موسوعة الامام علی بن ابی طالب فی الکتاب و السنة و التاریخ جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موسوعة الامام علی بن ابی طالب فی الکتاب و السنة و التاریخ - جلد 1

محمد محمدی ری شهری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


الموازرة على الدعوة


بدأت الدعوة سرّية، وامتدّت شيئاً فشيئاً فهوت إليها أفئدة ثلّة من الناس، إقبالاً منها على تلك الرسالة الحقّة. وكان عليّ عليه السلام أوّل من آمن بها من الرجال، وشهد بنبوّة محمّد صلى الله عليه و آله،

[راجع: القسم العاشر:الخصائص العقائديّة:أوّل من أسلم.] ثمّ تبعه آخرون....

وبعد ثلاث سنين نزلت الآية الكريمة : 'وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ'

[الشعراء: 214.] إيذاناً ببدء الدعوة العلنيّة ابتداء بعشيرة النبيّ الأقربين.

فأمر النبيّ صلى الله عليه و آله عليّاً عليه السلام بإعداد الطعام وإقامة مأدبة خاصّة؛ ليجتمع آل عبدالمطّلب، فيبلّغهم النبيّ صلى الله عليه و آله برسالته، وفي اليوم الأوّل تعذّر عليه ذلك بسبب ضجيج أبي لهب ولغطه، ثمّ أعاده عليهم في غد ذلك اليوم، وبعد فراغهم من الطعام بدأ كلامه بحمداللَّه تعالى وقال:

'إنّ الرائد لا يكذب أهله و...'

و انتهى كلامه، ولم ينهض معلناً عن متابعته ومرافقته صلى الله عليه و آله والإيمان برسالته الإلهيّة إلّا عليّ عليه السلام؛ حيث قام وصدح بذلك، فأجلسه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وتكرّر هذا الموقف في للمرّة الثانية والثالثة، فقال صلى الله عليه و آله:

'اجلس؛ فأنت أخي ووزيري ووصيّي وخليفتي من بعدي'،

وخاطب الحاضرين بقوله:

'إنّ هذا أخي، ووصيّي، وخليفتي عليكم؛ فاسمعوا له وأطيعوه'.

إلّا أنّ ذوي الضمائر السود، والقلوب العليلة، والأبصار العمي، والأسماع الصمّ لم يذعنوا لصوت الحقّ، ولجّوا وكابروا وعتَوا عن الكلام النبويّ، بل إنّهم اتّخذوا أباطالب سخريّاً. لكنّ الحقّ علا، وطار كلامه صلى الله عليه و آله في الآفاق طلقاً من ذلك النطاق الضيّق، ورسخت هذه الحقيقة فضيلةً عظمى إلى جانب فضائله عليه السلام، وتبلور سند متين لإثبات ولايته إلى جانب عشرات الأسانيد الوثائقيّة، وأعلن النبيّ صلى الله عليه و آله عمليّاً وحدة النبوّة والولاية في الاتّجاه والمسير وتلازمها، ودلّ الجميع في اليوم الأوّل من الجهر بدعوته استمرار القيادة وامتدادها بعده، وأودع ذلك ذمّة التاريخ، والمهمّ هو تبيان موقع الكلام النبويّ.

و قال صلى الله عليه و آله كلمته: 'فاسمعوا له وأطيعوه' في وقت كانت قريش قد تصامّت عن سماع كلامه ولم تعره آذانا صاغية، فمن البيّن أنّ هذا الكلام كان للمستقبل وأجياله القادمة ممّن يقرّ بنبوّته صلى الله عليه و آله، ويعتقد بحجّيّة كلامه.

109- الإمام عليّ عليه السلام: لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: 'وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ' دعاني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فقال لي: يا عليّ، إنّ اللَّه أمرني أن اُنذر عشيرتي

الأقربين، فضقتُ بذلك ذرعاً، وعرفت أنّي متى اُباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتُّ عليه حتى جاءني جبرئيل فقال: يا محمّد، إنّك إن لا تفعلْ ما تؤمر به يعذّبك ربّك. فاصنع لنا صاعاً من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عُسّاً

[العُسّ: القدح الكبير "النهاية: 236:3".] من لبن، ثمّ اجمع لي بني أعبدالمطّلب حتى اُكلّمهم واُبلّغهم ما اُمرت به.

ففعلت ما أمرني به، ثمّ دعوتهم له، وهم يومئذٍ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه: أبوطالب وحمزة والعبّاس وأبولهب، فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به، فلمّا وضعته تناول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حِذْيةً

[الحِذْية: أي قطعة. قيل: هي- بالكسر- ما قطع من اللحم طولاً "النهاية: 357:1".] من اللحم، فشقّها بأسنانه، ثمّ ألقاها في نواحي الصَّحْفة.

[الصَّحْفَة: إناء كالقَصْعة المبسوطة ونحوها "النهاية: 13:3".]

ثمّ قال: خذوابسم اللَّه، فأكل القوم حتى ما لهم بشي ء حاجة وما أرى إلّا موضع أيديهم، وايم اللَّه الذي نفس عليّ بيده، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمتُ لجميعهم.

ثمّ قال: اسقِ القوم، فجئتهم بذلك العسّ، فشربوا منه حتى رووا منه جميعاً، وايم اللَّه إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلمّا أراد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن يكلّمهم بدره أبولهب إلى الكلام، فقال: لَهَدّ

[لَهَدّ: كلمة يُتعجّب بها "النهاية: 250:5".] ما سحركم صاحبكم! فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقال: الغدُ يا عليّ، إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول، فتفرّق القوم قبل أن اُكلّمهم، فعُدْ لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثمّ اجمعهم إليّ.

قال: ففعلت، ثمّ جمعتهم ثمّ دعاني بالطعام فقرّبته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما لهم بشي ء حاجة.

ثمّ قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العسّ، فشربوا حتى رووا منه جميعاً، ثمّ تكلّم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقال: يا بني أعبدالمطّلب! إنّي واللَّه ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به؛ إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللَّه تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت:... أنا يا نبيّ اللَّه، أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع. تاريخ الطبري: 319:2 تا 321، تاريخ دمشق: 8381:48:42، تفسيرالطبري: 11:الجزء121:19، شرح نهج البلاغة: 210:13، شواهد التنزيل: 514:486:1 كلّها عن أعبداللَّه بن عبّاس و ص 580:543 عن البراء من دون إسناد إلى المعصوم نحوه، الكامل في التاريخ: 487:1، كنز العمّال: 36419:131:13 و ص 36371:114؛ الأمالي للطوسي: 1206:582 عن أعبداللَّه بن عبّاس وفيه 'ووزيري' بعد 'وصيّي'، تفسير فرات: 306:301 و ص 404:299 عن جعفر بن محمّد بن أحمد بن يوسف، مجمع البيان: 322:7 عن البراء بن عازب وكلاهما نحوه، بحارالأنوار: 24:223:38 وراجع السيرة الحلبيّة: 285:1 وتفسير القمّي: 124:2 والإرشاد: 48:1.@.

110- عنه عليه السلام: لمّا نزلت: 'وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ'... دعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بني أعبدالمطّلب وهم إذ ذاك أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً، فقال: أيّكم يكون أخي ووصيّي ووارثي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي؟ فعرض عليهم ذلك رجلاً رجلاً، كلّهم يأبى ذلك، حتى أتى عليَّ، فقلت: أنا يا رسول اللَّه، فقال: يا بني أعبدالمطّلب! هذا أخي ووارثي ووصيّي ووزيري

وخليفتي فيكم بعدي.

[علل الشرائع: 2:170 عن أعبداللَّه بن الحارث بن نوفل وراجع كنز العمّال: 36371:114:13.]

111 - شرح نهج البلاغة عن أبي جعفر الإسكافي: قد روي في الخبر الصحيح أنّه صلى الله عليه و آله كلّفه عليه السلام في مبدأ الدعوة قبل ظهور كلمة الإسلام وانتشارها بمكّة أن يصنع له طعاماً، وأن يدعو له بني أعبدالمطّلب، فصنع له الطعام، ودعاهم له، فخرجوا ذلك اليوم، ولم ينذرهم صلى الله عليه و آله؛ لكلمة قالها عمّه أبولهب، فكلّفه في اليوم الثاني أن يصنع مثل ذلك الطعام، وأن يدعوهم ثانية، فصنعه، ودعاهم فأكلوا.

ثمّ كلّمهم صلى الله عليه و آله فدعاهم إلى الدين، ودعاه معهم؛ لأ نّه من بني أعبدالمطّلب، ثمّ ضمن لمن يؤازره منهم وينصره على قوله أن يجعله أخاه في الدين، ووصيّه بعد موته، وخليفته من بعده، فأمسكوا كلّهم وأجابه هو وحده، وقال: أنا أنصرك على ما جئت به، واُوازرك واُبايعك، فقال لهم- لمّا رأى منهم الخذلان، ومنه النصر، وشاهد منهم المعصية ومنه الطاعة، وعاين منهم الإباء ومنه الإجابة: هذا أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي، فقاموا يسخرون ويضحكون، ويقولون لأبي طالب: أطِع ابنك؛ فقد أمّره عليك.

[شرح نهج البلاغة: 244:13.]

112- الإرشاد: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله جمع خاصّة أهله وعشيرته في ابتداء الدعوة إلى الإسلام، فعرض عليهم الإيمان، واستنصرهم على أهل الكفر والعدوان، وضمن لهم على ذلك الحظوة في الدنيا، والشرف وثواب الجنان، فلم يجبه أحد منهم إلّا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فنحله بذلك تحقيق الاُخوّة والوزارة والوصيّة والوراثة والخلافة، وأوجب له به الجنّة.

وذلك في حديث الدار، الذي أجمع على صحّته نُقّاد الآثار، حين جمع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بني أعبدالمطّلب في دار أبي طالب، وهم أربعون رجلاً، يومئذٍ يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً فيما ذكره الرواة، وأمر أن يُصنع لهم فخذ شاة مع مُدّ من البُرّ، ويُعَدّ لهم صاعٌ من اللبن، وقد كان الرجل منهم معروفاً بأكل الجذْعة

[الجَذَع: من أسنان الدوابّ؛ وهو ما كان شابّاً فتيّاً "النهاية: 250:1".] في مقام واحد، ويشرب الفَرَق

[الفَرَق: مكيال يسع ستة عشر رِطلاً؛ وهي اثنا عشر مُدّاً "النهاية: 437:3".] من الشراب في ذلك المقام، وأراد عليه السلام بإعداد قليل الطعام والشراب لجماعتهم إظهار الآية لهم في شبعهم وريّهم ممّا كان لا يُشبع الواحد منهم ولا يرويه.

ثمّ أمر بتقديمه لهم، فأكلت الجماعة كلّها من ذلك اليسير حتى تملّؤوا منه، فلم يَبِن ما أكلوه منه وشربوه فيه، فبهرهم بذلك، وبيّن لهم آية نبوّته، وعلامة صدقه ببرهان اللَّه تعالى فيه.

ثمّ قال لهم بعد أن شبعوا من الطعام ورووا من الشراب: يا بني أعبدالمطّلب! إنّ اللَّه بعثني إلى الخلق كافّة، وبعثني إليكم خاصّة، فقال عزّوجلّ: 'وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ' وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الاُمم، وتدخلون بهما الجنّة، وتنجون بهما من النار: شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّي رسول اللَّه، فمن يجبني إلى هذا الأمر ويؤازرني عليه وعلى القيام به، يكن أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي. فلم يجب أحد منهم.

فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: فقمت بين يديه من بينهم... فقلت: أنا- يا رسول اللَّه- اُؤازرك على هذا الأمر، فقال: اجلس، ثمّ أعاد القول على القوم ثانية فاُصمتوا،

وقمت فقلت مثل مقالتي الاُولى،فقال: اجلس. ثمّ أعاد على القوم مقالته ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف، فقلت: أنا اُؤازرك- يا رسول اللَّه- على هذا الأمر، فقال: اجلس؛ فأنت أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي.

فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب: يا أباطالب! لِيَهْنِك اليوم إن دخلت في دين ابن أخيك؛ فقد جعل ابنك أميراً عليك.

[الإرشاد: 48:1، كشف اليقين: 25:47، إعلام الورى: 322:1؛ السيرة الحلبيّة: 286:1.]

نكتة:

جاء في بعض النصوص التاريخيّة والحديثيّة: أنّ نزاعاً وقع بين الإمام أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام والعبّاس بن عبدالمطّلب بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله على إرثه؛ فزعم العبّاس أنّ أموال النبيّ صلى الله عليه و آله له؛ فتحاكما إلى أبي بكر، فخاطب أبوبكر العبّاس مشيراً إلى يوم الدار، وقال:

'أنشدك اللَّه، هل تعلم أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله جمع بني عبدالمطّلب وأولادهم وأنت فيهم، وجمعكم دون قريش فقال: يا بني أعبدالمطّلب! إنّه لم يبعث اللَّه نبيّاً إلّا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووصيّاً وخليفةً في أهله، فمن يقوم منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيّي وخليفتي في أهلي؟... فقام عليّ من بينكم فبايعه على ما شرط له ودعاه إليه. أتعلم هذا له من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟ قال: نعم'.

[تاريخ دمشق: 8382:50:42، شواهد التنزيل: 545:1، نهج الإيمان: 240؛ شرح الأخبار: 50:122:1، الاحتجاج: 43:230:1، الدرجات الرفيعة: 91، بشارة المصطفى: 220.]

حيث يُستشفّ من هذا الخبر أنّ أبابكر كان يعرف قضيّة 'إنذار العشيرة' ويعلم ويعترف بها ويراها حجّةً. وأصل هذه الحادثة وطرح الدعوى بالشكل المذكور يثير التساؤل؛ فالنقطة التي لم يُلْتَفَتْ إليها هي: لماذا رجع الإمام عليه السلام وعمّه العبّاس إلى الخليفة؟ وهل هذا الخلاف صحيح من أساسه؟ فقد كان للنبيّ صلى الله عليه و آله عند وفاته بنت، وزوجات أيضاً، فلا نصيب للعمّ وابن العمّ حتى يدّعيا االإرث... ومن الواضح أنّ أمواله صلى الله عليه و آله تؤول إلى بنته الطاهرة فاطمة الزهراء عليهاالسلام، وبعد استشهادها تنتقل إلى أولادها، فأصل ادّعاء العبّاس بن عبدالمطّلب لا يصحّ، فلِمَ ادّعى ذلك إذن وتحاكم إلى الخليفة؟

نُقل عن أبي رافع أنّ العبّاس قال لأبي بكر بعد كلامه المذكور:

'فما أقعدك مجلسك هذا؟ تقدّمته وتأمّرت عليه! فقال أبوبكر: أغدراً يا بني عبدالمطّلب!'.

[المناقب لابن شهر آشوب: 49:3، المسترشد: 249:577.]

نفهم من هذا النصّ أنّ العبّاس قد افتعل بذكاء هذا الموضوع، ليذكّر أبابكر بمن هو أهل للخلافة، وينبزه بابتزازها. ومثل هذه التصرّفات كانت تنتشر وتشتهر بسرعة لمكانة العبّاس ومنزلته. وهكذا أيضاً كان حوار أعبداللَّه بن عبّاس وعمر بن الخطّاب؛ فقد ذكّر ابن عبّاس عمر بأهليّة الإمام أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام للخلافة، فغضب عمر، وقال:

'إليك يا بن عبّاس! أتريد أن تفعل بي كما فعل أبوك وعليّ مع أبي بكر يوم دخلا عليه؟'.

[تاريخ اليعقوبي: 149:2.]

تحريف التاريخ في قضيّة المؤازرة


إنّ ما أوردناه هو عين ما نقله المؤرّخون، والمحدّثون، والمفسّرون بطرق مختلفة وأسانيد متنوّعة، وسيأتي في الصفحات القادمة،

[ذكر العلّامة الأميني رضوان اللَّه عليه الصور المختلفة لنقل الحادثة في موسوعته الثمينة النفيسة 'الغدير' وناقش أسنادها وما دلّ عليها. والأخبار في ذلك ثابتة راسخة لا تقبل الترديد انظر الغدير: 278:2 تا 289، ويعود ذلك حتماً إلى أنّ أعداء الحقّ تطاولوا على تحريفها، أو أنّهم أكرهوا المؤرّخين على ذلك.] وهو ما ذكره الطبري أيضاً في تاريخه مفصّلاً؛ بيد أنّه في تفسيره بعد أن نقل الرواية بنفس السند الوارد في تاريخه، غيّر فيها فقال: 'على أن يكون أخي وكذا وكذا' بدل 'على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم'، وأباح لنفسه تحريف الكلام النبوي وهو يواصل كلامه، فقال: 'إنّ هذا أخي وكذا وكذا فاسمعوا له وأطيعوه' مكان 'إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؛ فاسمعوا له وأطيعوه'!

[تفسير الطبري: 11:الجزء 122:19.]

ومن الطبيعي أن يكون نقل الطبري مثاراً للتساؤل ومدعاه للتأسّف! والتأمّل فيه يدلّ على أنّه كان مُكرَهاً متحكّماً فيه، وإلّا فماذا يعني قوله: 'إن هذا أخي وكذا وكذا، فاسمعوا له...'؟! علماً أنّ قوله: 'فاسمعوا له وأطيعوه' ينطوي على مكنون سرّ يُشعر بحذفٍ لروح الكلام ولبابه!

وقد حذا ابن كثير حذو الطبري أيضاً، فنقل ذلك في تفسيره، وتاريخه، وسيرته النبويّة بالنحو الذي أورده الطبري في تفسيره؛ أي بشكله المقطّع، وهذا ما يُثير الدهشة والعجب، إذ إنّ 'تاريخ الطبري' أهمّ مصدر ومرجع اعتمد عليه ابن كثير في 'البداية والنهاية'.

[البداية والنهاية: 40:3، تفسير ابن كثير: 180:6، السيرة النبويّة لابن كثير: 459:1.]

و ذكر الكاتب المصري محمّد حسين هيكل تلك الحادثة في الطبعة الاُولى من كتابه 'حياة محمّد'، مع حذف لمواضع منها، لكنّه حذف الخبر كلّه في الطبعة الثانية وما تلاها من طبعات!

[حياة محمّد الطبعة الاُولى: 104 وقارنه مع الطبعة الثانية: 142.]

و حاول ابن تيميّة أيضاً أن يطعن في السند، وأحياناً في المتن، وامترى في أصل الحادثة، وقد رُدَّ عليه بأجوبة مفصّلة.

[تناول العلّامة المظفّر، والاستاذ السيّد جعفر مرتضى العاملي هذا الموضوع مفصّلاً. انظر دلائل الصدق: 234:2 فما بعدها، والصحيح من سيرة النبيّ: 65:3.]

/ 30