تفسیر آیات الغدیر الثلاث نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر آیات الغدیر الثلاث - نسخه متنی

علی الکورانی العاملی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

قرشيه الحديث ألقاها عمر في البحر


من المفارقات في منطق عمر بن الخطاب مؤسس نظام الخلافة القرشية، أنه هو الذي رفع راية "أن الخليفة من قريش والخلافة لاتكون إلا في قريش"، فقد احتج على الأنصار في السقيفة بأن قريشاً قبيلة النبي صلى الله عليه وآله فهم أحق بسلطانه.. فمن ذا ينازعنا سلطان محمد ونحن قومه وعشيرته؟!

وكان هدفه من ذلك تسكيت الأنصار، الذين يعيش القرشيون في بلدهم وضيافتهم، حتى لايقولوا نحن نصرناه ونحن أولى بخلافته!! وقد نجح عمر بهذا المنطق القبلي في السقيفة، بسبب تفرق كلمة الأنصار، رغم مخالفة رئيسهم سعد بن عبادة مخالفة عنيفة.

ولكن عمر نفسه عند وفاته تخلى عن مبدأ قرشية الخليفة، وألقى به في البحر، وأكد أنه لو كان سالم الفارسي مولى أبي حذيفة الأموي حياًّ، لعهد إليه بالخلافة!! ففي تاريخ المدينة:140:3 "عن عبدالله بن بريدة: لما طعن عمر رضي الله عنه قيل له: لو استخلفت؟ قال: لو شهدني أحد رجلين استخلفته أني قد اجتهدت ولم آثم أو وضعتها موضعها: أبوعبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة!!".

وفي مجمع الزوائد:220:4 "عن أبي رافع أن عمر بن الخطاب كان مستنداً إلى ابن عباس وعنده ابن عمر وسعيد بن زيد فقال: إعلموا أني لم أقل في الكلالة شيئاً، ولم أستخلف من بعدي أحداً، وأنه من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حر من مال الله عزوجل.

فقال سعيد بن زيد: أما إنك لو أشرت برجل من المسلمين لائتمنك الناس، وقد فعل ذلك أبوبكر، وائتمنه الناس. فقال عمر: قد رأيت من أصحابي حرصاً سيئاً، وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاءالنفر الستة الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.

ثم قال: لو أدركني أحد رجلين، ثم جعلت هذا الأمر إليه لوثقت: سالم مولى أبي حذيفة، وأبوعبيدة بن الجراح". انتهى.

وبذلك فتح عمر الباب لأبي حنيفة وغيره، ليلغوا هذا الشرط من الخلافة الإسلامية، وقد استفاد من فتواه السلاجقة والمماليك، ثم تبنى العثمانيون مذهب أبي حنيفة، ونشروا فقهه بسبب فتواه في الخلافة، وتسموا بخلفاء النبي صلى الله عليه وآله.

موقف الوهابيين من شرط القرشية في الحاكم

نشترط نحن الشيعة الإمامية في الأئمة أن يكونوا من قريش من عترة النبي صلى الله عليه وآله بسبب ثبوت النص عليهم بأسمائهم وعددهم عليهم السلام فالإمامة عندنا لاتثبت إلا بالنص فقط، والنص إنما هو على هؤلاء الإثني عشر عليهم السلام.

وبما أن خاتمهم الإمام المهدي عليه السلام غائب، فالحكم في الأمة في عصرنا يكون بالوكالة عنه، والوكيل لابد أن تتوفر فيه شروط الفقاهة والعدالة وغيرها، ولا نشترط فيه أن يكون قرشياً.. وبذلك نلتقي عملياً لانظرياً مع الذين يسقطون شرط القرشية في الحاكم العادل.

أما إخواننا الشيعة الزيديون، فالإمامة عندهم غير محصورة بالأئمة الإثني عشر عليهم السلام. بل مفتوحة لكل عالم من ذرية علي وفاطمة عليهماالسلام، فهم يشترطون في الإمام الشرعي أن يكون قرشياً علوياً.

وأما المسلمون السنيون، فمنهم من يوافقنا على إسقاط شرط القرشية في عصرنا، عملاً بقول الخليفة عمر، وفتوى أبي حنيفة، وهم قلة.. ويوجد فقهاء غير عرب من السنيين ولكنهم متعصبون لقريش أكثر من عمر، وملكيون أكثر من الملك.. ومن هؤلاء أئمة الوهابية، مثل الألباني، حيث صحح حديث اشتراط القرشية في الإمام في سلسلة أحاديثه الصحيحة برقم1552 وقال في آخره :70:4 "ولذلك فعلى المسلمين إذا كانوا صادقين في سعيهم لإعادة الدولة الإسلامية، أن يتوبوا إلى ربهم ويرجعوا إلى دينهم، ويتبعوا أحكام شريعتهم، ومن ذلك أن الخلافة في قريش، بالشروط المعروفة في كتب الحديث والفقه".

أما في المجلد:7:3 فقد صحح حديث الخلافة في قريش برقم1006 وقال في آخره: "قلت: وفي هذه الأحاديث الصحيحة رد صريح على بعض الفرق الضالة قديماً، وبعض المؤلفين والأحزاب الإسلامية حديثاً، الذين لايشترطون في الخليفة أن يكون عربياً قرشياً. وأعجب من ذلك أن يؤلف أحد المشايخ المدعين للسلفية رسالة في "الدولة الإسلامية" ذكر في أولها الشروط التي يجب أن تتوفر في الخليفة، إلا هذا الشرط، متجاهلاً كل هذه الأحاديث وغيرها مما في معناها، ولما ذكرته بذلك تبسم صارفاً النظر عن البحث في الموضوع. ولا أدري أكان ذلك لأنه لايرى هذا الشرط كالذين أشرنا إليهم آنفاً، أم أنه كان غير مستعد للبحث من الناحية العلمية.

وسواء كان هذا أو ذاك، فالواجب على كل مؤلف أن يتجرد للحق في كل ما يكتب، وأن لايتأثر فيه باتجاه حزبي أو تيار سياسي، ولا يلتزم في ذلك موافقة الجمهور أو مخالفتهم". انتهى كلام الألباني، والطريف أنه صحح حديثاً آخر برقم1851 يقول: "الخلافة في قريش والحكم في الأنصار والدعوة في الحبشة". وعلى فتواه يجب أن يكون الحاكم في عصرنا من قريش من أي قبائلها كان، وأن يكون الوزراء من الأنصار.. وأن يكون وزير الإرشاد والأوقاف والمفتي وكل من عمله الإعلام والدعوة من الأفارقة، والأحوط أن يكون من أثيوبيا!!

ذلك أن الوجوب الذي استفاده من الحديث وأفتيبه بوجوب القرشية في الحاكم، تتساوى فيه الخلافة، والوزارة، والدعوة!! لقد فات هذا الشيخ أن فقه الحديث أهم من سنده لأنه متقدمٌ عليه رتبةً، وأن مثل هذا الحديث بعيدٌ عن منطق النبي صلى الله عليه وآله.. ولو صح فهو يحكي عن ظرف معين، وليس تشريعاً إلى يوم القيامة!

تخبط الشراح السنيين في تفسير الأئمه الإثني عشر


إذا أردنا أن نكون أمناء مع النص النبوي، يلزم أن نقول:

إن كلمة "من بعدي" في الحديث الشريف تدل على أن إمامة هؤلاء الإثني عشر تبدأ بعد وفاته صلى الله عليه وآله مباشرة، ولا تدل على أنهم سيحكمون من بعده، لأنها إخبار عن وجودهم فقط، سواء كانوا حكاماً أو محكومين. بل تدل صيغ الحديث المتقدمة عن ابن سمرة وابن مسعود، على أن الأمة تخذل هؤلاء الأئمة الإثني عشر وتعاديهم، وذلك يشمل إبعادهم عن الحكم، ولكن ذلك لايضرهم شيئاً.

وقد تقدم في تفسير الطبري "يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيماً،

لا يضرهم من خذلهم، إثنا عشر قيما من قريش لايضرهم عداوة من عاداهم"!

وبذلك لاتجد مانعاً من انطباق الحديث على الأئمة الإثني عشر من عترة النبي صلى الله عليه وآله حتى لو لم يحكموا، أو لم يحكم منهم إلا علي والحسن عليهماالسلام، وسيحكم منهم المهدي الموعود على لسان جده الرسول صلى الله عليه وآله.

كما أن الأحاديث التي ذكرت ما يكون بعدهم تدل على أن مدتهم طويلة فبعضها ذكر أنه يكون بعدهم الهرج والفوضى والنفاق فأشار إلى انهيار الأمة. وبعضها ذكر أن زمنهم يمتد ما دامت الأرض، وأن مدتهم إذا تمت ساخت الأرض بأهلها.. وهذا يؤيد نظرية امتداد عصر هؤلاء الأئمة عليهم السلام إلى آخر الدنيا، كما نصت عليه أحاديثنا.

قال أبوالصلاح الحلبي المتوفى سنة437 في كتابه تقريب المعارف173:

ورووا عن عبدالله بن أبي أمية مولى مجاشع، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لايزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش، فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها. انتهى. ونحوه في إعلام الورى364: وهو موافق لما في مصادرنا عن أهمية وجود الحجة لله تعالى في أرضه في كل عصر..

ففي الكافي:179:1 و534:

عن أبي حمزة قال: "قلت لأبي عبدالله عليه السلام: أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت"! انتهى.

وعلى هذا التفسير لنص الحديث، يكون هدف النبي صلى الله عليه وآله من طرح الأئمة الإثني عشر في أهم تجمع للمسلمين في حجة الوداع، هو: توجيه الأمة إليهم.. لو أنها أخذت بحظها وأطاعته فيهم! بل يمكن القول: إنه يتعين تفسير الحديث بالأئمة الإثني عشر من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، لأن كل تفسير له بغيرهم لايصح بسبب كثرة الإشكالات التي ترد عليه. قال الكنجي الشافعي في ينابيع المودة:446 :

"قال بعض المحققين: إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله اثنا عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة... فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان، علم أن مراد رسول الله صلى الله عليه وآله من حديثه هذا الأئمة الإثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لايمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أن يحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبدالعزيز، ولكونهم من غير بني هاشم، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: كلهم من بني هاشم في رواية عبدالملك، عن جابر، وإخفاء صوته صلى الله عليه وآله في هذا القول يرجح هذه الرواية، لأنهم لايحسنون خلافة بني هاشم.

ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية، لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلة رعايتهم الآية: قل لاأسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى، وحديث الكساء. فلا بد من أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الإثني عشر من أهل بيته وعترته صلى الله عليه وآله، لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم وأتقاهم، وأعلاهم نسباً، وأفضلهم حسباً، وأكرمهم عند الله... ويؤيد هذا المعنى، أي أن مراد النبي صلى الله عليه وآله الأئمة الإثني عشر من أهل بيته، ويشهد له ويرجحه: حديث الثقلين، والأحاديث المتكثرة المذكورة في هذا الكتاب، وغيرها... وفي نهج البلاغة من خطبة علي كرم الله وجهه: أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا، كذباً وبغياً علينا أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم.. بنا يستعطى الهدى، وبنا يستجلى العمى. وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شي ء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولاأكثر من الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وآله، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرف عن مواضعه، ولا في البلاد شي ء أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر. واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه، فالتمسوا ذلك من عند أهله، فإنهم عيش العلم وموت الجهل، هم الذين يخبركم حكمهم عن عملهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لايخالفون الدين، ولايختلفون فيه، وهو بينهم شاهد صادق، وصامت ناطق". انتهى.

ولكن عامة الشراح السنيين لايقبلون هذا التفسير، ويحذرون أتباعهم من أن يقنعهم الشيعة بأن النبي صلى الله عليه وآله قد نص على الأئمة الإثني عشر من عترته!! ويقولون لأتباعهم: إن حديث الأئمة الإثني عشر صحيح مئة بالمئة، لكن لاتقبلوا تفسير الشيعة، ونحن إن شاء الله نفسره لكم تفسيراً صحيحاً.. ولكنهم إلى يومنا هذا لم يستطيعوا أن يقدموا لهم تفسيراً مقنعاً للحديث، ولن يستطيعوا.. لأنهم يريدون تطبيق هؤلاء الإثني عشر على الخلفاء الذين حكموا بعد النبي صلى الله عليه وآله من الخلفاء الأربعة، وعبدالله بن الزبير، وسلسلة خلفاء بني سفيان وبني مروان، ثم بني العباس.. وربما غيرهم من أموي الأندلس، والسلاجقة، والمماليك، والأتراك!!

وعندما يجدونهم أضعاف العدد المطلوب، يلجؤون إلى الفرضيات، فيختارون أحسن الخلفاء الأمويين والعباسيين، ويخلعون عليهم صفة الأئمة الربانيين، فيثبتون هذا ويحذفون ذاك! اختياراً وحذفاً "كيفياً" لمجرد تكميل العدد! وبعضهم لايكمل معه العدد ممن اختارهم فيقول: إن الباقين سوف يأتون!

ومن الواضح أنها تطبيقات لاتقف عند حد، ولا تستند إلى أساس، وأن الذي يسلكها يكلف نفسه شططاً، كمن يكلف نفسه بأن يختار اثني عشر شخصاً من رؤساء المسلمين وملوكهم المعاصرين، ويقول عنهم إنهم قادة ربانيون اختارهم الله تعالى، ووعد الأمة بهم على لسان رسوله صلى الله عليه وآله! ولو أن العلماء السنيين فكروا أكثر، لما جشموا أنفسهم هذه العقبة الكؤود، وتخلصوا من إشكالات لافكاك لهم منها:

أولاً: لأن هؤلاء الأئمة الربانيين الموعودين مختارون من الله تعالى، فلا بد أن يكونوا متفقين، لأنهم جميعاً على خط واحد وهدى من ربهم ونبيهم.. بينما خلفاء السنيين وأئمتهم مختلفون متقاتلون..

فهل سمعتم بالحرب والقتال بين الأنبياء عليهم السلام حتى تقنعونا بإمكانها بين الأئمة الربانيين عليهم السلام.. وأن بعضهم كان يكيد للآخر ويفسقه ويكفره، ويذبحه ذبح الخروف، أو يسمل عينيه ويقطع لسانه ويديه ورجليه!! إقرؤوا إن شئتم تاريخ الصراع على الحكم بين الخلفاء الأمويين أنفسهم، والعباسيين أنفسهم!

وثانياً: لأنهم بإعطاء صفة الإمام من الله تعالى للخليفة الذي يحبونه، ابتداءً من الخليفة عمر بن الخطاب.. إلى السلطان سليم العثماني، يصيرون ملكيين أكثر من الملك، وخليفيين أكثر من الخليفة، ويثبتون لهم ما لم يدعه أحد منهم لنفسه! فلو كان أحدهم إماماً ربانياً مختاراً من الله تعالى مبشراً به من رسوله.. لعرف نفسه وادعى هو ذلك! حيث لايمكن أن يكون شخص إماماً وحجة لله على عباده وحاكماً باسمه.. ثم لايعرف هو مقامه الإلهي العظيم!!

ولا نجد أحداً من هؤلاء الخلفاء ادعى أنه إمام من الله تعالى غير الأئمة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله.

وثالثاً: ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إنهم يكونون من بعده. ولم يقل إنهم يحكمون.. فلماذا يلزمون أنفسهم بالعثور على الأئمة الإثني عشر الموعودين في الحكام فقط؟! وإذا ألزم الباحث نفسه في مسألة بما لايلزم فيها، فقد تورط فيها وأقام في ورطته!

ورابعاً: إن الذين يعدونهم أئمة ربانيين، مبشراً بهم من رب العالمين، قد ثبت أن أكثرهم قد لعنهم الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وآله!! فهل رأيتم أمة يحكمها بأمر الله تعالى الملعونون على لسان نبيها؟!!

وكيف يلعن الله تعالى أشخاصاً ويحكم عليهم بالطرد من رحمته لخبثهم، ثم يختارهم أو يختار من أولادهم أئمةً ربانيين، هداةً لعباده، وحكاماً لبلاده!!

فقد ثبت في مصادر السنيين أن النبي صلى الله عليه وآله قد لعن الحكم وابنه مروان، ونفاهما من المدينة حتى أعادهما عثمان، وأنه رأى أباسفيان راكباً على جمل يجره معاوية ويقوده ولده الآخر، فلعن الراكب والقائد والسائق "راجع مجمع الزوائد:113:1" إلى آخر هذا البحث الذي لايتسع له موضوعنا، ولا تتسع له صدور أتباع الأمويين!

ولهذه الأسباب كثرت أقوالهم واحتمالاتهم في تفسير الأئمة المبشر بهم، ولعلها زادت عن الثلاثين قولاً! وكلها معلولة ينقضها الحديث الشريف، وينقض بعضها بعضاً.. ولعل أقدمها قول ابن حبان الذي نقله عنه في عون المعبود في شرح سنن أبي داود:361:11 قال: "وأما: الخلفاء اثنا عشر، فقد قال جماعة منهم أبوحاتم بن حبان وغيره: إن آخرهم عمر بن عبدالعزيز، فذكروا الخلفاء الأربعة، ثم معاوية، ثم يزيد ابنه، ثم معاوية بن يزيد، ثم مروان بن الحكم، ثم عبدالملك ابنه، ثم الوليد بن عبدالملك، ثم سليمان بن عبدالملك، ثم عمر بن العزيز. وكانت وفاته على رأس المائة". انتهى.

ولكن هذا التفسير الأموي لابن حبان وجماعته، قد نسخه العلماء الذين جاؤوا من بعدهم وأحبوا العباسيين، فأدخلوا بعضهم في بشارة النبي صلى الله عليه وآله، وحذفوا بني أمية، كلاً أو بعضاً!

ويلاحظ أن هذا التفسير حذف اسم الإمام المهدي عليه السلام مع أنه مبشر به بأحاديث صحيحة عندهم، ويشمله قول جده صلى الله عليه وآله

"من بعدي اثنا عشر إماماً". كما حذفوا اسم الإمام الحسن عليه السلام مع أنه بايعه المسلمون ما عدا أهل الشام وحكم ستة أشهر، وقد أثبته السنييون المتأخرون عنهم.

بل كان يجب أن يثبتوا اسمه واسم أخيه الحسين عليهماالسلام لأن النبي صلى الله عليه وآله شهد بأنهما إمامان قاما أم قعدا، وشهد بأنهما سيدا شباب أهل الجنة.

بينما أثبت هذا التفسير الحباني اسم يزيد بن معاوية، وجعله من الأئمة الربانيين الذين بشر بهم النبي صلى الله عليه وآله! وهي درجةٌ لايطمع فيها يزيد ولا محبوه العقلاء، لأنهم إلى اليوم يكافحون لإثبات إسلام يزيد، وعدم ارتداده بسبب تصريحاته، وعدم فسقه بسبب جرائمه التي ارتكبها في كربلاء وفي استباحة المدينة، وهدم الكعبة!

كما عدُّوا منهم على هذا التفسير معاوية بن يزيد "معاوية الثاني" الذي ولوه الخلافة بعد أبيه يزيد، فخطب خطبته الأولى والأخيرة، وتبرأ فيها من ظلم أبيه يزيد وجده معاوية! وشهد بأن الخلافة حق شرعي لعلي عليه السلام، وأن معاوية ظلمه وغصبها منه، ثم عزل نفسه عنها، فقتله بنو أمية!

فلو كان هذا الشخص من الأئمة الإثني عشر الربانيين لعرف هو ذلك، وما خلع نفسه وعرضها لغضب أسرته الحاكمة الباطشة!

كما أن هذا التفسير تجاهل حديث "سفينة" الثابت عندهم القائل: إن الخلافة ثلاثون سنة، وبعدها الملك العضوض، وقد صححه المحدثون، وأخذ به المفسرون الآخرون.. إلى آخر الإشكالات عليه!

ويطول الكلام لو أردنا أن نستقصي محاولات كبار علمائهم تفسير الحديث الشريف. ولكن الذي يسهل الأمر أن كلامهم في ذلك متشابه، وأنه ما زال إلى اليوم يدور في محور التفسير الأموي! وفيما يلي نماذج من تفاسيرهم وما يرد عليها:

قال السيوطي في تاريخ الخلفاء:10 :

"قال القاضي عياض: لعل المراد بالإثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والإجتماع على من يقوم بالخلافة، وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة، زمن الوليد بن يزيد، فاتصلت بينهم، إلى أن قامت الدولة العباسية، فاستأصلوا أمرهم. قال شيخ الإسلام ابن حجر في شرح البخاري: كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه، لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة: كلهم يجتمع عليه الناس.

قلت: وعلى هذا فقد وجد من الإثنا عشر خليفة: الخلفاء الأربعة، والحسن، ومعاوية، وابن الزبير، وعمر بن عبدالعزيز، هؤلاء ثمانية. ويحتمل أن يضم إليهم المهتدي من العباسيين، لأنه فيهم كعمر بن عبدالعزيز في بني أمية، وكذلك الظاهر، لما أوتيه من العدل، وبقي الإثنان المنتظران: أحدهم المهدي، لأنه من آل بيت محمد صلى الله عليه وسلم". انتهى.

ولكن السيوطي وابن حجر أخذا بزيادة "وكلهم تجتمع عليهم الأمة" التي تقدم أنها لم تثبت. والألباني الوهابي وغيره قالوا: إنها منكرة.

كما أنهما تجاوزا حديث سفينة الذي صح عندهم، والذي يحدد المدة الزمنية للخلافة الراشدة بثلاثين سنة! وبذلك يصير المطلوب لهم أحد عشر حاكماً في ثلاثين سنة، ويبطل انتقاء أحد من الحكام الأمويين والعباسيين!

مضافاً إلى أن نقل السيوطي لكلام عياض وابن حجر لم يكن دقيقاً مع الأسف! فقد تجاهل أن ابن حجر عدهم إلى الثاني عشر من بني أمية، فقال "والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبدالملك" بينما أوصلهم السيوطي في بني أمية إلى ثمانية، ووضع فيهم اثنين من خلفاء بني العباس!!

وإليك فقرات من كلام ابن حجر في فتح الباري لتعرف الخلل في نقل السيوطي عنه! قال: "قال ابن بطال عن المهلب: لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث، يعني بشئ معين! فقوم قالوا: يكونون بتوالي إمارتهم. وقوم قالوا: يكونون في زمن واحد كلهم يدعي الإمارة! قال: والذي يغلب على الظن أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بأعاجيب تكون بعده من الفتن، حتى يفترق الناس في وقت واحد على اثني عشر أميراً! قال: ولو أراد غير هذا لقال: يكون اثنا عشر أميراً يفعلون كذا، فلما أعراهم من الخبر، عرفنا أنه أراد أنهم يكونون في زمن واحد. انتهى.

"أي كلام ابن بطال". ثم قال واصل ابن حجر كلامه قائلاً: وهو كلام من لم يقف على شي ء من طرق الحديث غير الرواية التي وقعت في البخاري هكذا مختصرة، وقد عرفت من الروايات التي ذكرتها من عند مسلم وغيره أنه ذكر الصفة التي تختص بولايتهم، وهو كون الإسلام عزيزاً منيعاً.

وفي الرواية الأخرى صفة أخرى وهو: أن كلهم يجتمع عليه الناس، كما وقع عند أبي داود، فإنه أخرج هذا الحديث من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن جابر بن سمرة بلفظ: لايزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة. وأخرجه الطبراني من وجه آخر، عن الأسود بن سعيد، عن جابر بن سمرة بلفظ: لاتضرهم عداوة من عاداهم. وقد لخص القاضي عياض ذلك فقال: توجه على هذا العدد سؤالان: أحدهما: أنه يعارضه ظاهر قوله في حديث سفينة، يعني الذي أخرجه أصحاب السنن وصححه بن حبان وغيره: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً. الثلاثون سنة لم يكن فيها إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن بن علي. والثاني: أنه ولي الخلافة أكثر من هذا العدد.

قال: والجواب عن الأول: أنه أراد في حديث سفينة: خلافة النبوة، ولم يقيده في حديث جابر بن سمرة بذلك.

وعن الثاني: أنه لم يقل: لايلي إلا اثنا عشر، وإنما قال: يكون اثنا عشر، وقد ولي هذا العدد، ولا يمنع ذلك الزيادة عليهم.

قال: وهذا إن جعل اللفظ واقعاً على كل من ولي، وإلا فيحتمل أن يكون المراد من يستحق الخلافة من أئمة العدل، وقد مضى منهم الخلفاء الأربعة، ولا بد من تمام العدة قبل قيام الساعة.

وقد قيل: إنهم يكونون في زمن واحد يفترق الناس عليهم، وقد وقع في المائة الخامسة في الأندلس وحدها ستة أنفس كلهم يتسمى بالخلافة، ومعهم صاحب مصر، والعباسية ببغداد، إلى من كان يدعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج.

قال: ويعضد هذا التأويل قوله في حديث آخر في مسلم: ستكون خلفاء فيكثرون.

قال: ويحتمل أن يكون المراد أن يكون الإثنا عشر في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والإجتماع على من يقوم بالخلافة، ويؤيده قوله في بعض الطرق: كلهم تجتمع عليه الأمة. وهذا قد وجد فيما اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد، فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم. وهذا العدد موجود صحيح إذا اعتبر.

قال: وقد يحتمل وجوهاً أخر.. والله أعلم بمراد نبيه. انتهى. "أي كلام عياض". ثم واصل ابن حجر قائلاً: والإحتمال الذي قبل هذا، وهو اجتماع اثني عشر في عصر واحد كلهم يطلب الخلافة، هو الذي اختاره المهلب كما تقدم. وقد ذكرت وجه الرد عليه، ولو لم يرد إلا قوله كلهم يجتمع عليه الناس، فإن في وجودهم في عصر واحد يوجد عين الإفتراق، فلا يصح أن يكون المراد. ويؤيد ما وقع عند أبي داود: ما أخرجه أحمد والبزار من حديث بن مسعود بسند حسن: أنه سئل: كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال: سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل.

وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث، وتطلبت مظانه، وسألت عنه فلم أقع على المقصود به، لأن ألفاظه مختلفة، ولا أشك أن التخليط فيها من الرواة، ثم وقع لي فيه شي ء وجدت الخطابي بعد ذلك قد أشار إليه، ثم وجدت كلاماً لأبي الحسين بن المنادي وكلاماً لغيره.

فأما الوجه الأول: فإنه أشار إلى ما يكون بعده وبعد أصحابه، وأن حكم أصحابه مرتبط بحكمه، فأخبر عن الولايات الواقعة بعدهم، فكأنه أشار بذلك إلى عدد الخلفاء من بني أمية، وكأن قوله: لايزال الدين: أي الولاية، إلى أن يلي اثنا عشر خليفة. ثم ينتقل إلى صفة أخرى أشد من الأولى. وأول بني أمية يزيد بن معاوية، وآخرهم مروان الحمار، وعدتهم ثلاثة عشر، ولا يعد عثمان ومعاوية ولا ابن الزبير، لكونهم صحابة! فإذا أسقطنا منهم مروان بن الحكم للإختلاف في صحبته، أو لأنه كان متغلباً بعد أن اجتمع الناس على عبدالله بن الزبير، صحت العدة. وعند خروج الخلافة من بني أمية وقعت الفتن العظيمة والملاحم الكثيرة، حتى استقرت دولة بني العباس، فتغيرت الأحوال عما كانت عليه تغيراً بيناً.

قال: ويؤيد هذا ما أخرجه أبوداود من حديث بن مسعود، رفعه: تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست ومثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن هلكوا فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاماً. "قال المؤلف: لاأعرف من صحح هذا الحديث غير الألباني". ثم قال ابن حجر: قلت: لكن يعكر عليه أنّ مِن استقرار الملك لبني أمية عند اجتماع الناس على معاوية سنة إحدى وأربعين، إلى أن زالت دولة بني أمية فقتل مروان بن محمد في أوائل سنة: اثنتين وثلاثين ومائة، أزيد من تسعين سنة...

قال "أي ابن الجوزي": وأما الوجه الثاني: فقال أبوالحسين بن المنادي في الجزء الذي جمعه في المهدي: يحتمل في معنى حديث: يكون اثنا عشر خليفة، أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، فقد وجدت في كتاب دانيال: إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر، ثم خمسة من ولد السبط الأصغر، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر، ثم يملك بعده ولده، فيتم بذلك اثنا عشر ملكاً، كل واحد منهم إمام مهدي.

قال ابن المنادي: وفي رواية أبي صالح عن بن عباس: المهدي اسمه محمد بن عبدالله، وهو رجل ربعة مشرب بحمرة، يفرج الله به عن هذه الأمة كل كرب ويصرف بعدله كل جور، ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلاً، ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين، وآخر من غيرهم، ثم يموت فيفسد الزمان. وعن كعب الأحبار: يكون اثنا عشر مهدياً، ثم ينزل روح الله فيقتل الدجال.

قال: والوجه الثالث: أن المراد: وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة، يعملون بالحق وإن لم تتوال أيامهم.

ويؤيده ما أخرجه مسدد في مسنده الكبير، من طريق أبي بحر أن أباالجلد، حدثه أنه لاتهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل بيت محمد، يعيش أحدهما أربعين سنة والآخر ثلاثين سنة. وعلى هذا فالمراد بقوله: ثم يكون الهرج، أي الفتن المؤذنة بقيام الساعة، من خروج الدجال ثم يأجوج ومأجوج إلى أن تنقضي الدنيا. انتهى كلام بن الجوزي ملخصاً بزيادات يسيرة.

وتابع ابن حجر قائلاً: والوجهان الأول والآخر قد اشتمل عليهما كلام القاضي عياض، فكأنه ما وقف عليه، بدليل أن في كلامه زيادة لم يشتمل عليها كلامه. وينتظم من مجموع ما ذكراه أوجه، أرجحها الثالث من أوجه القاضي لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة: كلهم يجتمع عليه الناس.

وإيضاح ذلك أن المراد بالإجتماع انقيادهم لبيعته. والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين فسمي معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك، ثم لما مات يزيد وقع الإختلاف، إلى أن اجتمعوا على عبدالملك بن مروان بعد قتل بن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبدالعزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين. والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبدالملك، واجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين، ثم قاموا عليه فقتلوه، وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ، ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك، لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته، بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان، ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فغلبه مروان، ثم ثار على مروان بنو العباس، إلى أن قتل.

ثم كان أول خلفاء بني العباس أبوالعباس السفاح، ولم تطل مدته، مع كثرة من ثار عليه، ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته، لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس، واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك، وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض، إلى أن لم يبق من الخلافة إلا الإسم في بعض البلاد، بعد أن كانوا في أيام بني عبدالملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً ويميناً مما غلب عليه المسلمون، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شي ء منها إلا بأمر الخليفة. ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك. فعلى هذا يكون المراد بقوله: ثم يكون الهرج، يعني القتل الناشي ء عن الفتن وقوعاً فاشياً يفشو ويستمر ويزداد على مدى الأيام، وكذا كان. والله المستعان. والوجه الذي ذكره بن المنادي ليس بواضح، ويعكر عليه ما أخرجه الطبراني من طريق قيس بن جابر الصدفي، عن أبيه، عن جده رفعه: سيكون من بعدي خلفاء ثم من بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ثم يؤمر القحطاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه. فهذا يرد على ما نقله بن المنادي من كتاب دانيال.

وأما ما ذكره عن أبي صالح فواهٍ جداً، وكذا عن كعب.... فالأولى أن يحمل قوله: يكون بعدي اثنا عشر خليفة، على حقيقة البعدية، فإن جميع من ولي الخلافة من الصديق إلى عمر بن عبدالعزيز أربعة عشر نفساً، منهم اثنان لم تصح ولايتهما، ولم تطل مدتهما، وهما معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم، والباقون اثنا عشر نفساً على الولاء، كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاة عمر بن عبدالعزيز سنة إحدى ومائة، وتغيرت الأحوال بعده، وانقضى القرن الأول الذي هو خير القرون.

ولا يقدح في ذلك قوله: يجتمع عليهم الناس، لأنه يحمل على الأكثر الأغلب، لأن هذه الصفة لم تفقد منهم إلا في الحسن بن علي وعبدالله بن الزبير، مع صحة ولايتهما، والحكم بأن من خالفهما لم يثبت استحقاقه إلا بعد تسليم الحسن، وبعد قتل بن الزبير. والله أعلم.

وكانت الأمور في غالب أزمنة هؤلاء الإثني عشر منتظمة، وإن وجد في بعض مدتهم خلاف ذلك، فهو بالنسبة إلى الإستقامة نادر. والله أعلم.

وقد تكلم ابن حبان على معنى حديث: تدور رحى الإسلام، فقال: المراد بقوله: تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين: انتقال أمر الخلافة إلى بني أمية، وذلك أن قيام معاوية عن علي بصفين حتى وقع التحكيم، هو مبدأ مشاركة بني أمية ثم استمر الأمر في بني أمية من يومئذ سبعين سنة، فكان أول ما ظهرت دعاة بني العباس بخراسان سنة ست ومائة، وساق ذلك بعبارة طويلة، عليه فيها مؤاخذات كثيرة، أولها دعواه أن قصة الحكمين كانت في أواخر سنة ست وثلاثين، وهو خلاف ما اتفق عليه أصحاب الأخبار، فإنها كانت بعد وقعة صفين بعدة أشهر، وكانت سنة سبع وثلاثين. والذي قدمته أولى بأن يحمل الحديث عليه. والله أعلم". انتهى كلام ابن حجر.

وقد رأيت أن ما اختاره ابن حجر غير ما نسبه إليه السيوطي، فلا بد من القول أن السيوطي لم يقرأ كل كلام ابن حجر كاملاً، أو أن نتهم السيوطي بالتدليس. لكن المهم أنك رأيت تحيرهم جميعاً وكثرة احتمالاتهم، وتضاربها! وأن أكثرهم أخذوا بزيادة "تجتمع عليه الأمة" محوراً لتفسيره، مع أنها لم تثبت عندهم، بل استنكرها عدد منهم!

ورأيت أن القاضي عياض لم يجزم بشي ء، بل ذكر وجوهاً عديدة بكلمة قيل ويحتمل.. وأن ابن حجر رجح الإحتمال الثالث منها، فقال "وينتظم من مجموع ما ذكراه أوجه أرجحها الثالث من أوجه القاضي".

والنتيجة التي يخرج منها القارى ء لتفاسيرهم: أنهم يضيعون عليه معنى الحديث الذي أرادوا أن يفسروه، وهو حديث صحيح عندهم، صريح بالبشارة النبوية باثني عشر إماماً ربانيين، هداة مهديين، قيمين على الأمة. فتراهم يصرون على تلبيس الحديث لحكام بني أمية، وعلى خلطه بزيادة لم تثبت وبأحاديث ضعيفة، لايستقيم لها معنى، ولا أثر عليها للبلاغة النبوية!!

وإذا أردت مزيداً من الأمثلة على ضياعهم، فاقرأ عون المعبود 362:11-364 قال: "قال بعض المحققين: قد مضى منهم الخلفاء الأربعة، ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة. وقيل: إنهم يكونون في زمان واحد يفترق الناس عليهم.

وقال التوربشتي: السبيل في هذا الحديث وما يعتقبه في هذا المعنى، أن يحمل على المقسطين منهم، فإنهم المستحقون لإسم الخليفة على الحقيقة، ولا يلزم أن يكونوا على الولاء. وإن قدر أنهم على الولاء، فإن المراد منه المسمون على المجاز! كذا في المرقاة. وقال الشيخ الأجل ولي الله المحدث في قرة العينين في تفضيل الشيخين: وقد استشكل في حديث: لايزال هذا الدين ظاهراً إلى أن يبعث الله اثني عشر خليفة كلهم من قريش، ووجه الإستشكال: أن هذا الحديث ناظر إلى مذهب الإثني عشرية الذين أثبتوا اثني عشر إماماً.

والأصل أن كلامه صلى الله عليه وآله بمنزلة القرآن يفسر بعضه بعضاً، فقد ثبت من حديث عبدالله بن مسعود: تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين سنة، أو ست وثلاثين سنة، أو سبع وثلاثين سنة، فإن يهلكوا فسبيل من قد هلك، وإن يقم لهم دينهم، يقيم سبعين سنة مما مضى.

وقد وقعت أغلاط كثيرة في بيان معنى هذا الحديث، ونحن نقول ما فهمناه على وجه التحقيق: إن ابتداء هذه المدة من ابتداء الجهاد في السنة الثانية من الهجرة...!!

وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: ففي سنة خمس وثلاثين من ابتداء الجهاد وقعت حادثة قتل ذي النورين وتفرق المسلمين ولكن الله تعالى بعد ذلك جعل أمر الخلافة منتظماً، وأمضى الجهاد إلى ظهور بني العباس وتلاشي دولة بني أمية... فتارة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن خلافة النبوة، وخصصه بثلاثين سنة، والتي بعدهم عبرها بملك عضوض، وتارة عن خلافة النبوة، والتي تتصل بها كليهما معاً، وعبرها باثني عشر خليفة...

فالتحقيق في هذه المسألة: أن يعتبروا بمعاوية وعبدالملك وبنيه الأربع

"كذا" وعمر بن عبدالعزيز، ووليد بن يزيد بن عبدالملك، بعد الخلفاء الأربعة الراشدين.

وقد نقل عن الإمام مالك أن عبدالله بن الزبير أحق بالخلافة من مخالفيه، ولنا فيه نظر، فإن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما قد ذكرا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن تسلط ابن الزبير واستحلال الحرم به مصيبة من مصائب الأمة، أخرج حديثهما أحمد عن قيس بن أبي حازم قال: جاء ابن الزبير إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في الغزو، فقال عمر: أجلس في بيتك فقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فرد ذلك عليه، فقال له عمر: في الثالثة أو التي تليها: أقعد في بيتك، والله إني لأجد بطرف المدينة منك وأصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرجه الحاكم.

فمن لفظه: بطرف المدينة، يفهم أن واقعة الجمل غير مراد ها هنا، بل المراد خروجه للخلافة، وإلى هذا المعنى قد أشار علي رضي الله عنه في قصة جواب الحسن رضي الله عنه، ولم ينتظم أمر الخلافة عليه.

ويزيد بن معاوية ساقط من هذا البين، لعدم استقراره مدة يعتد بها، وسوء سيرته. والله أعلم". انتهى كلام عون المعبود.

وأنت ترى أن صاحب قرة العينين اعترف بأن ملك بني أمية ملك عضوض وأن خلافتهم ليست خلافة نبوة.. ومع ذلك فسر بهم الحديث، وطبق عليهم البشارة النبوية بالأئمة الإثني عشر، الربانيين، القيمين بأمر الله تعالى على أمة نبيه صلى الله عليه وآله!

كما ترى أنه حذف منهم الإمام الحسن والإمام المهدي عليهماالسلام، وحذف ابن الزبير الذي أثبته الإمام مالك وآخرون... إلخ!

وهو مع ذلك ينتقد الذين غلطوا في تفسيره فيقول "وقد وقعت أغلاطٌ كثيرةٌ في بيان معنى هذا الحديث" ووعد الناس بأن يرفع المعضلة فزادها إعضالاً، وأن يحل المشكلة فزادها إشكالاً!!

ثم اقرأ ما قاله ابن كثير في البداية والنهاية:248:3 :

ذكر الأخبار عن الأئمة الإثني عشر الذين كلهم من قريش. وليسوا بالإثني عشر الذين يدعون إمامتهم الرافضة، فإن هؤلاء الذين يزعمون، لم يلِ أمور الناس منهم إلا علي بن أبي طالب وابنه الحسن، وآخرهم في زعمهم المهدي المنتظر بسرداب سامرا، وليس له وجود ولا عين ولا أثر.

بل هؤلاء الأئمة الإثنا عشر المخبر عنهم في الحديث: الأئمة الأربعة أبوبكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وعمر بن عبدالعزيز بلا خلاف بين الأئمة على كلا القولين لأهل السنة في تفسير الإثني عشر. انتهى.

ولعله يقصد بالقولين: القول بتتابعهم زمنياً، وعدمه، ولكنهما وجهان في كل واحد منهما عددٌ من الأقوال.. وقد ذكر هو جملةً منها!

ثم أشار ابن كثير إلى الإحتمالات وركز منها على مناقشة البيهقي فقال: فهذا الذي سلكه البيهقي وقد وافقه عليه جماعة من أن المراد بالخلفاء الإثني عشر المذكورين في هذا الحديث، هم المتتابعون إلى زمن الوليد بن يزيد بن عبدالملك الفاسق، الذي قدمنا الحديث فيه بالذم والوعيد، فإنه مسلك فيه نظر، وبيان ذلك: أن الخلفاء إلى زمن الوليد بن يزيد هذا أكثر من اثني عشر على كل تقدير، وبرهانه أن الخلفاء الأربعة أبوبكر وعمر وعثمان وعلي خلافتهم محققة بنص حديث سفينة: الخلافة بعدي ثلاثون سنة. ثم بعدهم الحسن بن علي كما وقع، لأن علياً أوصى إليه وبايعه أهل العراق، وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام، حتى اصطلح هو ومعاوية كما دل عليه حديث أبي بكرة، في صحيح البخاري. ثم معاوية، ثم ابنه يزيد بن معاوية، ثم ابنه معاوية بن يزيد، ثم مروان بن الحكم، ثم ابنه عبدالملك بن مروان ثم ابنه الوليد بن عبدالملك، فهؤلاء خمسة عشر، ثم الوليد بن يزيد بن عبدالملك.

فإن اعتبرنا ولاية الزبير قبل عبدالملك صاروا ستة عشر، وعلى كل تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبدالعزيز، فهذا الذي سلكه على هذا التقدير يدخل في الإثني عشر يزيد بن معاوية، ويخرج منهم عمر بن عبدالعزيز، الذي أطبق الأئمة على شكره وعلى مدحه، وعدُّوه من الخلفاء الراشدين، وأجمع الناس قاطبة على عدله وأن أيامه كانت من أعدل الأيام، حتى الرافضة يعترفون بذلك.

فإن قال: أنا لاأعتبر إلا من اجتمعت الأمة عليه، لزمه على هذا القول أن لايعدّ علي بن أبي طالب ولا ابنه، لأن الناس لم يجتمعوا عليهما، وذلك أن أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما، وعدّ معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد، ولم يقيد بأيام مروان ولا ابن الزبير، فإن الأمة لم تجتمع على واحد منهما.

فعلى هذا نقول في مسلكه هذا عاداًّ للخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان ثم معاوية ثم يزيد بن معاوية ثم عبدالملك ثم الوليد بن سليمان ثم عمر بن عبدالعزيز ثم يزيد ثم هشام، فهؤلاء عشرة، ثم من بعدهم الوليد بن يزيد بن عبدالملك الفاسق، ولكن هذا لايمكن أن يسلك، لأنه يلزم منه إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الإثني عشر، وهو خلاف ما نص عليه أئمة السنة، بل والشيعة، ثم هو خلاف ما دل عليه نصا حديث سفينة عن رسول الله أنه قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً عضوضاً. وقد ذكر "سفينة" تفصيل هذه الثلاثين سنة فجمعها من خلافة الأربعة، وقد بيناّ دخول خلافة الحسن، وكانت نحواً من ستة أشهر فيها أيضاً، ثم صار الملك إلى معاوية لما سلم الأمر إليه الحسن بن علي.

وهذا الحديث فيه المنع من تسمية معاوية خليفة، وبيان أن الخلافة قط انقطعت بعد الثلاثين سنة لامطلقاً، بل انقطع تتابعها، ولا ينفي وجود خلفاء راشدين بعد ذلك، كما دل عليه حديث جابر بن سمرة.

وقال نعيم بن حماد: حدثنا راشد بن سعد، عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حذيفة بن اليمان قال: يكون بعد عثمان اثنا عشر ملكا من بني أمية، قيل له: خلفاء؟ قال: لا، بل ملوك.

وقد روى البيهقي من حديث حاتم بن صفرة، عن أبي بحر قال: كان أبوالجلد جاراً لي، فسمعته يقول يحلف عليه: إن هذه الأمة لن تهلك حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل البيت، أحدهما يعيش أربعين سنة، والآخر ثلاثين سنة. ثم شرع البيهقي في رد ما قاله أبوالجلد بما لايحصل به الرد، وهذا عجيب منه!

وقد وافق أباالجلد طائفة من العلماء، ولعل قوله أرجح لما ذكرنا. وقد كان ينظر في شي ء من الكتب المتقدمة، وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: إن الله تعالى بشر إبراهيم بإسماعيل، وأنه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيماً. انتهى كلام ابن كثير.

وهو يقصد ما هو موجود في التوراة الفعلية- العهد القديم والجديد25:1- طبعة مجمع الكنائس الشرقية في سفر التكوين، الإصحاح السابع عشر، قال:

18- وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك.

19- فقال الله: بل سارة امرأتك تلد لك ابناً وتدعو اسمه إسحق، وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً، لنسله من بعده.

20- وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره، وأكثره كثيراً جداً. اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة كبيرة.

21- ولكن عهدي أقيمه مع إسحق، الذي تلده لك سارة في هذا الوقت، في السنة الآتية. انتهى.

وقد وردت ترجمها كعب الأحبار "قيماً" وترجمها بعضهم "إماماً"..

فالنص موجود في التوراة، وفي مصادر السنة، والشيعة، وهو مؤيد لبشارة نبينا صلى الله عليه وآله، ولكنه يؤيد تفسير شيعة أهل البيت عليهم السلام، ولا يحل مشكلة المفسرين السنيين، بل يزيدها!

ومن أعقل هؤلاء الشراح وأكثرهم إنصافاً في هذا الموضوع: ابن العربي المالكي المتوفى سنة 543 فقد اعترف في عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي بأن تطبيق الحديث على هؤلاء يصل إلى طريق مسدود، ورجح أن يكون الحديث ناقصاً، لأن الموجود منه لايفهم له معنى.. قال: روى أبوعيسى، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلهم من قريش. صحيح. فعددنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر أميراً فوجدنا: أبابكر، عمر، عثمان، علي، الحسن، معاوية، يزيد، معاوية بن يزيد، مروان، عبدالملك، مروان بن محمد بن مروان، السفاح، المنصور، المهدي، الهادي، الرشيد، الأمين، المأمون، المعتصم، الواثق، المتوكل، المنتصر، المستعين، المعتز، المهتدي، المعتضد، المكتفي، المقتدر، القاهر، الراضي، المتقي، المستكفي، المطيع، الطائع، القادر، القائم، المقتدي، أدركته سنة أربع وثمانين وأربعمائة وعهد إلى المستظهر أحمد ابنه، وتوفي في المحرم سنة ست وثمانين، ثم بايع المستظهر لابنه أبي منصور الفضل، وخرجت عنهم سنة خمس وتسعين.

وإذا عددنا منهم اثني عشر انتهى العدد بالصورة إلى سليمان بن عبدالملك.

وإذا عددناهم بالمعنى، كان معنا منهم خمسة: الخلفاء الأربعة وعمر بن عبدالعزيز!! ولم أعلم للحديث معنى، ولعله بعض حديث!! انتهى.

فاتضح لك أن المفسرين السنيين بذلوا كل جهدهم لتفسير هؤلاء الأئمة الإثني عشر الموعودين في التوراة على لسان إبراهيم، ثم على لسان نبينا صلى الله عليه وآله، على ملوك بني أمية، ولكنهم واجهوا ثلاثة مشاكل أساسية لاحل لها:

الأولى: زيادة عدد هؤلاء "الخلفاء" الذين يعترفون بأنهم ليسوا خلفاء النبي صلى الله عليه وآله بل خلفاء الهواء! على الإثني عشر، الأمر الذي يدخلهم في بوابة الحذف والإثبات التي لاضابط لها، ولا آخر!

والثانية: أنهم يشعرون أن هذا الثوب الإلهي لايمكن إلباسه لجماعتهم.. وأنهم مهما دافعوا عن سيرة هؤلاء "الخلفاء غير الخلفاء" وتستروا على تاريخهم، ففيهم مفضوحون، لابد من الإعتراف بسوئهم، ولا يمكن أن يكون أحدهم إماماً ربانياً، وقيماً عظيماً على الأمة، موعوداً من الله تعالى على لسان أعاظم الأنبياء عليهم السلام.

والثالثة: أنهم بهذا التفسير يدعون لهؤلاء الملوك منصباً ربانياً لم يدعوه هم لأنفسهم! فيصيرون بذلك كمن يدعي نبوة لنبي، والنبي المزعوم ينكرها!!

وأخيراً، فقد نصح المفسرون السنيون أتباعهم أن لايأخذوا بتفسير الشيعة ووعدوهم بأن يفسروا لهم الحديث الشريف بأصح من تفسير الشيعة، وقد رأينا أنهم داروا في تفسيره كثيراً، وراوحوا مكانهم.. فمن حق السني أن يعود على بدء، ويسألهم عن تفسير حديث نبيه صلى الله عليه وآله الصحيح وبشارته القطعية باثني عشر إماماً، ربانياً، ملهماً، مميزاً بعلمه وشخصيته وسلوكه، قيماً من ربه على الأمة.. يكونون جميعاً على هدى واحد، وخط واحد..

ومن حقنا أن نقول لهم: إذا لم تفسروه، فاعذرونا أن نفسره بالأئمة من أهل بيت النبي وعترته الطاهرين صلى الله عليه وآله، وأولهم علي عليه السلام وآخرهم المهدي الموعود عليه السلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: بنا بدأ الله وبنا يختم. وصدق الله ورسوله.

/ 47