للشبهة عن الأذهان الضعيفة.


فنقول: قيل انّ الحكم في مسألة الدماء بقول مطلق بحسب ظواهر الأدلّة هو النجاسة، حيث انّها دالّة على انّ الدم مطلقاً نجس، أو انّ الدم يجب غسله و نحو ذلك، و قد عمل بها العامّة و الخاصّة، و دم المعصوم (عليه السّلام) داخل في جملة الدماء، فيكون من جزئيّات تلك المسألة.


و غاية الدليل لمن قال في دم المعصوم (عليه السّلام) بعدم الطهارة، هو


إطلاقات تلك الأدلّة، و لكن هذه المسألة ليست باجماعيّة بل خلافيّة بين الامّة، و لمن قال بالطهارة أيضاً أدلّة يأتي اليها الاشارة.


و قد سُئل الاقا محمد عليّ البهبهاني في كتاب المقامع


[مقامع الفضل: 98/ رعه، باختلاف.]] عن طهارة دم النبي (صلّى اللَّه عليه و آله)، فأفتى بعدم الطهارة، و ادّعى عليه الشهرة بين الخاصّة مع بعض العامّة، و انّه قال أكثر العامّة مع بعض الخاصّة بالطهارة، و من أعاظم العامّة المفتين بالطهارة هو الشافعي


[فتح العزيز 1: 179، الوجيز 1: 7، على ما في هامش التذكرة 1: 57.]


و ذكر العلّامة (رحمه اللَّه) في التذكرة


[التذكرة (الحجرية) 2: 568، كتاب النكاح، في بيان خصائص النبي (صلّى اللَّه عليه و آله).] في جملة فضائل النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) انّه يتبرّك بدمه و بوله، و ظاهره الطهارة أيضاً.


و ادّعى الفاضل الدربندي (رحمه اللَّه) الاجماع
بل الضرورة
على طهارة دم المعصوم (عليه السّلام)، و قال: انّ المخالف كان ضعيفاً نادراً، مع انّه انقرض الخلاف في هذه الأزمنة أيضاً، بل سرّى حكم الطهارة الى دماء المستشهدين بين يدي سيد الشهداء (عليه السّلام) أيضاً، و لكن دماؤهم التي سفكت في كربلاء، ثمّ حوّل بسط المسألة الى كتابه شرح المنظومة في فقه الاماميّة


[أسرار الشهادة: 147.



و لسنا هنا بصدد بيان تفصيل هذه المسألة، و استدلالات الطرفين، و الترجيح بين الأدلّة الموهونة و غير الموهونة الصادرة من الفريقين، و ذكر أسماء القائلين من الطائفتين، و لكن نبيّن هنا دقيقة لطيفة يتبيّن بها حقيقة المسألة.


فنقول: انّ الأحكام الشرعيّة جعليّات صادرة من الشارع، طارئة بجعله (عليه السّلام) على الموضوعات الخارجيّة التي هي أفعال المكلّفين، فانّ فعل المكلّف هو محلّ تعلّق الأحكام الشرعيّة الجعليّة، و لو اُسند الحكم الى الأعيان في بعض الأحيان.






مثلاً نقول تارة: انّ شرب الخمر حرام، و تارة اُخرى: انّ الخمر حرام، و الثاني أيضاً راجع الى الأوّل، إذ لا معنى لحرمة ذات الخمر، فانّ الحرام ما يترتب عليه العقاب، و لا يترتب العقاب على ذات الخمر بل على شربه، و هو الفعل المتعلّق به، و كذا قولنا: المغصوب حرام معناه انّ التصرف فيه حرام، و الامّ و الاخت حرام أي نكاحهما و هكذا، فكلّما تعلّق الحكم على العين يُراد بها الفعل الذي اشتهر تعلّقه بها.


مثلاً في قوله تعالى: «حرّمت عليكم امهاتكم و بناتكم...»


[النساء: 23.]] يُراد نكاحها لا النظر اليها و نحو ذلك، و لا أكلها و لا غير ذلك، و «حرّمت عليكم الميتة و الدم...»


[المائدة: 3.] أي أكلها و هكذا.


و لمّا كانت الأحكام جعليّة حاصلة بانشاء الشارع، فقد أنشأ الشارع حكم الحرمة في أكل لحم الخنزير، و حكم الحلّيّة في أكل لحم الغنم، فلو عكس كان الأمر بعكس القضيّة، لكن هذا التخصيص من الشارع ليس بمحض الهوى، بل هو وحي يُوحى تابع للمصالح و المفاسد الكامنة في الأشياء فعلاً أو تركاً.


مثلاً إذا كان في الفعل مصلحة ملزمة كالصلاة التي هي مطهّرة للباطن، و جاعلة للطينة الانسانيّة نورانيّة قابلة لدخول الجنّة دار قرب الجبّار، و محلّ مصاحبة الأخيار، و كان تركها جاعلاً للطينة الظلمانيّة مستحقّة لدخول النار، و الانتظام في سلك الأشرار، جَعَلَها واجبة لاشتمالها على المصالح الباطنيّة ممّا ذكر و غيره من المصالح الكثيرة، و الخمر بالعكس فعلاً و تركاً، فجعلها محرّمة للاشتمال على المفاسد الباطنيّة، و كونها امّ كلّ خبيثة و رذيلة.


و إن كانت المصلحة جزئيّة غير ملزمة جعل الفعل مندوباً، أو المفسدة كذلك جعله مكروهاً، أو تساوى الطرفين جعله مباحاً، و كذا الكلام في الطهارة و النجاسة و غير ذلك، فمباشرة الماء مثلاً لا توجب الخباثة الباطنيّة، و لا تبطل الصلاة، و لا تمنعها عن الصحّة المطلوبة اللازمة، فحكم فيه بالطهارة بخلاف الدم و الخمر


/ 83