غایة المرام و حجة الخصام فی تعیین الإمام جلد 3

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

غایة المرام و حجة الخصام فی تعیین الإمام - جلد 3

سید هاشم بن سلیمان بحرانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

اخراج أميرالمؤمنين لبيعة أبي بكر


1617/الأوّل: قال بن أبي الحديد في "شرح نهج البلاغة" وهو من علماء العامّة المُعتَزِلة: قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبةٍ: فنظَرتُ فإذا ليس لي مُعينٌ، إلّا أهلُ بيتي، فضَنِنْتُ بهم عن المَوت، وأغضَيتُ على القَذى، وشَرِبتُ على الشَّجى، وصَبرتُ على أخذِ الكَظَم، وعلى أمرَّ من طَعْمِ العَلْقَم.

قال ابن أبي الحديد في "الشرح": الكَظَمُ: بفَتْحِ الظاء: مَخْرَج النَّفَس، والجمع أكظام، وضَنِنْتُ بالكسر: بَخِلتُ، وأغضَيْتُ على كذا: غضَضتُ طَرْفي، والشَّجى: ما يَعترِض في الحَلْق.

ثمّ قال ابن أبي الحديد: اختلفت الروايات في قصّة السَّقيفة، فالذي تقوله الشيعة - وقد قال قومٌ من المُحَدِّثين بعضه ورَوَوا كثيراً منه -: إنّ عليّاً عليه السلام امتنَع مِن البَيْعَةِ حتّى اُخرِج كُرْهاً، وإنّ الزُبَير بن العَوّام امتنع من البيعة، وقال: لا اُبايع إلّا عليّاً عليه السلام، وكذلك أبو سفيان بن حَرْب، وخالد بن سَعيد بن العاص بن اُمَيّة بن عَبْد شَمْس، والعبّاس بن عبدالمُطَّلِب |وبنوه، وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطّلب| وجميع بني هاشم،

وقالوا: إنّ الزُّبَير شَهَر سيفه، فلمّا جاء عمر ومعه جماعة من الأنصار وغيرهم، قال في جملة ما قال: خُذوا سيفَ هذا فاضرِبوا به الحَجَر. ويقال: إنّه أخَذ السيفَ من يَدِ الزُّبَير فضرب به حجَراً فكسَره، فساقَهم كلَّهم بين يدَيه إلى أبي بكر، فحَمَلهم على بَيعتِه ولم يتخلّف إلّا عليّ عليه السلام وحده، فإنّه اعتَصم ببيتِ فاطمة عليهاالسلام، فتَحامَوا إخراجه |منه| قَسْراً، وقامت فاطمة عليهاالسلام إلى باب البَيتِ، فأسمَعت مَن جاء يَطْلُبه، فتفَرّقوا وعَلِموا أ نّه بمفرده لا يضُرّ شيئاً، فترَكوه.

وقيل: إنّهم أخرَجوه فيمَن اُخرج، وحُمِل إلى أبي بكر فبايعه. وقد روى أبو جعفر محمّد بن جَرير الطَّبَري كثيراً من هذا.

فأمّا حديث التَّحرِيق وما جرى مَجْراه من الأمور الفَظيعة، وقول مَن قال: إنّهم أخذوا عليّاً عليه السلام يُقاد بعِمامَته والنّاس حَوْلَه، فأمرٌ بعيدٌ، والشِّيعةُ تنفَرِد به، على أنّ جماعة من أهلِ الحَديث قد رَوَوا نحوَه، وسنَذكر ذلك.

وقال أبو جعفر: إنّ الأنصارَ لمّا فاتها ما طلبت من الخِلافة، قالت - أو قال بعضُها -: لا نُبايع إلّا عليّاً. وذكر نحو هذا عليّ بن عبدالكريم المعروف بابن الأثير الموصلي في تاريخه.

فأمّا قوله: 'لم يكن لي مُعِين إلّا أهل بَيتي فضَنِنْتُ بهم عن الموت' فقَولٌ ما زال عليه السلام يقوله، ولقد قالَه عَقيِب وَفاةِ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، قال: 'لو وجَدتُ أربعينَ ذوي عَزْمٍ'! ذكر ذلك نَصْر بن مُزاحِم في كتاب "صفّين"، وذكره كثير من أرباب السِّيَر.

وأمّا الذي يقوله جمهور المُحدِّثين وأعيانُهم، فإنّه عليه السلام امتنَع من البيعةِ ستّة أشهُر، ولَزِم بيتَه فلم يُبايع حتّى ماتت فاطمة عليهاالسلام، فلمّا ماتَت بايع طَوْعاً.

وفي صحيحي مسلم والبُخاري: كانت وُجوه النّاس إليه وفاطمة لمّا تَمُت بعدُ، فلمّا ماتت انصرَفت وجوه النّاس عنه، وخرَج من بَيتهِ فبايَع أبا بَكر، وكانت مدّة بقائها بعد أبيها عليه الصلاة والسلام ستّة أشهُر.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 20:2.]

1618/الثاني: قال ابن أبي الحديد: روى أحمَد بن عبدالعزيز، قال: لمّا بُويع لأبي بكر، كان الزُّبَير والمِقداد يختَلِفان في جماعة من النّاس إلى عليّ عليه السلام وهو في بيت فاطمة عليهاالسلام، فيتَشاوَرون ويتَراجَعون في أمرِهم،

[في المصدر: ويتراجعون أمورهم.] فخرَج عمر حتّى دخَل على فاطمة عليهاالسلام وقال: يا بنت رسول اللَّه، ما مِن أحدٍ من الخَلْقِ أحَبّ إلينا من أبيكِ، وما من أحَدٍ أحَبّ إلينا منكِ بعد أبيك، وايمُ اللَّه ماذاك بمانِعي إن اجتَمَع هؤلاء النَّفَر عندك، أن آمُرَ بتَحرِيق البَيت عليهم. فلمّا خرَج جاءوها، فقالت: تعلَمون أنّ عمر جاءني وحلَف لي باللَّه إن عُدتُم لَيُحرِقَنّ عليكُم البَيت، وايمُ اللَّه لَيَمْضِينّ لما حلف له، فانصَرِفوا عنّا راشِدين. فلم يَرجِعوا إلى بيتها، وذهَبوا فبايَعوا لأبي بكر.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 45:2.]

1619/الثالث: ابن أبي الحديد، قال: وروى المُبَرّد في "الكامِل" صدرَ هذا الخبَر عن عبدالرّحمن بن عَوف، قال: دخَلتُ على أبي بكر أعودُه في مَرَضهِ الذي مات فيه، فسلّمتُ وسألته ما به؟ فاستَوى جالساً، فقلت: |لقد| أصبَحتَ بحَمدِ اللَّه بارئاً. فقال: أما إنّي على ما تَرى لَوَجِعٌ، وجعَلتُم لي معشر المُهاجرين شُغلاً مع وجَعي، وجعَلتُ لكم عهداً منّي مِن بَعدي، واختَرتُ لكم خيرَكم في نَفسي، فكلّكم وَرِمَ لذلك أنفُه

[أي امتلأ غضباً.] رجاءَ أن يكون الأمرُ له، ورأيتُم الدُنيا قد أقبَلت، واللَّهِ لتَتَّخِذُنّ سُتور الحَريرِ ونضائد

[أي الوسائد، أو ما يُنْضَد من المَتاع والفِراش.] الدِّيباج، وتألمون ضجائع الصّوف الأذربيّ،

[الأذربيّ: منسوب إلى أذربيجان.] كأنّ أحدَكم على حَسَكِ السَّعدان،

[السَّعْدان: نبت كثير الحَسَك تأكُلُه الإبل فتَسْمَن عليه.] واللَّه لئن يقدّم أحدكم فتضرب عُنقه في غير حدٍّ، لخيرٍ له من أن يسبَح في غَمْرَة الدُنيا، وإنّكم غَداً لأوّل ضالّ بالنّاس.

وساق حديثه إلى أن قال: وقال أبو بكر: أما إنّي لا آسى إلّا على ثلاثٍ فعَلتُهنّ، وَدِدْتُ أ نّي لم أفعَلْهنّ، وثلاث لم أفعَلهُنّ ودِدْتُ أ نّي فعَلتُهنّ، وثلاث ودِدْتُ أ نّي |سألت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عنهنّ.

فأمّا الثلاث التي فعَلتُها، ووَدِدتُ أ نّي| لم أكُن فعَلتُها: فَودِدْتُ أ نّي لم أكُن كشفت عن بيتِ فاطمة وترَكتُه ولو اُغلِق على حَرْب، ووَدِدتُ أ نّي يوم سقيفة بني ساعِدَة كنتُ قذَفتُ الأمرَ في عُنُقِ أحَد الرَّجُلَين: عُمَر أو أبي عُبَيْدَة، فكان أميراً وكنتُ وزيراً، وَوَدِدْتُ أ نّي إذ اُتيتُ بالفُجَاءة

[هو إياس بن عبداللَّه بن عبد ياليل السّلمي، جاء إلى أبي بكر فطلب منه سلاحاً يتقوّى به على جهاد أهل الردّة، فأعطاه، فلمّا خرج قطع الطريق ونهب أموال المسلمين وأهل الردّة جميعاً، وقتل كلّ من وجد، فلمّا ظفر به أبو بكر، أمر فأوقد له ناراً في مصلّى المدينة على حَطَب كثير، ثمّ رمي به فيها مقموطاً. تاريخ الطبري 264:3 وشرح ابن أبي الحديد 222:17.] لم أكُن أحرَقتُه، وكنتُ قتَلتُه بالحَديد أو أطْلَقتُه.

وأمّا الثَلاث التي ترَكتُها ووَدِدْتُ أ نّي فعَلتُها: فَودِدْتُ أ نّي يوم اُتِيتُ بالأشْعَث كنتُ ضرَبتُ عُنقَه فإنّه يُخَيَّل إليّ أ نّه لا يرى شَرّاً إلّا أعانَ علَيه، وَوَدِدْتُ أ نّي حيث وجّهتُ خالداً إلى أهل الردّة، أقمتُ بذي القصَّة

[ذو القصَّة: موضع على بريد من المدينة تِلقاء نَجْد.] فإن ظَفِر المُسلِمون وإلّا كنت رِدْءاً

[أي معيناً وناصراً.] لهم، وَوَدِدْتُ حيث وجّهتُ خالداً إلى الشّام، كنتُ وجّهتُ عُمَر إلى العِراق، فأكونَ قد بسَطتُ كِلتا يدَيّ اليَمين والشِّمال في سبيل اللَّه.

وأمّا الثلاث التي وَدِدْتُ أ نّي |كنت| سألتُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عنهنّ، فوَدِدْتُ أ نّي سألته فيمن هذا الأمر، فكُنّا لا نُنازِعه أهلَه |ووَدِدتُ أ نّي كنتُ سألتُه هل للأنصارِ في هذا الأمر نصيب| ووَدِدْتُ أ نّي سألتُه عن مِيراثِ العمَّةِ وبنت الاُخت، فإنّ في نفسي منهما حاجة.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 45:2.]

1620/الرابع: ابن أبي الحديد، روى أبو بكر أحمَد بن عبدالعزيز بإسناده عن أبي الأسوَد، قال: غَضِب رجالٌ من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغَير مَشورة، وغَضِب عليّ والزُّبَير فدخَلا بيت فاطمة عليهاالسلام معهما السّلاح، فجاء عُمَر في عِصابةٍ منهم: اُسَيد بن حُضَير، وسَلَمة بن سَلامة بن وَقْش، وهما من بني عبدالأشْهَل، فصاحَت فاطمة عليهاالسلام وناشدَتْهُم اللَّه، فأخَذوا سَيْفَي عليّ والزُّبَير وضرَبوا بهما الجِدار حتّى كسَروهما. ثمّ أخرَجهما عُمَر يسوقهما حتّى بايَعا، ثمّ قام أبو بكر فخَطَب النّاس واعتذَر إليهم، وقال: إنّ بَيْعَتي كانت فَلْتَة وقى اللَّهُ شَرَّها، وخَشِيتُ الفِتْنَةَ، وايمُ اللَّه ما حرَصتُ عليها يوماً قطّ، ولقد قُلّدتُ أمراً عظيماً ما لي به طاقة ولا يدان. ولوَدِدْتُ أنّ أقوى النّاس عليه مَكاني، وجَعَل يعتَذِر إليهم، فقَبِل المُهاجِرون عُذْرَه.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 50:2.]

1621/الخامس: ابن أبي الحديد، وروى أبو بكر بإسناده عن مَسْلَمة بن عبدالرّحمن، قال: لمّا جلَس أبو بكر على المِنْبَر، كان عليّ عليه السلام والزُّبَير، وناسٌ من بني هاشِم في بيت فاطمة عليهاالسلام، فجاء عمر إليهم فقال: والذي نفسي بيَدِه لتَخرُجُنّ إلى البيعة أو لاُحرِقَنّ البيتَ عليكم. فخرَج الزُّبَير مُصْلِتاً سيفَه، فاعْتَنقَه رجلٌ من الأنصارِ، وزياد بن لَبيد، فدَقّ به فبَدر

[كذا في النسخة والمصدر، ولعلّه تصحيف: فندر، أي فسقط. راجع الحديث الحادي عشر من هذا الباب.] السَّيف، فصاح أبو بكر وهو على المِنْبَر: اضرِب به الحجَر، قال أبو عمرو بن حِمَاس: فلقَد رأيتُ الحجَر فيه تلك الضَّرْبَة، ويقال: هذهِ ضَرْبَة سَيف الزُّبَير. ثمّ قال أبو بكر: دَعوهُم فسَيأتي اللَّه بهم، قال: فخرَجوا إليه بعد ذلك فبايَعوه.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 56:2.]

1622/السادس: ابن أبي الجديد، قال أبو بكر: وقد رُوي في رواية اُخرى أنّ سعد بن أبي وقّاص كان معهم في بيت فاطمة عليهاالسلام والمِقداد بن الأسوَد أيضاً، وأ نّهم اجتَمعوا على أن يبايعوا عليّاً عليه السلام، فأتاهم عُمَر ليُحرِق عليهم البَيت، فخرَج إليه الزُّبَير بالسَّيف، وخرَجت فاطمة عليهاالسلام تبكي وتَصيح، فنَهْنَهَت

[أي كفّت.] من النّاس، وقالوا: ليس عندنا مَعصِية ولا خِلاف في خَيرٍ اجتمَع عليه |النّاس|، وإنّما اجتمَعنا لنؤلّف القُرآن في مُصْحَفٍ واحِد، ثمّ بايَعوا أبا بكر، فاستَمرّ الأمرُ واطمأنّ النّاس.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 56:2.]

1623/السابع: ابن أبي الحَديد، روى أبو بكر بإسناده عن الشّعبي، قال: سأل أبو بكر، فقال: أينَ الزُّبَير؟ فقيل: عند عليّ وقد تقلّد سَيْفَه. فقال: قُمْ يا عُمَر، قُمْ يا خالِد بن الوَليد، فانطَلقا حتّى تأتياني بهما، فانطَلقا، فدخَل عُمَر وقام خالد على باب البيت من خارج، فقال عُمَر للزبير: ما هذا السّيف؟ قال: نُبايع عليّاً. فاختَرطه عُمَر فضرَب به حجراً فكسرَه، ثمّ أخَذ بيد الزُبَير فأقامَه ثمّ دفَعه، وقال: يا خالِد، دونَكَهُ فأمسِكه. ثمّ قال لعليّ عليه السلام: قُم فَبايع لأبي بَكْر. فتلَكّأ واحتبس، فأخذ بيَدِه وقال: قُم. فأبى أن يقومَ، فحمَله ودفَعه كما دفَع الزُّبَير، فأخرَجه.

ورأت فاطمة عليهاالسلام ما صنَع عمر

["عمر" ليس في المصدر.] بهما، فقامت على بابِ الحُجْرَة، وقالت: يا أبا بَكْر، ما أسرَع ما أغَرْتُم على أهلِ بيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، واللَّه لا اُكلّم عُمَر حتّى ألقى اللَّه. قال: فمَشى إليها أبو بكر بعد ذلك وشفع لعمر وطَلَب إليها، فرَضِيَت عنه.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 57:2. والمتّفق عليه بين أصحاب السنن وأصحاب السير أ نّ الزهراء سلام اللَّه عليها ما زالت غضبى على أبي بكر وعمر وهجرتهما ولم تكلمهما حتّى ماتت، ودفنها علي عليه السلام ليلاً ولم يؤذن بها أحداً منهما. راجع صحيح البخاري 256/288:5 و3/266:6، صحيح مسلم 52/1380:3، سنن البيهقي 300:6، مستدرك الحاكم 162:3، تاريخ الطبري 202:3، تاريخ اليعقوبي 115:2، شرح ابن أبي الحديد 46:6 و218:16، جامع الاصول 482:4.

وروى ابن قتيبة |في الامامة والسياسة: 13| في حديث مناشدتها لهما، أنها قالت: نشدتكما اللَّه، ألم تسمعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟

قالا: نعم، سمعناه من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله. قالت: فانّي اشهد اللَّه وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبيّ لأشكونّكما إليه. وهكذا تعرّضا لهذا الخطر العظيم وهو غضب اللَّه تعالى وسخط رسوله، لأ نّه ثبت عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله أنه قال: يا فاطمة، إنّ اللَّه يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.]

1624/الثامن: ابن أبي الحديد، وروى أبو بكر، بإسناده عن عاصِم بن عمر بن قَتادة، قال: لقي عليّ عليه السلام عُمَر، فقال له عليّ عليه السلام: أنشُدك اللَّه، هل استَخْلَفك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟ قال: لا. قال: فكيف تصنَع أنتَ وصاحِبُك؟ قال: أمّا صاحبي فقد مَضى لسَبيلهِ، وأمّا أنا فسَأخْلَعها من عنُقي إلى عنُقِك. فقال: جَدَع اللَّه أنفَ مَن يُنقِذك منها! |لا| ولكِن جعَلني |اللَّه| عَلَماً، فإذا قمتُ فمن خالَفني ضَلّ.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 58:2.]

1625/التاسع: ابن أبي الحديد، وقال أبو بكر: حدثني أبو زيد، قال: حدثني محمّد بن عبّاد، قال: حدّثني أخي سعيد بن عباد، عن الليث بن سعد، عن رجاله، عن أبي بكر الصِّدّيق أ نّه قال: ليتَني لم أكشِف بيت فاطِمة ولو اُغلِق على

[في المصدر: أعلن عليّ.] الحَرْب.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 51:6.]

1626/العاشر: ابن أبي الحديد، قال أبو بكر: وذكر ابن شِهاب، أنّ ثابت بن قَيْس بن شمّاس أخا بني الحارث من الخَزْرَج، كان مع الجَماعة الذين دخَلوا بيت فاطمة.

قال: وروى سَعْد بن إبراهيم، أنّ عبدالرّحمن بن عَوْف كان مع عُمَر ذلك اليَوم، وأنّ محمّد بن مَسْلَمة كان معهم، وأ نّه هو الذي كَسَر سيف الزُّبَير.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 48:6.]

1627/الحادي عشر: ابن أبي الحديد، قال أبو بكر: وحدّثني أبو زَيد عُمَر ابن شَبَّة، عن رجاله، قال: جاء عُمَر إلى بيت فاطِمة عليهاالسلام في رجالٍ من الأنصار، ونَفَر قليلٌ مِن المُهاجرين، فقال: والذي نفسي بيده لتَخرُجُنّ إلى البيعةِ أو لاُحْرِقَنّ عليكم البيت، فخرَج إليه الزُّبَير مُصْلِتاً بالسَّيف، فاعتَنَقَه زِياد بن لَبيد الأنصاري، ورجُل آخر فنَدَر

[نَدَر: سقط.] السّيفُ من يَدِه، فضرَب به عمر الحجَر فكسَره، ثمّ أخرَجهم بتَلابيبِهم، يُساقون سَوقاً عنيفاً حتّى بايَعوا أبا بَكر.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 48:6.]

1628/الثاني عشر: ابن أبي الحديد، قال أبو زَيد: وروى النَّضْر بن شُمَيْل، قال: حُمِل سَيفُ الزُّبَير لمّا نَدَر من يَدِه، إلى أبي بكر وهو على المِنْبَر يخطُب، فقال: اضرِبوا به الحجَر، قال أبو عمرو بن حِمَاس: ولقد رأيتُ الحجَر وفيه تلك الضّربة، والنّاسُ يقولون: هذا أ ثَر ضَربة سيف الزُّبَير.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 48:6.]

1629/الثالث عشر: ابن أبي الحديد، قال أبو بكر: وأخبرني أبو بكر البَاهلي، عن إسماعيل بن مُجالِد، عن الشَّعبيّ، قال: قال أبو بكر: يا عُمَر، أين خالِد ابن الوليد؟ فقال: هاهو ذا، قال: انطَلِقا إلَيهِما - يعني عليّاً والزُّبَير - فأتياني بهما، فانطلقا فدخَل عُمر ووقَف خالد على الباب مِن خارِج، فقال عمر للزُّبَير: ما هذا السَّيف؟ قال: أعدَدتُه لاُبايِع عليّاً. قال: وكان في البيت ناسٌ كثير منهم: المِقداد بن عمرو، وجمهور الهاشِميّين، فاختَرط عُمَر السَّيفَ فضرَب به صَخْرَةً في البيت فكسَره، ثمّ أخَذ بيد الزُّبَير فأقامَه، ثمّ دفَعه فأخرَجه، وقال: يا خالد دونَك هذا، فأمسَكَه خالِد، وكان خارج البيت مع خالد جمع كثيرٌ من النّاس، أرسَلَهم أبو بكر رِدْءاً لَهُما، ثمّ دخَل عمر فقال لعليّ: قُمْ فبايِع، فتلَكّأ واحتَبس، فأخذ بيَدِه، وقال: قُمْ، فأبى أن يَقوم، فحمَله ودفَعه كما دفَع الزُّبَير، حتّى أمسَكه

[في المصدر: الزُّبَير ثم أمسكهما.] خالد، وساقَهُما عمر |ومن معه| سَوقاً عنيفاً، واجتمَع النّاس ينظُرون وامتلأتْ شوارع المَدينة بالرِجال، ورأت فاطمة عليهاالسلام ما صنَع عُمَر، فصرَخت وَوَلْوَلَت، واجْتَمَع معها نساءٌ كثير من الهاشِميّات وغيرِهنّ،فخرَجت إلى باب حُجْرَتِها ونادَت: يا أبا بكر، ما أسرع ما أغَرْتُم على أهل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله! واللَّه لا اُكَلّم عمر حتّى ألقى اللَّه.

قال: فلمّا بايع عليّ والزُّبَير، وهدأت تِلك الفَوْرَة، مَشى إليها أبو بكر بعد ذلك، فشَفع لِعُمَر وطلَب إليها، فرَضِيت عنه.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 48:6. وقد ذكرنا أنها عليهاالسلام لم ترضَ عنهما، بل ما زالت غضبى عليهما حتّى ماتت، راجع هامش الحديث السابع من هذا الباب.]

1630/الرابع عشر: ابن أبي الحديد، قال: فأمّا |ما رواه| البُخاري ومُسلِم في "الصحيحين" من كيفيّة المُبايَعة لأبي بكر، فهو بهذا اللفظ الذي أُورِدُه عليك، والإسناد إلى عائشة: أنّ فاطمة عليهاالسلام والعَبّاس أتَيا أبا بكر يلتَمِسان مِيراثَهُما من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وهما |حينئذٍ| يَطلُبان أرضَه مِن فَدَك، وسَهْمَهُ من خَيْبَر، فقال لهما أبو بكر: إنّي سَمِعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'إنّا |معشر الأنبياء| لا نُورَث، ما ترَكناه صدَقة، إنّما يأكُل آلُ محمّد من هذا المال' وإنّي - واللَّه - لا أدَعُ أمراً رأيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يصنَعه إلّا صنَعتُه. فهجَرَتُه فاطمة ولم تُكلّمه في ذلك حتّى ماتَت، فدفَنها عليّ ليلاً ولم يُؤذن بها أبا بكر، وكان لعليّ وجه بين

[في المصدر: من.] النّاس |في| حياة فاطمة، فلمّا تُوفّيت انصرَفت وجوه النّاس عن عليّ. فمكَثت فاطمة ستّة أشهُر، ثمّ تُوفِّيت.

فقال رجل للزُّهريّ - وهو راوي هذا الخبر عن عائشة - فلَم يُبايعه عليٌّ ستّة أشهُر! قال: لا،

["لا" ليس في المصدر.] ولا أحَد من بني هاشِم حتّى بايَعه عليّ، فلمّا رأى ذلك ضرَع إلى مصالحة

[في المصدر: إلى مبايعة.] أبي بكر، فأرسَل إلى أبي بكر: أنِ ائتِنا ولا تأتِنا معك بأحَد.

[في المصدر: ولا يأتِ معك أحد.] وكَرِه أن يأتِيَه عُمَر لِمَا عَلِم مِن شِدَّتِه. فقال عُمَر: لا تأتِهم وحْدَك. فقال أبو بكر: واللَّه لآتِيَنَّهم وَحْدي، وما عَسى أن يصنَعوا بي؟ فانطلَق أبو بكر حتّى دَخل على عليّ وقد جمَع بني هاشِم عنده، فقام عليّ فحَمِد اللَّه وأثنى عليه بما هو أهلُه ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّه لم يَمْنَعْنا أن نُبايعَك يا أبا بَكْر إنكارٌ لفَضلِك، ولا نَفاسةٌ لخيرٍ ساقَه اللَّه إليك، ولكنّا كُنّا نَرى أنّ لنا في هذا الأمرِ حقّاً فاستَبْدَدْتُم |به| علينا.

ثمّ ذكَر قرابتَه من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وحقّه، فلَم يَزَل عليّ عليه السلام يذكُر ذلك حتّى بَكى أبو بكر، فلمّا صمَت عليّ، تشهّد أبو بكر، فحَمِد اللَّه وأثنى عليه بما هو أهلُه، ثمّ قال: أمّا بعد، فواللَّه لَقَرابةُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه و آله أحَبّ إليّ أن أصِلَها مِن قَرابَتي، وإنّي واللَّه ما ألوتُكم في

[في المصدر: ما آلوكم من، وكلاهما بمعنى، يقال: ألَتَه وآلته حقّه وماله: نَقَصَهُ.] هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم إلّا الخَير، ولكنّي سَمِعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: 'لا نُورَث، ما ترَكناه صدَقة، وإنّما يأكُل آلُ محمّد في هذا المال' وإنّي واللَّه لا أذْكُر

[في المصدر: لا أترك.] أمراً صنَعه رسولُ اللَّه صلى الله عليه و آله إلّا صنَعتُه إن شاء اللَّه.

قال عليّ: فوعدك

[في المصدر: موعدك.] العَشِيّة للبَيْعة. فلمّا صلّى أبو بكر الظُهر، أقبَل على النّاس، ثمّ عذَر عليّاً ببعض ما اعْتَذَر به، ثمّ قام عليّ فخطَب،

["فخطب" ليس في المصدر.] فعَظّم مِن حقِّ أبي بكر، وذكَر فضيلته

[في المصدر: فضله.] وسابِقتَه، ثمّ مَضى إلى أبي بكر فبايَعه، فأقبَل النّاسُ إلى عليٍّ، وقالوا: أصَبْتَ وأحْسَنْتَ، وكان عليٌّ قريباً إلى النّاس حين قارَب الاُمر بالمعروف.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 46:6، صحيح البخاري 3/178:4، وصحيح مسلم 52/1380:3 و53.]

1631/الخامس عشر: ابن أبي الحَديد، قال أبو بكر: وحدّثنا أبو سعيد عبدالرّحمن بن محمّد، قال: حدّثنا أحمَد بن الحَكم، قال: حدّثنا عبداللَّه بن وَهْب، عن اللّيث بن سَعْد، قال: تخلّف عليّ عن بيعةِ أبي بكر، فاُخرِج مُلَبّباً يُمضى به رَكضاً وهو يقول: معاشِر المُسلِمين عَلامَ تُضرَب عُنُق رجُلٍ من المُسلِمين لم يَتَخَلّف لخِلافٍ، وإنّما تخلّف لحاجةٍ! فما مرّ بمَجلسٍ من المَجالس إلّا يُقال له: انطَلِق فبايع.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 45:6.]

1632/السادس عشر: ابن أبي الحديد، قال: قال أبو بكر: وحدّثنا يعقوب، عن رجاله، قال: لمّا بُويع أبو بكر، تخلّف عليّ فلم يُبايِع، فقيل لأبي بكر: إنّه كَرِه إمارَتَك. فبعَث إليه: أكَرِهتَ إمارَتي؟ قال: لا، ولكنّ القرآنَ خَشِيتُ أن يُزادَ فيه - أو قال: كان يزاد فيه - فحلَفتُ أن لا أرتَدِيَ برداء حتّى أجمعَه، اللهمّ إلّا إلى صَلاة الجُمُعة. فقال أبو بكر: لقد أحسَنْتَ. قال: فكتَبه عليّ عليه السلام كما اُنزِل بنَاسِخِه ومَنْسوخِه.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 40:6.]

1633/السابع عشر: ابن أبي الحَديد، قال: ومن كِتاب له عليه السلام إلى مُعاوية جواباً، وهو من مَحاسن الكتُب:

أمّا بعد، فقد أتاني كتابك |تذكر فيه| اصطفاء اللَّه تعالى محمّداً صلى الله عليه و آله لدِينه، وتأييده إيّاه لِمن أيّده من أصحابِه، فلقد خَبَأَ لنا الدّهرُ مِنك عجَباً إذ طَفِقْتَ تُخبِرنا ببَلاءِ اللَّه تعالى عندنا، ونعمَتِه علينا في نَبيِّنا، فكُنتَ في ذلك كنَاقِل التَّمرِ إلى هَجَر،

[مثل قديم، وهَجَر: مدينة كثيرة النخل يحمل منها التمر إلى غيرها، فالمستبضع إليها التمر مخطئ.] أو داعي مُسَدِّدِه إلى النِّضال.

[أي داعي مُعلّمه الرمي إلى المباراة.]

وزعَمت أنّ أفضَل النّاس في الإسلام فُلانٌ وفُلان، فَذكَرتَ أمراً إن تَمّ اعتَزَلَك كُلُّه، وإن نقَص لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُه، وما أنتَ والفاضِلَ والمفضول، والسائسَ والمَسوس! وما للطُّلَقاءِ وأبناءِ الطُّلَقاءِ، والتَّمييز بين المُهاجرين الأوّلين، وترتيب دَرجاتهم، وتعريف طَبقاتهم! هيهات، لقد حَنَّ قِدحٌ ليس منها،

[هذا مثل يُضرَب لمن يُدخل نفسه بين قوم ليس له أن يدخل بينهم.] وطَفِق يحكُم فيها مَن عليه الحكم لها!

ألا تَرْبَع أيّها الإنسانُ على ظَلْعِك،

[أي ألا تَرْفُق بنفسك وتكفّ، ولا تحمل عليها ما لا تطيقه.] وتَعرِف قُصورَ ذَرْعِك، وتتأخّر حيثُ أخّرك القَدَر! فما عليك غَلَبة المَغْلوب، ولا لك ظَفَر الظافر، فإنّك لَذَهَّابٌ في التِّيهِ، رَوّاغٌ عن القَصْد.

ألا ترَى - غير مُخْبِرٍ لك، ولكن بنعمةِ اللَّه اُحدِّث - أنّ قوماً استُشهِدوا في سَبيلِ اللَّه تعالى مِن المُهاجرين |والأنصار| ولكلٍّ فَضْلٌ، حتّى إذا استُشهِد شَهيدُنا، قيل: سيّد الشُّهدَاء، وخَصّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بسَبعين تكبيرةً عند صلاته عليه!

أو لا تَرى أنّ قوماً قُطِعت أيدِيهم في سبيلِ اللَّه، ولكلٍّ فَضلٌ، حتّى إذا فُعِل بِوَاحِدِنا ما فُعِل بواحِدهم، قيل: الطَّيّار في الجَنّةِ وذو الجَناحَيْن! ولولا ما نَهى اللَّه عنه من تَزكية المَرْء نَفْسَه، لذَكَر ذاكرٌ فَضائل جَمَّة، تعرِفها قلوبُ المؤمنين، ولا تَمُجّها آذانُ السّامعين.

فدَعْ عنك مَن مالَت به الرَّمْيَةُ، فإنّا صنائع ربّنا، والنّاس بعد صنائع لنا، لم يمنعنا قديم عِزِّنا، ولا عادِيُّ طَوْلِنا على قَومِك أن خلَطناكم بأنفُسِنا، فنكَحْنا وأنكَحْنا فعل الأكفاء ولَستُم هناك، وأ نّى يكون ذلك كذلك! ومنّا النبيُّ ومنكم المُكَذِّب، ومِنّا أسَد اللَّه ومنكم أسد الأحلاف، ومِنّا سيّدا شباب أهل الجَنّةِ ومنكم صِبْيَةُ النّار، ومِنّا خيرُ نِساء العالمين، ومنكم حَمّالة الحَطَب، في كثيرٍ ممّا لنا وعلَيكُم.

فاسلامُنا ما قد سُمِع، وجاهليّتُنا لا تُدْفَع، وكِتابُ اللَّه يَجْمَع لنا ماشَذّ عنّا، وهو قوله سبحانه وتعالى: 'وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللَّهِ'،

[الأنفال 75:8.] وقوله تعالى:'إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِىُّ المُؤْمِنِينَ'

[آل عمران 68:3.] فنحن مرّة أولى بالقَرابةِ، وتارَةأولى بالطّاعةِ.

ولمّا احتَجّ المُهاجرون على الأنصار يوم السّقيفة برسولِ اللَّه صلى الله عليه و آله فَلَجوا عليهم، فإن يكنِ الفَلَجُ به فالحقّ لَنا دونَكُم، وإن يكن بغَيرِه فالأنصارُ على دعواهم.

وزعمتَ أ نّي لكُلِّ الخُلفاء حسَدتُ، وعلى كلِّهم بغَيتُ، فإن يكن ذلك كذلك، فليستِ الجِنايةُ عليك، فيكونَ العُذْرُ إليك.

وتِلكَ شَكاةٌ ظاهرٌ عنك عارُها

وقلتَ: إنّي كنتُ اُقادُ كما يُقادُ الجَمَل المَخْشوش

[أي الذي وُضِع الخِشاش في أنفه، والخِشاش: عُودٌ يُجْعَل في أنف البعير يُشَدّ به الزِّمام.] حتّى اُبايع، ولعَمْرُ اللَّه |لقد| أردتَ أن تَذُمّ فمَدَحْتَ، وأن تَفْضَح فافتضَحْتَ! وما على المسلم مِن غَضاضةٍ في أن يكونَ مظلوماً، ما لم يَكُن شَاكّاً في دينه، ولا مُرتاباً بيَقينه.

وهذه حجّتي إلى غيرِك قَصْدُها، ولكنّي أطلَقتُ لك منها بقَدْرِ ما سَنَح مِن ذِكْرِها.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 181:15.]

1634/الثامن عشر: ابن أبي الحديد، قال: قال المَسعودي: وكان عُروة بن الزُّبَير يَعذِرُ أخاه عبداللَّه في حصر بني هاشِم في الشّعب، وجَمعِه الحطَب ليُحرقهم، ويقول: إنّما أراد بذلك أن لا تُنشَر

[في المصدر: بذلك ألّا تنتشر.] الكلمة، ولا يختَلف المُسلمون، وأن يدخُلوا في الطّاعة، فتكون الكلمة واحدة، كما فعَل عمر بن الخَطّاب ببَني هاشِم لمّا تأخَّروا عن بيعةِ أبي بكر، فإنّه أحضَر الحطَب ليُحرق عليهم الدار.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 147:20، مروج الذهب 77:3.]

1635/التاسع عشر: ابن أبي الحديد، قال: روي عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام وغيره، أنّ عمر ضرَب فاطمة عليهاالسلام بالسَّوطِ، وضرَب الزُّبَيرَ بالسَّيف، وأنّ عمر قصَد مَنزِلها وفيه عليّ عليه السلام والزُّبَير والمِقداد، وجَماعة ممّن تخَلّف عن أبي بكر، وهم مُجتَمِعون هناك، فقال لها: ما أحد بعد أبيك أحبّ إلينا منك، وايم اللَّه لئن اجتمَع هؤلاء النَّفر عندك لنُحرِقنّ عليهم، فتفرّق

[في المصدر: فمنعت.] القوم من الاجتماع.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 271:16.]

1636/العشرون: ابن أبي الحديد، قال - بعد نقله هذه الأخبار -:

واعلم أنّ الآثار والأخبار في هذا الباب كثيرة جدّاً، ومن تأمّلها وأنصَف، عَلِم أ نّه لم يكن هُناك نَصٌّ صريحٌ مقطوعٌ به، لا تَختلِجُه الشُّكوك، ولا يتطرّق إليه الاحتمال

[في المصدر: ولا تتطرّق إليه الاحتمالات.] كما تَزْعُم الإمامية، فإنّهم يقولون: إنّ الرّسول صلى الله عليه و آله نصَّ على أمير المؤمنين عليه السلام نصّاً صريحاً جَلِيّاً، ليس بنَصّ يوم الغَديرِ، ولا خَبَر المَنزِلَة ولا ما شابههما من الأخبار الواردة من طُرق العامّة وغيرها، بل نَصّ عليه بالخلافة وبإمرة المؤمنين، وأمر المسلمين أن يسلّموا عليه بذلك، فسلّموا عليه بها، وصرّح لهم في كثيرٍ من المَقاماتِ بأ نّه خليفته عليهم من بعده، وأمَرهم بالسَّمعِ والطّاعة له، ولا رَيْبَ أنّ المُنصِف إذا سَمِع ما جرى لهم بعد وفاة رسولِ اللَّه صلى الله عليه و آله يعلَم قطعاً أ نّه لم يكُن هذا النصّ، ولكن |قد| سَبَق إلى النفوس والعقول أ نّه قد كان هُناك تَعريضٌ، وتَلويحٌ، وكِنايةٌ، وقولٌ غير صريح

[في النسخة: فصيح، وما أثبتناه من المصدر.] وحُكم غير مبتوتٍ، ولعلّه صلى الله عليه و آله كان يَصُدّه عن التّصريح بذلك أمرٌ يَعْلَمه، ومَصلحة يُراعيها أو وقوف، مع إذن اللَّه تعالى له في ذلك.

فأمّا امتِناع عليّ عليه السلام من البَيْعَةِ حتّى اُخرِج على الوَجْهِ الذي اُخرِج |عليه|، فقد ذكَره المُحدِّثون، ورواه |أهل| السِّيَر.

وقد ذكرنا ما قاله الجَوهري في هذا الباب، وهو من رجال الحديث، ومن الثقات المأمونين. وقد ذكر |غيره| من هذا النّحو ما لايُحصى كثرةً، فأمّا الاُمور الشَّنيعة المُسْتَهْجَنَة التي تَذْكُرها الشّيعة من إرسال قُنْفُذ إلى بيت فاطمة عليهاالسلام وأ نّه ضرَبها بالسَّوط، فصار في عَضُدِها كالدُّملُج، وبقي أثَره إلى أن ماتت، وأنّ عُمَر أضْغَطَها بين الباب والجِدار، فصاحت: يا أبَتاه، يارَسولَ اللَّه، وألقت جنيناً ميّتاً، وجُعِل في عُنُق عليّ عليه السلام حبلٌ يُقاد به، وهو يُعْتَلة،

[أي يُجَرّ جَرّاً عنيفاً.] وفاطمة خلفه تَصْرُخ وتُنادي بالوَيل والثّبور، وابناه حسَن وحسين معَهُما يَبكِيان، وأنّ عليّاً لمّا اُحضر ساموه البيعة

[سامَهُ الشي ء: كلّفه إيّاه وألزمه به.] فامتنَع، فتُهدِّد بالقَتْل، فقال: إذن تقتُلون عبدَاللَّه وأخا رسوله! فقالوا: أمّا عبداللَّه فنَعَم، وأمّا أخو رسوله فلا. وأ نّه طَعَن فيهم في أوجُهِهم بالنِّفاق، وسَطر صحيفة الغَدر التي اجْتَمَعوا عليها، وأ نّهم أرادوا أن يُنَفّروا ناقةَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه و آله ليلة العقَبة؛ فكلُّه لا أصلَ له عند أصحابنا، ولا يُثْبِته أحدٌ منهم، ولا رَواه أحَدٌ، ولا نَعرِفه، وإنّما هو شي ءٌ تنفَرِد الشيعةُ بنَقْلِه.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 59:2.]

أقول: العَجب كلّ العَجب من ابن أبي الحديد في إنكارِه النصّ الصّريح الذي لا يحتَمِل التأويل، النصّ الذي رواه وغَيرُه عن رسولِ اللَّه صلى الله عليه و آله على أمير المؤمنين عليه السلام بأ نّه عليه السلام الإمام، والخليفة، والوصيّ، والوزير، بل إنْ أنصَف المُنصِف ولم يُخادِع اللَّه تعالى، ولم يُخادِع نفسَه، ولم يُقلّد الرّجال، بل يتّبع البُرهان المُنير، والحَقّ المُسْتَبين، والصّراط المُستَقيم لِيَقيَ نفسَه من نار الجَحيم.

على أنّ ابن أبي الحديد قال في موضعٍ آخَر من "الشرح": الظاهر عندي صحّة ما رواه المرتضى في "الشافي"

["في الشافي" ليس في المصدر.] والشيعة، |ولكن| لا كلّ ما يَزعُمونه، بل كان بعض ذلك، وحقّ لأبي بكر أن يَنْدَم ويتأسّف على ذلك.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 168:17.] يعني على كشف بيت فاطمة عليهاالسلام.

وأنا أذكُر بعض ما ذكَره السيّد المُرتَضى في "الشافي" الذي صحّحَه ابن أبي الحديد، وحقّ لابن أبي الحديد أن يُصحِّح ما نقَله السيّد المُرتَضى في "الشافي"، لأ نّه رضى الله عنه لم يَذْكُر من الروايات والأخبار في ذلك، إلّا ما هو حُجّةٌ على المُخالِفين، مُسَلَّمٌ عندهم، ولهذا رَواه من طريق العامّة، كالبَلاذري، وغيره، وأنا أذكُر ما ذكَره السيّد المُرتَضى في "الشافي" داخِلاً في روايات العامّة.

1637/الحادي والعشرون: قال السيّد المُرتضى رضى الله عنه في "الشافي": روى إبراهيم بن سعيد الثقفي بإسناده |عن حمران بن أعين|، عن أبي عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، قال: واللَّه ما بايَع عليّ عليه السلام حتّى رأى الدُخان قد دخَل عليه بيتَه.

[الشافي 241:3.]

1638/الثاني والعشرون: السيد المُرتضى أيضاً قال: قد روى البلاذري بإسناده عن أبي عون، أنّ أبا بكر أرسَل إلى عليّ عليه السلام |يريده على البيعة| فلم يُبايع، فجاء عُمَر ومعه قبَس، فتلقّته فاطمة عليهاالسلام على الباب، فقالت: يا بن الخَطّاب، أتراك مُحرِقاً عليَّ بابي؟! قال: نعَم، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك. وجاء عليّ عليه السلام فبايَع.

[الشافي 241:3.]

قال السيّد المرتَضى عَقِيب هذا الحديث: وهذا الخبَر قد روَتهُ الشّيعة من طُرق كثيرة، وإنّما الطريف أن نرويه |برواية| لشيوخ محدّثي العامّة، ولكنّهم كانوا يَروون ما سَمِعوا بالسلامة، وربما تَنبّهوا على |ما في بعض| ما يروونه عليهم، فَكّفوا عنه، وأيّ اختيارٍ لِمَن يُحرَق عليه بابُه حتّى يبايع، إلى هنا كلام السيّد.

[الشافي 241:3.]

1639/الثالث والعشرون: السيّد أيضاً، قال روى إبراهيم بإسناده عن عَديّ بن حاتِم، قال: ما رَحِمتُ أحداً رَحْمَتي عليّاً حين أُتي به مُلَبّباً، فقيل له: بايع. قال: فإن لم أفعَل؟ |قالوا: إذن نَقتُلك|. قال: إذن تَقتُلون عبداللَّه وأخا رَسولِه! ثمّ بايع كذا - وضَمّ يده اليُمنى -.

[الشافي 244:3.]

1640/الرابع والعشرون: السيّد، قال: روى أبو الحسن أحمد |بن يحيى| ابن جابر البلاذري بإسناده عن ابن عبّاس، قال: بعَث أبو بكر عمَر بن الخَطّاب إلى عليّ عليه السلام حين قعَد عن بَيعتهِ، وقال: ائتني به بأعْنَف العُنف، فلمّا أتاه جرى بينهما كلام، فقال |له| عليّ عليه السلام: احلِبْ حَلْباً لك شَطُره، واللَّه ما حرصك على إمارَتهِ اليوم إلّا ليؤمّرك غداً، ومَا تَنْفَسُ على أبي بكر هذا الأمرَ، ولكنّا أنكَرنا تَرْكَكُم مُشاورتَنا، وقُلنا إنّ لَنا حقّاً لا تَجْهَلونه، ثمّ أتاه فبايع.

[الشافي 240:3.]

قال السيد عَقِيب هذا: وهذا الخبَر يتضمّن ما جرَت عليه الحال، وما تقول الشيعة بعَينِه، وقد أنطَق |اللَّه تعالى| به رُواتهم.

[الشافي 241:3.]

1641/الخامس والعشرون: السيّد، قال: وروى البَلاذري بإسناده عن عائشة، قالت: لم يُبايع عليّ أبا بكر حتّى ماتَت فاطمة عليهاالسلام بعد ستّة أشهر، فلمّا ماتَت، ضرَع إلى صُلح أبي بكر، فأرسل إليه أن يأتِيَه، فقال له عمر: لا تأته

[في النسخة: لا تأمنه وما أثبتناه من المصدر.] وحدَك. قال: وماذا يصنَعون بي؟ فأتاه أبو بكر، فقال له عليه السلام: واللَّه ما نَفَسْنا عليك ما ساق اللَّه إليك من فضلٍ وخير، ولكنّا كنّا نظنّ أنّ لنا في هذا الأمر نصيباً استُبِدّ به علينا! فقال أبو بكر: واللَّه لَقَرابة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أحَبّ إليّ مِن قرابتي.

فلم يزَل عليّ عليه السلام يذكر حقَّه وقرابَته، حتّى بكى أبو بكر، فقال: مِيعادُك العَشِيّة، فلمّا صلّى أبو بكر الظُهرَ خطَب وذكَر عليّاً عليه السلام وبيعته، فقال عليّ عليه السلام: إنّه لم يَحبِسني عن بيعة أبي بكر أن لا أكونَ عارفاً بحقّه، ولكن

[في المصدر: ولكنّا كنّا.] نرى أنّ لنا في الأمرِ نصيباً استُبدّ به علينا، ثمّ بايع أبا بكر، فقال المسلمون: أصَبْتَ وأحسَنت.

[الشافي 242:3.]

قال السيّد عَقِيب الحديث: ومن تأمّل هذا الخبَر وما جرى مَجراه، عَلِم كيف وقعت

[زاد في المصدر: الحال في.] البيعة، وما الدّاعي إليها، ولو كانت الحالُ سليمةٌ، والنيّات صافيةٌ، والتُّهمة مُرتَفِعةٌ، لما منَع |عمر| أبا بكر أن يصير إلى أمير المؤمنين عليه السلام وحده.

[الشافي 242:3.]

1642/السادس والعشرون: السيّد، قال: روى إبراهيم الثقفي بإسناده عن الزُّهري، قال: ما بايع عليّ عليه السلام إلّا بعد ستّة أشهُر، وما اجتُرِئ عليه إلّا بعد موت فاطمة عليهاالسلام.

[الشافي 242:3.]

1643/السابع والعشرون: السيّد، قال: روى إبراهيم |بن عثمان| بن أبي شيبة بإسناده عن عديّ بن حاتِم، قال: إنّي لَجالس عند أبي بكر إذ جي ء بعليّ عليه السلام فقال له |أبو بكر|: بايع. فقال له عليّ عليه السلام: فإن أنا لم اُبايِع؟ قال: أضرِب الذي فيه عَيناك. فرفَع رأسه إلى السَّماء وقال: اللهمّ اشهَد، ثمّ مدَّ يدَه فبايعه.

وقد روي هذا المعنى من طرقٍ كثيرةٍ مختلفةٍ وبألفاظٍ متقاربة المعنى وإن اختلف لَفظُها، وإنّه عليه السلام كان يقول في ذلك اليوم لمّا اُكرِه على البيعة، وحُذّر من التَقاعد عنها: يا بنَ اُمّ 'إنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِى فَلَا تُشْمِتْ بِىَ الأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ'

[الأعراف 150:7.] ويُردّد |ذلك| ويُكرّره.

[الشافي 244:3.]

1644/الثامن والعشرون: السيّد، قال: روى الثقفي بإسناده عن سُفيان بن فَرْوَة، عن أبيه، قال: جاء بُرَيْدَة حتّى رَكَز |رايته في وسط| أسلَم |ثمّ| قال: لا اُبايع حتّى يُبايع عليّ عليه السلام. فقال عليّ عليه السلام: يا بُرَيْدَة، ادخُل فيما دخَل فيه النّاس، فإنّ اجتِماعَهم أحَبّ إليّ من اختِلافهم اليوم.

[الشافي 242:3.]

1645/التاسع والعشرون: السيّد، قال: روى إبراهيم بإسناده عن موسى ابن عبداللَّه بن الحسَن، قال: أبَت أسلَم أن تُبايع، وقالوا: ما كنّا نبايع حتّى يُبايع بُرَيْدَة لقول النبيّ صلى الله عليه و آله لبُرَيْدَة: 'عليّ وليُّكم مِن بعدي' فقال عليّ عليه السلام: يا هؤلاء، إنّ هؤلاء خيروني أن يَظْلِموني حقّي واُبايِعهم، أو ارتدّت النّاس حتّى بلغتِ الردّة اُحُداً، فاختَرتُ أن اُظلَم حقّي وإن فَعَلوا ما فَعَلوا.

[الشافي 243:3.]

1646/الثلاثون: السيّد المرتضى عَقِيب ذِكْرِه هذه الأحاديث: وذكِرُ أكثر ما رُوي في هذا المعنى يَطُول، فضلاً عن ذِكْر جميعه، وفيما أشَرنا إليه كفايةٌ ودلالةٌ على أنّ البيعة لم تَكُن عن رضاً واختِيار.

فإن قيل: كُلّ ما روَيْتُموه في هذا المعنى أخبار آحادٍ لا توجب علماً.

قلنا: كّلُ خبرٍ ممّا ذكرناه، وإن كان وارداً من طريق الآحاد، فإنّ معناه الذي تَضَمّنَهُ مُتَوَاتِرٌ، والمُعوَّل على المعنى دون اللّفظ، ومن استقرأ الأخبار وجَد معنى إكراهه عليه السلام على البيعة، وأ نّه دخل فيها مُستَدفِعاً للشّرّ، وخَوفاً مِن |نفور النّاس و| تَفَرُّق كلمة المسلمين، وقد وَرَدت فيه أخبارٌ كثيرةٌ من طُرُقٍ مُخْتَلِفةٍ تَخْرُجُ عن حَدّ الآحاد إلى التّواتُر.

[الشافي 245:3.]

قال: وكيف يُشْكِلُ على مُنْصِفٍ أنّ بيعة أمير المؤمنين عليه السلام لم تَكُن عن رِضاً، والأخبار مُتَظاهرةٌ من كُلِّ مَن روى السيِّر بما يقتضي ذلك، حتّى إنّ من تَأمّلَ مارُوي في هذا الباب لم يَبْقَ عليه شَكٌّ في أ نّه عليه السلام أُلجئ إلى البيعة، وصار إليها بعد المُدافعة والمُحَاجزة، لأُمورٍ اقْتَضَت ذلك ليس من جُمْلَتِها الرضا. إلى هنا كلام السيد المرتضى في "الشافي" وهو كتاب حَسَنٌ مُستوفٍ في الامامة.

1647/ كتاب "الصراط المستقيم" رواه من طريق العامّة، قال: طلب أبو بكر وعمر إحراق بيت أمير المؤمنين عليه السلام لمّا امتنع هو وجماعة من البيعة. ذكره الواقدي في روايته، والطبري في "تاريخه"، ونحوه ذكر ابن عبد ربّه وهو من أعيانهم، وكذا مصنّف كتاب "أنفاس الجواهر". إلى |هنا| كلام صاحب كتاب "الصراط المستقيم".

[الصراط المستقيم 301:2.]

1648/الحادي والثلاثون: الصراط المستقيم: إنّ عمر وأصحابه أخذوا عليّاً أسيراً إلى البيعة، وهذا لا يُنْكِره عالم من الشيعة، قال: وقد أورد ابن قتيبة، وهو أكبر شيوخ القدرية، في المجلد الأوّل، في كتاب "السياسة" قوله |له| حين قال: إن لم تُبايع نضرِب عنقك، فأتى قبر النبيّ باكياً، قائلاً: يا بن أُمَّ 'إِنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِى'.

[الصراط المستقيم 10:3، الإمامة والسياسة 13:1، والآية من سورة الأعراف 150:7.]

قول عليّ: بيعتي لم تَكُن فلتةً


1649/الأوّل: ابن أبي الحديد في "شرح نهج البلاغة" وهو من فضلاء المعتزلة، قال: روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز، باسناده عن أبي الأسود، قال: غضب رجالٌ من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مَشُورة، وغَضِب عليّ والزبير، فدخلا بيت فاطمة عليهاالسلام معهما السلاح، فجاء عمر في عصابةٍ منهم اُسيد بن حُضَير وسَلَمة ابن سَلَامة بن وَقْش، وهما من بني عبد الأشهل، فهُجِم الدار،

["فهجم الدار" ليس في المصدر.] فصاحت فاطمة عليهاالسلام، وناشدتهم اللَّه، فأخذوا سيفي |عليّ والزبير| فضربوا بهما الحجر حتّى كسروهما، ثمّ أخرجهما عمر يَسُوقهما حتّى بايعا، ثمّ قام أبو بكر فخطب الناس، واعتذر إليهم، وقال: إنّ بيعتي كانت فَلْتَةً، وقى اللَّه شَرّها، وخشيتُ الفِتنه، وايمُ اللَّه ما حرصتُ عليها يوماً قطُّ، ولا سألتها اللَّه في سِرٍّ ولا علانيةٍ قَطّ، ولقد قُلِّدتُ أمراً عظيماً مالي به طاقةٌ ولايدان، وَلَوَدِدْتُ أنّ أقوى الناس عليه مكاني |وجعل يعتذر إليهم| فقبل المهاجرون |عُذره|.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 50:2.]

1650/الثاني: ابن أبي الحديد في "الشرح"، قال: روى أبو جعفر الطبري في "التاريخ" عن ابن عباس رضى الله عنه، قال: قال عبدالرحمن بن عَوْف، وقد حججنا مع عمر: شَهِدتُ اليومَ أمير المؤمنين بمِنى، وقال له رجل: إنّي سَمِعت فلاناً يقول: لو مات عمر لبايعتُ فلاناً. فقال عمر: إنّي لقائمٌ العشيّةَ في الناس اُحَذِّرهم هؤلاء الرَّهط الذين يُريدون أن يَغْتَصِبوا الناس أمرهم.

قال عبد الرحمن، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ الموسم يجمع رَعَاع الناس وغَوغاءهم

[أي سُقّاطهم وسَفلتهم.] وهم الذين يَقْرَبون من مجلسك ويَغْلِبون عليه، |وأخاف أن يقولوا مقالة لا يَعُونها ولا يَحْفَظونها فَيَطّيروا بك،

[في المصدر: بهم.] ولكن أمهِل حتّى تَقْدَم المدينة، وتَخْلُص بأصحاب رسول اللَّه، فتقول فَيَعُوا

[في المصدر: فيسمعوا.] مقالتك. فقال: واللَّه لأقومنّ |بها أوّل مقامٍ أقومه بالمدينة.

قال ابن عباس: فلمّا قَدِمناها هَجّرتُ

[أي بكّرتُ وبادرتُ.] |يوم| الجمعة لحديث عبد الرحمن، فلمّا جلس عمر على المِنْبَر، حمِد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ قال بعد أن ذكر الرَّجم وحدّ الزِّنا: إنّه بَلَعني أنّ قائلاً منكم يقول: لو مات أمير المؤمنين بايعتُ فلاناً، فلا يَغُرّنّ امرءاً أن يقول: إنّ بيعة أبي بكر كانت فَلْتَةً؛ فلقد كانت كذلك، ولكنّ اللَّه وقى شرّها، وليس فيكم من تُقْطَعُ إليه الأعناق كأبي بكر، وإنه كان |من| خبرنا حين تُوفّي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنّ علياً والزبير تَخَلّفا عنّا في بيت فاطمة و من معهما، وتخلّفت عنّا الأنصار، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، وساق حديث أبي بكر.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 22:2.]

|وقال|: قال: شيخنا أبو القاسم البلخي: قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ: إنّ الرجل الذي قال: لو مات عمر لبايعتُ فلاناً، عمّار بن ياسر، قال: لو مات عمر لبايعت علياً عليه السلام.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 25:2.]

ثمّ قال ابن أبي الحديد: وأمّا حديث الفَلْتَة، فقد كان سبق من عمر أن قال: إنّ بيعة أبي بكر كانت فَلْتَةً وقى اللَّه شَرّها، فمن عاد إلى مثلها فاقْتُلوه؛ وهذا الخبر |الذي| ذكرناه عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عَوف فيه حديث الفَلْتَة، ولكنّه مَنْسُوقٌ على ما قاله أوّلاً، ألا تَرَاه يقول: فلا يَغُرّنّ امرءاً أن يقول: إنّ بيعة أبي بكر كانت فَلْتَةً؟ فلقد كانت كذلك، فهذا يُشعِر بأ نّه قد كان قال من قبل: إنّ بيعة أبي بكر كانت فَلْتَةً، وقد أكثر الناس في حديث الفَلْتَة، وذكرها شيوخنا المُتكَلّمون.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 26:2.]

1651/الثالث: ابن أبي الحديد، وروى الهيثم بن عَديّ، عن عبد اللَّه بن عباس الهمداني، عن سعيد بن جبير، قال: ذُكِر أبو بكر وعمر عند عبد اللَّه بن عمر، فقال رجلٌ: كانا واللَّه شَمسي هذه الاُمّة و نُوريها.

فقال ابن عمر: وما يُدريك؟ قال الرجل: |أوليس| قد ائتلفا؟! قال ابن عمر: بل اختلفا لو كنتم تعلمون، أشهدُ أ نّي كنت عند أبي يوماً، وقد أمرني أن أحْبِس الناس عنه، فاستأذن عليه عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال عمر: دُوَيّبة سُوءٍ، ولهو خيرٌ من أبيه، فأوحشني ذلك منه، فقلت: يا أبه، عبد الرحمن خيرٌ من أبيه! فقال: ومَن ليس بخيرٍ من أبيه، لا اُمَّ لك! إئذن لعبد الرحمن. فدخل عليه فَكَلّمه في الحُطَيئة الشاعر أن يرضى عنه، وقد كان عمر حَبَسهُ في شعر قاله، فقال عمر: إنّ في الحُطَيئة أوداً، فدعني اُقَوّمه بطول حبسه، فَألَحّ عليه عبد الرحمن وأبى عمر، فخرج عبد الرحمن، فأقبل عليَّ أبي، وقال: أفي غفلةٍ أنت إلى يومك هذا عمّا كان من تَقَدّم اُحَيمق بني تَيْم عليَّ وظُلمه لي!

فقلت: لا علم لي بما كان من ذلك.

قال: يا بُني، فما عسيت أن تعلم؟

فقلت: واللَّه لهو أحبّ إلى الناس من ضياء أبصارهم.

قال: إنّ ذلك لكذلك على رغم أبيك وسَخَطه.

قلت: يا أبه، أفلا تُجَلّي عن فِعله بموقف في الناس تبيّن ذلك لهم؟ قال: وكيف لي بذلك مع ما ذكرت أ نّه أحبّ إلى الناس من ضياء أبصارهم! إذن يُرْضَخ رأس أبيك بالجَنْدَل.

فقال ابن عمر: ثمّ تَجَاسر واللَّه فَجَسَر، فما دارت الجمعة حَتّى قام خطيباً في الناس، فقال: أيّها الناس، إنّ بيعة أبي بكر كانت فَلْتَةً وَقى اللَّه شَرّها، فمَن دعاكم إلى مِثلها فاقْتُلوه.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 28:2.]

1652/الرابع: ابن أبي الحديد في "الشرح": وروى الهيثم بن عَديّ، عن مُجالد ابن سعيد، قال: غدوتُ يوماً الى الشَّعبي، وأنا اُريد أن أسأله عن شي ءٍ بلغني عن ابن مسعود أ نّه كان يقوله، فأتيته وهو في مسجد حَيّه، وفي المسجد قومٌ يَنْتَظِرونه، فخرج فتعرّفت إليه، وقلنا: أصلحك اللَّه،كان ابن مسعود يقول: ما كنتُ مُحَدّثاً قوماً حديثاً لا تَبْلُغهُ عقولهم إلّا كان لبعضهم فتنةً. قال: نعم، كان ابن مسعود يقول ذلك، وكان ابن عباس يقوله أيضاً، وكان عند ابن عباس دفائن علم يُعطيها أهلها، ويَصْرفها عن غيرهم.

فبينما نحن كذلك، إذ أقبل رجلٌ من الأزد، فجلس إلينا، فأخذنا في ذكر أبي بكر وعمر، فضَحِك الشعبي، وقال: لقد كان في صدر عمر ضِبّ

[الضِّبُّ: الحِقدُ والعداوة.] على أبي بكر. فقال الأزدي: واللَّه ما رأينا ولا سَمِعنا برجلٍ قطُّ كان أسلس قياداً لرجلٍ، ولا أقول فيه بالجميل من عمر في أبي بكر.

فأقبل |عليَّ| الشَّعبي وقال: هذا ممّا سألت عنه. ثمّ أقبل على الرجل، وقال: يا أخا الأزد، فكيف تصنع بالفَلْتَة التي وقى اللَّه شَرّها! أترى عدوّاً يقول في عدوٍّ يريد أن يَهْدِم ما بنى لنفسه في الناس أكثر من قول عمر في أبي بكر؟

فقال الرجل: سبحان اللَّه، أنت تقول ذلك يا أبا عمرو؟

فقال الشَّعبي: أنا أقُوله؟ قاله عمر بن الخَطّاب على رُؤوس الأشهاد، فلُمْهُ أو دَعْ. فنهض الرجل مغضباً وهو يُهَمْهِم في الكلام بشي ءٍ لم أفهمه.

قال مجالد: فقلت للشَّعبي: ما أحسِب هذا الرجل إلّا سينقُل عنك هذا الكلام إلى الناس ويَبُثُّه فيهم!

قال: إذن واللَّه لا أحْفِل به، وشي ءلم يَحْفِل به عمر حين قام على رُؤوس |الأشهاد من| المهاجرين والأنصار، أحْفِل به أنا! أذيعوه أنتم عنّي أيضاً ما بدا لكم.

[شرح نهج البلاغة لابن الحديد 29:2.]

1653/الخامس: ابن أبي الحديد في "الشرح" - في حديثٍ طويلٍ عن بعضهم - قال فيه القائل: شاع واشتهر من قول عمر: كانت بيعة أبي بكر فَلْتَةً وقى اللَّه شَرّها، فمن عاد إلى مثلها فاقْتُلوه. وهذا طعنٌ في العَقْدِ وقَدْحٌ في البيعة الأصلية، ثمّ ما نقل عنه من ذكر أبي بكر في خَلْوته،

[في المصدر: في صلاته.] وقوله عن عبد الرحمن ابنه: دُوَيّبة سُوء، ولهو خيرٌ من أبيه.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 21:20.]

1654/السادس: ابن أبي الحديد في "الشرح"، قال شيخنا أبو جعفر الاسكافي في نقضه لكلام الجاحظ لامامة أبي بكر بكونه أوّل الناس إسلاماً: فلو كان هذا احتجاجاً صحيحاً، لاحتجّ به أبو بكر يوم السقيفة، وما رأيناه صنع ذلك، لأ نّه أخذ بيد عمر ويد أبي عبيدة بن الجَرّاح، وقال للناس: قد رضيتُ لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا منهما من شِئتم، ولو كان هذا احتجاجاً صحيحاً لما قال عمر: كانت بيعة أبي بكر فَلْتَةً وقى اللَّهُ شَرَّها.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 224:13.]

1655/السابع: ابن أبي الحديد في "الشرح"، قال: روى أبوجعفر الطبري، قال: خَطَب الناس عمر بالكلام المشهور: إنّ قوماً يقولون: إنّ بيعة عمر أبا بكر كانت فَلْتَةً، وإنّه لو مات عمر لفعلنا وفعلنا، أما إنّ بيعة أبي بكر كانت فَلْتَةً، إلّا أنّ اللَّه وقى شَرّها، وليس فيكم من تُقْطَع إليه الرقاب كأبي بكر، فأيّ امرئٍ بايع امرءاً من غير مَشُورة من المسلمين فانّهما بغرّة أن يُقْتَلا.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد13:11.]

1656/الثامن: ابن أبي الحديد في "الشرح"، قال: قال عليّ عليه السلام من كلام له عليه السلام: لم تكن بيعتكم لي فَلْتَةً.

قال ابن أبي الحديد في شرحه: معنى الفَلْتَة: الكلام

[في المصدر: الأمر.] يَقَعُ بغير تدبّرٍ ولا رَويّة. وفي الكلام تعريضٌ ببيعة أبي بكر، وقد تقدّم لنا في معنى قول عمر: كانت بيعة أبي بكر فَلْتَةً وقى اللَّه شرّها |كلام|.

[شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 31:9.]

/ 31