تفسیر آیات الغدیر الثلاث نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر آیات الغدیر الثلاث - نسخه متنی

علی الکورانی العاملی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

وحده شريعه المسلمين وثقافتهم


وقد تضمن المبادئ التالية:

1- مبدأ أداء الأمانة.

2- قوانين الإرث.

3- قوانين الديات والقصاص.

4- تشريعات مناسك الحج "خذوا عني مناسككم".

وقد وردت مبادئ هذا الأساس في فقرات متعددة من خطب حجة الوداع ذكرنا منها أداء الأمانة وتشريعات الإرث والديات والحج.. ويوجد في الخطب الشريفة تشريعات أخرى أيضاً لم نذكرها.

ومن الواضح أن العامل الأساسي في وحدة ثقافة الأمة الإسلامية على اختلاف بلادها وقومياتها، هو وحدة عقيدتها وشريعتها.. وأن كل الدول والحضارات السابقة على الاسلام واللاحقة، لم تستطع أن تحقق بين الشعوب التي شملتها ما حققه الإسلام من وحدة في التصور والسلوك وهي وحدة ما زالت قائمة إلى اليوم بين شعوبه، رغم العوامل المضادة!

مبادئ مسيره الدوله والحكم بعد النبي


وقد تضمن هذا الأساس المبادئ التالية:

1- مبدأ البشارة بالأئمة الإثني عشر من عترته.

2- مبدأ التأكيد على الثقلين القرآن والعترة.

3- مبدأ إعلان أن علياً ولي الأمة بعده والإمام الأول من الإثني عشر.

4- مبدأ أداء الفرائض، وإطاعة ولاة الأمر.

5- مبدأ تخليد تعاهد قريش وكنانة على حصار بني هاشم.

6- مبدأ تحذير قريش أن تطغى من بعده صلى الله عليه وآله.

7- مبدأ تحذيره الصحابة من الإرتداد بعده والصراع على السلطة.

8- مبدأ البشارة بالأئمة الإثني عشر من عترته.

9- مبدأ التأكيد على الثقلين: القرآن والعترة.

10- مبدأ إعلان علي ولياً للأمة من بعده، الإمام الأول من الإثني عشر.

11- مبدأ أداء الفرائض، وإطاعة ولاة الأمر.

12- مبدأ تخليد تعاهد قريش على حصار بني هاشم.

13- مبدأ تحذير قريش أن تطغى من بعده صلى الله عليه وآله.

14- مبدأ تحذيره الصحابة من الإرتداد والصراع على السلطة.

وسوف يأتي إن شاء الله بحث أحاديث الأئمة الإثني عشر، الذي شهدت رواياته بأنه صدر في خطب حجة الوداع.. والعاقل لايمكنه أن يقبل أن النبي صلى الله عليه وآله قد أخفى هوية هؤلاء الأئمة الإثني عشر المعينين من الله تعالى وضيعهم في ثلاث وعشرين قبيلة من قريش.. أو أنه طرح موضوعهم وهو يودع الأمة نظرياً لمجرد إخبارها بوجودهم، كما تدعي قريش ورواتها! وأما المبدأ الثاني من هذا الأساس: "التأكيد على الثقلين: القرآن والعترة" فقد روته مصادرنا في خطبة الغدير، وفي خطبة مسجد الخيف أيضاً، وربما في غيرها من خطب حجة الوداع، كما تقدم في رواية تفسير علي بن إبراهيم.

أما مصادر السنيين فقد روت بشكل واسع تأكيد النبي صلى الله عليه وآله على الثقلين القرآن والعترة في خطبة غدير خم فقط، وصححوا روايتها، وقد تقدم أن الطبري المعروف ألف كتاباً من مجلدين جمع فيه طرق أحاديث الغدير وأسانيدها.

أما في بقية خطب حجة الوداع: فقد رواها من صحاحهم المعروفة الترمذي في سننه:328:5 قال: "عن جابر بن عبدالله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: يا أيها الناس، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي. وفي الباب عن أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد. هذا حديث غريب حسن، من هذا الوجه. وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان، وغير واحد من أهل العلم". انتهى.

ومن الملاحظ أن عدداً من المصادر السنية روت وصية النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع بالكتاب وحده، بدون العترة! ففي صحيح مسلم:41:4 "وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله". ومثله في أبي داود:427:1 وسنن البيهقي:8:5 ونحوه في ابن ماجة:1025:2 وفي مجمع الزوائد:265:3 بصيغة "أيها الناس إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله فاعملوا به".

والمتتبع لأحاديث الباب يطمئن بأن الذي حصل هو إسقاط العترة من روايتهم، بسبب رقابة قريش على أحاديث نبيها صلى الله عليه وآله! والدليل على ذلك: أن نفس المصادر التي روت هذا الحديث ناقصاً في حجة الوداع، روته تاماً في غيرها، فيحمل الناقص على التام! فقد روى مسلم والبيهقي وابن ماجة والهيثمي بروايات متعددة، وصية النبي صلى الله عليه وآله بالقرآن والعترة معاً، وتأكيداته المتكررة على ذلك..

ففي صحيح مسلم:122:7 "عن زيد بن أرقم: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً، بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم". انتهى. ورواه البيهقي في سننه30:7 و114:10 .

وفي مجمع الزوائد:170:1 "عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني تركت فيكم خليفتين: كتاب الله، وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات". ورواه بنحوه:162:9 وقال: رواه أحمد وإسناده جيد.

وأما أبوداود فلم يرو حديثاً صريحاً في الثقلين، ولكنه عقد في سننه:309:2

كتاباً باسم "كتاب المهدي"، روى فيه حديث الأئمة الإثني عشر وبشارة النبي صلى الله عليه وآله بالإمام المهدي وأنه من ذرية علي وفاطمة عليهماالسلام، وروى عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: "لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً". انتهى.

والذي يؤكد ما ذهبنا اليه من أن الوصية بالعترة حذفت من خطب حجة الوداع: أن الكلام النبوي الذي هو جوامع الكلم، له خصائص عديدة يتفرد بها.. ومن خصائصه أنه يستعمل تراكيب معينة لمعان معينة، لايستعملها لغيرها، فهو بذلك يشبه القرآن. وتركيب "ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي" خاص لوصيته للأمة بالقرآن والعترة، لم يستعمله صلى الله عليه وآله في غيرهما أبداً.. كما أن تعبير "إني تارك فيكم الثقلين".. لم يستعمله في غيرهما أبداً. ولذلك عندما قال لهم في مرض وفاته: إيتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً.. فهمت قريش أنه يريد أن يلزم المسلمين بإطاعة الأئمة من عترته بشكل مكتوب، فرفضت ذلك بصراحة ووقاحة! وقد روى البخاري هذه الحادثة في ستة أماكن من صحيحه!! وروت مصادرهم أن عمر افتخر في خلافته، بأنه بمساعدة قريش حال دون كتابة ذلك الكتاب!!

وعليه فإن ورود هذا التركيب في أكثر رواياتهم لخطب حجة الوداع للقرآن وحده دون العترة، يخالف الأسلوب النبوي، وتعبيره المبتكر في الوصية بهما معاً.. خاصة وأن الترمذي وغيره رووهما معاً!

والنتيجة: أن بشارة النبي صلى الله عليه وآله لأمته في حجة الوداع بالأئمة الإثني عشر، ووصيته بالثقلين، وجعله عترته الطاهرين علياً وفاطمة والحسن والحسين عدلاً للقرآن في وجوب الأتباع، أمرٌ ثابتٌ في مصادر جميع المسلمين.. لاينكره إلا من يريد أن يتعصب لقبيلة قريش، في مقابل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله.

وأما المبدأ الثالث من هذا الأساس "إعلان علي ولياً للأمة من بعده"، فهو صريح خطبة الغدير، وقد اقتصرنا منها على نزول الآيات الثلاث فيها، ولا يتسع موضوعنا لبحث أسانيد الخطبة ونصوصها، ودلالتها.. وقد تكفلت بذلك المصادر الحديثية والكلامية، ومن أقدمها كتاب "الولاية" للطبري السني، ومن أواخرها كتاب "الغدير" للعلامة الأميني رحمه الله.

وأما المبدأ الرابع من هذا الأساس "تأكيده صلى الله عليه وآله على أداء الفرائض وإطاعة ولاة الأمر"، فقد تقدم ذكره في فقرات الأساس الثاني، وقد اعترف الفخر الرازي وغيره في تفسير قوله تعالى "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" بأن غير المعصوم لايمكن أن يأمرنا الله تعالى بطاعته بدون شرط، لأنه يكون بذلك أمر بالمعصية! فلا بد أن يكون أولو الأمر في الآية معصومين.. وكذلك الأمر في الحديث النبوي الشريف في حجة الوداع، وغيرها.

وأما المبدأ الخامس من هذا الأساس "تخليده صلى الله عليه وآله مكان تعاهد قريش على حصار بني هاشم" فقد رواه البخاري في صحيحه:92:5 قال: "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منزلنا إن شاء الله إذا فتح الله، الخيف، حيث تقاسموا على الكفر". انتهى. ورواه في:246:4 و194:8 ورواه في:158:2 بنص أوضح، فقال: "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر وهو بمنى: نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر. يعني بذلك المحصب، وذلك أن قريشاً وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبدالمطلب أو بني المطلب، أن لايناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم!!". انتهى. ورواه مسلم:86:4 وأحمد:322:2 و237 و263 و353 و.540 ورواه البيهقي في سننه:160:5 بتفاوت، وقال "أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث الأوزاعي".

وقد رواه مسلم عن الأوزاعي، ولكن البخاري لم يروه عنه، بل عن أبي هريرة، ولم نجد في طريقه الى الأوزاعي، فهو اشتباه من البيهقي، ويحتمل أنه سقط من نسخة البخاري التي بأيدينا.

وفي رواية البيهقي عن الأوزاعي زيادة "أن لايناكحوهم، ولا يكون بينهم شي ء، حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم".

كما أن في رواياتهم تفاوتاً في وقت إعلان النبي صلى الله عليه وآله للمسلمين عن مكان نزوله في منى، فرواية البخاري تذكر أنه أعلن ذلك في منى بعد عرفات، بينما تذكر رواية الطبراني أنه أعلن ذلك في مكة قبل توجهه إلى الحج.. وهذا أقرب إلى اهتمامه صلى الله عليه وآله بالموضوع، وحرصه على تركيزه في أذهان المسلمين، خاصة أنه نزل في هذا المنزل، وبات فيه ليلة عرفات، وهو في طريقه إليها كما تقدم في رواية الدارمي، ثم نزل في ذلك المكان بعد عرفات طيلة أيام التشريق! قال في مجمع الزوائد:250:3 "عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل يوم التروية بيوم: منزلنا غداً إن شاء الله بالخيف الأيمن، حيث استقسم المشركون. رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات". انتهى.

والمسألة المهمة هنا أن هدف النبي أن يذكر قريشاً والمسلمين بحادثةٍ عظيمة وقعت في هذا المكان، قبل نحو أربع عشرة سنة من ذلك اليوم فقط! وهي حادثة تريد قريش أن تدفنها وأن ينساها الناس، ويريد الله ورسوله أن تخلد في ذاكرة المسلمين والتاريخ.. وكلها عارٌ على قريش، وفخرٌ للنبي صلى الله عليه وآله وبني هاشم.. وصورةٌ عن جهود فراعنة قريش، حيث استطاعوا أن يحققوا إجماع قبائلهم، ويقنعوا قبائل كنانة القريبة من الحرم بالتحالف معهم وتنفيذ المقاطعة التامة لبني هاشم!!

وقد نفذوها لسنين طويلة وضيقوا عليهم اقتصادياً واجتماعياً تضييقاً تاماً، حتى يتراجع محمد عن نبوته، أو يسلمه بنو هاشم إلى قريش ليقتلوه!! وقد اعتبر الفراعنة يومذاك أنهم نجحوا نجاحاً كبيراً وحققوا إجماع قريش وكنانة على هذا الهدف الشيطاني، وكان مؤتمرهم ذلك في المحصب في خيف بني كنانة حيث تقاسموا باللات والعزى على هدفهم، وكتبوا الصحيفة وختمها ثمانون رئيساً وشخصية منهم بخواتيمهم، وبدؤوا من اليوم الثاني بتنفيذها، واستمر حصارهم ومقاطعتهم نحو أربع سنوات وربما أكثر، الى قبيل هجرته صلى الله عليه وآله من مكة!!

وقد تضامن بنو هاشم مع النبي صلى الله عليه وآله، وقبلوا أن يحاصروا في شعب أبي طالب، مسلمهم وكافرهم ما عدا أبي لهب، وتحملوا سنوات الحصار والفقر والأذى والإهانة، ولم يشاركهم في ذلك أحد من المسلمين! حتى فرج الله عنهم بمعجزة!

لقد أراد النبي صلى الله عليه وآله أن يوعي المسلمين الجدد على تاريخ الإسلام، وتكاليف الوحي، ليعرفوا قيمته.. ويعرفهم أين يقع معدن الإسلام وأين يقع معدن الكفر!

كما أراد أن يبعث بذلك رسالة إلى بقية الفراعنة من زعماء قريش، من أعضاء مؤتر المقاطعة، الذين ما زالوا أحياء، بأنهم قد تحملوا وزر هذا الكفر والعار، ثم ارتكبوا بعده ما هو أعظم منه، ولم يتراجعوا إلا عندما جمعهم النبي في فتح مكة تحت سيوف بني هاشم والأنصار، فأعلنوا إسلامهم خوفاً من القتل.. وهاهم اليوم يخططون لوراثة دولة الإسلام التي بناها الله تعالى ورسوله، وهم كارهون!!

لقد أهلك الله تعالى عدداً قليلاً من أبطال ذلك الحلف الشيطاني، من سادة مؤتمر المحصب، بالموت، وبسيف علي بن أبي طالب.. ولكن العديد مثل سهيل بن عمرو، وأبي سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية بن خلف، وحكيم بن حزام، وصهيب بن سنان، وأباالأعور السلمي، وغيرهم من زعماء قريش وكنانة.. ما زالوا أحياءً ينظرون، وكانوا حاضرين مع النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع يسمعون كلامه ويذكرون ماضيهم بالأمس القريب جيداً، ويتعجبون من عفوه عنهم واكتفائه بإقامة الحجة الدامغة عليهم! وكانت تصرفاتهم الظاهرة والخفية، ومنطق الأمور، وشهادة أهل البيت، ومجرى التاريخ.. تدل على فرحهم بأن النبي صلى الله عليه وآله يعلن قرب موته ورحيله عنهم، وأنهم يعدون العدة لما بعده لحصار جديد لبني هاشم باسم الاسلام!! فأراد النبي صلى الله عليه وآله أن يذكرهم بخطتهم في حصارهم القديم، كيف أحبطها الله تعالى! وأنه سيحبط حصارهم الجديد أيضاً ولو بعد حين!!

وأما المبدأ السابع من هذا الأساس "تحذيره قريشاً أن تطغى من بعده"، فقد ذكرته أحاديث مصادرنا، وذكرته رواية الهيثمي المتقدمة في مجمع الزوائد عن فهد بن البحيري، الذي استمع على ما يبدو إلى خطبة يوم عرفة ونقل عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: "يا معشر قريش لاتجيئوا بالدنيا تحملونها على رقابكم وتجي ء الناس بالأخرة، فإني لاأغني عنكم من الله شيئاً". انتهى.

ونشكر الله تعالى أن فهداً البحيري هذا كان بدوياً، ولم يكن قرشياً ولا كنانياً، وإلا لجعل هذه الرواية سيفاً مسلطاً على رقبة بني هاشم، وأبعدها عن قريش، كما فعل الرواة القرشيون! فجعلونا نقرأ في مصادر السنيين عشرات الأحاديث "الصحيحة" في تحذير النبي صلى الله عليه وآله بني هاشم وبني عبدالمطلب وذمهم، ومنها هذا الحديث بهذه الصيغة ولكنه بزعمهم موجه لبني عبدالمطلب.. وليس لقريش!!

وجعلونا نقرأ عشرات الأحاديث في مدح قريش ووجوب أن تكون القيادة فيهم! ولا تكاد تجد فيها حديثاً في ذم قريش إلا وقد حرفوه إلى ذم بني هاشم! أو أحبطوا معناه بحديث آخر! أو حولوه إلى مدح لقريش!!

وحديث ابن البحيري هذا في حجة الوداع تحذيرٌ نبويٌّ صريح لقريش، وهو في محله ووقته تماماً.. لأن قريشاً ذات موقع مميز في العرب.. وهي المتصدية لقيادة عرب الجزيرة في حياة النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده.. فالخطر على أهل بيته إنما هو من قريش وحدها.. والتحريف الذي يخشى على الإسلام.. والظلم الذي يخشى على المسلمين إنما هو من قريش وحدها.. وبقية القبائل تبع لها!

والنبي صلى الله عليه وآله إنما هو مبلغ عن ربه، ومتمم لحجة ربه، وعليه أن يحذر وينذر.. ليحيى من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.

وأما المبدأ الثامن من هذا الأساس "تحذيره الصحابة من الإرتداد والصراع على السلطة"، فقد روته مصادر الجميع بصيغتين: مباشرة، وغير مباشرة..

أما غير المباشرة فهي قوله صلى الله عليه وآله: لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. وقد تقدم في نصوص الخطب أن ابن ماجة عقد باباً في سننه:1300:2 تحت هذا العنوان وقال فيه إن النبي صلى الله عليه وآله: "استنصت الناس فقال... ويحكم أو ويلكم، لاترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض... فلا تقتتلن بعدي". وهذا يعني أن ذلك سوف يقع منهم، وقد أخبرهم أنهم سيفعلون، ولكنه صلى الله عليه وآله استعمل كل بلاغته وكل عاطفته وكل موجبات الخوف والحذر ليقيم الحجة عليهم لربه عزوجل حتى إذا وافوه يوم القيامة لايقولوا: لماذا لم تحذرنا؟!

والذين يحذرهم من الإقتتال ليسوا إلا الصحابة لاغير.. لاغير.. لااليهود ولا القبائل العربية، ولا حتى زعماء قريش بدون شركائهم من الصحابة.. فالدولة الإسلامية كانت قائمة، وقد حققت مركزيتها على كل الجزيرة، والخوف من الإقتتال بعد النبي صلى الله عليه وآله ليس من القبائل التي خضعت للإسلام طوعاً أو كرهاً، مهما كانت كبيرة وموحدة مثل هوازن وغطفان.. فهي لاتستطيع أن تطمح إلى قيادة هذه الدولة، وإن طمحت فلا حظَّ لها في النجاح، إلا بواسطة الصحابة..

واليهود قد انكسروا وأجلى النبي صلى الله عليه وآله قسماً منهم من الجزيرة، ولم تبق لهم قوة عسكرية تذكر.. ومكائدهم وخططهم مهما كانت قوية وخبيثة، فلا حظَّ لها في النجاح إلا.. بواسطة الصحابة..

وزعماء قريش، مع أنهم يملكون جمهور قبائل قريش، ومعهم ألفا مقاتل، فهم لايستطيعون أن يدعوا حقاً في قيادة الدولة بعد النبي صلى الله عليه وآله لأنهم كلهم أعداؤه وطلقاؤه، يعني كان للنبي صلى الله عليه وآله الحق في أن يقتلهم، أو يتخذهم عبيداً، فاتخذهم عبيداً وأطلقهم.. فلا طريق لهم للقيادة إلا بواسطة العدد الضئيل من الصحابة، من القرشيين المهاجرين..

وبذلك يتضح أن تحذيره صلى الله عليه وآله من الصراع بعده على السلطة، ينحصر بالصحابة المهاجرين، ثم بالأنصار فقط.. وفقط!!

وهنا يأتي دور التحذير المباشر، الذي لاينقصه إلا الأسماء الصريحة.. وقد جاء هذا الإعلان النبوي على شكل لوحة من الغيب، عن المصير الذي يمشي إليها هؤلاء الصحابة المنحرفون المحرفون! لوحةٌ أخبره بها جبرئيل عليه السلام عن الله تعالى، يوم يجعل الله محمداً صلى الله عليه وآله رئيس المحشر، ويعطيه جبرئيل لواء الحمد، فيدفعه النبي إلى علي بن أبي طالب، فهو حامل لوائه في الدنيا والآخرة، ويكون جميع أهل المحشر تحت قيادة محمد صلى الله عليه وآله ويفتخر به آدم عليه السلام، حتى يدعى أبامحمد.. صلى الله عليه وآله. ويعطي الله تعالى رسوله الشفاعة وحوض الكوثر، فيفد عليه الوافدون من الأمم فيشفع لهم ويعطيهم بطاقة للشرب من حوض الكوثر، ليتغير بتلك الشربة تركيبهم الفيزيائي وتصلح أجسادهم لدخول الجنة والخلود في نعيمها.

وعندما يفد عليه أصحابه تحدث المفاجأة:

يأتي النداء الإلهي بمنع النبي صلى الله عليه وآله من الشفاعة لهم، ومنعهم من ورود الحوض، ويؤمر ملائكة العذاب بأخذهم إلى جهنم!!

هذا هو مستقبل هؤلاء الصحابة على لسان أصدق الخلق!!

إنها صورة رهيبة، جاء بها جبرئيل الأمين، لكي يبلغها النبي صلى الله عليه وآله إلى الأمة في حجة الوداع!!

وإنها أعظم كارثة على صحابة أعظم رسول صلى الله عليه وآله.. ولا بد أن سببها أنهم سوف يوقعون في أمته من بعده.. أعظم كارثة!! ولا ينجو من هؤلاء الصحابة إلا مثل "همل النعم" كما في روايات محبيهم الصحيحة بأشد شروط الصحة كالبخاري.. وهو تعبير نبوي عجيب، لأن همل النعم هي الغنم أو الإبل الفالتة من القطيع، الخارجة على راعيه!

وهو يدل على أن قطيع الصحابة في النار، وهملهم الذي يفلت منهم، يفلت من النار إلى الجنة! بل ذكر النبي صلى الله عليه وآله أن الصحابة الجهنميين زمرتان، مما يدل على أنهم خطان من صحابته لاخط واحد، وتقدم قول الحاكم عن حديثه: صحيح على شرط الشيخين، وفيه "ثم أقبلت زمرة أخرى، ففعل بهم كذلك، فلم يفلت إلا كمثل النعم!!".

إنها مسألةٌ مذهلةٌ.. صعبة التصور والتصديق، خاصة على المسلم الذي تربي على حب كل الصحابة، وخير القرون، والجيل الفريد، وحديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.. وعلى الصور واللوحات الرائعة للصحابة، التي كبر السني المسكين معها وكبرت معه.. فإذا به يفاجأ بهذه الصورة الشيطانية المخيفة عنهم!!

لو كان المتكلم عن الصحابة غير الرسول صلى الله عليه وآله لقالوا عنه إنه عدو للإسلام ولرسوله يريد أن يكيد للإسلام عن طريق الطعن في صحابة الرسول.. صلى الله عليه وآله! ولكن المتكلم هو.. الرسول صلى الله عليه وآله.. بعينه.. بنفسه.. وكلامه ليس اجتهاداً منه ولا رأياً رآه، حتى تقول قريش إنه يتكلم في الرضا والغضب، وكلامه في الغضب ليس حجة.. بل هو، يا عبّاد الصحابة المساكين، وحي نزل عليه من رب العالمين!!

إنها حقيقةٌ مرةٌ.. ولكن هل يجب أن تكون الحقيقة دائماً حلوة كما نشتهي.. وأن يكون الحق دائماً مفصلاً على مزاجنا، مطابقاً لموروثاتنا؟!

وماذا نصنع إذا كانت أحاديث الصحابة المطرودين، المرفوضين، الممنوعين من ورود الحوض مستفيضة في الصحاح، وهي في غير الصحاح أكثر.. وهي تصرح بأنه لاينجو منهم إلا مثل الهمل!!

قال الجوهري في الصحاح:1854:5 والهمل بالتحريك: الإبل التي ترعى بلا راع، مثل النفش، إلا أن النفش لايكون إلا ليلاً، والهمل يكون ليلاً ونهاراً. يقال: إبلٌ هملٌ وهاملة وهمال وهوامل. وتركتها هملاً: أي سدى، إذا أرسلتها ترعى ليلاً ونهاراً بلا راع.

وفي المثل: اختلط المرعى بالهمل. والمرعى الذي له راع. انتهى.

ولكن السؤال هو: لماذا طرح الرسول صلى الله عليه وآله موضوعهم في حجة الوداع؟!

الجواب: لأن الله تعالى أمره بذلك، فهو لاينطق عن الهوى، ولا علم له من نفسه بما سيفعله أصحابه من بعده، ولا بما سيجري له معهم يوم القيامة!!

وسؤال آخر: وماذا فعل الصحابة بعد الرسول؟ هل كفروا وارتدوا كما يقول الحديث؟ هل حرفوا الدين؟ هل اقتتلوا على السلطة والحكم؟!

والجواب: إقبل ما يقوله لك نبيك صلى الله عليه وآله، واسكت، ولا تصر رافضياً!

وسؤال آخر: لماذا اختار الله تعالى هذا الأسلوب في التحذير، ولم يهلك هؤلاء الصحابة، الذين سينحرفون، أو يأمر رسوله بقتلهم، أو يكشفهم للمسلمين ليحذروهم!

والجواب: هذه سياسته سبحانه وتعالى في إقامة الحجة كاملة على العباد، وترك الحرية لهم.. ليحيى من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.. ولا يسأل عما يفعل، وهم يسألون.. فهو سبحانه مالكهم له حق سؤالهم، وهو لايفعل الخطأ حتى يحاسب عليه. وهو سبحانه أعلم، وغير الأعلم لايمكنه أن يحاسب الأعلم ويسأله!

وسؤال آخر: ماذا كان وقع ذلك على الصحابة والمسلمين؟! ألم يهرعوا إلى الرسول صلى الله عليه وآله ليحدد لهم الطريق أكثر، ويعين لهم من يتبعونه بعده، حتى لايضلهم هؤلاء الصحابة الخطرون؟!

والجواب: لقد عين لهم الثقلين من بعده: كتاب الله وعترته، وبشرهم باثني عشر إماماً ربانياً يكونون منهم بعده.. وقبل حجة الوداع وبعدها، طالما حدد النبي صلى الله عليه وآله لهم عترته وأهل بيته بأسمائهم: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، حتى أن أحاديث الصحاح تقول إنه حددهم حسياً فأدار عليهم كساء يمانياً، وقال للمسلمين: هؤلاء عترتي أهل بيتي!!

ولم يكتف بذلك حتى أوقف المسلمين في رمضاء الجحفة بغدير خم، وأخذ بيد علي عليه السلام وبلغ الأمة إمامته من بعده، ونصب له خيمة، وأمر المسلمين أن يسلموا عليه بإمرة المؤمنين، ويباركوا له ولايته عليهم التي أمر بها الله تعالى. فهنؤوه جميعاً وباركوا له، وأمر النبي صلى الله عليه وآله نساءه وكنَّ معه في حجة الوداع، أن يهنئن علياً فجئن إلى باب خيمته وهنأنه وباركن له.. معلناتٍ رضاهن بولايته على الأمة. ثم أراد صلى الله عليه وآله في مرض وفاته أن يؤكد الحجة على الأمة بوثيقة مكتوبة، فطلب منهم أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً.. ولكنهم رفضوا ذلك بشدة! وقالوا له: شكراً أيها الرسول، لقد قررنا أن نضل، عالمين عامدين مختارين!! ولا نريد أن تكتب لنا أطيعوا بعدي عترتي علياً، ثم حسناً، ثم حسيناً، ثم تسعة من ذرية الحسين! وقالوا: لاتقربوا له دواة ولا قرطاساً!!

فهل تريد من نبيك صلى الله عليه وآله أن يقيم الحجة أكثر من هذا؟!

/ 47