زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) - نسخه متنی

ام الحسنین البغدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


فيدبروا الذين لم يفوزوا بهذا الشرف العظيم بعد ما ابدوا ما استطاعوا من تبجحهم، بأنهم المجاهدون في سبيل الاسلام، و لهم نصيب من السجايا التي يظنونها تكبّرهم و تجللهم امام بنت المصطفى.. فترفع و لو بجزء من شأنهم، لانه الطريق الى قلب كل امرأة و بالخصوص لمثل الزهراء.. ناهيك عن عروض المال و الثروات التي يظنونها باعثا من بواعث السعادة والنعيم والتمتع بالحياة لدى اغلب النساء، لانها لا تبغي الا عُشاً دافئاً يحتضنها و يرعاها بعيش رغيد.

لكن الزهراء ما كانت تريد هذا و لا ذاك.

.. نعم هذه هي كانت احلام من تقدم الى خطبة زهراء الرسول، لكن الريح عصفت بتلك التخيلات والاحلام و صيرتها هباءاً.

انه حلم جميل كانت اجفانهم تغفوا عليه استئناساً منهم بلحظة السعادة التي يتوقون الى نيلها.

في حين آخر تسمع همس و دمدمة الالسن مبهوته (من يا ترى الذي سيكون سعيد الحظ دنيا و آخرة فيصاهر النبي)؟!

من هو كفؤ البتول


.. و ما كان جواب الرسول بعد الان لمن يتقدم خاطباً الا ان يقول:

- (اني انتظر بها القضاء): اي قضاء اللَّه سبحانه و تعالى.

.. لكن دمدمة الالسن و همسها، والتساؤل الذي عم ارجاء المسجد لم يدم طويلاً، فمن الحاضرين من انبرى بصوت ثاقب، اذ يُعرب عن حدسه قائلاً:

- ادخرها لعلي بن ابي طالب؟!

- ماذا تقول؟!!

.. و تعالى غوغاء صاخب، فألتفت الرجل مرة اُخرى و قد مالت قسماته الى

جديته في الموضوع اذ يؤكد:

- اجل، اجل، يا قوم هو كذلك، إدخرها لابن ابي طالب.

فرد عليه شيخ مشيب و بصوته الضعيف، قال:

- هذا حق يا عمر. هذا ما كنت اظن به انا ايضاً.

.. فألتفت عمر لصاحبه و قال:

- و ماذا تنتظر يا ابابكر، هلم بنا نذهب اليه.

- حباً و كرامة هيا بنا على بركة اللَّه و هُداه.

.. سار الرجلان بخطى سريعة.. كانت الشمس ملتهبة الحرارة في تلك الظهيرة.

و من على مسافة يتراءى للرجلين شكل علي، و هو يعمل بجد و نشاط في سقي النخيلات.. فلما وصلا قهقها بجذل وربت احدهما على كتف الآخر ليصيحا:

هو ذا علي.

و بصوت ثاقب جهير قال عمر:

- يا علي يا بن ابي طالب- باللَّه عليك اترك ما عند واقبل الينا.

.. تقدم الشاب الوسيم الطلعة و الروح.. بخطواته المتمثلة بنبيه.. و هو يتصبب عرقاً ذا ريح فغم.. مفتول العضلات، و تبدو على جبينه ثفنات الصلاة التي كبرت معه، و التي بدت و كأنها كواكب تحجب شمس الافق و تسطع دونها.

اجل: ذاك هو علي اول الناس ايماناً، و اول سيف دافع عن الاسلام و فدى نفسه من اجله، و هو صاحب لواء رسول اللَّه في الدينا و الآخرة.

على المعروف ببذل العطايا بما لديه من مال، اذ لم يفكر أن يجمع درهماً على درهم الى يوم تال.. حتى انه في يوم من الايام بلغت ثروته اربعة دراهم.. فسعى حتى ينفقها على ذوي الحاجات.

و خير من خلد صنيعه القرآن الكريم حينما نزلت آية الاحسان كرامة له و رفعة

من رب العالمين فقال فيه جل و علا:

(الذين ينفقون اموالهم بالليل و النهار سراً و علانية)

[البقرة آية 274.]اجل فقد ورثت يداه كرم نبيه و مقتداه.

وها هو الآن يعمل مذ ان دخل المدينة في مزرعة ليهودي، كي يقي نفسه الابية ضيافة احد من الانصار، فكان عند اول خيط للصباح يحمل سقّاءه و يتوجه ليسقي نخيلات حتى تجمل يداه، و تقشر حرارة الشمس جلده ثم ينتهي النهار فيُنقده اجره.

فما كان منه الا ليسارع في ان يدفعها لسائل او محروم او يتيم.. و لا يبالي ان كان يبيت هو على الطوى.

و رغم ينوع شبابه ما كان ابداً يستهويه زهو الشباب، لا بل عاش عابداً زاهداً تقياً في محراب العلم و الايمان؛ يناجي ربه بأبلغ الكلام و اجمل و افصح و ابلغ الدعوات.

.. فها هو عمر و ابابكر جاء اليه يعرضان ما قد اجمع عليه صحابة النبي في امر زواجه من ابنة عمه فابتدرهُ عمر قائلاً:

- السلام عليك يا علي..

فلاعبت شفتاه طيف بسمة، ورد قائلاً:

- و عليكم السلام مرحباً..

فضحك الرجل بملئ شدقيه واردف:

- كيف انت يا بن ابي طالب.. (الحمدللَّه على كل حال).

.. و بصوت اجش مبحوح قال الرجل مستفسراً

- يا علي ما يمنعك ان تخطب فاطمة من ابن عمك؟!!

فعندما سمع على هذه الكلمات فاض محياه حياءاً و طأطأ رأسه و تغيرت ملامحه، و دارت حوله برقعة من امل فقال بكل أدب و احترام:

- (ايزوجني اياها؟!!)

[و بعد حديث طويل تجدها في: مجمعة ج 9 ص 206، الرياض النظرة ج 2 ص 180، المتقي في كنزالعمال ج 7 ص 113، الطبري و ابن حجر في صواعقه ص 84، أبوحاتم ص 181.]

فتعجب الرجل من قوله واتسعت حدقتاه و قال رافعاً يديه:

- فبمن يزوجها أذن و انت اقرب الخلق اليه و اول الناس اسلاماً، و باب علمه، و حامل لوائه.

.. و لم يستطع عمر ان يواصل حديثه و اكتفي بهذا القدر من الكلمات فقد يبست الاحرف وسط حلقه، وبُح صوته.. فلعلي مآثر كثيرة لا تحصى فأيها يعدّد.

.. عند ذلك رفع ابوبكر اصابعه و قربها الى لحيته، ليعبث بشعرها بنظرة كلها تفاؤل قال و هو يهمس في اُذني علي.

تفاؤل قال و هو يهمس في اُذني علي.

- ها ماذا تقول يا رجل؟!

.. فأستحى الشاب الانور.. و رفع بعينيه العميقتين الرائعتين، يستلهم في نفسه خواطر المستقبل فأجاب بصوت عذب:

- (سأفعل ان شاء اللَّه).. فضحك الرجلان و بانت عليهما علامات البشر، ثم استودعاه اللَّه و ذهبا.

اجل سيدي هذا ما قد قاله الرجلان اذ يخبرانك بتألق شخصية فلذة الرسول.. التألق الذي كان محفوفاً بمعاني الرفعة، و هي ربيبة المصطفى.

.. وها هو الزمن تدور رحاه يا خير الفتيان ليبث لك نبأ، طالما كانت روحك الطاهرة ترقبه لترى السعادة مرسومة امامك، بين قلب من تهفو اليها نفسك.. في حين تسمع ان رسول اللَّه يؤيد هذا الواقع.. الا انه ينتظر الكفوء الذي اختارته

السماء لنور ابنته الزهراء.

و انك لتعلم يا مولاي ان روح محمد هي دوماً بجنبك تمدك بالقوة و ترعاك و تدعو لك.. و انه الان ليصغي لوقع اقدامك، و هو ينتظر منك ما أمر به اللَّه، فهلا بك ان تسرع سيدي فها هو الوقت قد حان للفرحة الممزوجة بفرحة السماء و الارض.

و ان علياً ليعلم علم اليقين انه المقرب الى قلب الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم قرباً يتقدم به سواه من الاقران و الرفاق.. و ان جوارحه لتعلم من ان ابنة عمه قد ملئت نفسها الاحزان، و هو القادر على تبديل تلك الهموم الى بسمة و انطلاق لكن الحياء هو المانع لعلي في الاسراع بطلب يد فاطمة.. و لربما كان يظن في التريث هداية و قوة بصيرة لمثله.

(فكأنني بسيدي) يغادر الفسيلات، واجتاز المزرعة اذ رحل الى حيث ترتاح امانيه و تسكن خواطره.. ليناجي ربه.

وها هو يفترش له سجادة للصلاة بجنب الواحات العذبة، حيث السكينة و الهدوء.. الا انشودة البلابل و العصافير، و خرير الجدول و حفيف الشجر.. ثم ارتدى مئزرته اليمانية ليتهيئ الى صلاة كانت لا تفارقه ابداً، صلاة بينه و بين اللَّه لطلب حاجة كانت في نفسه.

عند ذلك رمت الغيوم الى ان تزين تلك البقعة التي كان يقف عليها الشاب بقطعات من السحب الرمادية، حتى ان صار جواً أشبه ان يكون واحداً من ايام الربيع الدافئة اليانعة.

ثم هوت الطيور تطلق سلامها عليه مستبشرة مسرورة.. و ما ان سجدللَّه.. حتى سجد معه كل شي ء.

و كأني بقبس ضئيل اخذ يقترب منه، و وئيداً وئيداً صار كالهلال وسط الضحى فسقط بقرب الشاب فشع منه نور رائع.. فأفاق من غشوته بعد أن كان منقطعاً للَّه

و ما هي سوى بضع لحظات.. و قد أخذ علي في السير الى المسجد..

اذ بدت الريح تلاعب قدوده و ثيابه.. و كأن التلال المحيطة حول المدينة قد غابت سلاسلها و اختفت، لتلامس الافق و تذوب فيه.

و صار الهواء يحمل معه انسم من عطر الرياحين.. و كأن الارض تصغي لوقع اقدام علي و هي مترنمة بها حالمة.. اذ تناديه:

ها انت الان يا علي تطئني كما كنت من قبل اُحب حفوك المتمهل و انا اراك دوماً تسير عليَّ و قلبك يسبح بأسم اللَّه.

و مذ حملتك على وطئتي لم اسمع منك الا زمجرة سيفك، و انت تطيح برؤوس اعداء ربي.. فيضج باطني بالحمية معك على من كفروا باسم اللَّه.

و حينما تقرع حنجرتك معاقل صوتها لتصيح لا اله الا اللَّه محمداً رسول اللَّه.. فكنت اروم لالتقط جزءاً من خزائن نفسك، التي تحمل اليقين، و لم يراودها الشك أبداً، مذ ان كانت بالاصلاب الطاهرة، و حتى ان ولدتك اُمك الرؤوم، حينما امرني خالقي ان يفلق بيته الحرام ليتناول نورك البهي الذي رأيته مشعاً بين يدى رسول اللَّه حينما وضعك على كفيه و انت تداعب لحيته فيناغيك و يضع لسانه الشريف في فيك؛ ليزقك من العلم زقاً.. اذ ذاك تراه يقول و هو ينظر الى و سامة روحك و جسدك، و قد صرت شاباً يافعاً.

- (انت يا علي: فلا يحبك إلا مؤمن، و لا يبغضك الا منافق من احبك فقد أحبني،و من ابغضك فقد ابغضني)

[نقله كاملاً: الهيثمي في مجمعه ج 9 ص 133،الرياض النظرة ج 2 ص 214، مرقات علي بن سلطان في الشرح ج 5 ص 565، كنزالعمال ج 7 ص 140، و كما رواه الطبراني في (الاوسط)، (و جمع آخرون من العلماء من كلا الطائفتين).]

.. وها هي نفس علي مستبشرة لان النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم سوف لا يرد له طلباً مهما كان.

لكن الحياء قد علا محياة عليه السلام و هو يجلس امام نبيه، مطأطئ الرأس علته حمرة الحياء التي عاهد نفسه ان يتمالك جأشها امام الرسول و هو يكلمه عن موضوع طلب يد فاطمة.

فما لبث لينطق بكلماته حتى عاوده حياؤه؛ لما يكنه من الحب و الاجلال لابن عمه الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم و هذا ما جعل المصطفى يتفرس في وجه علي اكثر، اذ انه لم ينس ابداً من هو علي، ذلك البطل الجري الذي عجزت الامهات ان يلدن مثله.

عند ذلك ابتدره الروسل بابتسامته العذبة و قال:

- (يا علي ما حاجتك؟!!).

فازداد اضطراب الشاب و لم يتمكن من أن يتفوه و لو بكلمة واحدة.. فنظر اليه النبي و عيناه تلتمعان بحزمة نور الرحمان:

- يا بن العم ما حاجتك؟!!

.. رفع علي رأسه قليلاً، و ما أن تحركت شفتاه حتى رجع فطأطئ رأسه و قال بنبراتٍ متقطعات:

- (ذكرت فاطمة يا رسول اللَّه).

.. فنظر اليه النبي العظيم صلى اللَّه عليه و آله و سلم بتلك النظرة المشعة بالدف والحنان المتدفقة من مقلتيه الرائعتين، وابتسم ابتسامة خلابة بالجمال والفرحة و طبعت على خديه المتوردتين النورانيتين، رصعات فاضت منها بهجة مكظومة، و اوشك النبي ان يقول نعم (انت الكفؤ الذي اختارته السماء قبل خلق الخليقة ليقترن نوره بنور الزهراء) لكنه صلى اللَّه عليه و آله و سلم.. حفظ كرامة شجنته فاطمة و اجراءاً للسُنة اذ قال:

- (اهلاً و مرحباً)

[ذخائر العقبى ص 27، الطبقات الكبرى ج 8 ص 11.]

- (.. لكن يا علي قد ذكرها رجال قلبك، حدثت ابنتي بهم فرأيت الكراهة في وجهها).

فتعرق جبين علي ببضع قطرات.. حتى اردف النبي يقول و هو يؤشر بيديه:

- (على رسلك يا بن العم حتى اخرج اليك).

اما البتول.. فهي الآن منغمرة بأعمال البيت.. سواد الدخان قد غطى جلدها الشريف الرقيق.. فعندما سمعت وقع اقدام ابيها تهللت ملامحها و استقبلته على عادتها بأجمل استقبال و استرحاب.

.. لكنها اليوم شعرت من ابيها بشي ء و لم تلمسه فيه من قبل، و كأن ملامحه صلى اللَّه عليه و آله و سلم قد تغيرت عما كانت عليه، في حين تنظر الى عينيه فتراهما قد صارتا كالنجوم حينما ترسل ضوءها في ليلة دهماء.. و كأن خداه و وجهه كفلقة قمر بل اشتق القمر من نوره، و السرور قد طاف عليه بسعادة و فرح رغم كضمه لهما.

.. و ما ان سلم و جلس صلى اللَّه عليه و آله و سلم حتى سحبها اليه، و هو يقول:

- (بنتي فاطمة هذا علي ابن عمك يذكرك عندي فما تقولين)؟!

.. ظلل المكان سكون، و طافت حول الاب و الابنة نسمة عبير هادرة. و كأنني بسيدتي تحركت من مكانها.. و هي تخط الارض برجليها الشريفتين، ثم ضمت وجهها الذي علته حمرة الحياء، و لفته بخمارها كي ترفع بعض حيائها امام ناظري ابيها.. فقد احمرت حتى صارت كالارجوان او اكثر.

فأكمل الاب الرحيم قائلاً:

- (يا فاطمة فأنت قد عرفتي قرابته مني و فضله و ايمانه و علمه).

.. ظلت فاطمة واقفة لا تتحرك.. فأردف النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم يقول:

- (و أنني دعوت ربي أن يزوجك خير خلقه و احبهم اليه فماترين)!

.. لكن الزهراء في هذا المرة ما دارت وجهها ابداً، بل انها حبست انفاسها في حين ظلت نظرات الاب تتابع شبح ابنته.. فأنه رأى الرضا واضحاً على كيانها.

فقام من عندها الرسول متهلل الاسارير، تغبطه الملائكة و تغمره برياحين الجنان .. فأخذ لسانه الشريف يكبر، و يدعو لهما بالخير و البركة.

.. فها هي البشرى تعم الدنيا و من فيها (اللَّه اكبر اللَّه اكبر في سكوتها إقرارها)

[و من ذلك الزمان: (بدأن البنات يستأمرن آبائهن فيشاورهُن)، هذا ما ذكره: الجوزي، النسائي، و فضائل احمد بن حنبل، والتذكرة، و ذخائر العقبى.]

..خرج النبي من عند ابنته مسرع الخطى، و قد التهبت عيناه ببريق نور عميق يخرج من بين احشائه فيخترق بدنه ليسقط على كل من صادفه.. فرآى المسجد مكتضاً بالمسلمين اذ هم ينتظرون الجواب.. فما ان وقعت عيونهم على نبيهم الا و قد علموا موافقة بضعته، اذ يتسرب الى اسماعهم تكبيرة الرسول و هو يبارك لعلي بفاطمة.

اجل سيدتي كانت فرحة أبيك فرحة لا يتسطيع القلم أن يصفها، فهو ينتظر هذه اللحظة كما و تنتظرها السماء.

(فلو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفؤا)

[اخرجه الديلمي، المناوي في كنوز الحقائق ص 124، ابن العسقلاني، المرقات ج 5 ص 574 في الشرح.]

هذا ما قد قاله لسان رسول اللَّه.. و ها هو قلبه يرهف بالسعادة العظيمة، التي سوف تكلل بها ابنته، حينما تقترن مع من يجبه اللَّه.. فصارت عيونه الرائعة تشرق بأنوار الخالق، و هو يتطلع وجه علي الذي صار نوره يتلألأ على و جنتيه فتزيدهما تورداً و تألقاً.

و قد بدا عليه الحياء بتعرق جبينه الوضاء.

فأقترب منه ابن عمه و ربت على كتفه و قال:

- هل معك شي ء تستحل بها زوجك؟

فسكت الشاب برهة و حبات عرق قد انحدرت من جبينه.. اذ انه ما فكر يوماً من الايام في ان يجمع له ثروة تقيه هذه الاوقات الحرجة فقال بنبراتٍ فيها بعض الم:

-(بأبي أنت و اُمي يا حبيب اللَّه، فلا يخفى عليك أمري).

فلتعلم النساء ما هو مهر الزهراء


.. و ما ان مرت لحظات سكون و الرسول يتأمل علياً بعينين فيهما ألم مكظوم.. فها هو ابن عمه، الذي بقي بجنبه يدافع عنه بنور عينيه و يقيه سهام الموت ها هو مكتوف الايدي التي تستطيع ان تجعل من التراب ذهباً.. ابت الا ان تسلك طريق الزهد والعطاء، كي تبقي حية نقية تقية صافية.

.. قطع صوت علي خواطر النبي اذ ينادي بشي ء قد افرح نفسه.. و قد مد بيده الى غمد خنجره و سيفه قائلاً:

- بهذا استحل ابنة عمي يا رسول الرحمن.

التعمت عيون المصطفى.. وفاضت من بين مقلتيه نظرة حزن شفوقة، فأخفض جفونه الشريفة كي لا يرى ذلك علي.

ثم دارت خواطره في مخيلة الرسول، فرجعت ذكرياته الى الوراء قليلاً وانقشعت عن ناظريه غبرة المعارك بين الحق و الباطل، و الغنائم التي وقعت بأيدي المسلمين من هذا الانتصار المبين (الا و هي واقعة بدر).. ماذا يا ترى قد اغنتم على و هو رافع لواء رسول اللَّه، ما الذي اغتنمه من هذه الحرب سوى دم الكافرين و رؤوسهم.. في حين ينام قرير العين من اجل احياء دينه.

و اوشكت مآقي النبي ان تذرف دموعها، التي تجمعت في محجر عينيه فهذا علي امامه بثوبه القصيرة التي راى فيها رضى خالقه، و فضّل ان يكتفي بقطعة صغيرة من الخبز اليابس لسد رمقه على ان يُقدّم ما لديه ليسد به رمق جائع او بكسوه عرياناً.

.. اجال النبي بعبرته هذه، و هو يتأمل علياً و يتفحص ماضيه و الآتي، إذ ما يزال يراه ماسك بغمده فبادره النبي برأفة وحب:

- (لا يا علي ان سيفك هذا لا غنى عنه تدفع به اعداء اللَّه).

/ 27