تفسیر آیات الغدیر الثلاث نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر آیات الغدیر الثلاث - نسخه متنی

علی الکورانی العاملی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

استعمال الكمال والتمام في القرآن


وإذا تأملت المورد الوحيد الذي استعمل فيه القرآن لفظ "أكملت"! والموارد الأربعة الأخرى التي استعمل فيها مشتقات "كمل"، والموارد الأكثر التي استعمل فيها مشتقات "تم".. يتأكد لك ما ذهبنا اليه من التفريق بينهما.

ونكتفي بآية جمعت بينهما، وهي قوله تعالى "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة". سورة البقرة-232 فصفة الكمال للحولين تعني أن الحولين اسم مركب ينتفي بانتفاء جزء منه، فإن نقصت الرضاعة يوماً عنهما،

لم تتحقق الرضاعة لحولين. أما التمام فهو اسم للرضاعة الأعم، فإن نقصت عن الحولين فهي رضاعة، وإن كانت غير تامة.

مناقشة الأقوال في تفسير الآيةوبعد السؤال عن مكان الآية والفرق بين الكمال والتمام فيها.. يواجهنا السؤال عن معناها، وسبب نزولها.. وفي ذلك ثلاثة أقوال:

القول الاول:

قول أهل البيت أنها نزلت يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة في الجحفة، في رجوع النبي صلى الله عليه وآله من حجة الوداع، عندما أمره الله تعالى أن يوقف المسلمين في غدير خم، قبل أن تتشعب بهم الطرق، ويبلغهم ولاية علي عليه السلام من بعده، فأوقفهم وخطب فيهم وبلغهم ما أمره به ربه. وهذه نماذج من أحاديثهم:

فقد تقدم ما رواه الكليني في الكافي:289:1 عن الإمام محمد الباقر عليه السلام وفيه "وقال أبوجعفر عليه السلام: وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عزوجل: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، قال أبوجعفر عليه السلام: يقول الله عزوجل: لاأنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض.

وعن علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كنت عنده جالساً فقال له رجل: حدثني عن ولاية علي، أمن الله أو من رسوله؟

فغضب ثم قال: ويحك كان رسول الله صلى الله عليه وآله أخوف "لله" من أن يقول ما لم يأمره به الله!! بل افترضه الله، كما افترض الصلاة والزكاة والصوم والحج. انتهى.

وفي الكافي:198:1 :

أبومحمد القاسم بن العلاء رحمه الله رفعه عن عبدالعزيز بن مسلم قال: كنا مع الرضا عليه السلام بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي عليه السلام فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم عليه السلام ثم قال:

يا عبدالعزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله عزوجل لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شي ء، بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً، فقال عزوجل: ما فرطنا في الكتاب من شي ء، وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه وآله: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً.

وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بين لأمته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم علياً عليه السلام علماً وإماماً، وما ترك شيئاً تحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله عزوجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فهو كافر به.

هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة، فيجوز فيها اختيارهم؟!

إن الإمامة أجل قدراً، وأعظم شأناً، وأعلى مكاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً، من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم.

إن الإمامة خص الله عزوجل بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة، مرتبةً ثالثة، وفضيلة شرفه بها، وأشاد بها ذكره فقال: إني جاعلك للناس إماماً، فقال الخليل عليه السلام سروراً بها: ومن ذريتي؟ قال الله تبارك وتعالى: لاينال عهدي الظالمين.

فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة.

ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة، فقال: ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاًّ جعلنا صالحين. وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين. فلم تزل في ذريته، يرثها بعض عن بعض، قرناً فقرناً، حتى ورثها الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله فقال جل وتعالى: إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين، فكانت له خاصة فقلدها صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان، بقوله تعالى: قال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث، فهي في ولد علي عليه السلام خاصة إلى يوم القيامة، إذ لانبي بعد محمد صلى الله عليه وآله.

فمن أين يختار هؤلاء الجهال! انتهى.

القول الثاني:

قول المفسرين السنيين الموافق لقول أهل البيت عليهم السلام:

وأحاديثهم في بيعة الغدير تبلغ العشرات، وفيها صحاح من الدرجة الأولى وقد جمعها عدد من علمائهم القدماء منهم الطبري المؤرخ في كتابه "الولاية" فبلغت طرقها ونصوصها عنده مجلدين، وكذلك فعل ابن عساكر وغيره. وتنص رواياتها على أن النبي صلى الله عليه وآله أصعد علياً معه على المنبر، ورفع يده حتى بان بياض إبطيهما، وبلغ الأمة ما أمره الله فيه... إلخ. وقد انتقد بعض المتعصبين المحدث الطبري الذي يحترمونه بسبب تأليفه كتاب "الولاية" في أحاديث الغدير، خوفاً أن يحتج بها الشيعة عليهم، ويجادلوهم بها عند ربهم!

وتنص بعض روايات الغدير عندهم على أن آية إكمال الدين نزلت في الجحفة يوم الغدير بعد إبلاغ النبي صلى الله عليه وآله ولاية علي عليه السلام.

لكن أن أكثر علماء السنيين مع أنهم صححوا أحاديث الغدير، لم يقبلوا الأحاديث القائلة بأن آية إكمال الدين نزلت يوم الغدير، وأخذوا بقول عمر ومعاوية، أنها نزلت يوم عرفة، كما سيأتي.. فحديث الغدير محل إجماع عندهم، ونزول آية إكمال الدين فيه، محل خلاف.

وقد جمع أحاديث بيعة الغدير عدد من علماء الشيعة القدماء والمتأخرين، ومن أشهر المتأخرين: النقوي الهندي في كتابه عبقات الأنوار، والشيخ الأميني في كتابه الغدير، والسيد المرعشي في كتابه شرح إحقاق الحق، والسيد الميلاني في كتابه نفحات الأزهار.

وقد أورد صاحب الغدير عدداً من روايات مصادر السنيين في أن آية إكمال الدين نزلت في يوم الغدير، بعد إعلان النبي صلى الله عليه وآله ولاية علي عليه السلام.. وهذه خلاصة ما ذكره في الغدير:230:1 :

ومن الآيات النازلة يوم الغدير في أميرالمؤمنين عليه السلام قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً.. ثم أورد رحمه الله عدداً من المصادر التي روتها، نذكر منها:

1- الحافظ أبوجعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى310 روى في كتاب "الولاية" بإسناده عن زيد بن أرقم نزول الآية الكريمة يوم غدير خم في أميرالمؤمنين عليه السلام...

2- الحافظ ابن مردويه الأصفهاني المتوفى410 روى من طريق أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري... ثم رواه عن أبي هريرة...

3- الحافظ أبونعيم الأصبهاني المتوفى430 روى في كتابه "ما نزل من القرآن في علي"... عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى علي في غدير خم، وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقمَّ، وذلك يوم الخميس فدعا علياً فأخذ بضبعيه فرفعهما، حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم.. الآية... إلخ.

4- الحافظ أبوبكر الخطيب البغدادي المتوفى463 روى في تاريخه290:8... عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم... قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخٍ بخ ٍيا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله: اليوم أكملت لكم دينكم.. الآية.

5- الحافظ أبوسعيد السجستاني المتوفى477 في كتاب الولاية بإسناده عن يحيى بن عبدالحميد الحماني الكوفي، عن قيس بن الربيع، عن أبي هارون، عن أبي سعيد الخدري...

6- أبوالحسن ابن المغازلي الشافعي المتوفى483 روى في مناقبه عن أبي بكر أحمد بن محمد بن طاوان قال: أخبرنا أبوالحسين أحمد بن الحسين بن السماك قال: حدثني أبومحمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، حدثني على بن سعيد بن قتيبة الرملي، قال:.. عن أبي هريرة...

7- الحافظ أبوالقاسم الحاكم الحسكاني.... عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم، قال: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، وولاية علي بن أبي طالب من بعدي.

8- الحافظ أبوالقاسم بن عساكر الشافعي الدمشقي المتوفى571 روى الحديث المذكور بطريق ابن مردويه، عن أبي سعيد وأبي هريرة، كما في الدر المنثور259:2 .

9- أخطب الخطباء الخوارزمي المتوفى568 قال في المناقب:...80 عن أبي سعيد الخدري إنه قال: إن النبي صلى الله عليه وآله يوم دعا الناس إلى غدير خم أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقمَّ، وذلك يوم الخميس ثم دعا الناس إلى علي، فأخذ بضبعه فرفعها حتى نظر الناس إلى إبطيه، حتى نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم.. الآية...وروى في المناقب:...94 عن ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الوارق... إلى آخر ما مر عن الخطيب البغدادي سنداً ومتناً.

10- أبوالفتح النطنزي روى في كتابه الخصايص العلوية، عن أبي سعيد الخدري بلفظ مر في:43 وعن الخدري وجابر الأنصاري...

11- أبوحامد سعد الدين الصالحاني، قال شهاب الدين أحمد في توضيح الدلايل على ترجيح الفضايل: وبالإسناد المذكور عن مجاهد رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم، بغدير خم، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وبارك وسلم: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي. رواه الصالحاني.

12- شيخ الإسلام الحمويني الحنفي المتوفى722 روى في فرايد السمطين في الباب الثاني عشر، قال: أنبأني الشيخ تاج الدين... إلخ. انتهى.

القول الثالث:

قول عمر بأنها نزلت في حجة الوداع يوم عرفة يوم جمعة، وهذا هو القول المشهور عند السنيين، فقد رواه البخاري في صحيحه:16:1 عن طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أميرالمؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً!!

قال: آية آية؟

قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً.

قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة، يوم جمعة.

وفي البخاري127:5 :

عن طارق بن شهاب إن أناساً من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً.

فقال عمر: أيةُ آيةٍ؟

فقالوا: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً.

فقال عمر: إني لأعلم أي مكان أنزلت، أنزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة...

عن طارق بن شهاب: قالت اليهود لعمر: إنكم تقرؤون آية، لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً!

فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت، وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت. يوم عرفة وأنا والله بعرفة.

قال سفيان: وأشك كان يوم الجمعة، أم لا. وروى نحوه في137:8 .

وقد روت عامة مصادر السنيين رواية البخاري هذه ونحوها بطرق متعددة، وأخذ بها أكثر علمائهم، ولم يديروا بالاً لتشكيك سفيان الثوري والنسائي وغيرهما في أن يكون يوم عرفة في حجة الوداع يوم جمعة! ولا لرواياتهم المؤيدة لرأي أهل البيت عليهم السلام، التي تقدمت.. وذلك بسبب أن الخليفة عمر قال إنها لم تنزل يوم الغدير، بل نزلت في عرفات قبل الغدير بتسعة أيام، وقول عمر مقدم عندهم على كل اعتبار.

قال السيوطي في الإتقان75:1 عن الآيات التي نزلت في السفر:

منها: اليوم أكملت لكم دينكم. في الصحيح عن عمر أنها نزلت عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع، وله طرقٌ كثيرة. لكن أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري: أنها نزلت يوم غدير خم. وأخرج مثله من حديث أبي هريرة وفيه أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة مرجعه من حجة الوداع. وكلاهما لايصح. انتهى.

وقال في الدر المنثور:259:2 :

أخرج ابن مردويه، وابن عساكر بسند ضعيف، عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً يوم غدير خم، فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم.

وأخرج ابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: لما كان غدير خم وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه، فأنزل الله: اليوم أكملت لكم دينكم. انتهى.

وموقف السيوطي هو الموقف العام للعلماء السنيين.. ولكنه لايعني أنهم يضعفون حديث الغدير، فهم يقولون إنه صحيحٌ، لكن يدعون أن الآية نزلت قبله، تمسكاً بقول عمر الذي روته صحاحهم، فهم يتمسكون بحديث عمر حتى لو خالفته أحاديث صحاح، أو خالفه الحساب والتاريخ!

ومن المتعصبين لرأي عمر المذكور: ابن كثير، وهذه خلاصة كلامه في تفسيره:14:2 قال أسباط عن السدي: نزلت هذه الآية يوم عرفة، ولم ينزل بعدها حلالٌ ولا حرامٌ. وقال ابن جرير وغير واحد: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوماً، رواهما ابن جرير.

ثم ذكر ابن كثير رواية مسلم وأحمد والنسائي والترمذي المتقدمة وقال: قال سفيان: وأشك كان يوم الجمعة أم لا: اليوم أكملت لكم دينكم، الآية.

وشك سفيان رحمه الله إن كان في الرواية فهو تورُّعٌ، حيث شك هل أخبره شيخه بذلك أم لا، وإن كان شكاً في كون الوقوف في حجة الوداع كان يوم جمعة فهذا ما أخاله يصدر عن الثوري رحمه الله، فإن هذا أمر معلومٌ مقطوعٌ به، لم يختلف فيه أحدٌ من أصحاب المغازي والسير ولا من الفقهاء، وقد وردت في ذلك أحاديث متواترة، لايشك في صحتها، والله أعلم. وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر.وقال ابن جرير... عن قبيصة يعني ابن أبي ذئب قال: قال كعب: لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيداً يجتمعون فيه!!

فقال عمر: أي آيةٍ يا كعب؟

فقال: اليوم أكملت لكم دينكم.

فقال عمر: قد علمت اليوم الذي أنزلت والمكان الذي أنزلت فيه، نزلت في يوم الجمعة ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيدٌ... وقال ابن جرير:... حدثنا عمرو بن قيس السكوني أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر ينتزع بهذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم، حتى ختمها، فقال: نزلت في يوم عرفة، في يوم جمعة...وقال ابن جرير: وقد قيل ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس!!

ثم روى من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: اليوم أكملت لكم دينكم، يقول ليس بيوم معلوم عند الناس. قال: وقد قيل إنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره "إلى" حجة الوداع.

ثم قال ابن كثير:

قلت: وقد روى ابن مردويه من طريق أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم، حين قال لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه. ثم رواه عن أبي هريرة، وفيه أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، يعني مرجعه عليه السلام من حجة الوداع.

ولا يصح لاهذا ولا هذا، بل الصواب الذي لاشك فيه ولا مرية، أنها أنزلت يوم عرفة وكان يوم جمعة، كما روى ذلك أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأول ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان، وترجمان القرآن عبدالله بن عباس، وسمرة بن جندب رضي الله عنه، وأرسله الشعبي، وقتادة بن دعامة، وشهر بن حوشب، وغير واحد من الأئمة والعلماء، واختاره ابن جرير الطبري رحمه الله. انتهى.

وتلاحظ أن ابن كثير لايريد الإعتراف بوجود تشكيكٍ في أن يوم عرفة كان يوم جمعة، لأن ذلك يخالف قول عمر، وقد صعب عليه تشكيك سفيان الثوري الصريح فالتفَّ عليه ليخربه معتذراً بأنه احتياط وتقوى من الثوري!!

ومما يدل على أن الرواة كانوا في شكٍّ من أن يوم عرفات كان يوم جمعة ما رواه الطبري في تفسيره:111:4 ولم يذكره ابن كثير، قال:

حدثنا ابن المثنى قال: ثنا عبدالوهاب قال: ثنا داود قال قلت لعامر: إن اليهود تقول: كيف لم تحفظ العرب هذا اليوم الذي أكمل الله لها دينها فيه؟!

فقال عامر: أو ما حفظته؟

قلت له: فأي يوم؟

قال: يوم عرفة، أنزل الله في يوم عرفة!!

وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية، أعني قوله: اليوم أكملت لكم دينكم يوم الإثنين، وقالوا: أنزلت سورة المائدة بالمدينة.

ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق قال: أخبرنا محمد بن حرب قال: ثنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش عن ابن عباس: ولد نبيكم صلى الله عليه وآله يوم الإثنين، وخرج من مكة يوم الإثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وأنزلت سورة المائدة يوم الإثنين: اليوم أكملت لكم دينكم، ورفع الذكر يوم الإثنين.

ثم قال الطبري: وأولى الأقوال في وقت نزول الآية القول الذي روي عن عمر بن الخطاب أنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة، لصحة سنده ووهي أسانيد غيره. انتهى.

الموقف العلمي في سبب نزول الآيه


من حسن حظ الباحث هنا أن بإمكانه أن يفتش عني السبب الحقيقي لنزول الآية في أحاديث حجة الوداع، لأن هذا الوداع الرسولي المهيب قد تم بإعلانٍ ربانيٍّ مسبق، وإعدادٍ نبوي واسع.. وقد حضره ما بين سبعين ألفاً إلى مئة وعشرين ألفاً من المسلمين، ورووا الكثير من أحداثه، ومن أقوال النبي صلى الله عليه وآله وأفعاله فيها، ورووا أنه خطب في أثنائها خمس خطب أو أكثر.. وسجلوا يوم حركة النبي من المدينة، والأماكن التي مر بها أو توقف فيها، ومتى دخل مكة، ومتى وكيف أدى المناسك.. ثم رووا حركة رجوعه وما صادفه فيها.. إلى أن دخل إلى المدينة المنورة، وعاش فيها نحو شهرين هي بقية عمره الشريف صلى الله عليه وآله.

وعلى هذا، فإن عنصر التوقيت والتاريخ الحاسم هو الذي يجب أن يكون مرجحاً للرأي الصحيح في المسألة من بين الرأيين المتعارضين.

وعنصر التوقيت هنا يرجح قول أهل البيت عليهم السلام والروايات السنية الموافقة لهم، مضافاً إلى المرجحات الأخرى العلمية، التي تنضم إليه كما يلي:

أولاً: أن التعارض هنا ليس بين حديثين أحدهما أصح سنداً وأكثر طرقاً، كما توهم الطبري وغيره.. بل هو تعارض بين حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وبين قولٍ لعمر بن الخطاب.

فإن الأحاديث التي ضعفوها أحاديث نبوية مسندة، بينما أحاديث البخاري وغيره ما هي إلا قول لعمر لم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله!

فالباحث السني لايكفيه أن يستدل بقول عمر في سبب نزول القرآن، ويرد به الحديث النبوي المتضمن سبب النزول، بل لابد له أن يبحث في سند الحديث ونصه، فإن صح عنده فعليه أن يأخذ به ويترك قول عمر.. وإن لم يصح رجع إلى أقوال الصحابة المتعارضة، وجمع بين الموثوق منها إن أمكن الجمع، وإلا رجح بعضها وأخذ به، وترك الباقي.. ولكنهم لم يفعلوا ذلك مع الأسف!

ثانياً: لو تنزلنا وقلنا إن أحاديث أهل البيت عليهم السلام في سبب نزول الآية والأحاديث السنية المؤيدة لها ليست أكثر من رأي لأهل البيت ومن أيدهم في ذلك، وأن التعارض يصير بين قولين لصحابيين في سبب النزول، أو بين قول صحابي وقول بعض أئمة أهل البيت عليهم السلام.. فنقول:

إن النبي صلى الله عليه وآله أوصى أمته بأخذ الدين من أهل بيته عليهم السلام ولم يوصها بأخذه من أصحابه.. وذلك في حديث الثقلين الصحيح المتواتر عند الجميع، وهو كما في مسند أحمد:14:3 عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تاركٌ فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. انتهى. ورواه أيضاً في26:3-17 و59 و366:4 و371 والدارمي:431:2 ومسلم122:7 والحاكم، وصححه على شرط الشيخين وغيرهما في:109:3 و148 والبيهقي في سننه:148:2 وغيرهم.

وهذا الحديث الصحيح بدرجة عالية يدل على حصر مصدر الدين بعد النبي صلى الله عليه وآله بأهل بيته صلى الله عليهم، أو يدل على الأقل على ترجيح قولهم عند تعارضه مع قول غيرهم.. لذا يجب ترجيحه هنا.

ثالثاًً: أن الرواية عن عمر نفسه متعارضة، وتعارضها يوجب التوقف في الأخذ بها، فقد رووا عنه أن يوم عرفة في حجة الوداع كان يوم خميس، وليس يوم جمعة. قال النسائي في سننه:251:5 :

أخبرنا إسحق بن إبراهيم قال: أنبأنا عبدالله بن إدريس، عن أبيه، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: قال يهودي لعمر: لو علينا نزلت هذه الآية لاتخذناه عيداً: اليوم أكملت لكم دينكم. قال عمر: قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه والليلة التي أنزلت، ليلة الجمعة ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات! انتهى.

والطريف أن النسائي روى عن عمر في:114:8 أنها نزلت في عرفات في يوم جمعة!

رابعاً: تقدم قول البخاري في روايته أن سفيان الثوري، وهو من أئمة الحديث والعقيدة عندهم، لم يوافق على أن يوم عرفة كان يوم جمعة "قال سفيان وأشك كان يوم الجمعة أم لا.." وهناك عددٌ من الروايات تؤيد شك سفيان! بل يظهر أن سفياناً كان قاطعاً بأن يوم عرفة في حجة الوداع لم يكن يوم جمعة، وإنما قال "أشك" مداراة لجماعة عمر، الذين فرضوا سلطتهم ورتبوا كل روايات أحداث حجة الوداع، بل وأحداث التاريخ الإسلامي كلها.. على أساس أن يوم عرفات كان يوم جمعة، كما ستعرف!

خامساً: أن عيد المسلمين هو يوم الأضحى، وليس يوم عرفة، ولم أجد روايةً تدل على أن يوم عرفة عيدٌ شرعي، فالقول بذلك مما تفرد به عمر بن الخطاب، ولم يوافقه عليه أحدٌ من المسلمين. فيجب أن يدخل عند السلفيين يدخل في باب البدعة!

أما إذا أخذنا برواية النسائي القائلة إن عرفة كان يوم خميس، وأن الآية نزلت ليلة عرفة.. فلا يبقى عيد حتى يصطدم به العيد النازل من السماء، ولا يحتاج الأمر إلى قانون إدغام الأعياد الإلهية المتصادمة، كما ادعى عمر! وعلى هذا يكون معنى جوابه أن يوم نزول آية إكمال الدين يستحق أن يكون عيداً، ولكن آيته نزلت قبل العيد بيومين، فلم نتخذ يومها عيدا! وهو كلام متهافت!

سادساً: أن قول عمر يناقض ما رووه عنه نفسه بسند صحيح أيضاً.. فقد فهم هذا اليهودي من الآية أن الله تعالى قد أكمل تنزيل الإسلام وختمه في يوم نزول الآية، وقبل عمر منه هذا التفسير.. فلا بد أن يكون نزولها بعد نزول جميع الفرائض، فيصح على رأيه ما قاله أهل البيت عليهم السلام وما قاله السدي وابن عباس وغيرهما من أنه لم تنزل بعدها فريضةٌ ولا حكم. مع أن عمر قال إن آية إكمال الدين نزلت قبل آيات الكلالة، وأحكام الإرث، وغيرها، كما تقدم في بحث آخر ما نزل من القرآن! فوجب على مذهبه أن يقول لليهودي: ليس معنى الآية كما ظننت، بل كان بقي من الدين عدة أحكامٍ وشرائع نزلت بعدها، وذلك اليوم هو الجدير بأن يكون عيداً، وليس يوم نزول الآية!

وعندما تتناقض الروايات عن شخص واحد، فلا بد من التوقف فيها جميعاً، وتجميد كل روايات عمر في آخر ما نزل من القرآن، وفي وقت نزول آية إكمال الدين، لأنه اضطرب في المسألة أو اضطربت روايتها عنه!

ومن جهة أخرى، فقد أقر عمر أن "اليوم" في الآية هو اليوم المعين الذي نزلت فيه، وليس وقتاً مجملاً ولا يوماً مضى قبل سنين كفتح مكة، أو يوم يأتي بعد شهور مثلاً. وهذا يستوجب رد قول الطبري الذي تعمد اختياره ليوافق عمر، ويستوجب رد كل الروايات التي تريد تعويم كلمة "اليوم" في الآية، أو تريد جعله يوم فتح مكة، لتبرير رأي عمر.

قال القرطبي في تفسيره:143:1 وقد يطلق اليوم على الساعة منه قال الله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم، وجمع يوم أيام، وأصله أيوام فأدغم.

وقال في:61:2 واليوم قد يعبر بجزء منه عن جميعه، وكذلك عن الشهر ببعضه تقول: فعلنا في شهر كذا كذا وفي سنة كذا كذا، ومعلوم أنك لم تستوعب الشهر ولا السنة، وذلك مستعملٌ في لسان العرب والعجم. انتهى.

سابعاًً: أن جواب عمر لليهودي غير مقنعٍ لالليهودي ولا للمسلم! لأنه إن كان يقصد الإعتذار بأن نزولها صادف يوم عيد ولذلك لم نتخذ يومها عيداً، فيمكن لليهودي أن يجيبه: لماذا خرب عليكم ربكم هذا العيد وأنزله في ذلك اليوم؟!

وإن كان يقصد إدغام عيد إكمال الدين بعيد عرفة، حتى صار جزءاً منه، فمن حق سائل أن يسأل: هذا يعني أنكم جعلتم يوم نزولها نصف عيد، مشتركاً مع عرفة.. فأين هذا العيد الذي لايوجد له أثر عندكم، إلا عند الشيعة؟!

وإن كان يقصد أن هذا اليوم الشريف والعيد العظيم، قد صادف يوم جمعة ويوم عرفة، فأدغم فيهما وذاب، أو أكلاه واختفى! فكيف أنزل الله تعالى هذا العيد على عيدين، وهو يعلم أنهما سيأكلانه؟!

فهل تعمد الله تعالى تذويب هذا العيد، أم نسي والعياذ بالله، فأنزل عيداً في يوم عيد، فتدارك المسلمون الأمر بقرار الدمج والإدغام، أو التنصيف!!

ثم من الذي اتخذ قرار الإدغام؟ ومن الذي يحق له أن يدغم عيداً إلهياً في عيد آخر، أو يطعم عيداً ربانياً لعيد آخر؟!

وما بال الأمة الإسلامية لم يكن عندها خبر من حادثة اصطدام الأعياد الربانية في عرفات، حتى جاء هذا اليهودي في خلافة عمر ونبههم! فأخبره الخليفة عمر بأنه يوافقه على كل ما يقوله، وأخبره وأخبر المسلمين بقصة تصادم الأعياد الإلهية في عرفات، وأن الحكم الشرعي في هذا التصادم هو الإدغام لمصلحة العيد السابق، أو إطعام العيد اللاحق للسابق! وهل هذه الأحكام للأعياد أحكامٌ إسلامية ربانية، أم أحكام عمرية استحسانية، شبيهاً بقانون تصادم السيارات، أو قانون تصادم الأعياد الوطنية والدينية؟!!

إن المشكلة التي طرحها اليهودي، ما زالت قائمة عند الخليفة وأتباعه، لأن الخليفة لم يقدم لها حلاًّ.. وكل الذي قدمه أنه اعترف بها وأقرها، ثم رتب عليها أحكاماً لايمكن قبولها، ولم يقل إنه سمعها من النبي صلى الله عليه وآله! فقد اعترف "خليفة المسلمين" بأن يوم نزول الآية يوم عظيمٌ ومهمٌّ بالنسبة إلى المسلمين، لأنه يوم مصيري وتاريخي أكمل الله فيه تنزيل الإسلام، وأتمَّ فيه النعمة على أمته، ورضيه لهم ديناً يدينونه به، ويسيرون عليه، ويدعون الأمم إليه. وأن هذا اليوم العظيم يستحق أن يكون عيداً شرعياً للأمة الإسلامية تحتفل فيه وتجتمع فيه، في صف أعيادها الشرعية الثلاث: الفطر والأضحى والجمعة، وأنه لو كان عند أمة أخرى يوم مثله، لأعلنته عيداً ربانياً، وكان من حقها ذلك شرعاً..

لقد وافق الخليفة صاحه اليهودي على كل هذا، وبذلك يكون عيد إكمال الدين في فقه إخواننا عيداً شرعياً سنوياً، يضاف إلى عيدي الفطر والأضحى السنويين وعيد الجمعة الأسبوعي!

إن الناظر في المسألة يلمس أن عمر وقع في ورطة "آية علي بن أبي طالب" من ناحيتين: فهو من ناحية ناقض نفسه في آخر ما نزل من القرآن.. ومن ناحية فتح على نفسه المطالبة بعيد الآية إلى يوم القيامة!!

وصار من حق المسلم أن يطالب الفقهاء أتباع عمر عن هذا العيد الذي لايرى له عيناً ولا أثراً، ولا إسماً ولا رسماً في تاريخ المسلمين ولا في حياتهم، ولا في مصادرهم إلا.. عند الشيعة!

ثم.. ألا يتفقون معنا في أن الأعياد الإسلامية توقيفية، فلا يجوز لأحد أن يشرع عيداً من نفسه..؟!!

إن حجة الشيعة في جعل يوم الغدير عيداً، أن أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم رووا عن النبي صلى الله عليه وآله أن يوم الآية أي يوم الغدير عيدٌ شرعي، وأن جبرئيل أخبره بأن الأنبياء عليهم السلام كانوا يأمرون أممهم أن تتخذ يوم نصب الوصي عيداً، وأمره أن يتخذه عيداً.

فما هي حجة عمرفي تأييد كلام اليهودي، وموافقته له بأن ذلك اليوم يستحق أن يكون عيداً شرعياً للأمة الإسلامية! ثم أخذ يعتذر له بأن مصادفة نزولها في عيدين أوجبت عدم إفراد المسلمين ليومها بعيد... إلخ.

فإن كان حكم من عند نفسه بأن يوم الآية يستحق أن يكون عيداً، فهو تشريع وبدعة، وإن كان سمعه من النبي صلى الله عليه وآله، فلماذا لم يذكره ولم يرو أحدٌ من المسلمين شيئاً عن عيد الآية، إلا ما رواه الشيعة؟!

ثامناً: لو كان يوم يوم عرفة يوم جمعة كما قال عمر في بعض أقواله، لصلى النبي صلى الله عليه وآله بالمسلمين صلاة الجمعة، مع أن أحداً لم يرو أنه صلى الجمعة في عرفات، بل روى النسائي وغيره أنه قد صلى الظهر والعصر! والظاهر أن النسائي يوافق سفيان الثوري ولا يوافق عمر، فقد جعل في سننه:290:1 عنواناً باسم "الجمع بين الظهر والعصر بعرفة" وروى فيه عن جابر بن عبدالله قال: سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس، أمر بالقصواء فرحلت له، حتى إذا انتهى إلى بطن الوادي خطب الناس، ثم أذن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً!! انتهى. وكذلك روى أبوداود في سننه:429:1 قال:

عن ابن عمر قال: غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة، حتى أتى عرفة فنزل بنمرة، وهي منزل الإمام الذي ينزل بعرفة، حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجراً، فجمع بين الظهر والعصر، ثم خطب الناس، ثم راح فوقف على الموقف من عرفة. انتهى.

وأما الجواب بأن الجمعة تسقط في السفر، فهو أمر مختلفٌ فيه عندهم، ولو صح أن يوم عرفة كان يوم جمعة ولم يصل النبي صلى الله عليه وآله صلاة الجمعة، لذكر ذلك مئات المسلمين الذين كانوا في حجة الوداع!

وقد تمحل ابن حزم في الجواب عن ذلك فقال في المحلى:272:7 :

مسألة: وإن وافق الإمام يوم عرفة يوم جمعةٍ جهر وهي صلاة جمعة! ويصلي الجمعة أيضاً بمنى وبمكة، لأن النص لم يأت بالنهي عن ذلك، وقال تعالى: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، فلم يخص الله تعالى بذلك غير يوم عرفة ومنى. وروينا... عن عطاء بن أبي رباح قال: إذا وافق يوم جمعة يوم عرفة، جهر الإمام بالقراءة... فإن ذكروا خبراً رويناه... عن الحسن بن مسلم قال: وافق يوم التروية يوم الجمعة وحجة النبي عليه السلام فقال: من استطاع منكم أن يصلي الظهر بمنى فليفعل، فصلى الظهر بمنى ولم يخطب... فهذا خبرٌ موضوعٌ فيه كل بلية: إبراهيم بن أبي يحيى مذكور بالكذب متروك من الكل، ثم هو مرسل، وفيه عن ابن الزبير، مع ابن أبي يحيى الحجاج بن أرطاة، وهو ساقط، ثم الكذب فيه ظاهر، لأن يوم التروية في حجة النبي عليه السلام إنما كان يوم الخميس، وكان يوم عرفة يوم الجمعة، روينا ذلك من طريق البخاري...

فإن قيل: إن الآثار كلها إنما فيها جمع رسول الله عليه السلام بعرفة بين الظهر والعصر؟

قلنا: نعم وصلاة الجمعة هي صلاة الظهر نفسها! وليس في شي ء من الآثار أنه عليه السلام لم يجهر فيها، والجهر أيضاً ليس فرضاً، وإنما في أن ظهر الجمعة في الحضر والسفر للجماعة ركعتان. انتهى.

وجوابنا لابن حزم: أنه مصادرة على المطلوب، لأن حجته في رد الرواية مجرد مخالفتها لقول عمر بأن يوم عرفة لم يكن يوم جمعة! فلماذا لم يرد قول عمر بقوله الثاني بأن عرفة كانت يوم خميس، وروايته صحيحة؟ أو بقول النسائي والثوري، والأقوال العديدة التي ذكرها الطبري وغيره؟

ولو صح ما قاله من أن النبي صلى الله عليه وآله اعتبر ركعتي الظهر في عرفة صلاة جمعة لأنه جهر فيهما، لاشتهر بين المسلمين أن النبي صلى الله عليه وآله جهر في صلاة الظهر التي لايجهر بها لتصبح "أتوماتيكياً" صلاة جمعة!

بل إن الرواية التي كذبها وهاجمها بسبب مخالفتها لرواية عمر تنص على أنه صلى الله عليه وآله صلى الجمعة في منى، وهي أقرب إلى حساب سفره صلى الله عليه وآله من المدينة الذي كان يوم الخميس لأربع بقين من ذي القعدة، ووصوله إلى مكة يوم الخميس لأربع مضين من ذي الحجة، وأن أول ذي الحجة كان يوم الإثنين، فيوم عرفة يوم الثلاثاء، وعيد الأضحى الأربعاء، ويوم الجمعة كان ثاني عشر ذي الحجة كما سيأتي.. فيكون قول الراوي إن الجمعة كانت في منى قولاً صحيحاً، ولكنه اشتبه وحسبها قبل موقف عرفات، مع أنها كانت بعده!

تاسعاً: إن القول بأن يوم عرفة في تلك السنة كان يوم جمعة، تعارضه رواياتهم التي تقول إنه صليالله عليه وآله عاش بعد نزول الآية إحدى وثمانين ليلةً أو ثمانين!

فقد ثبت عندهم أن وفاة النبي صلى الله عليه وآله في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، ومن9 ذي الحجة إلى12 ربيع الأول أكثر من تسعين يوماً.. فلا بد لهم إما أن يأخذوا برواية وفاته قبل ذلك فيوافقونا على أنها في28 من صفر، أو يوافقونا على نزول الآية في يوم الغدير18 ذي الحجة.

قال السيوطي في الدر المنثور:259:2 :

وأخرج ابن جرير، عن ابن جريج قال: مكث النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الآية إحدى وثمانين ليلة، قوله: اليوم أكملت لكم دينكم. انتهى. وذكر نحوه في:257:2 عن البيهقي في شعب الإيمان.

وقال ابن حجر في تلخيص الحبير بهامش مجموع النووي:7:3 :

وروى أبوعبيد، عن حجاج، عن ابن جريح أنه صلى الله عليه وسلم لم يبق بعد نزول قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم إلا إحدى وثمانين ليلة. ورواه الطبراني في المعجم الكبير برقم12984 ورواه الطبري في تفسيره:106:4 عن ابن جريح قال: حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثنا حجاج عن ابن جريج قال: مكث النبي صلى الله عليه وآله بعد ما نزلت هذه الآية إحدى وثمانين ليلة، قوله: اليوم أكملت لكم دينكم.

وقال القرطبي في تفسيره:223:20 :

وقال ابن عمر: نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع ثم نزلت: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي. فعاش بعدهما النبي صلى الله عليه وسلم ثمانين يوماً. ثم نزلت آية الكلالة فعاش بعدها خمسين يوماً، ثم نزل لقد جاءكم رسول من أنفسكم. فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوماً. ثم نزل واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله فعاش بعدها أحدا وعشرين يوماً. وقال مقاتل سبعة أيام. وقيل غير هذا. انتهى.

ورواية ابن عمر تؤيد قول أبيه بنزول آية الكلالة بعد آية إكمال الدين، ولكنه نسي آية الربا التي قال أبوه أيضاً إنها آخر آية، كما خالف أباه من ناحية أخرى في أن آية إكمال الدين نزلت في عرفة، وقال إنها نزلت بعد سورة النصر بمنى، يعني بعد انتهاء حجة الوداع وسفر النبي صلى الله عليه وآله، واقترب من القول بنزولها في الغدير!!

فإن صح الحديث عن ابن عمر، فقد رتق جانباً وفتق جوانب!

قال الأميني في الغدير:230:1 :

الذي يساعده الإعتبار ويؤكده النقل الثابت في تفسير الرازي:529:3 عن أصحاب الآثار: أنه لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم لم يعمر بعد نزولها إلا أحدا وثمانين يوماً، أو اثنين وثمانين، وعينه أبوالسعود في تفسيره بهامش تفسير الرازي:523:3 وذكر المؤرخون منهم أن وفاته صلى الله عليه وآله في الثاني عشر من ربيع الأول، وكأن فيه تسامحاً بزيادة يوم واحد على الإثنين وثمانين يوماً، بعد إخراج يومي الغدير والوفاة..

وعلى أي حال فهو أقرب إلى الحقيقة من كون نزولها يوم عرفة، كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما لزيادة الأيام حينئذ. انتهى.

كما إن رواياتهم التي تنص على أن الآية نزلت يوم الإثنين تعارض قول عمر بأن يوم عرفات كان يوم جمعة..

ففي دلائل البيهقي:233:7 عن ابن عباس قال:

ولد نبيكم صلى الله عليه وآله يوم الإثنين، ونبئ يوم الإثنين، وخرج من مكة يوم الإثنين، وفتح مكة يوم الإثنين ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين: اليوم أكملت لكم دينكم وتوفي يوم الإثنين.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد196:1 :

رواه أحمد والطبراني في الكبير وزاد فيه: وفتح بدراً يوم الإثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين: اليوم أكملت لكم دينكم، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات من أهل الصحيح. انتهى.

وللحديث طرقٌ ليس فيها ابن لهيعة.. ولكن علته الحقيقية عندهم مخالفته لما قاله الخليفة عمر، كما صرح به السيوطي وابن كثير! فقد قال ابن كثير في سيرته:198:1 تفرد به أحمد، ورواه عمرو بن بكير عن ابن لهيعة، وزاد: نزلت سورة المائدة يوم الإثنين: اليوم أكملت لكم دينكم، وهكذا رواه بعضهم عن موسى بن داود به، وزاد أيضاً: وكانت وقعة بدر يوم الإثنين. وممن قال هذا يزيد بن حبيب. وهذا منكرٌ جداً!! قال ابن عساكر: والمحفوظ أن بدراً ونزول: اليوم أكملت لكم دينكم يوم الجمعة، وصدق ابن عساكر. انتهى.

وقد تقدم أن علة نكارته عند ابن كثير أنه مخالف لقول عمر، وقول معاوية! وقد كان ابن عساكر أكثر اتزاناً منه حيث لم يصف الخبر بالضعف أو النكارة، بل قال إنه مخالف للمحفوظ، أي المشهور عندهم، وهو قول عمر.

وينبغي الإلفات إلى أن الإشكال عليهم بأحاديث نزول الآية في يوم الإثنين إنما هو إلزامٌ لهم بما التزموا به، وإلا فنحن لانقبل أنه صلى الله عليه وآله لم يبق بعد الآية إلا ثمانين يوماً، لأن المعتمد عندنا أن الآية نزلت يوم الثامن عشر من ذي الحجة، وأن وفاته صلى الله عليه وآله كانت في الثامن والعشرين من صفر، فتكون الفاصلة بنحو سبعين يوماً.

وقد ثبت عندنا أن الآية نزلت يوم الخميس، وفي رواية يوم الجمعة، كما ثبت عندنا أن بعثة النبي صلى الله عليه وآله كانت يوم الإثنين، وأن علياً عليه السلام صلى معه يوم الثلاثاء، وأن وفاته صلى الله عليه وآله كانت في يوم الإثنين أيضاً، وقد تكون سورة المائدة نزلت يوم الإثنين أي أكثرها، ثم نزلت بقيتها بعد ذلك، ومنها آية التبليغ، وآية إكمال الدين.

عاشراً: إن القول بأن يوم عرفة في تلك السنة كان يوم جمعة، تعارضه الروايات التي سجلت يوم حركة النبي صلى الله عليه وآله من المدينة، وأنه كان يوم الخميس لأربعٍ بقين من ذي القعدة. وهو الرواية المشهورة عن أهل البيت عليهم السلام، وهي منسجمةٌ مع تاريخ نزول الآية في يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجة.

وذلك، لأن سفر النبي صلى الله عليه وآله كان في يوم الخميس، أي في اليوم السابع والعشرين من ذي القعدة، لأربع بقين من ذي القعدة هي: الخميس والجمعة والسبت والأحد.. ويكون أول ذي الحجة يوم الإثنين، ووصول النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة عصر الخميس الرابع من ذي الحجة في سلخ الرابع، كما في رواية الكافي:245:4 ويكون يوم عرفة يوم الثلاثاء، ويوم الغدير يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة. وهذه نماذج من روايات أهل البيت عليهم السلام في ذلك:

ففي وسائل الشيعة:318:9 :

محمد بن إدريس في "آخر السرائر" نقلاً من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله لأربعٍ بقين من ذي القعدة، ودخل مكة لأربعٍ مضين من ذي الحجة، دخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين، وخرج من أسفلها.

وفي الكافي:245:4 :

عن أبي عبدالله عليه السلام قال: حج رسول الله صلى الله عليه وآله عشرين حجة... إن رسول الله صلى الله عليه وآله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج، ثم أنزل الله عزوجل عليه: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فجٍّ عميق، فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم بأن رسول الله صلى الله عليه وآله يحج في عامه هذا، فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب، واجتمعوا لحج رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنما كانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون ويتبعونه، أو يصنع شيئاً فيصنعونه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى إلى ذي الحليفة زالت الشمس فاغتسل، ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلى فيه الظهر، وعزم بالحج مفرداً، وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول فصف له سماطان، فلبى بالحج مفرداً، وساق الهدي ستاً وستين أو أربعاً وستين، حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجة فطاف بالبيت سبعة أشواط، ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام، ثم عاد إلى الحجر فاستلمه...

وفي المسترشد:119 :

العبدي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله دعا الناس إلى علي عليه السلام بغدير خم، وأمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقمَّ، وذلك يوم الخميس، ثم دعا الناس، وأخذ بضبعيه ورفعه حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي وبالولاية لعلي من بعدي. انتهى.

ويؤيد قول أهل البيت عليهم السلام ما روته مصادر الفريقين من أن النبي صلى الله عليه وآله كان لايبدأ سفره إلا يوم الخميس، أو قلما يبدأه في غيره كما في البخاري:6:4 وسنن أبي داود586:1 بل تنص رواية ابن سيد الناس في عيون الأثر:341:2 على أن سفر النبي من المدينة كان يوم الخميس.

وروى في بحارالأنوار:272:16 عن الكافي بسند مقبول عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان النبي صلى الله عليه وآله إذا خرج في الصيف من البيت خرج يوم الخميس، وإذا أراد أن يدخل في الشتاء من البرد، دخل يوم الجمعة. انتهى.

ويؤيد قول أهل البيت عليهم السلام أيضاً ما رووه عن جابر بأن حركته صلى الله عليه وآله كانت لأربعٍ بقين من ذي القعدة، كما يأتي من سيرة ابن كثير. بل يؤيده أيضاً، أن البخاري وأكثر الصحاح رووا أن سفره صلى الله عليه وآله كان كان لخمسٍ بقين من ذي القعدة، بدون تحديد يوم. راجع البخاري:146:2 و184 و187 و7:4 وفيه "وقدم مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة، "والنسائي:154:1 و208 و121:5 ومسلم:32:4 وابن ماجة:993:2 والبيهقي:33:5 وغيرها.

ويؤيده أيضاً أن مدة سيره صلى الله عليه وآله من المدينة إلى مكة لاتزيد على ثمانية أيامٍ، وذلك بملاحظة الطريق الذي سلكه، والذي هو في حدود400 كيلو متراً، وملاحظة سرعة السير، حتى أن بعض الناس شكوا له تعب أرجلهم فعلمهم النبي صلى الله عليه وآله أن يشدوها! وأن أحداً لم يرو توقفه في طريق مكة أبداً. وبملاحظة روايات رجوعه ووصوله إلى المدينة أيضاً، مع أنه توقف طويلاً نسبياً في الغدير... إلخ. ثم بملاحظة الروايات التي تتفق على أن وصوله إلى مكة كان في الرابع من ذي الحجة كما رأيت في روايات أهل البيت عليهم السلام ورواية البخاري الآنفة! وبذلك تسقط رواية خروجه من المدينة لستٍّ بقين من ذي الحجة، كما في عمدة القاري، وإرشاد الساري، وابن حزم، وهامش السيرة الحلبية:257:3 لأنها تستلزم أن تكون مدة السير إلى مكة عشرة أيام!

وبهذا يتضح حال القول المخالف لرواية أهل البيت عليهم السلام الذي اعتمد أصحابه رواية "خمس بقين من ذي القعدة" وحاولوا تطبيقها على يوم السبت، ليجعلوا أول ذي الحجة الخميس، ويجعلوا يوم عرفة يوم الجمعة تصديقا لقول عمر، بل تراهم ملكيين أكثر من الملك، لما تقدم عن عمر من أن يوم عرفة كان يوم الخميس. وممن قال برواية السبت ابن سعد في الطبقات:124:2 والواقدي في المغازي:1089:2 وكذا في هامش السيرة الحلبية:3:3 والطبري:148:3 وتاريخ الذهبي:701:2 وغيرهم.

وعلى هذه الرواية يكون الباقي من شهر ذي القعدة خمسة أيام هي: السبت والأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء، ويكون أول ذي الحجة الخميس، ويكون يوم عرفة يوم الجمعة، وتكون مدة السير إلى مكة تسعة أيام، إلا أن يكون الراوي تصور أن ذي القعدة كان تاماً، فظهر ناقصاً.وقد حاول ابن كثير الدفاع عن هذا القول، فقال في سيرته:217:4 :

وقال أحمد... عن أنس بن مالك الأنصاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر في مسجده بالمدينة أربع ركعات، ثم صلى بنا العصر بذي الحليفة ركعتين آمناً لايخاف، في حجة الوداع. تفرد به أحمد من هذين الوجهين، وهما على شرط الصحيح. وهذا ينفي كون خروجه عليه السلام يوم الجمعة قطعاً.

ولا يجوز على هذا أن يكون خروجه يوم الخميس كما قال ابن حزم، لأنه كان يوم الرابع والعشرين من ذي القعدة، لأنه لاخلاف أن أول ذي الحجة كان يوم الخميس لما ثبت "بالتواتر والإجماع" من أنه عليه السلام وقف بعرفة يوم الجمعة، وهو تاسع ذي الحجة بلا نزاع.

فلو كان خروجه يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي القعدة، لبقي في الشهر ست ليال قطعاً: ليلة الجمعة والسبت والأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء. فهذه ست ليال. وقد قال ابن عباس وعائشة وجابر إنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة وتعذر أنه يوم الجمعة لحديث أنس، فتعين على هذا أنه عليه السلام خرج من المدينة يوم السبت، وظن الراوي أن الشهر يكون تاماً فاتفق في تلك السنة نقصانه، فانسلخ يوم الأربعاء واستهل شهر ذي الحجة ليلة الخميس. ويؤيده ما وقع في رواية جابر: لخمس بقين أو أربع.

وهذا التقريب على هذا التقدير لامحيد عنه ولا بد منه. والله أعلم. انتهى.

ويظهر من كلام ابن كثير عدم اطمئنانه بهذه التقديرات، لأنه رأى تشكيك الخليفة عمر نفسه، وتشكيك سفيان الثوري الذي رواه البخاري، وتشكيك النسائي. وجزم ابن حزم بأن سفره صلى الله عليه وآله كان يوم الخميس.

ونلاحظ أنه استدل على أن خروج النبي صلى الله عليه وآله يوم الخميس بالمصادرة على المطلوب فقال "لما ثبت بالتواتر والإجماع من أنه عليه السلام وقف بعرفة يوم الجمعة"، فأي تواترٍ وإجماع يقصد، وما زال في أول البحث؟!

كما أنه استدل على أن سفر النبي صلى الله عليه وآله لم يبدأ من المدينة يوم الجمعة برواية أنس أن النبي صلى الظهر والعصر ولم يصل الجمعة، وهو استدلالٌ يؤيد قول أهل البيت عليهم السلام بأن بدء سفره كان الخميس لأربعٍ بقين من ذي القعدة! وقد تقدمت الرواية عندنا أنه صلى الله عليه وآله صلى الظهر والعصر في ذي الحليفة.

ولو صحت رواية أنس بأنه صلى الظهر في مسجده في المدينة، ثم صلى العصر في ذي الحليفة، فلا ينافي ذلك أن يكون سفره الخميس، بل يكون معناه أنه أحرم بعد العصر من ذي الحليفة، وواصل سفره صلى الله عليه وآله.

والنتيجة: أن القول بنزول آية إكمال الدين في يوم عرفة، يرد عليه إشكالاتٌ عديدةٌ، سواء في منطقه، أم في تاريخه وتوقيته.. وكلها تستوجب من الباحث المنصف أن يتركه ولا يأخذ به.

ويكون رأي أهل البيت عليهم السلام ومن وافقهم في سبب نزول الآية بدون معارض معتد به، لأن المعارض الذي لايستطيع النهوض للمعارضة كعدمه.. أما تمسككم بصحة سنده فالمتن الكسيح لاينهضه السند الصحيح!!

وفي الختام: فإن المجمع عليه عند جميع المسلمين أن يوم نزول الآية عيدٌ إلهيٌّ عظيم "عيد إكمال الدين وإتمام النعمة" بل ورد عن أهل البيت عليهم السلام أنه أعظم الأعياد الإسلامية على الاطلاق، ودليله المنطقي واضحٌ، حيث ارتبط العيد الأسبوعي للمسلمين بصلاة الجمعة، وارتبط عيد الفطر بعبادة الصوم، وارتبط عيد الأضحى بعبادة الحج..

أما هذا العيد، فهو مرتبطٌ بإتمام الله تعالى نعمة الإسلام كله على الأمة، وقد تحقق في رأي إخواننا السنة بتنزيل أحكام الدين وإكماله من دون تعيين آلية لقيادة مسيرته..

وتحقق في رأينا بإكمال تنزيل الأحكام، ونعمة الحل الإلهي لمشكلة القيادة، وإرساء نظام الإمامة إلى يوم القيامة، في عترة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله.

وما دام جميع المسلمين متفقون على أنه عيدٌ شرعي، فلماذا يقبل علماء المسلمين ومفكروهم ورؤساؤهم أن تخسر الأمة أعظم أعيادها، ولا يكون له ذكر في مناسبته، ولا مراسم تناسب شرعيته وقداسته؟!

فهل يستجيب علماء إخواننا السنة إلى دعوتنا بالبحث في فقه هذا العيد المظلوم المغيب.. وإعادته إلى حياة كل المسلمين، بالشكل الذي ينسجم مع عقائدهم وفقه مذاهبهم؟!

/ 47