زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) - نسخه متنی

ام الحسنین البغدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




تطبع عليها آثاراً من التعب، والمرض، والحزن، المدموجة في روحها الطاهرة.


كانت لحظات رهيبة، و هي تقوم بدور المؤمن المدافع عن عقيدته، في شبحها القائم المرتسم عليه سحابة من الحزن المرير، و هي شاحبة اللون مفجوعة القلب،منهدة العمد، ضعيفة الجانب.


فرغم كل هذا لم تتهان الزهراء في طلب حقها المشروع، (بعدما انكره الخليفة عليها).


لذا توجهت الى المسجد... تحفها انوار الملكوت، و تشيعها الملائكة.


و بدت في موكب عظيم طالما كان يُحف به ابوها من قبل.


فتركت النسوة دورهن و التففنّ حولها كالنجوم المتناثرة بغير انتظام ليتبعن قائدتهنّ:


(تلك هي ريحانة النبوة، و مثال العصمة و هالة النور المشعة، و بقية الرسول).


.. و تهادى الموكب حتى وصل الى حيث مأربه.


.. فتعاظمت الابصار و اشرأبت اعناق القوم لتفزع عن هلع، و خوف، و دهشة من هذا القادم عليهم الذي لا يعرفون عنه شي ء سوى.. انه شبح محد لا ضير.


فجمدت العيون، وارهفت الاسماع، ثم لم يلبثوا حتى ان اصبحوا كالاصنام.. فبدت رعشة تساور الابدان، فتغلف الشفاه، والعيون بشدة و زيغ.. انها تُعرب عن الانصات و السكوت و السكون.


ثم لم يلبث نور الزهراء حتى انتصب بهيكله الحزين.. فصار شمساً ملتهبة تفرض على الوجود تعظيمها و تبجيلها، و تقديسها.


و صاح من في المسجد صيحة مدوية.


- انها واللَّه بنت المصطفى، انها فاطمة البتول جاءت لنا بروح محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم؟!!


.. فضرب ستار بين النور، و بينهم.


.. كانت خلجات سيدتي ما تزال تكلمها عن العهد القديم الذي عهدهُ لها ابوها


النبي الراحل.. و ذلك حقها من ارض (فدك).


.. طأطئ الجميع رؤسهم.. حتى ان استقل نور الزهراء في مكانه من المجلس.


فقد كان هذا النور اشبه شيئاً بنور المصطفى صلى اللَّه عليه و آله و سلم.


ثم انت انّة، فسمعت من بعدها اصوات تجهش بالبكاء، و بانت للمجلس رجة هائلة.


لكن الزهراء.. امهلت القلوب لتفضي.. جزءاً ضئيلاً مما قد اذنبته بحق آل نبيها.


عند ذلك انطلق الاحرف و الكلمات من لسان البتول، لتنثر جواهر الكلام.


.. فأبتدأت بحمد اللَّه والثناء عليه، ثم الصلاة على رسوله.


فضج المجلس من جديد بالبكاء حينما سمعوا بنت نبيهم تتلفظ باسم محمد، و قد اعطت لهذا الاسم معناه.. و كأنها جددت المصاب بالنبي الراحل.. و ما امسكوا عن البكاء حتى عاد لسانه ينثر الحقيقة على افئدة الارواح التي تعشق حقاً.. اسم محمد، فأكملت تقول:


- (الحمدللَّه على ما انعم و له الكشر على ما ألهم، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها، و سبوغ آلاء اسداها، و تمام منن اولاها، جم عن الاحصاء عددها و نأى عن الجزاء امدها، و تفاوت عن الادراك ابدها، و ندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها، واستحمد الى الخلائق باجزالها، و ثنى بالندب الى امثالها.


واشهد ان لا اله الا اللَّه وحده لا شريك له، كلمة جعل الاخلاص تأويلها، و ضمن القلوب موصولها، و أنار في الفكر معقولها، الممتنع من الابصار رؤيته، و من الالسن صفته، و من الاوهام كيفيته، ابتدع الاشياء لا من شي ء كان قبلها، و انشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها (الى ان قالت سلام اللَّه عليها).


ايها الناس، اعلموا اني فاطمة و ابي محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم، اقول عوداً و بدأً، و لا اقول ما اقول غلطاً،


و لا افعل ما افعل شططاً، لقد جاءكم رسول من انفسكم عزير عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم


[التوبة آية 128.، فأن تعزوه و تعرفوه تجدوه ابي دون نسائكم و اخا ابن عمي دون رجالكم، و لنعم المعزى اليه صلى اللَّه عليه و آله و سلم.


فبلغ بالرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركين، ضارباً ثبجهم، آخذاً بأكظامهم داعياً الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسر الاصنام، و ينكت الالهام


[و في نسخة اُخرى (الهام).، حتى انهزم الجمع و ولّوا الدبر، حتى تفرّى الليل عن صبحه واسفر الحق عن محضه، و نطق زعيم الدين، و خرست شقاشق الشياطين، و طاح وشيظ النفاق وانحلت عقد الكفر والشقاق و فهمتم بكلمة الاخلاص في نفر من البيض الخماص.


و كنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب و نهزة الطامع و قبسة العجلان و موطئ الاقدام، تشربون الطرق، و تقاتون الورق، اذلة خاسئين، تخافون ان يتخطفكم الناس من حولكم. فانقذكم اللَّه تبارك و تعالى بمحمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم بعد اللتيا و التي، بعد ان مُني ببهم الرجال و ذؤبان العرب و مردة اهل الكتاب.


كلما اوقدوا ناراً للحرب اطفأها اللَّه، او نَجم قرن للشيطان و فغرت فاغرة من المشركين، قذف اخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه و يخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات اللَّه مجتهداً في امر اللَّه، قريباً من رسول اللَّه، سيّداً في اولياء اللَّه، مشمّراً ناصحاً مجداً كادحاً، و انتم في رفاهية من العيش، و ادِعون فاكهون، آمنون تتربصون بنا الدوائر و تتوكفون الاخبار، و تنكصون عند النزال و تفرون عند القتال.


فما اختار اللَّه لنبيه صلى اللَّه عليه و آله و سلم دار انبيائه و مأوى اصفيائه، ظهر فيكم حسيكة النفاق و سمل جلباب الدين، و نطق كاظم الغاوين، و نبغ حامل الاقلين، و هدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته، مستجيبين و للعزة فيه


ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً واحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير ابلكم و اوردتم غير شربكم.


- هذا، والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر ابتداراً، زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا و ان جهنم لمحيطة بالكافرين. فهيهات منكم؟ و كيف بكم؟ و انى تؤفكون؟


و كتاب اللَّه بين اظهركم، اموره ظاهرة، و احكامه زاهرة، و أعلامه باهرة و زواجره لايحة، و اوامره واضحة، قد خلفتموه وراء ظهوركم، اَرغبة عنه تريدون؟ ام بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلاً.


(و من يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين).


ثم لم تلبثوا، إلّا ريث ان تسكن نفرتها، و يسلس قيادها، ثم اخذتم تورون وقدتها و تهيّجون جمرتها، و تستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، و اطفاء انوار الدين الجلي، واخماد سنن النبي الصفي، تسرون حسواً في ارتغاء، و تمشون لاهله و ولده في الخمرة والضراء، و يصير منكم على مثل حز المدى، و وخز السنان في الحشاء. و انتم الان تزعمون:


ان لا ارث لنا، افحكم الجاهلية تبغون، و من احسن من اللَّه حكماً لقوم يوقنون؟!! افلا تعلمون؟


بلا تجلى لكم كالشمس الضاحية اني ابنته ايها المسلمون أأُغلب على ارثه؟!!!


ثم سكنت لحظات قد اغرورقت الدموع وسط مآقيها و تكسرت اللوعة في صدرها فاستأنفت تنادي:


- يابن ابي قحافه أفي كتاب اللَّه ان ترث أباك و لا ارث أبي


[أبوبكر و ميراث الزهراء.


1- اخرج البخارى بسنده عن عروة بن الزبير «إن عائشة أم المؤمنين اخبرته إنّ فاطمة عليهاالسلام إبنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم سألت أبابكر الصدّيق بعد وفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم مما أفاء اللَّه عليه فقال لها أبوبكر: إنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة، فغضبت فاطمة بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم فهجرت ابابكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت. قالت: و كانت فاطمة تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم من خيبر و فدك و صدقة بالمدينة فابى أبوبكر عليها ذلك...».


2- (كتاب الخمس) باب الفرائض.


و في رواية: قالت الزهراء عليهاالسلام لأبي بكر: (أفي اللَّه أن ترث اباك، و لا أرث أبي؟ أما قال رسول اللَّه: المرء يحفظ في ولده.


تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 12.؟ لقد جئت شيئاً فريا!


افعلى عمد تركتم كتاب اللَّه، و نبذتموه وراء ظهوركم؟ اذ يقول: (و ورث سليمان داود)


[سورة النمل آية 16.]و قال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا اذ قال: (فهب لي من لدنك ولياً يرثني و يرث من آل يعقوب)


[سورة مريم آيه 5- 6.]و قال: (و أُولو الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب اللَّه)


[سورة الانفال آية 75.]و قال:


- (يوصيكم اللَّه في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين)


[سورة النساء آية 11.]و قال: (ان ترك خيراً الوصية للوالدين و الاقربين بالمعروف حقاً على المتقين)


[سورة البقرة آية 180.]


[و بهذه الآيات و غيرها احتجت الزهراء على أبي بكر راجع خطبتها الرائعة في الاحتجاج ج 1 ص 253، بلاغات النساء، أبي الفضل أحمد بن أبي طيفور البغدادي ص 4، و قال رشيد رضا أثناء كلامه عن هذا الكتاب: «و فيه خطبة السيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام لما منعها أبوبكر ميراثها، مجلة المنار: ج 11 ص 303 شرح النهج ابن أبي الحديد: ج 4 ص 78- 79 و 93، أعلام النساء لعمر رضا كحالة: ج 3 ص 1219.]


- و زعمتم ان لا حظوة لي و لا ارث من ابي و لا رحم بيننا، افخصكم اللَّه بآية أخرج منها ابي ام هل تقولون ان اهل ملتين لا يتوارثان، او لست انا و ابي من أهل ملة واحدة؟ ام انتم


اعلم بخصوص القرآن و عمومه من ابي و ابن عمي؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك.


و اختنقت الزهراء بعبرتها حينما قالت: فنعم الحكم اللَّه والزعيم محمد والموعد القيامة، و عند الساعة يخسر المبطلون و لا ينفعكم اذ تندمون و لكل نبأ مستقر و سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه، و يحل عليه عذاب مقيم.


و تحسرت و هي ترمي بطرفها نحو الانصار دامعة العين فتقول:


- يا معشر الفنية، و اعضاد الملة، و انصار الاسلام، ما هذه الغميزة في حقي، و السنة عن ظلامتي؟! أما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم ابي يقول: «المرء يحفظ في ولده»؟!!


سرعان ما احدثتم و عجلان ذا اهالة و لكم طاقة بما احاول و قوة على ما اطلب و ازاول. و ساقت (سلام اللَّه عليها) الخطبة الشريفة الى قولها):


الا و قد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خارمتكم و الغدرة التي استشعرتها قلوبكم، و لكنها فيضة النفس، و نفثة الغيظ، و خور القناة، و بثة الصدر، و تقدمة الحجة فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخُف، باقية العار، موسومة بغضب اللَّه و شنار الابد، موصولة بنار اللَّه الموقدة، التي تطلع على الافئدة، فبعين اللَّه ما تفعلون، و سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.


و انا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فأعملوا انّا عاملون و انتظروا انا منتظرون.


ثم رمقت الزهراء بعينيها المغرورقتين بالدموع حشود المسلمين و قالت:


معاشر الناس المسرعة الى قيل الباطل، المغيظة على الفعل القبيح الخاسر، افلا تتدبرون القرآن، ام على قلوب اقفالها؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أساتم من اعمالكم، فأخذ بسمعكم و ابصاركم و لبئس ما تأولتم و ساء ما به اشرتم، و شر ما منه اغتصبتم، لتجدن واللَّه محملة ثقيلاً، وغبة وبيلاً، اذ كشف لكم الغطاء و بان ما وراء الضراء، و بدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون، و خسر هناك المبطلون.


و قد اجاد الشاعر سيدتي، و هو يصف تلك الساعات التي جئت بها الخليفة،


تستردين حقك المغضوب فقال:




  • نقضوا عهد أحمد في أخيه
    يوم جاءت الى عدي و تيم
    فدنت واشتكت الى اللَّه شكوى
    لست ادري ادروعت و هي حسرى
    تعظ القوم في اتم خطاب
    فأطمئنت لها القلوب و كادت
    ايها الناس اي بنت نبي
    هل رآنا لا نستحق اهتداء
    انصفوني من جائرين اضاعا
    حرمة المصطفى و ما رعياها



  • و اذاقوا البتول ما اشجاها
    و من الوجد ما اطال بكاها
    والرواسي تهتز من شكواها
    عاند القوم بعلها و اباها
    حكت المصطفى به و حكاها
    ان تزول الاحقاد من طويها
    عن مواريثه ابوها زواها
    واستحقت التيم الهدى فهداها
    حرمة المصطفى و ما رعياها
    حرمة المصطفى و ما رعياها



[شعر الشيخ الازري.


فدك والشهود



اجل: الزمت فاطمة الخليفة الحجة بحقها الموروث من أبيها في أرض فدك.. التي (أمر اللَّه جبرائيل أن يخطها بجناحيه لنبيه، بعدما اشتكت حبيبته الزهراء العلية والحاجة من بعده، فصدّق بها على فقال: هي صدقة عليك، فقبضتها بضعة المصطفى والفرحة تعلو محياها).


و قد استبشرت.. و في اخيلتها صور للجياع والمحرومين واليتامى، فهي تستطيع ان تسد ولو جزءاً من حاجياتهم، و تقوي شوكة المسلمين على كل الكفار.. و هي سجيتها.


.. ففاضت شفتا الرسول بابتسامة عذبة، و هو يُشهد أُم أيمن و علي والحسنين


(على حد الرواية)


[هذا ما ذكره الشيخ القمي في بيت الأحزان.]بأنهم قد شهدوا لزهرائه في حقها من فدك.


و بعد ارتحال النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم أتت فاطمة بأُم أيمن، و وصي رسول اللَّه علي و ولديها الحسنين ليشهدوا عند الخليفة.


.. و لا اُريد سيدتي أن أكمل ما قد آلى عليك بعد ما رُدت شهادة هؤلاء


[و هذا من العجب ان ابابكر يرد شهادة هؤلاء جميعاً، و يقبل بشهادة رجل من المسلمين في قضية مشابهة لهذه! عن جابر بن عبداللَّه رضى اللَّه عنه قال لما مات النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم جاء أبابكر مآل من قبل العلاء بن الحضرمي فقال ابوبكر «من كان له على النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم دين او كانت له قبلهُ عدة فليأتنا» قال جابر: في رواية اُخرى.. فقمت فقلت ان النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم قال: «لو جاءنا مال البحرين اعطيتك هكذا و هكذا و هكذا» فحثى أبوبكر مرة، ثم قال لي: عدّها فعددتها فاذا هي خمسمائة فقال: خذ مثليها» فلماذا لم يطلب ابوبكر من جابر شاهدين و يطلب من فاطمة. رواها صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم شيئاً قط فقال لا و كثرة عطائه.، رغم الحجج الدامغة التي حاججته بها من تأويل القرآن الكريم.


فما رأت شيئاً من خليفة المسلمين.. إلّا الصمت.


عند ذلك تركت المجلس.. و قد غام بصرها بفيض الدموع.. فعطفت على قبر أبيها.. عل زيارته والشكوى إليه تريح جزءاً من حزنها و لوعتها.


.. فجلست بجنب القبر الساطعة منه الأنوار.. و رمت بنفسها على ثراه الطاهر، و هي تكلمه شاكية له ما فعل القوم بها.. و تبكي بمرارة، و تئن و تزفر زفيراً متداركاً كأنها تنفص افلاذ كبدها.. حتى نال منها الجهد فهوت على القبر ثانية كهوى الجذع الساقط بلا حراك.. غير انفاس تعلوا بصدرها حتى ابتل تراب القبر بدموعها.. فرفعت رأسها و قالت:




  • قد كان بعدك انباءٌ و هنبثة
    انا فقدناك فقد الارض و ابلها
    أبدت رجال لنا فحوى صدورهم
    تجهمتنا رجال واستخف بنا
    سيعلم المتولي ظلم خاصتنا
    يوم القيامة عنا كيف ينقلب



  • لو كنت شاهدها لم تكثر الخطبُ
    واختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا
    لما فقدت وكل الارث قد غصبوا
    جهراً و قد ادركونا بالذي طلبوا
    يوم القيامة عنا كيف ينقلب
    يوم القيامة عنا كيف ينقلب



[مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 209. ذُكر هذا الشعر «جزءاً منه» في كتاب تذكرة الخواطر لابن الجوزي ص 306. كما ذكره في بيت الاحزان للشيخ القمي.

حق يعود: و كتاب يُمزق



.. وها هي الفلذة تعود إلى بيتها مكبلة بأحزانها.. و علي والحسنين و فضة ملتفين حولها، يتطلعون إليها بنظراتهم المليئة بالألم والحزن..


حتى ان قال لها أميرالمؤمنين:


- (لمَ لا تأتي أبابكر وحده، فأنه أرق من الآخر و قولي له: ادعيت مجلس أبي و انك خليفته، و جلست مجلسه و لو كانت فدك لك ثم استوهبتها منك لوجب ردها عليّ).


.. فبانت خطوط أمل على جبين الزكية.


و ما كان اليوم التالي حتى أتته سلام اللَّه عليها.. و قالت له ذلك،


.. فطأطأ الخليفة رأسه إلى الأرض و هو يشعر بندم و خيبة، قائلاً:


- (صدقت).


و على الفور دعا بكتاب، فكتبه لفاطمة برد فدك إليها.. و ما أوشكت الزهراء ان تخرج من عنده، و في يدها الكتاب، و خواطرها تحفها بالآمال التي بنتها من أجل المستضعفين، و اتحاد شوكة المسلمين، و سد حاجات المحتاجين..


لكن خيالاً أسوداً خيم على تلك الخواطر، فمنعها عن الاسترسال في حلمها الجميل هذا.


اجل: دخل الرجل بوجهه الذي أشبه أن يكون بصخرة ملساء تحت ليلة ماطرة.. ثم حرك طرفه بدهاء و قال متأفئفاً:


- (ما هذا الكتاب)؟!


فالتفت الخليفة إليه و هو يضع دواته من يده قائلاً:


- (إن فاطمة ادعت في فدك و شهد لها أُم أيمن و علي وولداها، فكتبته).


فأدار عمر برأسه نحو بنت نبيه واجتذب الكتاب من بين يديها.. ثم مزقه تمزيقاً، و رمى بنفاياه في فضاء المكان


[«عمر يمزق كتاب فدك» لفاطمة الذي أخذته من أبي بكر: سيرة الحلبي ج 3 ص 391، كذلك رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج، الاختصاص للشيخ مفيد والشافي للسيد المرتضى ص 236 و تلخيص الشافي للطوسي ص 48، البخاري: ان فاطمة بنت النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم ارسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم مما افاء عليه بالمدينة و فدك و مما بقي من الخمس من خيبر فأبى أبوبكر ان يدفع الى فاطمة منها شيئاً فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت فلما دفنها زوجها علي ليلاً و لم يؤذن بها أبابكر، صحيح البخاري ج 5 ص 177 ط دارإحياء التراث العربي، السنن الكبرى ج 6 ص 300 ط دار صادر، تاريخ الامم والملوك ج 2 ص 448 منشورات الأعلمي، شرح النهج ج 16 ص 280 ط مكتبة المرعشي النجفي واضاف دفنها علي والحسن والحسين و غيبوا قبرها.]و هو يردد قائلاً:


- هذا في ء المسلمين، ان أوس بن الحدثان و عائشة و حفصة يشهدون على رسول اللَّه بأنه قال: «إنا معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة».


.. فليت شعري سيدتي من تلك في الوجود، كي ترد شهادتها.


أو ما شهد هو والمسلمون ذلك المنظر الذي لا ينساه التأريخ، ذلك المنظر الذي اجلى النبي عن ابنته حقيقة سامية.


.. حينما خرج على سكينة و هو ممسك بيد ابنته فاطمة، و ينادي بنبرات ثاقبة يغبطها الفخر، و قد توجتهما شمس الافق بأشعتها فصاح منادياً:


- (من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم و هي بضعة مني


و هي قلبي و هي روحي التي بين جنبي).


و في بعض الروايات: «فاطمة مني يبسطني ما يبسطها و يقبضني ما يقبضها».


و هذا ما رواه الفريقان


[كنزالعمال ج 6 ص 219، مستدرك الصحيحين ج 3 ص 158، البيهقي في سننه ج 7 ص 64، أيضاً نقلها مستدرك الصحيحين ج 3 ص 154، أحمد بن حنبل في مسنده ج 4 ص 323 و ص 332، كما وقد أخرجه الطبراني، سيرة الحلبي ج 3 ص 391، و تلخيص الشافي للطوسي ص 48.]و تناقلت أصحاب التواريخ سنة و شيعة على ان (رسول اللَّه أعطى فدكاً لابنته و ذلك في تفسير «و آت ذا القربى حقه»).


[نقله صاحب الدر المنثور في تفسير (و آت ذا القربى حقه) في سورة الاسراء، الهيثمي في مجمعه ج 7 ص 49، الذهبي في ميزان الاعتدال ج 2 ص 228، الطبراني، المتقي في كنزالعمال ج 2 ص 158، الحاكم في تاريخه، ابن النجار، كما قد أخرجه (ابن مردويه عن ابن عباس).]


والاعجب بل الاغرب سيدتي، ان الرجل يرد شهادتك و انت بضعة نبيه سيد الانبياء و الرسل، و الذي انزل اللَّه عليه الوحي والتنزيل الذي بين يديه و هو ينقل (آية التطهير) التي اشرنا إليها سابقاً، والتي تجلي عن طهارتكم من كل رجس.


فكيف يرد شهادة من أذهب اللَّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً، و يأخذه بشهادة عائشة.


حجة منهم: عليهم



بلى.. يأخذ بشهادة عائشة التي تناقضت و دعواها.


عندما جاءت الخليفة الثالث (عثمان بن عفان) و هي تطلب ميراثها من رسول اللَّه.. فقال لها عثمان:


- (أوَلم تجي ء فاطمة تطلب ميراثها من أبيها رسول اللَّه، فشهدت أنت و مالك بن اَوس البصري: (ان النبي لا يورث)، وَابطلت حق فاطمة، و جئت تطلبينه (لا أفعل).


[(كذا رواه الطبري والثقفي في تاريخيهما).]


/ 27