غایة المرام و حجة الخصام فی تعیین الإمام جلد 3

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

غایة المرام و حجة الخصام فی تعیین الإمام - جلد 3

سید هاشم بن سلیمان بحرانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

حديث الأعمش مع المنصور


1992/الحديث: أبو المؤيد موفّق بن أحمد، في كتاب "الفضائل"، باسناده عن سُليمان بن مِهران الأعمَش، قال: بينا أنا نائمٌ في الليل إذ انتبهت بالحَرَس على بابي، فنادَيتُ الغلام، قلت: مَن هذا؟ فقال: رسول أمير المؤمنين أبي جعفر - وكان إذ ذاك خليفةً - قال: فنهَضتُ مِن نومي فَزِعاً مرعوباً، فقلتُ للرّسول: ماوراؤك: هل علِمتَ لِمَ بَعث إليّ أميرُ المؤمنين في هذا الوقت؟ قال: لا أعلم.

قال: فقُمتُ مُتَفَكّراً لا أدري على ما أقدم إلّا اُفكّره فيما

[زاد في المصدر: عقلي و.] بيني وبين نفسي إلى ماذا أصير إليه، وأقول: لِمَ بعَث إليّ في هذا الوقت وقد نامت العيون وغارت النجوم؟ ففكّرتُ ساعةً |فقلت: إنّما بعث إليّ في هذه الساعة| يسألني عن فضائل عليّ، فإن أنا أخبَرتُه فيه بالحقِّ أمر بقَتلي وصلبي، فأيِستُ - واللَّه - من نَفسي، وكتَبتُ وصيّتي، والرُّسُل يُزعِجونني، ولَبِستُ كفَني، وتحَنّطتُ بحَنوطٍ، وودَّعتُ أهلي وصِبْياني، ونَهَضتُ إليه وما أعقِل.

فلمّا دخَلتُ إليه، سلّمتُ عليه سلامَ مُخَاف وَجِلٍ، فأومى إليّ أن أجلس، فلمّا جَلستُ رعباً، فإذا عنده عمرو بن عُبيد وزيره وكاتبه، فحَمِدتُ اللَّه عزّ وجلّ إذ رأيتُ مَن رأيت عنده، فرجَع إليّ

[في المصدر: آيساً.] ذِهني وأنا قائِم، وسلّمتُ سلاماً ثانياً، فقلتُ: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللَّه وبرَكاته، ثمّ جلستُ.

فعَلِم أ نّي قد رُعِبتُ منه، فلم يَقُل شيئاً، وكان أوّل كلمةٍ قالها، أن قال لي: يا سليمان. قلتُ: لبّيك يا أمير المؤمنين. قال: يابن مِهران، اُدنُ منّي، فدَنَوتُ منه، فشَمّ منّي رائحة الحَنوط، فقال: يا أعمَش، لتَصْدُقني أمْرَك وإلّا صَلَبْتُك حيّاً.

فقلتُ: سَلْني - يا أمير المؤمنين - عمّا بَدا لك، فأنا واللَّه أصْدُقكَ ولا أكْذِبك حاجتك، فو اللَّه إن كان الكِذبُ يُنجيني فإنّ الصّدق أنجى.

فقال لي: وَيْحَك يا سُلَيمان، إنّي أجِد منك رائحةَ الحَنوط، فَخَبّرني بما حدّثَتْكَ به نفسُك، ولِم فعلتَ ذلك؟

فقلتُ: أنا اُخبِرك - يا أميرَ المؤمنين - وأصْدُق، لمّا أتاني رَسولُك في بعضِ اللّيل فقال: أجِب أمير المؤمنين؛ فقمتُ وأنا مُتَفَكّر خائفٌ وَجل مرعوبٌ، فقلتُ بيني وبين نفسي: ما بعَث إليّ أمير المؤمنين في هذه الساعة - وقد غارت النّجوم ونامَت العُيون - إلّا ليسألني عن فضائل عليّ بن أبي طالب، فإن أخبَرتُه بالحقِّ أمَر بقَتْلي أو يَصْلِبُني حيّاً، فصلّيتُ رَكْعَتين، وكتَبتُ وصيّتي والرّسل يُزعِجونني، وتحنّطتُ، ولبِستُ كفَني، وودّعت أهلي وصِبياني، وجِئتُك - يا أمير المؤمنين - سامعاً مُطيعاً مؤيساً

[في النسخة والمصدر: خالفت، وما أثبتناه من طبعة جماعة المدرسين.] من الحياة، خائفاً، راجياً أن يَسَعني عَفوُك.

قال: فلمّا سَمِع مَقالتي، عَلِم أ نّي صادقٌ، وكان مُتَّكئاً، فاستوى جالساً، ثمّ قال: لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم. فلمّا سَمِعتُه قالها سكَن قلبي، وذهَب عنّي بعضُ ما كنتُ أجِد من رُعبي، وما كنتُ أخافُ مِن سَطْوَته عليّ.

فقال الثانية: لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العليّ العظيم، أسألك باللَّه - يا سليمان - إلّا أخبَرتني كم من حديثٍ تَرويه في فَضائِل عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وصِهْر النبيّ، وزوج حبيبة النبيّ صلى الله عليه و آله؟ قلت: يسيراً. قال: كم؟ قلت: يسيراً، يا أمير المؤمنين. قال: ويحك كم تَحْفَظ؟ قلتُ: عشرة آلاف حديث، أو ألف حديث، فلمّا قلتُ: أو ألف حديثٍ؛ استَقَلّها، فقال: ويحك يا سليمان، بل هي عشرة آلاف، كما قُلتَ أوّلاً.

قال: وجثا أبو جعفر على رُكبتَيه وهو فرِحٌ مسرورٌ |وكان جالساً، ثمّ قال: واللَّه| لاُحدّثنّك - يا سليمان - بحديثَين في فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فإن يكونا ممّا سمِعتَ ووعَيت فعرِّفني، وإن يكونا ممّا لم تَسْمَع فاسمع وافهَم.

قلت: نَعم - يا أمير المؤمنين - فأخبِرني.

قال: نعم، أنا اُخبِرُك، إنّي مكَثتُ أيّاماً ولياليَ هارباً من بني مَروان، ولا يَسَعُني منهم دارٌ ولا قَرارٌ ولا بلَد، وأدورُ في البُلدان، فكُلّما دخَلتُ بَلَداً خالطتُ

[أي بالٍ.] أهل ذلك البلَد بِما يُحِبّون، واتقرّب إلى جميع النّاس بفَضائل عليّ بن أبي طالب، وكانوا يُطْعِمُونني ويُكسونني، ويُزَوِّدونَني إذا خرَجتُ من عندهِم، من بلدٍ إلى بلدٍ حتّى قَدِمتُ إلى بلاد الشّام وعليَّ كساءٌ لي خَلَق

[الوضي ء: الحسن النظيف.] ما يُواريني.

قال: فبينما أنا كذلك، إذ سَمِعتُ الأذانَ، فدخَلتُ المَسجِد فإذا سَجّادة ومُتَوَضَّأ، فتوضّأتُ للصّلاةِ ودخَلتُ المسجدَ، فركَعتُ رَكْعَتَين فيه، واُقيمَتِ الصّلاةُ، فصلَّيتُ معهم الظهر والعصر، وقلتُ في نفسي: إذا أتى اللّيل طلبتُ من القَوم عَشاءً أتعشّى به ليلتي تلك. فلمّا سلّم الشيخ من صَلاة العَصر جَلَس، وهو شيخٌ كبيرٌ له وَقارٌ وسَمْت حَسَن ونعمةٌ ظاهِرَةٌ، إذ أقبل صَبيّان، وهما أبيَضان نَبيلان وَضِيآن،

[في طبعة جماعة المدرسين: ونور بين أعينهما ساطع يتلألأ فدخلا.] لهما جمالٌ ونورٌ ساطعٌ، أعيُنهما يتلألآن، دخلا

[أي زال ما به من همّ.] المسجد فسلّما، فلمّا نظَر إليهما إمام المسجد قال: لهما: مرحباً بكما، و|مرحباً| بمن سُمِّيتُما على اسمهما، قال: وكنتُ جالساً وإلى جنبي فتىً شابّ، فقلت له: يا شابّ، ما هذان الصبيّان، ومَن هذا الشيخ الإمام؟

فقال: هو جدُّهما، وليس في هذه المدينةِ رجلٌ يُحِبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام غير هذا الشيخ.

فقلت: اللَّه أكبَر، ومن أينَ علمت؟ قال: عَلِمتُ أنّ مِن حُبّه لعليّ سَمّى |وَلَدَي| وَلَدِه باسْمَي وَلَدي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، سمّى أحَدَهما الحَسَن، والآخر الحُسَين.

قال: فقمتُ فَرِحاً مسروراً حتّى أتيتُ الشيخ، فقلت له: أيّها الشّيخ، اُريد أن اُحدّثك بحديثٍ حسَنٍ يُقِرّ اللَّه به عينك؟ فقال: نعم، ما أكرَه ذلك، فحدّثني يرحَمك اللَّه، وإذا أقرَرْتَ عيني أقرَرتُ عينك.

فقلت: أخبَرني والدي، عن أبيه، عن جَدّه، قال: كُنّا ذات يومٍ جلوساً عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إذ أقبَلت فاطمة ابنَتُه عليهاالسلام، فَدَخَلت على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقالت: يا أبه، إنّ الحسَن والحُسَين خَرجا من عندي آنِفاً، وما أدري أينَ هما، وقد طار عقلي، وقَلِق فؤادي، وقلّ صَبْري، وبَكَت وشَهِقت حتّى علا بُكاؤها، فلمّا رآها رَحِمَها ورقّ لها، وقال لها: أتبكين يا فاطمة؟ فو الذي نفسي بيده |إنّ| الذي خَلَقَهما هو ألْطَف بهما منك، وأرْحَم بصِغَرهِما منك.

قال: ثمّ قام النبيّ صلى الله عليه و آله من ساعته، ورفَع يدَيه إلى السّماء، وقال: اللهمّ إنّهما وَلَداي، وقُرّة عَيني، وثَمَرة فؤادي، وأنت أرحَم بهما منّي، وأعلَم بمَوضِعهما، يا لطيف بلطفك الخفيّ، أنت عالم الغيب والشهادة، اللهمّ إن كانا أخَذا بَرّاً أو بحراً فاحْفَظهما وسَلِّمهما حيث كَانَا وحيثُما توَجّها.

قال: فلمّا دعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فما استتمّ الدّعاء إلّا وقد هبَط جَبْرَئيل عليه السلام من السّماء ومعَه عظماء الملائكة، وهم يُؤمِّنون على دُعاء النبيّ صلى الله عليه و آله، فقال له جَبْرَئيل: يا حبيبي يا محمّد، لا تَحْزَن ولا تَغْتَمّ و أبشِر، فإنّ وَلَدَيك فاضِلان في الدُنيا، فاضِلان في الآخرة، وأبوهما خيرٌ منهما، وهما نائمان في حظيرة بني النجّار، وقد وكّل اللَّه عزّ وجلّ بهما ملَكاً يَحْفَظْهما.

فلمّا قال له جَبْرَئيل عليه السلام هذا الكلام سُرِّيَ عنه،

[يقال: وَطّأ الفراش: دَمّثه وسَهّله.] ثمّ قام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله هو وأصحابه، وهو فَرِحٌ مسرورٌ، حتّى أتَوا حظيرة بني النجّار، فإذا الحسن والحسين نائمان وهما مُتَعَانِقان، وإذا ذلك المَلَك المُوَكّل بهما قد وَضَع أحد جَنَاحَيه بالأرض ووطّأ به

[أي مزيّن.] تحتَهُما يقيهما حَرّ الأرض، والجَناح الآخر قد جلّلهما به يقيهما حرّ الشّمس.

قال: فانكبّ النبيّ صلى الله عليه و آله يُقبّلهما واحداً فواحداً، ويمسحهما بيده حتّى أيقظهما من نَومهِما. قال: فلمّا استَيْقَظا حمَل النبيّ صلى الله عليه و آله الحسَن على عاتِقه، وحمَل جَبْرَئيل الحسين عليه السلام على رِيشة من جَناحه الأيمَن، حتّى خرَج بهما من الحَظيرة وهو يقول: واللَّه لاُشَرّفنّكُما كما شرّفكُما اللَّه تعالى في سماواته.

فبينما هو وجَبْرَئيل عليه السلام يمشيان إذ تمثّل جَبْرَئيل دِحية الكَلْبي وقد حَمَلاهما، فأقبَل أبو بكر، فقال له: يا رسول اللَّه، ناوِلني أحَد الصّبيَّين وخَفِّف عنك وعن صاحبك، وأنا أحْفَظه حتّى اُؤدّيه إليك.

فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: جَزاك اللَّه خيراً يا أبا بكر، دعهما فنِعمَ الحامِلان نَحنُ، ونِعمَ الراكبان هُما، وأبوهما خيرٌ منهُما. فحَملاهما وأبو بكرٍ معهُما حتّى أتَوا بهما إلى مَسجِد النبيّ صلى الله عليه و آله، فأقبَل بلال فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله: يا بِلال هَلُمّ، عليّ بالنّاس، فنادِ لي فيهم، فاجمَعهم لي في المَسجِد.

فقام النبيّ صلى الله عليه و آله على قَدَميه خَطيباً، ثمّ خطَب النّاس بخُطبةٍ أبلَغ فيها، فحَمِد اللَّه وأثنى عليه بما هو أهلُه ومُستَحقّه، ثمّ قال: معاشِر المسلمين، هل أدُلّكم على خيرِ الناس بعدي جَدّاً وجَدّةً قالوا: بلى يا رسول اللَّه. قال: عليكم بالحَسَن والحُسَين، فإنّ جَدّهما محمّد المُصطفى، وجَدّتهما خديجة بنت خُوَيلد، سيّدة نساء أهل الجَنّة، وهي أوّل مَن سارَعت إلى تَصديقِ ما أنزَل اللَّه على نبيّه، وإلى الإيمان باللَّه وبِرَسوله.

ثمّ قال: يا معاشر المسلمين، هل أدُلّكم على خيرِ النّاس أباً واُمّاً؟ قالوا: بلى، يا رسول اللَّه. قال: عليكم بالحَسن والحُسَين، فإنّ أباهما عليّ يُحِبّ اللَّهَ ورسولَه، ويُحبُّه اللَّهُ ورَسولُه، واُمُّهما فاطِمة بنت رسول اللَّه، وقد شرّفهما اللَّه عزّ وجلّ في سماواته وأرضِه.

ثمّ قال: معاشِر المُسلِمين، هل أدلّكم على خيرِ النّاس عَمّاً وعَمَّةً؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه. قال: عليكم بالحسن والحسين، فإنّ عمَّهما جعفر ذو الجَناحَين، الطيّار مع الملائكة في الجَنَّةِ، وعمّتهما اُمّ هانئ بنت أبي طالب.

ثمّ قال: يا معاشر المسلمين، هل أدلّكم على خير الناس خالاً وخالةً؟ قالوا: بلى، يا رسول اللَّه. قال: عليكم بالحسَنِ والحُسَينِ، فإنّ خالَهُما القاسم بن رسول اللَّه، وخالَتُهما زَيْنَب بنت رسول اللَّه.

ثمّ قال: اللهمّ إنّك تعلم أنّ الحَسَن والحُسَين في الجنّة، وجَدّهما في الجنّة، وجدّتهما في الجنّة، واُمّهما في الجنّة، وأبوهُما في الجنّة، وخالَهما في الجنّة، وخالَتَهما في الجنّة، وعَمَّهما في الجنّة، وعَمّتهما في الجنّة، ومَن يُحِبّهما في الجنّة، ومن يُبغِضهما في النّار.

قال: فلمّا قلت ذلك للشّيخ وفَهِم قولي، قال لي: أيّدك اللَّه، مَن أنتَ؟ قلتُ: أنا من الكوفة. قال: أعَربيّ أنتَ، أم مَولى؟ قلت: بل عرَبيّ شريف. فقال لي: إنّك تَحدّثت مثل هذا الحديث وأنتَ في هذا الكِساء الرَّثّ؟! قلت: نعم، لي قِصّة لا أُحبّ أن اُبديها لأحدٍ.

قال: أبدِها لي بأمانةٍ. فقلت: أنا هاربٌ من بني مَروان على هذه الحال الذي ترى لئلّا اُعْرَف، ولو غيّرت حالي لعُرِفتُ، ولو أرَدْتُ أن اُعرّف بنَفسي لفعَلتُ، أخافُ على نفسي القَتْل.

فقال لي: لا خوف عليك، أقِم عندي. وكساني حُلّتَين خَلَعَهما عليّ، وحَمَلني على بَغْلَةٍ، وثمن البغلةِ في ذلك اليوم في تلك البلدة مائة دينار، ثمّ قال: يا فَتى، أقرَرْتَ عَيني، أقرّ اللَّه عَيْنَك، فو اللَّه لاُرشِدنّك إلى فتىً يُقرّ اللَّه به عَيْنَك. فقلت: اُرشِدني رَحِمَك اللَّه.

قال: فأرشدني إلى بابِ دارٍ، فأتَيتُ الدّار التي وصَف لي وأنا راكبٌ على البغْلة وعَليَّ خِلْعَتان، فَقَرَعتُ الباب ونَادَيتُ الخادِم فأذِن لي بالدُّخول، فدخَلتُ عليه، فإذا أنا بفتىً قاعدٍ على سريرٍ مُنَجَّد،

[التَّخت: وِعاء تُصان فيه الثياب.] صبيح الوجه، حَسَن الجسم، فسلّمت عليه، فردّ السّلام بأحسَن مَرَدّ، ثمّ أخذ بيَدي مُكرَّماً حتّى أجلسَني إلى جانِبه، |فلمّا نظر إليّ| قال لي: واللَّه يا فتى إنّي لأعرِف هذه الكُسوة التي خُلِعت عليك وأعرِف هذه البَغْلة، وواللَّه ما كان أبو محمّد - وكان اسمه الحسن - لِيَكْسوك خِلْعَتَيه هاتَين ويحملك على بَغْلته هذه إلّا أ نّك تُحِبّ اللَّه ورسوله وذُريّته وجميع عِتْرَتِهِ، فاُحبّ - رحمك اللَّه - أن تُحدّثني بفَضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

فقلت له: نَعَم ما بالحبّ والكرامة، حدّثني والدي عن أبيه، عن جَدّه، قال: كنّا يوماً عند رسولِ اللَّه صلى الله عليه و آله قُعُوداً، فأقْبَلت فاطمة عليهاالسلام وقد حمَلت الحسَن عليه السلام على كتِفها وهي تبكي بُكاءً شديداً وتَشْهَق في بُكائها، فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ما يُبكيكِ يا فاطمة؟ لا أبكى اللَّه عينَيك. قالت: يا أبَتِ فكيف لا أبكي ونساء قُرَيش قد عيَّرتني، وقلنَ لي: إنّ أباكِ قد زوّجكِ برجلٍ فقيرٍ مُعدِمٍ لا مال له.

فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: لا تبكي يا فاطمة، فو اللَّه ما أنا زوّجتُكِ، بل اللَّه عزّ وجلّ زوّجك من فوق سبع سماواته، وأشهَد على ذلك جَبْرَئيل وميكائيل وإسرافيل، ثمّ إنّ اللَّه عزّ وجلّ اطّلع على أهل الأرضِ، فاختار من الخَلائقِ عليّاً فزوّجك إيّاه، واتّخَذتُه وصيّاً، وعليّ منّي وأنا منه، أشْجَع النّاس قلباً، وأعْلَم النّاسِ عِلْماً، وأحْلَم النّاسِ حِلْماً، وأقْدَم النّاسِ سِلْماً، والحسَن والحُسَين ابناه سَيِّدا شباب أهل الجنّة من الأوّلين والآخِرين، وسَمّاهما اللَّه تعالى في التّوراةِ على لسان موسى عليه السلام شَبّر وشَبير، لكرامتهما على اللَّه تعالى.

يا فاطمة، لا تَبكي، فإنّي إذا دُعِيتُ غداً إلى ربّ العالمين، فيكون عليّ معي، وإذا حُبيت غداً فيُحبى عليّ معي.

يا فاطمة، لا تبكي، فإنّ عليّاً وشيعَته هم الفائزون غداً، يَدْخُلون الجنّة.

|قال: وبينا فاطمة جالسة إذ أقبل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حتّى جلس إليها، وقال: يا فاطمة، لا تبكي ولا تحزني، فلابدّ من مفارقتك. فاشتدّ بكائها، ثمّ قالت: يا أبه أين ألقاك؟ قال: تلقينني تحت لواء الحمد أشفع لأُمّتي.

قالت: يا أبه فان لم أجدك؟ قال: تلقينني على الصراط وجبرئيل عن يميني، وميكائيل عن شمالي، واسرافيل آخذ بحُجْزتي والملائكة خلفي وأنا أُنادي، يا ربّ اُمّتي اُمّتي هوّن عليهم الحساب، ثمّ أنظر يميناً وشمالاً إلى أُمّتي، وكلّ نبيّ يومئذٍ مشتغلٌ بنفسه، يقول: يا ربّ نفسي نفسي، وأنا أقول: يا ربّ اُمّتي اُمّتي، وأوّل من يَلْحَق بي من اُمّتي أنت وعليّ والحسن والحسين.

يقول الرب: يا محمّد، إنّ اُمّتك لو أتوني بذنوب كأمثال الجبال لغفرت لهم، ما لم يشركوا بي شيئاً، ولم يوالوا لي عدواً|.

قال: فلمّا قلتُ ذلك للفتى |قال لي|: أنشدك باللَّه عز وجلّ مَن أنتَ؟ قال: قلت: أنا رجلٌ من أهل الكوفة. فقال أعرَبيّ أم مولى قلت: بل عربيٌّ شريف. قال: فكساني ثلاثين ثوباً في تَخْتٍ،

[الدُّكان: بناء يُسطّح أعلاه، أو هو كالمِصْطَبة يُقعَد عليه.] وأعطاني عَشَرة آلاف دِرْهَم في كِيسٍ، ثمّ قال لي: أقْرَرتَ عيني يا فتى، أقَرّ اللَّه عَيْنَيك، ولم يَسَلْني غير ذلك، ثمّ قال لي: لي إليك حاجة. فقلت له: تُقضى إنْ شاء اللَّه تعالى. فقال: إذا أصبَحت غداً فأتِ مسجد بني فُلان حتّى ترى أخي الشقيّ.

قال أبو جعفر: فو اللَّه لقد طالت عليّ تلك الليلة حتّى خَشِيت أن لا أُصبِح حتّى اُفارق الدنيا. قال: فلمّا أصبحتُ أتَيتُ المسجد الذي وصَف لي، وحضَرتُ الصّلاة، فقُمت في الصّف الأوّل لِفَضلِه، وإلى جانبي على يساري شابٌّ مُعَتّمٌ بعِمامةٍ، فذَهَب ليَرْكَع فَسَقَطت عِمامته من رأسه، فَنظرتُ إليه فإذا رأسه رأس خِنزير، وَوَجهه وجه خِنزير.

قال أبو جعفر: فو الذي أحلِف به، ما عَلِمت ما أنا فيه، ولاعَقَلت أنا في الصّلاة أم في غير صلاة تعجّباً، ودَهِشت حتّى ما أدري ما أقول في صلاتي، إلى أن فَرَغ إلامام من التشهُّد، فسلّم وسلّمت، ثمّ قلتُ له: ما هذا الذي أرى بك؟ فقال لي: لعلّك صاحب أخي الذي أرسَلك إليّ لتَراني؟ قال: قلت: نعم، فأخَذ بيَدي وأقامَني وهو يَبكي بكاءً شديداً، ثمّ شَهِق في مَكانِه حتّى كادَت نفسُه أن تَزْهَق، ثمّ أتى بي إلى مَنزِله، فقال لي: انظُر إلى الدُّكان،

[مناقب الخوارزمي: 200، وطبعة جماعة المدرسين: 279/284.] فنظَرتُ إلى الدّكان، فقال لي: اعلم يا أخي، أنّي كنت اُؤذّن وأؤمّ بالناس، وكنت ألعن عليّ بن أبي طالب بين الأذان والاقامة ألف مرّة، وإنّه لمّا كان يوم الجمعة لعَنْتُه بين الأذان وإلاقامة أربعة آلاف مرّة، وخرَجتُ من المَسجد، أتَيت الدّار واتّكأتُ على هذا الموضع الذي أريَتُك، فذهَب بي النّوم، فنِمتُ فرأيتُ في منامي كأ نّي قد أقَبلت |على| باب الجنّة، فرأيت فيها قُبّةً من زُمُرّدَة خضراء، وقد زُخْرِفت ونُجِّدت ونُضِّدت بالاستَبْرَق والدِّيباج، وإذا حول القُبّة كراسيّ من لؤلؤ وزَ بَرْجَد، وإذا عليّ بن أبي طالب عليه السلام فيها مُتّكى ء، والحسن والحسين عليهماالسلام معه، مُتّكئون بعضهم على بعض مؤتزرون، تحتهم مصلّيات من نور، ثمّ التَفتُّ فإذا أنا بالنبيّ صلى الله عليه و آله قد أقبَل، وعن يمينه الحَسن ومعه كأس فِضّة، وعن يساره الحسين وفي يد الحُسَين كأس من نور، قال النبيّ صلى الله عليه و آله للحسين: اسقِني، فسَقاه فشَرِب، ثمّ قال: اسق أباك، فسقاه فشرب، ثمّ قال: اسق الجماعة فشربوا، وكأ نّما قال النبيّ صلى الله عليه و آله للحسين: يا حُسَين، اسقِ هذا المُتّكئ الذي على هذا الدُّكان. فقال الحسين للنبيّ صلى الله عليه و آله: يا جَدّاه، أتأ مُرني أن أسقي هذا، وهو يَلْعَن والدي عليّاً في كلّ يومٍ ألف مرّة! وقد لعنه في هذا اليوم - وهو يوم الجمعة - أربعة آلاف مرّة.

فقال النبيّ صلى الله عليه و آله عند ذلك كالمُغضب: مالَكَ تَلْعَن عليّاً؟! لعَنك اللَّه، لعنك اللَّه - ثلاث مرات - ويحك تشتُمُ عليّاً وهو منّي وأنا منه، عليك غضب اللَّه، عليك غضب اللَّه، حتّى قالها ثلاثاً، ثمّ تفَل في وَجهي ثلاثاً، وضَربني برِجله ثلاثاً، وقال لي: غيّر اللَّه ما بك من نعمةٍ، وسوّد وجَهك وخَلْقك، حتّى تكونَ عِبرةً لِمَن سِواك.

قال: فانْتَبَهتُ من نَومي، وإذا رأسي رأس خِنزير، ووَجهي وجه خِنزير على ما ترى.

قال سليمان بن مِهران: فقال لي أبو جعفر: يا سليمان، هذان الحديثان كانا في حِفْظِك؟ قلت: لا، يا أمير المؤمنين. فقال: هذان من ذَخائر الحَديث وجوهرِه، ثمّ قال: ويحك يا سليمان، حبّ عليّ ايمانٌ، وبُغضُه نفاق.

فقلت: الأمان الأمان يا أمير المؤمنين. فقال: لك الأمان يا سليمان.

قلت: فما تقول في قاتل الحُسَين بن عليّ بن أبي طالب؟ قال: في النّار، أبعَده اللَّه، قلت: وكذلك مَن يقتُل من وُلدِ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أحداً فهو في النّار.

قال: فحرّك أمير المؤمنين أبو جعفر رأسه طويلاً، ثمّ قال: ويحك يا سليمان، المُلك عَقيمٌ، ثمّ قالها ثلاث مرّات، |ثمّ| قال: يا سليمان، اُخرُج فحدِّث النّاس بفضائل عليّ بن أبي طالب بكُلّ ما شِئت، ولاتَكْتُمنّ منه حرفاً، والسلام.

[الدِالية: خشبة تُصْنَع على هيئة الصّليب تُثَبّت برأس الدَّلو، ثم يُشَدّ بها طَرف حبل، وطرفه الآخر بجِذعٍ قائمٍ على رأس البئر، يُستقى بها.]

وروى هذا الحديث صاحب "المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة"، باسناده عن الأعمَش، قال: بعَث إليّ المَنصور في جوف الليل، فجَزِعتُ وقلتُ في نفسي: ما بعث إليّ في مثل هذه الساعة لخيرٍ، ولاشكّ أ نّه يسألني عن فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، فإن أخبَرتُه يقتُلني؛ فنهَضتُ فتطهّرتُ، ولبِستُ ثياباً نظيفةً، جعلتُها أكفاني، وتحنّطت، وكتَبتُ وصيّتي، وصِرتُ إليه، فوجَدتُ عنده عمرو بن عُبيد، فحَمِدت اللَّه وقلتُ: وجدت رجلاً عونَ صِدقٍ.

فلمّا صِرتُ بين يدَيه، قال لي: ادنُ منّي يا سلَيمان. فدنَوتُ منه، فلمّا قرُبت منه أقبَلتُ إلى عمرو بن عُبَيد أسأله، ففاح له منّي ريح الحَنوط، فقال لي المنصور: يا سُليمان، ما هذه الرائحة؟ واللَّه لئن لم تَصدُقني لأقتلنّك.

فقلت: يا أميرالمؤمنين، لمّا أتاني رسولك في جَوف اللّيل، قلتُ: ما بعَث إليّ في هذا الوقت إلّا ليسألني عن فضائل أهل البيت، فإن أخبَرتُه قَتَلني، فكتَبتُ وصيّتي، ولبِستُ ثياباً جعَلتُها أكفاني، وتحنّطتُ. وكان مُتَّكئاً فاستَوى جالساً، وقال: لاحول ولاقوّةَ إلّا باللَّه العليّ العَظيم.

ثمّ قال لي: يا سليمان، ما اسمي؟ قلت: أمير المؤمنين عبداللَّه بن محمّد بن عليّ بن عبداللَّه بن العَبّاس. فقال: صدَقت.

قال: فأخبرني كم من حديث تروي في فضائل أهل البيت عليهم السلام؟ فقلت: يسيراً. قال: كم ذلك؟ قلت: عشرة آلاف حديث، وما زاد.

قال: يا سليمان، لأُحدّثنّك في فضائلهم حَديثَين يأكُلان الأحاديث إن حَلَفت أن لاترويهما لأحدٍ من الشيعة.

فقلت: واللَّه لااُخبِر بهما أحداً، وحلَفتُ له بنِعْمتِه.

فقال: اسمَع يا سليمان، كنت هارباً من مَروان أدورُ في البلاد، وأتقرّب إلى النّاس بفَضائل عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكانوا يأتُونَني، ويَزُورُونني، ويُطْعِمونني، حتّى ورَدتُ بلاد الشّام وأنا في كِساء خَلَق ما عليّ غيرُه، فَسمِعتُ الأذان في مسجِدٍ، فدخَلتُ لأُصليّ، وفي نَفسي أن اُكلّم النّاس في عَشاءٍ أتعشّى به، فصلّيت وراء الإمام، فلمّا سلّم اتّكأ على الحائِط، وأهل المسجد حُضَّر، ما رأيت أحداً يتكلّم توقيراً لإمامهم، وأنا جالسٌ، وإذا صَبِيّان قد دخَلا المسجد، فلمّا نظَر إليهما الإمام، قال: مرحباً بكُما ومرحَباً بمَن سُمِّيتُما باسِمِها. فقلت في نفسي: قد أصبت حاجتي، وكان إلى جنبي شابّ، فقلت له: مَن يكون هذان الصبيّان من الشيخ؟

فقال: هو جَدّهما، وليس في هذه المدينةِ مَن يُحِبّ عليّاً سِواه، فلذلك قد سمّاهما حسَناً وحُسيناً، فمِلْتُ بوَجهي إلى الشيخ.

وقلت له: هل لك في حديث اُقِرّ به عَيْنَك؟ فقال: ما أحْوَجَني إلى ذلك، وإن أقْرَرْتَ عيني أقرَرتُ عينَك.

فقلت: حدّثني جدّي، عن أبيه، قال: كنّا ذات يوم عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إذ أقْبَلت فاطمة عليهاالسلام وهي تبكي، فقال لها النبيّ صلى الله عليه و آله: ما يُبكيك ياقُرّة عيني؟ قالت: يا أباه، الحَسن والحُسين خرجَا البارحة، ولم أعلَم أين باتا، وإنّ عليّاً يُمسي على الدّالية

[مناقب ابن المغازلي: 239/201.] يسقي البُستان منذ خمسة أيام.

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: لاتبكي يا فاطمة، فإنّ الذي خَلَقَهما ألطَف منِّي ومنك بهِما، ورفَع يدَه إلى السّماء وقال: اللهمّ إن كانَا أخذا بَرّاً أو بحراً، فاحْفَظهما وَسلِّمهما. فهبَط جَبْرَئيل عليه السلام وقال: يا محمّد، لا تهتمّ ولا تَحْزَن، هُما فاضِلان في الدُّنيا والآخِرة، وإنّهما في حديقةِ بني النجّار، باتا وقد وكلّ اللَّه بهِما مَلَكاً يَحْفَظهما.

فقام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وجَبْرَئيل عن يمينه، ومعه جماعة من أصحابه حتّى أتَوا إلى الحديقةِ، وإذا الحَسَن مُعانِقٌ للحُسَين عليهماالسلام، والمَلَك المُوّكّل بهما أحدَ جَناحِيه تحتَهُما والاُخرى فوقَهما، فانكبّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليهما يقبّلهما، فانتَبهامن نومهما، فحَمل النبيّ صلى الله عليه و آله الحسن عليه السلام، وحمَل جَبْرَئيل الحسين عليه السلام حتّى خرجَا من الحديقة، والنبيّ صلى الله عليه و آله يقول: لاُشرّفنَّهُما اليوم كما أكرمهما اللَّه تعالى. فاستقبَله أبو بكر وقال: يا رسول اللَّه، ناوِلني أحدَهما حتّى أحمِلَه عنك. فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: نِعْمَ المحمولة ونِعْمَ المَطيّة، وأبوهما خيرٌ منهما. حتّى أتى المسجد، فقال لبلال: هَلُمّ إليّ النّاس، فاجتمعوا.

فقام النبيّ صلى الله عليه و آله وقال: يا معاشر المسلمين، ألا أدُلّكم على خيرِ النّاس جَدّاً وجَدّةً؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه. قال: هذان الحسَن والحسين، جَدُّهما رسول اللَّه، وجدّتُهما خديجة.

ثمّ قال: ألا أدُلّكم على خير النّاس أباً واُمّاً؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه. قال: هذان الحسَن والحُسَين، أبوهُما عليّ بن أبي طالب، واُمّهما فاطمة ابنة محمد صلى الله عليه و آله سيّدة نساء العالمين.

قال: ألا أدُلّكم على خيرِ النّاس خالاً وخالةً؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه. قال: هذان الحَسَن والحُسَين، خالُهما القاسم بن رسول اللَّه، وخالَتُهما زينب بنت رسول اللَّه.

ثمّ قال: ألا أدُلّكم على خيرِ النّاس عمّاً وعمّةً؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه. فقال: هذان الحَسَن والحُسَين، عمّهما جعفر الطّيار، وعمّتُهما اُمّ هانى ء بنت أبي طالب.

ثمّ قال: اللهمّ إنّك تعلَم أنّ الحَسن والحُسَين في الجنّة، وجَدّهما وجَدّتهما في الجنّة، وأباهما واُمّهما في الجنّة، وخالَهما وخاَلتَهما في الجنّة، وعمّهما وعمّتَهما في الجنّة، اللهم وأنت تعلم |أ نّ| مَن يُحِبّهما في الجنّة، ومَن يُبْغضهما في النار.

قال المنصور: فلمّا حدّثتُ الشيخ بهذا الحديث، قال لي: من أين أنتَ؟ فقلت من الكوفة. قال: عربيّ أم مولى؟ فقلت: عربيّ. قال: فأنتَ تحدّث بمِثل هذا الحديث، وأنت على مثل هذه الحالة! ورأى كسائي خَلَقاً، فخلَع عليّ وحَملني على بغلتِه وقال: قد أقْرَرتَ عيني، لأرشِدنّك إلى فتىً تقرُّ به عينك.

ثمّ أرشَدني إلى باب دارٍ بقُربِه، فأتَيتُ الدارَ التي وصَفها لي، فإذا بشابٍّ صييح الوجه، فلمّا نظَر إليّ قال: واللَّه إنّي لأعرِف الكُسوةَ والبغلَة، وما كَساكَ أبو فلان خِْلعَته وحَملك على بغلته إلّا وأنت تُحبّ اللَّه ورسوله.

فأنزلني وحدَّثتُه في فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وقلت له: أخبَرني والدي، عن جَدّي، عن أبيه، قال: كنّا مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ذات يوم إذ أقبَلت فاطمة والحَسن والحُسَين عليهماالسلام على كَتِفَيها وهي تبكي، فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ما يُبكيك يا فاطمة؟ قالت: يا رسول اللَّه، نِساء قريش عَيَّرتني وقُلنَ لي: إنّ أباك زوّجكِ برجلٍ مُعدِم لا مال له ولا نَعم.

فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ما أنا بالذي زوّجتُك، بل اللَّه عزّ وجلّ زوّجك من فوق سماواته، وأشْهَد جَبْرَئيل وميكائيل وإسرافيل، فأوحى اللَّه إليّ أن اُزوِّجَك في أرضِه بعليّ، وإنّ اللَّه اطّلع على الأرض اطّلاعةً فاختارَ منها عليّاً لك بعلاً، فزوّجك إيّاه، فعليّ أشجَع الناس قلباً، وأعظم الناس حِلماً، وأعلم الناس عِلماً، وأقدَم النّاس سِلماً، وأسْمَح الناس كَفّاً.

يا فاطمة، إنّي لآخِذ مفاتيح الجنّة بيدي، ولواء الحمد أيضاً، فأدفعُهما إلى عليّ، فيكون آدم وَمن وَلَده تحت لوائي.

يا فاطمة، إنّي غداً اُقيم على حَوضي عليّاً يَسقي مَن عَرَف من اُمّتي.

يا فاطمة، يُكسى أبوك حُلّتَين من حُلَل الجنّة، ويُكسى عليّ حُلّتين مِن حُلَل الجنّة، ولواء الحَمد في يَدي، واُمّتي تحت لِوائي، فأُناوِلُهُ لعليّ إكراماً له من اللَّه عزّ وجلّ، وينادي مُنادٍ: يا محمّد، نِعْمَ الجَدّ جَدّك إبراهيم، ونِعْم الأخ أخوك عليّ.

وإذا دَعاني ربُّ العالَمين دَعا عليّاً معي، وإذا حُبِيت حُبِيَ معي، وإذا شُفِّعتُ شُفِّع معي، وإذا أجَبت أجاب معي، وإنّه يوم القيامة عَوْني على مفاتيح الجنّة، قُومي يا فاطمة، فإنّ عليّاً وشيعته |هم| الفائزون غداً في الجنّة.

قال المنصور: فلمّا حدّثتُ الشابّ بهذا الحديث، قال لي: ومن أين أنتَ؟ قلت: من الكوفة. قال: عَربيّ أم مولى؟ قلت: عربيّ. فكَساني عشرين ثوباً، وأعطاني عشرين ألف دِرْهَماً، وقال: قد أقرَرْتَ عيني بهذا الحديث، ولي إليك حاجة. فقلت: مَقضيّة إن شاء اللَّه تعالى: قال: إذا كان غداً فأْتِ مسجَد بني فُلان، كَيْما تَرى أخي الشقيّ.

ثمّ فارقتُه وطالت عليّ ليلتي، فلمّا أصبَحتُ، أتَيتُ المسجد الذي وصَفه لي، وقُمْتَ اُصلّي معهم في الصّف الأوّل، وإذا أنا برجلٍ شابّ، وهو مُعْتَمّ على رأسِه ووجههُ فلمّا ذهب ليَركَع سقطَتِ العِمامةُ عن رأسه، فرأيتُ رأسه رأسَ خنزيرٍ، ووجهَه وجه خِنزير، فما عَقَلتُ ما أقول في صلاتي حتّى سلّم الإمام،فالتفَتُّ إليه، وقلتُ له: ما هذا |الذي| أرى بك؟ فقال لي: لعلّك صاحب أخي بالأمس؟ قلت: نعم.

فأخذ بيدي وأقامَني وهو يَبكي حتّى أتَينا إلى مَنزِله، فقال: اُدخُل. فدخَلتُ، فقال لي: اُنظُر إلى هذا الدّكّان. فنَظرتُ إلى دكَّةٍ، فقال: كنتُ مؤدِّبا أُؤدّب الصِّبيان على هذه الدَّكّة، وكنت ألْعَنُ عليّاً عليه السلام بين كلّ أذانٍ وإقامةٍ ألفَ مرَّة، فخرَجتُ يوماً مِن المسجد، وأتيتُ الدار، فانْطرَحت على هذه الدَّكّة نائماً، فرأيتُ في منامي كأ نّني في الجنّةِ متّكئاً على هذا الدكّان، وجماعة جلوس يُحدّثونني فَرِحين مَسروريِنَ بعضُهم ببعضٍ، وكأ نّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد أقبل وعن يمينه الحسن ومعه إبريق، وعن يساره الحسين ومعه كأس، فقال للحسن: اسقِ أباك عليّاً، فَسقاهُ فشَرِب، ثمّ قال: اسقِ الجماعة فسَقاهم، ثمّ قال: اسقِ هذا النائم المُتّكئ على الدّكان. فقال: يا جَدّاه، أتأمُرني |أن| أسقِيه وهو يلعَن أبي في كلّ وقتِ أذانٍ ألفَ مرّةٍ، وفي يومنا هذا قد لعنَه أربَعة آلاف مرّة؟

فرأيت النبيّ صلى الله عليه و آله وقد أقبَل إليّ وقال لي: ما بالك تلعَن أباه، وهو منّي وأنا منه؟ فعلَيك غضَب اللَّه، ثمّ ضرَبني برِجْلِه وقال: غيّر اللَّه ما بِك من نعمة، فانتبَهتُ ورأسي رأس خنزير ووجهي وجه خنزير.

ثمّ قال المنصور: يا سليمان، باللَّه |عليك|، هذان الحديثان عندك؟ فقلت: لا. فقال: يا سليمان، حُبّ عليّ إيمانٌ، وبُغضه نِفاق.

قال الأعمش: فقلتُ: يا أمير المؤمنين، ماتقولُ في قاتِل الحسين عليه السلام؟ قال: في النار. |قلت|: وكذلك مَن قتَلُ وُلدَه. فأطْرَق ثمّ رَفَعَ رأسه، وقال: يا سليمان، المُلك عَقيم، حدِّث في فضائل عليّ ما شِئت.

حديث اللَّوزة


1993/ الحديث: أبو الحسن ابن المغازلي، في كتاب "المناقب" باسناده عن ابن عبّاس رضى الله عنه، قال: جاع النبي صلى الله عليه و آله جوعاً شديداً، فأتى الكعبةَ فأخذ بأستارِها، وقال: اللهمّ لاتُجِع محمّداً أكثَر ممّا أجَعْتَه.

قال: فهَبَط جَبْرَئيل عليه السلام ومعه لَوْزةٌ، فقال: إنّ اللَّه تبارك وتعالى يقرأ عليك السلام، ويقول لك: فُكَّ عنها، ففكّ عنها فإذا فيها ورقة خَضراء مكتوب فيها: لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، أيّدتُه بعليّ، ونصَرته به، ما أنْصَف اللَّهَ مِن نَفسِه مَن اتّهمَه في قَضائِه واستَبْطأه في رِزْقِه.

[مائة منقبة: 8/26.]

/ 31