زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) - نسخه متنی

ام الحسنین البغدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


الحركة في حصار


.. مضت الايام و السنوات تحمل في طياتها احزاناً و افراحاً.

.. و كبرت فاطمة و صارت صبية تجلس قرب الوحي، تصغي لآيات اللَّه العظيمة.

كبرت و هي ما تزال ترى عن كثب، كل مأساة مرت على الاسلام والمسلمين، فتحزن نفسها.

لكنها حينما ترى الام والعم و ولده يحفون بأبيها اذ يزيحون عنه همه و ذلك بمدهم القوة و النصر لهذا الدين، فتغمرها حينئذ غبطة عميقة تختلج عروقها و يرتاح منها البال.

لكن أهل الشرك و الضلال لم يرق لهم ان يروا هذه العزة و المنعة للاسلام فجدّوا جاهدين في محاربتهم له للنيل منه، فحاولوا ان يقوموا بتجربة اخرى بعد ان فشلت سابقاتها، الا و هو الحصار الاقتصادي و الاجتماعي ضد الهاشميين و أبي طالب.

فأما ان يرضخوا لمطالبهم في تسليم محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم لهم ليُقتل، و اما أن يموتوا جوعاً و ذلاً...

.. هكذا سيدتي دخل بنوهاشم الشعب- شعب أبي طالب- ذلك المخيم الذي يقع بين اتلال الرمال، و تستقيم فوقه شمس الافق اللاهبة.

فابتدرت اُمك سيدتي لتطبع اثر الدراهم على تلك الرمال و القفار؛ لتقدمها للمسلمين.. و كما كانت من قبل فها هي الآن تدفع بكامل ثروتها لحفظ شوكة هذا الدين و كي لا ترى خطوط حزن على وجه البشير، و هو ينظر كل هذه المأساة، التي وقعت على كاهل الاسلام.

و ما كان أبوطالب، شيخ الاباطح، إلّا أن يفعل فعل خديجة يدفع الاذى عن النبي،و حيناً آخر يمد المسلمين بما توفر له من مال حتى عرض نفسه و ولده

على، للهلاك في سبيل ايمانه و عقيدته الراسخة بحب اللَّه و الاسلام.

حتى نفدت اموال خديجة و أبي طالب فاضطر من كان في الشعب أن يقتات بورق الشجر.

و كأنني بفاطمة تلبي نداء الاطفال الجياع، و هم يتضورون، فتهرع اليهم راكضة تسكن روعهم، و تمسح على رؤوسهم و هي ما تزال صبية لكنها فاطمة عضيدة ابيها مذ كانت بالمهد، و لحد هذه اللحظة فإدارتها لمثل هذه الامور تجلي حقيقتها أكثر، بأنها تتمتع بصفات كل نبي و وصي.

.. هكذا عاش الاسلام في احرج أوقاته محارباً.. بل لقد كان المشركون يتهددون كل من يبيع المسلمين شيئاً بنهب امواله و يحذرون كل قادم الى مكة من التعامل معهم.

فاحكم الحصار حول المسلمين فلم يدعوا لهم منفذاً، يتسمدون منه عوامل البقاء.

فكان ابطح قريش المؤمن يزج بولده على وسط مهلكة لا محالة منها حينما كان يرسله ليأتي بالطعام سراً من مكة، و لو انهم ظفروا به لم يبقوا عليه.

و اذا ادلهم الليل و اتشح بردائه الاسود، يسارع العم النبيل فيضجع علياً على فراش النبي، حتى اذا اراد الكفار قتل ابن أخيه تصدى لهم بأبنه و قرة عينه.

و ما كان الابن ليمانع أو يكابح بل انه دوماً على أهبة الاستعداد لتقبل طعنة الموت شرط أن تبقى حياة محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم تحيا على الأرض.

الامتحان الاكبر في عام الحزن


.. هكذا مرّت حياتك سيدتي بين دموع و احزان في شعب يعلوه البؤس والجوع.

ثلاث سنوات من الحصار عاصرتها الزهراء بجنب ابيها و امها.. جعلت منها كتلة ملتهبة من الجهاد و التحمل و الايثار.

حتى صادفها اعصار هائل، سهد عينيها بالحزن المر.. و حول تلك الطمأنينة الى قلق و اضطراب.

فلقد رحل عن دنياك سيدتي ذلك الرجل الذي طوى كل معان الحب، ذلك الرجل الحدوب الذي ناصر النبي بيده و لسانه، و واجه المصاعب الكبيرة و المشاق العظيمة، في سبيل الدفع و الذود عن دينه و رسالة نبيه، و اعطاء الفرصة للإسلام كي يتوسع و ينتشر ما وجد الى ذلك سبيلاً... حتى انه كان على اهبة الاستعداد لأن يخوض حرباً طاحنة لينصر دين ربه و دعوة نبيه، الذي جاء هدى و رحمة للعالمين و ليخرج الانسانية من الظلمات الى النور.

ان اباطالب لهو اشبه شي ء ان يكون شبحاً من اشباح الخير الاسطورية التي ترسل حبها على دنيا الاسلام و المسلمين، و هو يرى في محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم ذلك الخير العميم الذي بنى آمالاً ما كانت إلّا كقطرة ندى على أرض خاوية تنتظر قطرة تروي جزءاً من عروقها المتخشبة.

هكذا كان ابا الرجال درعاً قوياً للرسول، يدفع عنه سهام الغادرين و شهاب مكرهم.

غربة أبو الزهراء بموت أبي طالب


لكن القدر لم يبقه فتخطفة غير مبالٍ.

اجل.. فاضت بروح العم الوديعة التي ما كانت لتهاب العدو ابدا.

بلى يا مولاتي ما كانت إلّا روحاً تحمل معها دوماً اسمى التضحيات التي عرفها التاريخ.

.. فهبت ريح عاصفة تزأر في الفضاء، و ضرب الدنيا صقيع بكفه الرهيبة، فاستحالت سوداء قاتمة.

و قد حلّقت الطيور في الاجواء تضج باكية، معزية أُمة الاسلام و نبيها الذي فجع بفقد ناصره و فخره.. فيالها من مصيبة صدعت قلب الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم فسلام اللَّه عليك، يا أباطالب، يا أبا الرجال، و يا رائد قوافل التضحية والفداء، في سبيل الحق، والدين و رحمة اللَّه و بركاته.

دموع بين مصيبتين


.. تطلعت الزهراء الى السماء دامعة الطرف، و هي تشاهد الظلام يسربل الكون بجلبابه الدامس، فاعترتها قشعريرة برد، و هي تستعيد احداث يومها المنصرم فتتذكر تلك النظرات المنبعثة من عيني ابي طالب و هو يودع الحياة، فهي لا تزال مرتسمة في مخيلتها، فتلك المصيبة التي صدعت قلب ابيها، لهي كافية في ان تثير الحزن العميق في نفس فاطمة.

وها هي الان تغوص وسط دوامة من اللوعة و الحزن، و هي تحدق بعينيها المترقرقة فيهما الدموع و تتأمل في- وجه اُمها اذ ترسل حزماً مشعاً بالدف و الحنان المتدفق من عينيها، فترتمي بين احضانها بين باكية و ساكنة عل صدر الام يعفيها من آلامها، فترتع قليلاً تشم اردان خديجة فتغفوا اجفانها في حجر الام.

لكنها رأت غير الذي كان، فوجه خديجة لم يكن صافياً كأيامها المنصرمات بل ان الصفرة لفعته بحمى جعلت منها عسيرة الانفاس، فترى الزهراء ذلك العنق الطويل،الذي كان منتصباً كعمود عاج قد تهدل و اعقبه احتقان و الم، و تلك العينين الجميلتين، و اللتين لم تنس يوماً جمالهن، قد ذابتا و اصبح يشع فيهما نور ايمان يشوبه وجع و حزن مكظوم.

.. توقفت فاطمة امام تلك الصورة التي تذكرها بصورة ابي طالب عندما فارق الحياة. و كأنها ادارت بوجهها نحو السماء، فرأت الغيوم تحوم في الاجواء، فأحست بان يديها متيبستين فأشاحت بوجهها، و استقبلت انظار اُمها و هي تطالعها بعينين جامدتين لشدة الرعب الذي انتابها.

فلن يطفو حدس او شعور على بنت محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم إلا وارتسمت معه الحقيقة فهل يا ترى تنتهي المأساة الى هذا الحد، و قلب فاطمة يحدثها عن مصاب جديد.

فأحست بقلبها يغوص في اعماق اعماق روحها فيحدثها عما سيؤول اليه حال

ابيها.

و ما انقضى الليل حتى كان حاملاً معه احزان ولوعة، فخديجة الام صارت طريحة الفراش؛ فحدس فاطمة ما كان يقض مضجعها الا لانها شعرت بأنه سيتمثل امامها بعد ايام.

و حقاً سيدتي هو ما قد حدث، فلقد مر عليك يومان صادفك خلالهما اعنف هزات الفزع و انت ترين امامك ما تفعله الاقدار بالاحبة.

فها هو ابوطالب رحل قبل يومين و خلف وراءه حسرات و حسرات و دموع و آهات.

لقد نزلت بالاسلام نازلة اُخرى جعلته بين احضان القلق و العذاب.. و هو يحملق بشخص خديجة و هي تودع الحياة.

.. كان المسلمون يتوجسون خيفة عظيمة ترهب افكارهم، فبالامس و دعوا علماً من اعلام الايثار (ابوطالب)، واليوم يرون خديجة قد لبست ثوب المرض و هي بين مشّقتين، بين حبها للاسلام، و بين جزعها و المها على الذين يقطنون هذا الشعب المقفر، و هي ترى نفسها مكبلة الايدي لا حول لها و لا قوةٌ...

و اوشكت حياتها الان على النهاية.

.. (و حقا) سترحل خديجة كرحلة الشهداء.

.. فكأنني اراها قد التزمت زاوية من زوايا خيمة امها، و هي تعالج خوالجها ان شبحاً مرعباً طاغياً كان يجرح بمخالبه احساسها، و يسربل فؤادها بسحابة قاتمة.

و بدئت لها الحياة كأنها قد لفظت اهم جزء من جوهرها، ثم لم تكد تجهش بين بكاء وانين، و هي تحدث نفسه عن احلام الصبى السعيدة عن حجر الام و رائحته الطيبة، عن البسمات و الهمسات بين البنت و امها، و عن الدعابات المناغاة التي ربت و كبرت عليها، و هي تسمع امها تنشدها كل يوم قبل أن تودعها الفراش،فتغفو على

هذه و على تلك، اما الان فكل شي ء وصل إلى نهايته و نهاية هذا المطاف الفراق الذي اختاره اللَّه.

و هي تنظر الآن في وجوه من يلاقيها و تتمعن فيها، فتجدها مكسرة المعاني و الملامح، في حين قد زاد الهمس فيما بينهم؟

- ان أُم المؤمنين في انفاسها الأخيرة؟

- ماذا تقصد أو تعني انها تحتضر؟!

و يبهم السؤال بكلمة (نعم) (بلى).. انها مريضة..- اواه يا للكارثة، و ياللفزع والهول، ان وقعت المصيبة.

ثم يتسرب الخبر الى اطراف المخيم فيقض مضاجعهم.

فسقطن عند ذلك النسوة المنكوبات، يولولنّ و يلطمنّ الوجوه والصدور، عافيات على رؤوسهن التراب صائحات، اللهم لا ترينا ساعة الفراق.

ادار الجميع بعينيه حول هذه المرأة الصابرة المجتهدة بدينها، حينما جسدت ذلك الفداء، باسنادها للدين الجديد، بعدما تخلت عن البذخ والابهة، التي تربت عليها، اناملها من زينة و ترف.. في سبيل الاسلام، لتسد به رمق المسلمين بعد ان قاطعتهم قريش فاستقام الدين بذلك، فتبوأت مقاماً محموداً عند ذي العرش العظيم (فبشرها اللَّه بالجنة، و ارسل لها سلامه).

اجل ها هي الآن تشخص بتلك العينين المضيئتين بنور اللَّه، كي تلقي آخر نظراتها على ابنتها، التي لم تبلغ سناً يؤهلها الفراق عن امها.. فكانت خديجة تتلوع حزناً عليها، في حين تلوح على ملامحها كل معاني الوفاء والحب و هي مقبلة على خالقها.

.. و سريعاً ما تنقضي الساعات لتبرم النهاية، التي لا فرار منها، النهاية التي تفصل الاحباء عن محبيهم بكآبة و حزن و دموع.

فجلس عند ذلك الرسول بقرب زوجته الطاهرة، و هو يتأملها تاركاً لنظراته

الحزينة وجها المفتوح من الشجون، و هو بين لوعة و الم. يسكن عنها روعة الآخرة و يبشرها بالسعادة الابدية. و فاطمة بينهم تشهد تلك اللحظات المفعمة بالقسوة على قلب مرهف كقلب الزهراء.. و هي تقلب نظراتها الملتمعة بالدموع بين الام و ابيها.. و كأنها تخاطب نفسها: اَو حقاً سترحل، اَو ستتركني، ماذا سيحل بأبي.

.. ثم ترتمي على يدي امها تسكب عليه فيضاً من الدموع.. تلك الدموع التي تحمل معها الماضي السعيد، بين احلام الصبى و صدر الام الذي تغمر انفاسها فيه.

ثم ترفع رأسها الجميل، و تخاطب اُمها بكلمات تخنقها العبرة.

(فدتك نفسي يا اماه) فتمتمت الام بصورت واهن، و دعوعها تجري من عينيها و هي تتلمس و جنات ابنتها، تمسح عنها الدموع.. فتقلب وجهها بين البنت تارة و بين الاب تارة أخرى.. ثم قالت بنبرة تملئها الشفقة والحب.

- (يا رسول اللَّه: فمال النبي نحوها و هو يقول: انني بقربك اسمعك).

فرفعت خديجة بيديها المرتجفتين نحو جبينها الوضاء بنور اللَّه، و هي تحاول مراراً ان تسمح بعض قطرات العرق عنه، ثم قالت:

- (انني قاصرة بحقك فاعفني) فأجابها المصطفى و نظراته منصبة عليها، و قد فاضت نفسه حزناً و هماً، على هذه المؤمنة الرشيدة و قال:

(حاشا و كلا ما رأيت تقصيراً.. و اللَّه فقد بلغت جهدك و تعبت في داري غاية التعب، و بذلت أموالك حباً في سبيل اللَّه)..

.. ثم اخذت عينا خديجة تدور حتى ان وقعتا على شخص ابنتها فاطمة، فتحسرت مستعبرة و هي تقول:

- (أوصيك بهذِه، فأنها يتيمة من بعدي غريبة؛ فلا يؤذيها أحد من نساء قريش و لو بكلمة فأن قلبي ينظرها؛ و لا يلطمنّ خدها فيكسرن قلبها و لا يصحن في وجهها، و لا يرينها مكروهاً).

.. حدقت الزهراء في وجه امها، كانت عيناها تغطان بحرارة الدموع و كأنهما

تكلمان الام عما سيضمه القدر لها من بعد الفراق.. و كأني بسيدتي تضم وجهها بين يديها المتشنجتين.. فابتدرت خديجة الرقيقة توجه كلامها مرة اُخرى للرسول:

- (عند كلام لا أود أن أقوله لك بلساني خجلاً و استحياءاً منك، فانني أقوله لفاطمة).

.. عند ذلك خرج النبي متعباً مهموماً، و خلى المكان لخديجة و ابنتها فقالت خديجة و قد ملأت العبرات نفسها:

- (زهرائي، أبنتي، قرة عيني، قولي لابيك، ان اُمي تقول لك اني اخاف القبر اُريد منك ردائك الذي تلبسه حين نزول الوحي، تكفنني فيه).

.. و ما ان سمعت الزهراء وقع الكلمات حتى اُجهشت ببكاء و عويل فهرعت.. تركض الى ابيها متعثرة هائمة على وجهها..

فجمدت الدموع وسط مآقيها، و هي تنقل ما قالته لها اُمها، فدفع النبي اليها الرداء، و قد علت ملامحه رقة و شفقة، و لسانه يدعو لهذه الزوجة المخلصة، التي ما فكرت طوال حياتها مع الرسول في ان تجعل لها من ذلك الثراء كفناً تأخذه من هذه الدنيا لقبرها.

.. و بعد لحظات تتقدم بنت العصمة لتدفع الرداء الذي ضمته بين قلبها و عينيها و قد ابتل جزء منه بالدموع ثم دفعته لامها و هي تبكي جزعاً، فعندما رأت خديجة الرداء فاضت فرحاً و سروراً.

اللقاء الاخير


ثم اخذت اللحظات الاخيرة تشرف على الانتهاء، فأحتضنت الام ابنتها و ضمتها الى صدرها كالزهرة التي تضم اوراقها، و تنام هي معانقة سوقها تنتظر نسيم الصباح.

ثم اُجهشت الام و ابنتها بالبكاء حتى نال منهما الجهد، فاسترسلت خديجة تنظر الى ما حولها و انفاسها بدت تبطى ء قليلاً ثم تسرع، لكن شفتاها المتوردتان ظلتا تتمتمان بذكر اللَّه و كأنها زهرة اقاح ذابلة، امام نسيمات الفجر العليل.

ثم قالت اخر كلمات لها و هي تحتضر ضاغطة على ايدي زهرائها و نبراتها تتموج، و سطعت على رأسها انوار عظيمة ذات هيبة و جمال.. ثم انفرجت شفتاها عن آخر ابتسامة لها و هي تسلم و تدعو.. فأسبلت يديها من بين يدي ابنتها.

التفتت فاطمة نحو ابيها و هي تنظر في عينيه، جامدة، ساكنة ثم صرخت صرخة خرجت من احشائها (اُماه)، و ارتمت على صدر الام التي ظلت ابتسامتها الرائعة مرسومة على ثغرها الى آخر لحظات الوداع ثم اخذت تلثمها، و ظلت راكعة امامها تصرخ و تبكي.

عند ذلك فتحت خديجة عينيها منتفضة، كأنها نسيت ان تقول امراً مهماً، والقت نظرة ابتسام ممزوجة بالحزن، فتحدرت من مقلتيها آخر دمعة، و حسبي بها لؤلؤاً منثوراً.. و ظلت نظراتها واقفة على ابنتها تغمرها بالحب والحنان فهذه هي آخر نظرة القتها خديجة على فاطمة، كانت هي آخر عهدها بالحياة، ففاضت روحها الطاهرة الى حيث بارئها.

.. ضج من كان حول خيمة أُم المؤمنين بالبكاء والنحيب، و علت اصوات النساء و هي نادبة خديجة التي ما بخلت حتى بروحها الى آخر رمق فيها، من اجل عزة هذا الدين.

/ 27