ولید الکعبة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ولید الکعبة - نسخه متنی

السیّد محمدرضا الحسینی الجلالی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


حديث الولادة الشريفة مشهور بين الاُمّة


إنّ أيسر ما يسع الباحث إثباته هو شهرةُ هذه النبأ العظيم.

بنصوص أئمّة الحديث بذلك، من ناحية.

وبتداول ذكره في الكتب، من ناحية اُخرى.

وبالتسالم على روايته واطّراد أسانيده، من جهة ثالثة.

ولها شواهد أُخرى لعلّك تقف عليها في غضون هذه الرسالة إن شاء اللَّه.

قال العلّامة المجدّد للمذهب في القرن الثاني عشر شيخنا المجلسيّ، المتوفّى سنة "1110 ه" في "جلاء العيون": 'إنّ ولادته عليه السلام في البيت، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل، مشهورةٌ بين المحدّثين والمؤرّخين من الخاصّة والعامّة'

[جلاء العيون 232:1. فارسي.]

وفي "تحفة السلاطين" للمولى محمود بن محمّد عليّ بن محمّد باقر: 'إنّ حديث ولادته عليه السلام في البيت يوم انشقّ جداره لفاطمة بنت أسد فدخلته مشهور، كالشمس في رائعة النهار'

[تحفة السلاطين، الجزء الثاني. فارسي.]

ثمّ ذكر شيئاً من أحاديث الباب.

وفي "تحفة المجالس" تأليف السلطان محمد بن تاج الدين حسن: 'إنّ الأقرب إلى الصواب أ نّه عليه السلام ولد في الكعبة'.

وفي الباب أخبار كثيرة ذكر بعضها، ثمّ قال: 'وفي الأخبار أ نّه لم يكن شرف الولادة في البيت لأيّ أحد قبله ولا بعده'

[تحفة المجالس: 64. فارسي.]

وقد عرفت في إثبات تواتر الحديث عن بعض العلماء أ نّه نقله جلّ أصحاب التاريخ، والمشهور بين العامّة والخاصّة أ نّه ولد بين العمودين على البلاطة الحمراء.

هذه كلمات ثمينة من مهرة الفنّ، لا سيّما الكلمة الاُولى التي جاء بها إمام من أئمّة الفقه والحديث، وأحد مجدّدي المذهب في القرون الإسلامية ألا وهو العلّامة الأكبر محمّد باقر المجلسيّ قدس سره أوّل الغائصين في بحار الأخبار، وأولاهم وأبصرهم بالأحاديث والسير، وهو يقول بمل ء فَمِهِ: 'إنّ الحديث مشهورٌ بين العامّة والخاصّة من المحدّثين والمؤرّخين'

[جلاء العيون: 232.]

أفلا تحدوك هذه الشهرة الطائلة بين الاُمّة جمعاء إلى الإخبات به، على حين أنّ شهرةً كهذه لا يبارحها التواتر في الأسانيد.

وإليك ما قاله أحد أسباط هذا الإمام النَيْقَد من أوتاد العلم وعمد المذهب، ألا وهو: أبو الحسن بن المولى محمد الطاهر بن الشيخ عبد الحميد بن الشيخ موسى بن عليّ بن محمد بن الشيخ معتوق بن عبد الحميد العامليّ النباطيّ الأصبهانيّ، المتوفّى في عُشْرِ الأربعين بعد سنة "1100 ه" في كتابه القيّم "ضياء العالمين" عند بحثه عن مولد الإمام عليه السلام، قال: 'إنّ الولادة في البيت كانت مشهورةً في الصدر الأوّل، بحيث لم يمكن إنكارها، مع أ نّهم- يعني أهل الخلاف- أنكروها أيضاً أخيراً'

[ضياء العاملين ج 2 "مخطوط".]

و "ضياء العالمين" أثبتُ كتابٍ في الإمامة، ومن أبسط ما أُ لّف فيها، وهو في الطراز الأوّل بين لِداته

[أي مثيلاته. اُنظر الألفاظ الكتابية: 158.]، ومن عليةِ كتب الإمامية، لم يثبت مصنّفه فيه إلّا الحجج الدامغة لتكون مفحمةً للخصم.

فهذه الخطّة هي بمفردها كافيةٌ في أن لا يذكر فيه مؤلّفه إلّا الحقائق الناصعة، لو قطعنا النظر عن عظمة صاحبه التي دون مداها منقطع الوصف والبيان.

ولقد سلك هذا المسلك بإيراد الحديث مرسلاً له إرسال المسلّم في كتب معقودة للحجاج وإيراد المسلّمات فيها جماعة، منهم:

جمال الملّة والدين، آية اللَّه في العالمين، عَلَم الشيعة ومرجعها الفذ، أبو منصور، الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر، العلّامة الحلّي قدس سره المتوفّى سنة "726 ه" في كتاب "كشف الحقّ" و "كشف اليقين".

فذكر فيهما محلّ الولادة الميمونة وهي الكعبة، ويومها وهو الجمعة، في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، مع النصّ بأ نّه لم يولد أحدٌ سواه فيها قبله ولا بعده.

وأردف ذلك في الأوّل بفضائل جمّة يأتي ذكرها إن شاء اللَّه، وذكر أ نّه كان عمر النبيّ صلى الله عليه و آله عندئذ ثلاثين سنة

[نهج الحقّ وكشف الصدق: 232، وكشف اليقين: 5.]

وكذلك الوزير السعيد، بهاء الدين، أبو الحسن، عليّ بن عيسى الأربليّ، المتوفّى سنة "692 ه" في "كشف الغمّة" الذي فرغ منه سنة "687 ه" فقد وافق العلّامة في يوم المولد وشهره وسنته، وقال: 'ولم يولد في البيت أحدٌ سواه قبله ولا بعده، وهي فضيلةٌ خصّه اللَّه بها إجلالاً له وإعلاءً لرُتبته، وإظهاراً لتكرُمته'.

وروى في سنة الولادة أ نّها سنة ثمان وعشرين من عام الفيل، قال: 'والأوّل عندنا أصحّ'

[كشف الغمّة 59:1.]

ومثله الشيخ الثقة الثبت أبو عليّ، محمد بن الحسن بن عليّ بن أحمد، الحافظ الواعظ الفارسيّ الشهيد النّيسابوري، ويعرف ب "ابن الفتّال" من علماء المائة السادسة، ويروي عن شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسيّ، في كتابه "روضة الواعظين" فذكر الولادة موافقاً للأربلي في جميع الخصوصيات

[روضة الواعظين: 76.]

ومنهم الحافظ الثقة رشيد الدين محمّد بن عليّ بن شهر آشوب السّرويّ المازندرانيّ، المتوفّى سنة "588 ه" فإنّه قال في "مناقبه" بعد أن روى أحاديث في مولد الإمام عليه السلام: 'فالولد الطاهر من الطاهر ولد في الموضع الطاهر، فأين توجد هذه الكرامة يولد فيها مولودٌ سواه، فالمولودُ فيها يكون في غاية الشرف.

وليس المولود في سيّد الأيام يوم الجمعة، في الشهر الحرام، في البيت الحرام سوى أمير المؤمنين عليه السلام'

[مناقب ابن شهر آشوب 175:2.]

ومن أُولئك العلماء الأعاظم شمس الدين، أبو الحسين، يحيى بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن محمّد الأسدي الحلّي الرّبعي المعروف ب "ابن بطريق"، المتوفّى سنة "600 ه" في شعبان في كتابه "العمدة" فقد جزم فيه بولادته عليه السلام في البيت يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل.

قال: 'ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولودٌ في بيت اللَّه سواه'

[العمدة: 34.]

ومنهم العلّامة الشيخ عليّ بن محمّد بن يونس البياضيّ العاملي، في كتابه "الصراط المستقيم" ذلك الكتاب الضخم الفخم الحافل بالحجج النيرّة، قال بعد تمام القول عن أمير المؤمنين عليه السلام وإمامته ومناقبه: 'تتمّة: لمّا انتهت بي الحال إلى هذا المقال، أحببتُ أن أُنوّر كتابي بتواريخ هذه الأقيال

[جمع قَيل، وهو الملك النافذ القول والأمر. لسان العرب- قول- 576:11.]، ومناصع مواليدهم

[أثبتناه من المصدر، وفي الاصل ومناصه ومواليد.]، ومواضع قبورهم، فاخترت ما ارتجزه السيّد الحسيب النسيب، ذو المجد السديد، السيّد حسين بن شمس الحسيني' وذكر الاُرجوزة ومنها في تاريخ عليه السلام:

ومولدُ الوصيّ أيضاً في الحرم++

بكعبة اللَّه العليّ ذي الكرم

من بعد عامِ الفيلِ في الحساب++

عشر وعشرين بلا ارتيابِ

[الصراط المستقيم 215:2.]

والبياضيّ من علماء القرن التاسع، وصاحب الاُرجوزة من معاصريه.

ومنهم العلّامة عماد الدين، الحسن بن عليّ بن محمّد بن الحسن، الطبرسيّ الآمليّ صاحب "الكامل البهائي" و "أسرار الإمامة" وغيرهما، من علماء القرن السابع في كتابه "تحفة الأبرار" فذكر ولادته عليه السلام في جوف الكعبة، محدّدةً بتاريخ اليوم والاُسبوع والشهر والسنة، كما فصّله ابن بطريق.

ونفى أن يكون في البيت مولودٌ سواه من غير ترديد، وذلك أنّ فاطمة بنت أسد قصدت الطواف بالبيت ففاجأها الطَلقُ، ولم يسعها الرجعة، ويمَّمت الكعبة، ففتح لها بابها بأمر من ربّ الدار، حتّى دخلتها فأرتج البابُ، ووُلِدَ هنالك، طاهراً مطهّراً، فمكثت فيها ثلاثة أيام ثمّ خرجت إلى بيتها

[تحفة الأبرار: الباب الرابع الفصل الثاني.

نجد سرد هذه الحقائق مشفوعاً بالتقرير في ترجمة هذه- التحفة- إلى العربية للشيخ عليّ بن يوسف بن منصور، النجفيّ صاحب "مختصر تأويل الآيات الباهرة في فضائل العترة الطاهرة" من علماء القرن العاشر، ونسبة الكتاب إليه مذكورة في "الذريعة إلى مصنّفات الشيعة" 405:3، وفي حرف الميم منها، وفي كتاب "إحياء الداثر في مآثر القرن العاشر". هامش المطبوع.]

وقال القاضيّ السعيد الشهيد سنة "1019 ه" السيّد نور اللَّه الحسيني المرعشيّ التّستري، حين طفق يُنازل ويُناضل القاضي روزبهان

[فضل اللَّه بن روزبهان بن فضل اللَّه الخنجي الإصفهاني، المعروف بباشا، كان من أعاظم علماء المعقول والمنقول، حنفي الفروع أشعري الاُصول، متعصّباً لأهل مذهبه وطريقته، متصلباً في عداوة أولياء اللَّه وأحبّته. الضوء اللامع 171:6، وروضات الجنات 17:6 /553.] في الحقيقة البارزة في كتابه "إحقاق الحق": 'إنّ الفضيلة والكرامة في أنّ باب الكعبة كان مقفلاً، ولمّا ظهر آثار وضع الحمل على فاطمة بنت أسد- رضي اللَّه عنها- عند الطواف خارج الكعبة انفتح لها الباب بإذن اللَّه تعالى، وهتف بها هاتف بالدخول.

وعلى تقدير صحّة تولّد حكيم بن حزام قبل الإسلام في وسط بيت اللَّه الحرام فإنّما كان بحسب الاتفاق كما يتّفق بسقوط الطفل من المرأة، والعجل من البقرة في الطريق وغيره.

وعلى أنّ الكلام في تشرّف الكعبة بولادته فيها، لا في تشرّفه بولادته في الكعبة'.

ثم أنشد قول العارف لطف اللَّه النيشابوري الفارسي:

طواف خانه كعبه از آن شد بر همه واجب++

كه آنجا در وجود آمد على بن ابى طالب

فهذه الكتب الثمينة المبنية على الحجاج والنضال لا سيّما كتب العلّامة، والقاضي التستريّ وابن بطريق، لم يتوخّ مؤلّفوها سرد الوقائع التاريخية من أينما حصلت، وإنّما قصدوا فيها إلزام الخصوم بالحجج النيّرة، فهل يمكنهم إذن أن يسترسلوا بإيراد ما توسّع بنقله القالة من دون تثبّت؟

لا، ولكن شريعة الحقّ والدين تلزمهم بإثبات الشائع الذائع المتلقّى عند الفريقين بالقبول، المشهور نقله، الثابت إسناده بحيث لا يدع للمتعنّت وليجةً إلى إنكاره، وإلّا لعاد ما يذكره ثلماً في بيانه، وفتّاً في عضد برهانه.

فمن الواجب إذن أن يكون هذا الجواب ممّا يخضع له الخصم ولا يتقاعس عن الإخبات به الأولياء، لمكان شهرة النقل له.

وما ذكره القاضيّ في ولادة حكيم بن حزام أصفق فيه معه البحّاثة عبد الرحمن الصفوري الشافعي في "نزهة المجالس" قال: 'ورأيت في "الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة" بمكّة شرّفها اللَّه تعالى لأبي الحسن المالكي: أنّ علياً رضى الله عنه ولدته اُمّه بجوف الكعبة شرّفها اللَّه، وهي فضيلةٌ خصّه اللَّه تعالى بها، ذلك أنّ فاطمة بنت أسد رضي اللَّه عنها أصابها شدّة الطلق، فأدخلها أبو طالب الكعبة، فطلقت طلقةً فولدته يوم الجمعة في رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، بعد تزوّج النبيّ صلى الله عليه و آله خديجة بثلاث سنين، وأمّا حكيم بن حزام

[في نزهة المجالس: عمرو بن حزم، والصحيح ما أثبتناه. اُنظر: جمهرة أنساب العرب: 121 و تهذيب الكمال 170:7 /1454، والإصابة 32:2 /1695، وتهذيب التهذيب 446:2/ 775، والمستدرك 483:3.] فولدته اُمّه في الكعبة، إتفاقاً لا قصداً'

[نزهة المجالس 204:2، والفصول المهمة: 30.]

هذا على تقدير صحّة النقل بذلك، فهو أمرٌ اتفاقيٌّ تقع أمثاله لكثير ممّن لا أهميّة له في دين أو دنياً، ولا أثر له إلّا تلويث المحلّ بمخاضٍ يجب إزالته، إن كان من المحالّ المحترمة كالكعبة وشبهها.

وأين هو من قصّة أمير المؤمنين علي عليه السلام التي هي من الاُمور القصدية من المهيمن الأعلى جلّت عظمته.

روى الوزير السعيد الأربليّ في "كشف الغمة" عن كتاب "بشارة المصطفى" مرفوعاً إلى يزيد بن قَعنَب، قال:

كنتُ جالساً مع العبّاس بن عبد المطلب رضى الله عنه وفريق من بني عبد العزى، بإزاء بيت اللَّه الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملاً به لتسعة أشهر، وقد أخذها الطلقُ فقالت: يا ربّ، إنّي مؤمنةٌ بك وبما جاء من عندك من رسلٍ وكتبٍ، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وأ نّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني إلّا ما يسرت عَلَيَّ ولادتي.

قال يزيد بن قَعْنَب: فرأيتُ البيت قد انشقّ عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، وعادَ إلى حاله، والتزقَ الحائط، فرُمْنا أن ينفتح لنا قفلُ الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك من أمر اللَّه عزّ وجل، ثمّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

ثمّ قالت: إنّي فُضّلتُ على من تقدّمني من النساء، لأنّ آسية بنت مزاحم عبدت اللَّه سرّاً في موضع لا يُحبُّ اللَّه أن يعبدَ فيه إلّا اضطراراً.

وأنّ مريم بنت عمران هزّت النخلة اليابسة بيدها حتّى أكلت منها رُطباً جنيّاً.

وإنّي دخلت بيت اللَّه الحرام، فأكلت من ثمار الجنّة وأرزاقها، فلمّا أردت أن أخرج هتف بي هاتف وقال: 'يا فاطمة سمّيه عليّاً فهو عليٌّ، واللَّه العليّ الأعلى يقول: شققتُ اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وأوقفته على غامض علمي، وهو الذي يكسّر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذّن فوق ظهر بيتي، ويقدّسني ويمجّدني، فطوبى لمن أحبّه وأطاعه، وويلٌ لمن أبغضه وعصاه'.

قال: فولدت علياً ولرسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثلاثون سنة، وأحبّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حبّاً شديداً، وقال لها: 'اجعلي مهده بقرب فراشي'.

وكان صلى الله عليه و آله يلي أكثر تربيته، وكان يطهّر عليّاً في وقت غسله، ويوجره

[أوجره اللبن: جعله في وسط حلقه. لسان العرب- وجر- 279:5.] اللبنَ عند شربه، ويحرّك مهده عند نومه، ويُناغيه في يقظته، ويحمله على صدره ورقبته، ويقول: 'هذا أخي، ووليّ، وناصري، وصفيّي، وذخري، وكهفي، وصهري، ووصيّي، وزوج كريمتي، وأميني على وصيّتي، وخليفتي'.

وكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يحمله دائماً ويطوف به جبال مكّة وشعابها وأوديتها وفجاجها.

صلّى اللَّه على الحامل والمحمول وآلهما

[كشف الغمة 60:1، وبشارة المصطفى: 7.]

ورواه ابن الفتّال في "روضة الواعظين" عن يزيد بن قَعنب مثله- إلى قوله-: وويلٌ لمن أبغضه وعصاه

[روضة الواعظين: 76.]

وفي "كشف اليقين" لآية اللَّه العلّامة الحلّي، و "كشف الحقّ" عن "بشارة المصطفى" عن يزيد بن قَعْنَب، مثله- إلى قوله-: وأوديتها

[كشف اليقين: 5، ونهج الحق وكشف الصدق: 233.]

وفي "الإرشاد" لأبي محمد الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي عن البشارة أيضاً مثله

[إرشاد القلوب: 211.]

وروى مختصراً منه الأمير محمّد صالح بن عبد اللَّه الحسينيّ الترمذي، الآتي ذكره، في "مناقبه" عن يزيد بن قَعنَب

[مناقب مرتضوي: 87، ط. بومباي، "1321 ه".]

ورواه رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المتوفّى سنة "381 ه" في "الأمالي" و "علل الشرائع" و "معاني الأخبار" عن عليّ بن أحمد بن موسى الدّقاق رضى الله عنه، عن محمّد بن جعفر الأسدي، عن موسى بن عمران، عن الحسين بن يزيد، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن ثابت بن دينار، وعن سعيد بن جبير، قال: قال يزيد بن قَعنَب... وذكر الحديث مثله.

وفي نسخته بعض التغيير أوعزنا إلى المهم منه في محلّه، وأنهاه إلى قوله: وويلٌ لمن أبغضه وعصاه...

[الأمالي 114:9، وعلل الشرائع 135:1 /3، ومعاني الأخبار 62:10.]

ورواه شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي في "أماليه" عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن الحسن بن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن أيّوب، عن عمر بن الحسن القاضي، عن عبد اللَّه بن محمد، عن أبي حبيبة، عن سفيان بن عيينة، عن الزّهري، عن عائشة.

وعن محمّد بن أحمد بن شاذان، عن سهل بن أحمد، عن أحمد بن عمر الربيعي، عن زكريا بن يحيى، عن أبي داود، عن شعبة، عن قَتادة، عن أنس بن مالك، عن العباس بن عبد المطلب.

قال الشيخ: وحدّثني إبراهيم بن عليّ، بإسناده عن أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام، عن آبائه عليهم السلام قال:

كان العبّاس بن عبد المطلب ويزيد بن قَعنَب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت اللَّه الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملةً بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر، وكان يوم التمام.

قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت:

أي ربّ، إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول، وبكلّ نبي من أنبيائك، وبكلّ كتاب أنزلت، وإنّي مصدّقةٌ بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وأ نّه بنى البيت العتيق فأسألك بحقّ هذا البيت ومَن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي، الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنةٌ أ نّه إحدى آياتك ودلائلك، لمّا يسّرت عليّ ولادتي.

قال العبّاس بن عبد المطلب، ويزيد بن قَعنَب: لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتحَ من ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة والتزقت بإذن اللَّه تعالى، فرُمنا أن نفتحَ الباب ليصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمرٌ من اللَّه تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام.

قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدّث المخدرات في خدورهنّ.

قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتحَ البيتُ من الموضع الذي كانت دخلت فيه فخرجت فاطمة وعليّ على يديها، ثمّ قالت: معاشر الناس، إنّ اللَّه عزّ وجل اختارني من خلقه، وفضّلني على المختارات ممّن مضى قبلي.

وقد اختار اللَّه آسية بنت مزاحم، فإنّها عبدت اللَّه سرّاً في موضع لا يحبّ أن يعبد اللَّه فيه إلّا اضطراراً.

ومريم بنت عمران حيث هانت ويسّرت عليها ولادة عيسى، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتّى تساقط عليها رطبّاً جنياً.

وإن اللَّه تعالى اختارني وفضّلني عليهما، وعلى كلّ مَن مضى قبلي من نساء العالمين، لأ نّي ولدتُ في بيته العتيق، وبقيتُ فيه ثلاثة أيام، آكلُ من ثمار الجنة وأوراقها.

فلما أردتُ أن أخرج وولدي على يدي هَتَفَ بي هاتفٌ وقال:

يا فاطمة، سمّيه عليّاً، فأنا العليُّ الأعلى، وإنّي خلقتهُ من قدرتي وعزّتي وجلالي، وقسط عدلي، واشتققتُ اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، ووقّفته على غامض علمي، ووُلِدَ في بيتي، وهو أوّل مَن يؤذّن فوق بيتي، ويكسّر الأصنام، ويرميها على وجهها، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيّي وخيرتي من خلقتي محمّد رسولي، ووصيّه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويلُ لمن عصاه وخذله، وجحد حقّه.

قال: فلمّا رآه أبو طالب سُرّ، وقال علي عليه السلام: 'السلام عليك يا أبه، ورحمة اللَّه وبركاته'.

قال: ثم دخل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فلمّا دخل اهتزّ له أمير المؤمنين عليه السلام، وضحك في وجهه، وقال: 'السلام عليك يا رسول اللَّه، ورحمة اللَّه وبركاته'.

قال: ثمّ تنحنحَ بإذن اللَّه تعالى وقال: 'بسم اللَّه الرحمن الرحيم، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ'

[سورة المؤمنون: 2- 1.]'- إلى آخر الآيات-.

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'قد أفلحوا بك، وقرأ تمام الآيات إلى قوله: 'أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ'

[سورة المؤمنون: 11- 10.]'.

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: أنت- واللَّه- أميرهم، تميرهم من علمك فيمتارون، وأنت- واللَّه- دليلُهم، وبك يهتدون.

ثمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لفاطمة: اذهبي إلى عمّه حمزة، فبشّريه به.

فقالت: فإذا خرجت أنا فمن يرويه؟

قال: أنا اُرويه.

فقالت فاطمة: أنت ترويه؟

قال: نعم، فوضع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لسانه في فيه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً.

قال: فلمّا رجعت فاطمة بنت أسد رأت نوراً قد ارتفع من عليّ إلى عنان السماء.

قال: ثمّ شدّته وقمّطته بقماط فَبَتَرَ القماط، قال: فأخذت فاطمة قماطاً جيّداً، فشدّته به، فبتر القماط، ثمّ جعلته قماطين فبترهما، فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلت أربعة أقمطة من رِقّ مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمط ديباج لصلابته فبترها كلّها، فجعلته ستّةً من ديباج وواحداً من الأدم، فتمطّى فيها فقطعها كلّها بإذن اللَّه.

ثمّ قال بعد ذلك: 'يا اُمّه، لا تشدّي يدي، فإنّي أحتاج إلى أن اُبصبص

[البصبصة: هي أن ترفع سبابتيك إلى السماء وتحركّهما وتدعو. مجمع البحرين- بصبص- 164:4.] لربي بإصبعي'.

قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون له شأنٌ ونبأ.

فلمّا كان من غدٍ دخل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على فاطمة فلمّا بصر عليّ عليه السلام برسول اللَّه صلى الله عليه و آله سلّم عليه، وضحك في وجهه، وأشار إليه أن خُذني إليك واسقني ممّا سقيتني بالأمس.

قال: فأخذه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقالت فاطمة: عرفه وربّ الكعبة، إلى أن قال: فلمّا كان اليوم الثالث- وكان العاشر من ذي الحجة- أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً، وقال: هَلمّوا إلى وليمة ابني علي.

قال: ونحر ثلاثمائة من الإبل، وألف رأس من البقر والغنم، واتخذ وليمةً عظيمةً، وقال: معاشر الناس ألا مَن أراد من طعام عليٍّ ولدي فهلُمّوا وطوفوا بالبيت سبعاً، وادخلوا وسلّموا على ولدي عليٍّ، فإنّ اللَّه شرّفه.

ولفعل أبي طالب شرّف يوم النحر

[أمالي الطوسي 317:2.]

وفي "المناقب" لابن شهر آشوب: وفي رواية شُعبة، عن قَتَادة، عن أنس، عن العباس بن عبد المطلب.

وفي رواية الحسن بن محبوب، عن الصادق عليه السلام، والحديث مختصر.

أ نّه انفتح البيت من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، ثمّ عادت الفتحة والتصقت، وبقيت فيه ثلاثة أيام، فأكلت من ثمار الجنّة، فلمّا خرجت، قال: عليّ عليه السلام: 'عليك السلام يا أبه، ورحمة اللَّه وبركاته'. ثم تنحنح وقال: 'بسم اللَّه الرحمن الرحيم، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ'' الآيات.

فقال رسول اللَّه: قد أفلحوا بك، أنتَ- واللَّه- أميرهم، تُميرهم من علمك فيمتارون، وأنتَ- واللَّه- دليلهم، وبك- واللَّه- يهتدون.ووضع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لسانه في فيه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً.

قال: فسمّي ذلك اليوم: يوم التروية.

فلمّا كان من غده وبصر عليّ برسول اللَّه سلّم عليه، وضحك في وجهه، وجعل يُشير إليه، فأخذه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقالت فاطمة: 'عَرَفَه'.

فسمّي ذلك اليوم: عرفة.

فلمّا كان اليوم الثالث- وكان اليوم العاشر من ذي الحجة- أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً، وقال: هلمّوا إلى وليمة ابني عليٍّ.

ونحر ثلاثمائة من الإبل، وألف رأس من البقر والغنم، واتخذ وليمةً، وقال: 'هلمّوا وطوفوا بالبيت سبعاً، وادخلوا وسلّموا على عليّ ولدي'.

ففعل الناس من ذلك، وجرت به السنّة

[مناقب ابن شهر آشوب 174:2.]

ولابن شهر آشوب في "المناقب" رواية اُخرى لهذا الحديث:

عن يزيد بن قَعنب، وجابر الأنصاري: أ نّه كان راهبٌ يقال له: المثرم بن دعيب، قد عبد اللَّه مائة وتسعين سنة، ولم يسأله حاجة، فسأل ربّه أن يريه وليّاً له، فبعث اللَّه تعالى بأبي طالب إليه، فسأله عن مكانه وقبيلته، فلمّا أجابه وثب إليه وقبّل رأسه، وقال: الحمد للَّه الذي لم يُمتني حتى أراني وليّه.

ثم قال: أبشر يا هذا! إنّ اللَّه ألهمني أنّ ولداً يخرج من صلبك هو ولي اللَّه، اسمه عليّ، فإنّ أدركته فأقرأه منّي السلام.

فقال: ما برهانه؟

قال: ما تريد؟

قال: طعام من الجنّة في وقتي هذا.

فدعا الراهب بذلك فما استتمّ دعاءه

[في المصدر: كلامه.] حتى اُوتي بطبق عليه من فاكهة الجنّة رطب وعنب ورمّان، فتناول رمّانة، فتحوّلت ماءً في صلبه، فجامع فاطمة، فحملت بعليّ، وارتجّت الأرض، وزلزلت بهم أياماً، وعلت قريش الأصنام إلى ذروة أبي قبيس

[أبو قبيس: هو اسم جبل مشرف على مكّة. معجم البلدان 80:1.] فجعل يرتجّ ارتجاجاً، حتّى تدكدكت بهم صمّ الصخور، وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجوهها.

فصعد أبو طالب الجبل وقال: أ يّها الناس، إنّ اللَّه قد أحديث في هذه الليلة حادثة، وخلق فيها خلقاً، إن لم تطيعوه وتقرّوا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم. فأقرّوا به.

فرفع يده، وقال: إلهي وسيدي أسألك بالمحديّة المحمودة، وبالعلويّة العالية، وبالفاطمية البيضاء، إلّا تفضّلت على تهامة بالرأفة والرحمة.

فكانت العرب تدعو بها في شدائدها في الجاهلية وهي لا تعلمها.

فلمّا قربت ولادته أتت فاطمة إلى بيت اللَّه اللَّه وقالت: ربّ إني مؤمنة بك، وبما جاء من عندك من رسل وكتب، مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني لمّا يسرّت عليّ ولادتي.

فانفتح البيت، ودخلت فيه، فإذا هي بحوّاء، ومريم، وآسية، واُمّ موسى وغيرهنّ، فصنعنَ مثل ما صنعن برسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقت ولادته.

فلمّا وُلِدَ سَجَدَ على الأرض يقول: 'أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه، وأشهد أنّ علياً وصيّ محمد رسول اللَّه، بمحمّد يختم اللَّه النبوّة، وبي تتمّ الوصيّة وأنا أمير المؤمنين'.

ثمّ سلّم على النساء، وسأل عن أحوالهنّ، وأشرقت النسماء بضيائها.

فخرج أبو طالب يقول: أبشروا، فقد ظهر وليّ اللَّه يختم به الوصيين، وهو وصيّ نبيّ ربّ العالمين.

ثمّ أخذ علياً فسلّم عليٌّ عليه، فسأله عن النسوة، فذكر له.

ثم قال: 'فالحق بالمثرم، وخبّره بما رأيت فإنه في كهف كذا من جبل لُكام'

[لكام: الجبل المشرف على أنطاكية وبلاد ابن ليون والمصّيصة وطرسوس. معجم البلدان 22:5، وفي المصدر: إكام.]

فخرج، حتّى أتاه فوجد ميّتاً جسداً ملفوفاً بمدرعة، مسجّى، فإذا هناك حيّتان، فلمّا بصرتا به غابتا

[في المدر: غربتا.] في الكهف.

فدخل أبو طالب، فقال: السلام عليك يا وليّ اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته.

فأحيا اللَّه المثرم، فقام يمسح وجهه، ويقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ علياً ولي اللَّه والإمام بعد نبيّ اللَّه.

فقال أبو طالب: أبشر، فإنّ علياً قد طلع إلى الأرض.

فسأل عن ولادته فقصّ عليه القصّة، فبكى المثرم ثمّ سجد شكراً، ثمّ تمطّى فقال: غطّني بمدرعتي.

فغطّاه، فإذا هو ميّت كما كان، فأقام أبو طالب ثلاثاً، وخرجت الحيّتان، وقالتا: السلام عليك يا أبا طالب، الحق بولي اللَّه، فإنّك أحقّ بصيانته وحفظه من غيرك.

فقال: مَن أنتما؟

قالتا: نحن عمله، نذبّ عنه الأذى إلى أن تقوم الساعة، فحينئذٍ يكون أحدنا سائقه، والآخر قائده إلى الجنّة.

فانصرف أبو طالب

[مناقب ابن شهر آشوب 172:2.]

وحديث الراهب رواه ابن الفتّال في "روضة الواعظين" على وجهٍ هو أبسط من هذا

[روضة الواعظين: 81- 77.]

ورواه غيره أيضاً

[الفضائل "لشاذان بن جبرئيل": 54، وجامع الأخبار: 15.]

ولقد وجدت تفصيل هذه الجمل في بعض مؤلفات أصحابنا رضوان اللَّه عليهم المخصوص بذكر المولد العلويّ الشريف، اقتطف منه ما يلي، ففيه بعد ذكر تفاصيل من مقدّمات الولادة:

قالت فاطمة بنت أسد: لمّا تتابعت عليّ الشهور، وقرب أوان خروج ولدي، ما كنت أمرُّ بِحَجَرٍ ولا مَدَر ولا شَجَرٍ إلّا ويقول لي: 'هنيئاً لك يا فاطمة بما خصّك اللَّه من الفضل والكرامة بحملك بالإمام الكريم'.

وكنت أسمع منه، وهو يقول في بطني: 'لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، به تختم النبوّة، وبي تختم الولاية'.

قال الراوي: فلمّا مضى من الليل ثلثه أتى فاطمة أمر اللَّه، وسمعت قائلاً يقول: يا فاطمة، عليك بالبيت الحرام.

وخرجت فاطمة، وأتت إلى البيت الحرام، ووقفت بإزائه وقد أخذها الطلق، فرمقت بطرفها إلى السماء، وقالت:

يا ربّ، إنّي مؤمنة بك، وبكل كتاب أنزلته، وبكلّ رسول أرسلته، وبكلّ ما جاء به عبدك ورسولك محمّد صلى الله عليه و آله، وإنّي مؤمنة بك وبجميع أنبيائك ورسلك، ومصدّقة بكلامك وكلام جدّي إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد بنى بيتك العتيق.

وأسألك بحقّ أنبيائك المرسلين وملائكتك المقرّبين، وبحقّ هذا الجنين الذي في أحشائي، الذي يؤنسني تسبيحه وتقديسه وتهليله وتكبيره، وإنّي موقنة أ نّه أحد أوليائك، إلّا ما يسرّت عليّ ولادتي.

فلمّا انتهى كلامها انشقّ البيت وتساقطت الأنوار، وزجّها جبرئيل داخل الكعبة، وغابت عن الأبصار، وعادت الفتحة كما كانت أوّلاً بإذن اللَّه تعالى.

قال أبو طالب: فأشفقنا عليها من ذلك، وأردنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا، فلم نستطع أن نفتح الباب، فعلمنا أنّ هذا الأمر من اللَّه سبحانه وتعالى.

قالت فاطمة: وجلستُ على الرّخامة الحمراء ساعة، وإذا أنا قد وضعت ولدي عليّ بن أبي طالب، ولم أجد وجعاً، ولا ألماً.

فلمّا وضعته خرّ ساجداً للَّه، ورفع يديه إلى السماء يتضرّع إلى ربّه، فبينما أنا أنظر إليه وإلى ابتهاله إلى ربّه وأنا متعجبة منه، إذا أنا بخمس نساء كأ نّهن الأقمار، قد دخلنَ عليَّ، وعليهنّ ثيابٌ من الحرير والإستبرق، ويفوح طيبهنّ كالمسك الأذفر

[المسك الأذفر: أي طيب الريح. لسان العرب- ذفر- 306:4.]، فقلنّ لي: 'السلام عليك يا بنت أسد' ثمّ جلسنَ بين يديَّ ومع إحداهنّ جُونة

[الجونة: بالضم، ظرف للطيب. مجمع البحرين- جون- 230:6.] من فضّةٍ.

ثمّ التفت إليهنّ ولدي وسلّم عليهنّ وحياههنّ بأحسن التحيّات، وقال: أشهد ألا إله إلّا اللَّه، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه، به تُختم النبوّة، وبي تختم الولاية.

فتعجّبت النسوة منه، ثمّ أخذنه واحدةٌ واحدةٌ وقبّلنه، ودار بينه وبينهنّ من السلام والتحيّة والكلام ما لا يعدو أن يكون كرامة أو شبه إرهاص.

وهنّ: حواء، ومريم، وهي صاحبة الجُونة، فطيّبته بها من طيب الجنّة، وآسية إمرأة فرعون بنت مزاحم، وسارة زوجة إبراهيم صلّى اللَّه عليه، واُمّ موسى عليه السلام.

وكشفنَ عن سرّته فإذا هي مقطوعة.

قالت فاطمة: ثمّ خرجت النسوة عنّي، ثمّ دخل عليّ مشايخ خمسة، فجعل ولدي يهشّ

[هشَّ لهذا الأمر هشاشة: إذا فرح به واستبشر. النهاية 264:5.] ويضحك، كأ نّه ابن سنة، ثمّ قالوا: السلام عليك يا وليّ اللَّه، وخليفة رسول اللَّه.

فقال: 'وعليكم السلام ورحمة اللَّه وبركاته' ثمّ سلّم على واحدٍ واحدٍ منهم.

وهم أنبياء اللَّه: آدم، ونوح، وإبراهيم الخليل، وموسى، وعيسى.

فأخذوه وقبّلوه، وأطروه واحداً بعد واحد، ثمّ خرجوا، ولم أعلم من أين خرجوا.

قالت فاطمة: فبينما أنا كذلك إذ أنا بخفقان أجنحة الملائكة، وإذا بسحابة بيضاء قد نزلت على ولدي وطارت به.

وسمعت قائلاً يقول: طُوفوا بعليّ بن أبي طالب بمشارق الأرض ومغاربها، وبرّها وبحرها، وجبالها وسمائها، وأعطوه أحكام النبيّين، وعلوم الوصيّين، وجميع أخلاق النبيّين والمرسلين، والأوصياء والصدّيقين، وافعلوا به مثل ما فعلوا بأخيه سيّد الأوّلين والآخرين، واعرضوه على جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى الملائكة المقرّبين، وأهل السماوات والأرضين

[إذا كانت المعلولات بأسرها حاضرة عند علّتها الفاعلية، وإن كانت بعنوان ما به الوجود ولو بمرتبة هي أدنى من حضورها عندها بعنوان ما منه الوجود، فهي كلّ حين مشاهدة لها، ومن الأوّليات ثبوت ذلك بالمعنى الأوّل من العلّية لأمير المؤمنين عليه السلام، لوجوه من العقل والسمع لا يسع المقام سردها، فالمراد عرض ولائه عليهم، أو شخصيته البارزة بذلك الجثمان المقدس الذي عرفوه بالعلّية ووجوب الولاء منذ الأزل، ومن الممكن أن يكون عرضه على أرواح أهل الأرضين لتقوم الفطرة الإلهية وتتميم الاستعداد التام ليحيى من حيّ عن بينّة ويهلك من هلك عن بينة.

أو على الأولياء والصديقين منهم ممّن لهم الأهميّة في تنظيم المجتمع الديني من الأبدال والأوتاد. "هامش مطبوع".] فإنّه ولي ربّ العالمين.

قالت فاطمة: وكان بين غيبته ورجوعه أقلّ من نصف ساعة، فجعلت أنظر إليه، وإذا بسحابة أُخرى قد نزلت عليه، وطارت به كالمرّة الأُولى.

وسمعت قائلاً يقول: طوفوا بعليّ بن أبي طالب على جميع ما خلق اللَّه، وأعطوه أحكام العلم والحلم، والورع والزهد، والتقى والسخاء، والبهاء والضياء، والتواضع والخشوع، والرقّة والهيبة، والمروة والكرم، والمودّة والشفاعة، والشجاعة والصيانة، والديانة والقناعة، والفصاحة والعفاف، والإنصاف والعرف، وجميع أخلاق النبييّن.

قالت فاطمة: فبينما أنا حائرةٌ وإذا بولدي بين يديّ.

ثمّ أ نّهم لفوّه في حريرة بيضاء من حرير الجنّة، وقالوا: احفظيه عن أعين الناظرين، فإنّه ولي ربّ العالمين، واعلمي أ نّه لا يدخل الجنّة إلّا من تولّاه وصدّق بإمامته وولايته، فطوبى لمن تبعه، وويلٌ لمن حاد عنه، فمَثُلُه كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى.

ثمّ تكلموا في أُذنه بكلام لم أفهمه، ثمّ قبّلوه وخرجوا، ولم أعلم من أين خرجوا.

قالت فاطمة: ثمّ بقيتُ في الكعبة ثلاثة أيام بلياليها، آكل من ثمار الجنة، ثمّ إنّ الجدار انشقّ كأوّل مرّة، وخرجتُ من البيت الحرام وولدي في حضني، ووجهه كالقمر الزاهر، وهو يهشّ ويضحك.

ثمّ إنّها أخبرت أبا طالب ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله بما جرى عليها، وما اختصّت به، هي وولدها من الفضيلة الباهرة، فتعجّب الناس.

فقالت فاطمة: معاشرَ الناس، إنّ اللَّه قد اختارني على المختارات، وفضّلني على من مضى.

وقد اختار آسية بنت مزاحم لأ نّها عبدت اللَّه في مكان لا يحبّ فيه العبادة إلّا اضطراراً.

واختار مريم ابنة عمران ويسّر عليها ولادتها بعيسى، ثمّ هزّت جذع النخلة في فلاة من الأرض، فتساقط عليها رطباً جنيّا.

واختارني اللَّه وفضّلني على كلّ من مضى من نساء العالمين، لأ نّي وَلَدْتُ في بيت اللَّه الحرام، وبقيتُ فيه ثلاثة أيام بلياليها، آكل من ثمار الجنّة، فلمّا أردت الخروج من الكعبة هتف بي هاتف أسمع صوته ولا أرى شخصه:

يا فاطمة سمّي ولدك عليّاً

[لا منافاة بين هذه الرواية والاُخرى الدالّة على أنّ أبا طالب طلب اسمه عليه السلام من اللَّه سبحانه بقوله: يا ربّ الغسق الدجى... وجوابه من قبله تعالى: خصصتما بالولد الزكي.

وسيأتي تفصيلها- إن شاء اللَّه- لجواز اجتماع الأمرين: الهتاف بفاطمة، وتحرّي أبي طالب لحق اليقين في أمر مولوده الذي علم أ نّه من آيات ربّه الكبرى. من هامش المطبوع.] فإنّ العليّ الأعلى أمرني أن أقول لك ذلك؛ واللَّه يقول: أنا المحمود وحبيبي محمّد، وأنا العلي ووليّي عليّ، وقد شققتُ اسمهما من اسمي، وأدّبتهما بأدبي، ووقفتهما على علمي، وهما الصفوة من الأخيار، وقد خلقتُ نورهما من نوري، وعزّتي وجلالي، إنّي شققتُ اسم وليّي من اسمي، وولد في بيتي، وهو أوّل من يؤمن بي ويصدّق برسولي، ويقدّسني ويهلّلني ويكبّرني، وهو خليفة نبيّي ووزيره ووصيّه، والقائم بالقسط من بعده، وزوج ابنته وأبو سبطيه، فجنّتي لمن يحبّه، وناري لمن يبغضه ويخالفه ويجحد ولايته.

قال أبو طالب: فلمّا رأيته ورآني، قال لي: 'السلام عليك يا أبه، ورحمة اللَّه وبركاته'.

فقلت: وعليك السلام يا بنيّ ورحمة اللَّه وبركاته.

ثمّ إنّ أبا طالب قبّل ولده وضمّه إليه وناوله أُمّه، فدخل عليها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وفرح فرحاً شديداً بالمولود، وفرح المولود بمقدمه وقال: 'السلام عليك يا رسول اللَّه، ورحمة اللَّه وبركاته'.

وطَفِقَ يهشّ ويضحك كأ نّه ابن سنة، وقال: 'خذني إليك'.

فأخذه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقبّله، وحمد اللَّه به، فناوله اُمّه.

ثمّ إنّه عليه السلام تنحنحَ وأذّن، وقرأ صحف آدم وشيث ونوح وإبراهيم والتوراة والإنجيل، ثمّ قال:

'أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، 'بسم اللَّه الرحمن الرحيم، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِاَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ'

[سورة المؤمنون: 11- 1.]

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'قد أفلحوا بك يا عليّ، أنت- واللَّه- أميرهم، ومن علمك يمتارون، وأنت- واللَّه- وليّهم وبك يهتدون، وأنت- واللَّه- وصيّي، ووزيري، وصنوي

[الصنو: المثل. مجمع البحرين- صنا- 269:1.]، وناصر ديني، وقاضي ديني، وزوج ابنتي، وأبو سبطيّ، وخليفتي على أُمّتي، فطوبى لمن اتّبعك ووالك، والويل لمن عصاك وعاداك، فو اللَّه ما يتولّاك إلّا السعيد، ولا يبغضك إلّا الشقي العنيد'.

وقال أبو طالب: يا فاطمة، امضي إلى أعمامه وبشّريهم به.

قالت: فَمن يرويه من بعدي؟

فأخذه النبيّ صلى الله عليه و آله وقال: 'أنا أُرويه'.

فوضع لسانه في فيه، ولم يزل عليٌّ يمصّه حتّى انفجرت منه اثنتا عشرة عيناً من العلم.

وجاء عمّه حمزة والعباس، فأخذاه وأثنيا عليه.

ثمّ أرادت فاطمة أن تقمّطه بقماط من صوف، فلمّا شدّته بَتَره، فقمّطته بقماطين آخرين، فبترهما.

ثمّ أخذت قماطين من ديباج واستبرق وأديم، فَبترهما جميعاً.

فقال: 'يا اُمّ، لا تشدّي يدي اليمنى، فإني أحتاج إلى مصافحة الملائكة، واستحي أن تكون يدي مشدودة في القماط، فإذا جاء الملائكة يصافحونني أقطعه وأصافحهم'.

فسرَّ أبو طالب بذلك سروراً عظيماً، وحمد اللَّه تعالى عليه.

ومن غدٍ أقبل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى بيت عمّه أبي طالب، فلمّا رآه أمير المؤمنين عليه السلام هَشّ إليه وضحك سروراً به، وأشار إليه أن: خذني إليك واسقني مثل ما سقيتني بالأمس.

فأخذه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقبّله، وأثنى عليه، ثمّ وضع لسانه في فيه فمصّه حتّى اكتفى.

وعمل أبو طالب وليمةً عظيمةً نحر فيها ثلاثمائة من الإبل، وألفاً من البقر، وألفين من الغنم، وأمر مناديه أن يُنادي في الناس عامة، حتّى لم يبق منهم أحدٌ إلّا وحضرها.

فقال أبو طالب: مَن أراد أن يأكل من وليمة ولدي فليطُف بالبيت سبعاً، ثمّ امضوا إلى ما رزقكم اللَّه وكلوا واشربوا حيث شئتم

[علل الشرائع: 135:3، ومعاني الأخبار: 10 : 62، وأمالي الصدوق: 9 : 114، وأمالي الطوسي 317:2. انظر مناقب ابن شهر آشوب 172:2، وروضة الواعظين: 77.]

والحديث طويل انتخبنا منه بقدر الحاجة.

ومجمل هذا الحديث نظّمه العلّامة المتبحّر الشيخ محمد بن الحسن، الحرُّ العاملي، صاحب "الوسائل" وغيرها، المتوفّى سنة "1104 ه" في اُرجوزةٍ له في تواريخ المعصومين عليهم السلام، قال:

مولدُهُ بمكّة قد عُرفا++

في داخل الكعبة زيدتْ شرفا

وذاك في ثالث عشر من رجبْ++

فقدرُه علا وحقّه وَجَب

وقيل: في السابع من شعبانا++

مطلعَ ذاك البدر حينَ بانا

على رُخامةٍ هناك حمرا++

معروفةٍ زادت بذاك قدرا

فيا لها مزيّةٌ علّيه++

تخفضُ كلَّ رُتبةٍ عليّه

ما نالها قطُّ نبيٌّ مرسلُ++

ولا وصيٌّ آخِرٌ وأوّلُ

أما سمعتَ قصّة ابن قَعْنَبِ++

ينطقُ عن مقصودنا بالعجبِ

وإنّه محقّقٌ مشهورُ++

يُثبته المدقّقُ النحريرُ

قال: جلستُ مع اُناسٍ شتّى++

في المسجد الحرام يوماً حتّى

مرّت بنا فاطمةٌ بنتُ أسد++

حاملةً بالمرتضى ذاك الأسد

فجاءها الطلقُ فطافت سبعا++

ثمّ دَعَت أكرم ربّ يدعى

قالت: إلهي، إنّني آمنتُ بك++

حقّاً وصدّقتُ جميع كتبك

وما على الخليل جدّي اُنزلا++

وما به كلُّ رسولٍ أُرسلا

ثمّ دَعَت خالقَها بما سنح++

فسهّلَ اللَّهُ العسيرَ وانفتح

بابٌ لها تجاهَ باب الكعبة++

وذاك مستجارُ أهل الرَهبة

ودخلت فيه فعادَ مثل ما++

كانَ وما ذاك مشيد محكما

هذا وقُفلُ الباب لم يفتح لنا++

من بعد جُهدٍ وعلاجٍ وعنا

فقلتُ: إنّ ذاك أمرُ اللَّهِ++

فلم أكن بذكرهِ باللاهي

فمكثت ثلاثةً أيّاما++

وخرجت وأعلنت كلاما

إنّي فضّلتُ على النساء++

دخلتُ بيتَ رافعِ السماءِ

ثمّ أكلتُ من ثمار الجنّهْ++

ورزقُها فهو عليّ جنّه

وعندما وضعتُه ورُمْتُ أنّ++

أخرجَ نادى هاتفٌ لي بالعلن

سمّي الذي وضعته عليّا++

فلن يزالَ قدرُه عليّا

لقد شققتُ اسماً له من اسمي++

أطلعتُه على خفيِّ علمي

ادّبْتُهُ بأدبي إكراماً++

وهو الذي يكسّر الأصناما

في بيتي الشريف إذ يؤذّنُ++

من فوقه وبالأذان يُعلنُ

طوبى لمن أحبّه ووالى++

ومن أطاعه يجازى فضلا

ويلٌ لمن أبغضهُ ومَن عصى++

وذاك بعضُ ما به قد خُصّصا

[منظومة في تواريخ المعصومين عليهم السلام، مخطوطة.]

وحديث البلاطة الحمراء قد سبق الإيعاز إليه في مبحث تواتر الحديث.

وذكر العالم الضليع ميرزا جبّار ابن المولى زين العابدين الشكوئي، المتوفّى قبل سنة "1330 ه" في كتابه "مصباح الحرمين" في الفصل الثاني والثلاثين، في وداع الكعبة أُموراً.

منها: 'الصلاة بين الاسطوانتين على الرّخامة الحمراء، وهي على رواية بعض العلماء محلّ ولادة أمير المؤمنين عليه السلام كما مرّ في فصل المستجار...'

[مصباح الحرمين: 194.]

والفصل المشار إليه هو الفصل الثامن عشر

[مصباح الحرمين: 115- 114.]، وذكر فيه حديث يزيد بن قَعنَب، فالإحالة في أصل ولادة البيت لا خُصوص حديث الرّخامة الذي أسند حديثه إلى بعض العلماء.

وكان هذا الرجل من ثقات عصره المتورّعين، والوالد

[والد المؤلّف هو: الشيخ الميرزا أبو القاسم بن محمد تقي الأُردوبادي التبريزي الغرويّ "1274-1333 ه" هاجر إلى كربلاء، والنجف والكاظمية، وأخذ من أعلامها، وأُجيز بالاجتهاد منهم، كان عالماً فقيهاً، تقياً ورعاً، من مراجع التقليد، وله مؤلفات ترجمه صاحب الذريعة والأعيان. لاحظ: السبيل الجدد إلى حلقات السند لولده، المطبوع في مجلة علوم الحديث، العدد 2، ص 194.] العلّامة قدس سره كان يمدحه ويثق به، ويخبت بقوله وفعله، ولم يزل موصوفاً بحسن السيرة وأداء حقّ وظيفته الروحية حتّى قضى نحبه سعيداً طيباً.

وقال الشيخ أحمد بن الحسن الحرّ، نزيل مشهد الرضا عليه السلام، أخو صاحب الوسائل في "الدر المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء والملوك" في الفصل الرابع، في ذكر أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، ما لفظه:

'أمّا اسمه فعليٌّ.

كنيته: أبو الحسن.

لقبه: المرتضى.

ولادته: الكعبة في البيت، على الحجر.

يوم ولادته: الجمعة.

شهر ولادته: ثلاث عشر برجب، وقيل نصف شهر رمضان.

سنة ولادته: ثلاثون من عام الفيل.

ملك وقت ولادته: شهريار

[شهريار بن كسرى ابرويز بن هرمز، وكان لكسرى ابرويز ثمانية عشر ولداً، وكان أكبرهم شهريار، وكانت شيرين قد تبنّته، وكان هلاك ملك كسرى على يد يزدجرد ابن شهريار. الكامل في التاريخ 493:1 و 28:3 و 123.]

اسم اُمّه: فاطمة بنت أسد'

[الدر المسلوك، مخطوط.]

نبا الولادة والمحدّثون


لا نريد من المحدّثين السّذّج، الذين لم يعرفوا إلّا أساطير في خلال الكتب، أو قول بسيط مثل "حدّثني فلان" وهو لا يرى سعة العلم إلّا بالتوسّع في النقل، فيحشد من ذلك صفوفاً، ويسرد من وَرَطات القالة أُلوفاً، من غير ما تفقّه في مغزى الحديث، ولا تبصّرٍ في مؤدّاه، ثمّ إذا طوى الدهر أيّامه تناقلت رواة الجيل الثاني أخباره من دون وقوف على قصّته، وإنّما غرّتهم فخفخة الرجل، ومحاباة نظرائه من أرباب المعاجم، بأ نّه "حافظ، روى مائة ألف أو تزيد" إلى غيرها من ألفاظ الثناء الباطل.

إنّما نقصدُ هاهنا أئمّة الحديث، ومهرة فنّه النياقد، الذين لا يروقهم رمي القول على عواهنه، فلا يؤمنون بالمنقول إلّا بعد التفرّغ من أمر إسناده، والتثبّت فيه، والتروّي في متنه، حذار مخالفته لمعقولٍ، أو مصادمته لشي ء من الاُصول.

فنريد من المحدّث ذلك الحَبر الناقد الضليع في العلم، الذي ضرب فراغاً من أويقاته للتبصّر في هذا الفن، والإحاطة به من أطرافه بما هو من أشرف العلوم وأهمّ الفرائض على العلماء الباحثين.

فهو محدّثٌ حينَ يقف على هذا النغز، كما أ نّه فقيهٌ متى طَفِقَ يردّ الفرع على الأصل، ومفسّرٌ حين يتحرّى مغازي آي الكتاب الكريم واكتشاف مخبّآتها، وهو فنّي إذا عطف النظر على أيّ من العلوم.

إذا عرفتَ القصد من هذا العنوان، فإنّك جدّ عظيم بدخول كثيرٍ ممن ذكرناهم من رواة الحديث أو الناصّين بمفاده، كعلم الهدى السيّد المرتضى، وأخيه السيّد الرضيّ، وشيخ الطائفة الطوسيّ، وقبلهم رئيس المحدّثين الصدوق، وبعدهم رشيد الدين ابن شهر آشوب، وابن الفتّال الشهيد، وآية اللَّه العلّامة الحلّي، وابن بطريق، إلى غير هؤلاء من الكثيرين الأول، ممن سلفت الإشارة إليهم، وإلى اُناس آخرين من علماء أهل السنة كالحاكم وغيره، كما سلف ذكرهم.

لكننا نذكر هنا أفذاذاً لم نذكرهم هنالك، أو لخصوصية فيهم لم تذكر فيما مرّ، وبهذا الفصل وغيره من فصول هذه الرسالة تعرف مقيل ما هَوِسَ به ابنُ أبي الحديد في 'شرح النهج' في الحقيقة من أنّ حديث الولادة مزعمة كثيرٍ من الشيعة 'والمحدّثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون أنّ المولود في البيت حكيم بن حزام'

[شرح نهج البلاغة 14:1.]

وقد مرّت بك كلمة الحاكم النيسابوري في الولادتين، وهو أحد أئمّة المحدّثين، وغيره من محدّثي أهل السنّة والشيعة، وإلى الملتقى هاهنا.

ففي "المجموع الرائق" تأليف السيّد الأجل، في اُخرياته، عند ذكر "المائة منقبة" المخصوصة بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وذلك مما رواه الشيخ السعيد أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه- قدّس اللَّه ارواحهم-، يوم الغدير من سنة إحدى وستّين وثلاثمائة، يرفعه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ممّا خصّ اللَّه به أمير المؤمنين علياً عليه السلام:

|المنقبة الأُولى|: 'أنّ اللَّه تعالى خلقه من نور عظمته'. إلى قوله:

|الثامنة|: 'أ نّه ولد في الكعبة'.

|التاسعة|: 'أ نّه لمّا ولد في الكعبة ظهر نوره من عِناسن السماء إلى ظهر الكعبة، وسقطت الأص نام التي كانت على الكعبة على وجوهها، وصاح إبليس، وقال: ويلٌ للأصنام وعبدتها مِن هذا المولود'

[المجموع الرائق: 154، مخطوط.]

وقال العلّامة أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراچكي الفقيه المحدّث المتكلّم الثقة، المتوفّى سنة "449 ه" من تلمذة شيخنا المفيد في "كنز الفوائد" بعد أن ذكر أحاديث في مقدّمة الولادة من خبر الكاهن، ورؤيا فاطمة بنت أسد، وتعبير الكاهن لها ما لفظه:

'وفي الحديث أ نّها- يعني فاطمة بنت أسد- دخلت الكعبة على ما جرت به عادتها، فصادفَ دخولها وقت ولادتها، فولدت أمير المؤمنين عليه السلام داخلها'

[كنز الفوائد 255:1.]

والمتّبع من هذا الحديث ما هو الجامع بينه وبين أحاديث الباب وأقواله من أصل الولادة في البيت، وأمّا كيفية الدخول فيها فالمعتمد عليه ما أسلفنا لك نبأه من أ نّها كانت أمراً من أمر اللَّه، وعنايةً من عنده خاصّةً بأمير المؤمنين عليه السلام، خارجةً عن مجاري الطبيعة ومقتضيات الصدف.

ولذلك انشقّ البيت لفاطمة، ثمّ لمّا دخلته ارتأبت الصدعةُ ولم ينفتح قُفل الباب بالرغم من جهدهم الأكيد في فتحه.

وأكلت هي من ثمار الجنّة في جوف البيت، وكان من أمر الولادة ما عرفت.

فخرجت من البيت متبجّحةً بما منحها اللَّه سبحانه.

وهذا هو المناسب لما عرفته من إطباق كلمات العلماء والأئمة، من أنّ ذلك فضيلةٌ اختصّ اللَّهُ بها أمير المؤمنين عليه السلام.

وأيّ فضيلةٍ في الوقوع صدفة، ولا عن قصدٍ كما يقع كثيراً لأفراد من الناس والحيوان من الولادة في محالٍّ شريفةٍ على مجاري العادة، ولا يعدّ شرفاً وفضيلة لهم، كما لم تعدّ الولادة في البيت فضيلةٍ لحكيم بن حزام على تقدير صحّة الرواية.

فإنّ مَن أخبتَ بها لم يذكر فيها ما ذكره في أمير المؤمنين عليه السلام من أ نّها فضيلةٌ اختصّه اللَّه بها، ولا قال كقولهم فيه من أ نّه لم يسبقه إلى مثلها أحدٌ، ولا يلحقه فيها أحدٌ، وما هو إلّا لما ذكرناه.

وفي كتاب "الأربعين" للشيخ أبي الفوارس، أو أبي عبد اللَّه محمد بن مسلم بن أبي الفوارس الرازيّ عن السيّد الأجلّ الأوحد جمال الدين عزّ الإسلام فخر العشيرة شرف الدين أبي محمد، إبراهيم بن عليّ بن محمد العلوي الحسني

[في اليقين: الحسيني.] الموسوي بكازرون في التاسع عشر من شهر رجب، عن الشيخ العارف، شهريار بن تاج الدين الفارسيّ، عن القاضي أبي القاسم، أحمد بن ظاهر النوري

[في اليقين: أبو القاسم أحمد بن طاهر السوري.]، عن الشيخ الإمام شرف العارفين أبي المختار، الحسن بن عبد الوهاب، عن أبي التحف

[في اليقين: أبو النجيب، والظاهر صحّة ما في الأصل، كما في رياض العلماء 123:2-129، حيث قال في ترجمة الحسن بن عبد الوهاب أ نّه يروي عن أبي التحف عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن الحسن الطيب المصري الذي هو من مشائخ المرتضى والرضي، وهو يروي عن جماعة كالأشعث بن مرّة وغيره.] عليّ بن إبراهيم المصريّ، عن الأشعث بن محمد بن مرّة، عن المثنّى بن سعيد بن الأصيل البغداديّ العطّار، عن عبد المنعم بن الطيّب القدوري، عن العلاء بن وَهب، عن الوزير محمّد بن ساليق، عن أبي جرير، عن أبي الفتح المغازليّ، عن أبي جعفر ميثم التمّار رضى الله عنه

[السند لا يخلو من اضطراب ولكن تركناه على علّاته مع الإشارة إليه، لعدم تعرض الكتب الرجالية المتوفرة لدينا هليه.]، قال:

كنت بين يدي مولاي أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة وجماعة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حافّون به، كأنّهم الكواكب اللامعة في السماء الصاحية، إذ دخل علينا من الباب رجلٌ طويلٌ، عليه قَباءُ خزّ أدكن، معتمٌّ بعمامة أنجمية صفراء، متلقّد بسيفين، فنزلَ من غير سلام، ولم ينطق بكلام، فتطاول إليه الناسُ بالأعناق، ونظروا إليه بالآماق، ووقف عليه الناس من جميع الآفاق، وأمير المؤمنين عليه السلام لا يرفعُ رأسه، فلمّا هدأ من الناس الحواسّ، فسح عن لسانه كأ نّه حُسامٌ صقيلٌ جُذِبَ من غِمده، وقال:

'أيّكم المجتبى في الشّجاعة، والمعمّم بالبراعة، والمدرّع بالقناعة؟

أيّكم المولود في الحرم، والعالي في الشِيم، والموصول بالكرم؟'

[الأربعون حديثاً، مخطوط، ورواه في نوادر المعجزات: 10، واليقين: 73، وفضائل ابن شاذان، الحديث الأول.]

ورواه الشيخ أسعد بن إبراهيم بن الحسن بن عليّ بن عليّ الحلّي، أو الجبلي، في "أربعينه" الذي يروي أحاديثه عن مشايخه من العامّة في مجلس واحد سنة "610 ه".

وذكر شيخنا العلّامة بحّاثة العصر الحاضر في الذريعة

[الذريعة إلى تصانيف الشيعة 411:1.]: أ نّه من علماء الحلّة من الإمامية.

فذكر فيه الحديث الأوّل بإسناده إلى أبي جعفر ميثم التمّار مثله، غير أنّ بينهما اختلافاً في بعض الحروف.

وفيه أ نّه قال:

'أيكم الإمام الأروع الأورع، البطين الأنزع، المولود في الحرم، العالي الهمم، الكريم الشيم؟

أيكم حيدر أبو تراب، قالع الباب، وهازم الأحزاب، الذي فتح له- حين سدّت الأبواب- باب، والذي نصب للعبّاس الميزاب؟'

[الأربعون حديثاً: 9، مخطوط.]

ورواه مؤلف كتاب "الروضة في الفضائل" المطبوع مع "علل الشرائع" و "معاني الأخبار" للشيخ الصدوق بالإسناد يرفعه إلى أبي جعفر ميثم التمّار، لكن روايته توافق الرواية الأُولى لأبي الفوارس في حروفها.

ففيهما أ نّه لمّا فرغ من وصفه الكثير، قال أمير المؤمنين عليه السلام:

'أنا، يا أبا سعد بن الفضل بن الربيع بن مدركة بن نجبة بن الصلت بن الحارث بن الأشعث بن السمعمع! سل عمّا بدا لك'

[الروضة: 143.]

وفي رواية أسعد: أ نّه أشار بعض الحاضرين إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وقال: 'هذا مرادك'.

وذكر الجميع القصّة التي جاء الرجل لأجلها من القتل الواقع عندهم.

وذكروا المعجزة الباهرة للإمام صلوات اللَّه عليه بإحيائه الشابّ المقتول، بإذن اللَّه تعالى، وإخباره بقاتله وغير ذلك.

وفي الأربعين لأسعد أنّ هذا حديث رواه عامّة محدّثي الكوفة

[الأربعون حديثاً: 17، مخطوط.]

وفي كتاب "عيون المعجزات" للشيخ حسين بن عبد الوهاب المعاصر لسيّدنا المرتضى علم الهدى، عن أبي التّحف عليّ بن محمد بن إبراهيم المصري عليهم السلام عن الأشعث بن مرّة، عن المثنّى بن سعيد، عن هلال بن كيسان الكوفي الجزار، عن الطلب الفواجريّ، عن عبد اللَّه بن سلمة الصحي

[في المصدر: القبحي، كذا.]، عن شقادة بن الأصيد العطّار البغدادي، عن عبد المنعم بن الطيّب القدوري، عن العلاء بن وَهب بن

[في المصدر: عن.] قيس، عن الوزير أبي محمد بن سايلويه رضى الله عنه، فإنّه كان من أصحاب أمير المؤمنين العارفين، ورحم جماعتهم

[يعني أ نّه كان من شيعته صلوات اللَّه عليه، لا أ نّه من أصحابه المعاصرين له، وقوله: 'ورحم جماعتهم' معطوف على قوله: رضي اللَّه عنه والضمير عائد إلى المؤمنين العارفين شيعته عليه السلام من هامش المطبوع وفي المصدر: وروى جماعتهم.]، عن أبي جرير، عن أبي الفتح المغازلي- رحمهما اللَّه-، عن أبي جعفر ميثم التمّار

[إنّما أعدنا الإسناد مرة ثانية للاختلاف بين النسختين، والتصحيف في إحداهما. من هامش المطبوع.]، آنس اللَّه به قلوب العارفين، قال:

'كنتُ بين يدي مولاي أمير النحل- جلّت معالمه، وثبتت كلمته- بالكوفة، وجماعة من وجوه العرب حافّون به كأ نّهم الكواكب اللامعة في السماء الصاحية'

[عيون المعجزات: 25.]

وأنت ترى أنّ الرجل يعدّ مناقب أمير المؤمنين عليه السلام الخاصّة به، الشهيرة بين القاصي والداني، ومنها كونه مولوداً في الحرم، المراد به البيت خصوصاً، وإلّا لما كانت خاصّة له، لأنّ المولودين في حدود الحرم وبين شعاب مكّة وهضابها كثيرون ولا فخر لأحد فيه، فإنّ الولد لابد وأن يولد في مساكن الأبوين شريفاً كان المحل أو غير شريف، نعم إذا جاوزت الولادة في المحال الشريفة حدود العادة عدّت فضيلةً، كولادة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في البيت الذي هو محلّ العبادة لا الولادة، مع ما اكتنفته من الخوارق للعادات المشروحة في هذه الرسالة.

كانت هذه المصارحة من الرجل بمشهدٍ ممّن لاث

[الالتياث: الاختلاط والالتفاف. الصحاح- لوث- 291:1.] بالإمام عليه السلام كان هو الذي أصحر بانطباق هاتيك الأوصاف الكريمة على نفسه المقدّسة، وناهيك به شاهداً ومشهوداً له.

أو ترى أ نّه عليه السلام لو كان يعتقد خلاف ما وصفه به الرجل كان يسكت عنه ويغضّ الطرف عن إفكه؟

لاها اللَّه!

ومَن عرف سيرته وخشونته في ذات اللَّه، وتهالكه في دحر الباطل، وإدحاض معرّة البهت والزور، علمَ مكانة هذه الفضيلة من الثبوت بعد تصديقه لها، فلقد كان عليه السلام بما اكتنفته من الفضائل التي لا تحصى في غنىً عن أيّ فخفخة بالئتة ومجد كاذب.

ثمّ انثيال

[انثاليأي تتابع واجتمع. انظر لسان العرب- ثول- 95:11.] عامّة محدّثي الكوفة على نقل الحديث من غير نكيرٍ بينهم، مع حداثة عهدهم بالقصّة، وتمكّنهم من تمييز الصدق فيه مِن المين

[المين: الكذب. لسان العرب- مين- 425:13.]، دليلٌ واضح على شهرته بينهم على العهد العلويّ وقبله وبعده، وإصفاقهم على تصديقه والإخبات به.

وروى الوزير الأربليّ في "كشف الغمة" عن "مناقب" الفقيه ابن المغازليّ المالكي، مرفوعاً إلى عليّ بن الحسين عليهماالسلام، قال:

'كنّا زوار الحسين عليه السلام وهناك نساء كثيرة، إذ أقبلت منهنّ امرأة، فقلتُ لها: مَن أنتِ رحمك اللَّه؟

قالت: أنا زيدة بنت قُريبة بن العجلان من بني ساعدة.

فقلت لها: فهل عندك من شي ء تحدّثينا به؟

فقالت: إي واللَّه! حدّثتني اُمّ عمارة بنت عُبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعدي، أ نّها كانت ذات يوم في نساء من العرب، إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً، فقلتُ له: ما شأنك؟

فقال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة من المخاض، وأخذ بيدها وجاء بها إلى الكعبة، وقال: اجلسي على اسم اللَّه، فطلقت طلقة واحدة، فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منظّفاً لم أرَ كحُسن وجهه، وسمّاه عليّاً، وحمله النبيّ صلى الله عليه و آله حتّى أدّاه إلى منزلها'.

قال عليّ بن الحسين عليهماالسلام: 'فو اللَّه ما سمعت بشي ء قطّ، إلّا وهذا أحسن منه'

[كشف الغمّة 59:1، ومناقب ابن المغازلي: 3 : 6.]

ورواه ابن الصبّاغ المالكيّ في "الفصول المهمة" عن ابن المغازلي، عن الإمام السجّاد عليه السلام

[الفصول المهمّة: 30.]

ورواه شمس الدين، أبو الحسين، يحيى بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن محمّد ابن البطريق الحلّي، من علماء القرن السادس، بإسناده عن ابن المغازلي، عن أبي طاهر محمّد بن عليّ بن محمّد البيّع

[هو أبو طاهر محمّد بن علي بن محمد بن عبد اللَّه البغدادي، البيّع: بيع السمك، ولد سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، ومات سنة خمسين وأربع مائة، ودفن في مقبرةالشونيزي. انظر تاريخ بغداد 106:3.]، عن أبي عبد ام بن خالد الكاتب، عن أحمد بن جعفر بن محمّد بن سَلم الختّلي، عن عمر بن أحمد بن روح الساجي، عن أبي طاهر يحيى بن الحسن العلوي، عن محمّد بن سعيد الدارمي، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام، وذكر الحديث، وفي بعض حروفه اختلاف

[العمدة: 8 : 27.]

ولا منافاة بين ما قد يتوهّمه غير المتأمل في مغازل الكلام، من قولها في هذا الحديث: 'فجاء بها إلى الكعبة' وبين ما هو مذكور في حديث يزيد بن قَعنب: من أنّ دخول فاطمة البيت لم يكن بمجي ء أبي طالب بها، وأ نّه كان من خوارق العادات، لانشقاق الجدار من وراء الكعبة، والتئام الفتحة بعد دخولها، وعدم انفتاح رتاج

[الرتاج: القفل. مجمع البحرين- رتج- 302:2.] الباب بالرغم من معالجة القوم من فتحه، وأ نّها أكلت فيها من ثمار الجنّة، وهتف بها الهاتف لمّا أرادت الخروج.

وفي رواية اُخرى: أ نّه نزلت نسوة من السماء لِيَلينَ من أمرها ما تلي النساء من النساء.

إنّ هذه الرواية لم تتعهد بسرد تفاصيل القصّة بحذافيرها، وإنّما أرادت الرواية لها إشارة إجمالية إلى مولد الإمام عليه السلام، والتذكير بفضله الباهر يوم ميلاده.

فمن المحتمل أن يكون ما شاهده فريق من بني هاشم، وفريق من بني عبد العزى من أمر فاطمة بنت أسد المذكور في خبر ابن قَعنب، ودعائها، ودخولها البيت، كان بعد ما جاء بها أبو طالب- سلام اللَّه عليه-، أهمله ابن قَعنب كما أهملت هذه الرواية أشياء اُخرى من حديثه، للاختصار.

وليس في حديث ابن قعنب أيّ صراحة في أنّ أبا طالب لم يأت بها هلى فِناء البت، ولا في هذا الحديث نصّ بأ نّه هو الذي باشر إدخالها البيت، وإنّما هو ظهور متضائل.

فلا تنافي بين النقلين حتّى ينتهزه المريض قلبه فرصةً لقلب الحقائق.

وروى أبو عبد اللَّه محمّد بن يوسف بن محمّد القرشي الشافعي الكنجيّ الحافظ، المتوفّى سنة "658 ه" في "كفاية الطالب" في الباب السابع من الأبواب الاثني عشر، التي ذكرها في اُخريات الكتاب بعد تمام الأبواب المائة، قال:

أخبرنا الشيخ المقرى ء أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن بركة الكتبي، في مسجده بمدينة الموصل، ومولده في سنة "554 ه" قال: أخبرنا أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن العطّار الهمداني إجازة عامّة، إن لم تكن خاصّة، أخبرنا أحمد بن محمّد بن إسماعيل الفارسي، حدّثنا فاروق الخطابي، حدّثنا الحجّاج بن المنهال، عن الحسن بن مروان بن عمران الغنوي، عن شاذان بن العلاء، حدّثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن مسلم بن خالد المكّي المعروف بالزنجي، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن ميلاد عليّ بن أبي طالب.

فقال: 'لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح عليه السلام، إنّ اللَّه تبارك وتعالى خلق عليّاً من نوري، وخلقني من نوره، وكلانا من نور واحد، ثمّ إنّ اللَّه عزّ وجل نقلنا من صلب آدم إلى أصلاب طاهرة، وإلى أرحاك زكيّة، فما نقلت من صلب إلّا ونقل عليّ معي، فلم نزل كذلك حتّى استودعني خير رحم وهي آمنة، واستودع عليّاً خير رحم وهي فاطمة بنت أسد.

وكان في زماننا رجلٌ زاهدٌ عابد يقال له: المبرم بن دعيب بن الشقبان، قد عبد اللَّه مائتين وسبعين سنة، لم يسأل اللَّه حاجة، فبعث اللَّه إليه أبا طالب، فلمّا أبصره المبرم قام إليه وقبّل رأسه وأجلسه بين يديه، ثمّ قال له: مَن أنت؟

فقال: رجل من تهامة.

فقال: من أيّ تهامة؟

قال: من بني هاشم.

فوثب العابد فقبّل رأسه مرّة ثانية، ثمّ قال: ا هذا، إنّ العلي الأعلى ألهمني إلهاماً!

قال أبو طالب: ما هو؟

قال: ولدٌ يولد من ظهرك، وهو وليُّ اللَّه عزّ وجل.

فلمّا كانت الليلة التي وُلِدَ فيها علي عليه السلام أشرقت الأرض، فخرج أبو طالب وهو يقول: أيّها الناس ولد في الكعبة وليّ اللَّه عزّ وجل.

فلمّا أصبح دخل الكعبة وهو يقول:

يا ربّ هذا الغسقُ الدجيُّ++

والقمرُ المبلَّجُ المضيُّ

بيّن لنا مِن أمرك الخفيِّ++

ماذا ترى في اسم ذا الصبيِّ؟

قال: فسمع صوت هاتف وهو يقول:

يا أهل بيت المصطفى النبيِّ++

خُصِصتم بالولد الزكيِّ

إنّ اسمه من شامخ عليٍّ++

عليّ اشتقّ من العليّ'

[وردت هذه الأبيات في ألقاب الرسول وعترته: 220، وينابيع المودّة: 255.]

قال الحافظ الكنجيّ: قلت: هذا حديث اختصرته، ما كتبناه إلّا من هذا الوجه، تفرّد به مسلم بن خالد الزّنجي، وهو شيخ الشافعي، وتفرّد به عن الزّنجي عبد العزيز بن عبد الصمد، وهو معروف عندنا، والزّنجي لقب لمسلم، وسمّي بذلك لحسنه وحُمرة وجهه وجماله

[كفاية الطالب: 405.]

وقال العالم الضليع المولى، محمّد رضا بن محمّد مؤمن، المدرّس الإمامي، في الجدول السابع من كتابه "جنّات الخلود": إنّه عليه السلام ولد في ضحى الجمعة، اعترى اُمّه الألم، ولم تكن تحتمل الطلق في وقتها، فدخلت البيت للاستشفاء، فاُوصد بابه من قبل نفسه، وكلّما عالج أبو طالب وإخوته أن يفتحوه لم يُفتح، وانشقّ سقف البيت، ونزلت حواء ومريم وسارة وآسية تصحبهنّ الملائكة والحور، ومعهنّ الطّست والإبريق وحرير من حرير الجنّة، فقمن بواجب الولادة، حتّى إذا ولد الإمام عليه السلام سجد وتلا قوله تعالى: 'جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ'

[جنّات الخلود: 17، فارسي. سورة الإسراء: 81.]

ولا يناقض هذا ما عرفته من انشقاق جدار البيت لدخولها، فإنّ أقصى ما في هذا الحديث إهمال كيفية الدخول.

فمن الجائز أن تكون على الصفة التي وصفها في الأحاديث الاُخر، ومحاولة القوم لفتح الباب، لأ نّه كان أيسر لهم من إعادة الفتحة بعد التائامها، لا لأ نّها دخلت منه.

على أ نّها كانت من الاُمور الإلهية التي لا تتأتّى لغيره سبحانه، وما كان من الهيّن الهدم العادي لإخراجها مع وجود الباب، والقوم لمّا عمدوا إلى الباب ورأوا تعاصيه على تماديهم في فتحه، عرفوا أنّ شِروى

[الشّروى: المثل، يقال: ما له شروى أي ما له مثل. مجمع البحرين- شرا- 245:1.] التئام الفتحة أمرٌ غيبيّ لا يتسنّى لهم معالجته، فتركوه لحاله.

/ 48