تفسیر آیات الغدیر الثلاث نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر آیات الغدیر الثلاث - نسخه متنی

علی الکورانی العاملی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

قريش تتمحور حول زعامه سهيل بن عمرو


على رغم خيانات زعماء قريش بعد فتح مكة وتآمرهم.. فقد حاول النبي صلى الله عليه وآله أن يستقطبهم، فأكرمهم وتألفهم وأعطاهم أكثر غنائم معركة حنين! وأطمعهم بالمستقبل إن هم أسلموا وحسن إسلامهم... إلخ.

لقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله أن يقاوم عُقَدهم بنور الحلم، وظلماتهم بنور الإحسان..!! ليس من أجل كرامتهم على الله تعالى، بل من أجل أجيال ستأتي ومسيرة لابد أن تنطلق في العالم!

وفي هذه الفترة تراجعت زعامة أبي سفيان، ولم يبق منها عند قريش إلا "أمجاد" حربه لمحمد صلى الله عليه وآله!

فشخصية أبي سفيان تصلح للزعامة في الحرب فقط وفي التجارة، ولا تصلح للزعامة والعمل السياسي في السلم، لذلك تراه بعد أن انكسر في فتح مكة ذهب إلى المدينة وطلب منصباً من محمد صلى الله عليه وآله، فعينه جابياً للزكاة من بعض القبائل!! ثم أبوسفيان من بني عبدشمس، أبناء عم بني عبدالمطلب.. وقد أعطاه النبي في فتح مكة امتيازاً ولو شكلياً، بأن من دخل داره فهو آمن.. فقريش تخشى منه أن يميل الى بنيهاشم بعد أن انكسر كقائد لجبهة لقريش. وقد أثبت التاريخ أن الدم المزعوم بين أمية وهاشم، قد يستعمله القادة الأمويون أحياناً، إذا رأوا في ذلك مصلحتهم!!

ففي تاريخ الطبري:499:2 حدثنى محمد بن عثمان الثقفى قال حدثنا أمية بن خالد قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت قال لما استخلف أبوبكر قال أبوسفيان مالنا ولأبي فصيل؟! إنما هي بنو عبدمناف! قال فقيل له إنه قد ولى ابنك! قال: وصلته رحم!!

حدثت عن هشام قال حدثنى عوانة قال: لما اجتمع الناس على بيعة أبى بكر أقبل أبوسفيان وهو يقول: والله إني لأرى عجاجة لايطفؤها إلا دم! يا آل عبدمناف فيما أبوبكر من أموركم؟! أين المستضعفان؟ أين الاذلان علي والعباس؟

وقال: أباحسن أبسط يدك حتى أبايعك، فأبى علي عليه، فجعل يتمثل بشعر المتلمس:

ولن يقيم على خسف يراد به++

إلا الاذلان عير الحي والوتد

هذا على الحسف معكوس برمته++

وذا يشج فلا يبكى له أحد

قال فزجره علي وقال: إنك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك والله طالما بغيت الاسلام شرا! لاحاجة لنا في نصيحتك!!".

ومما رواه التاريخ أن عثمان بن عفان.. ضرب يوماً على وتر قرابته مع بني هاشم.. ففي هامش الايضاح لابن شاذان الأزدي ص :258 "وأما أبوجعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي الامامي فنقل الحديث في كتابه الموسوم بالمسترشد ضمن كلام له بهذه العبارة "ص133 من طبعة النجف": عن شريك أن عائشة وحفصة أتتا عثمان بن عفان تطلبان منه ما كان أبواهما يعطيانهما، فقال لهما: لاولا كرامة، ما ذاك لكما عندي!

فألحتا وكان متكئاً فجلس وقال: ستعلم فاطمة أي ابن عم لها أنا اليوم! ثم قال لهما: ألستما اللتين شهدتما عند أبويكما ولفقتما معكما أعرابياً يتطهر ببوله مالك بن أوس بن الحدثان فشهدتما معه أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لانورث، ما تركناه صدقة؟! فمرة تشهدون أن ما تركه رسول الله صدقة، ومرة تطالبون ميراثه؟!! انتهى. ثم روى نحوه عن الامام الباقر عليه السلام وفيه "فتركته وانصرفت وكان عثمان إذا خرج إلى الصلاة أخذت قميص رسول الله صلى الله عليه وآله على قصبة فرفعته عليها، ثم قالت: إن عثمان قد خالف صاحب هذا القميص"!

على هذا الأساس كان تفكير قريش بعد فتح مكة أنه لابد من زعيم يجيد العمل لمصلحة قريش المنكسرة عسكرياً.. وقد وجدوه في سهيل بن عمرو، العقل السياسي المفكر والداهية المخطط!!

وسرعان ما صار سهيل محوراً لقريش، ووارثاً لقيادة زعمائها الذين قتلهم محمد صلى الله عليه وآله، أو أماتهم رب محمد، سبحانه وتعالى.

وسهيل بن عمرو بن عبدشمس بن عبدود، هو في نظر قريش: قرشي أصيل. ولئن كان من بني عامر بن لؤي، الذين هم أقل درجة من بني كعب بن لؤي "سيرة ابن هشام:498:2" ولكنه صاحب تاريخ في مواجهة محمد.. فهو من الزعماء الذين فاوضوا أباطالب بشأنه.

وهو من أعضاء دار الندوة الذين اتخذوا قرار مقاطعة بني هاشم.

وهو من الذين ائتمروا على قتل النبي صلى الله عليه وآله عندما ذهب إلى الطائف، وقرروا نفيه من مكة، وهددوه بالقتل إن هو دخلها، ورفضوا أن يجيروه حتى يستطيع الدخول إلى مكة وتبليغ رسالة ربه!

ففي تاريخ الطبري:82:2 "أن النبي صلى الله عليه وآله قال للأخنس بن شريق: إئت سهيل بن عمرو فقل له إن محمداً يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربي؟ فأتاه فقال له ذلك، قال فقال: إن بني عامر بن لؤي لاتجير على بني كعب!". انتهى.

وهو من الزعماء الذين واصلوا العمل لقتل محمد بعد وفاة أبي طالب، حتى أنجاه الله منهم بالهجرة!

وهو أحد الذين حبسوا المسلمين وعذبوهم على إسلامهم، ومن المعذبين على يده ولده أبوجندل!

وهو أحد قادة المشركين في بدر، وأحد أثريائهم الذين كانوا يطعمون الجيش!

وهو أحد الذين كانوا يؤلمون قلب رسول الله صلى الله عليه وآله بفعالياتهم الخبيثة، فلعنهم الله تعالى وطردهم من رحمته، وأمر رسوله أن يلعنهم، ويدعو عليهم في قنوت صلاته بأسمائهم!

وهو أحد المنفقين أموالهم على تجهيز الناس لحرب النبي صلى الله عليه وآله في أحد والخندق وغيرهما!

قال في سير أعلام النبلاء:194:1 "يكنى أبايزيد، وكان خطيب قريش وفصيحهم ومن أشرافهم.. وكان قد أسر يوم بدر وتخلص. قام بمكة وحض على النفير، وقال: يا آل غالب أتاركون أنتم محمداً والصباة يأخذون عيركم! من أراد مالاً فهذا مال، ومن أراد قوة فهذه قوة. وكان سمحاً جواداً مفوهاً. وقد قام بمكة خطيباً عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنحو من خطبة الصديق بالمدينة فسكنهم! وعظم الإسلام!!". انتهى. وينبغي الإلتفات هنا إلى مدح الذهبي لسهيل، وأن خطبته في مكة كانت بنحو خطبة أبي بكر الصديق في المدينة!! وهي خطبة من سطرين مفادها أيها العابدون محمداً إن محمداً قد مات.. وقريش تعبد رب محمد!!

فلاحظ ذلك، فإنه لم يكن بين المدينة ومكة تلفون ولافاكس يومئذ!! وسهيل هو الذي انتدبته قريش لمفاوضة محمد صلى الله عليه وآله في الحديبية، وقد أجاد المفاوضة وشدد عليه بالشروط، ولم يقبل أن يكتب في المعاهدة "رسول الله" ووقع الصلح معه نيابة عن كل قريش!

وهو المعروف عند قريش بأنه سياسي حكيم، أكثر من غيره من فراعنتها وهذا يعني أنه وارث أبي الحكم، أي أبي جهل.

وهو أخيراً، من أئمة الكفر الذين أمر الله رسوله صلى الله عليه وآله بقتالهم.. وإعلانه الإسلام تحت السيف لايغير من إخبار الله وآياته شيئاً!

ففي تفسير الصنعاني:242:1 "عن قتادة في قوله "وقاتلوا أئمة الكفر.." هو أبوسفيان بن حرب، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وأبوجهل، وسهيل بن عمرو". انتهى.

وقد اختار سهيل بن عمرو البقاء في مكة بعد فتحها ودخولها تحت حكم النبي صلى الله عليه وآله ولم يهاجر إلى المدينة كبعض الطلقاء، ولم يطلب من محمد منصباً كما فعل أبوسفيان، لأن كبرياءه القرشي وتاريخه في الصراع مع النبي صلى الله عليه وآله، يأبيان عليه ذلك!!

ومن كبريائه أنه رفض هدية النبي صلى الله عليه وآله في أيام القحط والسنوات العجاف التي حدثت على قريش بدعاء النبي، فأشفق عليهم وأرسل إليهم مساعدة، وكانت أحمالاً من المواد الغذائية، فقبلها أكثرهم وكان سهيل ممن رفضوها! ولكن سهيلاً قبل هدية النبي صلى الله عليه وآله في حنين، ولعل السبب أنها كانت مئة بعير!

إنه تاريخٌ طويلٌ أسود عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله! ولكنه مشرقٌ عند القرشييين! ومن أجل هذا النسب وهذا التاريخ والصفات، اجتمعت حوله قريش "المسلمة" بعد فتح مكة، وانضوت تحت زعامته! فانظر الى انخداع البسطاء من كتَّاب السيرة والتاريخ.. وتأمل في مكر عباد زعماء قريش منهم!

كان النبي صلى الله عليه وآله قد عين حاكماً لمكة بعد فتحها، هو عتاب بن أسيد الأموي، وجعل معه أنصارياً.. وهو تعيين له دلالته النبوية البليغة! ولكن قريشاً كانت لاتعرف إلا سهيلاً ولا تسمع إلا كلامه.. وتعتبر أن عتاباً وإن كان قرشياً أموياً، إلا أنه من جماعة محمد ومن بني عمه الأمويين! والدليل على ذلك أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ارتدت قريش عن الإسلام، وخاف حاكمها عتاب أن يقتلوه فاختبأ من سيوفهم مع أنه قرشي أموي.. وبعد أيام وصلهم خبر يطمئنهم ببيعة أبي بكر التيمي، وأن أحداً من بني هاشم لن يحكم بعد محمد صلى الله عليه وآله فاطمأن سهيل بن عمرو، وخطب في قريش بنفس خطبة أبي بكر في المدينة، والتي مفادها أنه من كان يعبد محمداً فإن إلهه قد مات، ونحن لانعبد محمداً، بل هو رسول بلغ رسالته ومات، وهو ابن قريش وسلطانه سلطان قريش، وقد اختارت قريش حاكماً لنفسها بعده وهو أبوبكر، فاسمعوا له وأطيعوا.

لقد طمأنهم سهيل بأن الأمر بيد قريش، وليس بيد بني هاشم ولا بيد الأنصار اليمانية الذين "يعبدون" محمداً، فلماذا الرجوع عن الإسلام!

فأطاعته قريش وانتهى مشروع الردة! وأصدر سهيل أمره لعتاب الحاكم من قبل النبي صلى الله عليه وآله: أخرج من مخبئك، واحكم مكة باسم الزعيم القرشي غير الهاشمي أبي بكر بن أبي قحافة بن تيم بن مرة! "راجع سيرة ابن هشام:1079:4 وفيها: فتراجع الناس وكفوا عما هموا به، وظهر عتاب بن أسيد!!".

سهيل بن عمرو يناضل لاستقلال دولة قريش!

اقتنعت قريش بعد فتح مكة بأن العمل العلني ضد محمد صلى الله عليه وآله محكوم بالفشل.. فركزت جهودها على العمل السياسي المتقن، والعمل السري الصامت، لإبعاد عترته عن الخلافة، وجعلها في غيرهم من قريش..

كانت أكبر مشكلة في نظر قريش أن النبي صلى الله عليه وآله يسير قدماً في ترتيب الأمر من بعده لعلي، ومن بعده للحسن والحسين، أولاد ابنته فاطمة.. وقريش لاتطيق علياً ولا أحداً من بني هاشم.. لذلك قام قادتها وفي مقدمتهم سهيل بن عمرو بأنشطة متعددة، كان من أبرزها محاولة جريئة مع النبي صلى الله عليه وآله!!

فقد كتب إليه سهيل بن عمرو، ثم جاء على رأس وفد، طالبين منه أن يرد "إليهم" عدداً من أبنائهم وعبيدهم، الذين تركوا مكة أو مزارع قريش في الطائف، وهاجروا إلى النبي صلى الله عليه وآله ليتفقهوا في الدين، عملاً بالآية القرآنية: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين وينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم.." الآية.

قال سهيل للنبي صلى الله عليه وآله نحن اليوم حلفاؤك، فقد انتهت الحرب بيننا وتصالحنا، وأنا الذي وقعت الصلح السابق معك في الحديبية! وهؤلاء أولادنا وعبيدنا هربوا منا وجاؤوك، ولم يأتوك ليتفقهوا في الدين كما زعموا ثم إن كانت هذه حجتهم فنحن نفقههم في الدين، فأرجعهم إلينا!!

ومعنى هذا الطلب البسيط من زعيم قريش الجديد: أن قريشاً حتى بعد فتح مكة واضطرارها إلى خلع سلاحها وإسلامها تحت السيف.. لاتعترف بالحاكم الشرعي لمكة الذي عينه النبي صلى الله عليه وآله، بل وتريد من النبي صلى الله عليه وآله الإعتراف بأنها وجود سياسي مستقل، في مقابل النبي صلى الله عليه وآله ودينه ودولته! واليك نصوص القصة:

روى الترمذي في:298:5 "عن ربعي بن حراش قال: أخبرنا علي بن أبي طالب بالرحبة فقال: لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا يا رسول الله: خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا، وليس لهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا، فارددهم إلينا فإن لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين، قد امتحن الله قلوبهم على الإيمان! قالوا: من هو يا رسول الله؟

فقال له أبوبكر: من هو يا رسول الله؟

وقال عمر: من هو يا رسول الله؟

قال هو خاصف النعل، وكان أعطى علياً نعله يخصفها. هذا حديث حسن صحيح غريب لانعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي".

وروى أبوداود:611:1 "عن ربعي بن حراش عن علي بن أبي طالب قال: خرج عبدانٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني يوم الحديبية قبل الصلح، فكتب إليه مواليهم فقالوا: يا محمد والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هرباً من الرق!

فقال ناس: صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم!

فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا! وأبى أن يردهم وقال: هم عتقاء الله عزوجل". انتهى.

ولا يغرك ذكر الحديبية في الحديث، فهو من أساليب رواة البلاط القرشي في التزوير التي يستعملونها كثيراً! فالحادثة وقعت بعد فتح مكة، ولو كانت قبله لطالب سهيلٌ النبي صلى الله عليه وآله بالوفاء لهم بشرطهم، لأنهم شرطوا على النبي صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية أن يرد إليهم من يأتيه منهم، وأن لايردوا إليه من يأتيهم من المسلمين!

ولو كانت قبل فتح مكة، لكانت مطالبة طبيعية بشرطهم، وما استحقت هذا الغضب النبوي الشديد، وهو لايغضب إلا بحق.. ولا يغضب إلا لغضب الله تعالى!

ولو كانت قبل فتح مكة وقبل "دخول" قريش في الإسلام لما قالوا في مطالبتهم بأولادهم وعبيدهم المهاجرين "سنفقههم" فهذا لايقوله إلا الطلقاء الذين يدعون الإسلام!

كما أن بعض رواياتهم صرحت بأن الحادثة كانت بعد فتح مكة، وفضحت التزوير القرشي للقضية! فقد روى الحاكم في المستدرك:138:2 :

"عن ربعي بن حراش عن علي رضي الله عنه قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وآله مكة، أتاه ناس من قريش فقالوا: يا محمد إنا حلفاؤك وقومك، وإنه لحق بك أرقاؤنا ليس لهم رغبة في الإسلام، وإنما فروا من العمل فارددهم علينا! فشاور أبابكر في أمرهم فقال: صدقوا يا رسول الله!

فقال لعمر: ما ترى؟ فقال مثل قول أبي بكر.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا معشر قريش ليبعثن الله عليكم رجلاً منكم امتحن الله قلبه للإيمان، فيضرب رقابكم على الدين!

فقال أبوبكر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا.

قال عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه خاصف النعل في المسجد، وقد كان ألقى نعله إلى علي يخصفها.. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".

وروى نحوه في298:4 وصححه على شرط مسلم وفيه: "لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وآله مكة أتاه أناس من قريش... يا معشر قريش لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة أو لأبعثن عليكم رجلاً فيضرب أعناقكم على الدين، ثم قال: أنا، أو خاصف النعل، قال علي: وأنا أخصف نعل رسول الله صلى الله عليه وآله. انتهى. رواه في كنز العمال:174:13 وقال: "ش وابن جرير، ك، ويحيى بن سعيد في إيضاح الإشكال".

وفي هذه الحادثة الخطيرة حقائق مهمة وكبيرة:

الأولى: أنهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة.. وهذا يعني أنهم بعد فتح مكة وخضوعهم وإعلانهم الإسلام تحت السيف، وإطلاق النبي صلى الله عليه وآله لرقابهم من السيف، وما فعلوه في حرب حنين.. جاؤوا إلى "محمد" في عاصمته يطالبونه بالإعتراف العملي باستقلالهم السياسي.. وهي وقاحةٌ ما فوقها وقاحة!! قالوا له "يا محمد" كما رأيت في صحيح الحاكم على شرط مسلم! وكما في سنن أبي داود:611:1 ولكن الترمذي جعلها "يا رسول الله"!! وفي مسند أحمد:82:3 عن أبي سعيد الخدري قال:

كنا جلوساً ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، قال: فقمنا معه فانقطعت نعله، فتخلف عليها علي يخصفها، فمضى رسول صلى الله عليه وسلم ثمت ومضينا معه، ثم قام ينتظره وقمنا معه، فقال: إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله!! فاستشرفنا وفينا أبوبكر وعمر فقال: لا، ولكنه خاصف النعل! قال فجئنا نبشره قال: وكأنه قد سمعه. انتهى. وقال عنه في مجمع الزوائد: 133:9 "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة". انتهى. وهذه الرواية تدل أيضاً على أن الحادثة كانت في المدينة!

الثانية: أنهم اعتبروا أن فتح مكة "ودخولهم" في الإسلام لايعني خضوعهم للنبي صلى الله عليه وآله وذوبانهم في الأمة الإسلامية، بل هو تحالف مع النبي صلى الله عليه وآله ضد أعداء دولته من القبائل التي لم تدخل تحت سيطرتها، وإلى حد ما ضد الروم والفرس. فهو تحالف الند للند، وإن كان تم فتح مكة بقوة السيف!!

وقد عملوا بزعمهم بهذا التحالف، فحاربوا معه صلى الله عليه وآله في حنين، فعليه الآن أن يعترف بكيانهم القرشي المستقل!

وقد اختاروا أول مطلب لهم أو علامة على ذلك: أن يعيد هؤلاء الفارين إليه من أبنائهم وعبيدهم! يعيدهم من دولته إلى.. دولتهم!!

الثالثة: أن القرشيين الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وآله- ما عدا بني هاشم- وافقوهم على ذلك! فهذا أبوبكر بن أبي قحافة التيمي، وعمر بن الخطاب العدوي يؤيدان مطلب قريش مئة بالمئة!!

وتتفاوت الروايات هنا في التصريح بتأييد أبي بكر وعمر على مطلب قريش، فبعضها كما رأيت في رواية الحاكم الصحيحة ينص على أن أبابكر قال "صدقوا يا رسول الله!" وقال عمر مثل قوله: صدقوا يا رسول الله، ردهم إليهم!! وبعضها لاتذكر تصديقهما لمطلب قريش وشهادتهما بأنه حق، بل تقتصر على سؤالهما إن كانا هما الذين سيبعثهما الله ورسوله لتأديب قريش! كما في رواية الترمذي المتقدمة، وكما في مستدرك الحاكم:122:3 وكما في مجمع الزوائد:134:9 و186:5 وقال "رواه أبويعلى ورجاله رجال الصحيح".

وقد غير بعض رواة قريش "الأذكياء" اسم الشيخين إلى "ناس"! ففي مستدرك الحاكم:125:2 "فقال ناس: صدقوا يا رسول الله، ردهم إليهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم!!". وكذا في كنز العمال:473:10 "وقال الهندي عن مصادره: أبوداود وابن جرير وصححه، ق ض". وبعضهم حذفوا اسم أبي بكر وعمر كلياً من الحادثة! كما رأيت في سنن أبي داود، وكما في كنز العمال:613:11 حيث رواه بعدة روايات عن أحمد، وعن مصادر متعددة، وليس فيه إطلاقاً ذكر لأبي بكر وعمر!

الرابعة: يتساءل الباحث ما هي العلاقة التي كانت تربط أبابكر وعمر بسهيل بن عمرو، ولماذا أيدا مطلب قريش المفضوح؟!

ويتساءل: ما دام النبي صلى الله عليه وآله فهم خطة القرشيين وغضب ورفض مطلبهم، وهددهم بالحرب ثانية، بل وعدهم بها.. فلماذا استشار أبابكر وعمر في الموضوع؟!

على أي حال، إن أقل ما تدل عليه النصوص: أن زعامة قريش كانت متمثلةً في ذلك الوقت بهؤلاء الأربعة، الذين جمعتهم هذه الحادثة وهم: رسول الله محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم صلى الله عليه وآله.

وسهيل بن عمرو العامري، أحد زعماء المشركين بالأمس وزعيم قريش اليوم.

وأبوبكر التيمي وعمر العدوي، الممثلان لقبيلتين صغيرتين لاوزن لهما في قريش، ولكن لهما شخصياً وزن مهم لصحبتهما للنبي صلى الله عليه وآله ومع ذلك أيدا مطلب سهيل ضد النبي وضد الاسلام!

ولابد للباحث أن يفترض علاقةً واتفاقاً مسبقاً بين وفد قريش وبين الشيخين، بل يفهم من بعض الروايات أن سهيلاً ووفد قريش نزلوا في المدينة في ضيافة عمر، ثم جاء وأبوبكر معهم إلى النبي صلى الله عليه وآله لمساعدتهم على مطلبهم.

الخامسة: تضمن الموقف النبوي من الحادثة أربعة عناصر:

الأول، الغضب النبوي من تفكير قريش الكافر ووقاحتها، وقد ذكرته الروايات ولم تصفه بالتفصيل.

الثاني، يأس النبي صلى الله عليه وآله من أن تصلح قريش ويحسن إسلامها، بل يأسه من أن تترك قريش تعقيد أئمتها اليهود وفرعنتهم، وتخضع للحق، إلا بقوة السيف!! ففي عدد من روايات الحادثة كما في الحاكم:125:2 "فقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا" أي على الإسلام! وكذا رواه أبوداود:611:1 والبيهقي في سننه:229:9 وكنز العمال:!473:10 وهو تصريح بأنهم لم يسلموا، ولن يسلموا إلا تحت السيف!!

الثالث، تهديدهم بسيف الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله، علي بن أبي طالب عليه السلام الذي ترتعد منه فرائصهم، لأنهم ذاقوا منه الأمرين، فقد قتل مجموع المسلمين في حروبهم مع قريش نصف أبطالها، وقتل علي وحده نصفهم أو أكثر!

ونلاحظ هنا أن النبي صلى الله عليه وآله كنَّى عن ذلك الشخص الذي سيبعثه الله على قريش فيضرب أعناقهم على الدين، بأنه أنا أو رجل مني

"مجمع الزوائد:133:9 "

ثم سماه عندما سأله أبوبكر وعمر عنه فقال "أنا أو خاصف النعل- كنز العمال:326:7 "

وغرضه من هذا الإجمال، أن لاتتصور قريش أن المسألة بعيدة فتطمع في مشروعها! بل ينبغي أن تحتمل أن الأمر قد يصدر غداً إلى علي بغزو مكة وقتل فراعنة قريش!

وغرضه صلى الله عليه وآله من تعبير "مني" أن يبين مكانة علي عليه السلام، وأن تعلم قريش أنه مؤمنٌ وأنه هاشمي، من ذلك الفرع الذي ما زالت تحسده، وتموت منه غيضاً!!

فلو أنه صلى الله عليه وآله قال لهم: إن علياً سيقاتلهم على تأويل القرآن بعد ربع قرن، كما قاتلتهم أنا على تنزيله بالأمس، لطمعوا وقالوا: إذن عندنا فرصة ربع قرن من الزمان، ولكل حادثٍ حديث!

بل روى في مجمع الزوائد حديثاً قال عنه: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح: أن علياً عليه السلام كان يعلن في زمان النبي صلى الله عليه وآله تهديده لقريش، ولكل من يفكر بالردة، بأنه سوف يقاتلهم إلى آخر نفس، وهو عملٌ وقائي بتوجيه النبي صلى الله عليه وآله لمنع قريش أن تفكر بالردة! قال في مجمع الزوائد:134:9 وعن ابن عباس أن علياًكان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عزوجل يقول: أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، والله لاننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله تعالى. والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت. لاوالله.. إني لأخوه، ووليه، وابن عمه، ووارثه، فمن أحق به مني؟!

وروى في نفس المكان حديثاً آخر ينص على أن النبي صلى الله عليه وآله هدد قريشاً بعلي عليه السلام بعد فتح مكة مباشرةً، قال: وعن عبدالرحمن بن عوف قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة انصرف إلى الطائف فحاصرها سبع عشرة أو ثمان عشرة لم يفتتحها، ثم أوغل روحةً أو غدوةً، ثم نزل ثم هَجَّرَ فقال: يا أيها الناس إني فرطٌ لكم وأوصيكم بعترتي خيراً، وإن موعدكم الحوض. والذي نفسي بيده ليقيموا الصلاة، وليؤتوا الزكاة، أو لأبعثن إليهم رجلاً مني، أو لنفسي، فليضربن أعناق مقاتليهم، وليسبين ذراريهم. قال فرأى الناس أنه أبوبكر أو عمر، وأخذ بيد علي فقال: هذا هو. رواه أبويعلى وفيه طلحة بن جبر، وثقه ابن معين في رواية، وضعفه الجوزجاني، وبقية رجاله ثقات. انتهى.

وهو تهديد نبوي "لمسلمة" الفتح، له دلالاته الفاضحة لواقعهم ونواياهم، ويكمله تهديد علي عليه السلام لهم بالحرب إن هم أعلنوا ارتدادهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله.

الرابع، أن النبي صلى الله عليه وآله حكم بكفر أصحاب هذا الطلب، ولعمري إن مجرد طلبهم كافٍ لإثبات كفرهم! ويؤكده الغضب النبوي وقوله صلى الله عليه وآله "ما أراكم تنتهون يا معشر قريش"، يعني عن الكفر ومعاداة الله ورسوله.

وكذا قوله بأن الله سيبعث عليهم رجلاً يضرب أعناقهم على الدين، مما يدل على أنهم ليسوا عليه. بل لايسكتون عن العمل ضد الإسلام إلا تحت السيف!!

ولكن فقهاء الخلافة يريدون دليلاً أكثر لمساً، وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وآله ذلك الدليل الملموس فأبى أن يرد على القرشيين عبيدهم المملوكين، وأخبرهم أنه أعتقهم فصاروا عتقاء الله تعالى!

فلو كان هؤلاء الطلقاء مسلمين، ولو كانت ملكيتهم محترمة، فكيف يجوز للنبي صلى الله عليه وآله أن يعتدي على ملكيتهم ويعتق عبيدهم، وهو أتقى الأتقياء، وهو القائل: لايحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه.. والقائل: إن أموالكم ودماءكم عليكم حرام... إلخ.

وقد تخبط الفقهاء في هذا الموضوع وحاول بعضهم أن يعد ذلك من خصوصيات النبي صلى الله عليه وآله. ولكن كيف يصح أن يكون من خصوصياته وامتيازاته صلى الله عليه وآله أن يعتدي على ملكية المسلمين المحترمة؟!!

اثر هذه الحادثه على قريش


الظاهر أن هذه الحادثة كانت آخر محاولات قريش لانتزاع اعتراف النبي صلى الله عليه وآله باستقلالها السياسي، ولو بصيغة التحالف معه صلى الله عليه وآله، أو بصيغة الحكم الذاتي تحت لواء دولته! فهل سكتت قريش بعد هذه الحادثة؟

الذين يقرؤون التاريخ المكتوب بحبر الخلافة القرشية، ويؤمنون بالإسلام المفصل بمقصات رواتها.. يقولون: من المؤكد أن قريشاً تابت بعد هذه الحادثة وأسلم زعماؤها وأتباعهم وحسن إسلامهم، وتصدقوا وأعتقوا وحجوا، وأكثروا من الصوم والحج والصلاة!

ولكن النبي الصادق الأمين قال "ما أراكم تنتهون يا معشر قريش"!! وطبيعة قريش، وطينة زعامتها تؤكد أنهم واصلوا العمل على كل الجبهات الممكنة!! لكنهم تراجعوا في ذلك الموضوع رأوا أن حديدة النبي صلى الله عليه وآله حامية، وأن التفكير بالاستقلال السياسي عنه صلى الله عليه وآله تفكيرٌ خاطي ء، وأن محمداً لايقعقع له بالشنان، فهو من علياء هاشم وذروة شجعانها، ومعه ابن عمه قَتَّال قريشٍ ومجندل أبطالها، ومعه الأوس والخزرج الذين تجرؤوا لأول مرة في تاريخهم على حرب قريش، وقتلوا من أبطالها!!

تراجع عند قريش منطق الإستقلال السياسي عن محمد صلى الله عليه وآله لكن تأكد عندها المنطق القائل إن دولة محمد شملت كل المنطقة، وهي تتحفز لمقارعة الروم والفرس، وقد وعد محمد المسلمين بذلك وتطلعوا إليه.. فلا معنى لأن تطالبه قريش بحكم مكة ومن أطاعها من قبائل العرب!

إنه لابد من التأقلم مع الوضع الجديد، والعمل الجاد بالسياسة وبالعنف المنظم، لكي ترث قريش كل دولة محمد صلى الله عليه وآله! فمحمد من قريش، وقريش أولى بسلطان ابنها، ولا كلام للأنصار اليمانية، ولا لغيرهم من القبائل.

أما مسألة بني هاشم الذين يسميهم محمد صلى الله عليه وآله العترة والقربى وتنزل عليه فيهم آيات القرآن، ويصدر فيهم الأحاديث، ويجعل لهم خمس ميزانية الدولة.. فلا بد من معالجة أمرهم بكل الطرق الممكنة!

نعم.. هذا ما وصلت إليه قريش التي أعتقها النبي صلى الله عليه وآله من القتل والاسترقاق الفعلي! وهذا ما جازته به في حياته صلى الله عليه وآله!

وقد ساعدها عليه من ساعدها من أصحابه!!

/ 47