حیاة امیرالمؤمنین عن لسانه جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حیاة امیرالمؤمنین عن لسانه - جلد 1

محمد محمدیان تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فلمّا رأيت راجعة من الناس قد رجعت عن الإسلام تدعوا إلى محو دين محمّدٍ وملّة إبراهيم عليهماالسلام خشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أرى فيه ثلماً وهدماً تكون المصيبة عليّ فيه أعظم من فوت ولاية أُموركم التي إنما هي متاع أيّامٍ قلائل، ثمّ تزول وتنقشع كما يزول وينقشع السحاب، فنهضت مع القوم في تلك الأحداث حتّى زهق الباطل، وكانت كلمة اللَّه هي العليا وإن رغم الكافرون.

ولقد كان سعدٌ لمّا رأى الناس يبايعون أبا بكر، نادى أيّها الناس إنّي واللَّه ما أردتها حتّى رأيتكم تصرفونها عن عليّ، ولا أُبايعكم حتى يبايع علي، ولعلّي لا أفعل وإن بايع. ثمّ ركب دابته وأتى حوران وأقام في خانٍ حتى هلك ولم يبايع. وقام فروة بن عمرو الأنصاري، وكان يقود مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فرسين، ويصرم ألف وسق من ثمر فيتصدّق به على المساكين فنادى: يامعشر قريشٍ أخبروني هل فيكم رجلٌ تحل له الخلافة وفيه ما في عليّ؟ فقال قيس بن مخرمة الزهري: ليس فينا من فيه ما في عليّ. فقال: صدقت، فهل في عليّ ماليس في أحدٍ منكم؟ قال: نعم. قال: فما صدّكم عنه؟ قال: اجتماع الناس على أبي بكر. قال: أما واللَّه لئن أصبتم سنّتكم لقد أخطأتم سنّة نبيّكم، ولو جعلتموها في أهل بيت نبيّكم لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم.

فولّي أبو بكر فقارب واقتصد، فصحبته مناصحاً وأطعته فيما أطاع اللَّه فيه جاهداً حتى إذا احتضر قلت في نفسي: ليس يعدل بهذا الأمر عنّي، ولولا خاصّةٌ بينه وبين عمر، وأمرٌ كانا رضياه بينهما لظننت أنّه لا يعدله عنّي، وقد سمع قول النبيّ صلى الله عليه و آله لبريدة الأسلميّ حين بعثني وخالد بن

الوليد إلى اليمن، وقال: إذا افترقتما فكلّ واحدٍ منكما على حياله ز

[ أي على إنفراده: أي في صورة الانفراد كل واحد منكم أمير على جنده.]

وإذا اجتمعتما فعليٌ عليكم جميعاً فغزونا وأصبنا سبياً فيهم خولة بنت جعفر جارِ الصفا، فأخذت الحنفيّة خولة، واغتنمها خالدٌ منّي، وبعث بريدة إلى رسول اللَّه محرّشاً

[ التحريش: الاغراء بين القوم والفساد بينهم بالسعاية والنميمة.]

عليَّ، فأخبره بما كان من أخذي خولة فقال: 'يابريدة حظّه في الخمس أكثر ممّا أخذ، إنّه وليكم بعدي'. سمعها أبو بكرٍ وعمر، وهذا بريدة حي لم يمت، فهل بعد هذا مقالٌ لقائل؟!!

فبايع عمر دون المشورة، فكان مرضي السّيرة من الناس عندهم، حتّى إذا احتضر قلت في نفسي: ليس يعدل بهذا الأمر عنّي للذّي قد رآى منّي في المواطن، وسمع من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فجعلني سادس ستّة وأمر صهيباً أن يُصلّي بالناس،ودعا أبا طلحة زيد بن سعد الأنصاري فقال له: كُن في خمسين رجلاً من قومك فاقتل من أبى أن يرضى من هؤلاء الستّة.

فالعجب من اختلاق

[ وفي بعض النسخ: 'فالعجب من خلاف القوم'.]

القوم،إذ زعموا أنّ أبا بكر استخلفه النبي صلى الله عليه و آله، فلو كان هذا حقّاً لم يخف على الأنصار، فبايعه الناس على شورى، ثمّ جعلها أبو بكر لعمر برأيه خاصّة، ثم جعلها عمر برأيه شورى بين ستّةٍ، فهذا العجب من اختلافهم، والدّليل على ما لا أُحب أن أذكره قوله:

'هؤلاء الرّهط الّذين قُبض رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وهو عنهم راض'. فكيف يأمر بقتل قوم رضى اللَّه عنهم ورسوله، إنّ هذا لأمر عجيبٌ، ولم يكونوا لولاية أحدٍ منهم أكره منهم لولايتي، كانوا يسمعون وأنا أُحاج أبا بكرٍ وأقول: يامعشر قريش أنا أحقّ بهذا الأمر منكم، ما كان منكم من يقرأ القرآن

ويعرف السنّة ويدين بدين اللَّه الحقّ؟ وإنّما حجّتي أنّي وليّ هذا الأمر من دون قريش، إنّ نبيّ اللَّه صلى الله عليه و آله، قال: 'الولاء لمن اعتق' فجاء رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعتق الرقاب من النار وأعتقها من الرّق، فكان للنبيّ صلى الله عليه و آله، ولاءُ هذه الأُمة، وكان لي بعده ما كان له، فما جاز لقريش من فضلها عليها بالنبيّ صلى الله عليه و آله جاز لبني هاشم على قريش، وجاز لي على بني هاشم بقول النبيّ صلى الله عليه و آله يوم غدير خمّ: 'من كنت مولاه فعليّ مولاه' إلّا أن تدّعي قريش فضلها على العرب بغير النبيّ صلى الله عليه و آله، فإن شاءوا فليقولوا ذلك.

فخشي القوم إن أنا ولّيت عليهم أن آخذ بأنفاسهم وأعترض في حلوقهم ولا يكون لهم في الأمر نصيبٌ، فأجمعوا عليّ إجماع رجلٍ واحد منهم حتّى صرفوا الولاية عنّي إلى عثمان رجاء أن ينالوها ويتداولوها في ما بينهم، فبيناهم كذلك إذ نادى منادٍ لا يُدرى من هو فأسمع أهل المدينة ليلة بايعوا عثمان فقال:

ياناعي الإسلام قم فانعه

قد مات عُرفٌ وبدا منكرٌ

مالقريش لا على كعبها

من قدّموا اليوم ومن أخّروا

إنّ عليّاً هو أولى به

منه فولّوه ولا تُنكروا

فدعوني إلى بيعة عثمان، فبايعت مستكرهاً وصبرت محتسباً، وعلّمت أهل القنوط أن يقولوا: اللّهمّ لك أخلصت القلوب، وإليك شخصت الأبصار، وأنت دُعيت بالألسن، وإليك تحوكم في الأعمال، فافتح بيننا وبين قومنا بالحق. اللّهمّ إنّا نشكوا إليك غيبة نبيّنا وكثرة عدوّنا، وقلّة عددنا، وهواننا على الناس، وشدّة الزمان ووقوع الفتن بنا، اللّهمّ ففرّج ذلك بعدلٍ تُظهره وسلطان حقّ تعرفه.

فقال عبدالرحمن بن عوفٍ: يابن أبي طالب إنك على هذا الأمر

لحريصٌ، فقلت: لست عليه حريصاً وإنّما أطلب ميراث رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وحقّه وأنّ ولاء أُمّته لي من بعده، وأنتم أحرص عليه منّي إذ تحولون بيني وبينه وتصرفون وجهي دونه بالسيف.

اللّهمّ إنّي أستعديك على قريش فإنّهم قطعوا رحمي وأضاعوا أيامي ودفعوا حقّي وصغّروا قدري وعظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي حقّاً كُنت أولى به منهم فاستلبونيه، ثمّ قالوا: اصبر مغموماً أو مت متأسّفاً، وأيمُ اللَّه لو استطاعوا أن يدفعوا قرابتي كما قطعوا سببي فعلوا ولكنّهم لن يجدوا إلى ذلك سبيلاً.

وإنّما حقّي على هذه الأُمّة كرجل له حقٌ على قومٍ إلى أجلٍ معلومٍ، فإن أحسنوا وعجّلوا له حقّه قبله حامداً، وإن أخّروه إلى أجله أخذه غير حامدٍ، وليس يعاب المرء بتأخير حقّه، إنّما يعاب من أخذ ما ليس له، وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عهد إليّ عهداً فقال: 'يابن أبي طالبٍ لك ولاءُ اُمّتي فإن ولّوك في عافيةٍ وأجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، وإن اختلفوا عليك فدعهم وماهم فيه فإنّ اللَّه سيجعل لك مخرجاً'.

فنظرت فإذا ليس لي رافدٌ

[ الرافد: المعين والمساعد.]

ولا معي مساعدٌ إلّا أهل بيتي فضننت

[ ضننت بهم: بخلت بهم واحتفظت عليهم.]

بهم عن الهلاك، ولو كان لي بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عمّي حمزة وأخي جعفر لم اُبايع كرهاً، ولكنّي بُليت برجلين حديثي عهدٍ بالإسلام، العباّس وعقيلٍ، فضننت بأهل بيتي عن الهلاك، فأغضيت عيني على القذى،

[ الإغضاء: غمض جفني العين وتطبيقهما حتى لا يرى شيئاً، والقذى: ما يقع في العين من تبن ونحوه.]

وتجرّعت ريقي على الشّجى،

[ الشجى: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه.]

وصبرت على أمرّ من العلقم،

[ العلقم: شجر مرّ بالغ المرارة ويطلقه العرب على كلّ مرّ.]

وآلم

للقلب من حزّ الشّفار

[ الحزّ: الوجع والألم. الشفّار: السكاكين العظيمة العريضة.]

وأمّا أمر عثمان فكأنّه علم من القرون الاُولى علمها عند ربّي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى، خذله أهل بدر، وقتله أهل مصر، واللَّه ما أمرت ولا نهيت، ولو أنّني أمرت كنت قاتلاً، ولو أنّني نهيت كُنت ناصراً، وكان الأمر لا ينفع فيه العيان، ولا يشفي منه الخبر، غير أنّ من نصره لا يستطيع أن يقول هو: 'خذله من أنا خيرٌ منه' ولا يستطيع من خذله أن يقول: 'نصره من هو خيرٌ منّي'. وأنا جامعٌ أمره: إستأثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، واللَّه يحكم بينكم وبينه، واللَّه ما يلزمني في دم عثمان تهمة، ما كنت إلّا رجلاً من المسلمين المهاجرين في بيتي.

فلما قتلتموه أتيتموني تبايعوني، فأبيت عليكم وأبيتم عليّ، فقبضت يدي فبسطتموها، وبسطتها فمددتموها، ثم تداككتم

[ التداك والتداكك: التدافع الذي يقع بين المتزاحمين الواردين على شي ء واحد.]

عليَّ تداك الإبل الهيم

[ الهيم: العطاش.]

على حياضها يوم ورودها، حتّى ظننت أنّكم قاتلي وأن بعضكم قاتل بعضٍ، حتى انقطعت النّعل، وسقط الرّداء، ووطى ء الضعيف، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إيّاي أن حمل إليها الصغير وهدج

[ هدج- هدجاً: مشى في ارتعاش.]

إليها الكبير وتحامل

[ تحامل إلى الأمر: تكلفه على مشقّة.]

إليها العليل وحسرت

[ الحسر: الكشف.]

لها الكعاب

[ الكعاب: كل مفصل للعظام ويراد منه هنا: الركبة أو الساق.]

فقالوا: بايعنا على ما بويع عليه أبو بكر وعمر، فإنّا لا نجد غيرك ولا نرضى إلى بك، بايعنا لا نفترق ولا نختلف، فبايعتكم على كتاب اللَّه وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله، دعوت الناس إلى بيعتي فمن بايعني طائعاً قبلت منه،

ومن أبى تركته، فكان أوّل من بايعني طلحة والزبير...'.

كشف المحجّة للسيّد بن طاووس، الفصل 155 ص 235، الامامة والسيّاسة ص 174، انساب الأشراف ج 1 ص 400، الغارات للثقفي ص 199، المسترشد للطبري ص 77، معادن الحكمة لعلم الهدى ج 1 ص 33، بحار الانوار ج 30 ص 7.

فعلوا ذلك وأنا برسول اللَّه مشغول

من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام في جواب اليهودي الّذي سأل عمّا فيه من خصال الأوصياء وفيما امتحنه اللَّه به، وبيانه عليه السلام وقائع ما بعد رحيل النبيّ صلى الله عليه و آله.

فقال عليه السلام:

'وأمّا الثانية ياأخا اليهود فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أمّرني في حياته على جميع أُمّته، وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لأمري، وأمرهم أن يُبلّغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدّي إليهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أمره إذا حضرته والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته،لا تختلج في نفسي مُنازعة أحدٍ من الخلق لي في شي ء من الأمر في حياة النبي صلى الله عليه و آله ولا بعد وفاته، ثمّ أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بتوجيه الجيش الّذي وجّهه مع اُسامة بن زيد عند الّذي أحدث اللَّه به من المرض الّذي توفّاه فيه، فلم يدع النبي صلى الله عليه و آله أحداً من أفناء

[ أفناء الناس هم الّذين لم يعلم ممّن هم. والواحدة: فنو: وفي بعض النسخ 'أبناء العرب'.]

العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ممّن يخاف على نقضه ومنازعته ولا أحداً ممّن يراني بعين البغضاء ممّن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلّا وجّهه في ذلك الجيش، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم والمؤلّفة قلوبهم والمنافقين، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته،

ولئلا يقول قائل شيئاً ممّا أكرهه، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيّته من بعده، ثمّ كان آخر ما تكلّم به في شي ءٍ من أمر اُمّته أن يمضي جيش اُسامة ولا يتخلّف عنه أحدٌ ممّن أنهض معه، وتقدّم في ذلك أشدّ التقدّم وأوعز فيه أبلغ الإيعاز

[ أوعز إليه في كذا: تقدّم.]

وأكّد فيه أكثر التأكيد، فلم أشعر بعد أن قبض النبي صلى الله عليه و آله إلّا برجال من بعث أُسامة بن زيد وأهل عسكر قد تركوا مراكزهم، وأخلوا مواضعهم وخالفوا أمر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيما أنهضهم له وأمرهم به وتقدّم إليهم من ملازمة أميرهم والسّير معه تحت لوائه حتّى ينفذ لوجهه الّذي أنفذه إليه، فخلّفوا أميرهم مقيماً في عسكره وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضاً

[ ركض: عدا مسرعاً.]

إلى حلّ عقدة عقدها اللَّه عزّ وجلّ لي ورسوله صلى الله عليه و آله في أعناقهم فحلّوها، وعهد عاهدوا اللَّه ورسوله فنكثوه، وعقدوا لأنفسهم عقداً ضجّت به أصواتهم واختصّت به آراؤهم من غير مُناظرة لأحدٍ منّا بني عبدالمطلب أو مشاركةٍ في رأي أو استقالة

[ استقاله البيعة: طلب منه ان يحلّها.]

لما في أعناقهم من بيعتي، فعلوا ذلك وأنا برسول اللَّه صلى الله عليه و آله مشغول وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود،

[ أي: مصروف وممنوع.]

فإنّه كان أهمّها وأحقّ ما بدى ء به منها، فكان هذا يا أخا اليهود أقرح

[ قرحه: جرحه.]

ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزّية وفاجع المصيبة، وفقد من لا خلف منه إلّا اللَّه تبارك وتعالى، فصبرت عليها إذا أتت بعد أُختها على تقاربها وسرعة اتّصالها'.

ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أميرالمؤمنين

فقال عليه السلام: 'وأما الثالثة ياأخا اليهود فإنّ القائم بعد النبي صلى الله عليه و آله كان يلقاني معتذراً في كلّ أيّامه ويلوم غيره ما ارتكبه من أخذ حقّي ونقض بيعتي، ويسألني تحليله، فكنت أقول: تنقضي أيّامه ثمّ يرجع إليّ حقّي الّذي جعله اللَّه لي عفواً

[ العفو: السهل المتيسر.]

هنيئاً من غير أن اُحدث في الاسلام مع حدوثه وقرب عهده بالجاهليّة حدثاً في طلب حقّي بمنازعة، لعلّ فلاناً يقول فيها: نعم وفلاناً يقول: لا، فيؤول ذلك من القول إلى الفعل، وجماعة من خواص أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله أعرفهم بالنصح للَّه ولرسوله ولكتابه ودينه الإسلام يأتوني عوداً وبدءاً

[ يقال: رجع عوداً على بدء أي: لم يتم ذهابه حتى وصله برجوعه.]

وعلانية وسراً فيدعوني إلى أخذ حقّي ويبذلون أنفسهم في نصرتي ليؤدّوا إليّ بذلك بيعتي في أعناقهم، فأقول: رويداً وصبراً قليلاً لعل اللَّه يأتيني بذلك عفواً بلا منازعة ولا إراقة الدّماء فقد ارتاب كثير من الناس بعد وفاة النبي وطمع في الأمر بعده من ليس له بأهل، فقال كلّ قوم: منّا أميرٌ! وما طمع القائلون في ذلك إلّا لتناول غيري الأمر، فلّما دنت وفاة القائم،

[ أي: القائم بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يعني: أبا بكر.]

وانقضت أيّامه صيّر الأمر بعده لصاحبه فكانت هذه اُخت أُختها، ومحلّها منّي مثل محلّها، وأخذا منّي ما جعله اللَّه لي، فاجتمع إليّ من أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله ممّن مضى وممّن بقي ممّن أخّره اللَّه من اجتمع فقالوا لي فيها مثل الّذي قالوا في أُختها، فلم يعد قولي الثاني قولي الأوّل صبراً واحتساباً ويقيناً وإشفاقاً من أن تفنى عصبةٌ تألّفهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله باللّينِ مرّة وبالشدّة أُخرى بالنّذر مرّة وبالسيف أخرى، حتّى لقد كان من تألّفه لهم أن كان الناس في الكرّ والفرّ والشبع والريّ واللباس والوطاء

والدثار، ونحن أهل بيت محمّد صلى الله عليه و آله لا سقوف لبيوتنا ولا أبواب ولا ستور إلّا الجرائد وما أشبهها، ولا وطاء

[ الوطاء: خلاف الغطاء، أي: ما تفترشه.]

لنا ولا دثار

[ الدثار: الثوب الذي يستدفأ به من فوق الشعار، وما يتغطى به النائم.]

علينا، يتداول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا، ونطوي الليالي والأيّام جوعاً عامّتنا، وربّما أتانا الشي ء ممّا أفاءه اللَّه علينا وصيّره لنا خاصّة دون غيرنا ونحن على ما وصفت من حالنا فيؤثر به رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أرباب النعم والأموال تألّفاً منه لهم، فكنت أحقّ من لم يُفرّق هذه العصبة التي ألّفها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولم يحملها على الخطّة

[ الخطّة: الأمر المشكل الذي لا يهتدي إليه.]

التي لا خلاص لها منها دون بلوغها أو فناء آجالها، لأني لو نصبت نفسي فدعوتهم إلى نصرتي كانوا منّي وفي أمري على إحدى منزلتين: إمّا متبع مقاتل وإمّا مقتول إن لم يتّبع الجميع، وإمّا خاذلٌ يكفر بخذلانه إن قصّر في نُصرتي أو أمسك عن طاعتي، وقد علم اللَّه أنّي منه

[ أي: من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.]

بمنزلة هارون من موسى، يحلُّ به في مخالفتي والإمساك عن نصرتي ما أحلّ قومُ موسى بأنفسهم في مخالفة هارون وترك طاعته، ورأيت تجرّع الغصص وردّ أنفاس الصعداء ولزوم الصبر حتى يفتح اللَّه أو يقضي بما أحبّ أزيد

[ مفعول رأيت.]

لي في حظّي وأرفق بالعصابة التي وصفت أمرهم 'وكان أمر اللَّه قدراً مقدوراً'،

[ الاحزاب: 38.]

ولو لم أتق هذه الحالة- يأخا اليهود- ثمّ طلبت حقّي لكنت أولى ممّن طلبه لعلم من مضى من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ومن بحضرتك منهم بأنّي كنت أكثر عدداً وأعزّ عشيرة وأمنع رجالاً وأطوع أمراً وأوضح حجّة وأكثر في هذا الدين مناقب

وآثاراً لسوابقي وقرابتي ووراثتي فضلاً عن استحقاقي ذلك بالوصيّة التي لا مخرج للعباد منها، والبيعة المتقدّمة في أعناقهم ممّن تناولها، ولقد قُبض محمّد صلى الله عليه و آله وإن ولاية الاُمّة في يده وفي بيته لا في يد الاُولى

[ أولاء وأولى: اسم موصول، يعني: يد الّذين تناولوها.]

تناولوها ولا في بيوتهم، ولأهل بيته الّذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً أولى بالأمر من بعده من غيرهم في جميع الخصال'.

ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟

قالوا: بلى ياأميرالمؤمنين.

فقال عليه السلام:

'وأما الرابعة ياأخا اليهود فإن القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الاُمور فيصدرها عن أمري ويُناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحداً ولا يعلمه أصحابي يُناظره في ذلك غيري، ولا يطمع في الأمر بعده سواي، فلّما ان أتته منيته على فجأة بلا مرض كان قبله ولا أمر كان أمضاه في صحّة من بدنه لم أشك أنّي قد استرجعت حقّي

[ قال العلّامة المجلسي: أمثال هذا الكلام انّما صدر عنه عليه السلام بناء على ظاهر الأمر، مع قطع النظر عما كان يعلمه باخبار اللَّه ورسوله. وحاصل الكلام أنّ حق المقام كان يقتضي أن لا يشك في ذلك.]

في عافية بالمنزلة التي كُنت أطلبها، والعاقبة التي كنت ألتمسها وإن اللَّه سيأتي بذلك على أحسن ما رجوت وأفضل ما أمّلت، فكان من فعله أن ختم أمره بأن سمّى قوماً أنا سادسهم ولم يستوني بواحدٍ منهم ولا ذكر لي حالاً في وراثة الرّسول ولا قرابة ولا صهر ولا نسبٍ، ولا لواحدٍ منهم مثل سابقةٍ من سوابقي ولا أثر من آثاري وصيّرها شورى بيننا وصيّر ابنه فيها حاكماً علينا! وأمره أن يضرب أعناق النفر الستّة الذين صيّر الأمر فيهم إن

/ 33