ولید الکعبة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ولید الکعبة - نسخه متنی

السیّد محمدرضا الحسینی الجلالی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


علي وليد الكعبة


هذا الكتاب معروف، وقد طبع عام "1380 ه" في النجف، وصوّر من تلك الطبعة أكثر من مرّة، وطبع عام "1412 ه" بتحقيق قسم الدراسات في مؤسسة البعثة- قم.

ومؤلّف الكتاب كذلك معروف بعلمه وفضله، وبأدبه وعبقريته في نظم الشعر، كما هو معرف بالأخلاق الكريمة، والزهد والعفّة والتواضع، والسخاء العلميّ، حيث كان يقدّم مجهوداته القيّمة للآخرين ليتمتّعوا بطباعتها بأسمائهم، كما أ نّه كان يقدّم خدماته للكتّاب والمؤلّفين بمراجعة أعمالهم وتنقيحها وتهذيبها، وبالأخصّ من الناحية الأدبية والإنشائية.

ونقدّم هنا نصّ الكتاب معتمدين الطبعة المحقّقة مع إكمالها بما حذف منها من النصوص الفارسية شعراً ونثراً، وقد أكملنا ذلك بالاعتماد على الطبعة الاُولى المطبوعة في النجف عام "1380 ه" بتقديم سبط المؤلف مهدي الشيرازي.

حديث المولد الشريف و تواتره


إنّ المنقّب في التأريخ والحديث جِدَّ عليم بأنّ هذه الفضيلة من الحقائق التي تطابق على إثباتها الرواة، وتطامنت

[تطامنت: من أطمان، أي سكنت. القاموس المحيط- طمن- 247:4.] النفوسُ على اختلاف نزاعاتها على الإخبات

[الإخبات: الخضوع والتسليم. مجمع البحرين- خبت- 199:2.] بها، حيث لا يجد الباحث قَطُّ غَميزةً

[الغميزة: العيب. المعجم الوسيط- غمز- 662:2.] في إسنادها، ولا طعناً في أصلها، ولا منتدحاً

[المنتدح: المتسع. الصحاح- ندح- 910:2.] للكلام على اعتبارها، وتضافر النقل لها، وتواتر الأسانيد إليها، وإن وَجَدَ حولها صَخباً من شذّاذ الناس وطأه بأخمص حجاه

[الحجا: العقل. الصحاح- حجا- 2309:6.]، وأهواه إلى هُوّة البطلان السحيقة.

قال الحافظ أَبو عبد اللَّه، محمّد بن عبد اللَّه، الحاكم النّيسابوري، المتوفى سنة "405 ه" في "المستدرك" في باب مناقب حكيم بن حزام

[حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي، أبو خالد المكي، وعمّته خديجة زوج النبيّ صلى الله عليه و آله، قيل: ولد قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة. ومات سنة خمسين، وقيل غير ذلك. جمهرة أنساب العرب: 121، وتهذيب الكمال 170:7 /1454 ولو راجعنا المصادر التي روت ولادة حكيم في الكعبة للفت انتباهنا فيها اُمور، منها الإرسال وانقطاع السند الذي لم يخلُ من ضعيف أو منكر الحديث، كمصعب بن عبد اللَّه، ولمتابعة هذه الاُمور راجع الكتاب التالي في هذه المجموعة، بقلم الاُستاذ شكر شبع النجفي.]، عن مصعب بن عبد اللَّه: أنّ اُمّ حكيم

[هي بنت زهير، وقد تصحّفت لفظة بنت في بعض المصادر من ابن، فقالوا: اُم حكيم بنت حزام، والصواب أ نّها اُم حكيم بن حزام، وذكر أنّها اُسرت يوم بدر، ثم أسلمت وبايعت. الإصابة 444:4 /1229، واُسد الغابة 577:4.] ولدته في الكعبة، ضربها المخاض وهي في جوفها: ولم يُولَد قبله ولا بعده في الكعبة أحدٌ

[المستدرك 483:3.]

قال الحاكم: وَهَمَ مصعب في الحرف الأخير، وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- كرّم اللَّه وجهه- في جوف الكعبة.

والحاكم مَن أذعن الكلّ بثقته وحفظه وضبطه، وتقدّمه في العلم والحديث والرجال، والمعاجمُ طافحةٌ بإطرائه والثناء عليه، والكتبُ مفعمةٌ بالاحتجاج به، والركون إليه، وتآليفه شاهدةٌ بنبوغه وتضلّعه، فناهيك به حاكماً بتواتر الحديث.

وقد وافقه على ذلك النصّ من أفذاذ علماء أهل السنة: شاه ولي اللَّه أحمد بن عبد الرحيم المحدّث الدهلوي

[أبو عبد العزيز، ولي اللَّه بن مولوي عبد الرحيم، الدهلوي الهندي الحنفي، المتوفى سنة "1179 ه"، له تصانيف عديدة. هدية العارفين 500:6، ومعجم المؤلفين 292:4.] والد عبد العزيز الدهلوي: مصنّف "التحفة الاثنا عشريّة" في الردّ على الشيعة، قال في كتابه "إزالة الخفاء":

'قد تواتر الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علياً في جوف الكعبة، فإنّه وُلِدَ يوم الجمعة، الثالث عشر من شهر رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة، في الكعبة، ولم يُولد فيها أحدٌ سواه قبله ولا بعده'

[إزالة الخفاء 2512:2، ط. الهند.]

والحاكم في النقل السابق عنه، وإن لم يذكر وقت الولادة، ولا شهرها ولا سنتها، لكن حمل إلينا ذلك عنه الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجيّ الشافعيّ، المتوفى سنة "658 ه" في كتابه "كفاية الطالب" الذي ذكره الچلبيّ في "كشف الظنون" ونقل عن ابن الصبّاغ المالكيّ في "فصوله المهمّة" واحتجّ به ابن حَجَر.

قال: 'أخبرنا الحافظ أبو عبد اللَّه، محمّد بن محمود النّجار، بقراءتي عليه ببغداد، قلت له: قرأتُ على الصفّار بنيسابور: أخبرتني عمّتي عائشة، أخبرنا ابن الشيرازيّ، أخبرنا الحاكم أبو عبد اللَّه، محمّد بن عبد اللَّه الحافظ النّيشابوريّ، قال:

وُلِدَ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بمكّة في بيت اللَّه الحرام، ليلة الجمعة، لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت اللَّه الحرام سواه، إكراماً له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم'

[كفاية الطالب: 407.

وانظر كشف الظنون 1497:2، والفصول المهمة: 30، ونور الأبصار: 156، ومسار الشيعة: 88.]

وقال شهاب الدين، أبو الثناء، السيّد محمود الآلوسي المفسّر في "شرح عينية عبد الباقي أفندي العمري " عند قول الناظم:

أنتَ العليُّ الذي فوقَ العُلا رُفعا++

بِبَطْنِ مكّةَ عند البيت إذْ وُضِعا

'وفي كون الأمير- كرّم اللَّه وجهه- وُلِدَ في البيت، أمرٌ مشهورٌ في الدنيا، وذُكِرَ في كتب الفريقين السنّة والشيعة- إلى قوله-:

ولم يشتهر وضعُ غيره- كرّم اللَّه وجهه- كما اشتهر وضعه، بل لم تتّفق الكلمة عليه.

وما أحرى بإمام الأئمّة أن يكون وضعه فيما هو قِبْلَة للمؤمنين.

وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين'

[شرح الخريدة الغيبة في شرح القصيدة العينية: 15. على ما في الغدير 22:6.]

وإنّ اشتهار الحديث في الدنيا وتداوله في كتب الفريقين لا يعدوه أن يكون متواتراً على الأقلّ، وهو لا يريد الشهرة والتداول في جيله فحسب، فهو لا يجديه في تبجّحه بتلك المأثرة الكريمة بقوله: وما أحرى... وقوله: وسبحان..ظ وجزمه بذلك لو كانت الشهرة منقطعاً أوّلها، فلا محالة أ نّه يريد ذلك في كلّ جيلٍ، وهو الذي لا يبارحه التواتر على الأقلّ.

وأنت ترى أ نّه في كلامه هذا لم يأبه بمولد حكيم بن حزام، وأوعز إليه بالوهن بقوله: 'ولم يشتهر'.

كما أنّ الحاكم مع رواية ولادة حكيم في "المستدرك" نفاها في كلامه الأخير الذي أثبته عنه الحافظ الكنجيّ بقوله: ولم يولد....

ولو كان يُقيم وزناً لتلك الرواية لما ساغ له ذلك الجزم النهائيّ.

وممّا يؤكّد ما قاله أبو الثناء كلمةٌ ثمينةٌ للعلّامة الشريف السيّد حيدر بن عليّ الحسيني العُبيدلي الآملي، المعاصر لفخر الدين ابن آية اللَّه العلّامة الحليّ قدس سره، في كتابه "الكشكول فيما جرى على آل الرسول" قال:

'واحتجّ آل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وجماعةٌ من الأصحاب الذين ثبتوا على دين رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وعلى عهده في ولاية عليّ عليه السلام بعدّة من الفضائل جعلوها مسنداً لهم عند المفاضلة'

[الكشكول: 86.] وعدّ فضائل جمّة مسلّمة عند الفريقين.

والرابعة عشر منها: ولادته في الكعبة.

وقال في أُخريات الكتاب: 'خاتمة أذكر فيها شيئاً من مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكراماته التي اختصّه اللَّه بها على أبناء جنسه

[في الأصل: على أنّ جنسها.] لا يفتقر ناقلها إلى كتاب، ولا يحتاج الخصم فيها إلى جواب، وأرجو أن تكون حجّة للمؤالف على المخالف، وللمستقيم على المتجانف'

[الكشكول: 189.] ثمّ ذكر كرامات كثيرة من المتسالم عليها.

وثانيها: 'أ نّه وُلِدَ في الكعبة، بالحرم الشريف، فكان شرفَ مكّة وأصلَ بكَّة

[في المصدر زيادة: وبناء عكّة.]، لامتيازه بولادته في ذلك المقام المنيف، فلم يسبقه أحدٌ، ولا يلحقه أحدٌ بهذه الكرامة، ولا بلغ أحدٌ بلغ من السيادة والنباهة عامّة، وهو بالأصالة صاحب الإمامة الإبراهيميّة'

[الكشكول: 189، الكرامة الثانية.]

وأنت تعلم أنّ آل محمد صلى الله عليه و آله وتبعهم من الصحابة والتابعين لم يحتّجوا بتلكم الفضائل، ولا جعلوها مستنداً لهم في الحجاج على أمرٍ أصليّ في المذهب، إلّا وعلموا أ نّها جمعاء- ومنها حديث الولادة- مسلّمةٌ عند خصومهم، كما هي ثابتة لديهم.

فبينَ من شهد الموقف من الصحابة، ومن رواه عمّن حضره، وكذلك التابعين.

ثمّ إنّ الكرامات المذكورة إنّما صارت بحيث لا يحتاج صاحبها إلى كتابٍ، كما ذكره السيّد الشريف، لتداولها في أيّ كتابٍ يحسبه الخصم حجّةً عليه، ويراه الموالي معتمداً عنده، ومثل هذا لا يُلجى ء صاحبه إلى إسناد أو ذكر كتاب.

ولذلك كان السيّد يرجو أن تكون حجّةً على المخالف والمتجانف.

وهذا نفس ما مرّ عن أبي الثناء الآلوسيّ من إطّراد الحديث في كتب الفريقين، واشتهاره في الدنيا.

وقد قلنا: إنّه لا ينفك عن التواتر.

ولذلك قال العلّامة السيّد هاشم التوبليّ البحرانيّ في "غاية المرام": 'إنّ رواية أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ في الكعبة بلغت حدّ التواتر، معلومةٌ في كتب العامّة والخاصّة'

[غاية المرام: 13.]

وبمقربة من هذا القول ما قاله العالم البارع السيّد محمّد الهاديّ بن اللوحي الموسويّ الحسيني في كتابه "أُصول العقائد وجامع الفوائد". قال: 'كان مولده عليه السلام في جوف الكعبة على ما روته الشيعة وأهل السنّة، ولم يشرّف المولى سبحانه أحداً من الأنبياء والأوصياء بهذا الشرف، فهو مخصوص به سلام اللَّه عليه'

[أُصول العقائد: 165.] مترجماً من الفارسية وملخّصاً.

فهو يريد أنّ الحديث ممّا تصافقت الأيدي على نقله، وتطامنت النفوس على روايته، وأصفقت الجماهير من الفريقين على إثباته، وذلك الذي نريد إثباته، وبه يثبت التواتر.

ولقد قال بعض العلماء في مؤلّف له: 'إنّ حديث الولادة في البيت نقله جلّ أصحاب التأريخ.

والمشهور ما بين الخاصّة والعامّة: أ نّه وُلِدَ بين العمودين على البَلاطة الحمراء'.

وفي كتاب آخر لبعض الأعلام: 'وخبر ولادته هناك- يعني في البيت- مشهورٌ، والكتب به مملوءةٌ، وروايته متواترةٌ عند الفريقين'.

وفي علمائنا من لا يأبه بغير المتواتر، حيثما تعمل فيه العلماء بالآحاد، ولذلك رفضوا أخباراً كثيرة لأ نّها لم تخرج مخرج التواتر.

ومن أُولئك من أثبت حديث المولد المبارك جازماً به من غير شكٍّ فيه، ولا إردافٍ له بنقدٍ في متنه، أو ردّ لإسناده، وما ذلك إلّا لأ نّهم اعتقدوا فيه ما اعتقده غيرهم ممّن وقفت على كلماتهم من التواتر.

فمنهم: أمين الإسلام شيخ المفسّرين، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي صاحب "مجمع البيان"، المتوفّى سنة "548 ه" في كتابه "إعلام الورى" فقد أثبت تأريخ الولادة كما عرفته من اليوم والشهر والسنة، وأ نّها بمكّة في البيت الحرام، وقال: 'ولم يُولد في بيت اللَّه تعالى مولودٌ سواه لا قبله ولا بعده، وهذه فضيلةٌ خصّه اللَّه تعالى بها إجلالاً لمحلّه ومنزلته، وإعلاءً لقدره'

[اعلام الورى: 153، وانظر تاج المواليد: 12.]

وأنت تعلم أنّ الإمام الطبرسيّ لم يكُ بالذي يشذُّ هاهنا عمّا أسّسه للعلم والعمل في باب أخبار الآحاد، وجرى عليه في غير مورد من خصوص هذا الكتاب، من ردّ أحاديث أخرجت مخرجها، ولا كان يثبت في كتابٍ أ لّفه في الإمامة وبيان الحجّة عليها ومواقف أصحابها من الفضيلة والشرف إلّا ما تعترف به الاُمّة على بكرة أبيها، وترويها في أجيالها وأدوارها.

ومن اُولئك: علم الهدى، ذو المجدين، الشريف المرتضى، المتوفى سنة "436 ه" في شرح القصيدة المذهّبة للسيد الحميري، قال:

'ورُوِيَ: أ نّها- يعني فاطمة بنت أسد- ولدته في الكعبة، ولا نظير له في هذه الفضيلة'

[شرح القصيدة المذهّبة: 51.]

ليس قصده من إيرادها بلفظ 'رُوىَ' إسنادها إلى رواية مجهولة، وإنّما جرى فيها على ديدنه في هذا الكتاب من سرد الحقائق الراهنة، مقطوعةً عن الأسانيد لشهرتها، وتاضفر النقل لها، وتداولها في الكتب لفتاً للأنظار إليها، وإشادة بذكرها على نحو الاختصار، وعلى ذمّة الباحث إخراجها من مظانّها.

ولذلك تراه يقول بعد الرواية غير متلكّي ء ولا مُتَلعثِم: 'ولا نظير له...' كجازمٍ بحقيقتها، مؤمنٍ بصحّتها وتواترها، وإلّا لَلَفظها كما هو دأبه في غير واحد من الأحاديث.

ولم يشذّ عنه أخوه الشريف الرضيّ، المتوفّى سنة "406 ه" في "خصائص الأئمّة" قال: 'وُلِدَ

[في الخصائص: ولد عليه السلام بمكّة.] في البيت الحرام، لثلاث عشرة ليلة خلت من رجبٍ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة، واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهو أوّل هاشميّ في الإسلام ولد من هاشمٍ مرّتين، ولا نعلم مولوداً في الكعبة غيره'

[خصائص الأئمّة: 39.]

ومن عرف الشريف ونفسيته العالية، وأخذه الحذر عمّا يمسّ شرفه وكرامة نفسه في القول والعمل، يعلم أ نّه لم يتلفّظ بهذه الكلمة، إلّا بعد أن وجدها حقيقةً ناصعة، يذعن بها نُقّاد فنّ الحديث، وناهيك به خطراً لها واعتباراً.

ولقد حذا حذوَ الشريفين شيخُ الطائفة، الإمامُ المقدّمُ أبو جعفر، محمّد بن الحسن الطوسي، المتوفّى سنة "460 ه" في كتابه "التهذيب" الذي هو ثالث الكتب الأربعة المعوّل عليها عند الشيعة جمعاء، قال في كتاب المزار من "التهذيب": 'ولد بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة'

[التهذيب 19:6.]

وذكر التأريخ كما ذكره الشريف الرضيّ.

وروى في "مصباح المتهجّد" تأريخ شهر الولادة ومحلّها، كذلك عن ابن عيّاش: 'قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة'

[مصباح المتهجّد: 741.]

وعن عتّاب بن اُسيد: 'وللنبيّ ثمانٍ وعشرون سنةً، وقبل نبوّته باثني عشر عاماً، يوم الجمعة'

[مصباح المتهجّد: 754.]

ومن اُولئك العلماء الذين لم يُقيموا لأخبار الآحاد وزناً، شيخُ الشيعة واُستاذ علمائها، رئيس الأُمّة، الشيخ المفيد، أبو عبد اللَّه، محمّد بن محمّد بن النعمان، المتوفى سنة "413 ه" قال في "الإرشاد": 'ولد بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة'.

وتاريخ الشهر والسنة كما عرفت.

ثمّ قال: 'ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولودٌ في بيت اللَّه سواه، إكراماً من اللَّه جلّ اسمه له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم'

[الإرشاد: 9.]

وذكره في "المقنعة" أيضاً

[المقنعة: 72.]

وفي "مسار الشيعة" له، أرسل ولادته عليه السلام في البيت إرسال المسلّم، وذكر التاريخ، غير أ نّه اختار فيه أ نّها في الثالث والعشرين من رجب قال: 'وهو يوم مسرّة لأهل الإيمان'

[مسار الشيعة: 35.]

والشيخ المفيد مَن عَرَفته الاُمّة بالنقد والتمحيص، وأ نّه كيف كان يردّ الأخبار لأدنى علّةٍ في أسانيدها أو متونها، ويتردّد في مفادها.

يعرف ذلك كلّه مَن سَبَرَ كتبه ورسائله ومسائله.

أو هل تراه- مع ذلك- يعدل عن خطّته القويمة، فيرمى القول على عواهنه

[ألقى الكلام على عواهنه: لم يتدبره. لسان العرب- عهن- 297:13.] بذكر الواهيات على سبيل الجزم بها، لا سيّما في كتاب "الإرشاد" الذي قصد فيه إعلاء ذكر آل محمد صلى الله عليه و آله والتنويه بفضلهم وإمامتهم وتقدّمهم فيهما.

فهل يذكر فيه إلّا ما هو مسلّم بين الفريقين، أو الملأ الشيعي على الأقل؟!

وتبع الشيخ الأجلّ معاصره النّسابة، نجم الدين، الشريف أبو الحسن، عليّ بن أبي الغنائم محمّد، ويعرف بابن الصوفي، ابن عليّ بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمّد الصوفي بن يحيى بن عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، المنتقل من البصرة إلى الموصل سنة "423 ه" والموجود بعد سنة "441 ه"، قال في "المَجدي": 'وَوَلَدَت- يعني فاطمة بنت أسد- علياً عليه السلام في الكعبة، وما وُلِدَ قبلَهُ أحدٌ فيها'

[المجدي: 11.]

والنسّابة العمري هذا- ذكر رضيّ الدين السيّد ابن طاوس في "الإقبال"- أ نّه أفضل علماء الأنساب في زمانه، وهو يروي عن الشيخ الصدوق، ويروي عنه غير واحد.

وكتاب "المَجدي" له معوّلٌ عليه لدى كافّة الأصحاب، وسكن إليه عامّة النسّابين، فما يرويه فيه حجّة في مفاده.

روى شيخنا المفيد، ورشيخنا الشهيد في مزاريهما، والسيد ابن طاوس في "مصباح الزائر" في لفظ الزيارة الذي علّمه الإمام الصادقُ عليه السلام محمّد بن مسلم الثقةَ الجليل، لأمير المؤمنين عليه السلام، في يوم مولد النبيّ صلى الله عليه و آله في السابع عشر من ربيع الأوّل ما نصّه: 'السلام عليك يا مَن وُلِدَ في الكعبة، وزوّج في السماء بسيّدة النساء...'.

ثمّ قال بعد سرد فضائل جمّة له عليه السلام: 'السلام على المخصوص بالطاهرة التقيّة ابنة المختار، المولود في البيت ذي الأستار...'

[في بحار الأنوار 374:100 عن المزارين، والإقبال: 608، ومصباح الزائر: 106، والمزار الكبير "لابن المشهدي": 267 و 271 "مخطوط".]

وفي زيارة لأمير المؤمنين عليه السلام اُخرى مطلقة، ذكرها السيّد ابن طاوس في "مصباح الزائر" أوّلها بعد التكبيرات الأربع والثلاثين: 'سلامُ اللَّه وسلامُ ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وعباده المخلصين'، ما لفظه: 'السلام على المولود في الكعبة، المزوّج في السماء'

[مصباح الزائر: 106، وبحار الأنوار 301:100-302 عنه.]

لقد علم النياقد الباحثون أنّ المغزى من إنشاء ألفاظ الزيارات المخصوصة منها والمطلقة، وتلاوتها في المشاهد المقدّسة، حيث المحاشد والمجتمعات العامّة، ليس إلّا الإشارة بذكر أئمّة الدين، والتنويه بفضائلهم، والتذكير بمزاياهم، وإشهار أمرهم، وإحياء ذكرهم.

وإنّما أنهوها إلى الشيعة لتتلوها آناء الليل وأطراف النهار في المواسم، وبين زَرافات المترادفين إلى مراقد أئمّة الدين عليهم السلام، فيقف مَن يتلوها أو يسمعها على مقامهم الرفيع، ومحلّهم من الشرف، ومتبوّءهم من الخطر، فتُخبتَ قلبوهم، وتثلج صدورهم، ويلفت النائي عنهم إلى ما حووه من المجد المؤثّل

[تأثّل لشي ء: تأصّل وتعظّنم. القاموس المحيط- أثل- 337:3.]، والكرامة على اللَّه، والزّلفة منه، فتكون فيها دعايةٌ إلى ولائهم، واحتجاجٌ لإمامتهم، وإصحار

[أصحر بالأمر: أظهره. أساس البلاغة- صحر-: 249.] بتقدّمهم للأمر، وهداية إليهم، وإرشاد إلى سلوك خطّتهم.

فهل يكون ذلك كلّه إلّا بسرد ما هو المشهور الدائر بين حَمَلَة الحديث المقبول لدى الأُمّة جمعاء، المطّرد عند أهل السير والأثريين.

ولو عداه ذلك لكان غميزةً في أئمّة الهدى بالتعليم بالسّفاسف، وفي شيعتهم بالتبجّح بالواهيات، وفي المذهب بابتنائه على شفا جُرفٍ هارٍ.

وممّا يقرّب من هذا نظمُ السيّد الحميري، المتوفّى سنة "179 ه" كما نصّ به القاضيّ التستريّ في "المجالس" ذلك، على ما جاء في "المناقب" لابن شهر آشوب، وابن الفتّال الشهيد في "روضة الواعظين" قال:

وَلَدَتهُ في حرم الإله وأمنهِ++

والبيت حيثُ فناؤه والمسجدُ

بيضاءُ طاهرةُ الثياب كريمةٌ++

طابَتْ وطابَ وليدُها والمولدُ

في ليلةٍ غابَت نحوسُ نُجومها++

وبَدَتْ مع القمرِ المنيرِ الأسْعُدُ

ما لُفّ في خِرَقِ القوابلِ مثلُهُ++

إلّا ابنُ آمنةَ النبيِّ محمّدُ

[مناقب ابن شهر آشوب 175:2، وروضة الواعظين: 81، وأعيان الشيعة 324:1.]

وله:

طِبْتَ كَهْلاً وغُلاماً++

ورَضيعاً وجَنينا

ولدى المِياقِ طِيناً++

يومَ كانَ الخَلْقُ طِينا

وببَطْنِ البيتِ ومولُو++

داً وفي الرَمْلِ دَفينا

كنتَ مأمُوناً وَجيهاً++

عندَ ذي العرش مَكينا

في حِجابِ النُور طُهْراً

[في المناقب: حياً.]++

طَيّباً للطاهِرينا

عندَ ساق العَرْش مَعْ ط++

-ه تؤمُّ الساجِدينا

[مناقب ابن شهر آشوب 176:2.]

فلم يكن التنويهُ بمثل هذه المأثرة الجليلة في القرن الثاني من مثل السيّد الحميريّ الذي كان يسيرُ بشعره الركبانُ، إلّا بعد ما نالتْ من الشهرة والثبوت حظوةً وافيةً، فإنّه في جهاده ونضاله مع أعداء أهل بيت الوحي بحجاجه المتواصل، ونظمه البديع، لم يكن بالذي يفضحُ نفسه، ولا الذي كان يصبو إلى ولائهم بالتشبّث بالواهيات، أو ما لا تعرفه الناس، أو لا تعترف به.

فما كان يُصْحِرُ به يجبُ في شريعة المناظرة أن يكون حقيقةً ثابتةً لدى مناوئيه في الانضواء إلى عترة الوحي وسُلالة النبوّة، وهم السواد الأعظم يومذاك، ملأوا الفضاء صخباً وطنيناً في الانحياز عن أُولئك الأئمّة، وكانوا ينكرون ما يسعهم إنكاره من فضائلهم غير ما تضافر به النقلُ، وتواترت الأسانيدُ في نقله.

فلم يدع بقوّته لهم مُنتدَحاً لدحضه، وما كانت الشيعة يومئذٍ تحتجّ عليهم إلّا بما هذا سبيله.

ولذلك إنّا نعدّ نظم السيّد الحميريّ هذا أثبت لمفاده من أسانيده متساندة.

وسيوافيك أنّ حديث الولادة هذا كان كما وصفناه في القرون الأُولى، وإن لم يَعُد أن يكون كذلك فيما بعدها وإلى العصر الحاضر.

وممّن نظّم القصّة محمد بن منصور السّرخسي كما في "مناقب ابن شهر آشوب"، وفي شرح نهج البلاغة الموسوم ب "منهاج البراعة" للعلّامة الكبير الحاج ميرزا حبيب الخوئي، قال:

ولدتْهُ منجبةٌ وكان وِلادُها++

في جوف كعبة أفضل الأكنان

[الأكنان: جمع كِنّ وهو ما كنّ وستر من الحر والبرد. مجمع البحرين- كنن- 302:6.]

وسقاه ريقتَهُ النبيُّ ويالها++

من شربةٍ تُغني عن الألبانِ

حتّى ترعرعَ سَيّداً سَنَداً رِضاً++

أسداً شديدَ القلب غيرَ جَبان

عَبَدَ الإلهَ مع النبيّ وإنّهُ++

قد كانَ بعدُ يُعَدّ في الصبيانِ

[مناقب ابن شهر آشوب 175:2، ومنهاج البراعة 218:1.]

وهذا أحدُ الشعراء القدماء من مادحي أهل البيت النبويّ الطاهر قبل القرن السادس.

والقول في نظمه هذه المنقبة الجليلةَ يقربُ ممّا أسمعناكه في شعر السيّد الحميري.

فإنّ صاحب الحجّة لا يستهين الغَميزة فيما يقول، مهما بلغ من الخلاعة وعدم الاكتراث، ورمي القول على عواهنه في المعاني الشعريّة، فإذا كان شعره قصصياً يربو بنفسه عن القذف والرمي بالإفك، فهو لم يَصُغ تلك المدحةَ في قالب الشعر حتّى حسبها كما هيَ كذلك، متضافرةَ الإسناد، موصولة الطُرُقِ، في كلّ جيل، عند المؤالفِ والمخالف.

ويقرُب من هذا ما جاء في دالّيةٍ كبرى علويةٍ، كلّها مديحٌ واحتجاجٌ، لشاعر أهل البيت عليهم السلام، الفاضل البارع علاءِ الدين، الشيخ عليّ الشفهيني، المتوفّى في حدود السبعمائة بالحلّة ودُفن بها، قال:

أمْ هَلْ ترى العالَمينَ بأسرهم++

بَشَراً سِواه ببيت مكّةَ يُولَدُ؟

في ليلةٍ جبريلُ جاءَ بها مع ال++

مَلَك

[في الغدير: مع الملأ.] المقدّس حولَه يتعبّدُ

فلقد علا شَرَفاً بذاك كما بِهِ++

شَرَفاً علا كلَّ

[في الغدير:

فلقد سما مجداً عليٌّ كما علا++

شرفاً به دون البقاع المسجدُ

[أخرج القصيدة كاملة في الغدير 360:6 عن عدّة نسخ خطيّة.]]

وإنّك تراه كيف يترسّل في سرد الفضيلة كما يترسل الإنسان في أيّ حكم ثابت، ويجدّ في القضاء كما يفعله العالم بالقضيّة المحيط بأطرافها وشؤونها، وقد دحر عنها أيّ وصمةٍ تعتريها، أو شائنةٍ تضرب على يده عند الحكم، وتصرف قلبه عن الإخبات بها.

وهل يكون ذلك مع آحاد الأخبار التي لا يعرفها إلّا رواتها؟!

وممّا يدرأ عن الحديث إسفافه إلى صفّ الآحاد ما قاله العلّامة الأكبر ثقة الإسلام النوريّ رواية الأخبار ونيقد السِيَر وعَلَم الإحاطة في "اللؤلؤ والمرجان": 'إنّ هذه الفضيلة الباهرة جاءت في أخبار غير محصورة، ومنصوصٌ بها في كلمات العلماء، وفي ضمن الخطب والأشعار في جميع الأعصار، وهي من خصائص الإمام عليه السلام لم يشاركه فيها نبيّ أو وصيّ، ولا يبعد كونها من ضروريات مذهب الإمامية، ولم تزل الشيعة تفتخر بها'

[اللؤلؤ والمرجان: 163. فارسي.]

ومهما حملنا قوله أ نّها 'جاءت في أخبار غير محصورة' على المبالغة، فإنّ أقلّ مراتبه أن تكون متواترة.

أضف إليها نصوص العلماء والخطباء والشعراء التي أوعزوا إليها، فإنّها لا تقلّ عن أن يكون كلّ منها رواية، فهي معاضدة لذلك التواتر.

أو أنّ منها ينشأ تواتر آخر، بضميمة تواصلها في كلّ العصور كما صرّح به.

وعلى العلّات فإنّ الجميع لا يعدو أن يكون متواتراً، ولمكانها من التحق لم تزل الشيعة تفتخر بها، واحتمل أن تكون من ضروريات مذهبهم.

/ 48