غایة المرام و حجة الخصام فی تعیین الإمام جلد 3

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

غایة المرام و حجة الخصام فی تعیین الإمام - جلد 3

سید هاشم بن سلیمان بحرانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ذكر ما استدّل به كمال الدين


قال محمّد بن طَلْحَة هذا في آخر هذا الكتاب: الباب الثاني عشر: في أبي القاسم محمّد الحُجّة بن الحسَن الخالص بن عليّ المتوكّل بن |محمد| القانع بن عليّ الرضا عليهم السلام.




  • فهذا الخَلَف الحُجّة قد أيّده اللَّه
    هداه منهج الحقِّ وآتاه سَجاياهُ



  • هداه منهج الحقِّ وآتاه سَجاياهُ
    هداه منهج الحقِّ وآتاه سَجاياهُ



وآتاه حِلى

[في كشف الغمة: ترى.] فَضلٍ عظيمٍ فتحَلّاه




  • وقد قال رسول اللَّه قولاً قد رَويناهُ
    وذو العِلم بما قالَ إذا أدرَك مَعناهُ



  • وذو العِلم بما قالَ إذا أدرَك مَعناهُ
    وذو العِلم بما قالَ إذا أدرَك مَعناهُ



يرى

[في كشف الغمة: قد وقع.] الأخبار في المهديّ جاءَت بمُسَمّاه




  • ويكفي قوله منّي لإشراق مُحَيّاه
    ولن يبلُغَ ما أوتيه أمثالٌ وأشباه
    فإن قالوا هو المهديّ ما ماتوا بما فاهوا



  • ومِن بَضْعَته الزهراء مجراه ومرساه
    فإن قالوا هو المهديّ ما ماتوا بما فاهوا
    فإن قالوا هو المهديّ ما ماتوا بما فاهوا



قد رتع

[في كشف الغمة: ووضع.] من النبوّة في أكنافِ عناصرها، ورضع

[المشهور في ولادته عليه السلام في مصنفات الامامية منتصف شعبان من سنة 255 ه.] من الرسالة أخلاف أواصرها، ونزَع مِن القرابة بسِجال معاصرها، وبرَع في صفات الشَّرفِ وعَقدت عليه بخناصِرها، واقتَنى من الأنساب شَرف نِصابها، واعتلى عند الانتِساب على شرَف أحسابها، واجتَنى جَنَى الهِدايةِ من مَعادِنها وأسبابها، فهو من وُلد الطُّهرِ البَتول، المجزوم بكَونِها بَضْعَة من الرسول، فالرّسالة أصلُه وإنّها لأشرف العناصر والاُصول.

فأمّا مولده فبسُرّ مَن رأى في ثالث وعشرين |من| رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة.

[أي في "مطالب السؤول".]

وأ مّا نسَبه أباً واُ مّاً، فأبوه أبو محمّد الحسَن الخالِص بن عليّ المتوكّل بن محمّد القانِع بن عليّ الرّضا بن موسى الكاظِم بن جعفر الصّادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين الزّكيّ بن عليّ المُرتَضى أمير المؤمنين. وقد تقدّم ذِكر ذلك مُفَصّلاً.

[سنن أبي داود 2485/107:4.]

وأ مّه أمّ ولد تسمّى صَقيل، وقيل: حكيمة |وقيل غير ذلك، وأما اسمُه فمحمّد، وكُنيته أبو القاسم، ولقبه الحُجّة، والخَلَف الصالح وقيل المنتظر.

وأ مّا ما ورد عن النبيّ صلى الله عليه و آله في المَهديّ من الأحاديث الصحيحة:

فمنها: ما نقله الإمامان أبو داود والترمذي، كلّ واحد منهما بَسنَده في "صحيحه" يرفعه إلى أبي سعيد الخُدريّ رضى الله عنه قال: سمِعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: المهديّ منّي، أجلى الجبهة، أقنى الأنف يملأ الأرض عدلاً وقِسطاً كما مُلئِت جَوراً وظُلماً، ويَمْلِك سبع سنين.

[سنن أبي داود 4283/107:4.]

ومنها: ما أخرَجه أبو داود بسنَدِه في "صحيحه" يرفعه إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: لو لم يَبْقَ من الدّهرِ إلّا يوم، لبعَث اللَّه رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كمامُلِئت جَوراً.

[سنن أبي داود 4284/107:4.]

ومنها: ما رواه أيضاً أبو داود رحمه الله يرفعه بسَنَده في "صحيحه" إلى اُمّ سَلَمة زوج النبيّ "صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم ورضي عنها" قالت: سَمِعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: المهديّ من عِترتي من ولد فاطمة.

[مصابيح السنة 4261/516:3، صحيح البخاري 245/325:4، صحيح مسلم 244/136:1.]

ومنها: ما رواه القاضي أبو محمّد الحسين بن مسعود البَغَويّ في كتابه المُسمّى ب "شرح السُنّة" وأخرَجه الإمامان البُخاري ومُسلم كلّ واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلى أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم!

[سنن أبي داود 4283، 4282/106:4، سنن الترمذي 2231، 2230/505:4.]

ومنها: ما أخرجه أبو داود والترمذي بسندهما في "صحيحهما" يرفعه كلّ واحدٍ منهما بسَنده إلى عبداللَّه بن مسعود رضى الله عنه، أنّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: لو لم يبق من الدنيا إلّا يومٌ واحِدٌ لطّول اللَّه ذلك اليوم حتّى يبعَث اللَّه رجلاً منّي - أو من أهل بيتي - يوُاطئ اسمُه، اسمي، وأسمُ أبيه اسمَ أبي، يملأ الأرضَ قِسطاً وعدلاً كما مُلِئت ظُلماً وجَوراً.

وفي رواية اُخرى، أ نّ النّبيّ صلى الله عليه و آله قال: يلي رجلٌ من أهل بيتي يواطى ءُ اسمُه اسمي. هذه الروايات عن أبي داود والترمذي.

[سنن ابن ماجة 4087/1368:2، العمدة: 900/430 عن الثعلبي.]

ومنها: ما نقله الإمام ابو إسحاق أحمَد بن محمّد الثَّعلَبيّ في "تفسيره" يرفعه بسنَده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: نحن ولد عبدالمطّلب، سادة الجنّة، أنا، وحمزة، وجعفر، وعليّ، والحسن، والحسين، والمهديّ.

[الأمداد: جمع مَدَد، الغوث أو العون، والعساكر التي تَلْحَق بالمغازي.]

فإن قال معترض: هذه الأحاديث النبويّة الكثيرة بتَعدادها المصرّحة بجملتها وأفرادها متّفق على صحّة إسنادِها، ومُجمَع على نَقْلِها عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وإيرادها، وهي صحيحة صريحة في كون المهدي عليه السلام من ولد فاطمة عليهاالسلام، وأ نّه من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ومِن عترته وأهل بيته، وأ نّ اسمَه يواطى ء اسمَه، وأ نّه يملأ الأرضَ قِسطاً وعدلاً، وأ نّه من ولد عبدالمطّلب، وأ نّه من سادات الجنّة، وذلك ممّا لانِزاع فيه، غير أن ذلك لايَدُلّ على أ نّ المهديّ الموصوف بما ذكره صلى الله عليه و آله من الصفات والعلامات هو هذا أبو القاسم محمّد بن الحسَن الحُجّة الخَلَف الصالح عليه السلام، فإنّ ولد فاطمة عليهاالسلام كثيرون، وكلّ من يُولد من ذُرّيّتها إلى يوم القيامة يَصْدُق عليه أ نّه من وُلد فاطمة عليهاالسلام، وأ نّه من العِترة الطاهرة، وأ نّه من أهل البيت عليهم السلام، فتحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليلٍ يدُلّ أ نّ المَهدي المراد هو الحُجّة المذكور ليتِمّ مَرامُكم.

فجوابه: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لمّا وَصَف المهديّ عليه السلام بصِفاتٍ متعدّدةٍ من ذِكر نَسبه واسمه ومَرْجِعه إلى فاطمة عليهاالسلام وإلى عبدالمطّلب، وأنه أجلى الجَبْهَة أقنى الأنف، وعدّد الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفاً، وجَعَلها علامةً ودلالةً على أ نّ الشخص الذي يُسمّى بالمهديّ، ويثبت له الأحكام المذكورة هو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه، ثمّ وَجَدنا تلك الصفات المَجعولة علامةً ودلالةً مجتَمِعةً في أبي القاسم محمّد الخَلَف الصالح دون غيره، فيَلْزَم القول بثبوت تلك الأحكام له، وأ نّه صاحبها، وإلّا فلَو جاز وجود ما هو علامة ودليل، ولايثبت ما هو مدلوله، قَدَح ذلك في نصبها علامةً ودلالةً من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وذلك ممتنع.

فإن قال المعترض: لا يتِمّ العَمَل بالدلالة والعلامة إلّا بعد العلم باختِصاص مَن وُجدت فيه بها دون غيره، وتعيينه لها، فأمّا إذا لم يُعلَم تخصُّصه وانفِرادُه بها، فلايُحكم له بالدلالة، ونحن نُسلّم أ نّه مِن زمَن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى ولادة الخَلَف الصالح الحُجّة عليه السلام ما وُجِد من ولد فاطمة عليهاالسلام شخصٌ جَمَع تلك الصفات التي هي الدّلالة والعلامة، لكن وقت بعثة المهديّ عليه السلام وظهوره وولادته هو في آخر أوقات الدنيا عند ظُهور الدّجال ونزول عيسى بن مريم "صلوات اللَّه عليه" وذلك سيأتي بعد مدّةٍ مديدة، ومن الآن إلى ذلك الوقت المتراخي الممتدّ أزمان متجدّدة، وفي العترة الطاهرة من سلالة فاطمة عليهاالسلام كثيرة يتعاقبون ويتوالدون إلى ذلك الإبّان، فيجوز أن يولد من السّلالة الطاهِرة والعِتْرَة النبويّة من يجمع تلك الصّفات، فيكون هو المهديّ المُشار إليه في الأحاديث المذكورة، ومع هذا الأحتمال والإمكان، كيف يبقى دليلُكم مختصّاً بالحجّة المذكور عليه السلام؟

فالجواب: إنّكم إذا اعترَفتم أ نّه إلى وقت ولادة الخلف الصالح وإلى زماننا هذا، لم يوجد من جمَع تلك الصفات والعلامات بأسرِها سواه، فيكفي ذلك في ثبوت تِلك الأحكام له، عملاً بالدلالة الموجودة في حقّه، وما ذكرتموه من احتِمال أ نّ يتجدّد مستقبلاً في العترة الطاهرة من يكون بتلك الصفات، لايكون قادِحاً في إعمال الدلالة، ولا مانعاً من ترتّب حُكمها عليها، فإنّ دلالة الدليل راجحة لظهورها، واحتِمال تَجَدُّد ما يُعارضها مَرْجُوح، ولا يجوز تَرك الراجِح بالمَرجوح، فإنّه لو جَوّزنا ذلك لامتنَع العمل بأكثر الأدلّة المثبتة للأحكام، إذ ما من دليلٍ إلّا واحتِمال تَجَدُّد ما يُعارضه مُتَطَرّق إليه، ولم يمنع ذلك من العمل به وِفاقاً.

والذي يُوضّح ذلك ويُؤكّده أ نّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله - فيما أورده الإمام مسلم ابن الحَجّاج في "صحيحه" يرفعه بسنَده - قال لعمر بن الخَطّاب 'يأتي عليك من أمداد

[صحيح مسلم 225/1969:4.] أهل اليمن أوَيس بن عامر بن مُراد، ثمّ مِن قَرَن، كان به بَرَص فبرى ء منه إلّا موضع دِرهَم، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسم على اللَّه لأبَرّ قسمه، فإن استطَعْتَ أن يستغفِرلك فافعَل'.

[من كشف الغمة.]

فالنبيّ صلى الله عليه و آله ذكر اسمَه ونسَبه وصِفَته، وجعَل ذلك علامةً ودلالةً على أن المُسمّى بذلك الاسم، المُتّصف بتلك الصّفات، لو أقسَم على اللَّه لأبَرّ قسَمه، وأ نّه أهلٌ لطَلب الإستِغفار منه، وهذه منزلةٌ عاليةٌ ومقامٌ عنداللَّه تعالى عظيمٌ.

ولم يَزَل عمر بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله وبعد وفاة أبي بكر يسأل أمداد أهل اليمن عن المَوصوف بذلك، حتى قَدِم وفدٌ من اليَمن فسألهم، فأُخبِر بشخصٍ مُتّصفٍ بذلك، فلم يتوقّف عمر في العمل بتلك العلامة والدلالة التي ذكرها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، بل بادَر إلى العمَل بها، واجتمَع به، وسأله الاستِغفار، وجَزَم بأ نّه المُشار إليه بالحديث النبويّ، لَمّا عَلِم تلك الصفات فيه مع وجود احتِمال أن يتجدّد في وفود اليمَن مستقبلاً مَن يكون بتلك الصّفات، فإنّ قبيلة مراد كثيرةٌ، والتولّد فيها كثير، وعَين ما ذكرتُموه من الاحتِمال موجود.

وكذلك قضية الخَوارج الذين وصفَهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بصفاتٍ، ورتّب عليها حُكمَهم، ثمّ بعد ذلك لمّا وَجَد عليّ عليه السلام تلك الصفات موجودةً في أولئك في واقعة حَرَوْراء والنَّهروان، جزَم بأ نّهم هم المُرادون بالحديث النبويّ، وقَاتَلَهم وقَتَلهم، فعمل بالدّلالة عند وجود الصِّفة مع احتِمال أن يكون المُرادون غيرهم، وأمثال هذه الدلالة والعمل بها مع قيام الاحتمال كثيرة، فعلم أنّ الدّلالة الراجحة لا تُتْرَك لاحتِمال المَرجوح.

نزيده بياناً وتقريراً فنقول بثبوت الحُكم عند وجود العَلامة والدّلالة، لمن وُجِدت فيه أمرٌ يتعيّن العمل به والمصير إليه، فمَن تَركه وقال: بأ نّ صاحب الصفات المراد بإثبات الحُكم ليس هو هذا، بل شخص غيره سيأتي، فقد عَدَل عن النَّهج القويم، ووقف نفسه موقف اللئيم.

ويَدُلّ على ذلك أ نّ اللَّه عزّ وعَلا لمّا أنزل في التوراة على موسى "صلوات اللَّه عليه" أ نّه يُبعَث النبيّ العربيّ في آخر الزمان، خاتَم الأنبياء، ونعَته بأوصافه، وجَعلها علامةً ودلالةً علَى إثبات حُكم النبوّة، وصار قوم موسى "صلوات اللَّه عليه" يَذْكُرونه بصفاته، ويعلَمون أ نّه يُبْعَث، فلمّا قَرُب زمان ظهوره وبَعْثِه، صاروا يُهَدّدون المشركين به، ويقولون: سيظهر الآن نبيٌّ نَعتُه كذا وصِفَتُه كذا، نستعين به على قِتالكم، فلمّا بُعِث صلى الله عليه و آله وَجَدوا العلامات والصفات بأسْرِها التي جُعلِت دلالة على نبوّته أنكَروه، وقالوا: ليس هو هذا، بل هو غيره، وسيأتي. فلمّا جَنَحوا إلى الاحتِمال، وأعرَضوا عن العمل بالدلالة الموجودة في الحال، أنكر اللَّه تعالى عليهم كونهم ترَكوا العمل بالدلالة التي ذَكرَها لهم في التوراة، وجنَحوا إلى الاحتِمال.

وهذه القصّة من أكبر الأدلّة وأقوى الحُجَج على أ نّه يتعيّن العَمل بالدّلالة عند وجودها، وإثبات الحكم لِمَن وُجدِت تلك الدّلالة فيه، فإذا كانت الصِّفات التي هي علامةٌ ودلالةٌ لثبوت تلك الأحكام المذكورة موجودةً في الحُجّة الخلف الصالح محمّد عليه السلام، تعيّن إثبات كونه المهديّ المُشار إليه من غير جُنوح إلى الاحتِمال بتَجَدُّد غيره في الاستقبال.

فإذا قال المعترض: نُسَلّم لكم أ نّ الصّفات المَجعولة علامة ودلالة، إذا وُجدت تعيّن العمل بها، ولَزِم إثبات مَدلولها لِمَن وُجدت فيه، لكن نَمْنَع وجود تلك العلامة والدّلالة في الخَلَف الصالح محمّد عليه السلام، فإنّ من جملة الصّفات المجعولة علامة ودلالة أن يكون اسم أبيه مواطِئاً لاسم أبي النبيّ صلى الله عليه و آله، هكذا صرّح به الحديث النبويّ على ما أورَدتُموه، وهذه الصّفة لم توجَد فيه، فإنّ اسم أبيه الحسَن واسم أبي النبيّ صلى الله عليه و آله عبداللَّه، وأين الحسَن من عبداللَّه؟ فلم توجد هذه الصّفة التي هي جزءٌ من العَلامة والدّلالة، فإذا لم يَثْبُت جزء العِلّة، فلايَثْبُت حُكمها، إذ النبيّ صلى الله عليه و آله لم يجعل تلك الأحكام ثابتةً إلّا لِمَن اجتمَعت تلك الصفات كُلّها له، التي جزؤها مواطأة اسمَي الأبوَين في حقّه، وهذه لم تَجْتَمع في الحُجّة الخَلَف الصالح، فلا تثْبُت تلك الأحكام له، وهذا إشكال قويّ.

فالجواب: لابدّ قبل الشروع في تفصيل الجَواب من بيان أمرَين يُبنى عليهما الغَرض.

فالأوّل: أ نّه سائغ شائع

[الحج 78:22.] |في لسان العرَب، إطلاقُ لَفظةِ الأب على الجَدّ الأعلى، وقد نَطَق القرآن الكريم بذلك فقال اللَّه: 'مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ'،

[يوسف 38:12.] وقال تعالى حكايةً عن يوسف عليه السلام: 'وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَاءى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ'

[صحيح البخاري 199/88:5، صحيح مسلم 2409/1874:4.] ونَطَق بذلك النبيّ صلى الله عليه و آله وحكاه عن جَبْرَئيل عليه السلام في حديث الإسراء أ نّه قال: قلت: مَن هذا؟ قال: أبوك إبراهيم، فُعلِم أ نّ لفظة أب تُطلَق على الجَدّ وإن عَلا، فهذا أحَدُ الأمرَين.

الأمر الثاني: أ نّ لفظة الاسم تُطلَق على الكُنْيَة وعلى الصِّفة، وقد استعَملها الفُصَحاء، ودارت بها ألسِنَتُهم، ووردت في الأحاديث حتّى ذَكَرها الإمامان البُخاري ومسلم، كلّ واحدٍ منهما يرفع ذلك بسنَده إلى سهل بن سَعد السّاعدي رضى الله عنه أ نّه قال عن عليّ عليه السلام: 'واللَّه إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سَمّاه بأبي تُراب، ولم يكن له اسمٌ أحَبّ إليه منه'

[البيت لأبي الطيّب المتنبي، من قصيدة في رثاء أُخت سيف الدولة. المؤبّنة من التأبين وهو مدح الميّت، وتُسْمي: تُعرفي. ديوان المتنبي 86:2، خزانة الأدب 448:6.] فاُطلِق لفظة الاسم على الكُنْيَة.

ومثل ذلك قول الشاعر:




  • أجَلُّ قَدركِ أن تُسْمَي مُؤبَّنَةً
    ومن كَناكِ فَقَد سَمَّاكِ لِلْعرَب



  • ومن كَناكِ فَقَد سَمَّاكِ لِلْعرَب
    ومن كَناكِ فَقَد سَمَّاكِ لِلْعرَب



[كذا في رواية الديوان والبغدادي في خزانة الأدب.]

ويروى: ومَن يَصِفك،

[كشف الغمة 336:2، عن مطالب السؤول.] فأطلق التّسمية على الكِناية أو الصّفة، وهذا شائعٌ ذائعٌ في كلام العرب، فإذا وضَح ما ذكرنا من الأمرين، فاعلم - أيّدك اللَّه بتوفيقه - أ نّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان له سِبْطان: أبو محمّد الحسَن، وأبو عبداللَّه الحُسَين عليهماالسلام، ولمّا كان الحُجّة الخَلَف الصالح عليه السلام من ولد أبي عبداللَّه الحُسَين، ولم يكن من وُلد أبي محمّد الحسَن، وكانت كُنَيةُ الحسين: أبا عبداللَّه، فأطْلَق النبيّ صلى الله عليه و آله على الكُنْيَة لَفْظَةُ الاسم لأجل المُقابلة بالاسم في حقّ أبيه، وأطلق على الجَدّ لفظة الأب، فكأنه عليه السلام قال: يُواطى ء اسمُه اسمي، فأ نّا محمّد، وهو محمّد، وكُنيةُ جدّه اسم أبي، إذ هو أبو عبداللَّه، وأبي عبداللَّه، لتكون تِلك الألفاظ المختصرة جامعة لتعريف صِفاته وإعلام أ نّه من |ولد| أبي عبداللَّه الحُسَين بطريق جامعٍ موجَزٍ، فحينئذٍ تنتَظِم الصّفات وتوجد بأسرها مجتَمِعة للحُجّة الخلف الصالح محمّد عليه السلام، وهذا بيانٌ شافٍ كافٍ في إزالةِ ذلك الإشكال فافْهَمْه.

[الفصول المهمّة: 291.]

وأقول أيضاً: قد ذكر الشيخ عليّ بن محمّد المالكي في كتاب "الفصول المهمّة"

[مناقب الخوارزمي: 237.] للاستِدلال على إمامة الحُجّة القائم المهديّ محمّد بن الحسَن العسكريّ رواياتٍ كثيرةٍ، ذِكرُها يطولُ به الكتاب، وهو من أعيان علماء العامّة، مالكيّ المذهَب. وبالجُملة إمامة الأئمّة الاثنَي عشَر الذين أوّلهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين وبَنيه الأحد عشَر الذين آخِرهم القائم المهديّ عليه السلام ممّا اتّفق عليه العامّة والخاصّة، وتواتَرت به الأخبار عند الفَرِيقَين، وعُدُول العامّة عنهم خُسرانٌ مبين.

نصيحةٌ لطيفةٌ


وهي أن نقول: إيّاك أيّها الواقف على ما في هذا الكتاب من الأخبار والرّوايات من طريق العامة، أن يدخُلَك الشّكّ والرَّيب فيما قُلناه عنهم في أبواب الكِتاب في إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأ نّه الخليفة، ووصيّه من بعده صلى الله عليه و آله وغير ذلك من النّصوص عليه من رسولِ اللَّه صلى الله عليه و آله في فَضْلِه وفَضْلِ أهل البَيت عليهم السلام وإمامة الأئمّة الاثنَي عشَر عليهم السلام ورواياتهم ذلك في صِحاحهم وكتُبهم المُعْتَمدة وأخبارهم المُسنَدة عن رجالهم الموثوق بهم، كما أطْلَعك عليه الثّناء منهم على مشايخهم في أسانيدهم للأخبار الواردة عنهم في هذا الكتاب، فإنّي ما ذكرتُ عنهم في هذا الكِتاب إلّا ما هو مذكور في كتُبِهم ومُصَنَّفاتهم المُعتَمدة المَنقولة عنهم، واللَّه جلّ جَلالُه على ذلك من الشّاهدين، وكفى باللَّه شهيداً، والحمدُ للَّه ربّ العالمين.

فإن قلتَ: كيف يَروون هذه الأخبار الصحيحة والروايات الواضحة الدّالّة على إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وبَنيه الأحَد عشَر، وهم الأئمّة الاثنَي عشَر عليهم السلام بنَصّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عليهم بالإمامة والخِلافة والوصاية من غير مُعارضٍ لها من الرّوايات من طريق الفَريقَين، المُخالف والمؤالف؟ فإنّه لم يَدَّعِ مُدَّعٍ من العامّة بأنّ إمامة أبي بكر وعمر وعثمان كانت عن نَصٍّ من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وإنّما إمامَتُهم واستِخلافُهم مِن بعض النّاس، كما هو عليه إجماع العامّة والخاصّة، فبقيت النّصوصُ الوارِدةُ عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سالمةً من الرّوايات المُعارِضة لهذه الرّوايات المُجمَع على نقلها من المؤالف والمُخالف عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بإمامة الأئمّة الاثنَي عشَر عليهم السلام، الذي هو مذهب الفِرقة المُحِقّة الاثني عشَرية، شيعة آل محمّد صلّى اللَّه عليهم أجمعين.

فإن قلتَ: هذا مِن العجَب العَجيب، تروي العامّة هذه الأخبار الصّحيحة عندهم من إمامة الأئمّة الاثنَي عشَر، ولا يعملون بها، بل يُقدّمون على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الإمامة؟ وهذا لم يأتِ به نصٌّ من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالتّقديم عليه، بل روَت العامّة والخاصّة النَّهْيَ عن التّقديم عليه في الإمامةِ من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وهذا من أعجَب العَجائب، والخُسران المُبين والضَّلال البَعيد، فما دَعاهم إلى ذلك حتّى قدّموا من أخّر اللَّه سبحانه، وأخّروا من قدّم اللَّه جلّ جَلالهُ؟

قلتُ: عَمِلوا ذلك لأسبابٍ، منها: المَيْل إلى الدُّنيا وطَلَب ما فيها من الجاه والمال "وحبّ الدُّنيا رأسْ كلّ خطيئةٍ".

من ذلك ما نقلَه أبو المؤيد موفّق بن أحمَد أخطَب الخُطَباء عند العامّة وأحد أركانهم، في الفصل التاسع من كتابه "فضائل أمير المؤمنين عليه السلام" قال: قال الشَّعبي: ما نَدري ما نَصْنَع بعليّ إن أحبَبْناهُ افْتَرَقنا، وإن بَغَضناه كفَرنا.

[النساء 54:4.]

ومنها: العِلّة الكُبرى والمُصيبة العُظمى، تقليد الآباء والسَّلف الماضين من علمائهم، المَعْلُولين بهذه العِلَل، فَضَلّوا وأضلّوا.

ومنها: الحسَد للأئمّة من أهل البيت عليهم السلام ممّا أعطاهم من هذا المنصب الشريف، والمُنْتَقى المُنيف، من أمرِ اللَّه جَلّ جَلالُه الخَلْق باتّباعهم وفرَض طاعتَهم عليهم، قال اللَّه جلّ جلاله: 'أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ'

[أمالي الطوسي: 511/272، المناقب لابن المغازلي: 314/267، الصواعق المحرقة: 152.] الآية، وقد روى المؤالف والمخالف في تفسير هذه الآية عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام: هم النّاس المَحسودون.

[البقرة 89:2.]

ومنها: اتبّاع الهوى وما تَهوى الأ نفُس، وقد جاءهم من ربّهم الهُدى، وجُحود الحقّ، وتَرك العمل به، قال اللَّه جلّ جَلاله في كتابه إخباراً عن أهل الكِتاب: 'وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَا عَرَفُوا كَفَروا بِهِ'.

[البقرة 146:2، والأنعام 20:6.]

وقال جلّ جَلالُه: 'الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُون أَبْنَاءَهُمْ'

[النحل 14:27.] يعني أهل الكِتاب يعرفون نبيّنا محمّداً صلى الله عليه و آله بنَعْتِ اللَّه جَلّ جَلالُه ووَصفِه لمحمّد صلى الله عليه و آله في التَّوراةِ والإنجيل.

وقال تعالى: 'وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً'،

[فصلت 17:41.] وقال عزّ وجلّ: 'وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبَّوا العَمَى عَلَى الهُدى'.

[العنكبوت 38:29.]

وقال سبحانه: 'وَعَاداً وَثَمُودَ' إلى قوله تعالى: 'وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ'.

[الأنعام 111:6.]

وقال عزّ وجلّ: 'وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ المَلاَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْ ءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ'.

[الأنعام 7:6.]

وقال تعالى: 'وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِى قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيِهمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينُ'.

[الحجر 14:15، و15.]

وقال جلّ ذكره: 'وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهم بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ، لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ'.

[التوبة 115:9.]

وقال سبحانه وتعالى: 'وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ'

[الأنفال 67:8.] وغير ذلك من الآيات.

وإذا كان من النّاس ما ذكر اللَّه سبحانه وتعالى، لا يُسْتَبْعَد على هؤلاء النَّقَلة من العامّة للأحاديث الصَّحاح والرّوايات الواضِحات عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من النّصّ على إمامة أمير المؤمنين وبَنيه الأحَد عشَر عليهم السلام الذين آخرهم المهديّ عليه السلام بالإمامة والخِلافة والوِصاية، ومالوا عنهم وانحرَفوا عنهم لأحد الأسباب التي ذكَرناها، لأ نّ هؤلاء النّقَلة إنّما هم مِن جُملة الذين يَجوز عليهم الضَّلالة والهُدى واتّباع الحقّ وتَرْكِه، كغَيرِهم من سائر النّاس، إذ ليس بين العِلم والعَمل لزومٌ كلّيّ، |بل| يجوز انفِكاك أحدِهما عن الآخَر، فرُبّ عالِمٍ لايعمَل، وربّ عاملٍ بغيرِ علم، وهذا واضِحٌ بيِّنٌ والحمدُ للَّه رب العالمين، والعاقبة للمُتّقين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.

/ 31