لمعة البیضاء فی شرح خطبة الزهراء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

لمعة البیضاء فی شرح خطبة الزهراء - نسخه متنی

محمد علی بن احمد القراچه داغی التبریزی الانصاری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




خديجة لمّا توفّت جعلت فاطمة تلوذ برسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) و تدور حوله و تسأله و تقول: يا رسول اللَّه أين اُمّي؟ فجعل النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) لا يجيبها، فجعلت تدور على من تسأله و رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) ما يدري ما يقول.


فنزل جبرئيل (عليه السّلام) يقول: انّ ربّك يأمرك أن تقرأ على فاطمة السلام و تقول لها: اُمّك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، و عمده من ياقوت أحمر، بين آسية امرأة فرعون و مريم بنت عمران، فقالت فاطمة: انّ اللَّه هو السلام و منه السلام و اليه السلام


[الخرائج 2: 529 ح 4، عنه البحار 43: 27 ح 31، و في أمالي الطوسي: 175 ح 294، عنه البحار 16: 1 ح 1.]


و عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) لفاطمة حين كانت منزعجة لافتخار عائشة على امّها خديجة، بانّها لم تعرف رجلاً قبل النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) بخلاف خديجة: يا فاطمة انّ بطن امّك كان وعاءً للأئمة


[المناقب لابن شهرآشوب 3: 335، عنه البحار 43: 43 ضمن حديث 42.]


و كان جبرئيل قد أتى من اللَّه تعالى بالسلام الى خديجة مراراً متعدّدة، و انّ اللَّه يقرئها السلام، و كانت خديجة تقول في الجواب: انّ اللَّه هو السلام، و منه السلام، و اليه السلام، و على جبرئيل السلام


[راجع ينابيع المودّة: 199، في فضائل خديجة (عليهاالسّلام).]، علماً منها بانّ العلّام لا يصحّ بالنسبة الى اللَّه السلام، فكانت تجيب بما ذكر من الكلام، فانظر الى أدبها التامّ، و فضلها التمام.


بعض فضائل الزهراء



و اما فضائل أبيها و بعلها و بنيها فأجلّ من أن يُحيط بها الأفكار، و يصل اليها الأنظار، و قد امتلأت منها صحائف الأدوار، و صفحات الأكوار، و ملأت منها الطوامير و الصحف و الأساطير، و لهم شرف ظاهر على صحائف الدهور و الأعوام، و فضائل سارية على ألسن الخاص و العام، و مناقبٌ يرويها كابر عن كابر، و سجايا


يُهديها أوّل الى آخر.


مفاخرهم مشهودة مأثورة، و مآثرهم في صحائف الأيّام مسطورة، و بألسنة الكتاب و السنّة مشكورة، قضى لهم القدر و القضاء بعلوّ القدر في كلّ القضاء، و لهم العزّ الأعلى على أهل الدنيا و الاخرة و الاولى.


لا يحيط بوصفهم ألسنة الأوائل و الأواخر، و كلّ منهم مصداق قول الشاعر:




  • صفاتك لا تُحصى و نطقي عاجز
    و انّ لباساً خيط من نسج تسعة
    و عشرين حرفاً عن معاليك قاصر



  • و يقصر ألفاظي كما قال شاعر
    و عشرين حرفاً عن معاليك قاصر
    و عشرين حرفاً عن معاليك قاصر



و بالجملة فمن تتّبع الأخبار، و جاس خلال تلك الديار، علم انّ سيدتنا الزهراء قد حازت من الكمالات النفسانيّة، و الفضائل العقلانيّة ما لم يحزها أحد من نوع النسوة من الأولين و الآخرين، و أنّها وليّة اللَّه تعالى في السماوات و الأرضين، و أنّها أشرف من جميع الأنبياء و المرسلين عدا أبيها خاتم النبيين.


و لم يبق لأحد شبهة في شرف محلّها و علوّ رتبتها، و سموّ مكانتها و نبلها و فضلها، و ما أعدّ اللَّه لها من المزيّة التي ليست لأحد قبلها و لا بعدها، و انّ الشرف قد اكتنفها من جميع أقطارها، و انّ المجد قد أوصلها الى غاية يعجز المجارون عن خوض غمارها، و مهما ذكره ذاكر فهو في الحقيقة دون مقدارها.


و إن شئت فانظر الى نفسها الكريمة و أطرافها و جوانبها حتى تجدها قد استولت على موجبات الفضل و الشرف كلّها، و حازت قصَبات السبق، و فازت بخِصَلِها.


و انّ لها فضائل أصليّة ذاتيّة من جهة نفسها، و فضائل خارجيّة من جهة امّها و أبيها و زوجها و بنيها، فلها إذاً نور على نور من ربّها، و زاد على طيب فرعها طيب أصلها، و هي غصن الشجرة الطيّبة التي ثابت أصلها و في السماء فرعها، تؤتي اكلها كلّ حين باذن ربّها، بل هي تلك الشجرة بنفسها، و رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أصلها، و أميرالمؤمنين (عليه السّلام) ساقتها، و الأئمة المعصومون أغصانها،






و الشيعة أوراقها، و علوم الأئمة (عليهم السّلام) أثمارها، و هي أصل ماهيّة الشجرة و هويّتها.


روى العياشي عن الصادق (عليه السّلام) في قوله تعالى: «ألم تر كيف ضرب اللَّه مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيّبة- الى قوله تعالى- و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة»


[ابراهيم: 24 و 26.] الاية، أنّها مثل ضَرَبَ اللَّه لأهل بيت العصمة و الطهارة، و لمن عاداهم من أهل البغي و الخسارة


[تفسير العياشي 2: 225 ح 15، عنه البحار 24: 142 ح 9، و في تفسير البرهان 2: 311، و تفسير الصافي 3: 85.]


و في الكافي عنه (عليه السّلام) حين سُئل عن تلك الشجرة الطيّبة، انّه قال: هي شجرةٌ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) أصلها، و أميرالمؤمنين (عليه السّلام) فرعها، و الأئمة (عليهم السّلام) من ذرّيتهما أغصانها، و علم الأئمة (عليهم السّلام) أثمارها، و شيعتهم المؤمنون أوراقها، ثم قال (عليه السّلام): و اللَّه انّ المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها، و انّ المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها،... الخ


[الكافي 1: 428 ح 80، عنه البحار 24: 142 ح 12، بصائر الدرجات 78، و فيه عدّة أحايث، و تفسير القمي 1: 369، و تفسير الصافي 3: 85، و الوافي 3: 899 ح 1563.


و أورد نحوه في بشارة المصطفى ص 41، ثم قال:


و قد نظم هذا الخبر أبو يعقوب البصرائي، فقال:




  • يا حبذا دوحة في الخلد نابتة
    المصطفى أصلها و الفرع فاطمة
    و الهاشميّان سبطاه لها ثمر
    هذا مقال رسول اللَّه جاء به
    انّي بحبّهم أرجو النجاة غداً
    .
    .



  • ما مثلها أبداً في الخلد من شجر
    ثم اللقاح عليّ سيّد البشر
    و الشيعة الورق الملتفّ بالثمر
    أهل الرواية في العالي من الخبر
    و الفوز في زمرةٍ من أفضل الزمر
    .



و في الاكمال: انّ الحسن و الحسين (عليهماالسّلام) ثمرها، و التسعة من ولد الحسين أغصانها


[كمال الدين: 345 ح 30، عنه البحار 67: 38، تفسير الصافي 3: 85، و تفسير كنز الدقائق 7: 52.]


و في المعاني: غصن الشجرة فاطمة (عليهاالسّلام)، و ثمرها أولادها، و ورقها شيعتها


[معاني الأخبار: 400 ح 61، باب نوادر المعاني، عنه البحار 16: 363 ح 65، و تفسير كنز الدقائق 7: 53.]


و زاد في الاكمال: «تؤتي اكلها كلّ حين» ما يخرج من علم الامام (عليه السّلام) اليكم في كلّ سنة من كلّ فجّ عميق


[كمال الدين: 345 ح 30، عنه البحار 67: 38، تفسير الصافي 3: 85.]


و لا منافاة بين هذه الأخبار لصحّة كلّ منهما بنوع من الاعتبار، و أعداؤهم الأشرار هي الشجرة الخبيثة التي اجتثّت من فوق الأرض مالها من قرار، و هم الشجرة الملعونة في القرآن، «و نخوّفهم فما يزيدهم الّا طغياناً كبيراً»


[الاسراء: 60.]] أي يزيدهم الطغيان الكبير الذي كان شرّه مستطيراً، في تفسير ظاهر ظاهرها، فأبوبكر أصل هذه الشجرة، و عمر ساقتها، و خلفاء بني امية و بني العباس أغصانها، و شيعتهم المنافقون أوراقها، و آثارهم و أفعالهم أثمارها.


و بالجملة ففاطمة الزهراء (عليهاالسّلام) اُمّ الأئمة النقباء النجباء، الذين هم فروع تلك الشجرة الطيّبة و أغصانها، و كفى في حقّها انتساب أولادها الأطهار بوساطتها الى النبي المختار (صلّى اللَّه عليه و آله).


و قد ورد في الأخبار عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) انّه قال: من فصل بيني و بين آلي بعليّ فليس من امتي، على قراءة (عليّ) على وزن فعيل، مراد به اميرالمؤمنين (عليه السّلام)، لا قراءته بلفظ (على) حرف جرٍّ، اشارة الى ردّ ما هو معروف بين العامة عند الصلاة على نبيّ الامة من قولهم: «اللهمّ صلّ على محمد و على آل محمد» زعماً منهم انّ الآل ليسوا في تلك المرتبة، فأوهموا باقحامٍ على ايقاع الفصل بينه و بين الذريّة الطاهرة.


وصل في توضيح الحال في عدم جواز الفصل بعلى بين النبي والآل



قد ثبت من الأخبار و الآثار، و استفاض في كلمات الأئمة الأطهار بحيث لا يعتريه شبهة الانكار، انّ أنوار هؤلاء الأبرار من جنس نور النبي المختار، كما قال (صلّى اللَّه عليه و آله): كنت أنا و عليّ من نور واحد


[الخصال: 31 ح 108 باب الواحد، عنه البحار 35: 34 ح 33، و فيه: خُلقت أنا و....]


و في خبر آخر: أنا من عليّ و عليّ منّي


[فردوس الأخبار 3: 61 ح 4171، و في البحار 38: 149 ح 118، عن جامع الاصول لابن الأثير، و في سنن ابن ماجة 1: 44 ح 119، و سنن الترمذي 5: 401 ح 3740.]


و قال أيضاً: أنا من حسين و حسين منّي


[سنن الترمذي 5: 429 ح 3800، سنن ابن ماجة 1: 51 ح 144، كشف الغمة 2: 216، مناقب ابن شهرآشوب 4: 71، عنه البحار 43: 295 ح 56، و الصواعق المحرقة: 291.]


و قال (صلّى اللَّه عليه و آله): أوّلنا محمد و أوسطنا محمد و آخرنا محمد و كلّنا محمد


[راجع البحار 26: 3 ضمن حديث 1، و مشارق أنوار اليقين: 160.]، الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة بل المتواترة.


و قد روي في العلل عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله): يا عليّ انّ اللَّه تبارك و تعالى فضّل أنبياءه المرسلين على الملائكة المقرّبين، و فضّلني على جميع النبيين و المرسلين، و الفضل بعدي لك يا عليّ و للأئمة من بعدك، فانّ الملائكة لخدّامنا و خدام محبّينا.


يا عليّ لو لا نحن ما خلق اللَّه آدم و لا حوّاء، و لا الجنّة و لا النار، و لا السماء و لا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سبقناهم الى معرفة ربنا و تسبيحه و تقديسه و تهليله، لانّ اوّل ما خلق اللَّه عزوجل أرواحنا فأنطقها بتوحيده و تحميده، ثم خلق الملائكة فلمّا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا،


فسبّحنا لتعلم الملائكة انّا خلق مخلوقين، فسبّحت الملائكة بتسبيحنا... الخ


[علل الشرائع: 5 ح 1، عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1: 498 ح 215، عنهما البحار 18: 345 ح 56.]


و الأخبار في هذا المعنى اكثر من أن تُحصى، الّا انّ بعض هؤلاء الأنوار مقدّم على بعض كما نطق به الأخبار، مثل ما ورد عن عليّ (عليه السّلام): أنا من محمد (صلّى اللَّه عليه و آله) كالضوء من الضوء، أو كالسراج من السراج


[نحوه البحار 26: 6 ح 1، و أيضاً 38: 78 ح 1.]


و لكن كلّهم أهل دائرة واحدة ليس في رتبتهم ملك مقرّب و لا نبي مرسل، كما قال (صلّى اللَّه عليه و آله): لي مع اللَّه وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل


[راجع البحار 18: 36 ح 66.]


و قالوا (عليهم السّلام) أيضاً: لنا مع اللَّه حالات هو فيها نحن و نحن هو، و هو هو و نحن نحن


[راجع الكلمات المكنونة للفيض الكاشاني: 114/ في معنى الفنآء في اللَّه، و أورده أيضاً الامام الخميني (قدّس سرّه) في كتاب مصباح الهداية صفحة 67، و قال بعده: و كلمات أهل المعرفة- خصوصاً الشيخ الكبير، محيي الدين- مشحونة بأمثال ذلك، مثل قوله: «الحقّ خلق، و الخلق حقّ، و الحق حقّ، و الخلق خلق».


و قال في فصوصه: «و من عرف ما قرّرناه في الأعداد و أنّ نفيها عين ثبتها، علم انّ الحق المنزّه هو الخلق المشبّه و إن كان قد تميّز الخلق من الخالق، فالأمر الخالق المخلوق، و الأمر المخلوق الخالق» الى أن قال:




  • فالحقّ خلق بهذا الوجه فاعتبروا
    من يدر ما قلت لم تخذل بصيرته
    جمّع و فرّق فانّ العين واحدة
    و هي الكثيرة تبقي و لا تذر



  • و ليس خلقاً بذلك الوجه فادّكروا
    و ليس يدريه الّا من له البصر
    و هي الكثيرة تبقي و لا تذر
    و هي الكثيرة تبقي و لا تذر




أقول: و ورد في الزيارة الرجبيّة: «... فجعلتهم معادناً لكلماتك، و أركاناً لتوحيدك و آياتك و مقاماتك التي لا تعطيل لها في كلّ مكان، يعرفك بها من عرفك، لا فرق بينك و بينها الّا انّهم عبادك و خلقك...».


و في ذلك يقول الشاعر:




  • رقّ الزجاج و رقّت الخمر
    فكأنّما خمر و لا قدح
    و كأنّما قدح و لا خمر



  • فتشابها و تشاكل الأمر
    و كأنّما قدح و لا خمر
    و كأنّما قدح و لا خمر





و ورد أيضاً في الأخبار المستفيضة انّ الأنبياء خلقوا من شعاع نورهم،


و ظهروا من آثار ظهورهم، و في بعضها انّهم خلقوا من شعاع أجسامهم


[ورد في البحار عن جابر بن عبداللَّه قال: قلت لرسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): أوّل شي ء خلق اللَّه تعالى ما هو؟ فقال: نور نبيّك يا جابر خلقه اللَّه ثم خلق منه كلّ خير، ثم أقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء اللَّه ثم جعله أقساماً، فخلق العرش من قسم، و الكرسي من قسم، و حملة العرش و خزنة الكرسي من قسم... و أقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء اللَّه، ثم نظر اليه بعين الهيبة، فرشح ذلك النور و قطرت منه مائة ألف و أربعة و عشرون ألف قطرة، فخلق اللَّه من كلّ قطرة روح نبيّ و رسول، ثم تنفّست أرواح الأنبياء فخلق اللَّه من أنفاسها أرواح الأولياء و الشهداء و الصالحين. [البحار 25: 22 ح 37].


قال العلّامة الطباطبائي (قدّس سرّه) في الميزان عند تفسير آية 33 من سورة البقرة بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه: أقول و الأخبار في هذه المعاني كثيرة... و ايّاك أن ترمي أمثال هذه الأحاديث الشريفة المأثورة عن معادن العلم و منابع الحكمة بانّها من اختلاقات المتصوّفة و أوهامهم فللخلقة أسرار، و هو ذا العلماء من طبقات أقوام الانسان لا يألون جهداً في البحث عن أسرار الطبيعة منذ أخذ البشر في الانتشار، و كلّما لاح لهم معلوم واحدٌ بانَ لهم مجاهيل كثيرة، و هي عالم الطبيعة أضيق العوالم و أخسّها، فما ظنّك بما ورائها و هي عوالم النور و السعة.] فيكون الأنبياء من جملة شيعتهم و أشعّتهم.


و لا شك انّ اوّل ما يخلق من الانسان هو عقله، كما ورد انّ اوّل ما خلق اللَّه العقل


[الفردوس 1: 13 ح 4، البحار 1: 97 ح 8.]]، فانّ هذا المعنى كما انّه منطبق على العالم الكبير بالنسبة الى العقل الكلّي، كذلك على العالم الصغير بالنسبة الى العقل الجزئي، فيكون حينئذٍ عقول الأنبياء مخلوقة من أشعة أجسامهم الشريفة، لا أنّ عقولهم من أشعّة عقولهم مثلاً، و أجسامهم من أشعّة أجسامهم مع كون أجسامهم من سنخ الأجسام البشريّة لا من غير هذا السنخ كما هو مبنى الوجه الأوّل، فانّ ذلك يستلزم وجودهم في عالم الأجسام قبل أجسام الأنبياء (عليهم السّلام)، و هذا خلاف الظاهر في الأنظار، و إن أمكن فرضه بنوع من الاعتبار.


و بالجملة و لمّا كان المنافقون يزعمون جهلاً أو تجاهلاً في حقّ آل اللَّه و آل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) انّهم ليسوا من جنس طينة رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله)، بل جعلوهم من جنس سائر الرعيّة، و التزموا أمرين في


المرحلة، أحدهما الفصل بلفظ (على) عند الصلاة على النبي و آله، اشارة الى حطّ رتبتهم عن تلك المرتبة المحمدية، و عدم كونهم من أهل هذه السلسلة النوريّة.


و الثاني انّهم ليسوا من آل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله) لانّهم أولاد البنت، و ولد البنت ليس بولد بل هم أولاد عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، و هو من الأجانبة، و تمسّكوا في ذلك بنحو قول الشاعر:




  • بنونا بنو أبنائنا و بناتنا
    بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد



  • بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد
    بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد



و غيره من الكلمات السخيفة و الاستدلالات الضعيفة، فورد الخبر في التنبيه على ردّهم و الاشارة الى ردعهم، انّ من فصل بيني و بين آلي بعلى فليس من امتي.


فنسب الآل الى نفسه و جعل الآل آل نفسه، لا آل عليّ (عليه السّلام) الذي هو أيضاً في الحقيقة نفسه أو كنفسه، و منع من فصلهم عنه بلفظ (على) اسماً على فعيل، أو حرف جرٍّ اشارة الى الوصل أي اتصالهم (عليهم السّلام) به (صلّى اللَّه عليه و آله)، و كونهم من نوره و جنس طينته.


و يدلّ على ذلك على انّهم من أهل تلك المرتبة فلا يجوز الفصل بين أجزاء السلسلة، كما انّه اشارة الى انّهم آل الرسول المنتسبون اليه من جهة البتول، و الدلالة على كلا الأمرين حاصلة على كلّ من القراءتين.


و يدلّ على ذلك أيضاً أخبار كثيرة، كما روي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله) انّه قال: كلّ بني آدم ينتمون الى عصبتهم الّا ولد فاطمة، فانّي أنا أبوهم و عصبتهم


[ذخائر العقبي: 121، الفردوس 3: 264 ح 4787، الصواعق المحرقة: 284، كنز العمال 12: 98 ح 34168، و البحار 43: 228 ح 1، فرائد السمطين 2: 77 ح 398.]


و في خبر آخر: لكلّ نبيّ عصبة ينتمون اليه، و فاطمة عصبتي التي تنتمي اليّ


[دلائل الامامة: 76 ح 16، عنه البحار 43: 230، و نحوه في بشارة المصطفى: 40.]


و روى في البحار انّه خرج زيد ابن موسع أخو أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) بالمدينة في عهد المأمون، و أحرق و قتل خلقاً كثيراً من تبعته
و كان يسمّى زيد النار
فبعث اليه المأمون فاُسر و حمل الى المأمون، فقال المأمون: اذهبوا به الى أبي الحسن الرضا.


قال ياسر: فلمّا دخل اليه قال ابو الحسن (عليه السّلام): يا زيد أغرّك قول سفلة أهل الكوفة- و في رواية اُخرى: قول بقّالي أهل الكوفة- انّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللَّه ذريّتها على النار، ذاك الحسن و الحسين خاصّة- و في خبر آخر مع زيادة زينب و ام كلثوم- إن كنت ترى انّك تعصى اللَّه و تدخل الجنة، و موسى بن جعفر أطاع اللَّه و دخل الجنة، فأنت إذاً أكرم على اللَّه عزوجل من موسى بن جعفر.


و اللَّه ما ينال أحد ما عند اللَّه عزوجل الا بطاعته، و زعمت انّك تناله بمعصيته، فلبئس ما زعمت، فقال له زيد: أنا أخوك و ابن ابيك، فقال له أبو الحسن (عليه السّلام): أنت أخي ما أطعت اللَّه عزوجل، انّ نوحاً (عليه السّلام) قال: «ربّ انّ ابني من أهلي و انّ وعدك الحق و أنت أحكم الحاكمين»


[هود: 45.



فقال اللَّه عزوجل: «يا نوح انّه ليس من أهلك انّه عمل غير صالح»


[هود: 46.

فأخرجه اللَّه عزوجل من أن يكون من أهله بمعصيته


[البحار 43: 231 ح 6، عن عيون أخبار الرضا (عليه السّلام).]]


و في خبر آخر: كلّا لقد كان ابنه و لكن لمّا عصى اللَّه عزوجل نفاه اللَّه عن أبيه، كذا من كان منّا لم يطع اللَّه فليس منّا و لا من أولاد رسول اللَّه، و أنت إذا أطعت اللَّه فأنت منّا أهل البيت


[معاني الأخبار: 106 ح 1، عنه البحار 43: 230 ح 2.]


في بيان الفرق بين ذرّية فاطمة غير الأئمة و بين سائر الرعية



روي في البحار عن الحسن بن راشد قال: ذكرت زيد بن عليّ بن الحسين عند الصادق (عليه السّلام)- و هو الذي خرج على عبدالملك بن مروان، فقتل بالكوفة و قد نهاه الباقر (عليه السّلام) عن الخروج فلم ينته و لم يقبل قوله- فتنقّصت فيه من هذه الجهة.


فقال الصادق (عليه السّلام): لا تفعل- أو لا تقل كذا- رحم اللَّه عمّي زيداً، أتى أبي فقال: انّي اُريد الخروج على هذه الطاغية، فقال: لا تفعل انّي أخاف أن تقتل و تصلب على ظهر الكوفة، أما علمت يا زيد انّه لا يخرج أحد من ولد فاطمة على أحد من السلاطين قبل خروج السفياني الّا قُتل، فلم يقبل و فعل ما فعل.


ثم قال أيضاً: يا حسن انّ فاطمة (عليهاالسّلام) أحصنت فرجها فحرّم اللَّه ذرّيتها على النار، و فيهم نزلت الآية: «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات باذن اللَّه ذلك هو الفضل الكبير»


[فاطر: 32.]


و الظالم لنفسه الذي لا يعرف الامام، و المقتصد هو العارف بحق الامام، و السابق بالخيرات هو الامام، ثم قال: يا حسن انّا أهل بيت لا يخرج منّا أحد من الدنيا حتى يقرّ لذي فضل بفضله


[الخرائج 1: 281 ح 13، عنه البحار 46: 185 ح 51، و كشف الغمة 2: 357، في فضائل الامام الباقر (عليه السّلام).]


و بين هذا الخبر و الرواية السابقة منافرة في الجملة، و تحقيق الحال هنا بحيث ترتفع المنافرة بينهما، انّ المؤمن مشرف على محلّ الخطر و الهلاكة في مقامين،


أحدهما مقام المعرفة في مرتبة اصول الدين إذ الشيطان عدوّ مبين، فهو في مرصاد عباد اللَّه المؤمنين ليوقعهم في الهلاك الأبدي و العذاب السرمدي، فهو في جميع حالات الحياة الدنيويّة يريد إغواء الانسان بالوساوس النفسانيّة، و الهواجس الشيطانيّة، ليوقعه في الحيرة و الضلالة في أمر المعرفة و تحصيل اصول الدين الذي هو مبنى الشريعة، فان فات ذلك منه و يئس انتظر لذلك الى أن يتراكم على الانسان شدائد سكرات الموت، و الأهوال الطارئة له عند الفوت، فينتهز الفرصة ليوقعه حينئذٍ في الشبهة، و يخرجه من الدنيا كافراً مستحقّاً للعذاب الأبدي في البرزخ و الاخرة.


فربّ عابد زاهد في مدّة عمره لم يتسلّط عليه الشيطان بالمرة، تسلّط عليه عند الموت فأوبقه و أهلكه، كالعابد برصيصا


[روى في البحار 14: 486، عن ابن عباس قال: كان في بني اسرائيل عابد اسمه برصيصا، عبداللَّه زماناً من الدهر حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم و يعوذهم فيبرؤون على يده، و انّه أتى بامرأة في شرف قد جنّت، و كان لها اخوة فأتوه بها و كانت عنده، فلم يزل الشيطان يزين له حتى وقع عليها فحملت، فلمّا استبان حملها قتلها و دفنها، فلمّا فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقى أحد اخوتها، فأخبره بالذي فعل الراهب و انّه دفنها في مكان كذا، ثم أتى بقية اخوتها رجلاً رجلاً فذكر ذلك له، فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول: و اللَّه لقد أتاني آت ذكر لي شيئاً يكبر عليّ ذكره، فذكره بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك ملكهم، فسار الملك و الناس فاستنزلوه فأقرّ لهم بالذي فعل، فأمر به فصلب، فلمّا رفع على خشبته تمثّل له الشيطان فقال: أنا الذي ألقيتك في هذا، فهل أنت مطيعي فيما أقول لك، اخلّصك ممّا أنت فيه؟ قال: نعم، قال: اسجد لي سجدة واحدة، فقال: كيف اسجد لك و أنا على هذه الحالة؟ فقال: أكتفي منك بالايماء، فأومأ له بالسجود، فكفر باللَّه و قتل الرجل.]] و غيره، و لهذا ورد انّ الايمان قسمان: ايمان مستقرّ و ايمان مستودع


[عقد العلامة المجلسي باباً مستقلاً في البحار ج 69 ص 212، تحت هذا العنوان، فراجع.]، و الثاني هو الذي يُسلب عند الموت من جهة اغواء الشيطان و تلبيسه في تلك الحالة.


و ورد دعاء العديلة دفعاً لتلك الرزيّة، و العديلة اسم شيطانة موكّلة من جانب ابليس ليعدل الانسان حين الموت من الاعتقاد الحق الى الباطل، فعيلة بمعنى


/ 83